عن سينما الرعب نتحدّث
=============
1- سيكولوجية جمهور الرعب :
الانسان يخلق مخاوف “وهمية” .. ليتغلب على مخاوف “حقيقية”
“العنف يمثل طبيعة الانسان الحقيقية..فوضويته الأساسيه ورغبته في التدمير ومقته للكبت ونفوره من الفكر وكل البناءات الصناعيه. لهذا فالفنان الذي يتعامل مع العنف بأمانه يصير جالب انتباه وحامل مرارة .. يجذب انتباه المشاهد الى الأمور الكريهة ويحمل مراه يريه فيها قذارة ودمامة وتوحش الجنس البشري “
——————————————-
جون فريزر
* في العقد الأخير من القرن العشرين .. شهد نوع الرعب صحوة كبرى بسبب انتشار الفيديو وقنوات الكيبل . وقد سبب اقبال الناس المتزايد على هذه الأفلام اسئلة كثيره قبيحة عن ذوق الجماهير الحقيقي . والحقيقة ان هناك خلطا كبيرا بين نوع الرعب من الرعب البناء Terror الذي يدعونا لتحاشي الأخطار من أجل سلامتنا النفسيه والجسديه , ونوع اخر من الرعب الهدام الذي سنطلق عليه لفظ “الهول” Horror في هذه المقالة , والذي يهدف الى تدمير القيم الجمالية كي يصل الى جماهيره .
*ان القانون الأساسي للــــــ”الهول” هو أن الوجود عدمي وانتروبي ” مائل للخمول” وأن البشر لا يصلحون الا فرائس. ومن وجهة نظر الدين يعتبر هذا النوع من الرعب “حالة لا أخلاقيه” , بينما هو من وجهة نظر العلم هو عكس الارتقاء”النكوص لحالة غير متحضرة” , ولاينبع الهول بالطبع من العوالم الأدبيه لفن اجار الان بو وأمثاله , انما ينبع من الحماس الشعبي لرؤية مشاهد الاعدام العام . انه لا يرينا نهايات سعيدة أبدا , وقد يبقى أبطاله أحياء .. لكن كبقايا مشوهة دفعت ثمنا باهظا على المستوى المادي والمعنوي.
* وطبقا لرأي الجمهور يمكن لهذا الرعب أن يفزعنا في لحظة ويثير بهجتنا في اخرى . انه دائم التغير , ولايتبع نفس القواعد الصارمة التى اعتدناها في أنواع أخرى .ان الطبقة المثقفة تعامل هذا النوع من الرعب باعتباره نوعا من التطهير والغسيل الذاتي للمخاوف , لكن المثقفين ليسوا بالضبط نفس الجمهور الذي يملأ دور العرض والذي حول ستيفن كنج الى مليونير , ليس الجمهور الذي زاد اقباله على مشاهدة فيلم “مع سبق الاصرار والترصد” بعد حدوث جريمة قتل شهيره بيومين , والذي هلل في سرور لمشاهد اغتصاب فتاة وضربها وتمزيقها اربا في فيلم “أنا أبصق على قبرك” .
* ان الرسالة الأساسية للهول هي أن يخرق القناعات الحضاريه الراسخه للقانون .. للأمن .. للطبيعه.. للخصوصية. وكما لاحظت روزماري جاكسون , فان هذا الرعب “يفزع الحقيقه من معناها” ان أفلاما مثل “غزو خاطفي الأجساد” أو “زوجات ستيفورد ” تنتزع معنى الأشياء التي تعتبرها المجتمعات حقيقية . والأهم من هذا أن أفلام الهول تبدل المعاني وتمتلىء بمعاني مستحدثة ورهيبه . انها تمثل كل عصر التنوير وفيزياء نيوتن القضاء عليه بلا جدوى . ويقول ستيفن كينج ان الرعب ينشأ من الاضطراب والشعور بأن الأشياء تتفكك فقط كي يعاد تجميعها بصورة شريرة ان أهم مصدرين للرعب والهول هما “النموذجي” Archetypal و”المرتبط بالزمان والمكان” Topical , والنوع الأول معروف جدا , فالخوف من الدفن مثلا صالح مهما كان الزمان والمكان , والخوف من الاستحواذ الشيطاني “بمعنى فقدان السيطرة على النفس ” واضح في قصص مثل القدوم الثاني والهبوط الى الجحيم وطارد الأرواح الشيريه وطفل روزماري . أما النوع الثاني “ويسمونه رعب سينما السيارات ” فاقل وضوحا , لأنه يتبدل من ان الى اخر حسب احتياجات الجماهير ومواضيع الساعه , مثلا كان الحديث عن الشخصيات التي لعنها الرب مثل لوسيفر موضوعا محببا فيما مضى , لكن العالم المعاصر لم يعد بالغ الاهتمامات بالصراعات الروحية اللاهوتيه . وفي وقت ما 1818 كان بوسع واشنطن ارفنج أن يخيفنا بفارس بلا رأس أما اليوم فقد صار على الفارس أن يتحول الى سيارة مسكونه كما في كريستين لستيفن كينج و البلدوزر القاتل وانه فقط يخرج ليلا والمبارزة . وصار من الممكن أن تتحدث عن عالم الاعلانات في ” الفتاة ذات العينين الجائعتين ” او عن علاج الصدمات “أحدهم طار فوق عش المجانين” بالطبع يحتاج هذا النوع للتجدد المستمر لأنه سريع التبخر , وسرعان ما تستحيل صرخات رعب الأمس الى ضحكات اليوم . ان جمهور الرعب يزداد شراسة ويحتاج الى أكثر فأكثر الى حافز أقوى يوقظ غرائزه النائمة وبالنسبة للدارسين فان الرعب النموذجي أبقى في الوجدان البشري و أرسخ , وهو قديم قدم عاطفة الخوف نفسها .
-عالم مضطرب :
* في البداية تبدو عوالم طبيعية مستقرة , لكن هذه ليست سوى مصيدة تنوم المشاهدين وتدخلهم في حالة من الهشاشة العاطفيه , وتعد المسرح للوحشية القادمه , كل شىء يبدو مسالما هادئا , لكن المشاهدين يلاحظون سريعا أن هذا عالم مغلق منطو على نفسه بلا مخارج وكما قال لافكرافت “فان التوحيد بين المكان والحالة النفسية يخلق جوا معينا من الترقب والخوف غير المبرر يثير قلقنا على ضمانات عدم حدوث اضطراب”.
ولعل فكرة الحصار هذه تبدو بوضوح في الأبراج والقلاع التي تحرك فينا مخاوف الكلستروفوبيا “الخوف من المرتفعات” حيث يجاهد الأبطال لكن جهودهم لا تنفع أبدا , ونموذج “اشراق” ستيفن كينج حيث تجعل جغرافيا المكان الهرب مستحيلا , ووسط كابوس هذا العالم المنعزل الكابوسي فان العلاقات الطبيعيه تسود في البداية والى حد ما .. علاقات بين المحبين وعلاقات داخل الأسرة , ثم سرعان ما تبدأ الشروخ في القشره , وينز الهول على السطح , شحيحا في البداية قبل أن يستحيل طوفانا , في ” أرض سالم” ستيفن كينج , نرى أتوبيس مدرسة طبيعيا , ثم ندرك أنه حمل مصاصي دماء مراهقين .. وفي “القرد ” نرى لوازم الطفولة الجميله تنقلب للنقيض . وفي قصة أكثر ظلاما مما تظن , لجاك وليامسون نرى مشهدا بريئا في المطار يتداخل مع الذبح الطقوسي لقطه صغيرة , كرمز لما سنراه عما قريب , اذ سرعان ما ينفتح صندوق بندورا ويتفكك عالمنا المتماسك , ان افلام الهول ترينا زمنا بلا مستقبل, لا يوجد فيه سوى حاضر منفر بلا غد .
وفي فيلم”غزو خاطفي الأجساد ” نجد مشكله معرفية cognitive بالنسبة للأصدقاء والأقارب “أمي ليست هي أمي بل تشبهها ” وهذا يؤدي الى سلسلة من الأخطار التي يصعب تجنبها أو حتى مقاومتها .
*ان أفلام الهول مفعمة بالتحولات العاطفية : الارتقاء يتحول الى تخلف – الأمل يتحول الى احباط – الوعود تتحول الى أكاذيب – الخلاص يتحول الى عدمية – الجنس يتحول الى اباحية -الاغواء يتحول الى اغتصاب-الحميمية تتحول الى تطفل -العلاقات الانسانية تتحول الى شراك-الفرص تتحول الى يأس – الحرية تتحول الى عبودية. وفي كل هذه الأشكال يكو الشر حقيقة , ويكدح لمفكر في محاولة لايجاد التوافق بين ما يراه وبين مفهومه للخير وعدالة السماء .
-البطل\الضحية :
* أبطال أفلام الرعب الحقيقيون هم الشخصيات الأقل تعقيدا في القصة , وهم مهمون للفوز بتعاطف المشاهد والتمتع بوجهة نظره “ما نسميه بالتماهي” .
ومن الغريب أن أكثر أفلام الهول “وبالذات من عينة تجول – واقتل ” تجعلنا نرى من خلال عيني السفاح مثل ” ذي الوجه الجلدي” في “مذبحة منشار الشريط في تكساس” والكاميرا التلصصيه في ” توم البصباص” والكائن الفضائي في ” المخلوق” , بل وللغرابة سمكة القرش في ” الفك المفترس” والدب في ” جريزلي” . ما يجب أن نعرفه هنا هو أن أبطال شخصيات الهول تلعب دور كبش الفداء. وعلاقتها بالمسوخ حميميه جدا … المسخ يريد الدخول , والضحية تريد فتح الباب , ولا يجب أن تكون الضحية بريئه تنتظر الأذى . يمكن أن تكون الضحية حويطه واسعة الحيلة , ويمكن أيضا أن تكون راضيه عن علاقتها بالمسخ مثل ارني في فيلم “كريستين” لكنها في جميع الأحوال تتأخر جدا في فهم الخطر , مثل ذلك الشاب في الذي لا يدري انه يتحول الى أفعى في فيلم “سسسسس!!!” وسرعان ما ندرك أن تضحيات هذه الضحية لم تكن ذات معنى .
ان المشهد النهائي في فيلم “الشىء” يرينا كيف ضحى البطل بحياته لانقاذ البشرية , لكننا بعد هذا نرى الشىء في شكل كلب جر , يعدو وسط الغابات هاربا من المعسكر المحترق نحو الحضارة التي لا ترتاب في شىء وهكذا يسقط المشاهودن بقسوة وبدون كياسة في حفرة اليأس والعدم .. مدركين عدم جدوى الكفاح , ان هذا يختلف عن فن التراجيديا حيث يضحى الأبطال بأنفسهم لهدف خلاق , ويرى الناس ما يتوقعون أن تسير عليه الأمور .
ان الاستسلام غير المشروط هو القاعده في افلام الهول , وفيلم “الذبابة” لكروننبرج مثال جيد على ذلك .
ويزداد الأمر سوءا حين تعى الضحية ما يدور حولها ولها. وهو ما قد يتم ببطء كما في “برميل أرمونتيلادو” عن قصة ادجار الان بو , أو بكياسة كما في قصة “على الشاطىء” جين يدرك الناجون أنهم يموتون تدريجيا , أو بسرعة كما في “سويلنت جرين”.
-المسخ\التهديد:
* مسوخ أفلام الهول تأتي في كل الأقنعه الممكنه , ربما تأتي في صورة كيمياويات حديثة أو أساطير عتيقة.. وربما تأتي في صورة الهة قديمهكما في ” الهة هـ.ب لافكرافت” التى تسبب الدمار لمن يتعامل معها , ربما تكون اناسا مختلفين مثل “نوران بيتس” في قصة روبرت بلوخ “نفوس معقده” وربما هي أطفال أشرار كا في “العظام” أو ” قرية الملاعين” عن قصة جون ويندهام الشهيره و “النبوءة” و “انه حي”, ربما تكون أنماطا مثل الزاحفة في ” عرين الدودة البيضاء” أو الدفن حيا في تيمات ادجار الان بو.
8أما عن نشاطات هذه المسوخ فمتعدده , تتراوح بين التشويه وزنا المحارم واكل لحوم البشر وتمزيق الأحياء وانتزاع الأطراف والجنس ذى النتائج الشريره.
ان الموت يتنكر في صورة الحياة في أفلام الزومبي , مثل “الزومبي الأبيض”و “جزيرة الفودو”, وفي ” ليلة الموتى الأحياء” يؤدي وباء الزومبي الى انتشار أكل لحم البشر كمسخ اخر .
لكن ” ر.فاوست” و “تويتشل” يصران على أن المسوخ لا تحتاج كلها الى أن تكون خارقة للطبيعة أو بشعة أو مخيفة جسديا , ففي قصة ” كوجو ” لستيفن كينج او في “طيور” لهيتشكوك ليس المسخ من خارج هذا العالم .
لقد أوجدت موجة معاداة الثقافة نمط العالم المجنون , لكن لا يوجد شىء مريع في دكتور موربيوس وكريل في فيلم “الكوكب المحرم” . وليس فاوست أو فيكتور فرانشتاين أو دكتور جيكل متوحشين , لكن هناك نقطه هامه لاحظها روبرت بروشتاين هي أن ” الايمان بالخرافة تحول بغلظه من السحر والكيمياء الى العلم الخلاق , الذي يعد هو نفسه ضربا من السحر بالنسبة للعقل غير المثقف”.
*من الواضح أن أهداف مسوخ أفلام الهول لابد أن تكون شريره لا أخلاقية , وبالنسبة للمشاهد لا بد أن تكون هه المسوخ غريبه , خارجية , تهاجم مواضع الهشاشة البشرية , ومن العسير أن يرغب المشاهد -الذي يتماهى مع الضحية غالبا – في شىء عن أعماقها ودوافعها , لذا فان أفلاما مثل “كينج كونج ” و “فرانكشتين”حيث المسخ مجرد طفل معذب جاء من رحم ذكري يصعب تصنفها من أفلام الهول . ولنفس السبب لا تنجح الأفلام التى تصور مصاص الدماء معذبا راغبا في تغيير وضعه .
ان المسخ يجب أن يماثل التصور العام لما هو شرير وكريه , سواء هذا كان الشر الذي كما تراه الأديان , أو الخطيئة الأولى أو دوبلجينجرDoppelganger قرين فاوست , أو “الظل” كما يسميه العالم النفسي “كارل يونج”.
*بالاضافة لذلك المسوخ لا يمكن كبحها, لهذا يمكن فهم لماذا لا يموت مصاصو الدماء, ولماذا لا يفنى نورمان بيتس بطل “نفوس معقدة” بسهوله, فلا شىء يمكن أن يمنعه من قتل مزيد من الفتيات في الحمام .
*ان الشر يربح دائما في أفلام الهول لأنه ضد البطولة وضد الملحميه .
جذب المشاهد :
* أما عن سر نجاح أفلام الهول الدائم عن جذب جماهير المشاهدين , فله عدة أسباب , عامة يعتبر الدارسون هذه الأفلام طفولية , ويعتبرون المشاهدين أطفالا خالين من العقل , او بربريين مصابين بالبارانويا أو ماسوشيين ظامئين للدم , وكما قال جون فريزر : ” ان الأمريكيين من الطبقة العاملة , الذين يقرأون صحف التابلويد والجريمة, يستمتعون عامة بمعرفة أن العنف شىء كلي الوجود اي لا يمكن محوه أو استبعاده , لأن هذا يظهر حيواتهم الخاصة في صورة محترمة , وبصفة خاصة يحب الشباب مشاهدة هذه الأفلام لأنهم تعطيهم تبرير الذات الكافي أي تبحث عن عذر لتبرير تصرفاتهم ورغباتهم الجامحه , انهم يشاهدونها تكرار تطبيقا لنظيرة فرويد حول (التكرار القهري)”.
*ان فيلما مثل “الواخز 1959” يدعو المشاهدين للفرار من السينما ومقاعدهم المكهربة , وفي هذا يجد المشاهد نرجسية واضحه تتمثل في القدرة على مواجهة الموت , وكأنه بذلك ينكر الفناء.
ثمة عامل هام اخر هو المواعيد العاطفيه للمراهقين في دور السينما , هذه المؤامرة الدائمة تقتضي أن تكون الفتاة مذعورة بينما الفتى شجاع متماسك , ويكمن هذا السحر في أعماق تعقيدات المراهقة وأحلامها الشهوانيه , ولا ننسى هنا ذكر دور الأدرينالين والكورتيزون في دماء الشباب حين يقرأون\يشاهدون مثلا قصة راي برادبوري “الفتره” حيث تضع امرأة ميته ومدفونه منذ عام مولودا.. انها قصة تجعل المرء يلهث متقطع الأنفاس ويضخ الهرمونات كالينبوع.
*بشكل عام يتصرف جمهور أفلام “الهول” كالثعبان الذي يتوارى وراء الأعشاب, لكنه مستعد للوثب في أية لحظه .. لهذا يمارس المشاهد غرائزه التلصصية وعدائه للمجتمع على الفيلم مداريا هذا في ثوب الباحث عن التسلية , وفي هذا يختلف الرعب عن الخيال .
ان الخيال يطلق الحقائق المطلقة , بينما الهول ينكرها .. الخيال يترك المشاهد يعود الى عالم أكثر ثراء , بينما الهول لا يعيد المشاهد الى لعالم لا يعد الا براحة الخلاص والتطهر والكفارة .. أي الكسب الوحيد له هو متعة التأكد أنك حي ومتماسك نفسيا .
ان مشاهدة أفلام الهول تقتضي قدرا كبيرا من الاستسلام والتركيز العاطفي وارجاء عدم التصديق , لذا هي لاتناسب المشاهدين الذي يتساءلون : لماذا لا يغادر الزوار قلعة دراكيولا ببساطة ؟ ولماذا لا يسبق الهاربون المومياء برغم بطء حركتها , وتعتمد أفلام الهول على التأثيرات المخدرة كي تمنع المشاهدين من التساؤل فمثلا .. هيل يمكن وجود فيلم هول حقيقي دون وجود موسيقى مخيفة؟
أحيانا تحقق أفلام الهول هدفها عن طريق اشراك المشاهدفي عملية تقديم الشخصيات كقرابين للتضحية وهي تضحية لا تحتاج الى خطيئة تسبق الكفارة , فالمراهقين مثلا يرون في فيلم “التعويذه ” او “كاري” انتقاما من الكبار.
وكما لاحظ ستيفن كينج , فان فيلم الرعب دعوة للانغماس عن طريق توكيل شخص اخر في سلوك منحرف مضاد للمجتمع , وكباش الفداء هنا هم الشخصيات الأكثر طهرا والفتيات الأجمل والأصعب منالا والشبان الأذكى والأثرياء والأقوى , وهي تنكمش الضحية وتسأل الجمهور الرحمة , وهي رحمة لن تنالها .
ان أفلام الهول طريقة قبيحة لتبرير الذات , وفي حالة أفلام مصاصي الدماء تعطي المشاهد قدرة جنسية تخيلية مذهلة , وهكذا نجد الهول له نفس قدرة الأحلاف الشيطانية : يعد بالقوة و الثراء .
وكما تقول ان رايس كاتبة الرعب الشهيرة ” ان أساطير التحول الذئبي تحوي خليطا من الارضاء السادي والماسوشي معا , ان الانسان يتحلل تحت وطأة قوى خارقة وفي نفس الوقت يصدر كينونه سادية قوية تدمر الاخرين بلا ندم ولا حساب”.
*ان أفلام الهول تجلب أسئلة عديده حول ما هو عاقل وماهو طبيعي بالنسبة للمجتمع , وهذه المقالة تحاول الوصول الى نتيجة مؤداها أن مدمني أفلام الهول لهم عقليات خطرة قليله للانفجار . أفلام الهول لا يمكن أن تكون ذات نفع وعظي أو تثقيفي , لكنها مهمة كصمام أمان للعقليات السايكوباثية.
ان هؤلاء الواقفين في طوابير أمام دور سينما الرعب هم مجموعة من التائبين الذين غمزهم الاحساس بخطاياهم , والذين يريدون أن يعطوا توكيلا للمسوخ كي تفتك بهم , وهذا ليس صحيا .. بل انه يعكس أقصى صور الاحباط السادي والماسوشي معا .
2- تعددت الأنواع والشرط واحد :
أن تواجه مخاوفك من “مسافة معقولة”..أن تكون امنا تماما!
* يختلف الرعب عن باقي الأنواع السينمائيه في عدم ارتباطه بمكان معين أو عناصر قصصية محددة.
يمكن للرعب أن يكون بيولوجيا أو نفسيا أو خارقا للطبيعة. ويقول المخرج ديفيد كروننبرج ان الرعب هو المواجهة التي تتيح للمرء أن يواجه أشياء تؤرقه, ويكون دور الخيال هنا أن يجلب للمرء ما يهابه, لك على مسافة معقولة يمكن أن يتعامل معه بسلام.
ان الرعب يرينا صورا محورها هشاشتنا وتطيرنا وكل الأخطار القادرة على افساد عالمنا الاجتماعي والفردي, الا أن دارس الرعب يظل في حاجة الى معرفة التيمات المختلفة المكونة لهذا الفن المرواغ الذي يستعصى على التصنيف , والتي تجعله تركيبا ذا معنى.
* وكبداية.. نلخص مفهوم أندرو تيدور للتفرقة بين تقليدين أساسيين لأفلام الرعب : “الرعب الامن”Secure Horror , و “رعب البارانويا” Paranoid Horror .. في الرعب الامن تكون الصراعات واضحة والخطر خارجيا , ويكون سلوك الأفراد البشري ذا معنىولا يوجد شك أصيل, ودائما يحدث التماهيIdentification مع صاحب الخبرة الأكثر حنكة وحكمة .
على الناحية الأخرى نجد أن رعب البارانويا يقوم على صراعات أقل وضوحا , حيث الخطر داخي وقريب وسلوك الأفراد بلا جدوى عادة, ان الشك أصيل في هذه الأفلام ودائما ما يحدث التماهي مع الضحية.
ونلاحظ هنا أن الرعب الامن يغطي سينما الثلاثينيات الى الخمسينات .. بينما رعب البارانويا ساد السبعينات والثمانينات ومازال مستمرا .. أما رعب الستينات كان خليطا من الطرازين.
* كان نويل كارول أول من اقترح مصطلح “الرعب الفني Art Horror ” للتفرقة بين رعب الخيال والرعب الطبيعي الذي نشعر به حين نخاف من شىء ملموس . ويرى كارول أن المسخ ا أهميه محورية للرعب الفني , لأنه يبعث للمتلقي حالة من التحفز والنفور الايجابي القوي , ويجب هنا أن يكون المسخ خطرا ومهددا . ويعرف كارول المسخ أنه اي كيان لا يعترف العلم بوجوده , وفي القصص الخيالية الأسطورية يكون المسخ جزءا من الحياة اليوميه العاديه “خارق في عالم خارق” , بينما يكون المسخ في افلام الرعب تحديا لما هو عادي “خارق في عالم طبيعي” , والمشكلة أن هذا التعريف يترك خارج القائمة أفلاما مرعبة حقا مثل “نفوس معقدة” و”الصرخة” , ان نورمان بيتس بطل فيلم “نفوس معقدة” ليس مسخا بالتأكيد وانما هو مريض انفصام في الشخصة وهو مرض يقره العلم ويعترف به .
*وقد قسم كارول المسوخ الى خمسة قوائم رئيسية:
1- الاندماج Fusion : هنا يتحد عنصران مختلفان أو متناقضان في كيان أحادي الزمان والمكان .. مثال هذا المومياوات ومصاصوا الدماء والزومبي ومسخ فرانكشتين.
2- الانقسام Fission : هنا تنفصل العناصر المتناقضة لتحل محلها كيانات مختلفة ..لكنها ذات علاقة فيزيائية , مثال المذؤبين ودكتور جيكل ومستر هايد.
3- التضخيم Magnifiation : تضخيم كيانات هي بطبعها مقززة كريهة مثل الزواحف المتحورة.
4- التكتل Massification : يستغل الفكرة المفزعه لتكتل الكيانات المجوده حولنا , لتتحول الى جيش لا يقهر.
5- مجازات الرعب Metonomy : شخصيات الرعب التي تبدو طبيعية , لكنها محاطة بمصادر للرعب والنفور .. مثل دراكولا والمذؤبين.
ويتساءل كارول اذا كان لابد لشخصيات الرعب أن تكون منفرة مخيفة, فلماذا يقبل الناس عليها؟
الاجابة في رأيه هي مزيج من الفضول والافتتان , ان شخصيات الرعب مثيرة للاهتمام والفتنة دائما , وهذا يجعلنا نقهر شعورنا بالنفور كي نراها.
-الرعب الخارق للطبيعة :
*يقدم هذا الرعب تفسيرا للأحداث التي تخالف المفهوم المادي للعالم , وهو رعب يسبب القلق على الاستقرار الاجتماعي وسلامة عالمنا .
وعن طريق الاستحواذ الشيطاني “وهو المعادل الخوارقي للجنون” يتخذ العرب ابعادا خارجية وداخلية, وفي أفلام السحر مثله مثل أفلام العلماء المجانين ينبع الرعب من أعماق الفرد وأفعاله , لكنه يميل الى أن يتحرر ويخرج عن السيطرة.
*ويقسم أندرو تيدور الرعب الخوارقي الى نوعين :
-الرعب الذي يحدث كنتيجة مباشرة لأفعال الانسان “تهديدات تابعة”
-والرعب الذي يحدث تلقائيا ويخرج مما وراء الطبيعة “تهديدات مستقلة”
-وأوضح مثال للنوع الأول هو ممارسة السحر وعبادة الشيطان والعلماء المجانين, ويمكن أن نذكر بعض الأمثلة للرعب الخوارقي للنوع الأول في أفلام :
“الزومبي الأبيض1923” – “الناس القطط1942” – “يوم الغضب1943” – “طفل روزماري1968” – و “الرجل الأشقى1973” .
-وأوضح مثال للطراز الثاني هو أفلام المذؤبين ومصاصي الدماء والشياطين .. ويقسم تيودرو هذا النوع الى نوعين فرعيين هما :
الرعب المتعايش Coexistent Horror و الرعب الاجتياحي Invasive Horror .
ونموذج النوع الأول هو أفلام مصاصي الدماء , حيث يوجد تعايش بيننا وبين الرعب الذي يهددنا لكنه لا يهدد جذور مجتمعنا ذاته.
والنوع الثاني يمثل أفلام الرعب التي يدمر فيها الخطر كل شىء ولا يبقى ولا يذر.
والأفلام التالية أمثلة للمتعايش:
“نوسفيراتو 1921” – “دراكيولا1931”- “مستر رونج1985” – “كيو الثعبان المجنح 1982” .
والأفلام التاليةأمثلة للاجتياحي:
“ليلة الموتى الأحياء1977” – “اشراق 1980”.
ويجب الملاحظه ان النوعين يتداخلان كثيرا كما في اعادة هيرتزوج لفيلم نوسفيراتو , حيث يهدد مصاص دماء بتدمير عالمنا كله. كما يجب ملاحظة أن كثير من أفلام الرعب الطبيعي الاجتياحي تتداخل مع أفلام الخوارق الاجتياحي , وأوضح مثال على ذلك فيلم “طيور” لهتشكوك حيث توشك الطيور على تدمير عالمنا كله , مع لمسة شبه خوارقية في الأداء.
-العلم والطبيعة :
* ان النظر للعلم باعتباره شيئا خطيرا مثل الغيلان ومصاصي الدماء والأشباح هو مفهوم محوري لأفلام الرعب .
وقد يكون العلماء مجرد راغبين في المعرفة “مثل فيلم الشىء” او مجانين حقيقين”كما في فيلم الرجل الخفي” , لكن النتيجة دائما أنهم يتسببون في الخلل والاضطراب , وفرانكشتين هو أوضح مثال لعالم يسعى الى المعرفة على حساب المبادىء الانسانية . ومن أفلام العلماء المجانين يمكن أن نذكر :
“فرانكشتين” – “الرجل الخفي” – “عروس فرانكشتين” .
وفي الخمسينات ظهرت كنتيجة مباشرة للخطر النووي تيمة الحوادث والنتائج الغير متوقعه , أما في الستينات والسبعينات ظهرت رؤية قيامية حقيقية لتطفر الانسان والمرض “انه حي!” , وفي السبعينات اختفى العلماء المجانين ليأتي نوع بارانويدي يعيش فيه يائسون تحت خطر التدمير الكامل.
* في أفلام العلم والطبيعة نرى الخطر البشري معدوم الفردية “الطيور والوطاويط والنحل والضفادع والنباتات” يهدد العالم بالفناء .. وهو دائما نتيجة عبث العلم بالطبيعة في شكل تلوث نووي أو سواه .. وأحيانا لا يعطي الفيلم تفسيرا كما في “طيور” حيث تظل النهاية مفتوحة .
وعامة يحافظ هذا النوع على تقاليد أفلام المسوخ في الخمسينيات مثل (“هم” -“الشىء”-“الغريب”).
ان الطيور فيلم مسوخ مرجعي , يذكرنا باستخدامه للكوميديا بمسرح يونسكو العبثس , وثمة تفسيرات عديده لسلوك الطيور في هذا السياق , لكن الخطر يظل بلا تفسير حتى النهاية , وكما يقول تشارلز ديري “الطيور مجاز لأحوال البشر”.
* في السبعينات والثمانينات ظهرت العديد من أفلام المسوخ و التمرد على الطبيعة , ويعتبر “الفك المفترس” أكثرها نجاحا .
والأفلام التالية نماذج لتهديد العلم او الطبيعه :
كينج كونج1932 – الشىء1951 – هم1954 – غزو خاطفي الأجساد 1965 – تزوجت مسخا من الفضاء الخارجي1958- الغريب 1987 – الكلب الأبيض 1981 .
-الأمراض النفسية
* ان المجانين العاديين لا تملؤهم وساوس الرؤى السامية , على خلاف العلماء المجانين .. لكنهم ضحايا دوافع قهرية من الداخل وليس توحشهم نتجية لجاذبية العقل .. بل لغيابه , لذا فهم يقتلون ويغتصبون ويشوهون .. ان هذه الأفلام ترينا العواطف الانسانية الكريهة جامحة وهي جلية .
في فيلم دكتور جيكل ومستر هايد نرى خليطا من الجنون “الشيزوفرنيا” والعلم المجنون “الدواء الذي يحدث التحول”. لكننا بعد هذا نلاحظ انه من اضمحلال افلام العلم المجنون في الستينات بدأت افلام المرضى النفسيين .. وكأن نوعا من الرعب يفسح مكانا للاخر وبدأ رعب البارونويا يحل محل الرعب الامن على حد تعبير تيودورو.
ان انتقال الرعب من العالم المجنون للسفاح المجنون ليعكس انعدام كاملا للمنطق والشعور بالأمان .
وفي أواخر الستينات ظهرت أنواع جديده من الرعب مثل “الأهداف” و “السم الجميل” هو الرعب الذي يحدث في الضواحي او المدن الأمريكية الصغيرة , والذي يفتقر الى الدافع الظاهر .
وقد بلغ هذاالاتجاه الى ذروته في فيلم “هالوين”… والأفلام التاليه نماذج لرعب المرض النفسي:
دكتور جيكل ومستر هايد 1912 و 1920 – عيادة الدكتور كاليجاري 1919 – شبح الأوبرا 1925 – نفوس معقدة 1960 – توم البصباص1962 – هالوين1978 – زوج الأم 1987 .
د.أحمد خالد توفيق