الأدب العالمي

أعظم مائة أديب في تاريخ الآداب العالمية – من وجهة نظر العرّاب

يمكنك قراءة النص بالأسفل، أو تحميل الكتاب من هنا

 

هذه قائمة تضم مائة من أعظم الأدباء في التاريخ,من وجهة نظر أحمد خالد توفيق التي استقيتها وجمعتها من عدة مصادر أهمها الأعمال التي ترجم لها في سلسلة روايات عالمية للجيب,أو نقدها في سلسلة فانتازيا. بالإضافة إلى مقال وقصة قصيرة. فأما المقال فهو المعنون بـ بلهاء في الأوقيانوسية وروايات أخرى والمنشور على جزئين على موقع إضاءات. ثم قصة (الرواية),وهي قصة قصيرة نشرت مسلسلة على نفس الموقع,أو ربما على موقع بص وطل. لا أذكر. وبالطبع تجاوزنا ملاحظاته المتناثرة في مجمل أعماله,قصص ومقالات. وخاصة ما وراء الطبيعة,ورسائل الردود على القراء,أو آراءه التي نطق بها في محاضرات له أو محاورات معه,رغم اطلاعنا عليها. لأن ذلك بوسعه أن يمد السلسلة إلى نحو مائتى أديب أو أكثر,مع أننا قد نكون استفدنا منها ومن بعض القصاصات من هنا وهناك لأحمد خالد توفيق في دعم وجود الأدباء المذكورين في هذه القائمة (خاصة من سلسلة ما وراء الطبيعة). وهو الذي علّم القراء -من جيلي أنا على الأقل والجيل الذي قبلي وجزء من الجيل بعدي- القراءة,من خلال شحنات المعرفة المتدفقة في نصوصه تقدم زهورا من كل بستان. وارتبطت به لذلك العبارة الشهيرة (جعل الشباب يقرأون).

 

وترتيب الأدباء عشوائي من حيث قيمة كل أديب وأهميته,ولكني التزمت بعرض الأدباء المذكورين في روايات عالمية ثم فانتازيا. إلى ما بعد السبعين واختلط الترتيب فلم أهتم سوى بإكمال القائمة. وقد فعلت,وهذا هو المهم. وفي التقديم لكل أديب هناك نصوص كثيرة -أغلبها أو كلها- منقولة كما هي عن أحمد خالد توفيق -بالإضافة إلى بعض المصادر الأخرى مثل مقدمات الناشر بالاستعانة بموقع قراءات جيدة / جود ريدز أو أقصوصات هنا وهناك أو نصوصي أنا التي وضعتها هنا ولم أضعها في نفس الوقت (إذا ما اعترضتني مشكلة فيما يتعلق بالسماح لي بنشر هذا المقالة المصورة في صورة كتاب)- دون أن أحدد ذلك -وبالطبع لم تكن مساحة المقال تتيح لي أن أضيف كثيرا على ما قاله الكاتب- وتلك مهمتكم أنتم أعزائي القراء.

 

مهمة تقتضي التمييز بين ما كتبته أنا وما كتبه هو,وهذا سهل,رغم أن أغلب الظن أن دوري لم يزد عن كوني محررا لنصوصه في نص واحد يخرج بصورة كتيب صغير أو مقال كبير. ولكن مرة أخرى أكرر,أنا هنا مجرد محرر إذا سمح لي مالكي حقوق النشر بنشر هذا العمل,وإذا لم يسمحا لي -للأسف- فأنا كاتب لهذا العمل اختلطت كلماتي بكلمات أحمد خالد ولم أتجاوز المسموح به في الإقتباس لإنشاء المقال. وعلى كل حال لقد طلبت إذنهم بالفعل,وهم أظهروا ترحيبا. ومع ذلك نذكر أن جميع الحقوق محفوظة لأصحابها وكامل الملكية الفكرية,وغير مسموح لي أو لغيري بأي استخدام تجاري لهذه المادة دون الحصول على تصريح صريح أو إذن قانوني موقع وموثق.

 

وننتهي في هذه المقالة أو الكتاب من تفريغ المصادر الأساسية لهذا العمل,وهي

 

-روايات عالمية للجيب

-فانتازيا

-ما وراء الطبيعة

-مقالات متناثرة للعرّاب

-بلهاء في الأوقيانوسية

 

فهذا نص آخر يكتبه أحمد خالد توفيق,أو كتبه ونشره بالفعل,وأعيد نشره بين أيديكم.

 

[1] بيتر بنشلي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن بيتر بنشلي هو الأديب الذي اختص بالحديث عن البحر حتى اقترن إسمه به.

 

صحيح أن كتابا آخرين كتبوا عن عالم البحار الغامض,لعل أشهرهم الأمريكي إرنست هيمنجواي صاحب العجوز والبحر,وكذلك هيرمان ملفيل صاحب موبي ديك -لاحظ أن الكتاب الثلاثة من أمريكا وكذا إدجار آلان بو الذي كتب أفظع قصة عن البحر- لكن الكاتبين (هيمنجواي وملفيل) مرا على البحر مرور الكرام -ربما قد يختلف معي البعض بشأن ميلفيل- فلم تبتل أقدامهما,ولعلهما ذهبا إلى هناك كي يغوصا في أعماق أبطال قصتيهما فحسب.

 

أما مع بيتر بينشلي فالأمر يختلف,إن هذا الكاتب يتنفس عبق البحر ورائحة حيواناته. إنه يغوص في أعمق أعماق المحيط خلف الكنوز الغارقة,ويحارب أسماك القرش وقناديل البحر,ثم يصعد ليواجه أعتى القراصنة. كل هذا في إطار أدبي محترف محكم.

 

ولا غرابة في هذا,فـ بنشلي وزوجته يعيشان في بنينجتون بـ نيوجيرسي,وكلاهما غطاس محترف بارع,وقد سافرا مرارا إلى برمودا,حيث تدور أحداث قصته (الجزيرة).

 

ولد بيتر بنشلي عام 1940 في نيويورك ضمن عائلة من الكتاب,اشتهر منها أبوه الكاتب القصصي الشهير ناثان بنشلي,وجده الأديب الأمريكي الساخر العظيم العبقري روبرت بنشلي. ولقد تخرج الفتى في هارفارد وعمل بالصحافة فترة لا بأس بها من الوقت في جريدة واشنجتون بوست,وكتب خطبا عديدة للرئيس الأمريكي جونسون. وقد ظل محافظا على عشقه الدائم للبحر حتى وفاته عام 2006.

 

في عام 1974 -ومن سماء صافية- خرج إلى العالم برائعته الأولى

 

1-فكّان.

حيث المواجهة مع سمكة القرش -عديمة الحياء- الأبيض العظيم.

 

وهي أشهر أعماله,والتي عرفت بإسم الفك المفترس,عمل أدبي اهتز العالم لقراءته,وباعت ملايين النسخ دون مبالغة,ثم تحولت إلى فيلم سينمائي رهيب وأكثر شهرة أخرجه ستيفن سبيلبرج عنه.

 

بعدها قدم روائعه التالية.

 

2-الأعماق

تدور في عوالم الكنوز الغارقة (الكنز عبارة عن أمبولات المورفين) حيث قدم المؤلف -كعادته- بطلا من وحوش البحار هو سمكة (أبو مرينا). ثعبان البحر المفترس المختبئ بين صخور الأعماق بانتظار الغواصين ذوي الحظ العاثر.

 

تم إخراج فيلم سينمائي عن هذه القصة بنفس الإسم بطولة روبرت شو ونك نولت وجاكلين بيسيه.

 

3-الجزيرة

هذه المرة يأخذنا الكاتب إلى عالم مروع في جزيرة مخيفة ومجهولة لا يعرف عنها الناس سوى أقل القليل,وما زال البوكانير -جنس منقرض لـ قراصنة الكاريبي- يعيشون فيها ممارسين طقوس حياتهم الرهيبة,ويقع الصحفي -الذي أُرسل ليرى ما يحدث هناك- في قبضتهم مع إبنه.

 

والقصة تعكس إلمام المؤلف بجزر الكاريبي ودراسته لجنس الـ بوكانير. وكما هي العادة قدمت السينما الأمريكية القصة بنفس الإسم في فيلم جيد عام 1980 من إخراج مايكل ريتشي وبطولة مايكل كين.

 

4-الفتاة من بحر كورتيز

عن فتاة تعقد صداقة مع مخلوقات البحر,والوحش الجديد الذي يقدمه هذه المرة هو (حدأة البحر) العملاقة,والتي تدافع عن الفتاة وعن عالمها بمجرد أن تشعر أن الخطر يتهددهما.

 

وفي هذه القصة المثيرة نلمس بوضوح إلمام بنشلي بجيولوجية البحار.

 

5-الوحش

قصة أخرى شديدة الإمتاع تحمل دراية هائلة بعالم البحر.

 

إن بيتر بنشلي يقدم لنا نوعا فريدا من الأدب .. أدب البحر .. ولأنه يكتبه باقتدار وحرفية عالية قادرة على كتم أنفاسنا مع كل سطر؛فإن أعماله لجديرة بأن تقرأ.

 

 

[2] جول فيرن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن هؤلاء الذين توترت أعصابهم مع فيلياس فوج الذي يحاول أن يدور حول العالم في ثمانين يوما وإلا فقد ثروته؛والذين ارتجفوا وهم ينزلون في غواصة الكابتن نيمو على عمق عشرين ألف فرسخ تحت البحر؛والذين حبست أنفاسهم مغامرات ميشيل ستروجوف رسول القيصر؛والذين غرقوا في الحسابات المعقدة مع ميشيل آردان لمعرفة هل يمكنهم الوصول إلى القمر عبر فوهة مدفع أم لا,كل هؤلاء يعرفون جيدا الأديب الفرنسي العبقري جول فيرن!

 

من هذا العبقري صانع الأحلام؟

 

ولد جول فيرن في نانت بفرنسا عام 1828م .. درس القانون وهوى الأدب,وكالعادة كانت للأدب الكلمة العليا,وهكذا قدم بعض مسرحيات شعرية محدودة النجاح,ورواية تاريخية عاطفية (مارتن باز) لم يسمع بها أحد,على أن نجاحه تحقق حين قدم روايته (خمسة أسابيع في منطاد) التي حققت نجاحا غير عادي. وتوالت رواياته ذات الأسماء المدوية والتي جعلت منها السينما أحلاما ملموسة عالقة بالأذهان؛مغامرات الكابتن هاثيرا,رحلة إلى قلب الأرض, من الأرض إلى القمر,إلخ… ثم توالت سلسلة رواياته المسماة (رحلات فوق العادة) والتي ضمت أسماء مثل الجزيرة,ميشيل ستروجوف,سيد العالم,عشرون ألف فرسخ تحت الماء, إلخ.

 

وقد قضى هذا الأديب العبقري حياته في رحلات لا تنتهي على ظهر يخت خاص به لأنه لم يحب في حياته -على حد قوله- سوى البحر والموسيقى والحرية,ولا أظن أحد يخالفه الرأي!. ثم إنه توفى عام 1905,معلنا مصرع الخيال الساحر الذي بهرنا جميعا,وكان عمره سبعة وسبعين عاما وقتها.

 

وكلما حقق الإنسان فتحا جديدا كالصعود للقمر اكتشف في دهشة أن (جول فيرن) أو (هـ . ج ويلز) أو حتى رسوم (ليوناردو دافينشي) التي لم تنفذ قط -كلها تنبأت بنظرة مستقبلية لا تخيب- بهذا الفتح. إنها شفافية الفنان وإيمانه الكامل بملكات العقل البشري,بالإضافة إلى قدرته السحرية على الحلم. إن كتاب الخيال العلمي أطفال كبار,ولهذا يأخذ النقاد على كتاباتهم خلوها من البعد الإنساني,وهذا شيء طبيعي بالنسبة لطفل يحلم!,لا أحد يطالبه أن يحلم بعمق ولكن بإمتاع.

 

إلا أن بعض رواياته (رحلة إلى باطن الأرض كمثال) لا يمكن أن تتحقق,على الأقل بصورتها الحالية!. إن كاتبا مدققا في التفاصيل العلمية مثل الروسي ياكوف بريلمان يؤكد أن حدوث الرحلة مستحيل. لأن النزول في أعماق الأرض لمسافة ثمانية أمتار يزيد الضغط الجوي بمقدار 0,001 مما هو عليه,وبالتالي على مسافة ثمانية وأربعين كليومتر -العمق الذي بلغه بطلا القصة- يكون الضغط الجوي أكبر بأربعمائة مرة. وتزداد كثافة الهواء 315 مرة,على أنهما خلال أحداث القصة وصلا إلى عمق 120 كليومترا,وهو أمر مستحيل ولا يمكن أن يتحمله بشر. ويقول الكاتب إن أكبر عمق يستطيع الإنسان النزول إليه دون أن يصاب بأذى هو 8,9 كليو متر حيث يتضاعف الضغط الجوي إلى ثلاثة أمثاله.

 

أهم أعماله

1-رحلة إلى مركز الأرض

2-الجزيرة الغامضة

3-من الأرض إلى القمر

4-حول العالم في ثمانين يوما

5-عشرين ألف فرسخ تحت الماء

 

[3] روبين كوك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا نعرف الكثير عن روبين كوك سوى أنه طبيب أمراض عيون,يعيش في بوسطون, ومحاضر في مدرسة هارفارد الطبية. تخرج في جامعة وزليان,وكلية الأطباء والجراحين جامعة كولومبيا.

 

كتب رواية الغيبوبة عام 1977,وسرعان ما حوّلها مايكل كريشتون -وهو طبيب آخر- إلى فيلم كابوسي بنفس الإسم,أثار اهتماما عالميا,ولعله من الجدير بالذكر,أنه هو الفيلم الذي أصر الرئيس الأمريكي كارتر على أن يراه الرئيس الراحل أنور السادات,إبان توقيع معاهدة كامب ديفيد كنموذج لما وصل إليه فن السينما في أمريكا.

 

يمكننا القول إن د. كوك لا يحمل ذكريات سارة لمهنة الطب .. بل وإنه يحيلها في روايته الحالية إلى كابوس حقيقي,ولكنه يقدم في نهاية الرواية نوعا من الاعتذار,عما قدمه فيها من نبوءات مروعة (بدأت تتحقق للأسف),على اعتبار أن عنده ما يدفعه إلى هذا التشاؤم.

 

يقول د. كوك في تعليقه الختامي على الرواية:-

 

“رأيت إعلانا في جريدة تريبيون عام 1968,يعرض فيه رجل بيع أي جزء من جسده,لمن يدفع مبلغا من المال,يتم الاتفاق عليه. بل إنني رأيت إعلانات من أحياء يبيعون قلوبهم لمن يدفع أكثر!.

 

وفي مراكز الكلى يوجد طابور طويل,من المرضى القادرين,ينتظرون أن يجدوا كلى صالحة لزراعتها لهم,والمشرفون على هذه المراكز,يعرفون شيئا اسمه متلازمة الإجازة, حين ترتفع معنويات المرضى كلما دنت إحدى العطلات,لأنهم يتوقعون حركة سير أكثر. وحوادث تصادم أكثر. ومزيدا من الكلى الصالحة للزراعة!.

 

والحل لهذه الكارثة في رأيي,هو إيجاد تسهيلات قانونية ودينية أكثر,لعملية أخذ الأعضاء من المتوفين,الذين لم تمض ساعة على وفاتهم,بدلا من ترك هذه الأعضاء لتلتهمها الديدان أو لهيب المحرقة”.

 

كما ذكرنا تحولت هذه الرواية إلى فيلم بنفس الإسم .. المخرج هو مايكل كريشتون الذي تحول بعد ذلك إلى التأليف,فقدم لنا روايات شهيرة من الخيال العلمي,المشبع بجو الطب, نذكر منها: خلية أندروميدا,رجل الأطرف الكهربية,الحديقة الجوراسية.

 

قام ببطولة الفيلم الممثلة الكندية جنفيف بوجولد مع مايكل دوجلاس وإليزابيث أشلي,والممثل العجوز ريتشارد ويدمارك.

 

الموسيقى التصويرية كانت لـ جيري جولد سميث الذي جعل من شريط الصوت كابوسا حقيقيا,يواكب الأحداث ولا ينافسها.

 

إن أفضل الروايات,لا تكون بالضرورة هي الروايات التي تحولت إلى أفلام سينمائية,ولكن من المصادفة أن هذه هي نفس نوعية الروايات,التي تجذب السينمائيين لتقديمها!,فالسينما كما نعلم لم تترك رواية صالحة إلا وقدمتها.

 

[4] ستيفن كينج

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعترف ستيفن كينج الكاتب الأمريكي العظيم بأنه كان طفلا جبانا! ولأن الجبناء أوسع خيالا من سواهم؛فقد احتفظ هو بالرؤى التي كان يخشاها في طفولته وترجمها إلى أعمال أدبية معقدة يمتزج فيها الرعب بالسيكولوجي وعلوم ما وراء الطبيعة والأسلوب الأدبي المحكم, ليكون ستيفن كينج بذلك أشهر وأنجح وأهم كتّاب الرعب المعاصرين وعميدهم,وليحقق أعلى مبيعات في كل كتاب,وليضمن تحويل كل قصة من قصصه إلى فيلم سينمائي يحقق إيرادات هائلة. وقد تحول إسمه إلى علامة مسجلة,يراها القراء على كتاب فيبتاعونه,ويرونها على فيلم سينمائي فيشاهدونه. بل وقد صار لإسمه ذات الرنين الرهيب الذي كان لأسماء إدجار آلان بو وبرام ستوكر ولافكرافت (خاصة واسم الملك يصفه ويتوجه فعلا).

 

بدأ مشواره الأدبي وهو في عمر سبعة أعوام لما كتب أولى قصصه -ولا يزال يكتب وقد تجاوز السبعين- وعشق أفلام رعب الخمسينات ككل مراهق أمريكي في الواقع,سينما مسوخ الخمسينات تركت أثرها لدى كل من احترف مهنة الرعب هناك,وقد ظل عاشقا للسينما وعلاقته بهوليوود حميمية من البداية,كل كتاب جديد له يصير فيلما بالتأكيد,ويعطي بعض الآراء حول الأفلام المقتبسة أو الغير مقتبسة عن أعماله,وجرب كتابة السيناريو لبعض أفلامه,وشارك بالظهور Cameos في عدد من أفلامه,كما أخرج بعضها مثل الفيلم الفاشل (الاندفاع الأقصى). ثم كبر الفتى وعمل مدرسا للغة الإنجليزية,وتزوج وراح يزجي الفراغ بالكتابة مجربا كتابة قصص مرعبة,لكن الناشرين اعتادوا رفض قصصه وكان يتخلص منها في القمامة غالبا,وكاد يتخلص من أول قصة له لولا أن زوجته تابيثا أنقذتها من صندوق القمامة,وأرسلتها إلى إحدى دور النشر,فإذا بدار النشر وياللمفاجأة تقبلها ويتلقى 2500 دولار عليها,وكان إسم القصة هو كاري. لتكون هي عمله المنشور الأول وبداية نجاحه الأدبي,وبعدها تفرغ للكتابة الأدبية تماما.

 

كاري الرواية الكابوسية عن المراهقة التي وجدت لديها قوى نفسية هائلة,قادرة على تدمير كل منافساتها اللواتي داعبنها مداعبة قاسية؟

 

وحين قرر المخرج العظيم برايان دي بالما أن يخرج القصة في فيلم عام 1976 تحقق نجاحها العظيم -ولقد عرض الفيلم في مصر وأحدث ضجة- ومن لحظتها صار كينج أكثر الكتاب مبيعا في العالم,وصار إسمه مقدسا في عالم الرعب المكتوب والمرئي. لقد تربع على عرش الرعب ولم يبرحه قط,ولعله أكثر الأدباء شهرة وثراءا في عالمنا اليوم (ربما قبل أن تزيحه جوان كاثلين رولينج عن عرشه).

 

تألق من رواياته الشهيرة أيضا والتي تروي قصة جنون كاتب يحيا في مكان منعزل مع زوجته وإبنه,وقد حول المخرج ستانلي كوبريك هذه الرواية إلى كابوس حقيقي في فيلم بنفس الإسم.

 

مقبرة الحيوانات الأليفة في تلك الرواية ينجح كينج في تحويل شيء بريء ورقيق إلى مأساة.

 

-الشيء رواية ملحمية يناقش كينج فيها عودة مخاوف الطفولة الكامنة إلى نفوس مجموعة من الأصدقاء كبروا وتفرقوا,لكنهم ظلوا يخشون الشيء ويرتقبون عودته.

 

الرجل الراكض وفي روايته تلك يتنبأ كينج بمستقبل دام تكون حياة الإنسان فيه مجرد لعبة تلفيزيونية يتم الرهان عليها.

 

ميزري الرواية التي كتبها عام 1987 في ثلاثمائة وستين صفحة,وميزري هو إسم البطلة والشرير الرئيسي في العمل والتي يمكن ترجمتها إلى بؤس أو تعاسة.

 

ثم لا ننسى كذلك تحفه كريستين,حشد سالم,لعبة جيرالد,وكلها تتميز بذلك الجو الكابوسي النفساني المتقدم جدا أدبيا.

 

ومن المجموعات القصصية نذكر (الرابعة بعد منتصف الليل),وهي من المجموعات الناجحة جدا. مشكلة كينج أنه بوسعك أن تتحدث عن عنوان مشهور له,مثل تألق أو كريستين أو كاري أو هو / الشيء أو صائد الأحلام لكنك تصطدم بأن الناس تحفظ الفيلم الذي قدم عن الرواية جيدا,إلا أن هذا العمل (الرابعة بعد منتصف الليل) شهرته محدودة جدا,وقد ركز النقاد على قصة شرطي المكتبة الأقل شهرة من بقية قصص المجموعة,ولكن ربما الأكثر جودة عنهم.

 

ولد ستيفن كينج في بورتلاند بولاية مين الأمريكية في 21 سبتمبر 1947. ويبدوا أن نشأته قد أثرت كثيرا على أدبه,لأن معظم قصصه تدور في ولاية مين هذه.

 

كتب كينج كثيرا جدا,إنه من أغزر الكتاب إنتاجا,سريع الكتابة إلى حد الإنتهاء من كتابة كتاب جديد هائل الحجم كل عام,وملاحقة عناوين كتبه أمر صعب -كتب أكثر من خمسين رواية بالإضافة لأعمال أخرى- فما بالك بقراءتها جميعا؟ ومن أهم ما كتب دراساته عن فن الكتابة,وفيها تحليل للخلفية السيكولوجية لأدب الرعب. من تلك الدراسات كتاب (عن الكتابة) وهو مقال طويل جدا عن تقنيات الكتابة للرعب. قليلون هم كتاب الرعب الذين حاولوا أن يشرحوا أساليبهم ويفهموها,لعل أهمهم لافكرافت العظيم,عبر دراسة رصينة أخرى عن الموضوع ذاته,في مقاله الطويل (الرعب الخوارقي في الأدب) وهو عمل هام مفيد لمن يريد إحتراف الكتابة في الرعب. وقد كان أحمد خالد توفيق ينوي ترجمته ولكن توفاه الله قبل ذلك,لينتقل الغرض إلى أحمد آخر هو أحمد صلاح المهدي,ليقوم في النهاية إسلام عماد بالتنفيذ.

 

إن ستيفن كينج كاتب راق على إلمام كبير بالأدب الإنساني,وهو يحوّل قصص الرعب التي يكتبها إلى أعمال ثرية جدا في محتواها الأدبي,تمزج بين النفسي والخوارقي في إسلوب محكم للغاية. لكن بدأ عالمه يزداد تعقيدا في إصداراته المتأخرة,حتى أن القارئ قد يجد عسرا في فهم بعض أعماله (الساحر والزجاج من سلسلة برج الظلام على سبيل المثال).

 

وعامة عالم كينج مميز جدا,وفي أدبه تيمات واضحة يمكن منها فهم شخصيته بالضبط.

 

-الحياة في قرية هادئة هي غالبا بانجور بولاية مين,ثم تأتي الكارثة من سماء صافية؛عادة يحل بها الشرّ الذي هو انعكاس لنفوس سكانها.

-الفتى المراهق عاثر الحظ الذي يتحرش به المراهقون الأقوى عديمو الرحمة.

-الهواجس المرضية التي تضايق شخصا ما ثم يتضح أنها حقيقية.

-الأسرة المتوسطة -وغالبا يقطنون في بلدة صغيرة بعيدا عن صخب المدينة,ربما هي بانجور مرة أخرى- التي تتبدل حياتها بالكامل.

 

ووحوش كينج متنوعة ثرية يصعب أن تلم بها جميعا,إنه من الذين احتفظوا بخطوط إتصال مفتوحة مع مخاوف طفولتهم,وهو يستعيدها بسهولة تامة.

 

في طفولته وقع له حادث ليس هينا بالنسبة لطفل:-

بينما كان عمر الصبي ثلاثة أعوام خرج أبوه ليشتري علبة تبغ ولم يعد قط! (أي خبير في تحليل النفس سيقول أن هذا سبب له عدم الإحساس بالأمان طيلة حياته).

 

تجربة أخرى تعرض لها ليست هينة لبالغ فما بالك لطفل؟ هي مشاهدته لصديقه يدهس تحت عجلات القطار.

 

من الواضح أن مرحلة مراهقة كينج كانت صعبة وأن لديه تثبيتا هائلا عليها؛أغاني الروك وسباقات السيارات بين الشباب ومحاولة الظفر بإعجاب الفتيات. إنها مراهقة أمريكية جدا تستطيع أن تترجمها إلى مشاعرك أنت لأن محتواها الإنساني ثري وعال.

 

استمرت التجارب المؤلمة معه من طفولته حتى شيخوخته. حيث صدمته شاحنة مسرعة كادت أن تودي بحياته,وأن تذهب ببصره بعد نجاته إثر تداعيات الحادث الأليم -حاليا هو يعاني من ضمور خطر بالشبكية ينذر بالعمى ولا علاج له للأسف. وكأي نجم غريب الأطوار- ربما يحسب من غرابة أطواره أنه لا يوقع الأوتوجرافات في حفلات التوقيع,وقيل أن هذا بسبب التشاؤم,لكنه في الحقيقة بسبب مقته لسخافات النجوم وتأليه الناس لهم. لكنه يقبل التوقيع لو أرسل الأوتوجراف إلى مكتبه- كان تصرفه تجاه هذا الحادث فريدا,وفي سبتمبر 1999 قيل أنه اشترى العربة التي صدمته في شهر يونيو من العام ذاته,كي يقوم بتهشيمها إحتفالا بذكرى الحادث السنوية.

 

وعملية الشراء غير مكلفة بالنسبة لكاتب مثل ستيفن كينج كما أشرنا من قبل,إنه كان ولازال واحد من أغنى الكتاب في العالم. بلغ دخله السنوي ذات مرة أربعون مليون دولار,لكنه يتقاضى من محاسبه 200 دولار إسبوعيا للإنفاق لا أكثر!

 

إن ما يميز أدب كينج عن سواه من كتاب الرعب؛إنه قرأ كثيرا جدا,وله إلمام واسع بالأدب العالمي,ويفهم علم النفس جيدا. إنه أديب عالي المستوى قرر أن يحترف أدب الرعب,وهو في أمريكا نوع أدبي محترم,وإن عومل ببعض التعالي من الأنواع الأدبية الأخرى,لكن لحظة عد الأرباح يكتشف الأدباء الآخرون أن هذا النوع هو الأكثر شعبية ووصولا إلى الناس.

 

إن كينج يهتم بالرعب,لكن الخيال العلمي يظل خارج إهتماماته فيما عدا بعض قصص قصيرة نادرة,منها أمواج الليل,وأنا مدخل الباب,وربما روايات أخرى قليلة مثل الموقف وتحت القبة و 11/22/63. بالإضافة إلى رواية سباق الموت -وهو الإسم الذي أطلقه عليها أحمد خالد توفيق في ترجمته للرواية,والإسم الأصلي هو الرجل الراكض- التي لا تمت لعالم الخيال العلمي إلا من ناحية الشكل,فأحداثها تدور في المستقبل,لكن ما يريده المؤلف منها هو الرعب والتشويق. وكعادة أكثر كتاب الخيال العلمي يرى كينج أن المستقبل هو كابوس رهيب,يسيطر فيه حكم شمولي على أنفاس البشر. ويزيد الفارق بين الطبقات اتساعا,بحيث يتحول المجتمع إلى طبقة حكام مترفة,وطبقة محكومين حياتهم أقرب إلى حياة الفئران.

 

هنا تأتي لعبة الموت .. لو ربحتها لأمكنك أن تنتقل إلى طبقة أخرى,ولو خسرتها فلن تفقد سوى حياتك أمام شاشات التلفزيون,وجمهور المشاهدين المتعطشين للدماء كما في سيرك روماني قديم.

 

إنها صفقة مغرية كما ترى!

 

إن الرواية لممتعة حقا. وتحبس أنفاس القراء حتى آخر صفحة فيها,ومنها سنعرف أن ستيفن كينج لا يتخلى عن عشقه للرعب والتوتر,حتى وهو يضع قدميه في حذاء الخيال العلمي, ويضع عباءة المستقبليات على كتفيه. ثم إنه لا يتخلى عن المحتوى الإنساني العالي الذي يميز قصصه.

 

كتب ستيفن كينج رواية الرجل الراكض عام 1982 بإسم مستعار يستعمله كثيرا هو ريتشارد باكمان,الذي كتب تحت مظلته خمس روايات؛المسيرة الطويلة,أشغال الطريق, الهارب,أرفع,والمنظمون. ويقال أن سبب هذا هو ناشر كتبه الذي وجد أن السوق لا يتسع لتدفق إبداعات هذا الكاتب. ولكنه تجاوز هذه المشكلة منذ فترة,ولم يجد ستيفن كينج نفسه سببا مقنعا لكتابة بعض الروايات بهذا الإسم بعد ذلك,لكنها عادة أحبها وأحبها القراء معه.

 

[5] مايكل كرشتون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مايكل كرشتون هو نفسه مخرج رواية الغيبوبة رائعة روبين كوك,ويأتي ذكره هنا مؤلفا متميزا لقصص الخيال العلمي,التي تفوح منها رائحة الطب. ولا عجب هنالك,فمايكل كرشتون طبيب قبل أن يصير مؤلف أو مخرج سينمائي.

 

ولد مايكل كرشتون في شيكاغو عام 1942,وتخرج في مدرسة هارفارد الطبية,ثم نال درجة الزمالة لما بعد الدكتوراه في معهد سالك في لاجولا بكاليفورنيا عام 1969. ثم عمل في معهد أساتشوستسي للعلوم التقنية,بصفته كاتبا زائرا حتى مماته في 2008 عن عمر 66 عاما.

 

غير معروف متى ولا كيف بدأ يهتم بالفن,لكنه قدم عددا لا بأس به من قصص الخيال العلمي,نذكر منها

 

-سلالة أندروميدا

كتبها كرشتون عام 1969,وكالعادة تلقفتها السينما الأمريكية لتقدمها في فيلم من إخراج روبرت وايز.

 

وكما يقول محرر مجلة لايف عن هذه القصة:-

“إن الخيال العلمي الذي كان في الماضي مريعا,لأنه كان بعيدا جدا,صار اليوم مريعا أكثر لأنه صار قريبا جدا. إن قصة سلالة أندروميدا هي نوع من رسوم الجمجمة على زجاجات الدواء,وتحدث نفس القشعريرة في البدن”.

 

إنها رواية مشوقة,ذات طابع غير مألوف,وفيها الكثير من التوثيق,والإشارة إلى أسماء واقعية من العاملين في ناسا,بل إن نهاية الطبعة الإنجليزية زاخرة بأسماء المراجع العلمية, وكأنها رسالة دكتوراه حقيقية,حتى أن القارئ يجد نفسه غير قادر على تحديد متى تبدأ الحقيقة ومتى تنتهي. وهذا هو طابع كرشتون في كل كتاباته.

 

-الكونغو

هذه قصة ممتعة حقا,كتبها عام 1980,وفيها يبتعد نسبيا عن عالم الطب المألوف لديه كي يرتاد مجاهل إفريقيا. وهو يقدم لنا ذات العالم الذي استكشفه رايدار هجارد من قبل,ولكن بلغة الإلكترونيات والعلم الحديث.

 

ويقول كرشتون في مقدمة الرواية:-

 

“إن مساحة إفريقيا لتبلغ اثنى عشر مليون ميل,أي قدر مساحة أمريكا الشمالية وأوروبا معا. وإن جهلنا بقارة إفريقيا لفادح.

 

تسمى إفريقيا بالقارة السوداء لسبب واحد فقد,هو غابات الأمطار الاستوائية في وسطها. وهذه هي منطقة مصب نهر الكونغو,حيث توجد غابة مظلمة رطبة مساحتها نصف مساحة الولايات المتحدة. وهو مظهر جغرافي لم يتبدل على مدى ستين مليونا من الأعوام.

 

وحتى اليوم لا يسكن حوض الكونغو سوى نصف مليون نسمة,يعيشون في قرى متناثرة. أما أكثر الغابة فيحوي آلاف الأميال المربعة التي لم تستكشف بعد,ولم ترها عين غربية حتى اليوم”.

 

ويقارن كرشتون بين الحملة في روايته تلك,وبين حملة ستانلي التي استكشف حوض الكونغو في الأعوام 1874-1877. ويشير إلى إن أساليب الاستكشاف تطورت كثيرا,لكن الغابة ظلت كما هي.

 

يلاحظ في هذه الرواية أيضا إسلوب كرشتون المتميز جدا,المفرط في التوثيق والاستطرادات العلمية,بحيث يجعل من الرواية مزيجا من الفن والدراسة الأكاديمية.

 

لهذا صار لـ كرشتون إيقاعه الخاص في قصصه,فهو يكتب الأحداث على شكل فقرات مزدوجة .. الفقرة الأولى يخصصها للحدث .. والفقرة الثانية يخصصها للتفسير العلمي لهذا الحدث.

 

وكالعادة ينهي روايته بحشد من المراجع العلمية التي لجأ إليها .. فكرة (رواية ذات مراجع) تبدو غريبة بالنسبة لذوق قارئ العربية,لكن رواياته ممتعة دون شك.

 

-حديقة العصر الجوراسي

وقد أخرجها سبايلبرج في فيلم الدنياصورات الشهير,الذي هز شباك الإيرادات في العالم كله.

 

من أعماله الأخرى

 

-رجل الأطراف الكهربية

-سرقة القطار الكبرى

-أكلة الموتى

-الكرة

 

أما قصص كرشتون البعيدة عن عالم الخيال العلمي فهي

 

-خمسة مرضى

-حياة كهربية

-رحلات

-الفضيحة

-مسألة احتياج

 

وفي مجال الإخراج السينمائي قدم لنا هذا الفنان المتميز:-

 

-العالم الغربي

-الغيبوبة

-سرقة القطار الكبرى (عن قصته هو نفسه)

 

[6] ويلز

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هربرت جورج ويلز,أو (هـ . ج . ويلز) فهو من الكتاب العالميين المعدودين الذين اشتهروا بالحروف الأولى من أسمائهم,ومنهم د. (هـ . لورانس),و(ج . ب . شو) و(ر . ل . ستفنسون),و( ت . س . إليوت). وهو كاتب فائق الشهرة. لا يجادل أحد في كونه عبقري أضاف الكثير حتى على مستوى لغتنا اليومية وثقافتنا. لقد صار مفهوم آلة الزمن والرجل الخفي وحرب العوالم مستقرا في خيالنا وتعبيراتنا. هو خليط من أديب كبير وفيلسوف ومفكر سياسي ومستقبلي ومعلم أحياء.

 

في صبا هذا الكاتب قذف به أحد الأولاد الكبار في الهواء,ومن ثم سقط أرضا وتهشمت ساقه. وكان على الصغير أن يرقد في الفراش شهورا يتلوى ألما.

 

تبدو هذه كارثة,لكنها بالنسبة لـ ويلز كانت أسعد حوادث حياته؛لأنها أرغمته على ممارسة التسلية الوحيدة للمقعدين قبل اختراع التلفزيون: القراءة. خاصة وأن نشأة ويلز كانت فقيرة للغاية.

 

ولد ويلز في 21 سبتمبر 1866 في بروملي بمقاطغة كنت في إنجلترا. أبوه جوزيف ويلز كان يملك ورشة صغيرة (حانوت),بينما أمه كانت خادمة قبل أن تتزوج. بدأ ويلز الصغير حياته بالعمل فترة في محل لبيع القماش والصوف في وندسور (وصف هذه الفترة في رائعته كيبس التي استوحاها من عمله في المحل) ثم عمل في صيدلية.

 

وفي النهاية فرّ من هذا الجحيم وجاهد حتى تمكن من الدراسة في الكلية الإمبراطورية للعلوم,وتخرج فيها بإمتياز بعد أن ظفر بمنحة دراسية أشعلت إهتمامه بالعلوم,ودرس علم البيولوجيا وخاصة نظرية داروين مع الأديب الكبير هكسلي. إن تأثير هذه الفترة واضح في قصته (جزيرة الدكتور مورو). ثم عمل مدرسا,حيث كتب خطابا يستعطف فيه ناظر مدرسته القديمة,وقبل هذا الأخير أن يُعّين ويلز معلما عنده.

 

أصيب بثقب في رئته بعد مباراة كرة قدم عنيفة,وكان لإصابته الأولى الفضل في إرغامه على القراءة .. أما إصابته الثانية فأرغمته على الكتابة.

 

عام 1891 تزوج إبنة عمه في زيجة لم تطل؛لأنه تعلق بإحدى تلميذاته. كان قد تفرغ للكتابة عام 1893. خمسة أعوام ظل يكتب فيها,وخلالها حرق ذات مرة كل ما كتب لرداءته!. (عادة الأدباء العظام) ثم إنه تزوج تلميذته تلك عام 1895 وواصل محاولات الكتابة في حماس غير مسبوق إلى درجة إخراج كتابين طويلين كل عام .. وبدأ يرضى عن أعماله تدريجيا,ويرضى القراء عنها. ففي نفس العام 1895 كتب رائعته آلة الزمن والزيارة الرائعة والعصوية المسروقة وحوادث أخرى.

 

وفي كتاباته نجد تنوعا غير عادي في مجالات إهتمامه,فهو مولع بعلم الأحياء لهذا كتب (مرجعا في الأحياء) عام 1983. وهو يعشق الخيال العلمي. وفيه كتب

 

-العصوية المسروقة وحوادث أخرى 1895

-آلة الزمن 1895

-الزيارة الرائعة 1895

-جزيرة د. مورو 1896

-الرجل الخفي 1897

-حرب العوالم 1898

-أوائل الرجال على القمر 1901

 

ثم كتب عن المشكلات الإجتماعية

 

-توقعات 1901

-كيبس 1905

-يوتوبيا الجديدة 1905

-توني بانجي 1909

-آنا فيرونيكا 1909

 

وفي عام 1911 بدأ خط جديد من خطوط إبداعاته يتمثل في قصصه

 

-ميكيافيللي الجديد

-الزوج

-أصدقاء عاطفيون

-الزوجة لسير إنراك هارمان

 

وكتب ويلز أيضا عددا من القصص القصيرة الخيالية نلمس فيها تنوعا غير عادي,مليئة بوحوش لم نتصور وجودها,مزيج من الرعب والفكاهة والغرابة والسحر والمأساة والشعر.

 

من تلك القصص نذكر

-بولوك ورجل البوروه

-جزيرة الـ إيبيورونيس

-الغرفة الحمراء

-حقيقة بايكرافت

-إمبراطورية النمل

-في مرصد آفيو

-انتصارات دبّاغ

-في الهاوية

-المتجر المسحور

-وداي العناكب

-بلد العميان

-غزاة البحر

-القلنسوة الأرجوانية

 

كتب ويلز في كل شيء تقريبا؛من نشأة وحيدات الخلية إلى مؤتمرات الصلح,ومن ألعاب الأطفال إلى قوانين الاقتصاد. ويرى د. لويس عوض أن الرجل كتب كثيرا جدا .. بل (ربما أكثر مما ينبغي) وهذا حق.

 

في عام 1903 انضم للحركة الفابية (الحركة الاشتراكية التي تدعو للتغيير التدريجي) لكنه تركها بعد مشادة مع برنارد شو أهم قادة الحركة.

 

وأيد ويلز الحرب العالمية الأولى على أساس أنها (الحرب التي ستنهي الحروب جميعا),وقاد حملة الدعاية ضد الألمان في أثنائها,لكن هذا لم يمنعه عام 1916 من كتابة قصة شهيرة هي (مستر برتلنج يتبين الأمر) يقر فيها بخطئه.

 

بعد الحرب كتب

 

-خلاصة التاريخ 1920

-تاريخ قصير للعالم 1922

-علم الحياة 1929

-العمل والثروة وسعادة البشرية 1932

 

كان يبشر بعالم واحد متكامل يبعد شبح البربرية والعدمية.

 

وفي عام 1934 كتب قصة حياته وسماها (تجربة في الحياة). وجاءت الحرب العالمية الثانية لتفقده؛إيمانه بالجنس البشري الذي فقد التحكم في ذاته,ومشى بخطى حثيثة نحو الهلاك.

 

من الغريب أن شهرة الأعمال الخيالية لـ (ويلز) تفوق بكثير شهرة أعماله الواقعية. ومن لم يسمع عن قصص الرجل الخفي أو آلة الزمن أو جزيرة الدكتور مورو؟. ولعل هذا يرجع إلى أن النوعية الأولى أكثر إمتاعا وشعبية.

 

على أن النقاد -ومنهم لويس عوض الذي نقتبس هنا بعض عباراته- يقسمون أدب ويلز إلى ثلاث مجموعات

 

1-الأساطير العلمية: على غرار ما ذكرناه.

 

2-القصص الواقعية: مثل كيبس وتونو بنجي وسيرة مستر بولي,وهذه المجموعة هي الأرقى والأكثر ثراءا في محتواها الأدبي.

 

3-القصص الجدلية: مثل مستر برتلنج وآن فيرونيكا وكلها خالية من المحتوى الأدبي,بل هي أقرب إلى مناقشات للآراء الإجتماعية تبرز فيها طبيعة المفكر المصلح أكثر من طبيعة الفنان.

 

ونختص بالحديث هنا عن أساطير ويلز العلمية,وتوجد سمة عامة في المنهج المتبع بها,وهو أنه يجتهد لتصور مستقبل البشرية إذا ما وضع العلم في خدمة المجتمع.

 

في قصة آلة الزمن يبدوا متأثرا بشدة بمنهج داروين ونظرية النشوء والارتقاء. وفي قصص أخرى يتصور مصلا تحقن به الحيوانات فتتكلم وتفكر كالآدميين,أو محلولا يشربه الناس فتشف أجسادهم حتى تغدو خفية,أو حربا بين كوكبنا وغيره من الكواكب.

 

من أبرز رواياته نذكر أيضا جزيرة الدكتور مورو,المثيرة والمرعبة والتي تدعونا للتأمل, والتي بالطبع كان لا بد أن تثير شهية صناع السينما لعمل شيء ما منها,وقد قدمت لنا السينما الأمريكية ذات الرواية في فيلمين بارزين

 

-الأول هو جزيرة الأرواح المفقودة 1932,بطولة تشارلز لوتون,وهو أفضل الفيلمين.

 

-الثاني هو جزيرة الدكتور مورو 1977,بطولة بيرت لانكستر ومايكل يورك,وهو عمل غير متميز.

 

رواية جزيرة الدكتور مورو هي نموذج لأدب الخيال العلمي عند ويلز,ومن خلال قراءتها يتبين القارئ المثقف سريعا أن هذا الأديب -كما ذكر لويس عوض- يكتب الخيال العلمي,ليعبر عن آرائه الفلسفية وانطباعاته الإجتماعية في الحرية. إن ويلز منبهر بالعلم,لكنه يهابه .. يحترمه,لكنه يرتاب فيه.

 

ورواية الرجل الخفي,رواية أخرى ممتعة بلا شك,وقد صارت من كلاسيكيات أدب الرعب وأدب الخيال العلمي معا,وبعض مشاهدها حفر للأبد في خيال القراء,كما تفننت السينما في تقديمها مرارا بكل أساليب الخدع السينمائية,ولعل آخر فيلم لم يقتبس القصة ولكن تأثر بها هو (الرجل الأجوف). يقول الكاتب العلمي السوفييتي ياكوف بريلمان عن إن الرجل الخفي لو وجد لكان كفيفا تماما؛لأن شبكيته لن تحتوي طبقة الخلايا الصبغية؛ولهذا فحتى الأسماك الشفافة تماما كالزجاج تظل عيونها السوداء مرئية. فيما عدا هذا هناك محاولات علمية ناجحة لجعل معامل انكسار الأنسجة الحية مماثلا لمعامل انكسار الهواء.

 

ولسوف يرى القارئ الناقد أن ويلز متأثر بالمذاهب العلمية والفكرية التي سادت أوروبا في تلك الحقبة,وله اهتمام بنظرية داروين في الارتقاء,وأوضاع الطبقة العاملة المطحونة في عهد الثورة الصناعية بإنجلترا.

 

ولقد جرت العادة على أن يوضع ويلز الإنجليزي مع جول فيرن الفرنسي في سلة واحدة.

 

ويرى د. لويس عوض أن هذا تعسف,فكلا الرجلين يجعل العلم أداة الخيال,كلاهما كتب في الخيال العلمي وغدا حجة فيه -يعتبر الآباء الثلاثة الشرعيون للخيال العلمي هم ويلز وفيرن وهناك أب ثالث يضيفونه باستمرار هو الكاتب والناشر هوجو جيرنسباك,لدرجة إطلاق جائزة هامة للخيال العلمي بإسم جائزة هوجو- لكن هناك فارقا هائلا بين جول فيرن وهربرت جورج ويلز. جول فيرن -كما يمكن أن نلاحظ في رحلة إلى مركز الأرض- كاتب مسطح,لا يقول شيئا سوى المغامرة الطريفة المثيرة التي تحدث لأبطاله مكتفيا بها أساسا لحبكته مضيفا عليها الدقة العلمية فحسب.

 

أما ويلز فيقول كل شيء ممكن مما بين السطور وفي السطور ذاتها,حتى لتعدو رواياته عملا فلسفيا شديد العمق,ولا ينتهي أي كتاب من كتبه لدى إنتهاء قراءته,إنه يبقى معك طويلا. فويلز يعرض تأملاته وآراءه ويعيد بناء المجتمع ونقده,وهو شديد الإيمان بالمنهج العلمي في القياس,ويصف أبطاله وأحداث القصة وصفا باردا شبيها بعالم يصف أحد الأحياء الدقيقة تحت عدسة المجهر. إنه أقرب للفيلسوف الذي يحاول أن يتنبأ بمستقبل البشرية,هناك لمسة تشاؤمية واضحة في أدب ويلز مع خوف عارم على مستقبل البشرية,لكن هناك كذلك لمحة من التفاؤل. يقول في مزيج من الجد والهزل: كلما رأيت شخصا بالغا على درّاجة,قل خوفي على الجنس البشري!.

 

وبعد حياة حافلة,توفى العبقري في 13 أغسطس عام 1946 في التاسعة والسبعين من عمره. توفى بعد أن ترك طابعه الذي لا يمحى في عقول هذا الجيل. وبعد أن أثرى الأدب العالمي بقصص ومقالات لا تنسى,ربما لم تكن عميقة كلها,لكنها بالتأكيد فائقة الإمتاع. توفى وهو يمر بحالة عدم يقين شديدة تجاه الجنس البشري الذي يبدو أنه صمم على تدمير ذاته. إن تفكير من ماتوا قبل الحرب العالمية الثانية يختلف جذريا عمن ماتو بعدها. وقد توقع أن تكون العبارة التي يتركها على شاهد قبره هي: “لقد أنذرتكم .. أيها الأغبياء!”.

 

[7] أوسكار وايلد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ينظر إلى البوليسية والرومانسية بإعتبارهما من أدبيات الإثارة الرخيصة,ولكن يعد الأدب الرومانسي درجة أكثر نضجا في درجات تذوقنا للأدب العالمي.

 

أديبنا هذا لا يمكن الكلام عنه إلا في كتاب كامل,ولعله من أكثر كتاب العالم الذين صدرت عن حياتهم دراسات كاملة .. وحياته بحر لا ينتهي من الصخب والقيل والقال وقد أثار الكثير من الجدل.

 

لكننا سنكون محددين مختصرين.

 

ولد أوسكار وايلد في 16 أكتوبر عام 1854 في دبلن .. الإبن الثاني لسير ويليام وايلد -طبيب وجراح عيون فائق الشهرة- وأم أديبة ثائرة كانت تحارب من أجل حرية أيرلندا بقلمها.

 

وفي المدرسة -كعادة الأدباء- لم يبد أوسكار حماسا للألعاب الصبيانية,كان يؤثر الوحدة وقراءة الأدب الإغريقي.

 

وكان لقراءاته هذه الفضل في أن يظفر -فيما بعد- بمنحة لجامعة أوكسفورد,وظفر هناك بشعبية لا بأس بها بسبب موهبته كشاعر له لماحيته وروحه المرحة. وبدأت أشعاره تولد على صفحات المجلات الإيرلندية.

 

وحين تخرج في أوكسفورد كان قد نال شهرة بآرائه الثورية التي تصدم أذواق السواد الأعظم من الناس,وإن كنت تشعر بأنه يقولها أحيانا لمجرد التميز حتى إن لم يؤمن بها تماما. وكانت ثيابه الزاهية الغريبة منفرة الألوان تعكس هذا التحدي وهذه الرغبة في التميز بواسطة نوع من الاستفزاز للتقاليد والأنماط السائدة.

 

سافر إلى الولايات المتحدة ليلقي بعض محاضرات,ثم تزوج كونستانسي لويد وأنجب منها طفلين,واضطرته المسئوليات إلى أن يعمل مراجعا في مجلة بول مول ثم صار محررا لمجلة عالم المرأة.

 

كان هذا الوقت -عام 1887- هو الذي كتب فيه قصة شبح كانترفيل,وهي من أشهر قصصه وأنجحها .. للمرة الأولى نجد القصر مسكونا بشبح خائف مذعور من البشر الذين هم أكثر شناعة وقسوة من أي شبح يمكن تصوره.

 

وبعد هذا بعام أصدر مجموعة من القصص الخيالية تحت عنوان (الأمير السعيد وقصص أخرى),وهي قصص شاعرية تتخذ طابع قصص للأطفال,لكنها تعكس شفافية وحساسية غير عاديتين.

 

تلى ذلك إصدار روايته الوحيدة دوريان جراي,التي ناقش فيها العلاقة بين جمال الصورة وقبح الروح. ورغم أنه ينظر إليها اليوم بصفتها أقرب إلى الروايات الأخلاقية,إلا أنها قد قوبلت بهجوم عنيف في البداية,واستخدمها مهاجموه كدليل إثبات ضده في محاكمة كوينز بري الشهيرة.

 

وعلا نجم وايلد سريعا,وامتلأت الصحف بآرائه وأخباره. وقدم مسرح سانت جيمس روايته (مروحة الليدي وندرمير) التي دشنت اسمه كأحد أهم كتاب المسرح الإنجليزي. ولقد قدمت السينما المصرية,ذات الرواية باسم امرأتان منذ ثلاثة عقود من الزمان.

 

شهد العام 1889 ظهور أعماله امرأة بلا أهمية والزوج المثالي وتحفته الخالدة أهمية أن تكون جادا وسالومي.

 

كان نجاحا الرجل ساحقا,وكان لهذه الشهرة دور في تبديل شخصية وايلد -أليس بشرا؟- كأنما تحقيق الطموحات قد حرّر ميولا مرضية في تكوينه,وسرعان ما بدأ تدهور الرجل إلى نهايته.

 

وتكفل أصحاب السوء بتسهيل طريق الرذيلة للرجل لينزلق في عالمها الذي يذكرنا كثيرا جدا بما عاشه الفتى دوريان في صورة دوريان جراي,حتى قدم للمحاكمة -من قبل والد صديق له- فيما يعرف بـ (محاكمة كوينز بري),وحكم عليه بالسجن مع الأشغال الشاقة لمدة عامين.

 

وفي السجن كتب إلى صديقه ألفرد دوجلاس خطابا شهيرا جدا وطويلا جدا نشر فيما بعد باسم من الأعماق (دي بروفندي De Profundis). ويعتبر من درر أدب السجون.

 

ويغادر وايلد السجن فيترك إنجلترا التي لم يعد يطيقها فارا إلى فرنسا,ويمضي الوقت دون كتابة أعمال مهمة أخرى,ثم يصيبه إلتهاب الأذن الوسطى الذي يؤدي به إلى الحمى الشوكية في ديسمبر عام 1900. ويلفظ أنفاسه الأخيرة بسببها فيدفن في باريس,في مقبرة بيرلاشيز في مونمارتر.

 

يقول وايلد: “على الفنان أن يخلق أشياء جميلة,لكن عليه ألا يضيف شيئا من حياته الخاصة إليها”. أوسكار وايلد أديب عظيم ذو شخصية مفعمة بالشاعرية والحساسية والقلق. ولن ينسى محبو الأدب كلمة وايلد الشهيرة: “إن الطبيعة تقلد الفنان” كما لن ينسوا ما قاله ماكس بيربوم عنه: “كان الجمال موجودا منذ دهر قبل عام 1880,لكن أوسكار وايلد هو أول من رآه”.

 

هذه عبارات جديرة بالتأمل,ولسوف يتذكرها القارئ مرارا وهو يقرأ أدب الرجل المليء بالجمال الذي لم يره إلا أوسكار وايلد.

 

[8] آرثر كونان دويل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يندر الحديث عن آرثر كونان دويل إلا وتستدير الدفة تلقائيا نحو بطله الأشهر والأكثر إمتاعا شيرلوك هولمز,والحق لا يمكن للقارئ أن يتعرف حقا على أدب دويل دون قراءة إحدى القصص التي يقوم ببطولتها شيرلوك هولمز. والراغبين في معرفة أشياء أكثر عن شيرلوك هولمز لقادرون على العثور عليها في كل مكان تقريبا,لكننا نجد القليل جدا عن خالق هولمز ذاته. وهذا نموذج جيد للشخصية الروائية التي تلتمع وتتألق حتى تطغى على شخصية كاتبها ذاته. يمكن القول القول دون خطأ كبير أن كونان دويل حاول مرارا التملص من شخصية هولمز,وحاول أن يبدع خارج سجنها. لكنه كان يفشل دوما ويقابل بالفتور,من ثم يعود إلى عالم هولمز من جديد. وقد قدم ستيفن كينج دراسة شائقة لعقدة الشخصية المسيطرة على الكاتب في رائعته بؤس.

 

كان السير آرثر كونان دويل طبيبا من الذين جذبهم الأدب إلى عالمه السحري الخلاب,لكن الطب لم يفارقه لحظة. طبيب هوى الأدب,واستطاع أن يعطي حياته للمجالين معا دون أن يتنازل عن أحدهما.

 

تعلم من الطب دقة الملاحظة,ومنه اقتبس شخصية أستاذه العظيم د. جوزيف بل الذي كان هو هولمز في كل شيء. بملاحظته غير العادية للتفاصيل,فكان يعرف مهنة المريض ومرضه ومشاكله الأسرية من نظرة واحدة. فكان جوزيف رجل متأنق,فارع الطول,معقوف الأنف,يدخن الغليون الذي لا يفارق شفتيه,وله عينا صقر,وهذه هي الصفات (بالإضافة إلى قوة الملاحظة المذهلة ومعرفته العلمية) التي خلق منها دويل شخصية بطله هولمز.

 

لم يتصور الأستاذ ولا التلميذ أن علاقة الإعجاب هذه يمكن أن تؤدي بـ كونان دويل إلى هجر الطب والتفرغ لكتابة القصص البوليسية .. لكن هذا حدث.

 

كان من الممكن أن يموت دويل دون أن يحظى إلا بشهرة محدودة,لو لم تجب لنا عبقريته شخصية هولمز,أقوى شخصية عرفها الأدب البوليسي عموما,وإحدى أكثر الشخصيات الخيالية خلودا. ومازال في لندن من يقيمون الأندية تخليدا له,ويزورون شارع بيكر لرؤية بيته المفترض,وقد قرأت دراسة مرهقة تحاول إثبات أن واطسون -صديق هولمز- كان امرأة,وأن عناوين القصص تكشف اسمها! (المثلية تقفز لنا بوجهها القبيح هنا أيضا).

 

بدأ ظهور قصص هولمز عام 1891 عبر رواية علامة الأربعة,والعصابة الرقطاء 1892, ثم مذكرات هولمز عام 1894,وعودة شيرلوك هولمز عام 1905,وعقدته الأخيرة عام 1917,وقضية هولمز عام 1927.

 

وكان نجاح هولمز ساحقا,وقد فشلت كل محاولات دويل للخلاص من هولمز,بل إنه قتله في إحدى رواياته,لكن انهمر عليه سيل من رسائل القراء أرغمه على أن يعيد إحياءه في رواية تالية. لكنه لم يتوقف عن محاولة قتله -في القصص- مرارا (الشخصية غلبت صانعها). وراح يجرب حظه في مجالات أخرى,منها

 

-التاريخ ورواية الشركة البيضاء 1891,وهي عمل أدبي تاريخي عالي القيمة لم يرض عنه أحد للأسف.

 

-ثم كتب مسرحية بعنوان قصة واترلو عام 1900.

 

-وكتب سيرة حياته في كتاب بعنوان مذكرات ومغامرات عام 1924.

 

-وكان كونان دويل من المهتمين بعالم الأرواح وعلوم تحضيرها. وله قصص مثيرة في هذا الصدد,وقد وضع خبراته هذه في كتاب اسمه تاريخ مذهب تحضير الأرواح عام 1926.

 

-ثم كتب رواية لم يكن بطلها هولمز هي (العالم المفقود). وهي واحدة من القصص التي حاول كونان دويل الفرار إليها من أسر هولمز. ويمكن القول أنه نجح إلى حد كبير,ونالت رواية العالم المفقود رواجا كبير دفعه إلى أن يقدم جزءا ثانيا لها تحت عنوان (النطاق السام) مع نفس الأبطال. وأبطالها هم

 

-نيد مالون المخبر الصحفي الشاب الأخرق إلى حد ما

-تشالنجر البروفسور المغرور العصبي الفظ الشبيه بالغوريللا

-مستر سومرلي أستاذ تشريح الحيوان المقارن,الناحل العصبي

-لورد روكستون القوي الجسور

 

هي رواية ممتعة بحق,فيها من روح هذا الأديب العظيم المتوثبة إلى الإثارة,والتي تحمل احتراما شديدا للعلم والعلماء.

 

وبرغم هذا كله لم يستطع الرجل الفرار من عالم هولمز,واضطر إلى العودة إليه ليقدم للقراء المزيد من الروايات فائقة الإمتاع.

 

ونجد ممن يحبون هولمز كثيرين في اليابان,وفي روسيا ينتظر الناس حلقاته التلفزيونية في شغف,ولا يوجد من لا يعرف هذا المخبر العبقري الجالس أمام المدفأة يدخن الغليون,ومعه راوي قصصه محدود الذكاء د. (واطسون) الذي يحاول أن يفكر مثله لكنه يعجز دائما.

 

رواية كلب آل باسكرفيل من الروايات المحدودة جدا لـ هولمز,لأنك تجده أكثر في القصص القصيرة -والتي تقدمها لنا ترجماتها العربية على أنها روايات- وهي من الأعمال الشهيرة التي أغرت السينما بتقديمها مرارا,وفيها مزيج من الإثارة والفكر الممنطق,وبعض الرعب,وقليلا جدا من الجوانب الإنسانية.

 

لقد أثرى السير آرثر كونان دويل -الأديب الإنجليزي العظيم- عالم الأدب بمؤلفات كثيرة, لكن شخصية شيرلوك هولمز ستظل هي الأكثر خلودا وشهرة من كل أعماله. وهذا دليل على عبقرية الرجل وعلى موهبته التي أسعدت الملايين من القراء بكل اللغات.

 

 

 

 

 

[9] جون جريشام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعض الكتاب يميل إلى التخصص في كتاباته؛ستيفن كينج يميل إلى الرعب,بيتر بينشلي يميل إلى عالم البحار والكنوز الغارقة,روبين كوك ومايكل كرشتون يميلان إلى عالم الطب بمفرداته الغامضة.

 

قديما ظهر أديب أمريكي هو إيرل ستانلي جاردنر,الذي مال إلى التخصص في عالم المحاماة والمحاكم,وقدم لنا محاميه الأريب الوسيم بيري ميسون,وذلك في سلسلة روايات لا تنسى.

 

وها هنا نقدم لكم أديبا ثانيا اهتم بعالم القضايا والمحاكم والقانون والتصق به,هو جون جريشام. وقد صار اسمه فائق الشهرة في قوائم أفضل المبيعات,وصار من المؤكد أن تتحول كل رواية له إلى فيلم سينمائي شهير بدوره.

 

إن أدب جون جريشام له مذاق خاص,يمزج بين السخرية والتوتر والتشويق,والبعد السياسي, والعواطف الإنسانية الجامحة. كل هذا في رواية واحدة محكمة,لا تشعر معها بافتعال هذا المزج كما تشعر به في الأفلام الهندية مثلا.

 

وهو مولع دائما بتيمة البطل الفرد الضعيف الوحيد أمام قوى عاتية سياسية أو قانونية أو إجرامية؛المافيا,أو شركات التأمين,أو الاستخبارات المركزية.

 

وهي فكرة تروق للقراء دائما,بالإضافة إلى حجم رواياته الضخم شديد الدسامة الذي يناسب القارئ الأمريكي؛المولع بألا تقل صفحات أي رواية عن خمسمائة صفحة,ولا ينظر بجدية لرواية صغيرة الحجم!.

 

ولد الأديب الأمريكي جون جريشام في أركنساس عام 1955,لأب مزارع قطن,وقد استقرت أسرته جوار المسيسيبي عام 1967. في هذا الوقت تقريبا بدأ الشاب يقرأ بنهم, خاصة أعمال أديب أمريكا العظيم شتاينبيك Steinbeck. وإن لم يطمح للأدب قط,فقد كان يعتقد أنه خلق ليكون لاعب بيزبول عظيما,ذلك الطموح الذي تخلى عنه في مباراة عنيفة جعلته يدرك قدراته بالضبط.

 

درس المحاسبة في جامعة المسيسبي وتخرج عام 1977,ثم حصل على شهادة في القانون عام 1981,وافتتح مكتبا للمحاماة في ساوثهيفن حيث عمل به لفترة.

 

من بعد رواية المؤسسة بدأ جريشام يقدم عملا واحدا تقريبا كل عام,وتبدت في أعماله ثقافته القانونية مع فهمه للجنوب الأمريكي وعالم المسيسيبي الذي قدم لنا من قبل أديبا عظيما هو مارك توين.

 

أبرز أعماله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

-وقت للقتل 1987,هي أولى رواياته وكان نجاحها متوسطا,أو لنقل لم تلقى إهتماما يذكر فلم يبع منها إلا ألف نسخة بعد أن قدمها للناشر الوحيد الذي قبلها,ربما لم تحقق نجاحا ساحقا إلا بعد ما اشتهر وقدمتها السينما الأمريكية.

 

اضطر ذات مرة لسماع طفلة صغيرة تحكي في المحكمة قصة اعتداء تعرضت له,هنا خطر له أن يتخيل الوضع القانوني لو أن الفتاة كانت زنجية,ولو أن الاعتداء تم على يد مجموعة من البلطجية البيض المتعصبين ذوي الأعناق الحمر. هنا يلعب التعصب العرقي دورا لا بأس به     ؛لأن فرصة نجاة المجرم الأبيض عالية إذا كان المحلفون بيضا,وهذا ما يدفع أبا الطفلة لتنفيذ العدالة بيده. هكذا ولدت قصة وقت للقتل.

 

-المؤسسة / الشركة 1990,التي وثبت به إلى الصف الأول في أعلى المبيعات,وصارت رواياته واسمه في كل مكان,وعام 1991 اشترتها منه شركة باراماونت بستمائة ألف دولار وقدمتها في فيلم ناجح بدوره,من بطولة توم كروز بإسم الطاغية.

 

تحكي عن محام شاب يتعلم الدرس بالطريقة الصعبة؛لا أحد يقدم شيئا مجانا,وكل هذه المزايا التي تمنحها إياه شركة المحاماة الكبرى تضعه في ورطة مخيفة بين الـ إف بي آي والمافيا الغاضبة. برغم أن الفيلم الذي قدمه توم كروز نجح جدا فإن الرواية سبقته في هذا النجاح,وبالتالي راجت رواية وقت للقتل ورآها النقاد للمرة الأولى.

 

-ملف البجعة 1992,التي تحولت إلى فيلم بإسم امرأة في خطر بطولة جوليا روبرتس حسناء هوليوود الرقيقة.

 

-العميل 1993,رواية شهيرة له,وفيها يقف صبي صغير وحده أمام عمالقة الإجرام وقضية سياسية بالغة الخطر.

 

-صانع الأمطر 1995,وهي واحدة من أفضل أعماله,ويجب أن يحتفل القارئ بقراءته لهذه الرائعة,وقد تم تحويلها إلى فيلم بنفس الإسم عام 1997 من إخراج العظيم فرانسيس فورد كوبولا.

 

صانع الأمطار هو مصطلح مهني,يعني المحامي الذي يحقق صفقات كبرى,وتعويضات هائلة لموكليه.

 

-مقاعد الشمس 1996,وهي قصة تنتمي لعالم البيزبول الذي لم ينسه قط.

 

كذلك نذكر لـ جون جريشام روايات مثل الغرفة 1994,والمحلف الهارب 1996,والشريك 1997,ومحامي الشوارع عام 1998,والشهادة عام 1999.

 

كلها نجحت نجاحا ساحقا وبلغ عدد النسخ المباعة منها خمسين مليونا,وقد نال جريشام لقب (أفضل الكتاب مبيعا في التسعينات),وكل عنوان جديد له هو فيلم جاهز للتصوير,ويعتبر حاليا من أكثر الكتاب شعبية لدى قارئ الإنجليزية مع ستيفن كينغ وآخرين.

 

يعيش جريشام في أكثر من بيت جوار المسيسيبي وفي أكسفورد وفرجينيا,ولديه ابنان. امتاز أدبه بأنه يتحاشى الجنس والعنف والبذاءات,وهو لم يخف للحظة صدمته من كل هذه الأشياء التي يقحمها كتاب السيناريو على قصصه.

 

[10] روبرت لويس ستيفنسون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هو (ر. ل. ستيفنسون) كاتب المغامرة البريطاني عظيم الشهرة,و لو أن أحدا حاول أن يذكر قائمة بأفضل عشر قصص مغامرات في تاريخ الأدب,لكان من المحتم أن تتضمن القائمة قصة جزيرة الكنز له,ولسوف يتكرر الأمر ذاته لو اخترنا قائمة من خمس قصص,أو ثلاث قصص,ولو اخترنا قصة واحدة لكان هناك إحتمال لا بأس به أن تكون هي جزيرة الكنز.

 

الجميع يعرف أحداث القصة,لكن قد لا يعرفون شيئا تقريبا عن مبتدعها.

 

مولود في إدنبرة عام 1850 .. دارس للقانون .. معتل الصحة إلى الحد الذي يوحي في كل لحظة بأنه يحتضر الآن. هذا هو روبرت لويس ستيفنسون شاعرنا وأديبنا الشهير.

 

لقد ترك مهنة القانون وتفرغ للأدب,وكان كثير الأسفار,وفي كاليفورنيا قابل من ستكون زوجته,فعاد معها إلى أسكتلندا حيث كتب رائعته جزيرة الكنز في صيف عام 1881.

 

ولم يكن قد كتب أفضل رواياته بعد,ففي عام 1886 قدم لنا رائعته الحالة الغريبة لدكتور جيكل ومستر هايد,وهي التي صارت إحدى كلاسيكيات أدب الرعب وعلم النفس معا. وقدمتها السينما مرارا بعد وفاته.

 

وفي عام 1888 ارتحل إلى هونولولو ثم إلى جزيرة ساموا من جزيرة جبل طارق حيث قدم روايتيه الشهيرتين كاتريونا والاختطاف.

 

وفي عام 1894 انتصر المرض أخيرا بعد صراع دام أربعة وأربعين عاما,ظل كاتبنا طوالها ينتظر نهايته في كل لحظة.

 

مات وهو يملي روايته (سيد الأسماك في هرميستون) وكأنما الموت لم يطق صبرا حتى يفرغ من كتابتها .. لقد انتظر طويلا وهو ذا الوقت قد حان.

 

لكن ر. ل. ستيفنسون عاش طويلا جدا في وجداننا وهو واحد من الموهوبين القلائل الذين لم يعد أدب المغامرة بعدهم كما كان قبلهم.

 

من أفضل أعماله

 

-الليالي العربية الجديدة

أو ألف ليلة وليلة الجديدة,لأن الليالي العربية هو التعبير الغربي لعنوان ألف ليلة وليلة. وفيها روايتان قصيرتان.

 

1-جوهرة الراجا

2-نادي الإنتحار

 

-الحالة الغريبة للدكتور جيكل والمستر هايد

والتي ترجمت كثيرا جدا,لكن يلاحظ أن كثيرا من شباب القراء عندهم فكرة عامة عن الموضوع لكن الرواية نفسها لم تقع في يد أحدهم. أما الترجمات فمختصرة أكثر من اللازم أو مضطربة الأسلوب,ولم يسعفني الحظ كي أجدها مترجمة بوساطة من هم في وزن عمر عبد العزيز أمين أو حلمي مراد,أو أقله ترجمتها بإسلوب يبدو متماسكا.

 

أعمال أخرى

 

-جزيرة الكنز

-كاتريونا

-الاختطاف

-رحلة داخلية

-دراسات مألوفة للإنسان والكتب

-الأمير أوتو

-الرجال السعداء

-في بحر الجنوب

-قصص وحكايات خيالية

-الصلوات

-الأب داميان

-عظة مسيحية

 

 

[11] نيفيل شوت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(على الشاطئ) رواية طبقت شهرتها الآفاق,ظهرت عام 1957. وكان كاتبها أديبا إنجليزيا ولد في النرويج هو نيفيل شوت.

 

بيع من الرواية مليونا نسخة,ومن لم يقرءوها لم ينسوا الفيلم السينمائي الرائع,الذي قدمه ستانلي كرامر وقام ببطولته جريجوري بيك و آفا جاردنر. وقد عرض ها هنا في مصر باسم (بلا غد).

 

لم يحاول نيفيل شوت قط أن يغدوا من معالم الأدب الإنجليزي. كان ما يريده هو أن يكون كاتبا مسليا,وقد نجح في هذا دون شك,وترك لنا -في يناير 1959- روايات فائقة النجاح والإمتاع. مثل الزمار الساحر وريفير والسور المحكم ومدينة مثل أليس. الرواية الأخيرة تحكي عن ورطة مجموعة من النساء والأطفال,وقعوا في قبضة اليابانيين في الملايو في عام 1940.وهي تيمة عالجها الأدب الإنجليزي كثيرا,كما في رواية شجرة الجاكاراندا لـ بيتس وقصة الدكتور واسيل,لكن شوت يقدمها في مزيج ممتع يجمع بين التشويق والعاطفة.

 

كما قلنا آنفا ولد شوت في النرويج عام 1899,وقد عمل لفترة في مصنع طائرات,وهو ما ظهر فيما بعد حين كتب روايته (الأزمة). حيث تظهر خبرته السابقة في عالم الطائرات,بل وخبرته كمهندس رادار سابق,أضاف اختراعات لا بأس بها إلى هذا العلم. وقد ظهرت هذه الخبرة أكثر في رواية (لا طريق),التي تصور طائرة تعبر المحيط,وقد أوشكت على السقوط,يصف لنا كل هذا في جو متوتر يقطع الأنفاس.

 

[12] دافني دو مورييه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عمل متميز يستحق أي قارئ أن يحتفل به لقراءته إياه,(لا تنظري الآن) مجموعة قصصية ممتعة لكاتبة إنجليزية عظيمة الشهرة,هي دافني دو مورييه. وقد لا يعرف بعض القراء الإسم لكنهم -بالتأكيد- شاهدوا فيلمي الطيور وريبيكا عن قصتين شهيرتين لها,والقصتان قدمهما سيد التشويق ألفريد هتشكوك وإن كان -باعترافه- قد تحرر كثيرا من النص الأصلي. فعادته هي أن يقرأ الرواية مرة واحدة فقط,ثم ينساها تماما,ويشرع في إخراج الفيلم بطريقته الخاصة!.

 

ولدت دافني دو مورييه في لندن عام 1907,وتلقت تعليمها في البيت مع شقيقاتها,وفي سن الثامنة عشر كتبت أولى مجموعاتها القصصية التي تحمل اسم شجرة التفاح,والتي لم تنشر إلا عام 1952.

 

وفي عام 1932 تزوجت الميجور جنرال فردريك براوننج,وعاشا في كورنوول حيث رزقا بثلاثة أطفال.

 

وفي عام 1936 قدمت لنا حانة جامايكا التي حققت نجاحها الأدبي,وتحكي عن المهربين في ساحل كورنوول,وقد كافأ ألفريد هتشكوك هذه الرواية بأن أخرجها للسينما عام 1939.

 

وجاءت قصة ريبيكا عام 1938 لتتوج شهرتها -كتبت دافني ربع هذه الرواية في مصر حيث كان زوجها ضابطا هناك- وفي عام 1941 قدمت لنا نهير فرنشمان,وهي رواية شهيرة بدورها.

 

يقول النقاد إن أسلوب دافني دو موريه شديد الميلو درامية,وإنها لم تقدم أعمالا أدبية جادة, وإنما أعمالا مسلية لا أكثر.

 

والحق إن دافني قد برهنت عن براعة شديدة ككاتبة غموض وكاتبة تشويق,خاصة في قصصها الشهيرة ابنة عمي راشيل والطيور والموعد.

 

ثم قصة لا تنظري الآن التي كتبتها عام 1971,وتعكس اهتماما شديدا بما وراء الطبيعة. وقد توفيت دافني 1989 بعد ما صارت علامة من علامات الأدب الإنجليزي المعاصر.

 

أهم أعمالها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

-الروح المحبة 1931

-لن أعود شابا ثانية 1932

-حانة جامايكا 1936

-ريبيكا 1938

-الجبل الجائع 1943

-جنرال الملك 1946

-الطفيليات 1949

-ابنة عمي راشيل 1951

-طيران الصقر 1965

 

ومن المجموعات القصصية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

-شجرة التفاح 1952

-هلمي يا ريح .. هلم يا طقس 1940

-قصص مبكرة 1959

-نقطة الانهيار 1959

-لا تنظري الآن 1971

-الموعد 1981

 

[13] برام ستوكر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا يذكر إسم برام ستوكر إلا وتثب إلى الذاكرة على الفور روايته المحظوظة عظيمة النجاح دراكيولا,التي كتبها عام 1897. إلا أن ستوكر -في الواقع- لم يبتكر شخصية دراكيولا من فراغ,بل سبقه دوما الفرنسي بتقديم شخصية مماثلة في مسرحية من فصل واحد. ولكن برام ستوكر قام بمزج عدد لا بأس به من الأساطير الرومانية القديمة عن لاميا Lamia التي تشرب الدماء البشرية,مع الأسطورة العبرية الشهيرة عن ليليث Lilith,مع لمسات من رواية فائقة الشهرة في ذلك الحين هي كارميللا التي كتبها شريدان لو فانو,مع لمسات من الرعب القوطي السائد في عصره,مع شخصية فلاد الوالاشي نفسها المثيرة للجدل,والتي عرف كل شيء عنها من جلساته مع جاسوس مجري يدعى أرمينوس فامبيري (لاحظ الاسم),وبالتالي صنع ذلك الخليط الناجح الذي نعرفه. وقد غدا من العسير اليوم أن نتخيل دراكيولا في صورة أخرى, غير التي رسمها برام ستوكر .. ولا يعرف الكثيرون أنه خلد ذلك الجاسوس المجري الملهم في شخصية فان هلسنج؛خبير مصاصي الدماء وعدو دراكيولا السرمدي. ولا ننسى أن لفظة فامباير باتت تعني مصاص دماء.

 

الرعب القوطي هو رعب البرق,والشمعدانات,والكونتات غريبي الأطوار الغامضين المتشحين بالسواد. هو رعب القصور العتيقة والنفوس المعقدة والكونتيسات والطراز القاتم المميز للمباني التي تدور فيها هذه القصص,وكان أول من اصطك الكلمة هوارس والبول Walpol في قصته قلعة أوترانتو التي يمكن اعتبارها أول قصة رعب قوطي على الإطلاق.

 

هذا هو الجو الذي سيطر ستوكر على أدواته ببرعة,وهنا يجب أن نوضح شيئا.

 

هناك قصص شديدة الإحكام عن السفر عبر الزمن,خاصة مع كتابات أزيموف وبرادبوري وأمثالهما,كما أن أفلاما مثل العودة للمستقبل والمفني قد قتلت الفكرة قتلا واستكشفت كل جوانبها,لكن يظل هـ. ج. ويلز هو أول من كتب عن آلة الزمن وهو (بسبق حائز تفضيلا) نفس الشيء ينطبق على اختراع الهاتف مثلا. ربما لا يستطيع (جراهام بل) مبتكر الهاتف أن يستعمل تلك الأجهزة المعقدة التي نراها مع الشباب اليوم,لكن يظل هو مخترع أول هاتف.

 

والشيء ذاته ينطبق على قصص ستوكر التي قد نجدها اليوم على شيء من السذاجة,لكن من دونها لما جاءت قصص مصاصي الدماء الحديثة ولا ظهرت كاتبة مثل آن رايس.

 

والآن لنتعرف عليه أكثر

 

إبراهام ستوكر أو برام ستوكر هو كاتب مسرحي بريطاني,ولد 1845,وتوفى 1912.

 

نشأ في دبلن بـ إيرلندا وتخرج في جامعتها,قضى عشرة أعوام من عمره كناقد أدبي ومخرج مسرحي,وفي عام 1876 غادر إيرلندا متجها إلى لندن ليعمل كمدير أعمال الممثل الإنجليزي السير هنري إرفنج,وشاركه في إدارة مسرح ليسيوم حتى توفى الممثل الشهير. بعدها قرر ستوكر أن يتفرغ للكتابة.

 

من قصصه الشهيرة الأخرى عرين الدودة البيضاء,وضيف دراكيولا,ومدفن الفئران,وممر الثعبان -يبدوا أن ستوكر كان مغرم بالديدان والفئران والثعابين والوطاويط- وجوهرة النجوم السبعة التي اشتهرت باسم (دماء من تابوت المومياء). وكلها دشنت بحق اسمه كواحد من أهم الأسماء في عالم أدب الرعب,ورشحته لموضعه البارز إلى جوار ماري شيللي وإدجار آلان بو وسواهم من أعمدة الرعب القوطي.

 

 

أهم أعماله

 

-دراكيولا

ترجمت مرارا إلى العربية,وكانت ترجماتها موفقة جدا.

 

-جوهرة النجوم السبعة

قصة فكتورية جدا مليئة بالحوار المنمق المرهق لقارئ اليوم. وهي ثاني أشهر قصة له,ومن عباءتها خرجت كل مومياء فرعونية ملفوفة بالأربطة في تاريخ السينما,بدءا بمومياء يونيفرسال التي لعب دورها كارلوف,مرورا بمومياء شركة هامر في فيلم دماء من تابوت المومياء المخيف,وانتهاء بمومياء المؤثرات الخاصة CGI في فيلم براندن فريزر الشهير.

 

وبهذا يكون ستوكر هو الذي أدخل مفهومي مصاص الدماء والمومياء معا إلى عالم الرعب.

 

نشرت عام 1903 بعد دراكيولا بستة أعوام,لكن الناشرين وجدوا أن نهايتها شنيعة أكثر مما يتحمل القارئ الفكتوري المتحفظ (مرهف الحس)؛لذا ارغموا ستوكر على كتابة نهاية أخرى مبتسرة,ويقال أحيانا أن هذه النهاية الجديدة كتبها كاتب آخر بعد وفاة ستوكر بخمسة أعوام. وقد نشر أحمد خالد توفيق النهايتين معا في نهاية النسخة التي ترجمها إلى العربية,تاركا القرار للقارئ ليحدد أيهما أفضل.

 

-عرين الدودة البيضاء

وكما استلهم دراكيولا من أسطورة فلاد الوالاشي,استوحى عرين الدودة البيضاء من أسطورة رومانية رهيبة أخرى عن الكونتيسة باثوري؛كونتيسة الدماء.

 

[14] روالد دال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا يعرف روالد دال سوى عدد محدود من قراء العربية,لكن بالنسبة لقارئ الإنجليزية فيشكل دال تراثا عزيزا جدا وحميما من القصص التي تتراوح ما بين قصص الأطفال والقصص القصيرة غريبة الأفكار المفعمة بشخصيات كاريكاتورية لا يمكن نسيانها. وهي نفس التركيبة التي يقدمها نيل جايمان في بعض قصصه. هذا كاتب يصعب تصنيفه,فهو ليس كاتب أطفال؛بعض قصصه مرعب فعلا لدرجة أن هتشكوك ابتاع الكثير منها. كما أنه ليس كاتب للرعب؛لأن عنصر الخيال البهيج مهم جدا في قصصه. وهو كذلك ليس أديبا ساخرا برغم أن السخرية والفكاهة السوداء ثابتتان في أدبه,لكنها سخرية ممزوجة بالكثير من القسوة. الحقيقة أنه خليط من هذا كله,وكتاباته مزيج ساحر خلاب لا يقدر على كتابته سواه.

 

هاجر أبوه إلى إنجلترا من النرويج عام 1900,وولد روآلد دال -الإسم ينطق (رو – آلد) في النرويج- عام 1916 في لاناداف بمقاطعة ويلز الإنجليزية,لأب مهاجر نرويجي؛تمنى دائما أن يتعلم أبناؤه في مدارس بريطانية لأنه يعتبرها الأفضل. وقد توفى الأب بعد مولده بأربع سنوات,ونجحت الأم بعد وفاة زوجها في إرسال دال إلى مدرسة داخلية ليلتحق بها هي سانت بيترز,ولم يبد تميزا في الدراسة,ولكنه كان مولعا بالقراءة وخاصة أعمال رديارد كبلنج ورايدر هجارد. ومولعا بالشيكولاتة حتى ظل يحلم بأن يعمل في مصنع كادبوري للشيكولاتة. من هنا يمكننا معرفة مصدر قصته الشهيرة تشارلي ومصنع الشيكولاتة.

 

الواقع أن حياة دال تكشف بوضوح أنه من ذلك النموذج الذي لا يتورع عن شيء من أجل أحلامه.

 

وكبر الصبي وهو يحلم بالسفر ورؤية العالم,لذا عمل في شركة شل للبترول,التي أرسلته إلى دار السلام ثم نيروبي. وارتحل إلى تنزانيا حيث عاش مغامرات كثيرة,من بينها إنقاذه لامرأة أفريقية اختطفها أسد,وهي مغامرة كتبت عنها الصحف كثيرا في ذلك الوقت.

 

نشبت الحرب العالمية الثانية فالتحق بسلاح الطيران,وبعد ثمانية أسابيع من التدريب سمح له بأن يقود طائرة مقاتلة. سقطت به الطائرة في صحراء ليبيا وكاد يلقى حتفه في الصحراء الليبية,ولكنه نجا بمعجزة ليواصل الطيران بعد أشهر بصفته طيارا مقاتلا في اليونان.

 

وفي العام 1941 تم تسريحه بسبب نوبات صداع متكررة,وينتهي الأمر بالفتى وقد أرسل ليكون مساعدا -بصفته ملحق جوي- للملحق العسكري البريطاني في واشنطن. الحقيقة أنه كان يعمل كذلك مع المخابرات البريطانية لزيادة النفوذ البريطاني في أمريكا,ومحاربة فكرة قيادة الولايات المتحدة للعالم.

 

وكان هذا هو الوقت الذي كتب فيه قصته الأولى (الأقزام) في أمريكا,التي اشتراها والت ديزني ليخرجها في كتيب للأطفال. وكان هناك مشروع أن تقدمها شركة ديزني لكنه لم يخرج للنور قط.

 

وكانت هذه الخطوة بداية طريقه ككاتب,وقد صار شهيرا في مجتمع الصفوة في نيويورك وأقام علاقات كثيرة. بعد هذا عاد إلى إنجلترا.

 

توالت إبداعاته التي لاقت نجاحا ساحقا؛ترجمت إلى 15 لغة,وربما صارت 16 بعد أن ترجم أحمد خالد عملين له إلى العربية,وباعت أكثر من 100 مليون نسخة.

 

يكتب كثيرا للأطفال,ويعرف من قرءوه بالإنجليزية أن كتاباته في حالة زواج مستمرة مع الرسوم الشائقة البسيطة للفنان كوينتين بليك الذي رسم كل كتبه,ومعظم قصصه للأطفال تحكي عن صغار يعانون قسوة وتوحش الكبار في المدارس الداخلية,وهو أثر واضح لطفولته كما يبدو.

 

هناك قصة ربما لم يكن يعرفها الكثيرين,هي أن الكاتب الكبير سقط في عين الغرب عام 1983,عندما امتدح كتابا مصورا للكاتب توني كليفتون يظهر فيه المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في لبنان,وكيف قصفت -كالعادة- مدارس ومستشفيات واضحة تماما ولا يمكن الخطأ فيها. قال دال إن هذا الغزو هو اللحظة التي جعلته يكره إسرائيل. هكذا قامت الدنيا عليه ولم تقعد واتهموه بكل شيء,حتى أعلن بوضوح: “أنا لست ضد اليهود .. أنا ضد إسرائيل”. وقد ظل محتفظا بهذا الرأي بإصرار طيلة حياته حتى في حديث أدلى به لجريدة إندبندت عام 1990 قبل وفاته,حينما قال:

 

-أنا مصر على موقفي ككاره لإسرائيل. يجب عليك أن ترى جانبي الصورة .. اليهود يسيطرون على دور النشر ووسائل الإعلام,لهذا يضطر الرئيس الأمريكي لأن يبيع ما ينتجه من أسلحة لهم.

 

إن ذكاءه الحاد جعله يخترق ضباب الإعلام الصهيوني الذي يلف مفكري الغرب,فيرى الحقيقة التي نراها نحن من مكاننا بوضوح.

 

وفي نوفمبر من سنة 1990 توفى بسرطان الدم في باكينجهام شاير بعد حياة حافلة لم يكف فيها عن تقديم الجديد وإمتاع القراء وشحذ خيال الأطفال. رحل تاركا أتباعا لكتاباته في كل أرجاء الأرض.

 

وله موقع رسمي على شبكة الإنترنت.

 

من أفضل أعماله

 

-ماتيلدا

التي تحولت إلى فيلم جميل من إخراج داني دي فيتو.

 

-تشارلي ومصنع الشيكولاتة

-التمساح العملاق

-الساحرات

 

-قبلة .. قبلة 1959

مجموعة قصصية ممتعة للغاية,تضم قصة رحيق الملكات بالغة المتعة والتي يجب أن يحبها أي قارئ.

 

-حافلة روالد دال

-أفضل ما كتب روالد دال

-شخص مثلك

 

-قصص غير متوقعة

مجموعة قصصية تحولت لمسلسل تلفزيوني اسمه رجل من الجنوب.

 

كما أنه كتب سيرتان ذاتيتين هما (صبي) و(المضي وحيدا).

 

من ضمن مواهبه كتابة سيناريوهات السينما,ومن ضمن هذه الأفلام فيلم الجاسوسية الأشهر (36 ساعة). وفيلم بوند الشهير (أنت تعيش مرتين فقط) و(شيتي شيتي بانج بانج).

 

أهم أعماله

 

سير ذاتية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

-ولد: حكايات من الطفولة

-المضي وحيدا

 

قصص أطفال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

-شارلي ومصنع الشيكولاتة

-شارلي والمصعد الزجاجي العظيم

-داني البطل العالمي

-التمساح العملاق

-علاج جورج المذهل

-الأقزام

-ماتيلدا

-الساحرات

 

روايات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

-عمي أوزوالد

-أحيانا أبدا

 

أشعار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

-أشعار ثائرة

-وحوش قذرة

 

قصص قصيرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

-آه يا سر الحياة الحلو

-أفضل ما كتب روالد دال

-قصص غير متوقعة

-قبلة .. قبلة

-حمل للمذبح وقصص أخرى

-حافلة روالد دال

-قصص مختارة

-شخص مثلك

-خرافتان

 

[15] مارك توين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مارك توين هو أهم وأعمق وأظرف أدباء أمريكا,هذا ما قاله الأديب الأمريكي العظيم إرنست هيمنجواي. إنه أمير الساخرين وأطول لسان يمكن للقارئ أن يقابله في نصف الكرة الغربي. ومعنى إسمه المستعار (مارك توين) هو علم على اثنين,وهي من نداءات الملاحة في نهر المسيسبي الذي شكل جزءا بالغ الأهمية من حياته وكتاباته.

 

ولد صمويل لانجهورن كليمنس/ز في ولاية ميسوري نوفمبر 1835,وسرعان ما انتقلت أسرته إلى قرية هانيبال التي خلدها في الأدب الأمريكي,وتوفى أبوه وهو في سن العاشرة, ليبدأ الصبي كفاحه المضني من أجل البقاء,وهو الكفاح الذي رسم كل خط في أدبه فيما بعد. وأكثر شخصيات كتبه مارست الوجود فعلا وقابلها في مشوار حياته الشاق.

 

هذه نشأة مهمة جدا في أدبه,ولعل هناك خيوطا كثيرة من توم صوير في شخصية مارك توين نفسه.

 

عمل الصبي عامل طباعة,ثم استجاب لحلم قديم طالما راوده,هو أن يعمل على قارب بخاري في نهر المسيسبي وقد كان فعمل لفترة طويلة كمرشد سفن,وكانت له مع النهر قصة حب خلدها في كتابه؛الحياة على المسيسبي. ويقول إنه كان يعتقد أن مهمة الدليل سهلة وهي إبقاء السفينة في النهر. ثم اكتشف أن عليه حفظ كل عمق وكل منحنى وكل صخرة في هذا النهر. كان يعرف أن السفن تبحر ليلا,لكنه لم يتصور قط أن هناك رجلا يترك فراشه الدافئ ليفعل هذا .. وهذا الشخص هو توين بالذات!.

 

بعد هذا حارب في أثناء الحرب الأهلية عام 1861,وهي بدورها خبرة لم ينسها قط:-

 

“الحرب هي قتل مجموعة من الأغراب الذين لا تشعر نحوهم بأي عداء,ولو قابلتهم في ظروف أخرى لقدمت لهم العون أو طلبته منهم”.

 

بعد انتهاء الحرب عمل في الصحافة في جريدة محلية بـ فرجينيا,واتخذ إسم مارك توين الذي استمده من أيامه في الملاحة على المسيسبي.

 

كانت حياة مارك توين سلسلة من المصائب,بل الحقيقة أن هذا الكاتب الساخر رأى أفدح المصائب في حياته.

 

فهو الاقتصادي الفاشل الذي يطارده الإفلاس في كل لحظة مجربا كل المهن وليس التجارة فحسب وفشل في كل شيء تقريبا,وقد جرب توين أن يمول الكثير جدا من الاختراعات,وفي كل مرة كان يخسر الكثير من المال,ولهذا رفض بقسوة مشروعا جديدا بدا له سخيفا. كان المشروع لمخترع أسكتلندي اسمه (جراهام بل) يقضي بأن يكلم الناس بعضهم عبر الأسلاك! لقد رفض توين المشاركة في الهاتف!.

 

وهو البائس الذي رأى أخاه هنري يحترق فوق سفينة في البحر,حتى أن شعره شاب في دقائق بعدها,ولم تكن هذه آخر مآسي حياته.

 

لقد مات إبنه الأول,وتوفيت أعز بناته,وتوفيت زوجته الحبيبة,وحتى صديق عمره.

 

كان لهذا أثره العجيب في أدبه: لقد ازداد سخرية .. سخرية مريرة قاسية,ولسان يصعب إسكاته مهما حاولت,كأنه طفل مشاغب لا يقول إلا ما يريده,لذا ظفر بعداء الجميع. وبرغم هذا كله كان توين يحتفظ بالآراء الأكثر صراحة وقسوة لنفسه,وكان يكتب في كل موضوع كتابين: كتابا يخفيه في درجه,وكتابا يعرضه على الناس.

 

لما اندمج في الصحافة قدم رواياته الأولى.

 

وفي الأعوام التالية صنع توين شهرته ككاتب ساخر عبقري يشكل أهم أعمدة الأدب الأمريكي,وقدم قصص مثل

 

-مغامرات توم صوير 1876

-ومغامرات هاكلبري فين 1884

 

التي خرج الأدب الأمريكي كله من عباءتها كما قالوا,وهناك

 

-الأمير والصعلوك 1881

-ويانكي من كونكتيكات في بلاط الملك آرثر 1889

 

هذا غير قصصه القصيرة الأخرى التي لا تقل سخرية ومرارة.

 

وكانت شعبية توين تتزايد وصارت كبيرة جدا,حتى إنه من الكتاب القلائل الذين كانوا يقدمون حفلات قراءة جماعية,يشتري الناس التذاكر لها,فقط كي يجلسوا في مسرح كبير كي يصغوا إلى توين ويشاهدوه وهو يتلو ما كتبه.

 

إن قصصه هي مرآة صادقة شفافة للمجتمع الأمريكي. شفافة إلى درجة أنها صارت عالمية, وغدا الناس جميعا يستمتعون بحق بأدب هذا الأديب العظيم,مهما تباينت ثقافاتهم وألسنتهم.

 

وفي عام 1910 توفى توين,بعد ما رأى -في نفس الليلة- مذنب هالي يشق السماء,وهو ذات المذنب الذي شق السماء ليلة ولادته,وهذا المذنب يظهر كل 75 عاما,وبشكل ما كان توين يتوقع ويرجو مرارا أن يمتد به الأجل حتى يراه مرة ثانية وأخيرة.

 

[16] لافكرافت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(هـ.ب.لافكرافت)!

 

لماذا يملك كل كتاب الرعب تقريبا هذه الأسماء المفزعة ذات الرنين الكابوسي؟ وإلى أن نكتشف يوما ما سر هذه الظاهرة,نتحدث هنا في عجالة عن (لافكرافت) أهم كتاب الرعب للقرن العشرين.

 

(هـ.ب.لافكرافت) مدرسة متفردة من مدارس أدب الرعب ثقيل الوطء,وهي مدرسة قد لا نجد لها شبيها إلا عند أمريكي آخر هو (إدجار آلان بو). كلا الأديبين ينتمي أساسا إلى مدرسة كبرى من مدارس الأدب الرومانسي,هي الرعب القوطي. أي الرعب الشبيه بعوالم الكوابيس بالضبط. رعب الغموض والقلاع المظلمة والبروق والرعود,والشرور المستطيرة والنفوس المعقدة المجنونة .. ومن أدباء هذه المدرسة (ماري شيللي) و(ماتيورين) و(برام ستوكر) و(بكفورد) و(م.لويس) و(آن رادكليف).

 

لكن (لافكرافت) أستطاع أن يضفى على الرعب شاعرية أدبية معقدة,مع خلفية من الهواجس النفسية المظلمة ذات مذاق خاص,حيث الخطر ينبع من الداخل كما يفيض من الخارج. وصارت له مفردات عالمه الخاصة التي يعرفها قراؤه كأسمائهم مثل: نكرومونيكون – كتولو – آرخام – أزوث – العزيف Azif – إلخ…

 

والملاحظ أنه يشير إليها في أكثر من قصة حتى إن كثيرين صاروا يعتقدون أنها حقيقية,وفي بعض خطاباته الخاصة يصف لصديق الطريقة المثلى لنطق لفظة كتولو Cthulu التي حير نطقها الكثيرين,فيقول إن عليك أن تنطقها من حلقك مع تثبيت طرف اللسان على سقف الفم,

والنباح لتخرج الكلمة (كت-هلو-لهو)!! لأن لسان البشر القاصر لا يستطيع نطق الإسم بالشكل الصحيح! بل مازال كثيرون يبحثون عن النسخة الأصلية من كتاب (نكرومونيكون) السحري,الذي كتبه شاعر يمني إسمه (عبد الله الحظرد) حسب زعم لافكرافت.

 

ولد (هوارد فيليب لافكرافت) في 10 أغسطس عام 1890 في (بروفيدنس) بـ (رود آيلاند) في هذا المكان تدور أحداث معظم رواياته المخيفة. وقد عاش تجربة قاسية مع مرض غامض أصاب أباه جعله في غيبوبة لفترة طويلة جدا -ظل سنتين يقال له أن أباه نائم الآن- على الأرجح كان المرض هو زهري الجهاز العصبي. وتربى مع أمه وجده بعد وفاة أبيه الغامضة تلك.

 

بدا نبوغ لغوي مبكر جدا على الصبي الذي تعلم القراءة في سن الثالثة وكتب في سن الخامسة,وهو ذات العام الذي قرأ فيه (ألف ليلة وليلة) ولسوف يدرك دارسو أدبه يوما ما أن قصص (ألف ليلة وليلة) قد تركت بصمة لا تمحى في كتابات لافكرافت ككل كاتب غربي آخر في الواقع. إن ألف ليلة تركت أثرا عظيما لدى الغرب.

 

وفي هذه الفترة أطلق على نفسه إسم (عبد الله الحظرد) وهو نفس الإسم الذي استعمله فيما بعد ليكتب به روايته الرهيبة المخيفة فائقة الشهرة (نكرومونيكون / العزيف) كما قلنا. وفي العام التال أكتشف الأساطير الإغريقية وقرأ الإلياذة والأوديسا وارتبط بها بصفة خاصة .. ولعب جده دورا مهما في جعله يحب حكايات الرعب القوطية.

 

كان ميالا للوحدة والإنطواء,وعانى أمراضا نفسية كثيرة,وكان قليل الإنتظام في المدرسة,بلا أصدقاء تقريبا,لكنه كان يدرس في مدرسته الخاصة الزاخرة بقراءات لا تنتهي. وفي سن المراهقة أصدر بنفسه مجلة دورية عن علم الفلك,وراسل إحدى الصحف المحلية. ثم توفى جده وعانت أمه الكثير من المشاكل المادية,مما أضطرهما إلى ترك البيت الجميل الذي تربى فيه الأديب,وأصابه إنهيار عصبي حرمه من دخول الجامعة,وقد ظلت هذه النقطة تعذبه طيلة حياته.

 

فيما بعد التحق برابطة الأدباء الهواة المتحدين عام 1914 وترقى إلى أن صار رئيس الرابطة,وكانت هذه أهم خطوة في حياته,لأنه لم يكن واثقا قط مما إذا كان يملك حاسة الأدب أو يفتقر إليها,وكتب أول قصصه الخيالية المرعبة (الوحش في الكهف) و(الخيميائي) ولاقى نجاحا أقنعه بأن يكرس قلمه لهذا النوع من الأدب.

 

كان أصدقاؤه يحبونه ويقولون أنه كان رقيقا لطيفا برغم السمعة التي تلاحقه عن كونه يمقت البشر.

 

هناك شاب في قصة (كتولو) يصفه لافكرافت قائلا:-

“شاب أسمر نحيل بادي العصبية والقلق .. كان الفتى شديد الذكاء لكنه غريب الأطوار بسبب إهتمامه بدراسة الظواهر الغريبة وكان يعتبر نفسه (شديد الحساسية نحو الخوارق). ولما كان منطويا صار خفيا بالنسبة لمجتمعنا,فلم يعد يعرفه سوى عدد قليل من الناس”.

 

الحقيقة أن بعض النقاد يعتبرون أن هذا الفتى هو لافكرافت كما يرى نفسه.

 

كتب الكثير جدا من القصص والكثير جدا من الشعر,مثله مثل (آلان بو) مواطنه الأشهر, وكتب الكثير من الرسائل حيث كان يراسل عددا هائلا من الأصدقاء والمعارف,حتى صار بالفعل من أهم من كتبوا أدب الرسائل في هذا القرن تاركا تراثا هائلا من الخطابات والمقالات.

 

في العام 1921 قابل (سارة) .. المرأة التي ستكون زوجته,وهي مهاجرة سوفييتية تكبره في العمر بسبعة أعوام.

 

وتزوجا في العام التالي,وعاش معها في شقتها في (بروكلين) وكتب (لافكرافت) أسوأ كوابيسه القصصية مثل (الرعب في ردهوك) و(هو) متأثر بجو (نيويورك) الكئيب الذي لم يحبه قط,وفي عام 1929 تم الطلاق وعاد هو إلى (بروفيدنس) التي أحبها بعمق. كانت هذه آخر وأهم عشرة أعوام من عمره,وفيها سافر كثيرا جدا وكتب أهم رواياته (نداء كتولو) و(في جبال الجنون) و(ظل الزمن) كما كان يقرأ كثيرا جدا وفي كل موضوع من الفلك إلى التاريخ إلى النحت إلى السياسة.

 

ومع العام 1932 صارت قصصه أكثر تعقيدا وصعوبة,وصار يجد عسرا في بيعها,لذا راح يكسب عيشه كمصحح لقصص الأشباح الرخيصة.

 

وفي العام 1937 أكتشف الأطباء أنه مصاب بحالة متقدمة من سرطان الأمعاء,وسرعان ما توفى في العام نفسه.

 

مات (لافكرافت) فقيرا وكان يشعر بأن حياته كانت فاشلة,وكان يتنبأ بنسيان أعماله بعد موته,لأنه لم ينشر قط كتابا بالمعنى الصحيح,غير عالم أنه سيصير توءما في الشهرة لمواطنه العظيم (إدجار آلان بو),وهو ما يثير أسئلة عديدة عن تركنا لهؤلاء العباقرة يتعذبون في حياتهم,ثم تخليدهم وكتابة المجلدات عنهم بعد موتهم (وكأن أحمد خالد يصف نفسه).

 

وقد كتب هذا الأديب العظيم قصصا تبلغ فظاعتها أن حاول أحمد خالد تخفيف بعض الفقرات في ترجمته الخاصة بسلسلة روايات عالمية للجيب,بل ولا ينصح صغار السن بتاتا بقراءة هذه الترجمة,وهذه ليست دعاية لها بالمناسبة,بل هي الحقيقة.

 

ترك لافكرافت تراثا خياليا هائلا يضم أسماء مثل العزيف ونيكرونوميكون وكتولو وآرخام. وهي أسماء صارت شهيرة جدا لدرجة أنه كان يستعملها بين قصة وأخرى,واستعملها كتاب آخرون في قصصهم. وهناك كتاب مثل برايان لوملي تأثروا جدا بهذه العوالم وكتبوا مثلها بالضبط. عامة هو متأثر بفكرة الكيانات القديمة Old Ones التي كانت تحكم الكون قديما ثم نامت أو نُسيت,والتي نقابلها كثيرا في كتابات دي وكراولي الساحرين الشهيرين. هناك تيمات ملحة في كتاباته مثل الشخصيات الحساسة غريبة الأطوار التي تعيش منفردة وتتصل بسر مخيف غامض,ينكشف لراوي القصة فيجن أو يهرب ويقضي حياته مذعورا. هناك الأسماء التي تحمل طابع نيو إنجلند -مسقط رأسه- والتي يحب أن يستخدمها في عناوين القصص مثل وصية راندولف كارتر وحالة تشارلز دكستر وارد وظل فوق إنزماوث وريتشارد بيكمان وآرثر جيرمين … إلخ..

 

أهم أعماله هي (نداء كتولو),قصة شهيرة جدا كتبها عام 1926 ونشرت في مجلة حكايات غريبة عام 1928. يعرف عشاق لافكرافت أن كتولو كائن يتكرر بإلحاح في أدب الرجل. ويرى بعض النقاد الغربيين أن الكائن مستوحي من شخصية الكراكين الوحش النائم في حفرة في أعماق المحيط في قصيدة لـ تنيسون Tennyson. إنه الوحش الأخطبوطي المكلف بإلتهام الحسناء أندروميدا والتي سينقذها برسيوس في آخر لحظة بالاستعانة برأس ميدوسا. لو أفاق كتولو فلن يعود هناك عالم نعيش فيه. ويعتقد أحمد خالد توفيق أن لافكرافت كان يؤمن بوجود كتولو والكيانات القديمة فعلا .. إهتمامه يتجاوز الولع الأدبي إلى ما يشبه الافتتان الديني بالفكرة. وهو ما يؤكده اطلاعه على التراث العربي وقصص الجن (كائنات عاشت على الأرض قبل البشر).

 

من جديد يترك لافكرافت بصماته في كل مكان. مثلا نجد في قصة كتولو مفتش شرطة اسمه ليجراس .. يستعير كاتب الرعب هندرسون هذا المفتش في مجموعة قصص خاصة تحمل عنوان حكايات المفتش ليجراس,كما يستعيره مارك إليس في قصته المصورة الهامس في الظلام.

 

تعتبر رواية (ظل فوق إينزماوث) 1936,هي العمل الوحيد له الذي نشر في كتاب وفيما عدا ذلك كانت أعماله العديدة مبعثرة في المجلات والدوريات. وبعد وفاته تطوع تلميذاه اللذان شجعهما كثيرا (أوجست درليث) و(دونالد وانديري) بجمع أعماله وكونا دار نشر إسمها (بيت آرخام),وصارت كل إبداعاته متاحة للقراء وطلاب الأدب في كتب حسنة الطباعة والتغليف.

 

لم تضع تركة لافكرافت لأن تلاميذه وعلى رأسهم (أوجست ديرليث) قاموا بافتتاح دار نشر اسمها آرخام وقد تولت نشر أعماله المتناثرة في عشرات المجلات,فالرجل لم يصدر أي كتاب في حياته سوى ظل فوق إينزماوث كما ذكرنا. كان ديرليث تلميذا مخلصا لكنه بالغ بعض الشيء؛لأنه أصدر كتابا كاملا يدور حول محاوراته مع لافكرافت,وفيما بعد اتضح أنها محاورات لم تحدث قط بل هي وليدة خياله!.

 

اليوم يمثل لافكرافت تراثا شديد الأهمية في الأدب الغربي والأمريكي بالذات لا يقل عما تركه الشاعر العظيم إدجار آلان بو.

 

[17] أجاثا كريستي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعد أجاثا كريستي أيقونة بريطانية للأدب البوليسي,وقد احتلت بثقة ذات الموضع الذي احتله من قبل آرثر كونان دويل بمخبره الجذاب شيرلوك هولمز.

 

قصصها جديرة بحق بأن تكتبها سيدة إنجليزية مهذبة,فهي قصص تخلو من العنف والدماء والجنس,لكنها تفسح الطريق تماما للعقل والاستنتاج المنطقي. كل من في القصة راق مهذب؛ الضحايا والمخبرون والقتلة واللصوص! وبالطبع تعلي أجاثا كريستي قيمة السرد أو الحكي على أي شيء آخر,فكانت لا تهتم بالبعد الأدبي بقدر إهتمامها بـ ماذا سيحدث للأبطال بعد هذا؟ وهو أهم ما يعني القارئ.

 

وفي هذا يوجد تشابه معين بينها وكاتبة بريطانية أخرى عظيمة الشهرة هي دافني دي مورييه. لكن أجاثا كريستي مالت إلى التخصص في القصص البوليسي,بينما لم تترك دي مورييه مجالا إلا وجربت الكتابة فيه.

 

ولكن لم تتخلص أجاثا كريستي من الميل الفيكتوري القديم لجعل الرواية (معرضا ثريا للشخصيات الممتعة) شأنها في هذا شأن ديكنز وبرونتي وسواهما.

 

باعت كتب كريستي,نحو مليون نسخة بالإنجليزية ومليونا آخر بلغات أخرى بلغت خمسا وأربعين لغة. فلم يتفوق عليها في المبيعات -في عصرها- إلا الإنجيل وشكسبير.

 

وعامة ما زالت صورة المواطن الإنجليزي في العالم هي الرجل الذي ينتظر المترو وهو يطالع رواية لـ أجاثا كريستي كارها أن يقطع اندماجه شيء آخر.

 

ولدت أجاثا ميلر في توركوي بإنجلترا,عام 1890,وككل الكتاب الكبار مرضت لفترة ولزمت الفراش مما جعلها تجرب كتابة القصص على سبيل التسلية.

 

وفي عام 1914 تزوجت الكولونيل أرشيبالد كريستي الذي منحها إسمه,وقد رزقت بطفلة واحدة قبل طلاقهما في 1928. بعدها تزوجت عالم آثار,وكان هذا سبب المزحة الشهيرة “تزوجته لأنه كلما تقدم بي العمر اهتم بي أكثر”. ومع هذا الزوج تعلمت أجاثا حب الأسفار وحب الشرق الذي تدور عشرات من قصصها فيه,بل إن لها رواية بوليسية ممتعة تقع أحداثها كاملة في العصر الفرعوني.

 

استخدمت أجاثا كريستي كافة طرق القتل في رواياتها,لكن كان لها ولع خاص بالسموم,لأنها مملكتها التي تعرفها جيدا,فهي خبيرة سموم من الدرجة الأولى منذ كانت ممرضة مشرفة على قسم السموم في أثناء الحرب العالمية الأولى. ولهذا تعد أكثر الكتاب البوليسيين استعمالا للسموم في القتل.

 

كانت قصتها الأولى القضية الغامضة في ستايلز 1920,وهي ميلاد مخبرها البلجيكي الشهير هركيول بوارو. المخبر صاحب الخلايا الرمادية الذي قهر 33 مجرما ذكيا في 33 رواية. وهي القصة التي اعتاد المترجمون أن يترجموها بـ (القتل له أساليب) كأنهم ينسون أن ستايلز هو اسم القصر. وسوف نلاحظ أن هاستنجز يشير لهذه القصة كثيرا باعتبارها ذكرى غالية,ومن يومها لم يكف بوارو عن قهر المجرمين.

 

وقد انبهر القراء بهذا المخبر البلجيكي المتبختر البدين الذي يصر على الكلام بالإنجليزية الرديئة مصرا على أنه بليغ جدا,ولا يكف عن الفخر بخلايا مخه الرمادية (لاحظ التشابه بينه ورفعت إسماعيل).

 

قصصه يحكيها كابتن هاستنجز صديق عمره,والذي يتبعه ككلب أليف .. إن هاستجنز يمثل درة لـ بوارو لأنه يريه كيف يريد القاتل من الناس أن يفكروا. باختصار هاستنجز يخبر بوارو بالطريقة التي يجب ألا يفكر بها!.

 

قدمت أجاثا كريستي لنا كذلك شخصية العانس الريفية الحشرية مس ماربل التي تتدخل في كل شيء وترى أن العالم كله نسخة من قريتها سانت ماري ميد. هناك شخصية ثالثة إسمها (باركر باين) وهو ليس مخبرا بوليسيا,لكنه يملك مكتبا يقدم السعادة للمحرومين منها بصفته خبيرا في المشاكل العاطفية.

 

استمرت أجاثا كريستي في الكتابة زهاء نصف قرن,كتبت خلاله 79 رواية ومجموعة قصصية. كما كتبت عدة مسرحيات ومنها مصيدة الفئران التي بدأ تقديمها في لندن عام 1952 ومازالت مستمرة حتى الآن! حتى بعدما توفيت المؤلفة في يناير 1976. وهي المسرحية التي يخرج بطلها في نهايتها ليرجو المشاهدين أن يكتموا السرّ. والجدير بالذكر أنها كانت قد وقفت أرباح المسرحية على حفيدها ماتيو في عيد ميلاده,بالتالي صار الحفيد مليونيرا وما زالت أرباحه تتكوم!

 

أيضا كتبت أجاثا كذلك قصص عاطفية باسم مستعار هو (ماري ويستماكوت). إلا أن نجاحها الأعم كان في مجال القصة البوليسية.

 

تعد روايتها (الغريم الخفي) من قصصها الشائقة الشهيرة,ومن بطولة هيركيول بوارو,وهي من القصص النادرة التي لم تترجم بعد,بعدما قام به المترجمون العظام من أمثال الأستاذ عمر عبد العزيز وآخرين في ترجمة أعمالها.

 

رواية أخرى عظيمة هي (الستار) حيث يموت المحقق هيراكيول بوارو المخبر الأسطوري البلجيكي,وهي قصة ممتعة حقا وإن كانت محزنة ذات جو مقبض.

 

أما عن أفضل أعمالها فهي (ثم لم يبقى أحد),حيث لم يبقى منهم أحد.

 

[18] راي برادبري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد أن مررنا على ويلز وفيرن اللذين استحقا عن جدارة أن يكونا رائدي أدب الخيال العلمي,ننتقل إلى أحد أساطين الخيال العلمي المعاصر,الذي صار اسمه رمزا للجدية والجودة مثلما صار اسما أزيموف وكلارك وغيرهما.

 

الخيال العلمي -كما نعرف- هو ضرب من الأدب يحكي عن أحداث لم تحدث بعد,تتناول علاقة العلم بحياة البشر. ويميل النقاد إلى توسيع مفهوم الخيال العلمي ليشمل ملاحم جلجاميش البابلية ومدينة توماس مور الفاضلة,وكل عمل يتكلم عن حياة الإنسان في عوالم أخرى,أو تطلعه الذي لا يرتوي إلى المعرفة. لكن الخيال العلمي ما كان ليصل إلى صورته الحالية لو لم تولد الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر,مع كل الخلخلة التي أحدثتها في المفاهيم التقليدية,وتطلع الإنسان الملهوف إلى حل كل أسرار الكون مرة واحدة,وهكذا ولدت فرانكنشتاين التي كتبتها كاتبة رومانسية عادية هي ماري شيللي,وسرعان ما انهمر سيل أعمال الخيال العلمي,لكن أبا هذا النوع من الأدب كان هو الفرنسي العظيم جول فيرن,وتلاه بنجاح ملحوظ البريطاني (هـ . ج . ويلز).

 

في العام 1921 أدخل الكاتب التشيكي كاريل كابيك لفظة روبوت إلى الأدب للمرة الأولى, وهي أهم كلمة في عالم الخيال العلمي طبعا.

 

في الخمسينات بدأ أدب الخيال العلمي الأمريكي يكتسب شعبية واضحة,وقد امتزج امتزاجا شديدا بالمجلات المصورة,بحيث يصعب فصل نوعي الأدب. ومن أهم الأدباء الأمريكيين للنوع روبرت هاينلاين صاحب رواية غرباء في أرض غريبة 1961,وأزيموف صاحب كهوف الفولاذ 1953,وفرانك هربرت في يوميات الكثبان 1965,ولاري نيفن صاحب وطؤ الأقدام 1985. وسرعان ما ظهرت إتجاهات جديدة مثل الموجة الجديدة والسايبر بانك.

 

راي برادبري كاتب أمريكي عظيم ولد عام 1920,اشتهر بمجموعته القصصية الرجل المرسوم 1951 وشيء شرير من هذا الطريق يأتي 1962 و451 فهرنهايت 1953.

 

تعد روايته القصيرة 451 فهرنهيت من القصص الشهيرة المهمة في كتابات برادبوري,وهي نموذج طيب لرؤيته المتشائمة لغد قاتم يجثم فيه حكم شمولي على أنفاس البشر. وقد قدمها المخرج الفرنسي فرنسوا تريفو عام 1969 في فيلم شديد الأهمية والعمق,قام ببطولته أوسكار فيرنر مع جولي كريستي.

 

كان طفلا واسع الخيال,وقد اعتاد أن يكتب نحو أربع ساعات يوميا منذ كان في الحادية عشرة من عمره. باع أول رواية كتبها عام 1941,ليتفرغ بعدها للكتابة تماما. ركز في كتاباته على الشرّ الكامن في الإنسان وولعه بإستغلال ما يعرفه من أجل السيطرة على الآخرين الذين يعرفون أقل. وهو في ذلك متشائم ككل كتاب الخيال العلمي .. العلم خطر داهم بالنسبة لإنسانية لم تنضج بعد,ولقد كانت القنبلة الذرية هي أول استخدام للذرة قبل أن يفكر الإنسان في أي استخدام سلمي لها.

 

فاز بمجموعة غير عادية من الجوائز على كتاباته,منها جائزة نيبولا وبروميثيوس وبرام ستوكر و(كتاب الفضاء) و(الخيال العلمي). كتب العديد من المسرحيات والسيناريوهات بالإضافة إلى برنامج تلفزيوني مهم هو مسرح راي برادبوري. وكان هذا الكاتب المهم يعيش في كاليفورنيا مع أسرته,حتى وفاته في 2012.

 

أهم أعماله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

-شجرة الهالوين

-الموت مهنة موحشة

-مقبرة للمجانين

-الحوت الأبيض

-ظلال خضراء

-الجراد الفضي

-الكرنفال الأسود

-تفاحات الشمس الذهبية

-دواء للوحشة

-يوم هطلت الأمطار للأبد

-السفاح الصغير

-أنا أغني لكهرباء الجسد

-الكمبيوتر المسكون

 

[19] جوزيف كونراد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولد جوزيف كونراد عام 1857 فيما يعرف بـ أوكرانيا البولندية,وهي -كما يدل الإسم- منطقة تقع بين روسيا وبولندا. وكانت أسرته تنتمي لطبقة تدعى زلاختا من متكلمي البولندية,وهي طبقة نبيلة لكنها لم تعرف بالثراء. كان أبوه سياسيا متوسط القيمة وأديبا مغمورا لم تترك كلماته أي أثر لدى القراء,لكنها تركت أعظم الأثر على ابنه جوزيف,الذي قدر له أن يكون أديبا عظيم الشأن.

 

كانت علاقة الصبي بالمجتمع البولندي سطحية وإن هوى الموسيقا بشكل خاص,وارتبطت في ذهنه بصورة أمه الجالسة إلى البيانو,والتي كتب عليه أن يفقدها بعد أعوام. فبسبب السياسة تم نفي الأسرة من بولندا,وتوفيت الأم بالدرن بينما جوزيف في سن السابعة,وتبعها أبوه فصار جوزيف الصغير يتيما في الحادية عشرة من عمره. وكان على عمه المحب أن يعني به.

 

عام 1874 يتجه الصبي إلى فرنسا حيث يتعلم هناك الفرنسية وأصول الملاحة في البحر, ويتعرف على مجموعة من الأدباء البوهيميين اللذين صاروا أصدقاءه,وجعلوه يعرف معنى فن الدراما. وسرعان ما صار خليطا / مزيجا فريدا من بحار وفنان,ولسوف يبقى هكذا طيلة حياته.

 

عام 1878 يرتحل الفتى إلى إنجلترا راغبا في أن يعمل ضابطا على السفن البريطانية,وقد تحققت رغبته فصارت حياته لمدة عشرين عاما دورة من الملاحة البحرية ثم الراحة على اليابسة. وكان موسوسا بالحاجة إلى المال على نقيض أبيه الذي كان يمقت المال بشدة.

 

ومن الغريب أنه قرر أن يكتب -أول ما كتب- بالإنجليزية لغته الثالثة بعد البولندية والفرنسية,وبرغم أنه بولندي الأصل,وبرغم أنه كان يتكلم الإنجليزية بصعوبة بالغة,مما كان يرهقه بشدة في الكتابة.

 

وهو ما يدل على أنه اختار بريطانيا لتكون وطنه الثاني والأخير. وبعد رحلة إلى الكونغو عام 1890 ولما رأى كيف يعامل البلجيكيون العنصريون القساة سكان البلاد,عاد ليكتب قلب الظلام. وكان يدين الاستعمار بعنف في كل كتاباته في تلك الفترة,وهو ما يفترض أن يراه القارئ بوضوح في هذه الرواية. ولكن إسلوب الرجل معقد وغامض لدرجة أن هناك نقادا غربيين اعتبروا القصة تمجيدا للاستعمار الغربي لا هجوما عليه!.

 

بعد وفاة عمه الثري نال إرثا كبيرا مكنه من أن يتفرغ للكتابة تماما طيلة حياته. وكانت الكتابة معاناة وصراع خاص بالنسبة له بسبب عدم تمكنه المطلق من أسرار اللغة الإنجليزية,وقد جعله هذا أكثر انهماكا من أن يعني بحياته الأسرية والإجتماعية. ويصف الانتهاء من روايته نوسترومو بأن (الأصدقاء هنئوني كأنما شفيت من مرض خبيث).

 

كوّن صداقات مع كتاب مهمين مثل ستيفن كريج وهنري جيمس. ثم حملته الأعوام إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث مات عام 1924 بنوبة قلبية.

 

كتب كونراد 13 رواية و28 قصة قصيرة. وغالبا ما يكون الراوي في قصصه بحارا متقاعدا إسمه مارلو.

 

في قصته لورد جيم 1900 يصف لنا معاناة بحار يحاول جاهدا تصحيح خطأ ينم عن الجبن ارتكبه في شبابه أثناء غرق مركب تقل بعض الحجاج المسلمين في البحار الشرقية. والقصة مأخوذة عن حادثة حقيقية للسفينة جدة التي أحدثت صخبا في ذلك العصر    ,وقد قدمتها السينما العالمية عام 1965 في فيلم جميل بالإسم نفسه وقام ببطولته بيتر أوتول وأخرجه ريتشارد بروكس. القصة برغم قوتها لا تخلو من ذات التعالي العنصري الذي كان رمز المرحلة؛ الرجل الأبيض الذي جاء ليهدي الحكمة والنبل للوطنيين الطيبين العاجزين عن حماية أنفسهم. إن لورد جيم طرزان آخر لكنه يقدم بشكل ثقافي عالي المحتوى الأدبي.

 

في قصته العميل السري 1907 يحكي عن فوضوي يعيش في لندن.

 

وقصته النصر 1915 تدور في البحار الجنوبية.

 

في قصته تحت عين غربية 1915 يحكي عن تسلط روسيا في القرن التاسع عشر.

 

أما أفضل قصصه تقريبا فهي قلب الظلام 1902,أعظم وأشهر وأصعب قصصه,والتي لا تخلو من بعض الملل أيضا,هي عمل بالغ الأهمية وتمثل جزءا حميما من ثقافة قارئ الإنجليزية.

 

وتظهر رحلة مخيفة عبر نهر إفريقي لمقابلة رجل غربي رهيب يعيش في الأحراش ويدعى كورتز,وهذا الرجل أحاط نفسه بالغموض لدرجة أن بعض مواطنيه أوشكوا على تأليهه.

 

الرحلة النهرية هي في الآن ذاته رحلة لمعرفة مدى فساد الإنسان وقسوته. إن قلب الظلام هو في الحقيقة نفوسنا.

 

هناك معالجة ناجحة قدمها نيكولاس روج للتلفزيون عام 1994,كما أن رائعة فرانسيس فورد كوبولا سفر الرؤية الآن Apocalypse Now تعتمد على فكرة الرواية بشكل كبير, حتى إن النقاد يقولون إنك لا تستطيع فهم الفيلم حق الفهم ما لم تقرأ هذه الرواية أولا,وإن كان الفيلم قد تحرر بلا حدود من النص الأصلي,وجعل الأحداث تدور في فيتنام بدلا من الكونغو,والقوات الأمريكية تلعب دور شركة العاج,وقد قام مارلون براندو بدور كورتز.

 

جوزيف كونراد أديب مهم لابد أن يُقرأ,وإن كان مرهقا إلى حد ما.

 

أشهر أعماله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

-المنبوذ 1896

-عبد النار سبسوس 1898

-لورد جيم 1900

-قلب الظلام 1902

-العميل السري 1907

-بعض الذكريات (سيرة ذاتية) 1912

-الشباب 1915

-النصر 1915

-الأسهم الذهبية 1919

-الروفر 1923

 

[20] كليف باركر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كما أن القصة القصيرة العالمية تنقسم إلى مدرستين: مدرسة جي دي موباسان,ومدرسة تشيكوف,فإن كتابة الرعب المعاصرة تنقسم إلى مدرستين كبيرتين: مدرسة ستيفن كينج, ومدرسة كليف باركر. وربما يضم البعض إليهما بعض المدارس الصغيرة مثل مدرسة دين كونتز ومدرسة آن رايس التي لا تمل الحديث عن مصاصي الدماء فيما يبدو .. لا شك في أن كينج أكثر عمقا وثقافة,لكن باركر أكثر تجديدا وابتكارا,وربما غرابة.

 

كليف باركر كاتب ورسام إنجليزي,ولد في ليفربول عام 1952,وقد استطاع أن يصير إسما مهما في عوالم الكتابة للرعب,في وقت قصير نسبيا,وبعد ثمانية أعوام قضاها في كتابة المسرحيات,ثم صار مخرجا مرموقا لأفلام الرعب. بل إن ستيفن كينج قال عنه في أريحية مهنية: “لقد عرفت مستقبل قصة الرعب .. إن إسمه كليف باركر”,وهي كلمة لم يستطع التراجع عنها قط,ولم ينسها النقاد كلما ذكر إسم باركر. المشكلة الأساسية بالنسبة للجمهور الأمريكي كانت هي تحمل اللكنة البريطانية (المزعجة) في أفلامه,وهي مشكلة لم تطل بعدما ارتحل باركر إلى بيفرلي هيلز حي النجوم في هوليوود.

 

يقول باركر: “في رأيي أن ما تحتاج إليه لتقدم الرعب هو الخيال وأصالة الرؤية .. يجب أن يكون لك قصد ما .. ليس مجرد بعثرة المؤثرات الخاصة على الشاشة مهما كانت بارعة”.

 

مثلما فعل كينج أحيانا,قام باركر بكتابة الأفلام وإخراجها,والتمثيل في بعضها -الماشون نياما والطريق الزئبقي والمحرم- ونلاحظ أن ظهوره في الفيلم الأول كان مجاملة مهنية لستيفن كينج.

 

لم يكن باركر مستجدا على مهنة الإخراج,ففي عام 1973 قام مع مجموعة من زملاء الجامعة بإخراج فيلمي (سالومي) عن مسرحية أوسكار وايلد,و(المحرم) المقتبس عن قصة فاوست. وقد أخرج باركر الفيلمين كما قام بعمل المؤثرات الخاصة بنفسه. فيما بعد -بعد ما اشتهر باركر- تم استرجاع الفيلمين القصيرين.

 

عام 1984 كتب (كتب الدم),وهي مجموعة من القصص القصيرة,وقد حول بعضها لأفلام شهيرة. قدم فيها أيقونات شهيرة جدا للرعب مثل الياترينج وجاك 1986؛هنا قصة غريبة عن رجل يستحوذ عليه عفريت إسمه ياترينج أرسله الشيطان كي يصيب الرجل بالجنون. وسرعان ما يكتشف العفريت أن جاك له طرقه الفعالة لحماية نفسه.

 

في نفس العام 1986 أخرج كليف باركر أول فيلم من أفلامه الذي صار واحدا من كلاسيكيات الرعب الحديثة (الغاضب) وهو عن قصة له إسمها سجين الجحيم.

 

من أبرز أفلامه أيضا

 

-ذرية الليل 1990

تحت مستوى العالم الواعي توجد مدينة سرية إسمها ميديان,حيث تحتشد الأرواح في قبر عتيق وفي مجتمع إسمه ذرية الليل. القصة الأصلية هي كابال وقد أخرجها كليف باركر بنفسه للشاشة.

 

-رجل الحلوى 1993

قصة رهيبة تعلمنا ألا ننطق إسم رجل الحلوى كاندي مان خمس مرات متواصلة أمام المرآة .. إنه يعود دائما وتكون النهاية مريعة. أخرج القصة برنارد روز,وقد تم عمل استطرادين لها في أجزاء تالية.

 

-سيد الأوهام 1995

عن قصته (الوهم الأخير) أخرج باركر بنفسه هذا الفيلم. وكان فيلما ناجحا جدا في مصر.

 

هكذا نجد أن باركر هو مؤلف سينمائي بالمعنى الحرفي للكلمة كما يستعملها الفرنسيون,وهو قادر على الوصول للصيغة الأعلى لفنه -كما يراها- بتحويله إلى رؤى على الشاشة,ولهذا كان من العسير الكلام عن أدبه دون الكلام عن أفلامه.

 

 

[21] توماس هاريس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعرف العالم كله الكاتب الشهير توماس هاريس,بعد ما قدمت السينما قصته الأشهر (صمت الحملان). وهو من الكتاب الذين ابتكروا شخصية بالغة الشهرة عظيمة التأثير في الثقافة الشعبية. إن شخصية الطبيب النفسي آكل لحوم البشر هانيبال ليكتر لا يمكن نسيانها بسهولة, فكيف إذا رأيناها كما جسدها أنتوني هوبكنز في الفيلم الشهير؟

 

ولد هاريس في ولاية تنيسي الأمريكية عام 1940. ولم تخل طفولته من المعاناة ككل العظماء في الواقع. درس في تكساس حيث تخصص في اللغة الإنجليزية,وعمل كصحفي لعدد من الصحف الطلابية وهو ما زال في الجامعة.

 

في العام 1975 قدم روايته الأحد الأسود وهي مزيج من الرعب والأكشن المتعلق بالإرهاب,ثم قدم رواية التنين الأحمر عام 1981. يمكن القول إنه قدم رباعية أكل لحوم البشر في هذه القصة وقصص صمت الحملان 1988 وهانيبال 1999 وصحوة هانيبال 2006. يقال أن جزء التنين الأحمر هو أقوى الأجزاء طرا. وبالطبع يمثل هانيبال لكتر الهيكل العظمي لكل هذه الروايات.

 

ليس توماس هاريس مولعا بالصخب الإعلامي ولا يجري لقاءات صحفية أبدا,حتى إنني وجدت هذه المعلومات عنه بصعوبة بالغة,وهو صديق عزيز لكاتب الرعب الأشهر ستيفن كينج.

 

[22] روبرت بلوخ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قد لا تعرف الاسم,لكني سأذكر لك كلمة واحدة تنهي كل شيء؛نفوس معقدة (سايكو). فيلم هيتشكوك الشهير الذي تموت بطلته في ربعه الأول. أما وقد عرفت الفيلم فأنت تعرف الآن مؤلفه.

 

روبرت بلوخ من أهم كتاب الرعب   المعاصرين,وله إسهامات لا حصر لها,لكن يظل أهم عمل له هو سايكو.

 

ولد بلوخ عام 1917 في شيكاغو بأمريكا. نعرف أنه كان مولعا بشدة بأفلام الرعب في طفولته,ثم ككتاب أمريكيين كثيرين تأثر بمجلة (حكايات غريبة) التي كان يكتب فيها أدباء فائقو الموهبة مثل لافكرافت. وقد تبادل المراسلات مع الرجل الأسطورة,وهو الذي نصحه بأن يجرب كتابة القصة القصيرة. إنه ميراث الموهبة الذي لا ينتهي وينتقل من جيل لجيل. والواقع أن صداقة جميلة جمعت الأستاذ والتلميذ,وكتب كل منهما قصصا استخدم فيها اسم الآخر,حتى أن لافكرافت كتب له تفويضا يسمح له بأن يقتله في أية قصة يشاء!.

 

في سن السابعة عشر باع بلوخ أولى قصصه (السر في المقبرة) لذات المجلة.

 

بدأ الفتى يكسب عيشه عن طريق الكتابة وتزوج. وفي العام 1947 صدرت روايته الأولى الوشاح,وهي دراسة لعقل سفاح يهوى قتل النساء. ويقال إن السفاح الوحيد والمريض نفسيا سوف يصيران علامتين مميزتين على أدب بلوخ.

 

كان نجاحه محدودا وقلقه على المستقبل عظيما,لكن العام 1959 شهد مولد روايته التي ارتبطت باسمه للأبد سايكو. وقد استلهم القصة من حكاية سفاح حقيقي شهير جدا ارتبط بوالدته بشكل مرضي لدرجة تحنيطها بعد موتها,وهو السفاح إد جين. الواقع أن إد جين جلب الكثير من الخير لكتاب الرعب في كل مكان,وقد استلهم كثيرون قصته لعل آخرهم توماس هاريس في شخصية (هانيبال لكتر) الشهيرة.

 

وعندما باع بلوخ القصة لشركة هوليوودية,لم يكن يعرف أن المشتري هو هتشكوك. ومن الغريب أن الشركة لم تحاول الاتصال به أو عرض كتابة السيناريو عليه.

 

عام 1959 نال جائزة محترمة جدا هي جائزة هوجو عن قصته القصيرة (ذلك القطار الجحيمي). وتلقى دعوة لهوليوود ليكتب سيناريو حلقات بوليسية تلفزيونية,ثم حلقات مسلسل الرعب الشهير (ألفريد هيتشكوك يقدم). وقد قدم عدة مجموعات قصصية لم يخل غلاف واحدة منها من عبارة مؤلف (نفوس معقدة).

 

من ضمن روايات بلوخ الشهيرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-الخاطف 1954

2-تلك الأرض المزدحمة 1958

3-الأريكة 1962

4-الهلع 1962

5-كله في عقلك 1971

6-هناك أفعوان في عدن 1979

7-ليلة السفاح 1984

8-تركة جيكل 1991

 

ومن مجموعات القصص القصيرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-الرعب في الليل 1958

2-الدم يجري باردا 1961

3-كوابيس أكثر 1961

4-جمجمة الماركيز دي ساد

5-أفضل ما كتب بلوخ 1977

 

مات بلوخ عام 1994 في لوس أنجيليس. وقد أحرق ودفن رماده هناك.

 

ونعرض عناوين بعضا من قصصه القصيرة.

 

1-الرجل الذي يجمع كتب بو

2-أحب الشقراوات

3-الموتى الأحياء

4-إينوخ

5-بعلزبول

6-لوسي جاءت لتبقى

7-المنزل الجائع

8-قطار الجحيم

9-متاهة التعلم

10-الجمال النائم

11-رحلة على عصا المكنسة

12-مستر شتاينواي

13-سوق الحيوانات

14-الحبكة هي الشيء المهم

 

إذا قرأت هذه القصص سوف تقضي ساعات ممتعة مع عوالم بلوخ وسفاحيه وشخصياته المخبولة. بأفكارها الطريفة غير المطروقة وبراعة السرد,مع قدر لا بأس به من التوجس. والغريب أنه يمزج بين الخيال العلمي والرعب مرارا.

 

وهذه القصص مختارة بشكل عشوائي,أي أنها لا تمثل مجموعة قصصية معينة له,لكنها جميعا ممتعة,وقد رأيت بعضها في فيلم الرعب (حديقة التعذيب) الذي كتب له بلوخ السيناريو وأنتجته شركة أميكوس البريطانية,ومن الممتع أن ترى التشابه القوي بين قصة البيت الجائع وفيلم نشاط خارق للطبيعة الذي عرض عام 2010,برغم أن أكثر من أربعين عاما تفصل القصة عن الفيلم,وهذا اقتباس واضح.

 

 

 

 

[23] شريدان لي فانو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شريدان لي فانو أديب أيرلندي نال شهرة ساحقة في فترة من الفترات كرائد قصة الأشباح الحديثة,ثم لم يعد أحد يقرؤه لأسباب سوف نتكلم عنها في الآتي. اشتهر بقصصه (الخال سيلاس) 1864 و(المنزل المجاور لفناء الكنيسة) 1863 على أن قصته الأشهر هي كارميلا. وهي قصة مصاصي الدماء الأهم,ويقال إنها الأفضل كذلك,بل وألهمت برام ستوكر بقصة دراكيولا أو على الأقل كانت من مصادره الأساسية.

 

ولد الرجل عام 1814 في دبلين لأسرة ثرية وأب من رجال الأكليرك,درس القانون في كلية ترنتي وتخرج في عام 1837,وفي العام 1845 قدم قصته الأولى الديك والمرساة. وكان شديد الإعجاب بأدب والتر سكوت. لم يمارس المحاماة قط لكنه انهمك في عالم الصحافة. كان ضد انفصال إيرلندا عن إنجلترا لكن هذا كان يظهر في مقالاته,بينما لم تكشف قصصه قط عن ميوله السياسية.

 

تزوج عام 1844 ورزق بأربعة أطفال,وبعد وفاة زوجته صار أميل إلى العزلة حتى أطلق عليه لقب الأمير الخفي بسبب عزلته وانطوائه وعادات كتابته الليلية. كان يكتب من منتصف الليل حتى الفجر مستعينا بشمعتين عن يمينه ويساره,ولم يكن يكتب إلا في الفراش. توفى عام 1873 ونسيت أكثر أعماله,ويعود هذا للنظرة العامة حتى في الخارج إلى أدب الرعب على أنه أقل شأنا من الأدب الإنساني.

 

كان هذا حتى عام 1923 عندما قدم الناقد م. جيمس مجموعة قصص له تحت عنوان حكايات الغموض,عندئذ تذكر العالم أهمية هذا الأديب وخياله الخصب.

 

الأحداث الغريبة في قصصه تقبل عدة تفسيرات,منها الأشباح ومنها الهلاوس النفسية أو المجازات اللغوية. هناك قصة له اسمها الشاي الأخضر عن قس يطارده شبح قرد ويجعل حياته جحيما,حتى في لحظات الصلاة يثب القرد ليغطي صفحات الإنجيل. في النهاية ينتحر القس,لكن يبقى السؤال عما إذا كان الشبح حقيقيا أم أن هذه هلاوس سببها الشاي الأخضر الذي اعتاد القس شربه,في تلك الفترة شاع شرب الشاي الأخضر الذي اعتقد كثيرون أنه يحوي مخدرا ما. هكذا كان يترك للقارئ تفسيرين ليختار بينهما؛الطبيعي والخارق للطبيعة. وكان من عاداته كذلك أن يستخدم قصصه القصيرة السابقة كنواة         لرواياته. إن رواية مستر جاستيس هاربوتيل كانت قصة قصيرة قديمة له اسمها (وصف لبعض الاضطرابات الغريبة في شارع أنجير).

 

تحكي قصة العم سيلاس حكاية مثيرة لكن من غير أشباح عن الفتاة الشابة مود التي توفيت أمها,ويحاول الوصي الشرير عليها سيلاس أن يزوجها ابنه المتزوج فعلا ليظفر بثروتها.

 

وفي قصة كارميللا التي كتبها عام 1872,نرى صداقة حميمة بين فتاتين,تدرك واحدة منهما أن صديقتها الحبيبة هي مصاصة دماء اسمها ميركالا عاشت منذ مئات السنين. عادات مصاص الدماء تختلف هنا عن التقاليد المحفوظة التي تعلمناها عن شخصية دراكيولا. على سبيل المثال يمشي مصاصو الدماء هنا في الشمس. تحتفظ القصة بالكثير من جو الغموض حتى بعد الخاتمة (سوف تجد أن أسئلة كثيرة لم تتم الإجابة عنها .. من المرأة الغامضة التي ترتدي الأسود؟ من هو السيد الشاحب؟ هل رؤى الفتاتين مشتركة فعلا؟ إلخ .. إلخ). لكن هذا الغموض ساحر في حد ذاته يعطي العمل ثراء شعريا.

 

هذه القصة المحظوظة قدمتها السينما العالمية مرات عديدة,وقدمتها شركة هامر البريطانية المختصة في أفلام الرعب عدة مرات فيما عرف بـ ثلاثية كارنشتاين. هذه الأفلام التي قامت ببطولة أكثرها إنجريد بيت لم ولن تعرض في مصر لما فيها من حسية شديدة,وعلى كل حال يمكن القول إن كل مصاصة دماء في السينما العالمية خرجت من عباءة رواية كارميللا هذه.

 

[24] هوارس والبول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لرواية (قلعة أوترانتو: قصة قوطية) أهمية أدبية خاصة,هي أنها أول رواية رعب قوطي في التاريخ,بل إن تعبير رعب قوطي قد سُكّ لأول مرة في عنوانها.

 

هوارس والبول شخص فريد من نوعه,فهو شخصية سياسية مهمة (لو بحثت عنه على شبكة الإنترنت لوجدت المعلومات الأساسية عنه تخصه كسياسي) وأرستقراطي ومهندس معماري وكاتب شهير.

 

ولد الرجل في لندن عام 1717 وتعلم في كمبريدج,لكنه تركها دون الحصول على شهادة, وهو تصرف معتاد بين أوساط النبلاء وقتها,وصار يحمل لقب إيرل أورفورد وعضوا في البرلمان. وقد صمم بيتا له في ستروبيري هيلز بطراز معماري فريد,هو الذي أطلق عليه مصطلح الطراز القوطي,وهو يختلف تماما عن الطراز الكلاسي المميز لهذه الفترة.

 

معنى كلمة قوطي حرفيا هو جرماني أو تيوتوني,وهو طراز معماري شهير وجد في غرب أوروبا في القرن الثاني عشر,ويمتاز بالأقواس المدببة والأعمدة والقباب. إنها تلك القلاع الرهيبة التي يعيش فيها مصاص الدماء في الأفلام.

 

في ذات العام الذي اخترع فيه جيمس وات المحرك البخاري لتبدأ الثورة الصناعية -وهو العام 1764- كتب والبول قصة قلعة أوترانتو,لتكون نموذجا للأدب القوطي الذي ساد القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر,وهو ضرب من الأدب الرومانسي المولع بالغموض. إنه رعب الكوابيس؛حيث القلاع المظلمة والبروق والرعود والنفوس المعقدة المجنونة. وكلمة (الرومانسية القوطية) في حد ذاتها تمثل مزجا بين تأثيرين مهمين متناقضين في أوروبا؛الإمبراطورية الرومانية,والقبائل القوطية التي تحرشت بها.

 

إن الثورة الرومانسية أنتجت الرواية الاجتماعية المليئة بالمشاعر ورواية الرعب القوطية معا,والمبدأ واحد؛ألا وهو رفض أسس المجتمع العاقل.

 

يقول والبول أنه استلهم روايته من كابوس مخيف رآه وهو نائم في ذلك البيت القوطي الذي ابتناه في ستروبيري هيلز. هكذا نهض وظل يكتب .. أحيانا كان يكتب من السادسة صباحا حتى الواحدة من صباح اليوم التالي,وحتى تسقط ريشة الكتابة من يده المرهقة.

 

نشر الطبعة الأولى من الرواية تحت اسم مستعار هو مورالتو,مع زعم أنه مؤلف إيطالي كتب هذه الرواية بلغته,وقد تم العثور عليها لدى أسرة بريطانية شمال البلاد وتم ترجمتها. أي إن والبول اخترع شخصية مؤلف إيطالي لا وجود له,وزعم أن هذه الرواية مترجمة, وهو ما يشبه ما قام به ابن المقفع في كليلة ودمنة التي زعم أنها مترجمة بالكامل عن الهندية -هناك بحث واف يثبت هذه الحقيقة الغريبة في كتاب (أديب الأسطورة عند العرب) لـ فاروق خورشيد,سلسلة عالم المعرفة,284- كما يشبه عادة كاتب رعب آخر هو ستيفن كينج في تقديم بعض رواياته تحت اسم ريتشارد باكمان.

 

تحمس النقاد للقصة كثيرا وكتبوا عنها مرحبين,ووصفوا والبول بأنه مترجم ممتاز,لكنه أعلن في الطبعات التالية عن الحقيقة وعن كونه مؤلف القصة الوحيد. هنا اكتشف النقاد فجأة أن القصة رديئة ركيكة,بطريقة ما تكرر الأمر مع أحمد خالد توفيق لدينا في مصر!

 

على كل حال,كانت رواية والبول هي الجذوة التي أشعلت موهبة الكتابة لدى طابور من الأسماء,منها آن راتكليف وماري شيللي وبرام ستوكر .. إلخ. ومن الطريف أن يطالعها قارئ اليوم؛لأنها تبدو كأنها كتيب تعليمي لمن يرغب في كتابة الأدب القوطي,أو كأن والبول يحاكي المدرسة التي أسسها محاكاة ساخرة. طوفان من المواقف الميلودرامية والمصادفات الفاجعة في فترة ثلاثة أيام فقط! وقد حفرت هذه القصة الكثير من القوالب الجاهزة في الأذهان؛منها البطلة الشفافة الرقيقة التي تفقد وعيها عشر مرات في الساعة,والتي تركض شاحبة خائفة في ممر طويل,والقلعة المرعبة التي تضربها البروق طوال الوقت,ولا تكف الريح عن الصفير في أروقتها .. إلخ.

 

قام والبول بجولات كثيرة في أوروبا مع صديق له شاعر يدعى جراي,وقد وصف هذه الرحلة في مذكراته. إن خطابات والبول ومذكراته تمثل ثروة أدبية ضخمة لا يمكن تصورها,خاصة لو عرفنا أنه ترك لنا ثلاثة آلاف خطاب!.. في أحد خطاباته صك كلمة سرنديبية Serendipity التي دخلت قواميس اللغة الإنجليزية بعد ذلك,والتي تعني (موهبة العثور مصادفة على المفاجآت السارة!),وقد نحتها من اسم رواية هي (أمراء سرنديب الثلاثة). يقول في مذكراته عبارة عميقة وشهيرة جدا: “هذا العالم كوميديا للذين يفكرون .. وتراجيديا للذين يشعرون”.

 

لم يتزوج قط,وعاش في ذلك البيت المخيف طوال حياته حتى توفي عام 1797,وبهذا كان آخر إيرل لـ أورفورد.

 

[25] واشنجتون إيرفنج

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

واشنجتون إيرفنج أو واشنطن إيرفينج أديب أمريكي شهير,وإسم آخر مهم بين أدباء الرعب القوطي,عرف بقصتيه ريب فان وينكل وأسطورة سليبي هولو. ولد في نيويورك عام 1789 وكان له أحد عشر أخا. كان أبواه مهاجرين أسكتلنديين أعجبا بجورج واشنجتون بطل الاستقلال الأمريكي,لذا اتخذا هذا الاسم لابنهما,ويقال في قصة أخرى أن واشنجتون هو الذي اقترح اسمه على الأبوين .. وشغف بالقراءة في طفولته لكن رسخت في ذهنه بشكل خاص قصتا روبنسون كروزو وسندباد الملاح.

 

كان واشنجتون إيرفنج هو أول أمريكي على الإطلاق يكسب عيشه بالكامل من قلمه, بالإضافة لهذا كان رحالة ومصمما معماريا دبلوماسيا.

 

بدأ الكتابة في الصحف وكسب بعض الشهرة,إلا أن مأساة شخصية ألمت به عندما توفيت خطيبته ماتيلدا في سن الثامنة عشرة,وهذا هو السبب الذي جعله لا يتزوج طيلة حياته,ولم يتكلم عنها قط برغم أن صورتها كانت تلاحقه طيلة الوقت.

 

كان مولعا بالسفر لذا خصص جزءا كبيرا من وقته في ارتياد أوروبا. وفي العام 1809 قدم لنا حكايات ساخرة عن الجالية الهولندية في نيويورك,وابتكر شخصية مضحكة تدعى ديدرتش نيكربوكر المفترض أنه عالم هولندي يقيم في نيويورك .. الطريف أن مصطلح (نيكربوكر) صار رمزا لجيل الكتاب الأمريكيين الأول,كما يكنى به أي أمريكي يكتشف أن أصول أسرته هولندية.

 

قدم لنا واشنجتون مجموعة قصصية تدعى بريسبريدج هول,ثم تلاها بمجموعة كتاب السكتشات الذي بدا تأثره واضحا بالقصص الشعبية الألمانية,كما في قصتى ريب فان وينكل وأسطورة سليبي هولو. والحقيقة هي أن إرفنج اعترف أكثر من مرة بأن موهبته القصصية ضعيفة فلا يستطيع خلق حكاية بالكامل من لاشيء,وهو ليس عيبا إذا تذكرنا أن شكسبير نفسه لم يقدم أي قصة أصيلة. قصة أسطورة سليبي هولو هي التي قدمت مع تصرف كبير في فيلم الرعب الشهير لـ تيم بيرتون عن الفارس مقطوع الرأس الذي يخيف الناس في مقاطعة سليبي هولو,وهي بالمناسبة منطقة حقيقية جنوبي نهر هدسون قرب نيويورك. هذه القصة مشتقة عن قصة للألماني كارل موزويس,وقد أنتج أوبريت عنها باسم الفارس مقطوع الرأس.

 

بعد هذا توالت أعماله مثل كولومبوس 1828 وغزو غرناطة 1829. وكلها تعتمد على بحث تاريخي بالغ الدقة. مع الوقت صار خير سفير للولايات المتحدة اليافعة في أوروبا والعالم,إذ أحبه الأوروبيون والأسبان بشكل خاص؛ولهذا عينه الرئيس الأمريكي سفيرا فعليا للولايات المتحدة في أسبانيا. كان صديقا حميما لكاتبة فرانكنشتاين ماري شيلي. وعندما زار تشارلز ديكنز العظيم أمريكا طلب لقاءه لأنهما كانا يتبادلان المراسلة بانتظام,وألقى خطابا شكر فيه واشنجتون على مساندته له في رواياته.

 

في العام 1855 بدأ كتابة سيرة سميّه جورج واشنجتون,كما كتب كتابا مهما عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هو محمد وأتباعه.

 

توفى واشنجتون إرفنج في 28 نوفمبر سنة 1859,وكانت آخر كلمة قالها قبل أن ينام ليلا:

“علي أن أرتب وسادتي لليلة أخرى مرهقة .. ليت هذا كله ينتهي!”. في الصباح لم ينهض من النوم .. كأن كل هذا انتهى فعلا!. ودفن في مقبرة سليبي هولو الخاصة بالكنيسة الهولندية في نيويورك,كأنه اختار أن يكون قبره في البلدة التي دارت فيها أهم قصصه.

 

[26] فرانك باوم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فرانك باوم كاتب قصص أطفال أمريكي فائق الشهرة,وحتى لو لم تكن تعرف الاسم فأنت تعرف عنوان ساحر أوز روايته الأشهر. وهو كاتب غزير الإنتاج فعلا لكننا لا نعرف عنه الكثير في العالم العربي.

 

ولد باوم عام 1856 في نيويورك,وطبعا كما هي العادة,كان طفلا نحيلا ضعيفا لا يميزه سوى خياله المتوهج.

 

في سن صغيرة بدأ الكتابة وأصدر جريدة بسيطة مع أخيه. واتجه للكتابة للمسرح,وقد تبين فيما بعد أن المسرح كان مصدر طموح لا ينتهي,وفشل مستمر,وإحباط لا نهاية له. وعلى كل حال شب حريق هائل في المسرح الذي كان يملكه واحترقت أصول مسرحية عديدة.

 

في العام 1897 قدم كتاب شعر للأطفال هو (الأم الأوزة). نجح الكتاب نوعا وأدرك الرجل أن بوسعه أن يكسب قوته من قلمه.

 

في العام 1900 قدم الكتاب الذي سيخلد اسمه ساحر أوز المدهش. وقد ظل يحتل قائمة أفضل المبيعات لزمن طويل. للأبد دخلت ذاكرة العالم الصورة البصرية الجميلة للفتاة دوروثي تمشي في طريق الطوب الأصفر مع أسد جبان ورجل صفيح بلا قلب وخيال حقل بلا مخ … هذه صورة لها نفس قوة صورة سندريلا والأمير يلثمها .. في هذا النوع من القصص يذيب أدب الأطفال الحاجز بين الطفل والبالغ,ليقترب من عوالم الشعر.

 

وقد ألحق باوم بالكتاب ثلاثين جزءا تستخدم نفس الشخصيات والعوالم. كانت الكتب الأولى أعنف بالتأكيد وفيها تخويف (تربوي) واضح للأطفال,لكن هذه النغمة بدأت تتلاشى في الأجزاء التالية.

 

وسرعان ما وجدت الرواية طريقها إلى عرض مسرحي ناجح بدوره. وفي عصرنا نعرف أن القصة قدمت للسينما مرتين. مرة من بطولة جودي جارلاند,ومرة من بطولة ديانا روس ومايكل جاكسون. الفيلم الأخير كل أبطاله من السود ويعتمد على الموسيقى الأفرو أمريكية. دعك طبعا من سيل لا يمكن حصره من الرسوم المتحركة.

 

ظل نجاح عوالم أوز يلاحق باوم طويلا,وقد حاول كثيرا أن يبحر في مياه مختلفة عن أوز؛ منها مغامرات سانتا كلوز والملكة زيزي من إيكس. لكنه في كل مرة يضطر للعودة لعوالم أوز المألوفة لأن الأطفال يحبونها. وكان في ذهنه بناء عالم أوز كامل على جزيرة يقيم فيها للأبد,ويزورها السياح. فكرة شبيهة بما قام به ديزني مع فأره الشهير. لكن الفكرة لم تنجز على أرض الواقع قط.

 

استخدم الكثير من الأسماء المستعارة في كتاباته,وهي عادة كانت شائعة في ذلك الوقت,ومن هذه الأسماء؛إديت فان دايك – سوزان ميتكالف – جون إستس كوك.

 

انتقل باوم ليقيم في هوليوود وكون شركة للإنتاج باسم أفلام أوز. لم تكن لعبة مناسبة له وخسر الكثير من المال,وهذا أدى إلى أن يصاب بنزف مخي ويموت عام 1919.

 

[27] لويس كارول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أليس في بلاد العجائب. قصة أطفال؟ نعم .. لكنها كذلك عالم ساحر ملئ بالخيال الخصب. أعتقد أن التفكير الجامد الذي يقول أن أدب الأطفال لا يناسب الكبار,قد انقضى عهده. دعنا لا ننس أن أدباء فائقي الشهرة كتبوا أدب الأطفال,وفي كل مرة نكتشف أن الخط الفاصل بين الشعر وأدب الأطفال باهت جدا أو لا وجود له. ومن الطريف أن هذه القصة بالذات حظيت بدراسة مدققة من رائد علم النفس فرويد باعتبارها دراسة فريدة في عالم الحلم والرغبات المكبوتة.

 

أحيانا ما تترك موهبة بعض الكتاب لمسة لا تمحى على الأدب العالمي,وربما على الوجدان الشعبي ذاته. بالنسبة لأديبنا هذا (لويس كارول),يظل الوجدان الغربي يحمل صورة الرجل البيضة الجالس على الجدار,والزجاجة التي كتب عليها اشربيني,وحتى بالنسبة لقارئ العربية تظل فكرة اجتياز سطح المرآة لدخول عالم الأحلام باقية للأبد. مفهوم العالم كحلم الذي يعتبرونه من ابتكار هاينلاين حيث عالمنا مجرد حلم يحلم به مؤلف في مجرة أخرى موجود هنا بوضوح: (هل أنا جزء من حلم ملك الأحمر,أم هو جزء من حلمي؟). ملف الحاسوب الذي يحمل اسم اقرءوني,وبطل فيلم ماتريكس الذي طلب منه أن (يتبع الأرنب الأبيض),هذه مجرد نماذج لمدى تغلغل هذه القصة في عقول الفنانين.

 

كان لويس كارول الذي ولد عام 1832 محاضر رياضيات في أكسفورد,لكن اسمه لم يكن لويس كارول بل كان المبجل لوتويدج دودجسون. ولد ليكون الطفل الثالث في أسرة تتكون من أحد عشر طفلا,عانى اللعثمة التي جعلت منه مثارا للسخرية .. هذه اللعثمة كانت تجعله ينطق اسمه دودجسون هكذا: دو .. دو .. دو دوجسون.

 

هكذا .. كان الاسم السري له بين زملاءه هو دودو,وقد استعمل هو ذات الاسم في قصة أليس بعد ذلك.

 

كان مولعا بالتحدي من صغره. قيل له إنه من العسير على طفل أن يتعلم اللوغاريتمات, وهكذا قرر أن يدرس هذا العلم,وكان اهتمامه بالرياضيات واضحا,هكذا,دخل أكسفورد عام 1850 ليبقى فيها الخمسين عاما الباقية له حتى وفاته عام 1898,وقد كان مرشحا لمنصب قس في المدرسة الدينية,لكنه تخلى عن هذا المنصب لأسباب مجهولة.

 

عام 1865 كتب قصة أليس في بلاد العجائب,التي تحكي عن أليس التي دخلت جحر الأرانب بحثا عن الأرنب الأبيض الذي تأخر عن حفل الشاي. القصة كتبها خصيصا لصديقته الصغيرة أليس ليدل ابنة عميد الكلية,والتي كرّس حياته لإضحاكها والترفيه عنها. وهي -أي القصة- تحوي لعبا ذكيا بالألفاظ وخيالا لا حد له.

 

القصة الشهيرة الأخرى له هي (عبر المرآة) 1872,حيث تجتاز أليس عالم المرآة إلى عالم آخر غريب له منظر زجاجي. ثمة لعبة شطرنج غريبة فيها كل القطع قد دبت فيها الحياة. وفي هذه القصة تقابل شخصيات مثل هامتي دامتي الرجل البيضة وتويدل دي وتويدل دام. انتقد النقاد عدم دقة لعبة الشطرنج كما وصفها كارول لكن كثيرين يرون في هذا نوعا من التزيد مع قصة تحطم كل قواعد الواقع أصلا.

 

رسم كارول بنفسه لوحات قصة أليس في بلاد العجائب في المخطوطات الأولى,وإن تولى سير جون تنيل الرسم بعد هذا,وقد انتقدت لوحات هذا الأخير باعتبارها متقنة لكنها مخيفة للأطفال.

 

كتب كارول بعض القصائد وبعض القصص محدودة النجاح,كما كتب بعض الكتب في علم الرياضيات,أشهرها إقليدس ومعارضوه المعاصرون 1879.

 

كان مهتما بالرسم وتصوير الأطفال,وإن كان هناك من اتهمه ببعض الميول غير الأخلاقية في هذا الصدد,وهي تلميحات لم تصل إلى أن تكون اتهامات. فقط نحن متأكدون من أنه كان -وهو في الثلاثين من العمر- يحب الطفلة أليس بشدة,وكان يلوم نفسه في مذكراته على هذا الحب,كما كان يدعو الله أن يخلصه من هذا الداء. إن مذكرات الرجل غامضة وبها صفحات كثيرة منزوعة,خاصة وأن أبا أليس أحرق كل خطابات كارول لابنته. وقد انفصل كارول عن تلك الأسرة التي كرس لها حياته. لا يعرف أحد السبب,وقيل إنه بسبب الشائعات التي اجتاحت الأوساط الأكسفوردية,أو لأنه تقدم للطفلة طالبا يدها وهي في الحادية عشرة من عمرها,فرفض أبوها ذلك.

 

إن عمل كارول كمصور فوتوغرافي شديد الأهمية كذلك,وهو من رواد فن التصوير الفوتوغرافي المعاصر,كما أن لوحاته تعكس لنا شهادة صادقة عن العصر الفيكتوري.

 

قضى لويس كارول بقية حياته في جلدفورد ولم يتزوج قط,ومات بالالتهاب الرئوي,ودفن هناك. وقد أقيم في جلدفورد احتفال خاص للذكرى المئوية لوفاته عام 1998.

 

هكذا رحل ذلك الأديب الغامض الذي لم يعد عالم الخيال بعده كما كان قبله.

 

[28] هانز كريستيان أندرسن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الضلع الثالث في مثلث العظمة لأدب الأطفال (فرانك باوم – لويس كارول – أندرسن).

مهما كانت جنسيتك أو ثقافتك,فلابد أنك تحمل في جزء من خلايا عقلك بعضا من إبداعات هانز كريستيان أندرسن. هل شعرت يوما بأنك (البطة الصغيرة القبيحة)؟ هل سمعت تعبير (الإمبراطور عار تماما) عندما يعلن أحدهم حقيقة يخشى الناس الاعتراف بها؟ هل رأيت فيلم الرسوم المتحركة (عروس البحر الصغيرة)؟ إذن أنت قد دخلت ذلك العالم الساحر دون أن تعرف.

 

لقد ترجمت القصص الخيالية لهذا العبقري إلى أكثر من 80 لغة,وقد استلهمت منها مسرحيات وعروض باليه وأفلام سينمائية.

 

كاتبنا العبقري دانمركي الجنسية ولد عام 1805 لأب متعلم يعمل إسكافيا,وأم تعمل غسالة. وقد فتحت هذه الأم غير المتعلمة المؤمنة بالخرافات عيني الصبي على عالم التراث الشعبي. فيما بعد لقيت هذه الأم نهايتها بسبب الإفراط في الكحول في دار خيرية للفقراء المسنين. تلقى أندرسن أقل القليل من التعليم بالإضافة إلى مشاكله النفسية بسبب طوله المفرط وعينيه المتقاربتين وملامحه الأنثوية نوعا. وكان يصاب بنوبات هياجية شخصها الأطباء تشخيصا خاطئا على أنها صرع.

 

كانت علاقته بأبيه حميمية فعلا,فقد اصطحبه أبوه إلى المسارح وحكى له ألف ليلة وليلة وكان يصنع له عرائس ووسائل تسلية مختلفة. يقول أندرسن في مذكراته: في تلك اللحظات فقط كنت أرى أبي سعيدا .. هو الذي كان محبطا دوما بسبب العمل اليدوي الذي لا يراه يناسبه. لقد استوليت عليه بالكامل لنفسي.

 

بعد وفاة أبيه اضطر لأن يعمل ليعول نفسه. انتقل إلى كوبنهاجن العاصمة في الرابعة عشر من عمره,حيث عمل حرفيا وتحمل سخرية أقرانه الذين كانوا يعتبرونه فتاة متخفية. مارس بعض الوقت مهنة الغناء والرقص في المسارح,فقد كان له صوت سوبرانو جميل. وفي العام 1822 بدأ يقدم أعماله الأدبية. في العام 1827 حصل على منحة للدراسة في جامعة كوبنهاجن. في هذه الفترة وقع في الحب .. وكانت فتاة رقيقة اسمها ريبورج فويت بادلته الحب,ثم -كالعادة- سرعان ما تزوجت أول عريس مناسب. وحينما مات عام 1875 وجدوا حول عنقه كيسا جلديا يضم رسالة كتبتها له منذ نحو خمسين عاما. بالمناسبة لم يتزوج أندرسن قط.

 

كانت أولى أعماله الناجحة هي (رحلة على الأقدام من قناة هولمان إلى الطرف الشرقي من جزيرة أماجير خلال الأعوام من 1828 إلى 1829)! نعم .. لا يوجد خطأ .. هذا هو اسم العمل وليس خبرا في جريدة.

 

ثم قدم لنا روايته المرتجل. وقد سافر كثيرا جدا وكتب أكثر. قابل   فيكتور هوجو وبلزاك في فرنسا,وذهب إلى ألمانيا ليرى جوته لكنه لم يقابله,وقابل ديكنز في إنجلترا باعتباره تلميذا منبهرا بأستاذه. من الغريب أن ديكنز العظيم استلهم منه فيما بعد أعماله الأجراس وترنيمة الكريسماس النثرية. كما نرى بصمات أندرسن واضحة في قصص أوسكار وايلد؛الأمير السعيد والبلبل والوردة. أي أنه أضاف لأساتذته أكثر مما أضافوا له.

 

إن قصص أندرسن الخيالية للأطفال هي الشيء الذي منحه شهرته,وبها اتخذ مكانه إلى جوار الأخوين جريم ولويس كارول وغيرهم من سحرة الأطفال. وقد قدم لنا في تلك القصص أسلوبا مبسطا أخفى وراءه معاني فلسفية عميقة ودروسا متنكرة,وهو ما يختلف عن قصص الأطفال الوعظية المعتادة. وسوف نلاحظ الدرس المعتاد في كل مرة: إن أدب الأطفال والشعر متقاربان أو هما نفس الشيء في الواقع. إن قصصه اعتبرت استكمالا لقصص الأخوين جريم وألف ليلة وليلة لكن من بين 156 قصة حكاها أندرسن كانت هناك 12 قصة فقط من التراث الشعبي,وهذا ليس الحال مع الأخوين جريم اللذين اتهمهما النقاد بعدم الأصالة. أي أن حكايات أندرسن تتفوق. وسوف نلاحظ في كل قصصه أن الأطفال والمنبوذين يتكلمون الحقيقة وهم صوت العقل مجسما. كان أندرسن فقيرا وتعسا جدا,لذا قدم لنا غالبا تلك النماذج التي تصل إلى السعادة بعد طول شقاء.

 

إن أكثر قصصه تنتهي نهايات سعيدة باستثناء نماذج قاسية مثل بائعة الثقاب الصغيرة. ويبدو أنه ظل حتى نهاية حياته يعتبر نفسه البطة الصغيرة القبيحة.

 

هذا ديدن العباقرة الذين تدخل عقد صباهم المصهر لتتحول إلى ذهب يبقى للأبد بعد رحيلهم.

 

 

من أعماله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-ثياب الإمبراطور الجديدة

2-مربى الخنازير

3-الأميرة الحقيقية

4-الحذاء الأحمر

5-بائعة الثقاب الصغيرة

6-الصبي الشقي

7-الياقة المستعارة

8-شجرة الشربين

9-أحلام تاك الصغير

10-الظل

11-الأسرة السعيدة

12-قصة أم

13-الضفدع القفّاز

14-شجرة الورد

15-البطة القبيحة

 

[29] نيل جايمان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأديب البريطاني العبقري نيل جايمان,إنه مؤلف ورسام قصص مصورة ومصمم جرافيكي.

 

اشتهر بسلسلة رجال الرمال وقصتي غبار النجم وكتاب المقبرة. الكتاب الأخير ترجمه أحمد خالد توفيق إلى العربية لصالح شركة بلومزيري لكنها لم تنشره قط,وإن ظلت حقوق النشر معها حتى اشترتها دار الكرمة ونشرت العمل عام 2021.

 

ولد جايمان 1960 من أسرة تنتمي لشرق أوروبا هاجرت إلى بريطانيا,وقد كانت أسرة يهودية لكنها غير متدينة,بل تعتنق ديانة غير سماوية هي السيانتولوجية. تعلم القراءة في سن الرابعة وتفوق في المدرسة بشكل ملحوظ. وفي سن العاشرة قرأ الكتاب الذي ترك فيه أعمق الأثر؛سيد الخواتم,رائعة تولكين,وحفظ تقريبا أليس في بلاد العجائب قصة لويس كارول. بعد هذا بسنين قرأ يوميات نارنيا لـ س. إس. لويس. كان هذا هو الوقت الذي قرر فيه أن يكون مؤلفا.

 

عمل جايمان كذلك مع كاتب القصص المصورة الأسطوري آلان مور,وتعاون مع شركة مارفيل. على أن أشهر أعماله كان رجل الرمال .. وهو شخص يدعى الحلم له أخت تدعى الموت,وقد صارت منها عدة أجزاء متتالية,ويعرفها المهتمون بالقصص المصورة جيدا. هي سلسلة قصص تجمع بين السخرية والرعب في مزيج فريد. ثم قدم سلسلة اسمها كتب السحر,وقدم الكثير من قصص باتمان. الحقيقة أنه غزير الإنتاج فعلا,ومتابعة أعماله كلها عمل مستحيل. كان مولعا بالقصص المصورة جدا,والسبب أنها كانت مصدر ثقافته الأولى منذ تعلم القراءة. وكما قال : “كما أنها مجال بكر نسبيا يمكن تحقيق الجديد فيه,بينما هناك عدة قرون سبقتك في كتابة الأدب التقليدي,فليس بوسعك أن تتميز”.

 

برغم هذا قدم روايات مهمة غير مصورة,منها غبار النجم 1990,وهي تمثل عالما تولكينيا متكاملا,يذكر بالأرض الوسيطة,والآلهة الأمريكيون 2001 التي كانت أنجح قصصه وأكثرها مبيعا. وفي العام 2008 قدم كتاب المقبرة وهو قريب جدا من كتاب الأدغال لكيبلنغ. بدلا من الطفل الذي تربيه الوحوش نقابل طفلا يربيه الموتى!. وهي ممتعة جدا.

 

يستعمل جايمان كذلك نفس الشخصيات في روايات عدة,أي أن شخصياته تظهر في روايات مختلفة.

 

مارس جايمان كذلك كتابة السيناريو,ومن أشهر ما كتب سيناريو بيوولف.

 

كما كتب عدة حلقات من المسلسل الخيالي الشهير دكتور هو.

 

يتبع جايمان بالضبط نفس طريقة السرد رحلة البطل التي ذكرها كامبل في البطل ذو الألف وجه. سوف تشعر مثلا كأن قصة غبار النجوم هي بالضبط رحلة بحث بطل مما تكلم كامبل عنه. تذكر المراحل

 

1-البطل في العالم العادي,قد يبدو بريئا غير ذي خبرة وغير مؤهل للبطولة. هاري بوتر اليتيم الخجول الذي ينام تحت السلم.

 

2-البطل يتلقى دعوة للمغامرة تقدمها له شخصية غير نمطية هي (المعطاء) (غالبا عجوز أو قزم). لوك سكاي ووكر يتلقى دعوة للمغامرة من أوبي وان كنوبي في قصة حرب الكواكب .. رئيس الشرطة العلمية يكلف نور ورفاقه بمهمة جديدة .. العميلة الجديدة تعرض مشكلتها على شيرلوك هولمز .. الساحر يخبر علاء الدين أنه صديق أبيه يرحمه الله .. هاري بوتر يتلقى الدعوة إلى مدرسة السحر.

 

3-رفض الدعوة أولا ثم قبولها,وربما يضطر الناصح إلى توجيه ركلة له كي يقبل.

 

4-اجتياز البوابة الأولى إلى عالم المغامرة. لقد انطلقت العربة .. أقلعت سفينة الفضاء .. وقفت دوروثي بطلة ساحر أوز على أول الطريق القرميدي الأصفر .. ركب أدهم صبري الطائرة إلى وجهته.

 

5-اختبارات وحلفاء وأعداء. الصالون في فيلم رعاة البقر حيث يعقد البطل حلفا مع رفاقه ويتقاتل مع أعدائه.

 

6-الاقتراب من الكهف العميق,حيث مركز المعاناة. ثيذيوس يدخل الكهف ليواجه المينوتور .. علاء الدين ينزل إلى البئر ليبحث عن المصباح.

 

7-المعاناة العظمى. هنا يعاني القراء اللحظة السوداء خوفا على مصير البطل الذي توحدوا معه.

 

8-الجائزة (الحصول على السيف – التفاحة – الجوهرة – الميكروفيلم .. إلخ). الآن صار بطلا حقا. هنا تكمن المتعة الكبرى؛لأنك لا تستمتع بالحياة أبدا مثلما تستمتع بها بعد ما أيقنت بالموت.

 

9-طريق العودة. يحاول خصومه في انتفاضة أخيرة منعه من العودة بمكاسبه. إنه لم يخرج من المستنقعات أو غرفة الميكروفيلم أو قاعة المومياوات بعد.

 

10-انتصار جديد يطلقون عليه اسم البعث.

 

11-العودة بالإكسير. وهذا الإكسير قد يكون الكنز الذي دخل الكهف لأجله,وقد يكون الحكمة,وقد يكون العودة للوطن سالما بصحة جيدة.

 

لو طبقت هذه الخطوات على علي بابا أو الشاطر حسن أو أوديسيوس أو هركيوليس أو أي بطل ملحمي تعرفه ستدرك أنها صحيحة.

 

لكن جايمان ينكر بشدة أنه استطاع استكمال قراءة كتاب كامبل. وجد أنه من الأفضل ترك نفسه على سجيتها. فلا داعي لفهم التقنيات,المهم أن يكتب ما يراه مناسبا بلا خطة مسبقة.

 

يعيش جايمان في الولايات المتحدة؛وسكونسين منذ عام 1992. يقيم هناك مع زوجته وأولاده الثلاثة. وهو مستمر في الكتابة.

 

[30] هرمان ملفيل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هو أديب أمريكي ارتبط اسمه بالبحر,وبصفة خاصة بقصته الأشهر موبي ديك (أو الحوت) التي صدرت عام 1851,والتي قيل إنها أعظم رواية في الأدب الأمريكي على الإطلاق.

 

الحقيقة أن هناك ثلاثة كتّاب أمريكيين ارتبطوا بالبحر بشدة؛الأول هو هيرمان ملفيل والثاني هو هيمنجواي صاحب (العجوز والبحر) الغنية عن أي تعريف,والثالث هو بيتر بنشلي الذي ارتبط اسمه بقصص الأعماق وفكان والجزيرة. الحقيقة أن الثالث توغل في البحر فعلا,وبلل قدميه فعلا. ربما أكثر من أي كاتب آخر,لكنه كما نعلم اكتفى بالمغامرة المثيرة في حد ذاتها,بينما اهتم هيمنجواي وملفيل بالنفس البشرية .. لقد ذهبا إلى البحر ليغوصا في نفوس أبطالهما.

 

لم يلق كتاب موبي ديك نجاحا إلا بعد ثلاثين عاما من صدوره,إلا أن القصة الأخرى الشهيرة لملفيل,والتي كان اسمها تايبي 1846 لاقت نجاحا كبيرا وقت صدورها.

 

ولد ملفيل عام 1819 في مدينة نيويورك لأسرة من التجار,أفلس والده وجن ومات كل هذا بينما كان ملفيل الصغير في سن الثانية عشرة,وقد أصابته الحمى القرمزية فسببت ضعفا دائما في بصره,وتنقل ملفيل في عدة وظائف لكن نهمه للقراءة لم يتوقف قط,والتحق بالبحرية الأمريكية وجاب العالم بهذه الطريقة,وقد تعرف أكلة لحوم البشر المعروفين باسم (تايبي) أثناء عمله في جزر ماركيساس,وعنهم كتب رواية شهيرة جدا. فصدرت روايته تايبي في بريطانيا أولا,ونالت قسطا لا بأس به من النجاح,وهي رواية مفرطة الطول وفيها استطراد لا ينتهي.

 

ثم أصدر كتابه الثاني (أوموو 1847) عن تجاربه في جزر بولينيزيا,وعامة كان نجاح ملفيل في بريطانيا أكبر من نجاحه في وطنه.

 

عام 1847 تزوج وابتاع مزرعة في ماساتشوتستس أطلق عليها اسم رأس السهم ليكون جار الأديب الأمريكي العظيم ناثانييل هوثورن,وإلى حد ما يراهما دارسو الأدب الأمريكي ثنائيا متقارب الأفكار والميول.

 

وحين كتب ملفيل موبي ديك الرواية كانت تتحدث عن صيد الحيتان بالتفصيل وبشكل شبه مدرسي,لكن هوثورن العظيم أقنعه بأن يجعل منها ملحمة         رمزية عميقة,لا تختلف كثيرا عن الملاحم القديمة,وتحمس ملفيل للفكرة إلى حد أنه كان يقضي اليوم كله في الكتابة ويصرخ: “اعطوني فوهة بركان فيزوف لأستعملها كمحبرة!”. إن الرواية مليئة بالشعر والحوار المسرحي والأدب التسجيلي,ودائرة معارف كاملة عن الحيتان,ومقتطفات طويلة جدا من مذكرات بحارة سفن الصيد,إلى حد يجعلها عملا شديد الكثافة.

 

على كل حال خيبت الرواية أمل من أحبوا تايبي وأوموو,فهي بالغة الطول والتعقيد -وحتى الآن كل من قرأها بلغتها الأصلية يعرف معنى ما أقول- حينذاك لم يفهمها أحد سوى نقاد قليلين؛ فالقصة مليئة بالغموض الفلسفي والشكسبيري,وكابتن أهاب البطل هو خليط من ماكبث والشيطان .. والإسم نفسه هو اسم أحد ملوك بني إسرائيل في التوراة الذي ارتد عن دينه وراح يعبد الإله الوثني بعل,وقد غرق النقاد في تفسير المقصود بالقبطان؛هل هو رمز لجنون البحث عن الذهب؟ هل هو معادل بروميثيوس في الأساطير الإغريقية؟ هل هو نذير بدكتاتوريات القرن العشرين؟ هل يرمز لمحاولة تحدي الإنسان لقدره أو الطبيعة العاتية؟ أم هو -ببساطة- مجرد قبطان يطارد حوتا؟.

 

إن الفيلم الرائع الذي قدمه هوستون عن الرواية عام 1956 بلور غموض الرواية المقصود جيدا,وقد جعلنا نتساءل عمن الأكثر شرّا: القبطان أم الحوت؟.

 

إلا أن قصص ملفيل التالية لم تلق نجاحا,وبدأت حالته المادية والصحية تتدهور,ولم تتحسن أحواله المالية إلا حين وجد عملا كمفتش في الجمارك في نيويورك. وتوفى عام 1891 فلم يلحظ أحد وفاته. واليوم اختلف الأمر تماما وصار كل دارس للغة الإنجليزية في العالم يعرف جيدا قدر هذا الكاتب العظيم,ومزرعته رأس السهم صارت متحفا,بل إن عددا لا بأس به من النقاد يعتبرون رواية موبي ديك أعظم -وأصعب- رواية أمريكية على الإطلاق.

 

أهم أعمال ملفيل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

-تايبي 1846

-أومو 1847

-الرحلة الأولى لردبيرن 1849

-السترة البيضاء 1850

-موبي ديك 1851

-الكاتب العمومي بارتلبي 1853

-خزاف إسرائيل 1855

 

[31] آرثر كلارك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذا عددنا خمسة من رواد الرعب,خمسة من رواد الفانتازيا,خمسة من رواد الخيال العلمي فمنهم آرثر كلارك.

 

يقترن إسم آرثر كلارك بالخيال العلمي الحقيقي,الخيال العلمي الملتزم بقضايا البشرية في ضوء التطور العلمي.

 

وهو ما يختلف كثيرا عن أوبرات الفضاء وسيوف الليزر والآليين الثرثارين سليطي اللسان, والإمبراطورية الحانقة دوما,و(حدث في زمن بعيد بعيد .. في مجرة بعيدة بعيدة).

 

ذكرنا سابقا راي برادبوري ورائعته 451 فهرنهايت,وهاهنا واحد آخر من كبار المناضلين هو السير آرثر س. كلارك.

 

لقد كتب آرثر كلارك نحو ثمانين كتابا وخمسمائة مقال. ولد عام 1917 في سومرست,وفي العام 1936 انتقل إلى لندن. وتبدأ الحرب العالمية الثانية فيعمل فنيا للاتصالات بالسلاح الجوي البريطاني ويكتسب خبرة علمية جيدة في هذا العمل. عام 1947 يكتب أولى قصصه مقدمة إلى الفضاء,ثم في عام 1948 يلتحق بدورة لدراسة علم الفلك,ويكتب أهم مجموعاته القصصية الحارس. وبدأت شهرته تتحقق عندما قدم قصته نهاية الطفولة.

 

كان مولعا بالغوص إلى أعماق البحر,وقد اتجه عام 1956 ليعيش في سريلانكا -التي كانت سيلان وقتها- وكان يعتبرها بيته حتى وفاته سنة 2008. حيث كان يمارس هوايته هذه, ولكنه كان يغادرها كل عام ليلقي بعض محاضرات حول العالم وأمريكا على وجه الخصوص. أصابه الشلل عام 1962 مما اضطره إلى أن يودع البحر الحبيب بقصته جزيرة الدرافيل. استمر في الإنتاج الغزير حتى العام 1986 حين قرر الأطباء أنه مصاب بداء لو جيريش وقيل أنه سيعيش عاما ونصف على الأكثر .. هكذا راح يعمل كالمحموم لمدة عام حتى تبين أن التشخيص الأول خطأ.

 

عام 1986 نال لقب السيد العظيم من رابطة كتاب الخيال العلمي الأمريكيين. كما نال حشدا هائلا من الألقاب,وهو من الكتاب الذين كانت تثق بهم منظمة اليونسكو بشكل خاص,وكان عضو في الجمعية الفلكية الملكية.

 

تعد روايته الأشهر أوديسة الفضاء نموذجا للأدب الذي يترجمونه بـ (الأدب الملفق أو المنسوج). وهذا ليس ذما .. إن الـ Spin – Off Tale هي نوع أدبي شائع في الغرب,لقاءات لصيقة من النوع الثالث تعد نموذج آخر لهذه القصص. من المعتاد أن يكتب الكاتب القصة ثم يخرجها المخرج,لكن الحال هنا هو العكس. إن الفيلم الذي صنع عن قصة كلارك أوحى له بقصة جديدة.

 

لقد أعجب المخرج الكبير ستانلي كوبريك بقصة قصيرة لكلارك هي الحارس Sentinel, وجرت مجموعة من المشاورات أدت إلى أن يقضي كلارك الفترة من عام 1964 إلى 1968 منهمكا في تطوير سيناريو هذه القصة,ثم قدمها كوبريك في فيلم أثار ذهول العالم عام 1968 هو أوديسا الفضاء 2001. الفيلم الذي كان وما زال أهم وأعمق وأمتع وأدق فيلم خيال علمي في التاريخ على الإطلاق,والذي فاق حرب الكواكب في كل شيء حتى على المستوى التقني برغم أنه أنتج قبله بعشرة أعوام. بعد نجاح الفيلم الباهر أعاد كلارك كتابة القصة كما ظهرت في الفيلم ليخرج الرواية التي أخذ عليه النقاد أنه أفسد جو الغموض الثري المحيط بالفيلم,ليقدم تفسيرات جافة صارمة. أي أنه استبدل النثر العلمي المحدد بالشعر الجميل الملئ بالخيال.

 

كما في الفيلم تدور الفكرة المحورية لهذه القصة حول تقدم البشرية المذهل والسريع,لكنها برغم هذا لم تصل لأي مكان,كأنها طفل رضيع تائه في الفضاء الخارجي. هذه قصة ممتعة لكنها مقبضة خالية تماما من الأمل. ولقد صرنا الآن نألف حقيقة أن كتاب الخيال العلمي المعاصرين لا يملكون أي تفاؤل بصدد الغد,بعكس أسلافهم الذين اعتقدوا أن التقدم العلمي المطرد هو الطريق إلى سلام البشرية وسعادتها.

 

يعد آرثر كلارك واحد من من الأدباء العظام في أدب الخيال العلمي,واحد من الكتاب الجادين أمثال أزيموف وهاينلاين وزيلاني,الذي نعرضهم في الآتي على التوالي.

 

[32] إسحاق أزيموف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاسم ذو رنين روسي واضح,وهذا صحيح من ناحية المولد,لكن الرجل أمريكي الجنسية. ترى صورته بتلك السوالف العملاقة على جانبي الرأس فتشعر أنه واحد من علماء عصري التنوير والعقل. هذا هو إيزاك أزيموف اسم يحظى باحترام خاص في أدب الخيال العلمي وعالم البحث العلمي كذلك. ليست هذه المرة الأولى التي نقابل فيها عالما يهوي كتابة الخيال العلمي.

 

أزيموف كاتب خيال علمي يعتبر هو وهاينلاين وآرثر كلارك الزوايا الثلاث لمثلث أدب الخيال العلمي الراقي. هناك -طبعا- كتاب بالغو الأهمية خارج الولايات المتحدة,مثل الأسطورة البولندية ستانسلاف ليم.

 

يرى أزيموف أن أفضل طريقة لنطق اسمه بشكل صحيح هي أن تقرأ عبارة (Has Him Off) مع تجاهل حروف الـ H. وهذا بسبب أن أباه لم يكن يعرف الإنجليزية عندما دون اسمه,فجاء حرف Z خطأ. بل إنه كتب قصة قصيرة تحمل عنوان (انطق اسمي بحرف السين). كما ترى نحن نكرر الخطأ الشائع ذاته هنا.

 

ولد الرجل لأسرة يهودية في روسيا عام 1920. وفي العام 1923 هاجر أبواه إلى الولايات المتحدة,وأقاما عددا من متاجر الحلوى في حي بروكلين. وفي هذه المتاجر وجد أزيموف تلك المجلات السحرية التي تتحدث عن الخيال العلمي,فتحمس لهذا النوع من الأدب وكتب أول قصة له عام 1939.

 

نشبت الحرب العالمية الثانية فعمل باحثا كيميائيا أثناءها,وفي العام 1948 نال درجة الدكتوراه في الكيمياء الحيوية. ثم التحق بهيئة التدريس في جامعة بوسطون وتفرغ للكتابة عام 1958,لكنه نال درجة أستاذ عام 1979. وفي العام 1970 عاد إلى مانهاتن ليعاود الكتابة في مواضيع عدة,وقد توفى في نيويورك عام 1992 بسبب داء الإيدز الوبيل الذي أصابه أثناء عملية نقل دم عام 1983.

 

لا أحد يعرف بالضبط عدد الكتب التي كتبها الرجل,فقد فشلت كل محاولات تتبع كتاباته, لكنها بالتأكيد تربو على الخمسمائة. لقد كان يكتب ثماني ساعات متواصلة طيلة الأسبوع وبسرعة جهنمية,حتى اشتهر بلقب (الآلة الكاتبة البشرية).

 

نذكر من أشهر كتبه (أنا .. الروبوت) و(كهوف الصلب) و(دليل أزيموف إلى التوراة) و(قدوم الليل) و(ثلاثية التأسيس) و(رجل المائتي سنة) و(الحصاة في السماء) و(الآلهة أنفسهم),مع سيرة ذاتية نشرت بعد وفاته (لقد كانت حياة طيبة). رأى أزيموف فيلم (رحلة خيالية) في مرحلة المونتاج فكتب قصة بنفس الاسم .. لكن القصة ظهرت في الأسواق قبل عرض الفيلم بستة أشهر مما جعل الكثيرين يعتقدون أنه صاحب قصة الفيلم,والحقيقة أنه لم يحب الفيلم قط؛لأنه وجده هشا من ناحية المنطق العلمي.

 

قصة رجل المائتي سنة تحولت إلى فيلم شهير بطولة روبن ويليامز يحكي عن الروبوت الذي تم إعداده للأعمال المنزلية,ثم بدأ يحاول أن يصير بشريا ويحتاج هذا منه إلى مائتي عام. هذه من التيمات المحببة لدى أزيموف؛مشاعر الروبوت. ومن الغريب أنه -كما يقول النقاد- يجيد التعبير عن الروبوت أكثر مما يجيد التعامل مع البشر الذين يظهرهم مسطحين باردين كالثلج,ولعل هذا من عيوب أدبه المعروفة. والقصة من جديد تدور في فلك (بينوكيو) الذي يتوق إلى أن يصير طفلا من لحم ودم,وتذكرنا بقصة ذكاء صناعي لـ (برايان ألديس) التي تحولت بدورها لفيلم شهير من إخراج سبيلبرج.

 

لسوف نلاحظ أن أزيموف في أكثر أعماله يمقت فكرة الروبوت المؤذي التي استهلكها كتاب الخيال العلمي,وقد وضع قوانين الروبوتيات الشهيرة جدا,واستخدمها في أكثر من قصة.

 

كان غريب الأطوار كأكثر العباقرة,فقد كان يخاف الطيران؛لذا لم يسافر إلا أقل القليل,وكان يخاف الحقن بشدة (من المؤسف أن نهايته جاءت بسبب نقل الدم فعلا),كما فشل تماما في السباحة وركوب الدراجات,ولم يكن يؤمن بالديانة اليهودية لكنه كان معتزا بأصله اليهودي على سبيل الانتماء لا أكثر. كانت علاقته بـ آرثر كلارك حميمة,حيث أصر كل من الرجلين على أن الآخر هو أفضل كاتب خيال علمي في الكون,بينما احتفظ بنفسه بلقب ثاني أفضل كاتب! (هذا تواضع العظماء).

 

من قصصه القصيرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-عفريت طوله سنتيمتران

2-إحساس بالقوة

3-المتعة التي فازوا بها

4-رجل المائتي عام

5-هبوط الليل

6-المنطق

 

 

 

[33] روبرت هاينلاين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

روبرت هاينلاين كاتب خيال علمي أمريكي ولد في ميسوري عام 1907,وتوفى عام 1988. يعتبر هو وأزيموف وآرثر كلارك الزوايا الثلاث لمثلث أدب الخيال العلمي الراقي. وقد فاز بجائزة هوجو التي تقدم لأفضل قصص العام عن قصصه نجم مزدوج 1956 ودورية النجوم 1960 وغريب في أرض غريبة 1962 والقمر عشيقة فظة / قاسية 1967.

 

نشرت أول قصة له خط الحياة عام 1939,وكان أجره عنها سبعين دولارا. ومن يومها كتب بغزارة اضطرته إلى اختلاق عدد من الأسماء المستعارة؛لأن المجلات ما كانت لتقبل نشر قصتين للمؤلف نفسه في العدد ذاته.

 

كانت كتاباته تمتاز بالخصائص الثلاث الأساسية لأدب الخيال العلمي: حبكات مصممة جيدا – وشخصيات حية – وجدل علمي جيد. وكان يتمتع بدقة علمية كبيرة,مما مكنه من مزج العلم بالخيال بجرعات مختلفة.

 

من أهم إضافاته لأدب الخيال العلمي؛إدخال علوم لم تناقش من قبل,مثل؛الإدارة,والسياسة, والاقتصاد,واللغويات,والوراثة,وما وراء علم النفس. وهكذا صارت أعماله بذرة الموجة الجديدة في أدب الخيال العلمي. وتعتمد قصصه كلها على الحوار (مقاطع طويلة جدا منه) أكثر من السرد,فتتكلم شخصياته كبشر لا كشخصيات خيالية.

 

كان نجاحه ساحقا منذ البداية ومنذ نشر قصته الأولى,وقد دوّن أفكاره في خطة تدعى تاريخ المستقبل. وجاهد كي يجعل المستقبل ذا مصداقية كالحاضر.

 

من الناحية الصحية كان معتل الصحة,يتمتع بقائمة أمراض,منها الدرن الذي أدى لإعفائه من البحرية. عمل في أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية في تصميم بذلات تتحمل الضغط العالي. وكانت زوجته الثانية مكسبا حقيقيا له؛لأنها كانت ملازما في البحرية,تتكلم سبع لغات,وخبيرة بالكيمياء الحيوية.

 

بين العامين 1948 و1962 كتب قصص خيال علمي للشباب,لا تختلف عن كتاباته للبالغين إلا في نقطة استبعاد أية تلميحات جنسية,وجعله الأبطال مراهقين دائما. وكانت لهجة المعلم عالية في تلك الكتيبات,لكن من دون أن يفسد القصة ذاتها. في الوقت ذاته قدم هاينلاين عناوين مهمة مثل سادة الدمى 1951 والباب المفضي إلى الصيف 1957 والنجم المزدوج 1956.

 

تحولت قصته تلميذ الفضاء 1948 إلى مسلسل تلفزيوني,ومن قصته الصاروخ جاليليو 1947 خرج الفيلم الشهير الهدف القمر 1950 الذي اعترف علماء كثيرون في ناسا بأنه جعلهم يختارون هذه المهنة,ولهذا كرّمته ناسا. هناك عديد من الأفلام السينمائية جاءت من كتبه,أقربها لنا هو (الكوكب الأحمر) الذي عرض في مصر.

 

في عام 1949 وعلى سبيل الدعابة,اقترح قراء مجلة خيال علمي شهيرة أسماء لقصص تنشرها المجلة,واتصل رئيس التحرير به طالبا أن يكتب قصة خيال العلمي -وبصرف النظر عن موضوعها- يكون اسمها الخليج .. هكذا جلس مع زوجته يفكران في الأحداث بالأسلوب المعروف بـ عاصفة الدماغ. هنا فكرت زوجته في تقديم نسخة خيال علمي من شخصية موجلي,بطل كتاب الأدغال. الطفل البشري الذي ربته الحيوانات .. ماذا عن بشري ربته كائنات فضائية؟ تجاهل الكاتب الفكرة وقتها وكتب عن شيء مختلف تماما,وإن ظلت الفكرة في مفكرته عدة أعوام. هكذا ولدت قصة غريب في أرض غريبة عام 1962. ولسوف تكون هذه القصة أهم قصصه وأفضلها,لقد ناقش فيها كل شيء عن العالم الغربي,ويعتقد كثيرون أنها نتاج طبيعي لاضطراب المجتمع الغربي في الستينات,لكن الغريب أن الهيبي وجدوا قدوتهم في هذه القصة,وعاملوها كأنها كتاب ديني.

 

وهي تنقسم إلى جزءين,والفارق بين الجزأين كبير بحسب إجماع النقاد,وتفسره حقيقة أن عشر سنوات تفصل بين كتابتهما.

 

ينتهي الجزء الأول بالبلوغ ومغادرة الطفل الساذج مايكل لبيت أبيه الروحي جوبال,بينما يحكي الجزء الثاني عن مواجهة مايكل البالغ للعالم الخارجي,وتكوينه نوعا من الفلسفة / العقيدة التي تتحدى المجتمع الأمريكي بكل عاداته وتقاليده,التي يراها رجل المريخ البرئ مزيفة أو -على الأقل- غير مبررة. وهذا الجزء أكثر جرأة من الناحية الفلسفية والثيولوجية والحسية مما يجعلها رواية قد تنتهك الطابع الأسري المحبب للقارئ العربي المتحفظ. أي أن هذه الرواية تعد حالة خاصة جدا بالنسبة لقارئ العربية.

 

يقال عن هذه القصة: إنها دستور الثقافة المضادة,وإنه من الصعب أن يعيش المرء في العالم الغربي دون أن يتشرب منها شيئا حتى لو لم يكن قد قرأها قط؛لأن الهواء نفسه يفوح بها.

 

وقد أضافت القصة مصطلحات جديدة للغة الإنجليزية منها Grok,وهي لفظة مريخية أصلا بمعنى (الفهم الشامل,والاستيعاب الذي يصل إلى حد التشرب,وربما التهام الشيء الذي تريد فهمه) حتى أن الغربيين قد يقولون أثناء الحوار العادي:

 

-Grok it

 

بل إن هناك كنائس أقيمت باسم (كنيسة كل العوالم) نتيجة لصدور هذه الرواية. على أن هاينلاين نفسه ينفي أن تحوي قصته أية إجابات تقدم للعقول الكسولة,إنما هي مليئة بالأسئلة التي تدعونا إلى أن نفكر.

 

بقى أن نعلم أن هذه القصة هي الأعلى مبيعا في تاريخ أدب الخيال العلمي.

 

ابتكر هاينلاين كذلك مفهوم العالم كأسطورة الذي يتصور أن كل كون هو فكرة في خيال مؤلف في كون آخر. وفي قصته رقم الوحش 1980 جعل أبطال قصصه المختلفة يلتقون,بل يقابلون أبطال قصص لمؤلفين آخرين,كما ناقش هذه الفكرة في كتاب القطة التي تعبر الجدران 1985.

 

كان هاينلاين أول كاتب خيال علمي عاش بالكامل من قلمه,وأول كاتب خيال علمي وضع هذا النوع من الأدب في قوائم أعلى المبيعات.

 

[34] روجر زيلاني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

روجر زيلاني وجه آخر شهير من كتاب الخيال العلمي,وهو مكمل للثلاثية الراقية من أدب الخيال العلمي,وهدفنا من تسليط الضوء على هذه الأعلام أن ندرك أن الخيال العلمي ليس كله سيوف ليزر وإمبراطوريات شريرة وربوتات ثرثارة .. إنه نوع راق جدا من الأدب يمكن أن يقدم لنا مجالا خصبا للتفكير.

 

ولد زيلاني في أوهايو بالولايات المتحدة عام 1937,لأب من أصل بولندي,وقد قدم علامات مهمة في أدب الخيال العلمي حتى أن اسمه يميز حقبتي الستينات والسبعينات,واعتبر رائد الموجة الجديدة في هذا النوع من الأدب. نشرت أول قصة له عام 1962 ومنذ ذلك الحين نشر أكثر من 50 كتابا و150 قصة قصيرة.

 

من أشهر أعماله سيد الضياء 1967 وهذا الخالد 1966 ومخلوقات الضوء والظلام 1969 واليوم نختار الوجوه وأبواب في الرمال ويوميات أمبر وهي مجموعات قصص قصيرة متصلة يعتبرونها أوبرا صابون ميتافيزيقية فلسفية. تعني أن أحداثها لا تكف عن التوالد وشخصياتها لا تكف عن الصراع,كما تمد يدك في رغوة الصابون كلما ماتت لتحدث المزيد من الفقاقيع.

 

اشتهر باهتماماته بنفسية شخصياته بالإضافة للعناية الشديدة بالمحتوى الأدبي والفكري. وأسلوبه يعبر الحد الفاصل بين الخيال العلمي والفانتازيا,ولهذا تعتمد قصص كثيرة له على الأساطير أو الديانات القديمة.

 

إن قصته سيد الضياء تعتمد على الأساطير الهندية,وفي مخلوقات الضوء والظلام يعتمد كثيرا على المعتقدات الدينية الفرعونية. بينما عين القط تعتمد على ديانة هنود النافاهو.

 

هناك ثلاثة أشياء مشتركة في كتبه لاحظها قراؤه المتحمسون: البطل المزعزع الذي يفشل كثيرا .. المنحنيات الغير متوقعة .. الاستعمال المفرط للغنائية والتوريات الأدبية. هناك دائما أب مفقود يتكرر في كل قصصه.

 

كان زيلاني من المولعين بالتجريب في قصصه,مثلا هو يلجأ كثيرا لأسلوب فلاش فورورد في قصته (أبواب في الرمال) حيث يبدأ كل فصل بمشهد خطير لا نعرف متى حدث,ثم يعود لتذكر الأحداث التي قادت له. في قصته (علامات الطريق) يتحدث عن طريق سريع يربط كل الأزمنة والعوالم,وكل فصل يحمل رقم (واحد) يدل على الراوي نفسه,بينما الفصول التي تحمل رقم اثنان تدل على الشخصيات الثانوية. أحيانا يكتب قصة قصيرة تعتبر خلفية لإحدى شخصيات رواية سابقة له,إن قصصه أشبه بقاعة المرايا.

 

نال جوائز كثيرة منها ست من جوائز هوجو المخصصة لأدب الخيال العلمي,وكان يؤمن أن “كتاب الخيال العلمي يتعاملون مع الناس والأشياء طبقا لتتابع الأحداث الممكنة .. في القرون الوسطى كانوا سيعتبروننا فلاسفة دينيين,وعلى الأرجح كانوا سيحرقون أكثرنا باعتبارهم مهرطقين!”

 

كان حظ زيلاني سيئا مع السينما فلم تقدم له إلا قصته زقاق اللعنة ولعل هذا يعود إلى تعقيد عالمه وامتلاءه بالتوريات الأدبية.

 

توفى عام 1995 بسبب مرض السرطان,لكن الأدب الغربي سيظل يذكر أعماله,ولسوف يذكرها القراء العرب بعد قراءة المترجم من أعماله.

 

[35] جورج أورويل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولد جورج أورويل George Orwell -أو أريك آرثر بلير- عام 1903 في البنغال بالهند,لأن أباه كان موظفا في الحكومة البريطانية هناك,وبعد ولادته بعام انتقلت الأم إلى إنجلترا. وقد بدأ الكتابة في سن مبكرة,وإن لم يشعر بميل كثير نحو حياة المدرسة.

 

عام 1922 سافر أورويل إلى بورما ليعمل في إدارة الشرطة,وهناك بدأ يفهم أن الاستعمار البريطاني عمل قبيح فاستقال من العمل,وعاد إلى أوروبا فقيرا حيث قرر أن يكسب عيشه من الكتابة وأطلق على نفسه اسم جورج أورويل ونشر كتابه الكبير أيام في بورما 1934.

 

مال إلى الاتجاه الاشتراكي وسافر لأسبانيا ليكتب عن حربها الأهلية,ويقاتل مع العمال الماركسيين. وقد نال من جراء هذا جرحا في عنقه .. وقد تعلم من هذه الحرب أن يكره الشيوعية ويفضل الاشتراكية بمفهومها الإنجليزي,وقد كتب عن هذه الفترة (تحية لكاتالونيا) 1938,ولسوف نجد نفس المقت للنظم القمعية -الشيوعية بالذات- في قصصه التالية.

 

في الحرب العالمية الثانية عمل مراسلا لمحطة بي بي سي,وفي نهاية الحرب كتب رائعته مزرعة الحيوانات. كانت هذه القصة فاتحة الخير له,وكان نجاحه الساحق الآخر هو 1984, لكنه لم يعش ليرى هذا النجاح الساحق,وفي العام 1949 توفى بالدرن.

 

مزرعة الحيوانات رواية مجدودة الحظ,فائقة الشهرة,بالنسبة لكل دارسي اللغة الإنجليزية في العالم,برغم صغر حجمها الذي يقترب نوعا من حجم الكتيب.

 

من قرءوا القصة يعرفون جيدا أنها رواية سياسية جريئة,تم وضعها في قالب رمزي ساخر أقرب إلى قصص الأطفال,يناقش ما يمكن أن يحدث في مزرعة ثارت الحيوانات فيها واستولت عليها. على اعتبار أن خيرات الحيوانات للحيوانات,وتسود شعارات جميلة مثل (كل الحيوانات متساوية) و(قدمان سيئ .. أربع أقدام جيد). ويرينا أورويل الأنماط الثلاثة التي تولد في الثورات: المنتمي واللامنتمي والمتسلل .. والتي عرفناها مرارا من العظيم نجيب محفوظ في قصصه .. إن الخنازير تتسلل إلى السلطة بذكائها الحاد,وتدريجيا تنجح في الاستيلاء على خيرات المزرعة,بينما هي لا تكف بالأرقام عن إقناع باقي الحيوانات الساذجة بأن الأمور تتحسن,وأن عليها أن تعمل أكثر. ولا ندري متى ولا كيف تعلمت الخنازير المشي على قدمين,ولا متى تغير الشعار إلى (كل الحيوانات متساوية,لكن بعضها متساو أكثر)!.

 

قدمت دار أخبار اليوم قصة مزرعة الحيوانات من ترجمة الأستاذ عبد الحميد الكاتب,في كتاب أخبار اليوم رقم 145,مع مقدمة طويلة ممتازة عن الكاتب وفكره.

 

1984 هي رواية شهيرة جدا,وقد تركت علامة دائمة في الأدب والسياسة العالميين. إنها صرخة ضد القمع والحكم الشمولي,وهي مليئة بالنبوءات التي توشك أن تتحقق حرفيا (نعم كانت نبوءات وقت كتابتها لأن العام 1984 كان بعد أربعين سنة),ولسوف نشم رائحتها القوية في أعمال تالية نذكر منها (451 / راي برادبوري) و(الرجل الراكض / ستيفن كينج) و(البرتقالة الميكانيكية / آرثر بيرجس) و(عالم جديد رائع / ألدوس هكسلي) وربما فيلم النائم لـ وودي آلين.

 

لا أجد تعليقا على هذه القصة -التي انتقلت إلى عالم الشبكات الإجتماعية في الإنترنت اليوم- أفضل مما كتبه الدكتور جلال أمين في كتابه العرب ونكبة الكويت الصادر عن مكتبة مدبولي عام 1991:-

 

“شاهدت قناة CNN الأمريكية فوجدت فيها ما يجسم ما أكرهه في وسائل الإعلام الحديثة: الكفاءة منقطعة النظير في الكذب,والإلحاح المستمر على الناس لحملهم على تصديق ما لا يجب أن يصدق,والبرود وتضخيم أتفه الأخبار كأنها بالغة الأهمية,وتجاهل الأخبار المهمة فعلا,ووجوه المذيعين تؤكد شعوري بأنني لست أمام كائنات بشرية بل هي وجوه من شمع تتحرك شفاهها طبقا لنظام مبرمج سلفا,ويستهدف لا الإعلام بل غسيل المخ أو بالأحرى تلويثه.

 

لكن هذا أكد لي أن ما توقعه جورج أورويل قد تحقق بالفعل. إنه حكى في قصته 1984 عن أشياء مماثلة مما كان يقوم به البطل الذي كان يعمل في وزارة الحقيقة (ما يعادل وزارة الإعلام) فقد كان عمله إبدال صورة بأخرى أو إسم بإسم .. بل إن أورويل ذهب أبعد من ذلك فافترض وجود لغة جديدة,تتعرض فيها بعض الكلمات لتغيير أساسي في معناها بحيث تقبل المتناقضات كأنها ممكنة. تذكرت هذا حين سمعت تلك العبارة الرائعة نيران صديقة Friendly fire تمييزا عن حالة الموت على يد عدو.

 

قال أورويل أيضا إن من ملامح اللغة الجديدة الاختصار الشديد في كتابة كثير من الكلمات, حين يراد إخفاء حقيقة لتجنب المشاعر التي يثيرها ذكر الكلمات كاملة,في أمريكا اليوم تستخدم اختصارات KIA وWIA وMIA للدلالة على (مقتول أثناء العمليات) و(مجروح أثناء العمليات) و(مفقود أثناء العمليات) بالترتيب. كما يستخدم مصطلح To للإشارة إلى مسرح العمليات كأننا بصدد مسرحية للتسلية.

 

لقد تعذب صفوة الناس الذين يملكون القدرة على مشاهدة CNN وفهم لغتها الإنجليزية,بينما لم يشعر البسطاء بشيء,وهو يماثل نبوءة أورويل حين قال: “إن عامة الناس (البروليتاريا) هم وحدهم الذين يحتفظون بقواهم العقلية بسبب عجزهم عن الفهم. لقد بلعوا كل شيء ولم يلحقهم الضرر من ذلك .. لأن ما دخل أمعدتهم خرج منها دون أن يترك أثرا,وكأنه حبة ذرة تمر بجسد عصفور وتغادره دون أن تهضمه.”

 

[36] موريس لبلان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من هو عكس المخبر البريطاني الراقي شيرلوك هولمز؟ طبعا هو اللص الفرنسي الراقي أرسين لوبين! يبدو أن لوبين وُلد على سبيل التحدي الفرنسي للثقافة البريطانية السائدة؛ فاللص العبقري قادر على أن يحير المخبر العبقري,وأن يفتن القراء بنفس القدر تقريبا .. وفي عدة قصص التقى الاثنان ضد بعضهما فعلا.

 

الأب الشرعي للوبين هو الأديب الفرنسي موريس لبلان الذي ولد عام 1864 وتوفى عام 1941.

 

كان لبلان ابن مالك سفن ثري,ولد في روين بـ نورماندي وتلقى تعليما في فرنسا وألمانيا وإيطاليا .. يبدو أن دراسة القانون في العالم الغربي صعبة أو مملة لأن عددا كبيرا من الأدباء تخلوا عن دراسة القانون ليحترفوا الأدب .. هذا ما فعله كاتبنا عندما ترك الدراسة ليحرر صفحات الحوادث في بعض الصحف الباريسية,ويكتب قصصا أولها رواية امرأة 1887 التي كانت دراسة نفسية لم تحقق نجاحا يُذكر. كان متأثرا بغول أدبي فرنسي هو جوستاف فلوبير,لكن هذا الأخير ببساطة لم يكن من الممكن تقليده.

 

ثم ولدت شخصية أرسين لوبين -الذي لا أعرف حتى اليوم لماذا لا ينطق لوبان كما يفهم من قواعد النطق الفرنسية- في رواية اعتقال أرسين لوبين 1905.

 

في مصدر آخر قرأت أن الرواية الأولى هي أرسين لوبين – اللص الجنتلمان 1907. ومنذ ذلك الحين كتب الكاتب ستين عنوانا منها 21 رواية بطلها لوبين,وحقق شهرته للمرة الأولى.

 

لوبين اللص المهذب الراقي شديد الذكاء والظرف,قد سيطر على كتابات لبلان خمسة وعشرين عاما. إنه خبير تنكر وجرائمه ليست ذات طابع أناني,بل هو أقرب لروبين هود في نواح عدة. عدواه الدائمان هما المفتشان جورشار وجانيمار. ويقال إن لوبين مستوحى من شخصية الفوضوي الفرنسي ماريو جاكوب الذي حوكم عام 1905. كما قيل إن لها جذورا في شخصية الجنتلمان اللص الذي قدمه ميرابو في مسرحية (21 يوما من حياة نوراستاني). إن هذا النوع من القصص التي تعج باللصوص الظرفاء -النبلاء في الحقيقة- كان يصنف في الأدب قديما تحت اسم البيكارسك (الرواية الاحتيالية) وهو فن ذو أصل إسباني يمت بالقرابة لعالم قصص الشطار في الأدب العربي (علاقة أندلسية في تاريخ الرواية العربية).

 

على أن هناك أدلة تقول أن لبلان لم يكن فخورا بـ لوبين. كان يصبو إلى تقديم ما يعتبره (أدبا حقيقيا) وقد شعر بأنه يقدم لوبين لأنه فشل في الأدب الصرف,كما كان يصبو إلى تقديم شخصية ناجحة أخرى,لكنه لم يستطع. هذه هي تقريبا ذات عقدة كونان دويل مع شيرلوك هولمز.

 

من أفضل قصص لبلان قصة (813) 1910 التي يُتهم فيها لوبين بالقتل,لكنه يقود الشرطة لمعرفة القاتل الحقيقي.

 

على أن لبلان قدم عملين مهمين من الخيال العلمي هما العيون الثلاث 1919 والحادث الرهيب 1920 حيث يؤدي زلزال إلى تكوين أرض بين فرنسا وإنجلترا.

 

لقد قدمت قصص أرسين لوبين في عشرات الأعمال السينمائية والتلفزيونية,وفي اليابان ألهمت الفنانين بتقديم مغامرات حفيدة لوبين. وفي مصر عرف الكثيرون هذا اللص الظريف الذي حظى بشعبية قد تفوق شعبية هولمز,لكن هناك الكثير من الخلط والتلفيق في ترجمة قصصه إلى العربية,وقد لاحظ الأديب الراحل صلاح طنطاوي أن هناك قصصا كثيرة للقديس و روكامبول تتم ترجمتها مع استبدال لوبين باسم البطل الأصلي؛لهذا تقابل لوبين في عصره الأصلي (عصر الماركيزات والمبارزات ونبلاء فرنسا),وقد تقابله في عصر منظمات الجاسوسية والميكروفيلم والغواصات والطائرات. النوع الأول فقط هو الأصلي والباقي مزيف.

 

[37] إيرل دير بيغرز

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هناك سلسلة من القصص البوليسية المسلية,تدور حول مغامرات مخبر صيني أمريكي اسمه تشارلي شان,وهذه السلسلة يعرفها الغربيون والصينيون جيدا,ويعرفون مؤلفها إيرل دير بيجارز.

 

المؤلف أمريكي ولد في أوهايو عام 1884,وتخرج في جامعة هارفارد عام 1907,حيث لم يكن يهتم بالأعمال الكلاسية ويفضل الكتاب المسليين من طراز رديارد كيبلنج. ثم صار صحفيا يكتب نقدا أسبوعيا للكتب,ثم بدأ يكتب عمودا يوميا ساخرا. وكتب مجموعة كبيرة من القصص الممتعة التي سهل أن تتحول لمسلسلات تلفزيونية وأفلام سينمائية.

 

كتب لنا سبعة مفاتيح لبالدبيت عام 1913,والنص مناسب جدا للمسرح,لذا تحولت إلى مسرحية ساحقة النجاح في برودواي. هناك فيلم رعب شهير اسمه بيت الظلال الطويلة 1983 يستخدم نفس الحبكة تقريبا,ويمتاز بأنه فيلم الرعب الذي ضم أهم أربعة أسماء في تاريخ الرعب كرستوفر لي وبيتر كوشنج وفنسنت برايس وجون كارادان في اللقاء الوحيد لهم. بالدبيت هو اسم الحانة التي تدور فيها أحداث القصة في يومين ونصف تقريبا.

 

بعد هذه الرواية قدم سلسلة تشارلي شان الناجحة. والتي بلغ نجاحها الصين وقدمتها السينما الصينية مرارا. هناك ممثل سويدي تخصص في دور المفتش الأمريكي الصيني. إنها تغير صورة الصيني الشرير التي حفظها المشاهد الغربي مع شخصية فومانشو Fu Manchu.

 

عاش بيجرز في كاليفورنيا وتوفى بنوبة قلبية عام 1933.

 

[38] جيمس هيلتون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعتقد كل أمريكي أن أبحاث القنبلة الهيدروجينية كانت تتم في شانجري – لا. لا أحد يعرف أين هي,لكن الصحف تناقلت الخبر وقتها بغباء منقطع النظير. القصة هي أن الصحفيين سألوا الرئيس الأمريكي روزفلت عن مكان الأبحاث,وفي رواية أخرى سألوه عن مصدر انطلاق طائرات أمريكية قصفت طوكيو,فارتبك وقال أول اسم خطر بباله شانجري – لا. الحقيقة أن هذا مكان تخيلي ورد في رواية الأفق المفقود للأديب البريطاني جيمس هيلتون, لكن الصحافة راحت تكتب عن مخاطر التجارب النووية على سكان شانجري – لا البؤساء.

 

فيما بعد أطلق الرئيس روزفلت اسم شانجري – لا على محل إقامته في ميري لاند,وهو المكان الذي غير أيزنهاور اسمه إلى كامب ديفيد! القارئ يعرف هذا الإسم الأخير طبعا.

 

كان هناك فيلم شهير جدا من بطولة بيتر أوتول اسمه وداعا مستر تشبس,وفيما بعد اتضح أنه عنوان رواية مهمة لنفس الكاتب؛جيمس هيلتون.

 

ولد هلتون عام 1900 في بريطانيا,وتخرج في كامبريدج.

 

كانت أول قصة له هي (كاترين نفسها) 1920,ثم جاءت القصة التي عرفه الجميع بها الأفق المفقود 1933 ثم وداعا مستر تشبس 1934 والحصاد العشوائي 1941.

 

كتب الأفق المفقود بعد ما قرأ بضع مقالات عن التبت في ناشونال جيوجرافيكس. وقرأ عن رحالة بريطانيين اختفوا في الشرق الأقصى,قيل إنهم يعيشون في معابد بوذية مجهولة بالتبت,يمارسون ديانة الزن. كان على هذا الكتاب أن ينتظر,فلم يعرف النجاح إلا بعد نجاح وداعا مستر تشبس,وهو أول وأنجح كتب الجيب توزيعا في التاريخ. لقد صار بوسع الرجل العادي أن يشتري الكتب الغالية وأن يضعها في جيبه ويطالعها في المترو.

 

استلهم هلتون أباه في نموذج المستر تشيبس. وقد كان أبوه مدير مدرسة دينية في والتماستو. القصة على كل حال تفوح برائحة المدارس البريطانية العريقة الصارمة مثل كامبريدج وسواها,وهو تقريبا الجو الذي عرفناه من هاري بوتر. وقد حقق الكتاب أعلى مبيعات لدى صدوره.

 

عامة يمكن أن نلخص أهم كتب هيلتون

 

1-كاترين نفسها 1920

2-ممر العاصفة 1922

3-مروج في ضوء القمر 1926

4-اللهب الفضي 1928

5-فارس بلا درع 1933

6-الأفق المفقود 1933

7-وداعا مستر تشيبس 1934

8-قصة دكتور واسيل 1944

9-مرة ومرة أخرى 1953

 

قصة دكتور واسيل واقعية تحكي عن معاناة البريطانيين في الملايو عندما دخلها اليابانيون, وقد تحولت إلى فيلم لسيسيل دي ميل.

 

عام 1954 توفى هيلتون في كاليفورنيا مصابا بسرطان الكبد.

 

 

[39] ماري كوريللي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حظت قصة أحزان الشيطان بشهرة كبيرة وكانت لها شعبية عظيمة في مصر في النصف الأول من القرن العشرين,وقد ترجمت من قبل سيد المترجمين عمر عبد العزيز أمين صاحب روايات الجيب. هذا سبب كاف لقراءتها. المشكلة أن هذه الترجمة اختفت تقريبا,وأن معظم الشباب لم يسمعوا عن هذه القصة أصلا برغم أهميتها,ولا وجود للترجمة على شبكة الإنترنت (برغم أن بعضهم وضعها منذ فترة ثم رفعت). وهو ما دعا بأحمد خالد توفيق لأن يعيد ترجمتها ضمن سلسلة روايات عالمية للجيب.

 

ماري كوريللي كاتبة أسكتلندية ابنة شاعر شهير,وقد ذهبت لتقيم في لندن عام 1882. وصارت عازفة بيانو اشتهرت باسم ماري كوريللي,لم يكن هذا اسمها الأصلي. ثم اتجهت إلى الأدب.

 

كان أدبها ينتمي للمدرسة الرومانسية,وكانت الملكة فكتوريا شخصيا تعشق قصصها,وكذلك ونستون تشرتشل. لكن أغلب النقاد لم يحبوا كتابتها واعتبروها شعبية أكثر من اللازم. ورأى بعض النقاد أنها كاتبة متوسطة المستوى تعتبر نفسها عبقرية,والعامة تقبلوا فكرة أنها عبقرية.

 

كانت أول رواية لها هي قصة عالمين 1886,لكن نجاحها تحقق مع رواية ثيلما 1887 ثم أحزان الشيطان 1895. وفي الرواية الأخيرة تكرس فكرة فاوستية حزينة سادت في الأدب بعد ذلك؛هي أن الشيطان يؤمن بالله جدا -أكثر منا بكثير- لكنه صار خارج فرصة الخلاص. لم يعد بوسعه غير أن يظل فاسدا مفسدا للأبد. إحدى بطلات القصة أديبة ذات نجاح جماهيري لكنها لا تعجب النقاد,وتبالغ الرواية في تصويرها كملاك ومثال النقاء الذي يختلف كلية عن الوسط الفاسد حوله,لدرجة أننا نكتشف أنها كانت ملاكا (حرفيا وليس مجازا!). يسهل تخمين أن ماري كوريللي هي ذات الشخصية,لاحظ أن اسم الشخصية مافيس كلير. أي أنه يبدأ بحرفي الميم والكاف.

 

انتقلت كوريللي لتعيش في ستراتفورد أون آفون موطن شكسبير,وكانت شهيرة جدا هناك, وتعيش حياة استعراضية مترفة تذكرنا بحياة أوسكار وايلد. مثلا يذكر الناس أنها كانت تتنقل يوميا بجندول في نهر آفون بينما النوتي يغني أغاني إيطالية لها. لقد أعادت إلى الأذهان حقبة الكاتب النجم. لكن يمكن القول أن شهرتها دامت حتى الحرب العالمية الأولى,ثم بعد هذا صارت منسية تماما.

 

أشهر ما كتبت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-باراباس 1889

2-صبي 1900

3-جماعات مقدسة 1908

4-حياة أبدية 1911

5-قصة عالمين 1886

6-القوة الخفية 1921

7-فنديتا 1886

8-زيكسا 1896

 

توفيت ماري كوريللي عام 1924.

 

[40] سومرست موم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويليام سومرست موم,روائي بريطاني فائق الشهرة له عدد كبير من الروايات الممتعة,ويدور حوله جدل دائم في أروقة المهتمين بالأدب,فالبعض يعتبره عبقريا ومنهم كتاب كبار مثل أنطوني بيرجس وجورج أورويل,والبعض يعتبره كاتبا مسليا لا أكثر يناسب ذوق العامة. عن نفسي أنا أميل للرأي الأول,وكذا يعتبره أحمد خالد توفيق,لكن عيب الرجل -أو مزيته الأساسية- حرصه البالغ على أن تكون كتاباته مسلية,وهو خطأ لا يغتفر عند بعض النقاد حيث التسلية مرادف للسطحية.

 

ولد الرجل في فرنسا عام 1874. لا تنس أنه بريطاني طبعا,وتوفى هناك عام 1965. كان أبوه محاميا في السفارة البريطانية في باريس,وقد ولد موم في السفارة نفسها باعتبارها أرضا بريطانية. عندما توفيت أمه ثم أبوه أرسل موم إلى إنجلترا ليربيه عمه القس الذي لم يحبه قط وعلمه معنى القسوة. هنا أصيب باللعثمة التي لم يشف منها طيلة حياته,وهذا قضى على المستقبل الذي توقعوه له كواعظ. أرسله عمه في رحلة دراسة إلى ألمانيا حيث تعلم الفلسفة واللغة الألمانية. درس الطب وتخرج عام 1897 في مدرسة سانت توماس الطبية إلا أنه سرعان ما ترك الطب بعد نجاح محاولاته الأدبية الأولى,وقال إنه ارتمى في حضن الأدب كأنه بطة ترتمي في الماء. لقد أفاده الطب في فهم الكثير عن الإنسان,ورآه عاريا من الثياب والادعاء والمناصب الاجتماعية في لحظات الألم والاحتضار والأمل,لكن مهمته انتهت عند هذا الحد.

 

القصة المبكرة له والتي صنعت شهرته هي ليزا من لامبيث,وهي قصة تنتمي لأدب الواقعية الإجتماعية عن الانحلال الأخلاقي في الطبقة العاملة,وقد استلهم أحداثها من عمله كطبيب في الأحياء الفقيرة. ولمدة عشر سنوات لم تحظ قصه له بذات النجاح قط. لكن في العام 1907 نجحت مسرحية له هي ليدي فردريك,من ثم صارت أربع مسرحيات له تعرض في لندن في الوقت ذاته.

 

تطوع في جيش بلده بريطانيا في الحرب العالمية الأولى,وقد منحته هذه التجربة خبرات كبيرة. تلك هي الفترة التي كتب فيها قصته الشهيرة (عن عبودية الإنسان 1915) وهو في الخنادق قرب دنكرك. يعتبرها النقاد أهم وأفضل قصه له,وهي سيرة ذاتية دقيقة عن حياة موم برغم أنه ظل ينكر هذا دوما .. على أنه كتب فيما بعد: “الحقيقة والخيال يختلطان في أعمالي,لدرجة إنني بعد كل هذه الأعوام صرت عاجزا عن تمييز ما هو وليد خيالي وما حدث فعلا”,وقد تحولت إلى فيلم رائع أخرجه جون كرومويل عام 1934 وقامت ببطولته بيتي ديفيز في دور ملدريد,وهو دور يسيل له لعاب أية ممثلة بارعة.

 

على أنه بعد هذا تطوع ليكون جاسوسا وسافر إلى سويسرا ليعيش هناك بصفته كاتبا لكنه كان في الحقيقة يمارس كل طقوس الجاسوسية,وقد خلد هذه التجربة في أعماله عن طريق شخصية الجاسوس البريطاني الأنيق الغامض أشندن,وهو الخيط الذي سرقه إيان فلمنج بشكل سطحي في شخصية جيمس بوند.

 

سافر للمحيط الهادي بعد الحرب ليعد لروايته القمر وستة بنسات وهي الرواية الخالدة التي ترجمت عن دار الهلال,وتحكي قصة حياة الفنان جوجان. من هنا بدأت شهرة موم ككاتب كثير الترحال يمثل آخر أيام الإمبراطورية الإنجليزية.

 

لم ينل موم رضا النقاد قط,والسبب هو أنه سهل واضح في زمن صار الغموض والتجريب فيه هما اسم اللعبة. وقد اعترف بذلك في مذكراته. كما قيل إنه ذاتي جدا يميل لإدخال كل شيء إلى عالمه الخاص. في كتاب الدكتور رشاد رشدي عن القصة القصيرة,يبين لنا الناقد الكبير أن موم ارتكب في قصصه القصيرة كل الأخطاء الممكنة التي يحذرنا الكاتب منها! أي إنه يستعمل موم كمثال يبين بالضبط ما على الكاتب ألا يفعله! موم بنفسه قال إنه (في موضع متقدم جدا بين كتاب الصف الثاني) وهذا نفس الموضع الذي عيّنه ستيفن كينج لنفسه.

 

من ضمن رواياته الشهيرة كذلك سادي طومسون / الأمطار و حد الموسى وكعك وجعة والساحر عن حياة كراولي الساحر البريطاني الشيطاني,وقد ترك خلفه جيشا من الغاضبين الذين عرفوا أنفسهم في هذه القصة أو تلك ولم يرق لهم ما قرءوه.

 

بعد طلاقه,اتخذ من فرنسا محطة انطلاق وابتاع فيلا في الريفيرا عاش فيها بقية حياته,ومنها رأى العالم كله. بالواقع كان من أكثر الكتاب نجاحا وثراء,وقد حقق ثروة ضخمة من قلمه. لما توفى أوصى بحرق جثته وهكذا ليس له قبر يعرفه الناس.

 

[41] شكسبير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن ويليام شكسبير أديب إنجلترا العظيم,هو قروي ولد في قرية (ستراتفورد فون آمون) عام 1564.

 

كثير من النقاد يشك في وجود شكسبير,البعض يقول إنه أكذوبة كبرى اخترعها أديب آخر هو الفيلسوف فرنسيس بيكون,الذي كان يخجل من أن يعرف أحد أنه يكتب للمسرح. ويقولون أن اللقب الخاص بـ بيكون هو (الذي يهز رمح الملك) أي Shake Spear,وهذا ما أوحى له بالاسم. ويرى آخرين أن شكسبير وكريستوفر مارلو شخص واحد. هناك من زعم أن شكسبير هو رجل عربي اسمه الشيخ زبير. ولا أعرف أساس هذا الزعم. لكن أكثر علماء اللغة يؤكدون أن شكسبير هو شكسبير.

 

عاش شكسبير حياته ما بين لندن وقريته,كان يجد نفسه حقا في المسرح,وكل مسرحياته العبقرية إنما كتبها على سبيل (أكل العيش).        وهذا ما يجعل النقاد في ذهول من ظاهرة (العبقرية حسب الطلب) هذه. والأكثر غرابة أنه لم يكن يكتب مسودات أو يشطب,فكل مسرحية لدينا هي الصياغة الأولى من قلمه .. كما هي!

 

يعد شكسبير واحد من أبرز الأدباء الذين خلقوا عالما كاملا متكاملا,إنه واحد من هؤلاء العباقرة غزيرو الإنتاج,الذين نجحوا في تغيير مفهوم الأدب,فلم يعد الأمر بعدهم كما كان قبلهم. ليتجاور مع أسماء عظام مثل نجيب محفوظ والحكيم ويوسف إدريس وهـ . ج ويلز وشكسبير وجابرييل جارسيا ماركيز,وغيرهم.

 

لقد صرح برنارد شو بكراهيته لشكسبير مرارا,وإن كان له أسبابه في ذلك,ويكرهه البعض لأنه ممل,لكن الجميع يستطيع قراءة شكسبير والاستمتاع به. تلاميذ المدارس الابتدائية يقرءون قصصه فيجدونها شائقة ملأى بالأشباح والقتلى. وأساتذة الأدب الإنجليزي من د. لويس عوض يقرءون شكسبير فيجدون فيه منهلا ثريا لهذه اللغة. إن كم ما قيل وكتب عن شكسبير يفوق بالتأكيد ما قيل عن ابتسامة الموناليزا. وكم من فنانين ألهمتهم أعمال شكسبير .. بل أن فيلم الملك الأسد -تحفة ديزني- ليس سوى مسرحية هاملت بعد أن صار أبطالها أسودا. أو فيلم (آه من حواء) الذي هو في واقع الأمر معالجة مصرية سينمائية لمسرحية (ترويض النمرة).

 

جمع شكسبير على مسرحه جميع طبقات وفئات المجتمع؛ملوك ومرابين وشحاذين وحفاري قبور. ومن شخصياته من كان دانماركي أو بريطاني أو إيطالي. وكان للبطلة الأنثوية مكانا دائما في مسرحياته؛أوفيليا,جولييت,كاترين,ميراندا,ديدمونة,وليدي ماكبث.

 

عاش شكسبير حياة مسرحية حافلة لكن مأساته الحقيقية كانت هي زواجه الفاشل من امرأة تكبره بثمانية أعوام هي آن هاثاواي -على اسم الممثلة الأمريكية- فقد نغصت حياته وأرهقته. ويقول النقاد المدققون إنها ألهمته بأفظع مسرحياته: هاملت عبقرية التردد,وماكبث عبقرية الطمع والخيانة,وعطيل عبقرية الخداع والغيرة,ولير عبقرية الجحود والعقوق,وروميو وجولييت عبقرية العشق والهوى,والعاصفة عبقرية الخير والمعرفة. ويا له من إلهام!

 

تدور أحداث قصة العاصفة في جزيرة معزولة عن العالم,حولها بحر عجاج تلاطمت أمواجه,وشخصياتها الرئيسية بروسبيرو العجوز وهو شيخ غريب الأطوار وأحد أساتذة السحر العالميين,وقد استطاع أن يحرر كل الأرواح التي سجنتها الساحرة الشمطاء سيكوراكس في جذوع الأشجار,ولهذا تحبه الأرواح وتخدمه بإخلاص,وتملأ كل صوب بالجزيرة.

 

كان أظرف الأرواح طرا وأكثرها ميلا للدعابة هو إيريال,الروح اللطيفة الشفافة التي تلعب دور ذراع بروسبيرو اليمنى ها هنا.

 

يوجد كذلك مخلوق مريع شبيه بالغوريلا هو كاليبان,وهو ابن الساحرة سيكوراكس. وهو يملك إخلاص الذئب وظرف العقرب وذكاء الخرتيت,ولهذا يكلف دوما بالأعمال الشاقة كقطع الخشب وتحطيم الصخور. ولم يكن لطيف المعشر وكان مهابا حقا.

 

ويعيش بروسبيرو في منفاه رفقة إبنته ميراندا الحسناء الرقيقة ذات الستة عشر ربيعا,ملأى بالحيوية وحب الحياة.

 

برسبيرو العجوز الذي يبدو كمجذوب كان منذ أعوام دوق ميلانو شخصيا,وكانت ميراندا هي أميرة ميلانو. وكان يهوى السحر,واستعان بأكبر مراجعه ليغدو حجة في هذا الفن,في الوقت الذي ترك فيه شئون المملكة الدنيوية لأخيه النذل أنطونيو الذي لم يكن يعرف بروسبيرو ما يضمر له شقيقه من شرّ ومكائد. ونجح الأخ الوغد,بمعونة ملك نابولي الذي كان وغدا هو الآخر,في التخلص من أخيه بروسبيرو. ألقى به في قارب بلا مجاديف ولا دفة,وأرسله إلى البحر. لكن رجلا شجاعا يدعى جونزالو أخفى بعض الطعام والماء في القارب,وبهذا تمكن بروسبيرو وطفلته من البقاء حيين حتى وصلا إلى هذه الجزيرة.

 

مسرحية أخرى مهمة هي الملك لير,والملك لير هو ملك بريطانيا,ولديه ثلاث بنات هن ريجان وجونريل وكورديليا. قرر الملك أن يقسم المملكة على بناته الثلاث,فقد أرهقته أعباء الحكم والتهام الخنازير البرية. لكنه أراد أولا -وعلى طريقة آباء القصص- أن يعرف مدى حب كل بنت من بناته له. صنع اختبارا بسيطا فشلت فيه الإبنة الصغرى كورديليا,مع أنها أحب بناته إليه,ومع إنها الوحيدة التي كانت تحبه فعلا بإخلاص. وكانت ثورة الملك عاتية. طرد إبنته وحرمها من إرثه,واحتفظ فقط بمائة فارس,على أن يعيش ضيفا في قصري ابنتيه الحبيبتين. كان كل ذي عينين في المملكة يعرف أن الملك مخدوع,وأن ابنتيه تلاعبتا به.

 

وكانت مأساة حقيقية,ربما هي من أقسى مآسي شكسبير,حيث تنهزم البراءة والطهارة والصراحة هزيمة مدوية,تتبعها أحداثا دامية لا ينساها عقل القارئ. لقد طُرد الأب المسكين شرّ طرده بعد أن أذل وحاشيته على أيدي بناته. غضبت كورديليا وذهبت إلى زوجها ملك فرنسا لتطلب منه أن يخرج جيشا لقتال أختيها اللعينتين. وتوجهت كورديليا مع جيشها الفرنسي إلى (دوفر),وذهبت لترى أباها,فكان ما أثار حزنها ولوعتها أن الأب لم يتعرفها .. لقد أودى الخبال والمعاملة القاسية بعقله. ولشد ما كانت لحظات أليمة من البكاء والعويل المتبادل. ولكن الشريرتين سمعتا بقدوم أختهما,واستعد زوجاهما بجيش إنجليزي قوي.

 

وتم الصدام بين الجيشين .. صدام ليس من صالح الفرنسيين,وسرعان ما تم أسر كورديليا الطيبة وأبيها. وماتت كورديليا في السجن,قتلوها,وراح العجوز يبكي جوار جثتها,يا لها من مأساة.

 

لكن الأفاعي ماتت بسموم العقارب,فقد دب الخلاف بين الأختين الشريرتين,ودست جونريل السم لأختها ريجان. ثم إن زوج جونريل عرف أنها تخونه مع إيرل (جلوسستر) ورمى بها في السجن حيث قتلت نفسها.

 

ولكن نقطة الضعف تكمن في أنه وبعد هذه المذبحة تنتهي المأساة نهاية سعيدة بأن يحكم دوق (ألباني) بريطانيا,ويستعين بمستشاره إيرل (كنت),ويعم العدل والسلام الربوع. بعض النقاد يرد بأنه ليس المهم بالنسبة لقصص شكسبير ماذا يحدث؟ المهم هو كيف يحدث؟ أكثرها قصص تقليدية مطروقة,لكنه يثريها إثراء شديدا بحواره الفخم,وحكمه العميقة,وفهمه للنفس البشرية. إن تلخيص أي قصة لشكسبير يعني تدميرها تدميرا.

 

المسرحية الثالثة هي هاملت,ونلاحظ هنا أن شكسبير يسلط الضوء على الآباء وعلاقتهم مع أبناءهم في ظل ظروف خاصة (والد ميراندا الذي نفي / والد كورديليا الذي جن / والد هاملت الذي اغتيل). وهاملت هي أهم مسرحيات شكسبير بشهادة الجميع,والجميع تكلم عنها. وأشهر عبارة في تاريخ الأدب المسرحي

 

-أكون أو لا أكون .. تلكم هي المسألة

 

إلى آخر الأبيات -الأشهر من نار على علم- في مونولوج سال له لعاب الممثلين في كل الأجيال. وأداه لورانس أوليفييه وبن كنجسلي ومحمد صبحي ويوسف شاهين. إنه قطعة من الفن الرفيع.

 

هاملت هو أمير الدنمارك الذي توفى أبوه بشكل غامض,وعلى الفور تزوجت الأم أخ القتيل, عم هاملت,كلوديوس. وصار كلوديوس هو ملك الدنمارك. هذه مأساة,لكن الأسوأ هو شك هاملت في أن يكون عمه هو قاتل أبيه,وكاد هذا الشك يقتله. وبينما هو غارق في شكه,زاره شبح أبوه ليخبره بحقيقة أن عمه هو قاتله,ويوصيه أن يأخذ ثأره على أن يترك الأم تغرق في ندمها. هنا جن جنون هاملت. ويأتمن سرّه لدى صديقه وحارسه.

 

لماذا لم يقتل عمه فورا مادام قد تأكد من خيانته؟

 

يرى كثير من النقاد أن شكسبير لو فعل هذا لانتهت المسرحية بعد عشر دقائق ولخرب بيته, لهذا اضطر هاملت إلى أن يبقى على شكه وتردده خمسة فصول كاملة. وهذه هي نقطة ضعف المسرحية وسبب ترهلها الدرامي في رأي البعض.

 

وهنا ننتقل إلى مسرحية عطيل,وهي نموذج شهير والأول من نوعه لـ (المسرحية داخل المسرحية). وعطيل هو عملاق أسمر أقرب إلى الزنوج,شديد المراس حار الدماء قصير الفتيل,ما أن تشعله حتى ينفجر فيك. هو بدوي مغربي نزح إلى فينيسيا / البندقية وخدم في جيشها,حتى ترقى وصار قائدا عظيم الشأن.

 

ومازال المترجمون حائرون في الترجمة المثلى لاسم (أوتيللو) الذي صاغه شكسبير لبطله؛ فمنهم من رأى أن يترجم بـ (عطاء الله),ومنهم من رأى أن يترجم بـ (عطيل). وهو الاسم الذي شاع واشتهر.

 

إن مسرحية عطيل هي دراسة نفسية شائقة لانعدام الثقة بالنفس فـ عطيل أسود البشرة في الأربعين من عمره,لهذا لا يجد في نفسه من الصفات ما يؤهله للاحتفاظ بحب حسناء بيضاء هي ديدمونة.

 

لذا أصغى إلى فتنة ياجو,ولفظ هذا الأخير اللعين سمومه في أذنيه,وأمرض عقله,ودبر مكيدة جعلته يوقن بخيانة ديدمونة رغم برائتها وتجسد الشرف والطهر في جسدها. فيخنقها عطيل حتى الموت في واحد من أشهر مشاهد الموت في تاريخ المسرح والسينما.

 

وهناك مشهد الموت الدامي ودماء لطخت يد ماكبث,اسمه ماكبث,القائد الأسكتلندي الكبير, الذي يعمل تحت إمرة الملك طيب القلب دنكان. بدأت متاعبه حين قابل العرافات الثلاث في الفلاة. فحيينه وقلن له إنه سيكون سيد جلاميس وكودور,بل وملك أسكتلندا ذاتها. تتحقق النبوءة الأولى والثانية,ويلطخ ماكبث يديه بالدماء من أجل تحقيق النبوءة الأخيرة.

 

كتب شكسبير ماكبث عام 1603 عندما تولى جيمس الأول حكم البلاد,لكنها لم تطبع إلا عام 1623,بعد وفاته بسبع سنوات. وكانت في مجلد واحد مع هاملت ويوليوس قيصر. هي قصة واقعية استمدها من قراءاته في جريدة تاريخية. وبالطبع غير بعض الشيء في حقائق التاريخ.

 

أجره في هذه المسرحية لم يتجاوز المائة جنيه,ولكنه كان ثريا,وكان يملك أسهما في مسرحين. واعتاد أن يقرض الناس بالربا.

 

أعماله الأخرى المهمة تشمل تاجر البندقية ويوليوس قيصر,وكما تحبها,وترويض النمرة, وحلم ليلة صيف. وكلها مسرحيات فائقة الشهرة.

 

قالوا عن شكسبير إنه أعظم من كتب للمسرح,أروع من كتب بالإنجليزية,أفضل من عبر عن نفس الإنسان قبل عبقري روسيا دستويفسكي.

 

ما ظل طلبة كلية الآداب يتحدثون عن العاصفة,وما ظل كل عاشق يسمى بـ روميو,وما ظل طلبة المستوى الرفيع مطالبين باستذكار هاملت,وما ظل هناك مسرح كلاسي في العالم كله.

 

أنتج شكسبير أربعا وثلاثين مسرحية,ومائة وأربعا وخمسين قصيدة,ثم مات في أبريل عام 1616 عن عمر يناهز اثنين وخمسين عاما. لكن الأدب الإنجليزي -والعالمي- لم يعد بعده كما كان قبله. فحق له الخلود.

 

[42] دوستويفسكي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا أحد الكتاب الذين خلقوا عوالم متميزة خاصة بهم في تاريخ الأدب,مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وماركيز. هذا أديب من الطراز الثقيل حيث الكثير من الصرع والصراع والعلاقات الأسرية المتفسخة والجنون والتوتر. هذا دستويفسكي الذي جسد في أدبه روسيا قبل ثورة 1917. روسيا القيصرية حين كان كل شيء ينبئ بتغير ما خطير. وحيث كل شيء أكثر جهامة وسوادا مما قد يحتمل القارئ,ولكن لا يوجد طالب آداب لا يعرف دوستويفسكي. يحسب القارئ البسيط أن أدب دوستويفسكي ممل,ولكنه ليس كذلك. هو فقط أعقد من اللازم. تعقيد لا يستوعبه قارئ سطحي,حيث عالم خال من القراصنة وسيوف الليزر,والركلات في البطن,وكل الوحوش المتحولة والأشخاص الذين يلبسون قناعا ويحاربون الجريمة. هنا لا يوجد سوى مجموعة من الناس المثقفين جالسين يتبادلون الأفكار الفلسفية.

 

يتميز الأدب الروسي بعدد من الخصائص المهمة,منها تلك الطريقة الغريبة التي يتكلم بها الشخصيات,والتي لا تعرف إن كانت خاصية لدى اللغة الروسية,أم خاصية لدى المترجمين العرب الذين نقلوا الأدب الروسي إلى لغتنا. كما أن الشخصية الواحدة قد تحمل أكثر من اسم. إن الروس يبالغون في الأسماء,هناك عدة أسماء لكل شخص؛اسم في محيط الأسرة, واسم رسمي,واسم للأصدقاء. ومن يقرأ ترجمة الأستاذ حلمي مراد لـ دكتور جيفاجو يجد أنه نشر كشافا للأسماء في مقدمة الكتاب. كما أنه من المستحيل متابعة الحرب والسلام دون أن يحمل القارئ مفكرة وقلم في يده.

 

وكل فتاة جميلة في الأدب الروسي هي مدرسة,كما أن كل رجل هو جنرال أو ضابط طرد من الفرقة لإدمانه الشراب. وكل أبطال الأدب الروسي قبل الثورة يعانون من الدرن, ويقصدون مكانا حسن التهوية للاستشفاء. إن الدرن يلعب هنا دور الزكام في عصرنا. لاحظ أن الأطباء لم يجدوا له علاجا وقتها إلا تغيير الهواء,ولهذا تجد الكثيرين من الروس يستشفون في الريف أو في أوروبا. ولا ننسى أن تشيكوف -وهو الطبيب- مات بالدرن في سن صغيرة نسبيا.

 

أعظم أدباء روسيا هم كتاب ما قبل الثورة,منهم من آمن بالغرب والاقتباس عن الحضارة الغربية,ومنهم من آمن بالعودة إلى التراث الروسي والإيمان به. الفريق الأخير هم الصقالبة.

 

أبرز أدباء ما قبل الثورة هم

 

1-ماكسيم جوركي

صاحب الأم وعدد لا بأس به من القصص القصيرة والمقالات,والوحيد الذي سيعاصر الثورة. لهذا سيعتبره البعض عبقريا,ويعتبره البعض مجرد بوق دعاية للشيوعية.

 

2-نيكولاي جوجول

صاحب المعطف الذي يمكن اعتباره بلا جدال أبا الأدب الروسي,وكل المذكورين ومن يعقبهم خرجوا من معطفه.

 

3-الكونت تولستوي

ربما هو أهم أدباء روسيا وصاحب الحرب والسلم وآنا كارنينا,وهو رائد اتجاه الصقالبة.

 

4-إيفان تورجنيف

رائد المنادين بالاتجاه للحضارة الغربية,صاحب آسيا ومياه الربيع.

 

5-بوشكين

الشاعر العظيم وهو أيضا قاص مهم.

 

6-أنطون تشيكوف

رائد القصة القصيرة في الأدب الروسي,وربما رائد المسرح كذلك. إن تشيكوف أديب بالغ الأهمية,بل لا نبالغ لو قلنا إنه من أهم خمسة أدباء في العالم,ولكننا نتناوله في مقال آخر.

 

7-فيساريون بلنسكي

أعظم ناقد في تاريخ الأدب الروسي.

 

8-نكراسوف

أديب آخر مهم.

 

هؤلاء هم أعظم أدباء روسيا وأغلب من أتوا بعدهم,أي بعد الثورة,ليسوا إلا مجموعة من التافهين الذين لا يتمتعون بالموهبة الأدبية على الإطلاق,وهم لا يكتبون إلا عن المجازر الجماعية والحرب ضد النازي. كل همهم كان إرضاء الحزب الشيوعي الحاكم,والويل لمن يخرج على الخط السائد,إنه يُحاصر ويضطهد. هذا ما حدث لـ إيليا أهرنبورج وماياكوفسكي وأنا أخماتوفا. هؤلاء موهوبون فرديون. لهذا لم يطقهم الحزب وعوملوا كالعبيد حتى انتحر أكثرهم. ولا ننسى أن نذكر من الضفة الأخرى شولوخوف الذي يمثل ترسانة مسلحة في حرب فكرية دفاعا عن تيار مهم هو الشيوعية.

 

أخيرا نصل إلى العظيم

 

9-فيودور دستويفسكي

الأعظم. ربما أعظم حتى من تولستوي نفسه. أعظم أدباء روسيا على الإطلاق,وربما أعظم أدباء البشرية.

 

ولكن يؤخذ على دستويفسكي أنه هادن السلطة في آخر حياته وكتب ما يرضيها.

 

إن دستويفسكي وهو أفضل من صور النفس البشرية,أديب معقد نفسيا,فهو محبط ومكتئب,ومريض بالصرع,وفاقد للحب,وربما لديه ميول انتحارية,وربما كان شخص رجعي جدا. ولا ننسى ظروف القرن التاسع عشر الموترة للأعصاب.

 

في سنة 1849 حيث روسيا القيصرية اقتيد ثلاثة من السجناء إلى مجموعة من الأعمدة الخشبية المغروسة في الأرض,يقيدون أيديهم خلف ظهورهم. ثم يقف الجنود صفا وقد أعدوا بنادقهم. هناك قارع طبول يمهد للحدث من بعيد وتتعالى الدقات لتغطي على صوت دقات قلوب الأسرى في آذانهم.

 

المساجين -الذين سيموتون حالا- يبدون ميتين فعلا,وقد تهالك كل منهم في أصفاده تعسا عاجزا عن الحركة. وإيقاع الطبل يتسارع. ذلك الإيقاع سيصل لذروته بصوت (بوم). وبوم هذه لا تنعني سوى أن هؤلاء البؤساء قد ماتوا.

 

وقبيل تنفيذ الإعدام بلحظات يتعالى صياح ضابط يمتطي حصانا يسرع به نحو المشهد الرهيب,ولا ينتظر حتى يتوقف الحصان بل يترجل عنه واثبا,ويهرع إلى الضابط الآمر وهو يصيح معلما إياه بأن القيصر (نيقولا الأكبر) قد عفا عنهم.

 

هذه هي التمثيلية التي أعدها القيصر ليعاقب هؤلاء الثوار!. لقد رتب لهم عملية الإعدام هذه بعدما سجنهم تسعة أشهر,وكل الجنود يعرفون أنهم لن يطلقوا الرصاص,وأن العفو سيأتي في اللحظة الأخيرة. أي أن عملية الإعدام برمتها كانت مجرد دعابة قاسية لا أكثر.

 

ودستويفسكي كان واحد من هؤلاء السجناء,ولا عجب أن يصاب من مرّ بخبرة مثل تلك باكتئاب مدمر.

 

هذا الحدث شكل خبرة مهمة جدا عاشها دستويفسكي في الثامنة والعشرين من عمره,ولم ينسها طيلة حياته,وقد وصفها بدقة في روايته (الأبله). قال فيها على لسان الأمير موشكين:-

“إن أقسى عذاب هو اليقين من أنك بعد ساعة. بعد عشر دقائق. بعد نصف دقيقة. ستفارق روحك جسدك وأنك لن تعود إنسانا حيا,وأن كل هذا أمر مؤكد تماما”. إن هذا اليقين هو أقسى أنواع العذاب. حتى الرجل الذي يغتاله اللصوص في غابة مظلمة,يظل حتى آخر لحظة من حياته يأمل في النجاة. أما في حالة الإعدام فهم يحرمونك تماما من تلك البقية الباقية من الأمل,فاليقين بأنك لن تفلت من عملية الإعدام هو في ذاته العذاب الذي ليس بعده عذاب.

 

“لو وضعت جنديا أمام فوهة مدفع,فسيظل حتى آخر لحظة يأمل في النجاة,لكن اتل على هذا الجندي نفسه الحكم بالإعدام,تراه يفقد عقله أو ينخرط في البكاء. من قال أن الطبيعة البشرية تحتمل هذا كله دون أن تصاب بالجنون؟.

 

ليست هي التجربة الوحيدة التي مرّ بها دوستويفسكي,فقد انتقل من منصة الإعدام إلى سجن صحراء سيبريا,وما أدراك ما سيبريا. الأرض والسماء واللون الأبيض الذي يؤذي العينين يمتد إلى مرمى البصر,مع ذلك الشعور الممض بأن الأفق يمتزج بالثلج بحيث لا تعرف أين يبدأ الثلج ولا أين ينتهي. سيبريا حيث تتجمد الأفكار والنظرات والمياه والأنامل والقلوب ونسمات الهواء. هناك كان السجناء يمسحون الثلج في نوع من العمل / العذاب السيزيفي تحت حراسة مشددة ويطلق النار على كل ما يحاول الهروب.

 

هناك عاش دوستويفسكي فترة من حياته سجينا بين أنماط إجرامية مختلفة؛قاتل,سفاح أطفال, لص بيوت,نشال. وبالرغم من غرابة التجربة,سيجعله هذا يفهم الإنسان أفضل,ويشعر بأن في كل واحد مهما بلغ جرمه جانبا إنسانيا محبطا.

 

فيما بعد سيعين جنديا في جيش سيبريا -وهو جزء مهم من العقاب يعتبر استكمالا للنفي- ولسوف يجلس ذات مساء ليكتب خبراته مع هؤلاء التعساء في روايته الشهيرة (رسائل من بيت الموتى).

 

والكتاب أقرب إلى خواطر طويلة بلا حبكة قصصية معينة,مجرد ثرثرة عن السجن ورفاقه هناك. ولكنها ليست مثل أي ثرثرة. النص أقرب إلى يوميات مطولة تشرح أي هول وأي عذاب عرفه في سيبريا. الأهم أنه يلتمس العذر لهؤلاء المجرمين,بل ويكاد يعتبرهم جميعا مظلومين بشكل أو آخر. ويرى أن سيبريا هي تبديد لطاقات شابة عظيمة ما كان أحوج روسيا لها. فبالرغم من أن بينهم لصوص وقتلة,إلا أن ما يتعلمه القارئ من الأدب الروسي هو أن يفقد القدرة على الإدانة. حتى القتلة هم ضحايا ظروف دفعتهم للقتل. الخلاصة أن الأدب الروسي يفقدك نهائيا القدرة على احتقار الآخرين حتى لو استحقوا ذلك.

 

أهم أعماله

-الجريمة والعقاب

-الإخوة كارامازوف

 

 

 

 

[43] ديزني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ديزني هو شكسبير رسوم الأطفال بدون منازع,ومثلما احتل ويليم شكسبير عالم المسرح إلى الأبد,كذلك احتل والت ديزني عالم الرسوم الكارتونية (الثابتة والمتحركة) إلى الأبد. وكلاهما من الفنانين القلة الذين خلقوا عالما متكاملا منفردا يبتعد ويستقل تماما عن النمطية وأفكار الآخرين. هما من الفنانين / المفكرين الذين لم يعد العالم بعدهم كما كان قبلهم. وحقا قد أضاف الكثير,وجعل العالم أكثر جمالا بما لا يقاس. وصناعته لعالم آخر (عالم ديزني) داخل عالمنا البائس,وقد تجاوز عالمه مساحته على الورق ليتواجد فعليا في نسختين؛واحدة في أمريكا وأخرى في أوربا. ديزني لاند هو الاسم الذي اختاروه. لقد جعل ديزني أحلامه مجسدة في مدينة حقيقية,وهي فرصة لا تتاح لكثيرين. إنه الحالم الأعظم الذي لم يكتف بالحلم,بل جاهد ليجعله حقيقة. واليوم يصعب أن يقول المرء إنه زار الولايات المتحدة,ما لم يعد معه أو يرسل رقميا صورة أو اثنتين مع ميكي ماوس أو الأميرة سنوهوايت,يعرضها على أصدقائه ولسان حاله يقول: كان كل هذا رائعا .. رائعا بحق.

 

يعد ديزني نموذجا إعجازيا اجتمع فيه الفنان البارع ورجل الأعمال الماهر. ولكن ديزني ينتقد أحيانا بصفته لم يكن فنانا عبقريا إلى هذا الحد,ورسومه تفضح فقر موهبته باعترافه هو نفسه. لكنه كان يملك ذخيرة لا تنفد من الأفكار الجديدة الجيدة,وقدرة لا تنتهي على إدارة الأعمال,ومخزونا لا يتدنى من الرسامين فائقي الموهبة,الذين كان يستغلهم أسوأ استغلال وبقسوة في أحيان كثيرة. أي أنه لم يكن ملاكا. وهذا ليس غريبا .. لا يجب أن يكون صانع الحلوى لطيفا حلو المعشر لمجرد أنه يصنع الحلوى. وبتهوفن صانع الأحلام لم يكن كيانا شفافا نورانيا,بل كان كهلا فظا كريه الرائحة نادر الاستحمام .. أو هذا ما قالوه عنه.

 

ومع ذلك,هذا لا ينفي حقيقة أن والت ديزني صنع عالما كامل التفاصيل آت من عالم الأحلام,وجسد فيه شخصياته المختلفة؛دامبو الفيل الطائر,بيتر بان ببذلته الخضراء يحلق بعيدا,أرانب صغيرة تلهو في المرج,وساحرات يمتطين مكانسهن,وبرغم هذا هن لطيفات جدا. كلاب وقطط تتكلم,وبط يرقص,وخيول تمزح,سنوهوايت الأميرة النائمة لازالت نائمة, سندريلا تستعد للزفاف,والجميلة أحبت الوحش.

 

لكن كل هذه الشخصيات لا تضاهي في شهرتها الشخصيتين الأهم في عالم ديزني؛دونالد داك وميكي ماوس.

 

دونالد داك,هو البطة دونالد المعروفة لدينا بإسم بطوط,ويعيش في داك فيل أو مدينة البط. هذه هي مشكلة الترجمة للأسماء,ولكن ليس هذا غريبا لأن كل شعب في الأرض يعرف البطة دونالد باسم مختلف يناسب ثقافته. إن إسم دونالد غريب ثقيل الوطء بالنسبة للأذن العربية,كما أن اسم بطوط سخيف بالنسبة للأذن الغربية. ومدينة داك فيل مدينة عجيبة كل بيوتها من طابق واحد,لها حدائق صغيرة,والشوارع ضيقة تمشي فيها سيارات مضحكة مكشوفة غالبا,سيارات لا طراز لها,يركبها خليط غريب من الكلاب والبط والفئران. كما أن هناك توزيع رمزي واضح للمهن بحسب النوع؛القاضي بومة دوما,وسائقوا سيارات الأجرة ورجال الشرطة كلاب,والمدرس ببغاء.

 

والمنازل تعبر ببراعة عن ما يحدث داخلها,مثلا إذا حدث صراع محتدم بالداخل,فالسقف يتطاير والأبواب تفتح والنوافذ تنخلع من مكانها. إنها تقاليد القصص المصورة الخالدة,مثل خطوط السرعة التي تحدد مسارات الشخصيات أثناء ركضها.

 

وفي إحدى تلك البيوت يعيش بطوط غافيا في كسل على أرجوحة الحديقة .. أكسل بطة عرفها العالم وأكثرها غرورا وإزعاجا. وهو يدين بالمال للجميع.

 

الطرز المعمارية الغريبة لا تتوقف هنا. مثلا وكما في القصص المصورة,لا يوجد في بلد مثل أسكتلندا إلا قلاع غامضة,وكل القلاع الغامضة تملؤها الأشباح,وكل القلاع تقود لها طرق جبلية متعرجة شديدة الخطر,هذه هي القواعد.

 

أقرباء بطوط هم أطفال البط الثلاثة هيوي وديوي ولوي,وهم من نعرفهم باسم سوسو ولولو وتوتو. وهم أكثر حكمة وحصافة من كل الكبار المحيطين بهم.

 

وبطوط عمهم,وعمه هو العم سكروج,سكروج ماك داك. أغنى رجل في العالم,والأكثر بخلا. هاهنا في مصر يسمونه العم دهب. واسم سكروج مشتق من البخيل بطل قصة ديكنز الشهيرة,وماك داك تعطي للاسم رنينا أسكتلنديا,مع ما عُرف عن الأسكتلنديين من بخل شديد. في فرنسا يسمونه العم بيكسو.

 

العم دهب عجوز بخيل لا يرحب بأي ضيوف أو زوار,لا يرحب بأي أحد. إن الآخرين بالنسبة له لصوص أو دائنون أو محصلوا ضرائب.

 

إن جاذبية شخصيات ديزني تنبع من كونها تجريدية مطلقة أكثر من اللازم,لهذا نجد أن سكروج ثري بخيل. كيف يمكن التعبير عن ثري بخيل بطريق أفضل من تصوير عجوز يملك خزانة هائلة ارتفاعها مئات الأمتار ملأها بقطع العملة,وهو يعرف موضع كل قرش وكل مليم في هذه الخزانة,ويقضي وقته في تلميع قطع العملة وعدها وتنظيفها وتخليلها وطهوها وتصنيفها وشمها.

 

أما عن حمامه اليومي فبسيط جدا.

 

إنه يثب إلى الخزانة من فوق منط,ليغطس وسط قطع العملة ويسبح.

 

صورة ساخرة لكنها معبرة جدا,وبليغة جدا. وتناسب فكرتنا الطفولية القديمة عن الثراء؛ غرفة كبيرة جدا مليئة بقطع العملة والأوراق المالية.

 

ويكفي أن تكون مدينا له بعشرة قروش حتى يشعر كأنه يمتلك روحك.

 

الواقع أن سكروج هو دراسة بارعة لشخصيات البخلاء في الأدب والتاريخ,وبه لمسات قوية من شايلوك تاجر البندقية اليهودي,ولربما ازداد ثراءً لو أن ديزني قرأ البخلاء للجاحظ.

 

لم يكن سكروج من أبناء ديزني الأصليين,بل هو وليد عبقرية الفنان كارل باركس الذي ابتكر الشخصية وكتب لها ورسمها,وقدمها عام 1947 للمرة الأولى في قصة مصورة هي كريسماس على هضبة الدببة.

 

وتدريجيا بدأت النواحي فائقة السحر للشخصية تتبلور,وفي كل قصة كان القراء يعرفون شيئا جديدا عن سكروج؛أجداده,قرش الحظ الذي كان أول مكسب في حياته,شبابه الذي أفناه في التنقيب عن الذهب,خزانته التي رآها القراء أول مرة عام 1951.

 

وسرعان ما عثر ديزني -النهم في البحث عن المواهب الجديدة- على كارل باركس,وضمه إلى عالمه مع سواه من الرسامين البارعين من عينة أوب أيوركس الهولندي العبقري ورومانو سكاربا وجلادستون. ونحن وإن كنا نسمع بأسمائهم لأول مرة,لكننا رأينا رسومهم مرارا,وفي كل مرة نحسب أن والت ديزني هو المبدع العظيم.

 

ومع شركة ديزني استطاع العم دهب أن يمثل فيلمه الأول للسينما عام 1967. لقد صار سكروج من أعلام داك فيل / مدينة البط وجزءا لا يمكن تجزئته عن عالم ديزني,وقد جاء ليبقى.

 

الأطفال الثلاثة هيوي وديوي ولوي يمثلون عنصر التعقل والحكمة الوحيد في عائلة البط هذه. للمرة الأولى في القصص المصورة يتصرف الكبار بحماقة وتخبط بينما يعرف الأطفال جيدا ما ينبغي عمله,وهم يستعملون شيئا كلي المعرفة اسمه دليل الكشافة هو مزيج من دائرة المعارف وكتاب نيكرومونيكون الذي يحوي أسرار الكون في قصص لافكرافت.

 

بطوط هو أشهر نجوم هوليوود,وقد رشح تسع مرات لجائزة أوسكار,ونالها بالفعل مرة واحدة.

 

إن لدونالد مائة مجلة مصورة في العالم,تصدر في ثلاث وخمسين لغة. بل إنه ظهر على طوابع بريدية لجمهوريات لا علاقة لها بالموضوع بتاتا,مثل سان مارينو وبوتان والمالديف وجرانادا. لقد صار رمزا دوليا تخطى حاجز القوميات واللغات,مثله مثل شارلي شابلن وسندريلا.

 

ومن مبلغ أثره أنه كان هناك شك دائم في دونالد باعتباره رمزا للغزو الفكري الأمريكي. لم يكن هذا واضحا بشدة لأن قصصه خالية من التوجهات السياسية,لكن في الآونة الأخيرة ومع مد العولمة الذي يجتاح العالم؛بدا أن نمط الحياة الأمريكي يغزو كل شيء,وبدأت تيارات الكوكلة والكنتكة والمكدلة في كل مكان.

 

وفي عام 1971 صدر كتاب في (شيلي) اسمه (كيف تقرأ دونالد داك),اتهم فيه صراحة بأنه عميل للمخابرات الأمريكية هو وميكي وجوفي وسواهم,وقد ظلت الصين لفترة طويلة تعتبر دونالد تهديدا لدولتها,وتمنع دخوله.

 

وفي عام 1978 في فنلندا حاول أحد أعضاء لجنة الشباب منع دخول دونالد باعتباره بطة بلهاء غير مثقفة.

 

وفي عام 1974 نشرت مجلة بريمير البريطانية مقالا للناقد إيد سيكوف يتهم ديزني ودونالد بإفساد طفولة الأطفال,وتقديم صورة كاذبة عن العالم لهم,ويرى أن دونالد ترك ندوبا لا تلتئم في نفوس أجيال كاملة.

 

لقد دافع كثيرون عن دونالد,وعلى رأسهم أستاذ الرياضيات الألماني (هانس فون ستورش) الذي كوّن نادي (أصدقاء دونالد داك في أوربا الغربية),والذي كتب كثيرا عن أن (دونالد هو أكثر بطة تهذيبا في التاريخ),بل وطالب سفير فنلندا بإقناع حكومته بالعدول عن هذا الموقف المتشدد.

 

ولد دونالد داك عام 1934 في فيلم الدجاجة الصغيرة الذكية الذي أنتجه وأخرجه ديزني. صحيح أن عمره الآن قد قارب على المائة عام,إلا أنه -ككل أبطال القصص المصورة- لا يشيخ أبدا. فقد كان وقتها أكثر نحولا,وله منقار مدبب حاد كالخناجر,ثم زادته الأعوام والثروة أناقة وجمالا.

 

كانت مشكلة دونالد في البداية هي أنه ظهر في ذروة مجد نجم ذي شهرة داوية هو ميكي الفأر الصغير,إلا أن نجوميته تصاعدت سريعا,وسرعان ما فاقت رسائل المعجبين به -التي تصل إلى استديوهات ديزني- عدد الرسائل المعجبة بـ ميكي.

 

لقد كانت المنافسة بين دونالد وميكي قوية ساحقة منذ البداية,من النوع الذي يسميه الإنجليز بـ (منافسة قاطعة للرقاب) .. إلا أن عدد المعجبين بـ دونالد تزايد باستمرار,وهناك من يعتقد اليوم أن ديزني لو لم يبتكر دونالد,لما عاش في ذاكرة الناس طويلا.

 

يعود الجانب الأكبر من نجاح دونالد إلى الصوت,الصوت المبطبط العصبي الذي لا تصدقه ما لم تسمعه,والذي اختص به الممثل العجوز كلارنس ناش,والذي ظل هو حنجرة دونالد منذ عام 1934 حتى 1983. ومنذ أن نطق بأول عبارة لـ دونالد في فيلم سينمائي: أنا أشعر بألم في معدتي. عاش ناش حياة مزدوجة معقدة نفسيا مع دونالد,وحتى بعد أن بلغ الثمانين لازال يدور بينه وبين الأخير جدل صاخب لا ينتهي حول أيهما الأكثر أهمية. وحتى في المناسبات التي تستدعي وقارا يحدث أحيانا أن يفلت عيار دونالد,ويصيح بلغة البطبطة الشهيرة وتحدث فضيحة!.

 

إنه أعقد شخصيات ديزني وأقربها إلى عوالم الأدب,فعلى حين لم يزد ميكي على فأر ظريف,ولم يزد دهب على ثري بخيل,ولم يزد جيو على عبقري؛فإن دونالد يحمل كثيرا من المتناقضات والمزايا والعيوب,وهو مغرور غيور كسول مرهف الحس جبان مرح طيب القلب,باختصار هو الأقرب إلى الواقعية.

 

أي مشكلة تواجه إحدى شخصيات البط تلك,يمكنه ببساطة أن يزور جيو في معمله.

 

وكما يمثل سكروج -تجريديا- الثراء المطلق,وتمثل ديزي الأنوثة المطلقة (في عالم البط), يمثل جيو العبقرية المطلقة. إنه مخترع له رأس أصلع يحيطه بشعر مستعار عجيب الشكل, يعيش في بيت خرب مزدحم بالأوراق والاختراعات غير المكتملة,ولديه حل عاجل في مدى خمس دقائق لأية مشكلة بشرية أو بيطرية.

 

واسمه العربي عبقرينو,وهو مساعد لا غنى عنه لعم دهم,وللجميع.

 

العدو اللدود للعم دهب هم بيجيل بويز,أو عصابة القناع الأسود كما نسميها في مصر. أربعة لصوص متشابهون تماما,كلهم يملكون لحية نصف نامية,وقناعا أسود على العينين لا يمكن انتزاعه أبدا,ولا يمكن التفرقة بينهم إلا برقم على صدر كل منهم. إنهم الرعب الأبدي لـ سكروج ومصدر التهديد الدائم لثروته. الكارثة أنهم أذكياء مثابرون,والكارثة أنهم لا يفعلون شيئا في الحياة سوى محاولة سرقته كأنه المصدر الوحيد للمال في العالم.

 

وهم نزلاء دائمين في سجن داك فيل. إنهم أشرار لكنهم ظرفاء ككل شيء في عالم ديزني حيث الشرّ ليس بهذه الدرجة من الشرّ. إن قواعد ديزني التي استنها لها قوة القانون؛إن الشر ليس مخيفا,لكنه كريه بما يكفي .. لا يوجد موت .. لا يوجد قتل .. كل الجمادات حية,لها مشاعر ولغة خاصة بها. ومن يومها ألفنا منظر البطل الذي يهوى من عل على الأسفلت فيتحول إلى ما يشبه الورقة,ثم ينهض متمالكا نفسه شاعرا بدوار بسيط. طلقات الرصاص تخترق صدر القط فيتحول إلى غربال,ويخرج الشراب من بطنه كالدوش,لكنه لا يموت.

 

إن أبطال ديزني مبشرون ينشرون الثقافة الأمريكية في كل مكان,وبسببها عرف الأطفال معنى العولمة قبل أن يبتكر المفكرون السياسيون هذا المصطلح,وقبل أن يكتب فوكوباما مقال نهاية التاريخ النازي. والأمر لم يعد مستغربا! ألم تمنع الصين -حقيقة- دخول بطوط باعتباره عميلا للمخابرات الأمريكية؟.

 

لا يوجد من يجرح أو يموت في هذا العالم.

 

ميكي ماوس رمز عالمي للمرح والبراءة,مثله مثل سندريلا وشارلي شابلن. ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد له أعداء فسندريلا كانت زوجة أبيها تكرهها,وكل رجال الشرطة في الأفلام الصامتة يتمنون تهشيم رأس شابلن. كل إنسان له أعداء.

 

ولد ميكي عام 1928,ومن يومها صار أشهر فأر في التاريخ,ورمزا للثقافة الأمريكية لدى الشعوب,لقد صار ميكي والكولا والهامبرجر رموز العصر,ورموز أمريكا في أي بلد.

 

تدريجيا انحسر التأثير البريطاني والفرنسي,وحل الهامبرجر محل شاي الساعة الخامسة, وحل الأسطول السادس محل أسطول صاحبة الجلالة.

 

كان الفيل بابار رمز الثقافة الفرنسية,كان تان تان رمز الثقافة البلجيكية,وطرزان رمز الثقافة الإنجليزية. سرعان ما تراجع هؤلاء أمام الضربات القوية لـ سوبرمان وباتمان. ثم وجه لهم الضربة القاضية فأر صغير يُدعى ميكي ماوس.

 

في فرنسا اليوم يسمون ميكي باسم ميشيل سوري,وفي إيطاليا يسمونه توبولينو,وفي اليابان هو ميكي ماوسو,وفي فنلندا هو ميكي هيري,وفي أسبانيا ميجيل رونتسيتو. لكنه دائما أمريكي الطابع أمريكي الثقافة,مهما تكلم بلغة بلدك.

 

بعض الدول أدركت هذا مبكرا,ومنعت دخول ميكي ماوس نهائيا إلى حدودها. دول أخرى منعت دخول العم دونالد واعتبرته عميلا للمخابرات الأمريكية,حتى في مصر تم منع دخول سوبرمان في أوائل السبعينات للأسباب ذاتها.

 

هكذا صاغ ديزني شخصياته.

 

إن ديزني وحش كاسر يفترس كل شيء,ولقد قضى تقريبا على فن الرسوم المتحركة في أوروبا,فلم ينهض هذا الفن ثانية إلا عندما ذهب ديزني إلى أوروبا. المشكلة هي أن فن ديزني محكم جدا وجميل جدا,بحيث يحرق أي عمل آخر بنيران المقارنة.

 

وقد أكد ديزني على حقيقة أثبتها علم الإجتماع

 

-الغزو الثقافي أقوى بمراحل من الغزو العسكري.

 

[44] محمود سالم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما بين جاك وهانز وتوم وزخام من الأدب المترجم إلى العربية يصعب العثور على عالم يحوي عباس وشحته وسواهم في إطار من المغامرة. المشكلة أن أدب المغامرة المكتوب للعربية خصيصا قليل جدا. لا يوجد في العربية شخصيات مثل هولمز أو بوارو أو بيري ميسون أو جيمس بوند أو القديس أو دراكيولا. توجد نماذج نادرة جدا لأدب المغامرة في العربية,مثل حارة نجيب محفوظ في حي الجمالية,أو شوارع محمود سالم في حي المعادي. الأحياء المصرية القاهرية التي تعبق بالطابع المصري المحبب والمميز في أي زمان,شارع هادئ تتناثر الفيلات على جانبيه,وللجو رائحة عطرة غافية,بقال على ناصية الشارع,وكشكا لبيع الصحف والمجلات. هذه هي المعادي .. معادي أوائل السبعينات,المعادي التي خلدها محمود سالم للأبد في أذهان كل من قرءوا سلسلة روايات المغامرون الخمسة. كان هذا زمنا سعيدا لا تعرف المعادي فيه الأبراج والبنايات الشاهقة .. كانت مجموعة من الفيلات المعتنى بحدائقها,مما جعل المكان أقرب إلى عالم سحري لم يتلوث.

 

كل جيل القراء في السبعينات,وكل من بدأ آنذاك يكتشف ذلك الاختراع السحري المدعو الكتاب يعرفهم. مجموعة الأصدقاء الذين وحدتهم المعادي ووحدهم الاهتمام بالجرائم الغامضة,فكونوا فريقا متكاملا وأطلقوا على أنفسهم المغامرون الخمسة.

 

في القصة الأولى لغز الكوخ المحترق التقوا معا,واتخذوا أسماء حركية أو أسماء شهرة, حفظها القارئ عن ظهر قلب.

 

تختخ الصبي البدين الذي امتلأ دهنا وذكاء,والذي يمثل المحرك والعقل المفكر للمجموعة,إنه عقل خالص,فيه كل ما ينفر شكليا ويجذب عقليا,ومعه عرف الطفل العربي للمرة الأولى معنى أنتيهيرو أو نقيض البطل. وهو شخصية عميقة بالغة التجسيم,تم بناءه ببطء عبر عشرات الكتب حتى كسي العظم لحما,ولا يجد القارئ صعوبة في أن يحبها فيدمنها.

 

عاطف يأتي بعده بمسافة لا بأس بها وهو يمثل إلى حد ما القوة الخالية من الذكاء.

 

محب النحيل كثير الحركة يجيء بعده.

 

أما الفتيات فاثنتان لا أكثر

 

نوسة وهي على أعتاب المراهقة,وهي شقيقة محب.

 

لوزة وهي طفلة في كل شيء إلا في ذكاءها الخارق,إنها أضعف وأصغر أعضاء الفريق, لكنها نموذج لـ (يضع سره في أضعف خلقه). وهي شقيقة عاطف.

 

ولقد لعبت صورة الشخصيات التي رسمها الفنان سمير ثابت على الغلاف الأخير,دورا لا بأس به في تثبيت هذه الصور للأبد: تختخ بذقنه المزدوجة المكتنزة,ومحب بوجهه المثلث العصبي,ولوزة بضفيرتيها الطائرتين في الهواء كجهاز استقبال.

 

وهناك المفتش سامي في حلته السوداء وبنيانه القوي,والذي يذكرك بصور مراكز القوى كما نراهم في أفلام السبعينات. وهو ضابط ذو رتبة عالية,ربما في المباحث الجنائية أو شيء من هذا القبيل. ثقته عمياء في الأصدقاء,ولربما بدا من العسير تصور أن يتجه المفتش إلى دار طفل يدعى تختخ,ليقول له في كل مرة: نحن نعتمد عليك يا تختخ. ويجلس في نهاية القصة ليصغي في تواضع لنتائج تحقيقاته واستنتاجاته,ثم يعتقل الجاني دون مناقشة. بل وفي لغز القفاز الأخضر يطلعه على أسرار مهمة من أسرار أمن الدولة,لكننا نقبل هذا ونصدقه كجزء من الصفقة الشهيرة بين الكاتب والقارئ: (دعني أنخدع – دعني أخدعك).

 

لقد طبعت هذه القصص كل المطبوعات الأخرى بطابعها,وخرجت من عباءتها سلاسل عديدة,ويكفي أن القارئ العربي -حتى اليوم- يسمّي أي كتاب من نفس القطع وله ذات الغلاف الصقيل باسم (لغز) .. لقد اتسع لفظ لغز ليشمل نوعا بأكمله من المطبوعات,حتى لو لم يكن محتواه بوليسيا.

 

كانت كل الجرائم وكل التحقيقات -لأسباب تربوية- تتم دائما في الإجازتين المدرستيين: إجازة الصيف وإجازة منتصف العام. ومن الغريب أن الحل كان يأتي دوما في آخر لحظة قبل انتهاء الإجازة,بعد هذا يتوارى المغامرون الخمسة تماما حتى العطلة التالية. وهكذا نجد أنفسنا أمام حالة فريدة محيرة لرجال علم الإجرام: الجريمة لا تحدث في المعادي إلا في يناير وفي أشهر الصيف.

 

ولا بد من التنكر في كل مغامرة .. هذه هي التقاليد. هذا بالنسبة لتختخ,أما لوزة فهي قد قضت عشرات الألغاز دون أن تتمكن من أن تنطق دليل بدلا من ذليل.

 

وقد ظلت الألغاز خالية من جرائم القتل بأنواعها,ولنفس الأسباب التربوية .. غصت بالسرقات وجرائم التزوير,لكن لا قتل .. لا عنف من أي نوع.

 

مشكلة أخرى هي أن قراءة القصص تقتضي أن تقرأ وفقا للمفهوم التقليدي؛كلهم لا يشيخ ولا ينمو. جيمس بوند لم يشخ قط منذ الستينات وحتى اليوم,أبطال أفلامه هم الذين يشيخون فيتم استبدالهم,وهكذا تحول شون كونري إلى بيرس بروسنان مرورا بـ روجر مور وتيموثي دالتون وصولا إلى دانيال كريغ حاليا.

 

ماذا لو أن الأطفال الخمسة يكبرون وهم أصلا على أعتاب المراهقة,ومع نموهم تنمو علاقات لم تدر بالأذهان قط. كأن يحب تختخ نوسة شقيقة صديقه محب.

 

عودة لتختخ ومشكلة أخرى,ففي غرفته التي تحوي كل كنوزه من أدوات التنكر والثياب التي جمعها بعناية على مدى أعوام وألغاز متعددة.

 

لقد شاهدنا تختخ في ثياب القرداتي وثياب المهراجا والنشال,ومن الغريب دائما أن تنكره يجعله يبدو أكبر سنا حتى ليخدع عتاة المجرمين.

 

دائما ما يكون تنكر تختخ فقرة ثابتة في كل لغز.

 

شخصية أخرى تظل موجودة في كل لغز وتظهر دوما,هي شخصية الشاويش علي أو الشاويش فرقع كما يسمونه.

 

إن الشاويش فرقع هو -عن جدارة- سادس المغامرين الخمسة,ووجوده أمر لا يمكن الاستغناء عنه,كما لا يمكن أن تتم مغامرات توم من دون جيري,أو نرى لوريل من دون هاردي,أو نفهم معنى الأرض من دون سماء. دائما هو هناك,وهو عاجز تماما عن النظر بصورة جدية إلى المغامرين الخمسة .. مجرد أطفال هواة يعرقلون عمله. هذا هو رأيه فيهم, ولهذا يرفض وجودهم دوما وبقوة السلطة التنفيذية التي يمثلها. لكنه كالعادة يفشل دائما,وفي كل مرة يزداد غضبا وحنقا. ونجده لا يتعلم أبدا -بعد عشرات الألغاز- أن هؤلاء الصبية بارعون حقا.

 

بقى أن نقول إن الشاويش فرقع هو الاسم الذي اختاره الأصدقاء سرا للرجل,لأنه لا يكف عن طردهم من كل مكان مرددا؛فرقع من هنا منك له! يقولها بلهجته الريفية حتى صارت علامته التجارية المميزة.

 

[45] غريم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إنها أجواء أقرب إلى صور ملونة في قصص الأطفال,قصص أطفال كلاسيكية عتيقة,حيث المروج الخضراء .. خضراء أكثر اخضرارا من الخضرة ذاتها,وطواحين متباعدة. خراف شديدة الاكتناز ترعى,وأبقار من تلك التي ترى صورها على علب السمن الهولندي وعلب اللبن المجفف. فلاحات متوردات الوجوه يحملن السلال على الرؤوس,ويضربن الأرض بتلك النعال الخشبية التي تراها في القصص. سماء شديدة الزرقة لا ينقصها إلا أن ترى قرص الشمس يضحك. من بعيد بيوت ذات سقوف منحدرة من القرميد الأحمر,ومداخن يتصاعد منها دخان لا يلوث الجو,وفطائر موضوعة في النوافذ لتبرد. أجواء أقرب لعالم ديزني الساحر. لكن الطابع العام يختلف. قصص ديزني لها طابع أمريكي لا تخطئه العين, أما هنا فطابع أوروبي,ربما يعود إلى القرن الثامن عشر.

 

الأخوان جريم هما الألمانيان العبقريان اللذان صنعا كل ذلك العالم الساحر الذي تحكيه الأمهات لأطفالهن قبل النوم. قيل عنهما أنهما يفتقدان إلى الأصالة فكل قصصهم اشتقاقية, ولها أصول ما عند الفلاحين. نفس التهمة التي وجهت إلى شكسبير نفسه,فهو لم يكتب عملا أصيلا في حياته.

 

ليست هي التهمة الوحيدة,بل قيل أن قصصهم لا أخلاقية وتميل لتضليل الأطفال,وأدب الأطفال وسيلة فعالة وفتاكة للنيل من أطفالنا. إن الأطفال تربة خصبة تصلح لبذر أي معتقد. قل لطفلك في قصصك إن الشمس تشرق من الغرب,ولسوف يصير مستحيلا أن تقنعه بالعكس حين يكبر.

 

كل الغابات مخيفة في قصصهم,وخصوصا الغابات الألمانية التي تعج بالذئاب. هناك من النفسانيين والنقاد من يفترض أنها ذئاب مجازية لا حقيقية,وهي من النقاط التي تؤيد الزاعمين بعدم الأخلاقية في قصص غريم.

 

هذا عالم تبدأ فيه كل قصة بـ كان يا ما كان أو Once Upon a Time وتنتهي بـ وعاشوا في تبات ونبات They lived Happily Ever After. هكذا في كل اللغات. دارسو الأدب في العالم الغربي يطلقون عليها اسما عاما هو (ميرخين) وهي لفظة ألمانية تعني القصص الخيالية. أما في أمريكا فيسمونها قصص جاك Jack Tales,وهو ما معناه أن بطل القصص يكون اسمه جاك على الأرجح.

 

وهو ما يذكرنا بأيام زمان لما كنا أطفال صغار,وقبل النوم على الفراش,تحت الغطاء الدافئ, والأم الحبيبة تقول:- “كان يا ما كان .. يا سادة يا كرام .. ولا يحلو الكلام .. إلا بذكر النبي عليه أحسن الصلاة والسلام”.

 

طبعا لم تكن الأم,أو الجدة,تحكي عن قصص الأخوين غريم,ولكنها كانت تحكي عن الغولة والشاطر حسن وبنت السلطان. ولكنها قصص تنتمي إلى نفس العالم الساحر مهما تباعدت المسافات.

 

ولد الأخوان في بلدة هاناو قرب فرانكفورت.

 

هناك نماذج شهيرة تكاد تكون نمطية في أدب الأخوين,مثلا نحن اعتدنا أن تكون المرأة الشريرة حسناء أو على الأقل ناعمة كالأفعى,ولكن مع قصة سندريلا الأمر يختلف. المرأة الشريرة هناك,شريرة قلبا وقالبا,فيكون وجهها قبيحا أقرب إلى الحلاليف. فعادة يرتبط الجمال بالخير,والقبح بالشرّ,خاصة مع النساء في نوع من التجسيد الجمالي لدواخلهن. مثل إبنتى زوجة الأم في سندريلا,حيث القبح الغبي,والثياب المبهرجة التي لا تنسجم على الإطلاق,والتعالي الأحمق. وهما يشغلان أوقات فراغهما بالتسلية بخنق القطط الصغيرة, وفقء عيون الضفادع,وما إلى ذلك من الأنشطة اليومية تزجيان بها الوقت .. لم لا؟ أليستا شريرتين!.

 

زوجة الأب في سندريلا كانت هي الأم في الإصدارات الأولى من القصة,ثم قرر الأخوان جريم أن يجعلاها زوجة الأب في محاولة لجعل القصة أكثر تهذيبا وقبولا أسريا. لقد عرف الأخوان ما نسميه اليوم قيم (الترفيه المنزلي Home Entertainment) قبل أن تظهر ديزني للوجود بعقود كثيرة.

 

زوجة الأب إمرأة لا تنتمي إلى اللون الرمادي,إنها الأسود الصافي تماما. وهي لا تتورع عن الإدلاء بعبارات تقريرية كان يمكن الإستغناء عنها,وهو ما سيثير حفيظة أي ناقد أدبي يجيد عمله. كأنها تقول: يا سندريلا,أنت فقيرة ضعيفة ونحن ثريات شريرات شديدات البأس, والويل لك إن لم تتذكري ذلك.

 

هي سندريلا الحسناء المعذبة التي تتسلى الشريرات الثلاثة (زوجة أبوها وإبنتيها) بتعذيبها, وإخراج ميولهن السادية عليها,وهذا لا يخلو طبعا من حقد لأنها أجمل من الفتاتين بمراحل. ثم يجيء التعويض في صورة الأمير الجميل الذي يهبط عليها كالحلم والحفل والحذاء.

 

سندريلا .. زهرة الرماد.

 

قصة سندريلا ليست من بنات أفكار الأخوين جريم,بل هي ليست أسطورة شعبية ألمانية أصلا .. إنها عالمية. هناك نحو 300 نسخة من ذات القصة لدى كل شعوب الأرض,ويغلب الظن أن أصل القصة صيني.

 

لكن لا يصل هذا بنا حد إدانتهما بالسرقة الأدبية .. إن جمع الفولكلور الشعبي وتنسيقه ليس سرقة وإلا لاعتبرنا السير والتر سكوت أو زكريا الحجاوي لصين.

 

وأمير سندريلا هو أمير من أمراء القصص .. لا يفعل شيئا من أي نوع سوى أن يتزوج البطلة الفقيرة. منبهر حالم النظرات لأربع وعشرين ساعة,وحياته كلها مجموعة من الحفلات والمواكب والمآدب. لو تعاملنا معه بالمفهوم المادي لقلنا إنه شاب (صايع) لو سمحت لي بالتعبير,لكن في القصص يمثل غاية المراد من رب العباد. باختصار هو نموذج لفارس الأحلام في خيال كل فتاة,ولا أشك لحظة في أن جواده أبيض .. هكذا تسير الأمور .. إن إرتباط الفتيات بالجواد الأبيض لأمر شبه مقدس.

 

وطبعا لا بد من أمير في كل قصة!. هذه القصص لا تعترف للرجل إلا بمهن الأمير والحطاب الفقير والساحر والغول,بينما الفتاة خادمة أو راعية إوز أو ساحرة.

 

من الشخصيات الأخرى الفأر المتكلم؛فأر قوي الشخصية لا يخلو من حكمة. في عالم الأخوين جريم لا يوجد حيوان لا يتكلم,ولا يوجد موقد أو شمعة أو براد شاي لا يعبر عن نفسه في طلاقة. لكن هذا الفأر لم يوجد في القصة الأصلية,بل هو إضافة من إضافات ديزني العديدة. لقد كانت ستديوهات ديزني من أهم المتحمسين لقصص الأخوين جريم,ويوجد في أمريكا مجموعة من المجانين بعالم جريم ربما أكثر ممن تجدينهم في أوروبا كلها.

 

أهم الأعمال

 

1-سندريلا

2-بياض الثلج

3-الجمال النائم

4-الزمار والفئران

 

[46] نبيل فاروق

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لم استوعب ضخامة وإمتاع العمل الذي قام به نبيل فاروق على مدى عشرين عاما إلا متأخرا. وبعد أن مررت على عدد كبير من أعماله. هناك طريقة أوصى بها الناقد ديفيد هارتويل Hartwell لمعرفة محتوى الكتاب من صورة غلافه. مثلا الغلاف يظهر بشرا أمام خلفية مستقبلية,إذن هذا كتاب من طراز أوبرات الفضاء. ولو كان غلافا يبدوا عليه نيرون واقفا مع إلفيس بريسلي,فهذا الخلط الغريب يدل على أن الكتاب من طراز التاريخ البديل. احتوى حقلا أسطوريا وقلعة,لا بد أن هذا كتاب من عائلة (خلف الحقول التي نعرفها). أما لو كان غلافا يظهر مدينة مستقبلية وبشرا غاضبين فلابد أنه ينتمي لقصص نقيض اليوتوبيا أو سايبر بانك أو مدن المستقبل. وإذا كان الغلاف رجلا متضخم المخ له عينان تلمعان,إذن هذا كتاب من طراز الإدراك الفائق للحواس. غلاف فيه أطباق طائرة ومسدسات وكائنات عجيبة,إذن هذه القصة من طراز (الأرض التي غفل عنها الزمن). ينتمي كل غلاف من أغلفة سلسلة ملف المستقبل إلى أحد الأنواع.

 

إن عوالم نبيل فاروق شاسعة بحق,وقد أبدع مئات الأفكار,إنه قد كتب أكثر من خمسمائة عنوان,منهم أكثر من مائة وخمسون عنوانا من قصص الخيال العلمي .. دعك من عشرات القصص المتناثرة في سلسلة كوكتيل وسواها. وعلى مدى عشرين عاما وأكثر ظلت هذه القصص تحفر مكانها في عقول قارئي العربية في كل صوب,وعلى كتاباته تربت عدة أجيال وشكلت وجدانهم,وصارت مصطلحات مثل الهولوجرام والأشعة الارتجاجية والاستنساخ الانتقائي مألوفة لكل شاب بينما -على الأرجح-  يجهل أبواه ومعلموه كل شيء عنها. الحقيقة أنه شديد الأهمية إلى حد لا يوصف. -ويزعم أحمد خالد توفيق أن دستويفسكي ذاته لم يؤثر في كل هذا العدد من العقول,بالطبع أرفض قطعا هذا الكلام خاصة وأن انحياز العراب لمعلمه غير خفي على أحد- إلا أن نبيل فاروق قدم للشباب ما يقرءونه بعد ما كان الحل الوحيد أمامهم هو قراءة مغامرات شرشر أو أدب المنفلوطي الصعب أو الانتحار وثبا من الشرفة. كما أنه أثر فعلا في أجيال من القراء العرب,خاصة في سني المراهقة والشباب حيث التكوين الأول للطين اللين. والملاحظة الصادقة هي أن كل شاب يجرب الكتابة يبدأ بتقليد أسلوب د. نبيل فاروق المميز .. المميز جدا .. يتبعه باتباع إسلوب أحمد خالد توفيق.

 

وقد تنوع إنتاجه بين الجاسوسية والفروسية والخيال العلمي,وحتى أنه قدم الرواية الإجتماعية أيضا,وكتب في كل الموضوعات تقريبا. لكنها كلها أو أغلبها تجري في عمق المغامرة .. الحقيقة أن أعماله من الأمثلة النادرة لأدب المغامرة المكتوب بالعربية أصلا.

 

وهو غزير الإنتاج حقا,حتى أكثر الكتاب إنتاجا في التاريخ مثل إدجار والاس لم يقدم كل هذا العدد من العناوين -وهي معلومة غير صحيحة- نحن نتحدث عن روايات لا قصص قصيرة, ونتحدث عن عقل بشري لا خط إنتاج في مصنع. الحقيقة أن ما قام به ضخم,ضخم إلى حد لا يصدق ويحتاج إلى دراسة نقدية مدققة. ونحن نحتاج للتدقيق خاصة في التفاصيل. مثلا هناك قواعد صارمة تحدد موضوع الرواية من رقم العدد. أربعة كتيبات تتحدث عن وحش غامض وكتيب يتحدث عن غزو فضائي 4–1–4. دعك من أن هناك أعداد (ما قبل الاحتلال) وأعداد (الاحتلال) وأعداد (ما بعد الاحتلال).

وتعد سلسلة ملف المستقبل النوع الأرقى بين سلسلتيه الأشهر,الأخرى هي رجل المستحيل. إن رجل المستحيل يضمن للقارئ مغامرة مسلية,وهو النموذج الرائد الوحيد لأدب الجاسوسية في العربية,لو استثنينا أعمالا معدودة للأديب صالح مرسي. وعلى كل حال,وكما يحدث مع أحمد خالد توفيق,هناك كثيرون يقلدون رجل المستحيل الآن,دعك ممن يسرقونه بالكامل ويكتفون بكتابة أسمائهم على الغلاف.

 

يشبهه البعض بـ جيمس بوند العربي,ولكن أحمد خالد يدافع بمزيد من التحيز عن عادل أدهم -وهو ما لا اتفق فيه- بالمقارنة بينهما؛إن أدهم صبري شخصية متدينة تعيش بالمثل العليا,إنه من يتمنى كل منا أن يكونه لكنه لا يستطيع. أما جيمس بوند فهو خنزير شهواني -اتفق- وهو يلعب على وتر أن كثيرا من الناس يحملون ذات الشيطان في أعماقهم لكنهم لا يجسرون على أن يكونوه. فارق كبير بين من نتمنى أن نكونه,وبين من لا نجسر على أن نكونه. دعك من أن أدهم يداعب الحلم العربي,بينما جيمس بوند يداعب الغرور البريطاني. ويرى أحمد خالد توفيق أنه لو ظفر أدهم صبري بمنتج ثقيل لا يبخل بشيء من طراز بروكولي لكانت أفلامه رائعة.

 

وعالم نبيل فاروق لا يخلو من ثغرات أدبية قبيحة,حولها أحمد خالد إلى قواعد يجب أن يعتاد القارئ عليها. مثل أن يعقد كل شخص حاجبيه أو يتلاقيان أربع مرات في كل صفحة. ومثل تكرار آخر كلمتين من آخر جملة. كما أنه يكرر الكلمات في أسطر عامودية. ولا يخلو هذا التكرار في نصوصه أيضا من كثرة المترادفات والنعوت والإضافات.

 

مثل

 

عبر المجرات ..

إلى أرض أخرى ..

أرض بعيدة ..

بعيدة للغاية ..

للغاية ..

جدا ..

بشدة ..

تماما ..

بقسوة ..

بعنف ..

 

كما أن صفحات رواياته مذيلة بالهوامش أسفلها بكثرة,بل أكثر من اللازم. كما أن عالم ملف المستقبل مليء بأشعات من كل نوع في المستقبل,حتى أن هناك أشعة زيتا لطهي الطعام, وهناك طبعا السيارات الصاروخية والصور الهولوجرافية. ولأن عالمه يحوي أحداثا متشعبة معقدة متباينة الزمان والمكان,يمزج نبيل فاروق في إسلوبه بين الشخص الثالث والراوي العليم بكل شيء. مشكلة أخرى تتكرر في صورة جملة (تنهد في ارتياع). نعم .. لا أحد يتنهد في ارتياع لكن هذا الخطأ المطبعي يتكرر عدة مرات في السلسلة,ويبدو أن حرف الحاء يشبه حرف العين بشدة.

 

هذا غير تهميش الموت,فلا أحد يموت في قصص الجاسوسية على ما يبدوا,وكل من مات سابقا,يتضح أنه نجى لاحقا. حتى أدهم مات كثيرا من قبل,وكل مرة كأنها حقيقية.

 

لماذا يلقب هذا الرجل بـ رجل المستحيل؟

 

لعدد من الأسباب,مثلا أنه يستطيع أن يقاتل ما بين لكمة / ركلة / سيف يد,إلخ بينما أطرافه الأربعة كلها في الهواء فهو لا يحتاج إلى نقطة ارتكاز.

 

هناك شخصيات أخرى تتناسب سطحيتها مع أدهم صبري,مثل منى توفيق ذات المقعد المتحرك,وظيفتها الوحيدة هي أن تُخطف لتكون وسيلة ضغط,أو تجلب المتاعب على رأس أدهم. أو أن تفعل الشيء الوحيد الذي تجيده أكثر من سواه,وهي أن تظل تبكي في حرقة.

 

ومثل الأشرار الذين لا يموتوا,أو سونيا جراهام وجمال غير محدود وشرّ لا ينتهي.

 

هناك شخصية أمجد صبحي من ملف المستقبل,التي كان يعتقد القراء أنها هي نفسها شخصية أدهم صبري. أولا هو رجل مخابرات سابق. ثانيا صارع المافيا والموساد. ثالثا له زوجة إسرائيلية وابن منها. رابعا يجيد التنكر والتعامل مع الأسلحة. خامسا اسمه أمجد صبحي أي (أ.ص).

 

الحقيقة أن أمجد صبحي أثار حيرة القراء لفترة لا بأس بها,فقد شعروا أنه السبيل لدمج السلسلتين معا؛رجل المستحيل وملف المستقبل. حتى صار هناك سؤال يمكن تسميته (السؤال الأمجدي) على غرار (السؤال الهوميري) الشهير .. هل أمجد هو أدهم؟. إلى حد أن أجاب نبيل: لا. وقد أراح هذا الكثيرين.

 

شخصية أخرى بارزة هي الصحافية مشيرة محفوظ مديرة قناة أنباء الفيديو. فضولية جدا, تدس أنفها في كل شيء,تؤمن بأن الأخبار كالماء والهواء حق مكفول للجميع. لهذا تلعب في سلسلة ملف المستقبل دورا يشبه الذبابة التي يصعب الخلاص منها. إنها نمط المرأة الطموح جدا والتي تعلي نجاحها المهني على بيتها ذاته,والقراء يذكرون جيدا كيف راحت تغطي في حماس نبأ هلاك فريق زوجها رمزي في مغامرة أرض العمالقة. مما جعله يرمي عليها يمين الطلاق المثلث. لم يدم زواجهما أكثر من عشرة كتيبات,هذه فترة أطول من اللازم بالنسبة لطبيعتين متنافرتين كهاتين.

 

من المعروف أن د. نبيل فاروق لا يستطيع الابتعاد عن عوالم المخابرات حتى في الخيال العلمي,كما لم يستطع ستيفن كينج أن يتخلى عن الرعب عندما مارس الشيء ذاته. وفي ملاحظة ذكية لأحد القراء,يتسائل “لماذا لم تكن كل هذه المصائب اليومية تحدث للأرض قبل أن توجد المخابرات العلمية؟”. هذا يذكرنا بقول مارك توين “في أيام الماضي السعيدة قبل أن يخترع الطب الحديث مرض السرطان,كان الناس يموتون بالشيخوخة أو مقتولين”.

 

أكثرنا في ذكر عيوب السلسلة,ونضيف أيضا أنه كان له توليفات غريبة للحروف الرمزية مثل (أكرم ن . ش) و(أكرم ن . ط) والتي تذكرنا بأسماء تلك التنظيمات الشيوعية القديمة في مصر (طش = طليعة شعبية) و(وش = وثبة شعبية) و(حدتو = حركة ديمقراطية للتحرر الوطني) وسواهم.

 

ناهيك عن التشويق الرخيص,فلماذا لا يحكي كل موقف حتى نهايته؟ يلاحظ القارئ أن كل موقف ينتهي برصاصة أو انفجار ثم يجد الراوي يحكي موقفا آخر. هذا هو أسلوب القفلات أو كليف هانجرز مع الكثير من المونتاج المتوازي. كل الأحداث تتم في وقت واحد,بينما تنتقل الكاميرا بينها. هذا يترك القارئ متوترا بانتظار ما يحدث,فقط ليدخل في حادث مثير جديد. دعك من تهميش الموت ذاته,والذي يأتي في صور أخرى غير ما ذكرنا. فأنت تعرف قوانين هذه القصص. لا بد من طريقة للموت البطيء البارع,الطريقة التي تسمح لكم بالفرار ومواجهتي ثانية. لو كنا نتعامل مع الحلول الجذرية العنيفة لانتهت السلسلة كلها بعد خمسين صفحة.

 

وفي مبنى المخابرات تتضاعف الغرابة بشكل سخيف أقرب للهراء,كل شيء ممكن يدخل إلى ويخرج من المبنى. قطيع من الجاموس البري,أو أسطول كوكب يورير أو أفيالا تلبس أحذية التزلج,كل شيء ممكن في مبنى المخابرات العلمية هذا.

 

ونؤكد أن مستحيلات أدهم,المستوحى على ما يبدوا من أدهم الشرقاوي قد تجاوزت الحدود.

 

لا تتوقف العلاقات السخيفة -خاصة في ملف المستقبل- عند هذا الحد,بل يصعب حصرها أصلا. من ذلك نذكر العلاقة المعقدة بين الزوجين أكرم ومشيرة. يعرف القراء أن علاقة هذين الزوجين هي نوع من دائرة (أنت همجي – يصاب ويفقد وعيه – ترتاع وتبثه حبها) .. هكذا إلى الأبد,ولو شاء أن تحبه إلى الأبد لكان عليه أن يموت إلى الأبد.

 

والعلاقات المعقدة في ملف المستقبل كثيرة ومتشعبة على نحو غير عادي,نوجزها بأن رمزي زوج نشوى,ونشوى إبنة نور,ومشيرة مطلقة رمزي,ومشيرة زوجة أكرم,وسلوى تغار من مشيرة,وغالبا أكرم يغار من رمزي,,غالبا نشوى تغار من مشيرة لأن زوجها كان لها من قبل. ثم هناك أكرم الذي هو زوج مشيرة,وأكرم الذي هو زوج سلوى على بعد آخر. إذن مشيرة تمقت سلوى كراهية التحريم,و …. ومن أنا بالضبط؟.

 

وهناك تخبط واضح في توصيف بعض الشخصيات,مثلا نور يجيد الألمانية كما في قصة بصمات السحرة,ويجهلها كما في قصة الثلوج الساخنة. أكرم أيضا يجد نفسه يجيد الإنجليزية كما في قصة الدوامة,وأحيانا يجهلها كما في قصة ألف عصر.

 

دعك من شخصية نشوى المتبهدلة معانا في السلسلة.

 

هناك جغرافيات معروفة في عالم ملف المستقبل,مثل مثلث برمودا الذي يصلح بوابة للعبور إلى أي شيء,كما تلعب الدور ذاته ثغرات جانب النجوم في سلسلة ما وراء الطبيعة. يجب أن نعترف هنا أن العبور للأبعاد الأخرى لم يكن عن طريق مثلث برمودا طيلة الوقت. أحيانا ما تم عن طريق مرآة مهجورة في قصر مخيف (منطقة الضياع),وأحيانا عبر إطار مفرغ يثبون عبره(أرض العمالقة),وأحيانا عبر كهف في جبل عتاقة (الستار الأسود),أو مرض يصيب نور ليرى العالم في صورة سلبية نيجاتيف (العالم الآخر).

 

هناك قصص مسروقة من أخرى,مثل واحدة تحكي عن هتلر الثالث الذي يسيطر على كل شيء,ولكنه موشك على الموت,وهم يستعدون بالرابع الآن من خلال عملية الاستنساخ. نسيج من هتلر الأصلي يستخدمونه لصنع هتلر جديد. إن هذه المستنسخات تتلف بعد أربعين عاما, لذا يستعدون بنسخة أخرى قبل أن تتلف الأولى. إنهم قد ربوا شابا في العشرين من عمره الآن هو نسخة من هتلر في كل شيء,ويوم يموت هتلر الثالث سيكون هتلر الرابع مستعدا لقيادة الحزب. هذا على المستوى الجيني,أما على المستوى البيئي فلا بد أن تعيش النسخة الجديدة في ذات الظروف. لا بد أن يسمع أن أبويه ماتا,وأن يعمل نقاشا ورساما معدوم الموهبة,وأن يحارب في حرب تشبه الحرب العالمية الأولى,ولا بد أن ينضم للحزب النازي وأن ينظم انقلابا فاشلا اسمه (انقلاب قاعة البيرة) يسجن بعده,ولا بد أن يكون معه في الزنزانة من يدعى البروفسور (هاوسوفر).

 

وبالصدفة كانت هذه بالضبط حبكة قصة شهيرة جدا من قصص الخيال العلمي للكاتب إيرا ليفين Ira Levine هي (الأولاد في البرازيل) حيث كان يتم إعداد نسخ هتلر في البرازيل.

 

يعرف قراء السلسلة أن د. نبيل متأثر جدا بفترة الاحتلال النازي لأوروبا,وقد سبق لفريق نور أن واجه أرضا أخرى انتصر فيها هتلر في الحرب العالمية. هناك رواية أخرى اتضح فيها أن هتلر مجمد بانتظار العودة. دعك من فارس الزمن ومواجهة الجنرال النازي اليهودي فردريك هولدشتاين) في باريس المحتلة,حيث القيادة النازية التي يعلوا بابها صليب سواستيكا Swastika المعقوف الشهير المنذر بالويل. أقوى رمز بصري يدل على الشرّ والعنف قبل أن تحل نجمة داود محله بالنسبة للعرب.

 

هناك المزيد من الرمزية في قصص ملف المستقبل,خاصة كلمة أخضر التي تعد الكلمة الأكثر استعمالا في هذه السلسلة. كل شيء أخضر,عامة الأخضر رمز الشر -على غير المعتاد- ما لم يكن سترة نور أو عيني (س – 18). كل الفضائيين لونهم أخضر وبحراشف ربما باستثناء بعض المرات القليلة,فسادة الأعماق خضر خضر بحراشف,وسكان جلوريال خضر دون حراشف,أما سكان البركان فلهم حراشف لكنهم ليسوا خضرا.

 

وسادة الأعماق يعيشون في الأعماق,هذا بديهي. وهم يذكرونك بآلهة لافكرافت الوثنية القديمة الرابضة في الأعماق على غرار الأخ كتولو وسواه.

 

ويظهر نبيل تأثره بالحرب عموما,وهو يتبع التقاليد تماما,فلسبب ما يصر كل كتاب الخيال العلمي على أن القنبلة التي ستزيل الحضارة هي من نوع جاما وليست ألفا أو بيتا. وفي قصص سوبرمان القديمة كانت قنبلة جاما هذه,وهي تشبه ثمرة التين نوعا تنفجر في الناس فيتحولون إلى رجال كهف مشعرين بجبهات ضيقة وعيون صغيرة غائرة وفكوك بارزة.

 

[47] هوميروس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه صور راسخة في المخيلة البشرية؛كهل وطفل يرفرفان بأجنحة من شمع في السماء. مملكة مظلمة سوداء يفصلها عن عالمنا نهر كئيب ساكن. عملاق يصارع وحش ذو ستة رؤوس. هذا هو عالم الميثولوجيا الإغريقية الذي جسده هوميروس في ملحمتيه الخالدتين؛الإلياذة تتبعها الأوديسة.

 

[48] شين أوقي ئونيني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أو شين ئيقي ئونيني

 

نحن الآن في بلاد ما بين النهرين حضارة العراق وشرق سوريا حيث أسطورة جلجاميش. وأسطورة جلجاميش هي ملحمة أسطورية من أعظم الملاحم في الخيال البشري,نقاد الأدب يضعونها فوق ملاحم هوميروس بعدة درجات.

 

تأمل معي هذا المشهد؛رجل جالس وفي يده العدسة,وأمامه قطع صلصال كبيرة نسخ بها -كما يفعل علماء الآثار- صور النقوش التي كانت على الطين المحروق,ثم طبعها على الورق. بهذا ظهرت تلك النقوش الدقيقة الأقرب إلى الزخرفة والتي ظل أعواما يحاول فك لغزها. والمشكلة أن هؤلاء القوم الذين كتبوا هذه النقوش منذ آلاف السنين كانوا يتمتعون بعيون ممتازة. يبدو أن داء طول النظر لم يكن موجودا في تلك العصور. بعض القطع تحوي ستة أسطر في مساحة سنتيمترين مربعين.

 

هذا هو جروتنفند عالم اللغات الألماني العظيم,يحاول فك ألغاز هذه الألواح المكتوبة باللغة المسمارية. اللغة التي تستعمل حروفا أقرب إلى المسامير أو الخوابير يتم نقشها على الطين المحروق,والتي سبقت الأبجديات المعروفة بـ 1500 سنة. اللغة التي ابتكرها السومريون ثم تبناها الأشوريون والبابليون. هذا النص فارسي وجدوه في أطلال مدينة (برسبوليس Persepolis) ولسوف يقود إلى أعظم كشف في تاريخ الآثار بعد كشف رموز اللغة الهيروغليفية,ومن حسن الحظ هنا هي أن المسمارية الفارسية كانت أسهل من المسماريات الأخرى. وقد كان جروتفند يعرف من هذه الرموز رمزا واحدا هو (ملك).

 

هذه هي ملحمة جلجاميش

 

[49] أفلاطون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صاحب الجمهورية.

 

شوبنهاور (العالم إرادة وتمثلا)

 

-نيتشه / هكذا تكلم زرادشت

 

-ألبير كامو / الغريب

 

سارتر صاحب رواية الغثيان

 

كافكا

أنا في وسط أحداث لا أعرف عنها أدنى فكرة,كابوس من كوابيس (كافكا) القاتمة,حيث الإنسان محكوم عليه بالإعدام لتهمة لا يملك أدنى فكرة عنها.

 

 

 

[50] إدغار رايس بوروز

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عالم الأدغال .. إنه عالم حافل بالمتعة دون شك,في الغابة ألقي طرزان,وفي الغابة يجول الغوريلا العملاق كينج كونج,وفي الغابة يتسلل الشبح بقناعه المميز,وفي الغابة يبحث المغامرون عن كنوز الملك سليمان,وتطارد الغوريلا البيضاء فريق الإنقاذ في رواية الكونغو. في الغابة تدور بعض أحداث رواية هي أو عائشة. إن الغابة حلم كبير في حد ذاتها,لهذا كتب عنها حالمون كثيرون.

 

طرزان.

 

القائمة كاملة

 

1-بيتر بينشلي

2-جول فيرن

3-روبين كوك

4-ستيفن كينغ

5-مايكل كرشتون

6-هربرت جورج ويلز

7-أوسكار وايلد

8-آرثر كونان دويل

9-جون جريشام

10-روبرت لويس ستيفنسون

11-نيفيل شوت

12-دافني دو مورييه

13-برام ستوكر

14-روالد دال

15-مارك توين

16-لافكرافت

17-أجاثا كريستي

18-راي برادبري

19-جوزيف كونراد

20-كليف باركر

 

21-توماس هاريس

22-روبرت بلوخ

23-شريدان لي فانو

24-هوارس والبول

25-واشنجتون إيرفنج

26-فرانك باوم

27-لويس كارول

28-هانز كريستيان أندرسن

29-نيل جايمان

30-هرمان ملفيل

31-آرثر كلارك

32-إسحاق أزيموف

33-روبرت هاينلاين

34-روجر زيلاني

35-جورج أورويل

36-موريس لبلان

37-إيرل دير بيغرز

38-جيمس هيلتون

39-ماري كوريللي

40-سومرست موم

41-شكسبير

42-دوستويفسكي

43-ديزني

44-محمود سالم

45-غريم

46-نبيل فاروق

47-هوميروس

48-شين ئيقي ئونيني

49-أفلاطون

50-إدغار رايس بوروز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *