روايات مترجمة

المركوبة – تاريخ

 

1-أبواب وأقفال للنساء

في الغرب المسيحي واللاتيني، احتُحزت النساء لوقت طويل خلف الأبواب من أجل (احترام القاعدة) التي تقضي بأن المرأة الجديرة بهذا الاسم لا تستطيع أن تعيش في الخارج. في القرن الخامس عشر، نصّب عالم الآداب القديمة الإيطالي ليون باتيستا ألبيرتي نفسه ناطقا باسم جميع الأزواج، وذلك بكتابه عن العائلة، وهو دراسة عن الحياة العائلية ظهرت في العام 1443، وسمح لنفسه بذلك بأن ينطق أيضا باسم الزوجات. فبعد أن انتقد باستفاضة الأعباء المنزلية ولقب الزوجة بأنها (زعيمة الجميع في المنزل وسيدتهم)، تحدث في تلك الدراسة عن (التحفظ والاعتدال اللذين يجب عليها إظهارهما في كل أمر). عبر فتح الباب مواربة، كان الزوج يسمح لزوجته الشابة بظهور عابر على عتبة البيت، وذلك كي تمنح نفسها سلطة و(تقدم نفسها في الخارج، أمام الباب المفتوح، برزانة جميلة، وملامح جدية ستدفع جيرانها للاعتراف بحذرها، وسوف يمتدحونها، في حين أن أولئك الذين من طرفنا سوف يحترمونها أكثر).

 

بهذا الصدد، تتحدث المؤرخة كلابيش زوبير عن فن الظهور، بل عن تجلي سيدة المنزل أو ارتقائها عندما تقف بصورة استثنائية على عتبة مسكنها. في الحقيقة، كان (هذا الظهور كما يجب) يسمح بلامسة الحيز العام بالتوافق مع عادات ذلك العصر حيث يجب على المرأة المتزوجة أن تبقى في الداخل، محمية جيدا في سياج بيتها بهدف الدفاع عن شرفها، وبصورة خاصة لزيادة شرف زوجها. عندما كانت امرأة تجتاز الباب استثنائيا، فقد كان ذلك للذهاب إلى قدّاس أو احتفال ما، ولم تكن تستطيع الخروج إلا برفقة (امرأتين على الأقل أو رجل)، وتكون أنيقة ومزينة لتشرف زوجها. كان أي خروج يعد مشبوها، بسبب وجود خطر، بل محظور، التعدي على المجال العام، وهو مجال محصور بالرجال و(الشؤون العليا). لكن في الداخل، ما إن نجتاز الباب حتى نصبح في مملكتها، وهي مملكة سرية تحكم فيها الزوجات أو الأمهات الجميع وكل ما يخص المسكن حكما مطلقا.

 

لم يقتصر الأمر في هذه الحياة الفلورنسية من القرن الرابع عشر على عدم قبول النساء بمفردهن في الحياة العامة الخاصة بالحاضرة، بل كان يحدث أيضا أن يُسحب من تلك الحياة العامة بعض (الأقطاب)، ولاسيما رؤساء الأديرة، طيلة الوقت الذي تستغرقه مهمتهم. كان على هؤلاء الأخيرين التخلي أثناء شهري خدمتهم عن أي حياة عائلية فيبقون محتجزين داخل قصر الولاية ولا يستطيعون أن يظهروا إلا على الشرفة أو على عتبة قصرهم، ولاسيما على (الدرابزين). كان الدرابزين يقام خارج قصور الأمراء، يحدده بروز عريض في السطح تبني تحته مقاعد، بل أحيانا مقاعد مدرجة من الحجر تستند إلى الجدار.

 

كان هذا الحيز نوعا من غشاء بين الداخل والخارج ويُستخدم أثناء شعائر استقبال الأمراء الزائرين. في ذلك اليوم، كان الدرابزين يغلق خلف ساتر يضع مسافة في الوقت عينه مع الجمهور الحاضر ويجعل رؤساء الأديرة محميين من الاتصال. لم يكن لهؤلاء الأخيرين الحق في تجاوز أبواب القصر إلا مصحوبين، ومن أجل احتفالات دينية نادرة، أو من أجل زيارات دبلوماسية لكرادلة عابرين. غير أن البروتوكول كان يقضي بأن يستقبلوا البابوات أو الأباطرة أو الملوك، وأن يرافقوهم مشيا حتى باب المدينة. بطبيعة الحال، لم يكن لأي امرأة، حتى أكثر الزوجات عفافا، تجتاز باب القصر أو باب (المحكمة العامة) وتلتقي برؤساء الأديرة في الحيز الذي كانوا يُحتجزون فيه أثناء وظيفتهم، ما لم تكن مطلوبة للشهادة أو للمحاكمة، متهمة أو عُرضة للسؤال! فضلا عن إرادة فرض تجنب جنسي دائم على أوائل القضاة البلديين، كطريقة للحفاظ على نقاء (المدينة)، كان الأمر يتعلق قبل كل شيء بمنع الأنثوي من التدخل في الشؤون العامة الخاصة بالرجال. يجب علي توضيح أنه في ما يتعلق بـ (النساء)، فإن الأمر يقتصر في الوقائع على أقلية من (المحظوظات)، نساء الوجهاء، أما بالنسبة إلى الغالبية العظمى من النساء، نساء الشعب، فكان عليهن كسب رزقهن، ولتحقيق ذلك كان عليهن تجاوز الباب كل يوم والعمل في الخارج … يجب أن نتذكر أن تفضيل (الرجال؟) في إيطاليا الصغيرة هذه في القرن الرابع عشر، كما في بقية أرجاء أوروبا، كان يصل إلى نشاطات أنثوية محتبسة في البيت، إذ يجب أن يبقى الشرف الجنسي سليما في المقام الأول، فالمرأة التي كانت (تذرع شوارع) الحاضرة تضع نفسها موضع الخطر لكنها أيضا تضع بقية الحاضرة موضع الخطر. وبما أن الفضاء السياسي كان يجب أن يبقى سالما من التلوث المحتمل الذي تحمله كل امرأة في جسمها المادي خارج إطار الحياة الخاصة، فإن (العدوى الأنثوية) التي ربما تلوث الحاضرة، كانت على الدوام في الأذهان.

 

يمكن في هذا السياق أن نفهم كيف أن الإبعاد، بل الإقصاء والاحتجاز، كان يتجاوز بالنسبة إلى النساء باب المسكن وحده، فبالنسبة إلى الرجال كانت الخشية الأعظم الكامنة في جسد المرأة تصل حتى طرف بابها الحميم، جهازها التناسلي الذي يجب أن يحرس كل زوج مدخله! ولهذا السبب، اخترع الرجل (حزام العفة) المستقى مباشرة من استيهاماته المتعلقة بالانغلاق ورغباته في الإخضاع، وهو يوضح توضيحا دراماتيكيا أكثر مما يجسد هذا المجتمع الذي يهيمن فيه الذكور ولم نخرج منه بعد.

 

لئن كان فرض مثل هذه الأحزمة نادرا إلى حد ما، فإن المفهوم كان موجودا بالفعل، فقد صُنع استيهام هذا الباب المغلق بقفل، والموضوع على جسد أنثوي حصرا، مثلما تشهد على ذلك أسماء عجيبة في إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا العظمى وألمانيا وهولندا … إلخ. على سبيل المثال لفظة (Venus-Band) .. أي باختصار، كانت تلك الرغبة في احتجاز المرأة راسخة حقا في المخيال الأوروبي في ذلك العصر. يدفعوننا للاعتقاد بأن هذا الجهاز يعود إلى زمن الحروب الصليبية، لكن بعد إجراء تحقيق ليس هنالك أثر لهذا الرداء الثقيل المجحف إلا منذ القرن الخامس عشر، بل هنالك ما هو أكثر، فقد كان هذا الحزام يُعد عملا فنيا في مجال صنع المفاتيح أكثر منه أداة للتعذيب. وانحصرت وظيفة هذا الحزام في الدفاع عن أعضاء النساء التناسلية ضد إيلاج ذكوري، ولم يكن في الوقت عينه يمنع النساء من تلبية حاجاتهن الطبيعية. يتماشى الاعتقاد بأن الصليبيين هم الذين اخترعوا هذا العائق الميكانيكي، وهو (قفل) حقيقي (للجنس)، مع تكبيل الجسد الذي استهلته الكنيسة في العصر الوسيط، ولاسيما جسد المرأة. لقد ساد بالتأكيد الاعتقاد بأنه تجب وقاية المرأة، مثلها في ذلك مثل الطفل، وحفظها من الأخطار جميعا، وهذا يتماشى بالفعل مع روح هذه المنظومة الأخلاقية التسلطية الكاثوليكية المتشابكة بين العمل الديني الطوباوي والحربي لدى الصليبيين. يسهل علينا أن نتخيل رجالا شكاكين، غيورين أو مجرد حمقى يخترعون وسيلة لمنع خطر خيانة زوجاتهم لهم جسديا أثناء غيابهم. وفي الوقت عينه الذي يطمئن بعض أولئك الرجال (يطمئنون أنفسهم؟) إلى الحفاظ على أملاكهم العقارية الأغلى ثمنا، كتبوا ليبرئوا أنفسهم، أن (الحزام) هو قبل كل شيء وسيلة ضد الاغتصاب في حال حدوث هجمات عدوّة. لا عزاء لصليبيينا وأبطالهم في الأخلاق، هم الذين لطالما دُفعوا إلى الإيمان بما لا يمكن الإيمان به (بالنسبة إلينا)، في أزمنة كان يُقال إن المرأة، التي كانت محتجزة أصلا داخل جدران القصر ومحبوسة في حدائقها وراء الأبواب، يجب أن يغلق عليها جسديا بأكثر من ذلك بقليل، بقفل.

 

نحن نعلم حاليا أن أحزمة العفة القديمة القليلة المتبقية لا تعود إلا للقرن الخامس عشر، وأن غالبية النماذج التي لا تزال موجودة هي على نحو أكثر تأكيدا نسخ تقلد الأحزمة، صُنعت في القرن التاسع عشر، كثيرا ما نجت من الاستخدام الهستيري لبعض الراهبات اللواتي استخدمنها بوصفها مسوحا، وتعود -بالنسبة إلى الفترات الأحدث زمنيا- إلى زمن الجنون المعادي لاستمناء الفتيات في القرن التاسع عشر والهذيانات الفتشية لهواة دور البغاء والحروب الصليبية.

 

مظهر المسألة الأدبي مهم لفهم كيف انتشرت فكرة الحزام عبر القرون أكثر مما انتشر وضعه. على سبيل المثال، كان لدى غييوم دوماشو (1300-1377)، وهو شاعر وكاهن مرتل من رانس، استيهام موضوعه حبه لفتاة، ولمح إلى (قفل سرّي) في قصيدته ما تقوله الحقيقة (بحدود العام 1364):

 

عانقتني الجميلة

كان بيدها مفتاح ذهبي يدوي الصنع

وقالت: سأحمل هذا المفتاح

سأضعه وأحفظه جيدا

لأنه مفتاح كنزي

لأنه شرفي، لأنه ثروتي

 

إن هذه الكتابة لا ترغمنا مطلقا على الاعتقاد بوجود مادي لأحزمة العفة في تلك الحقبة، ولكنها تسمح لنا بالأحرى، بالبرهنة على تطور الأقفال والمفاتيح في البيوت المدينية. [الباب / باسكال ديبي، ص 148:153]. ونلاحظ إلى الإشارات بكون المرأة طفلة أو في أحسن الأحوال نصف رجل. بل وهناك في الصفحة التي تليها (154) أقصوصة طريفة عن شخص ختم زوجته داخل أحجية ولم يعد ظاهر منها سوى القفل الذي يُغلق الأداة!. وهناك مقارنة بأقفال النساء وأبواب سجن الباستيل. و (عبر ثقب القفل) وهو الفصل الذي يليه، يشير إلى توصيف غريب، يعقب عليه ديبي “نستشعر في هذا الوصف المروع نوعا من الرعب، كما لو أن وكر الرجال لا يمكن أن يوجد إلا (بأبواب مغلقة) تقاوم أنواع الضواري كافة.” [ص 157].

 

للمزيد من الاقتباسات والتعليقات، انظر ..

 

تاريخ من القهر والاسعباد / تاريخ من الوطء والاستركاب

 

ساحرات سالم

مقتل، وإعدام، ومطاردة وتعذيب من 40 إلى 60 ألف امرأة، بتهمة ممارسة السحر والشغوذة، الدقيقة 12:15 إلى الدقيقة 12:30.

 

المخنوقة

-ويليام بورك 1827

-كينيث ماكدوف 1966

 

-قذافي فراج 2015

 

 

 

قاموس المقتولات

ماريا بايبي Maria Bibi

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *