الرعب

التحولات – قصص

 

1-التحول

 

ولــدتــك امــك يـا ابـن ادم بـاكيا
والناس حولك يضحكون سرورا
فاعمل لنفسك ان تكون اذا بكوا
فى يوم موتك ضاحكا مسرورا

 

1-المولد

 

2-عشق المرايا

لقد عشق التحول الجسدي منذ صغره، وكانت صدمته الأولى، في الأشهر الثلاثة الأولى، لما كان يزحف أو يحبو، ولأول مرة مرّ من أمام مرآة. وكانت هذه بداية اكتشافه لصورته، وبحثه المستمر عنها. لقد عشق جسده وجسد أمه. ولكنه يبحث دوما عن المزيد. عن الجسد الكامل، أو أقله الصورة المثالية لهذا الجسد. بطريقة ما أدرك وعيه كل ذلك، ويبدو أنه وكما يقال، فالمخ الصغير لعقل الرضيع يكون عبقريا قبل أن تفسده طبيعة البشر، وتجعله متخلفا. كل هذه الأفكار راودته مرة أخرى، وخالجته المشاعر المصاحبة لها، لما رأى ظله على الأرض، ولسوف تصحبه لعبة الظلال والمرايا لفترة طويلة من عمره، ربما معظم أيام حياته، فيظل بقية حياته يبحث عن صورة تشعره بالكمال الذي منحته إياه صورة المرآة الأولى تلك.

 

3-تحول وجهه

تعلم أول ما تعلم كيف يغير قالب وجهه ويحيله إلى ملامح كئيبة قاسية متجهمة مكفهرة حزينة وغاضبة وناقمة. تراه حملا وديعا يشع براءة من عينيه ولطفا من ثغريه. وفجأة ينقلب وجهه مثل عاصفة حلت فجأة فأربدت السماء لها. تفزع أمه لمرآه على هذه الشاكلة. أول مرة فعلها كان في عمر السنتين، بالكاد خطى خطواته الأولى إلى سنته الثانية، رأته يتهادى متخبطا بين الجدران التي لم تكن دافئة، وبلاط الأرضية الأكثر برودة، نظرت إلى صفحة وجهه فأفزع أمه عليه. ولن تكون المرة الأولى التي يفزعها فيها. ذات مرة فعلها معها بينما تلاعبها على حجرها، صفعته وقد تحركت يدها بتلقائية من نفسها بدون أي إرادة أو تحكم منها. لقد أفزعها حقا. اجفلت لوهلة وقد تسمرت مكانها تنظر له وجلة.

 

-أووه، آسفة .. آسفة حقا عزيزي، ما تزعل يا ضنايا

 

اعتذرت ثم لثمته على جبينه وفمه وتركته قبل أن يتشقق وجهه ليعود إلى طبيعته، وعملية العودة ليست أقل بشاعة من التحول. انقبض صدرها وخفق قلبها. ما هذا ياترى؟ تساءلت في سرها. وأخبرت أبيه الذي لم يجد تفسيرا وأعزى الأمر إلى مجرد شقاوة أولاد. في المرة الثامنة التي فعلها فيها -ولم يتجاوز بعد الأربعة سنوات- أسقطت خالته صينية الشاي،كان في تجمع عائلي دافئ وجميل. هناك لطشات حامية وكافية من المياه الساخنة أصابت صدرها لما انقلبت على وجهها تسقط على ركبتيها، لتصيب التسلخات جلدها وأسفل عينيها لازالت متسمرة تجاه التشققات في وجهه أثناء عودتها للطبيعة. صنعت المياه تشوه بشع على صدرها، ولكن صنيعة الصدمة كانت قالب أكثر بشاعة على وجهها.

 

ذهب الأب وخاله به إلى طبيب كبير للإطمئنان لعدم وجود أي خلل عصبي أو علة مرضية من نوع ما، وقد طمأنهم الطبيب وأشار إلى الصحة الطيبة لطفلهم. ولكن ما لبثوا أن ازداد قلقهم مع عدم وجود سبب طبيعي لهذه الملامح التي تكتسي وجهه الملائكي فتحيله إلى شيء شيطاني. حتى الاستشارة النفسية لم تفلح في تفسير الأمر. ثم وبعد عدة صدمات خف الضغط وبدأ سحر العادة يزيح الخوف عن قلوب عائلته مفترضين أنها مجرد موهبة ما بدأ يتحكم بها بسولة ويسر عند سن الخامسة (مثلما يقلب ابن خاله جفنيه) هكذا قالها الأب ذات مرة ضاحا غير مقتنع تماما بما يقول. وظل الخوف مصاحبا له خاصة في عيون الغرباء لو أراد معاقبتهم بأن يغضب عليهم بوجهه. لا يصيح ولا يضرب!. لأن وجهه أصبح من سيء إلى أسوأ، حتى أن اعتياد أبويه عليه، لا يرجع لكونهم قادرين على النظر إلى وجهه لما يصير إلى هذه الحالة، بل فقد لأنه ابنهما، أما الآخرين، فقد تجنبوه تماما. لاحقا، حتى الأطفال في الشارع أو المدرسة، عاجزين عن التنمر عليه أو الضربة، مثلما يفعلون مع أي غريب آخر، لا أحد يستطيع أن يجرؤ ويلمس وجهه الذي وصفه أحدهم بأنه مثل جلد الثعبان (أبي أخذني إلى حديقة الحيوان وكل مرة كنت أتصور معها، كنت فاكرها بتخوف قبل ما أشوف العو فعلا).

 

4-تذوق الدم

العادة الثالثة التي اكتسبها لما كبر قليلا، مباشرة بعد قلب وجهه أمام المرآة (ولم يكن وجهه يفزعه)، هي أن يكون داميا.

 

-الضربة الرجولية هي التي تخترق بالنصل إلى الجهة الأخرى من الجسد

 

قالها خاله له ولرفاق صباه -الذين كانوا غرباء كفاية ليرافقوه- ممازحا إياهم، لم يطبق نصيحته حرفيا وإن كان حاول مرارا. ثم تمكن -على الأقل أمام نظره- من أن يدمي يديه بقسوة وقوة ويضخ الدماء خارجا بغزارة، فعل ذلك من خلال ربط سلك حول أصبعه الأطول في يسراه (السبابة)، وظل يسحب مستفزا حدة السلك المعدني الصلب، فشل أكثر من مرة، وهذه المرة نجح تماما، لما ضغط أكثر وضيق الخناق على الدم المحبوس حتى انفجر عبر ثقب صغير من أنمله، وربما حدث ذلك، لأنه أوغل الإبرة في هذه المنطقة تحديدا. وعند رؤيته الدماء زاد نهمه للمزيد، وكان عمره ثلاث، أو أربع، ربما أكثر، هو لا يتذكر تحديدا متى استطاع أن يفعل ذلك. دخل على أمه في المطبخ، وهي تقطع البطاطس إلى شرائح، وكانت تقطع اللحم أيضا. رأت لحم إبنها ممزقا ومشوها في خطوط متوازية تغطي ظهر ساعديه.

 

-محمد

 

صرخت منادية بإسم أبيه، وقد سقطت منها سهوا الصينية التي تحمل في بطنها الزيت المغلي. وانسكب الزيت على ساقه العارية تحت سرواله القصير وقدمها الحافي، ,ليحول جلدهما إلى لون ونوع آخر تماما غير ما كان. كان يتألم من جروحه الدامية فنسى ألمه وهو يتابع ذلك التحول السريع بسبب حرارة الزيت. اشتهى الدموية، وعرف لأول مرة تحول حقيقي يصعب إرجاعه لصورته الأولى، وهو التحول بالدم. سمع أن تلك التحولات يطلق عليها الكبار لفظ (التشوهات). وما رآه الآن، ويعيد تذكره، منذ أقل من ساعة، بينما يتأمل الطبيب المعالج، عرف من خلاله، أنه ليس الدم فقط هو ما يغير الجسد. لقد رأى وجه آخر في المرآة، وكان يتأمل كل الوجوه من حوله، لأن فيها أشكال أخرى غير وجهه، وكان الجميع يتحاشى النظر إليه، فمع الوقت، اكتست عينيه بهذه النظرة التي تغطي على معظم وجهه، ولا يستطيع أحد تحملها. النظر في وجهه، عبر المرآة، أو صورة أو مقطع متحرك على الهاتف بعد تصوير نفسه، والنظر إلى الآخرين، والتمتع بقدرته على اللعب بوجهه، لكن لم يستطع مرة أن يحظى برؤية جيدة لما يراه الآخرين، ربما يبالغون في فزعهم، لكنه يستمتع بتغير وجوههم عند الفزع.

 

خلال عامه السادس، كاد أن ينسى عشقه لتغير الوجوه، بسبب الأمور التي تطرأ على الجلد، ويتخيل ما يحدث أسفل الجلد ويشتهي أن يرى لحمه عاريا فلا يستطيع. لأنه في نفس هذا العام، وبعد أن اعتاد كثيرا على نحت ظهره بالموسى، كادت أمه أن تحجزه في مشفى أو عند عيادة نفسية خاصة، لذا قرر أن يبدوا عاقلا بالشكل الذي يريده منه أن يكون. ويشاء القدر أن أبيه يعمل مدير لقسم الحرائق في إحدى المستشفيات الجامعية، ويضطر أبيه في أحد الأيام من نفس هذا العام السعيد، وكأنه سهم آخر وجهه القدر إلى قلب أبيه، أو نفحة تراب أعمت بصيرته. يضطر لسبب ما لا يتذكره، أو ربما كان يجهله الطفل، لأن يأخذه معه إلى العمل. ربما كانت والدته مريضة وكانت محجوزة في المستشفى، ربما كانت أمها هي المريضة، وكانت تزور أمها، المرض هو تغير آخر يطرأ على البشر هام به حبا، لكنه نسى هذا أيضا مع مجموعة من تغيرات الوجه التي نسيها مؤقتا. فهناك -في المستشفى مع أبيه- شاهد ما جعل لعابه يسيل، وعيونه تجحظ، وأنواع من الاحتراق الذي يحيل الأجساد إلى قطع متآكلة ومتفحمة ومتسلخة. بل وعرف أن للحرق أصناع ودرجات وطبقات. تخرج بسببها أنواع وألوان وأشكال من الحروق.

 

ثم قطع الحرق، مشهد قطع، لما رأى هذا الرجل محملا بدون قدمين

 

-لا لا .. مش من هنا، خدوه على الناحية التانية

-يا ناس حرام عليكم .. الراجل رجله باظت (اختلط صوتها مع صوت امرأة أخرى تقول -الراجل هيروح مني- لأنها كان كتلة من اللحم المحترق)

 

-ده قسم حرائق يا أمي .. مش هيفيدوكي في حاجة

 

وعرف أنه هناك القطع والتمزق,وسلخ آخر غير ما تسببه المياه المغلية، وغير ذلك من الجروح والإصابات و حتى الكسر. لقد تسلل وتملص وانفلت من بين أيدي أبيه وأنظاره ليفتش ويتلصص على كل أقسام المستشفى الكبير. وبشكل ما تمكن من ذلك، حتى أنهم منعوه من دخول إحدى عيادات جراحات الأسنان، فما كان منه سوى أن كشف عن أسنانه، ولقد صرخت الممرضة بقوة، والتف الجميع حوله لينظروا ما أصابه، ثم اكتشفوا أن ما به من سوء، ولم يعرفوا أن هذه كانت صفحة وجهه المخبأة ويخرجها عند اللزوم، وقد أفادته كثيرا بالفعل.

 

واكتملت سعادته لما عاد للمنزل ليصله خبر أن إبنة خالته كسرت ساقها وعليهم أن يزوروا بيت خاله.

 

5-إنه ينمو

حين ذهب إلى عيادة الأسنان لأول مرة (وكان بعد صغيرا جدا تقريبا في الرابعة من عمره وقد تذكر ذلك لاحقا في المستشفى مع أبيه)، استعاد تجربة سابقة أراد أن يمسك بها فلا تفلت منه. مع نمو جسده اكتشف نوع جديد من التحول، أسنان تنبت وتنخلع لتخرج أخرى، يقص أظافره وتطول ثانية. وجهه يتغير بشكل كبير مع نمو شعره أو حلاقته. شعر طويل أم صلعة ملساء؟. وهناك خط أسفل أنفه يشي بشعر إسمه الشارب سوف ينبت من هذه البذور. عرف أن آخر سوف ينبت في الذقن واسمه لحية. صار مفتونا بأسماء شعور الجسد وأنواعها، واكتشف أنه يوجد المزيد منها.

 

سمع عن ارتباط هذه الزيادات في الجسد بالجن والشياطين؛ الشياطين تسكن تحت الأظافر، جنية الأسنان تحصل على الأسنان، في الليل عند أوروبا وأمريكا، وفي النهار في البلاد العربية (يا شمس يا شموسة، خذي سنة الجاموسة،وهاتي سنة العروسة). أم الشعور غالبا مرتبطة بالشعور ويغطيها الشعر من قمة رأسها حتى اخمص قدميها.

 

لاحقا وفي عمر السادسة عشر أدرك المعنى الحقيقي للنمو، وتحسسه في تضخم جسده وعضلاته. واحد من التحولات السعيدة التي لا رجعة فيها إلى الصورة التي سبقتها، مع أنه قضى الثلاث سنوات التالية، يلعب بجسده، ما بين نحيف وسمين وعضلي من خلال التمارين، وتناول الطعام وفق برنامج خاص، أو الامتناع عنه. واستقر في العشرين على جسد عضلي أعجب به.

 

6-اختفى ظله

أول ما لاحظ اختفاء ظله كان أثناء تتبع كلب مسعور لخطواته وهو بدوره أخذ ينظر إلى خطوات الكلب خلفه دون أن يلتفت. أخذ يراقب الكلب وفي العادة ينظر إلى أقدامه حتى لا يهجم عليه الوحش الصغير خلفه وهو في غفلة من أمره. وقد تعلم هذه الحركة من إبن عمه. حيلة النظر إلى القدمين بدلا من النظر إلى الخلف يستخدمها حتى لا يحسبه الناس خائفا من الكلب وهو فقط يأخذ حذره منه. يستخدم حيلة النظر إلى قدميه فقط لما تكون الظلال مختفية إما لأن زوايا الإضاءة لا تساعد على ظهورها أمامه وإما لخفوت الإضاءة أو حتى شدتها في مرات نادرة.

 

وفجأة، في ذلك اليوم، أو في يوم ما، أضحى لاظل له. فعلا! لا يعرف أين ذهب ظله؟.

 

ومنذ الخامسة ولسنوات طويلة من عمره، ربما حتى بلغ الخامسة والعشرين لم يعرف هل كانت هذه تهيؤات أم ماذا؟.

 

7-اكتشف الخنق

عودة إلى عمر الخامسة، والمزيد من الاكتشافات، وقد لاحظ الأمر لأول مرة لما كان يسعل أثناء مروره من أمام مرآة الحائط المعلقة في الرواق الكبير داخل بيتهم. استدار ونظر بثبات وهو يقف مستقيما يعطي وجهه إلى واجهة المرآة، افتعل سعلة أو سعلتين. ركز أكثر في التغيرات الجديدة (بالنسبة له) التي طرأت على وجهه. لا يعرف متى تعلم هذه الحركة / الوضعية لكنه يذكر أنه وضع كفيه على مؤخرة عنقه، يدا فوق يد، ثم أسقط إبهاميه إلى أسفل العنق حيث تلك الحفرة التي لا تحتمل كثيرا من الضغط، دار بعينيه يمينا ويسارا يتفحص المكان ليتأكد من عدم وجود أحد يراقبه، ثبت يديه، ثم ضغط بكل قوته بإبهاميه متشبثا ببقية الأصابع أن لا تفلت يديه. وقبل أن تفلت الصورة أمام عينيه، ومتناسيا آلام الاختناق التي تغلغت فيه، أخذ يتابع الوجه الجديد الذي ظهر له في المرآة، ثم أخذت الظلمة تغطي الرؤية حتى أفسدتها تماما. أفلت عنقه قبل أن يفقد وعيه.

 

هنا، عرف أنه ربما ستكون مهنته هي وظيفة قاتل، وقد تحددت له، بمشيئة القد، ,وهو في عمر السادسة.

 

8-ارتدى الملابس

في فترة مبكرة من حياته,تحديدا (في منتصف طفولته) كما ينظر هو إلى تلك المرحلة وكما يصنفها بعقله الناضج وعمره سبع سنوات، اشتعل إهتمامه بالملابس، وخاصة ملبسه هو لأنه قيد تحكمه بالكامل. فهو لا يتحكم بألمه تماما، ولا يمكن أن يحبس نفسه خانقا لروحه، ولا أن يفتح ثقبا يسكب الدم من جسده، إلا وينتهي أي من هذا بموته. الذي وإن كان أمرا غير مكروه تماما بالنسبة له، لأنه يفتح له مجالا لمزيد من التحولات المستكشفة، فغياب شخص عزيز عنه هو تحول في الأوضاع الطبيعية، إلا أن الموت قد يمنعه عن التحولات التي ألفها وصار يعشقها. لنفس السبب تقريبا لم يستطع بعد أن يعمي نفسه ويسمل عينيه.

 

إن موهبته الكبيرة على التحكم بتعابير وجهه وملامحه تكون محصورة في قوالب وعلامات معينة مهما اجتهد لخلق تنوعات جديدة منها. ولا يمكن الحفاظ عليها لمدة طويلة، كما أنها محدودة على لون الوجه المعتاد. ولا تعطي بروزات إلا بذلك التحول الذي سيعرفه لما مرض مرضا شديدا. أما الملابس فتعطيه خيارات تكاد تكون لانهائية ولا حدود لها من الألوان والأشكال والأحجام. هو الذي يرتدي الملابس ربما منذ كان رضيعا، لم يشعر أنه يرتديها فعلا إلا اليوم.

 

9-مرض يوما

بالنسبة له، وعلى العكس تماما من بقية الأطفال في نفس عمره، تعد تجربة المرض من أمتع التجارب التي مرت به خلال فترة حياته القصيرة التي لم تكتمل بعد. مجرد سبع أو ثماني سنوات تكون طفولته، ولا تكاد تُذكر في عمر البالغين. وكان لديه إدراك عميق لذلك، وربما مبالغة ومغالاة في تهميش نفسه.

 

لازال حتى اليوم، يتمنى أن ينسى حتى يتسنى له معايشة الأحاسيس والمشاعر التي زلزلت جسده وكيانه عندما مرض لأول مرة مرضا شديدا أعياه وجعله طريح الفراش أكثر من إسبوع، يتخيل تكون فجوات عملاقة على الفراش تكاد تبتلعه. اصفر لون وجهه، وشحبت هالته وكثرت الهالات السوداء تحت عينيه، واحمر جفنيه، واختفى تورد خديه، والتصق جلده بعظمه، ولطخ القيئ ثيابه، وتغيرت تعابير وجهه فهي عيون زائغة وفم فاغر وأنف مسدود ورأس مهتزة تترنح فوق ركبته نشوة وسكرا بالمرض. الصورة أمام عينيه تحولت رأسا على عقبيها، فصارت الموجودات هي الأخرى مهتزة وتدور.

 

10-ارتدى الأقنعة

أثناء خوضه في عالم الملابس، وبعد ارتداءه عدد كبير من الأطقم الثيابية والملابس المتنوعة والأردية المختلفة، يتعرف على واحد من مكملات الثياب ومستلزماتها وإكسسوارتها؛ الأقنعة. لقد فتنه القناع فتنة، لا يعرف هل تجاوز كل تجاربه التحولية السابقة أم لا، وبدأ وهو في الثامنة يتنامى لديه إدراك وتوقع بأن ما ينتظره في المستقبل هو الكثير جدا من الأمور التي لم يتعرف عليها بعد. وعند هذه المرحلة أدرك أنه على طاولته الكثير من الخيارات متمثلة في الأقنعة والوجوه والظلال (التي لا زال يبحث عنها) والزينة / الماكياج والشعر والملابس والتماثيل.

 

11-قرأ

اقرأ كان نقطة تحول بالنسبة إلى نبي الإسلام، وكان بالنسبة له تحول عظيم أيضا، قرات القرآن وعثر فيه على تحولات تضاهي ما قرأت في نصوص اليونان المغالى في تقديرها من مثال الإلياذة والأوديسة والإنياذة والتحولات والكوميديا.

 

12-فراغ

في عمر الثانية عشر .. كان هذا أسوأ عام مرّ على حياته كلها، لأنه لم يكتشف أي تحولات جديدة وتفرغ فقط للقراءة.

 

13-الشهوة

 

14-الحب

في الثالثة عشر حدث له تحول غير عادي؛لقد أحب إمرأة. ورافق الحب أول غريزة يكتشف أنها ألذ من الجوع؛ الشهوة. الحب يملأ الفراغ، أو ربما هي الشهوة. جالسا أمام بيته، وهي جالسة أمام بيتهم، كانت تأكل تفاحة، أخذ ينظر إلى كل حركاتها وهي تمضغها وتقضمها وتبلعها. يتابع شفتيها ويديها وعنقها، ويتتبع أصغر خلجاتها وتعبيرات وجهها. السخونة التي اعترته فسرها بفطنته أنها الشهوة التي سمع عنها قبل أن يعرفها. ومن أجلها، احتفظ بصورة إبنة خاله، وأخذ يتخيل عليها مشاهد جنسية، ومع الأيام بات يترجم كل حركات وإيمائات إبنة الجيران على أنها إشارات جنسية موجهة إليه هو، ووأخذ يتخيل كيف يحول كل هذا اللحم إلى مذاق شهي!.

 

استمر ذلك إلى المزيد

 

فمن التحولات التي عرفها التحول العاطفي وما يصحبه من تغيرات جسدية تعطي للجسد قوة عند الغضب والخوف، وخمول عند الضحك والحزن والراحة. وعلل تكاد تحرقه أو تمرضه إذا امتزج الغضب بالكراهية في مزيج متأجج. إحساس الصمم الذي يكاد يشعر به مع قلبه الذي يدق. بل لقد سمع عن بعض حالات الهياج التي تتكسر لها العظام.

 

لديه دوما ذلك الشعور؛ الحاجة إلى عمل شيء ما.

 

الجنون يعطي دفعات خارقة من القوة وما يشبه التحول إلى شيء آخر على الصعيد النفسي والجسدي.

 

 

15-اقتنى حيوانات

قط وكلب وطائر صغير، ثم صارت غرفته مثل حديقة للحيوانات. أخذ يتأملهم ويفكر في الفروق بينه وبين الكلب مثلا. وتمنى لو يتحول إلى ذئب بعد منتصف الليل في ليلة بدرية. وكان يتخيل وجه فتاة الجيران المدور في وجه القطة اللطيفة.

 

16-العافية

مع نمو جسده أكثر، وقد صار مراهقا ذو بنية جسدية كبيرة، وعمر غير صغير (16 عاما)، وكان يتابع التحولات بالحجم لدى الأشكال البشرية. فينظر للقصير والطويل والسمين والنحيف. ثم الأشكال الأكثر تفردا؛ الأحدب والغير متناسق والمقالي. وذو العنق الطويل وذو الجبهة القرنية.

 

17-الوشم

مع متابعته المستمرة للتحولات المكتشفة والمحفوظة في قعر ذاكرته، شعر بالملل، هذه الأشياء لا تزيده إلا قليلا، والنمو أمر مكرر وليس مكتشفا جديدا. إلى أن عرف الوشم!.

 

 

 

 

[18]

 

أول مرة يدخل السينما,وعرف أنه ومن خلال تقنيات بسيطة مثل (الفوتوشوب) مع التصوير الفوتوغرافي أو التسجيلي,يمكنه أن يضيف الكثير من الأشياء ويحيل صورة إلى أخرى. أو يخلق صورة من العدم كما في الفن التشكيلي,ووحوشا لم توجد قط في هذه الدنيا.

 

في عام واحد أنهى مشاهدة أكثر من خمسة آلاف فيلما,وأشياء أخرى تتعلق بالتصوير,وأتاه سعار جعله يقفز إلى الأدب. وهو يقرأ منذ التاسعة أو السادسة. ولكنه الآن هائج,ويحتاج إلى المزيد من الخيال والتحولات.

 

 

 

[19]

هناك العديد من التحولات في مختلف المظاهر الفيزيائية / الميتافيزيقية / الإجتماعية / النفسية / الفكرية / الفنية. غير تحولات الوحوش والإنمساخات بالطبع. من التحولات الفيزيائية تحول الضوء عند مروره من أنواع معينة من الزجاج,مثل تلونه أو إنكساره أو إنعكاسه. ولا ينسى التحولات الكيميائية من سم إلى دواء مثلا. ومن التحولات الميتافيزيقية تلك الحاضرة في الواقع بتقلب الأحوال.

 

التحول هو تغير في شيء ليقلبه إلى شيء آخر,مثل تقلب الليل والنهار,يعد الفجر والغروب هما طرفي هذا التحول,والمفضلان لديه.

 

وأخرى.

 

وهناك التحولات في المكان؛السلالم والأبواب والمكان.

 

وتحويل الإتجاه.

 

والتشيء,أن يشعر أنه جماد.

 

[20]

هذا العام أخذ يلعب على جسده,ويحسن نفسه رياضيا وصحيا ثم وكيميائيا. صار وحشا / غولا مدرعا بالعضلات في كل أنحاء جسده.

 

[21]

تولد الشرّ.

 

تولد الشرّ داخله. أدرك بطريقة ما أن كل ما يفعله,أو ما يشتهيه,خاطئ تماما. أنه صار تابعا للشيطان حتى تمنى لو يراه. الشيطان وحده هو الذي يملك مزيدا من التحولات التي لم يقدر على تحصيلها بعد. وقد شعر وقد تلبسته حكمة إبليس أنه شاهد جميع التحولات الممكنة ولا يوجد المزيد.

 

واكتشافاته للشرّ أطعمته,فكان يراقب تحول الناس عندما يظهر نفاقهم,وبريق المعادن عندما تكشطه الشدائد. قريب أو غريب.

 

 

[21]

لم يستحم طوال هذا العام,راجيا أن يحدث العفن المنتشر في جسده أي تحول ملحوظ مثلما حدث له العام الفائت.

 

[22]

الجراحة فتحت له مجالا واسعا من التحول,وهو يرى أنه أنهى تحصيل شهادة الطب قبل أن يتخرج حتى من الكلية. أي جرح في الجلد يصنع ندبة,خاصة مع التقطيب السيء. جسده مليئ بالندبات.

 

[23]

في هذا العام قرأ كثيرا عن التحنيط,وفتن به,وذهب إلى الكثير من المتاحف والمعارض والمستشفيات ليشاهد الجثث المومياوية والتمثالية المحنطة والمتشمعة والمتحجرة. وفقط المتخشبة أو المتجمدة. ثم إلى القبور ليشاهد الجثث المتحللة.

[24]

قضى طوال عمره يبحث عن ظله ويتحول من إنسان إلى إنسان آخر,الآن تحول إلى آخر؛لا ظل له,لا إنعكاس في المرآة,ولم تعد تظهر صورته في الكاميرا أو في الصور الفوتوغرافية. ولا صوت لحركات جسده أو خطوات قدمه. جروحه لم تعد تنزف دما,وتلتئم بسرعة لحظية. ونمو جسده كان أسرع. وتخرج بروزات مختلفة من كل أنحاء جسده. وجهه صار بشعا. صار هو منعزلا عن عائلته منذ زمن. لذا ذلك هون الأمر عليه. رائحته رهيبة وكريهة. لسان مشقوق يخرج من بين أنياب. طالت أظافره لتتحول إلى أنياب. صارت لديه القدرة على الرؤية في الظلام. تحول من إنسان إلى مسخ. أم يهيئ إليه؟.

 

 

 

[25]

الموت.

 

هو التحول الأخير.

 

تزوج ساحرة

 

الإحياء

 

[15]

التجلي هي ظاهرة ميتافيزية معرفة عند المتصوفة والناسكين,تصف التحول إلى شكل أقرب للإله. وهو ما لم يفهمه هو.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *