الرعب

أحمد خالد توفيق يكتب عن هوارد فيليبس لافكرافت

(هـ.ب.لافكرافت)!

لماذا يملك كل كتاب الرعب تقريبا هذه الأسماء المفزعة ذات الرنين الكابوسي؟وإلى أن نكتشف يوما ما سر هذه الظاهرة,نتحدث هنا في عجالة عن (لافكرافت) أهم كتاب الرعب للقرن العشرين..

(هـ.ب.لافكرافت) مدرسة متفردة من مدارس أدب الرعب ثقيل الوطء,وهي مدرسة قد لا نجد لها شبيها إلا عند أمريكي آخر هو (إدجار آلان بو) كلا الأديبين ينتمي أساسا إلى مدرسة كبرى من مدارس الأدب الرومانسي,هي الرعب القوطي .. أي الرعب الشبيه بعوالم الكوابيس بالضبط. رعب الغموض والقلاع المظلمة والبروق والرعود,والشرور المستطيرة والنفوس المعقدة المجنونة..ومن أدباء هذه المدرسة (ماري شيللي) و(ماتيورين) و(برام ستوكر) و(بكفورد) و(م.لويس) و(آن رادكليف). لكن (لافكرافت) أستطاع أن يضفى على الرعب شاعرية أدبية معقدة,مع خلفية من الهواجس النفسية المظلمة ذات مذاق خاص,حيث الخطر ينبع من الداخل كما يفيض من الخارج. وصارت له مفردات عالمه الخاصة التي يعرفها قراؤه كأسمائهم مثل:نكرومونيكون-كتولو-آرخام-أزوث-العزيف Azif –إلخ…

والملاحظ أنه يشير إليها في أكثر من قصة حتى إن كثيرين صاروا يعتقدون أنها حيقيقة.. وفي بعض خطاباته الخاصة يصف لصديق الطريقة المثلى لنطق لفظة Cthulu التي حير نطقها الكثيرين,فيقول إن عليك أن تنطقها من حلقك مع تثبيت طرف اللسان على سقف الفم,

والنباح لتخرج الكلمة(كت-هلو-لهو)!! لأن لسان البشر القاصر لا يستطيع نطق الإسم بالشكل الصحيح! بل مازال كثيرون يبحثون عن النسخة الأصلية من كتاب(نكرومونيكون) السحري

,الذي كتبه شاعر يمني إسمه (عبد الله الحظرد) حسب زعم لافكرافت..

ولد (هوارد فيليب لافكرافت) في أغسطس عام 1890 في (بروفيدنس) بـ (رود آيلاند) في هذا المكان تدور أحداث معظم رواياته المخيفة.وقد عاش تجربة قاسية مع مرض غامض أصاب أباه جعله في غيبوبة لفترة طويلة جدا-ظل سنتين يقال له أن أباه نائم الآن-على الأرجح كان المرض هو زهري الجهاز العصبي. وتربى مع أمه وجده بعد وفاة أبيه الغامضة تلك.

بدا نبوغ لغوي مبكر جدا على الصبي الذي تعلم القراءة في سن الثالثة وكتب في سن الخامسة,وهو ذات العام الذي قرأ فيه (ألف ليلة وليلة) حيث كان مولعا بالقراءة وكان يعشق (ألف ليلة),ولسوف يدرك دارسو أدبه يوما ما أن قصص (ألف ليلة وليلة) قد تركت بصمة لا تمحى في كتابات لافكرافت ككل كاتب غربي آخر في الواقع حيث أن ألف ليلة تركت أثرا عظيما لدى الغرب.

وفي هذه الفترة أطلق على نفسه إسم(عبد الله الحظرد) وهو نفس الإسم االذي كتب به روايته الرهيبة (نكرومونيكون) كما قلنا. وفي العام التال أكتشف الأساطير الإغريقية وقرأ الإلياذة والأوديسا..ولعب جده دورا مهما في جعله يحب حكايات الرعب القوطية.

كان ميالا للوحدة والإنطواء,وعانى أمراضا نفسية كثيرة,وكان قليل الإنتظام في المدرسة,بلا أصدقاء تقريبا,لكنه كان يدرس في مدرسته الخاصة الزاخرة بقراءات لا تنتهي. وفي سن المراهقة أصدر بنفسه مجلة دورية عن علم الفلك, وراسل إحدى الصحف المحلية. ثم توفى جده وعانت أمه الكثير من المشاكل المادية,مما أضطرهما إلى ترك البيت الجميل الذي تربى فيه الأديب,وأصابه إنهيار عصبي حرمه من دخول الجامعة,وقد ظلت هذه النقطة تعذبه طيلة حياته.

فيما بعد ألتحق برابطة الأدباء الهواة المتحدين عام 1914 وترقى إلى أن صار رئيس الرابطة,وكانت هذه أهم خطوة في حياته,لأنه لم يكن واثقا قط مما إذا كان يملك حاسة الأدب أو يفتقر إليها,وكتب أول قصصه الخيالية المرعبة(الوحش في الكهف) و(الخيميائي) ولاقى نجاحا أقنعه بأن يكرس قلمه لهذا النوع من الأدب..

كان أصدقاؤه يحبونه ويقولون أنه كان رقيقا لطيفا برغم السمعة التي تلاحقه عن كونه يمقت البشر.

هناك شاب في قصة(كتولو)يصفه لافكرافت قائلا:

-<<شاب أسمر نحيل بادي العصبية والقلق…كان الفتى شديد الذكاء لكنه غريب الأطوار بسبب إهتمامه بدراسة الظواهر الغريبة وكان يعتبر نفسه(شديد الحساسية نحو الخوارق).

ولما كان منطويا صار خفيا بالنسبة لمجتمعنا,فلم يعد يعرفه سوى عدد قليل من الناس>>.

الحقيقة أن بعض النقاد يعتبرون أن هذا الفتى لافكرافت كما يرى نفسه.

كتب الكثير جدا من الشعر,مثله مثل(آلان بو)مواطنه الأشهر,وكتب الكثير من الرسائل حيث كان يراسل عددا هائلا من الأصدقاء والمعارف,حتى صار بالفعل من أهم من كتبوا أدب الرسائل في هذا القرن تاركا تراثا هائلا من الخطابات والمقالات.

في العام 1921 قابل (سارة)..المرأة التي ستكون زوجته,وهي مهاجرة سوفييتية تكبره في العمر بسبعة أعوام.

وتزوجا في العام التالي,وعاش معها في شقتها في (بروكلين) وكتب (لافكرافت) أسوأ كوابيسه القصصية مثل (الرعب في ردهوك) و(هو) متأثر بجو (نيويورك) الكئيب الذي لم يحبه قط,وفي عام 1929 تم الطلاق وعاد هو إلى (بروفيدنس) التي أحبها بعمق. كانت هذه آخر وأهم عشرة أعوام من عمره,وفيها سافر كثيرا جدا وكتب أهم رواياته(نداء كتولو) و(في جبال الجنون) و(ظل الزمن) كما كان يقرأ كثيرا جدا وفي كل موضوع من الفلك إلى التاريخ إلى النحت إلى السياسة.

ومع العام 1932 صارت قصصه أكثر تعقيدا وصعوبة,وصار يجد عسرا في بيعها,لذا راح يكسب عيشه كمصحح لقصص الأشباح الرخيصة.

وفي العام 1937 أكتشف الأطباء أنه مصاب بحالة متقدمة من سرطان الأمعاء,وسرعان ما توفى في العام نفسه.

كان (لافكرافت) يشعر بأن حياته كانت فاشلة,وكان يتنبأ بنسيان أعماله بعد موته,لأنه لم ينشر قط كتابا بالمعنى الصحيح,غير عالم أنه سيصير توءما في الشهرة لمواطنه العظيم

(إدجار آلان بو),وهو ما يثير أسئلة عديدة عن تركنا لهؤلاء العباقرة يتعذبون في حياتهم,ثم تخليدهم وكتابة المجلدات عنهم بعد موتهم.

تعتبر رواية(ظل فوق إينزماوث) 1936,هي العمل الوحيد له الذي نشر في كتاب وفيما عدا ذلك كانت أعماله العديدة مبعثرة في المجلات والدوريات. وبعد وفاته تطوع تلميذاه اللذان شجعهما كثيرا(أوجست درليث) و(دونالد وانديري) بجمع أعماله وكونا دار نشر إسمها(بيت آرخام),وصارت كل إبداعاته متاحة للقراء وطلاب الأدب في كتب حسنة الطباعة والتغليف.

وقد كتب هذا الأديب العظيم قصصا تبلغ فظاعتها أن حاولت تخفيف بعض الفقرات في ترجمتي الخاصة بسلسلة روايات عالمية للجيب,لكني لا أنصح صغار السن بتاتا بقراءة هذه الترجمة,وهذه ليست دعاية لها بالمناسبة,بل هي الحقيقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *