الرعب

الصورة البيضاوية – قصة قصيرة – بو

بينما كنا نسير في الغابة وبعد أن بلغ بنا الإعياء مبلغه ، لمحنا سطح منزل يطل من بعيد، في الواقع لم يكن بعيدا جدا ولكن الرحلة كانت مرهقة كثيرا لوجود العديد من الجبال الوعرة التي كانت تعترض طريقنا، لذلك لم نصل لذلك المنزل إلاّ بعد أن أرخى الليل سدوله. بالرغم من أن المنزل كان جميلا إلا أنه بدا حزينا وغريبا في آن.

كان قديما جدا، وأعتقد جازما بأن تاريخ بناءه يعود لمئات السنين وذلك لطرازه القديم، كما أنه كان مهجورا .كنت قد أصبت إصابة بليغة بحيث لم أستطع تحمل بقائي في الخارج ، لذلك أمرت خادمي بيدرو أن يقتحم باب المنزل. بعد أن دخلنا المنزل قال بيدرو “يبدو أن هذا المنزل كان به بعض الساكنين لفترة وجيزة من الزمن، ولكن يبدو أيضا أنهم خرجوا منه مسرعين” ، قال هذا بينما كان يحملني ويمر بي خلال العديد من الغرف الكبيرة الغنية بالأثاث حتى وصل بي إلى غرفة صغيرة تقع على ناصية المنزل العتيق. ساعدني على التمدد في أحد الأسرة الموجودة في تلك الغرفة. كانت هناك الكثير من الصور الحديثة والجميلة تحيط بجميع حيطان تلك الغرفة ، نظرت إليها لبرهة من الوقت في ظل ضوء الغرفة الخافت، وكانت تحيط بي من كل جانب.

لم أستطع النوم بسبب شدة وطأة الألم علي ، وشعرت بالوهن الشديد بحيث أنني خفت من أن أموت وفي هذا المكان الغريب، لذلك طلبت من بيدرو أن يضيء المصباح القريب من سريري. بعد أن فعل ما أمرته به ، وجدت كتابا بالقرب من السرير، فأخذته وشرعت بقراءته، كانت به قصص تفصيلية عن كل صورة من تلك الصور المعلقة على جدران الغرفة، بدأت في النظر صوب كل صورة بينما كنت أقرأ قصتها في ذلك الكتاب. كنت أقرأ وأنظر لتلك الصور لفترة طويلة من الزمن وقد مر الوقت سريعا دون أن أشعر به، بدأت أشعر بالإرهاق الشديد في عيناي بحيث وجدت أنه من الصعوبة بمكان مواصلة القراءة ، لذا قمت بتوجيه المصباح صوب ركن آخر من الغرفة كان مظلما بحيث يمكنني أن أرى مزيدا من الصور الأخرى.

دارت عيناي على صورا كثيرة أخرى ، حتى وقعت عيناي على صورة بيضاوية لامرأة شابة ، وقد أغلقت عيناي بصورة لا إرادية ، وبينما كنت مغلق العينين، تساءلت لماذا أغلقت عيناي فجأة بمجرد رؤيتي تلك الصورة. بعدها أدركت السبب، لقد قمت بذلك حتى أعطي لنفسي مزيد من الوقت حتى أفكر هل ما رأيته كان حقيقة أم ضرب من ضروب الخيال بسبب الإرهاق و التعب. هل كنت أحلم؟ لا، لا يمكن ذلك وقد بدأت أصحو من جديد. انتظرت حتى يعود لي هدوئي، بعدها فتحت عيناي ونظرت صوب تلك الصورة مرة ثانية، لا يمكن أن يكون هناك خطأ،إنها نفس الصورة التي رأيتها قبل أن أغلق عيناي. كما قلت سابقا كانت الصورة بيضاوية الشكل لامرأة شابة، تظهر فقط رأسها وكتفاها. لقد كانت بالفعل أجمل صورة أراها في حياتي تدل على أن من رسمها كان فنان غير عادي ، كما أن المرأة الشابة كانت أجمل فتاة وقعت عليها عيناي، ولكن لم يكن جمال الصورة ولا جمال الفتاة من أذهلني و سبب لي تلك الغفوة.

لم أرفع عيناي عن تلك الصورة البيضاوية الشكل لساعة من الزمن تقريبا، بعدها أدركت السر الحقيقي وراء تلك الصورة، كان سرها يكمن في الطريقة التي تنظر بها نحوي وكذا عيناها وابتسامتها الساحرة. كل ذلك كان لا يوحي مطلقا بأنها صورة ، بل كائنا حيا. كان من الصعوبة بمكان التصديق بأن هذه الشابة التي تنظر إلي بهذه الطريقة ما هي إلا صورة. هنا بدأ شعوري بالتغير حيالها ، فكلما طالت نظراتي صوب تلك الابتسامة المذهلة والعينان الساحرتان كلما ازداد خوفي. في الحقيقة كان رعبا رهيبا وغريبا ذلك الذي شعرت به وأنا أنظر صوب تلك الصورة لم أعرف سببه. أعدت ضوء المصباح نحو الكتاب كي أقرأ قصتها ،وسرعان ما حل الظلام صوب تلك الصورة ، شرعت بسرعة بالبحث عن قصتها في ذلك الكتاب حتى وجدتها، فقرأت السطور التالية:

 

” كانت زهرة شابة وجميلة، وكانت دائما سعيدة. نعم كانت دائما سعيدة، إلى أن أتى ذلك اليوم المشئوم عندما رأت وأحبت رسام صورتها تلك. وسرعان ما تزوجا،ولكن للأسف الشديد كان عمله في الرسم أحب إليه من زوجته، بل كان أهم ما لديه في هذا الكون. لقد كانت زهرة يانعة         و نورها وضّاء ، وكان وجهها مبتسما دائما، كانت تحب كل شيء جميل في هذا الكون ماعدا عمل زوجها الذي سرقه منها، حتى أنها كرهت الرسم. إلى أن حدث ذلك الشيء الرهيب عندما أخبرها ذات يوم برغبته في أن يرسمها.

جلست لأسابيع كثيرة في غرفة كبيرة ومظلمة ، بينما كان هو منهمكا في رسم صورتها، كان طوال الوقت صامتا، منهمك في عمله ولا يخاطبها إطلاقا، بل إنه كثيرا ما يغيب عنها ويتوه بعيدا عنها في أحلامه الجامحة والغامضة.

فقط كان مطلوبا منها أن لا تتحرك لساعات طوال أثناء رسمها ، وقد أطاعت ذلك عن طيب خاطر يوما بعد يوم، حتى أنه لم يلحظ الضعف والوهن الذي بدا يظهر على جسدها عموما ، لم يرى – ولم يكن يعنيه أن يرى – كم أصبحت حزينة وهزيلة بل وذابلة. ولكن –وبالرغم من ذلك- لم تكف عن منحه ابتسامتها ، لأنها رأت بأن زوجها –وقد أصبح مشهورا الآن – كان يستمتع كثيرا بعمله،وكان يعمل ليل نهار دون كلل أو ملل حتى أصبح هو نفسه يشعر بالضعف والوهن.

شاهد العديد من الناس الصورة وهي لم تكتمل بعد ، وعبروا عن إعجابهم الشديد بها ، وأكدوا بأن هذه الصورة الجميلة تعبر بحق عن حب الرسام لزوجته الجميلة ، بينما كانت هي تجلس صامتة أمام زوجها وزواره ، ولم تعد تسمع أو ترى شيئا. لقد قارب على الانتهاء من عمله . ولكن بدأ شعوره وسلوكه بالتغير ، فلم يعد يرحب بقدوم الزوار لرؤية الصورة ، وبدأ وكأن نارا رهيبة تشتعل في نفسه الآن.

بدأ متهورا هائجا كالمهووس لسبب لا يعرفه، بل أنه لم يستطع حتى أن يرفع عينيه من الصورة ليوجهها لزوجته الصامتة التي أبيض وجهها الآن وأصبح كالثلج. لم يستطع الرسام أن يدرك بأن الألوان التي يرسمها على وجه الصورة لم تعد هي نفسها على الوجه الحقيقي. بعد عدة أسابيع أخرى وفي إحدى ليالي الشتاء، وضع آخر لمساته على الصورة وبعد انتهائه منها تراجع إلى الخلف كي يراها بوضوح أكثر، بينما كان يمعن النظر في الصورة ، فجأة بدأ يرتعش وشحب وجه ، وبدأ بالصراخ في هستيريا “يا الهي ، إن هذه المرأة المرسومة ليست خيال وألوان، إنها حقيقية” بعدها التفت صوب المرأة الحقيقية التي أحبها كثيرا ذات يوم ووجدها قد فارقت الحياة.

ترجمة: طارق السقاف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *