مجموعة قصصية من الخيال العلمي, ماذا يكون اسمها خير من (قبح) فما أقبح الأيام السوداء التي تنتظرنا. ولو عايشنا بعض منها, وليس بالضرورة أن نمر بتلك الأيام كما أقدمها في قصصي, فسوف نترحم على الأيام الجميلة أيام كان البشر لا يزالون بشرا. و(البشر) عنوان مجموعة قصصية أقدمها لاحقا. أما عن قبيح المستقبل, فهو يتوزع عندي حاليا على ثلاثة عشر قصة, هي
التحول
[1]
-9
-8
-7
-6
-5
-4
-3
-2
-1
إنطلقت المركبة (0) عند إنتهاء العد التنازلي, ورائدها المغامر الشجاع آرثر أرمسترونغ تتخبط أفكاره داخل رأسه بألم مدوي أكثر من الإهتزازات العنيفة المدوية الآن في جسده إثر إنطلاق المركبة في حركة تصنف على أنها ثالث أعلى سرعة مصطنعة في هذا الكون. وعبر منظاره الذكي لمح السماء تمضي من خلفه في غمضة عين, وقد تمالك أعصابه فلم ترف جفنه. رأى الآن مدار أطلس أو مدار المزرعة كما يُطلق عليه العامة. ذلك لأنها المصنع والمصدر الأساسي لإنتاج البشر والأسلحة وأحدث التقنيات الضرورية للعلاج أو التدمير معا. أو حتى شق الأبعاد للسفر إلى تلك المسافات. تذكر تعبه وإرهاقه وآلامه في تلك الثانية التي مرت أثناء الإطلاق. هو شعر بكل هذا وهو من هو بكل خبرته الطويلة منذ كان في السادسة عشر من عمره إلى أن بلغ الواحدة والخمسون. ما يقرب من نصف قرن. حاول أن يتخيل كيف يشعر هؤلاء من برفقته من باقي الطاقم مسترجعا ذكرى أول رحلة له في مراهقته, والآلام التي جعلته يصرخ ويتقيأ لمدة ساعات. لحسن الحظ لم يفعل أحد من رفقته أي من ذلك. الآن آن له أن يسترخي قليلا أثناء فترة بمرورهم من هذا الحاجز الفضائي. نزع عن رأسه خوذة المنظار الذكي, وفك أحزمة الأمان الجلدية أو الفولاذية. وقف محاولا الحفاظ على اتزانه, ثم تمطى شاعرا كأن هذه الدقيقة مرت عليه دهرا, رغم أن السفر لم يأخذ سوى ثانية أو بضع ثوان حرفيا. سمع صوت سقطة ونظر للخلف ليرى ويليام ممدا على الأرض غير شاعر بأي من أطرافه. بينما آثر باقي أفراد الطاقم أن يظلوا ماكثين قليلا دون حراك. لطالما استمتع آرثر بنظرات الإعجاب التي تحدق فيه دائما, دون وقاحة. نظرة خاوية مثل تلميذ أبله. وهو يحب أن يظهر دائما بمظهر القوي والقدوة لهم. لم يكتفي بوقوفه ثابتا, بل مشى بخطوات متزنة عابرا أطراف السفينة الفضائية واستقر أخيرا في غرفته بعد أن أحضر طعاما وشرابا وكتابا يقرؤه وهم ما زالوا في أماكنهم قاعدين. كان يتصفح في الكتاب مرة, وينظر عبر زجاج النافذة مرة. بالنظر إلى هذه المستعمرة مترامية الأطراف يحب أن يتذكر الوضع الطريف والغريب الذي يمر به كل مبتدئ أثناء السفر عبر الفضاء, تذكر رفيقا له كان يكبره بعامين في رحلته الأولى لم يستطع التمييز بين الإتجاهات لجهله بأهم العلامات المميزة لذلك؛داخل السفينة, مقدمة السفينة أمام, ومؤخرتها خلف, وسقفها أعلى, وأرضيتها أسفل,وجوانبها يمين ويسار. هذه هي الاتجاهات الثابتة حتى ولو كانت في تبدل مستمر. وخارج السفينة, تشكل محطة مثل تلك المستعمرة خارطة وبوصلة ومحطة استراحة. عدا عن ذلك يصبح الوضع أسوأ بالنسبة لأي شخص آخر عدا الربان أرمسترونغ.
وكان الربان أرمسترونغ بالنسبة له رجلا آتيا من الأساطير, ويشعر سام بشيء من الخنوع عند التفكير فيه, لأنه يجسد في ذهنه صورة الرجل الحقيقي. رجل لا يهاب شيئا. ولولا مشاكله مع أبيه ومشاكله مع إخوته حول من يرث الشركة, لما طاق إلى الفرار لجحيم الفضاء. جحيم الخواء حيث لا وجود لأي بشر أو كائن حي. وحيث لن يزعجه أحد. هل يريد ذلك فعلا؟. هو يستأنس بالصور التي تتابع أمام النافذة,كأنها تخرج عن شاشة حيوية. والفضاء مزدحم فعلا حتى أطرافه. تبدوا الأرض إزاءه بكل جلالها وحيويتها وتاريخها ونفوذها, كأنه غرفة صغيرة فيه بضع أفراد لا أكثر. إن الفضاء الخاوي حقا لازال يبعد العديد من السنوات الضوئية.
-نحن مدعومين من قبل أكثر من مليار مستهلك لمنتجاتنا
وتذكر عبارة أبيه تلك في رثاء لحاله وحال إخوته, وتضاءل في نظرة قيمة المليارات التي يملكها أبيه برأس مال يشكل أكثر من 60% بالشركة. منها 50 لأبوه وحده, ونحو 15% موزعة على أشقاءه الثلاثة الأكبر منه. ما قيمة مليار واحد من البشر على سطح تجاوز تعداده العشرين مليار نسمة. سطح الأرض وسطح الماء. فوق وتحت,وفي أطراف الكرة الأرضية الأربعة. ونعم,يعج الفضاء بأضعاف مضاعفة من هذا العدد (كوكب المريخ وحده فيه ضعف سكان الأرض). فماذا تساوي قيمة شركتك الصغيرة تلك يا أبي, والتي تحسبها إمبراطورية لأن الدعم الحقيقي آت من الأصليين, غير عالم أنهم قد يتخلون عنك في أي وقت.
-أنا الآن أقطع قطبي الإمبراطورية الحقيقية
تمتم جون لنفسه في رثاء مسترجعا صورة قبطانه يخالطها ذكرى بعيدة وهمية عن مأساة بني الأحمر. ليست وهمية لأنها لم تحدث, بل لأنه لم يزر المريخ قط, ولا حتى عبر الشاشات الحيوية. وأدرك أن الصورة آتية من تأثره غالبا بقراءة الكتاب في يده (تاريخ المريخ). ألقى الكتاب جانبا وأخذ يتأمل الصور المعروضة أمامه خلف زجاج النافذة. العديد من مركبات الأقمار الاصطناعية التي أصبحت هي شركات الإنتاج منذ زمن بعيد. تذكر أنه كان يحتفظ بـ (شريط فيديو) في غرفته, تحفة نادرة من الأزمان الغابرة. استأنف تأمله وهو ينظر إلى باقي التجمعات البشرية على الأقمار الحقيقية أو الصناعية. أو محلقة في مركباتهم العملاقة ومحطات الفضاء التي صنعت غلافا جديدا لكوكب الأرض. وهي غير مقتصرة عليه, بل ومتناثرة في كل مكان. أصبحت الكواكب مثل أحجار كبيرة وسط مجموعة من القطع المعدنية الصغيرة المنبسطة في سطح الفضاء مثل شظايا الزجاج المكسور. على طول الطريق اللبني لمجرة درب التبانة, وقد وصل الغزو البشري إلى ما بعد حدود مجرة أندروميدا بقليل, وبالطبع شمل الغزو الاحتلال الكامل لمجرة الكلب الأكبر. قديما -قبل أن يولد هو بزمن طويل- كان يمكنهم الاسترخاء قليلا في إحدى محطات مدار القمر أو حتى مدار بلوتو.
وانتهت هي من كتاب (الإتجاه), وقد وضعته فوق مجموعة الكتب المتراصة في خزانة مكتبتها الصغيرة, والتي تحتفظ بها رغم أنها قرأته أكثر من مرة, كتاب (الإله والزمن) المفضل لربانها. وكتاب (الكون السحيق والكون العتيق). وكتاب (تاريخ المريخ). وكتاب (آل آرمسترونج؛ما بين التاريخ الحقيقي, ونظرية المؤامرة). ثم أخذت تنظر إلى الرف, كتاب (رحلات الإنسان إلى القمر) نعم, قرأته من قبل. و(تاريخ السفر عبر الفضاء). وحتى رواية آلة الزمن لكاتبها المفضل هربرت جورج ويلز. هل كان يمكن أن يتصور أيا مما قد بلغناه الآن؟ تساءلت وهي تعلم أن عقل الإنسان كان ولازال مقيد بالظروف المحيطة به.
[2]
منذ زمن ليس قريب, عندما اكتشف البشر بشر آخرين على سطح كوكب إنديا اختلطت المسميات ببعض, على غرار البشرية والإنسانية والآدمية والهيومانية. لأول مرة عبر التاريخ الطويل للحضارة البشرية, وهو تاريخ قصير بالنسبة لحجم الكون الجاري استكشافه باستمرار, ما يجعل الاكتشاف هائلا ويسلط أضواء على ضخامته بحق. لأول مرة, يُكتشف الإنسان الغير إنسان.
“ورغم أهمية الفصول فيبقى اعتمادها على الجنس وارتكازها عليه لا بد منه للحصول على الماهية. فالفصل إذا أُخذ بمفرده يمكن أن لا يكون خاصا بنوعه, فالعقل في تعريفنا للإنسان بأنه حيوان عاقل يمكن أن لا يكون خاصا بالنوع الإنساني وحده, فالله والملائكة يوصفون بالعقل أيضا, فلا بد من ضم الفصل إلى الجنس” [المنطق وأصول الفقه / الشيخ أحمد ولد محمد محمود / ص 44].
ولكن المشكلة تتفجر حين يصبح الإنسان والحيوان والجماد وأشياء أخرى من الفضاء يمكن أن توصف بالحيوانية, تصبح جميعها كائنات ناطقة عاقلة. مما يتطلب ضرورة البحث عن مسميات جديدة للتفرقة العرقية من أجل الحفاظ على الهوية القومية واللغوية والثقافية للبشر. أقصد البشر الأصليين, ليس هؤلاء الأصليون ذوي البشرة البيضاء, بل جميع سكان الأرض الأوائل. والبعض يضم إليهم أيضا مستعمري الكواكب والكويكبات الطبيعية والمعدنية. والأقمار والمركبات والأجرام الصناعية والسماوية. حتى ورغم التغيرات البيولجية التي طرأت عليهم من سنوات السكن والإقامة في الفضاء. هم يتمسكون بهذه الأنواع المتطرفة من البشر بما فيهم ذوي البشرة السوداء والمتحولين جنسيا أو المتحولين غير جنسيا والبشر الفضائيين للحفاظ على بعض القوميات أو المميزات أو التمييزات داخل البشر أنفسهم (بين البشر والبشر) مثل الفرق بين الأصليين الساميين وغير الأصليين البهائميين. كالفرق بين الأبيض والأسود. الأفريقي والأمريكي. الغربي والشرقي. الإنسان النقي والمركب. ثم هناك تلك الفروق الجديدة بين البشر والبشر الذين هم ليسوا ببشر. ليس مثل تلك البرمجيات الحديثة التي تحاكي البشر, ولا مثل الآليات البشرية. بل هم بشر, يملكون نفس خصائصهم, ولكنهم آتون من الفضاء. والتاريخ لا يعطينا أي دلائل على كونهم ينتمون إلينا أو نحن ننتمي إليهم. فنحن لسنا من كوكبهم, ولا هم من كوكبنا, ولا نتشارك حتى في المجرة, ولا دلائل تاريخية عن أي تنقلات بشرية في الزمن السحيق. ربما كان آدم أبا لهم مثلما كان أبا لنا, فقط في حالة أنه أنجب ولديه في الفردوس المفقود وتفرقوا قبل النزول من السماء. ومع الوقت أصبحت كلمة (البشر) كلمة مطاطة جدا, قد نعني بها نوع محدد من البشر, المعروف لدينا منذ قدامى المصريين, أو قد نعني بها البشر الذين يشبهون البشر, وهم أنواع كثيرة,وكأن العرقيات المتعددة السائدة في القرن العشرين لا تكفي لتطاردنا بأزماتها التي أصبحت أكبر بكثير اليوم.
ومنذ أن اكتشف ذلك العالم الشهير آدم نيفيل Adam Nevill ما يشبه حجر الفلاسفة أو أكسير الحياة, والوضع لم يعد أبدا كما السابق. ولكنه لم يكن صلبا ولا سائلا هذه المرة. بل كان غازي. وتم نشره في العالم كله مع الأكسجين, غاز التنفس, الذي بلغت التطورات فيه حدا صار هناك بعض البقاع في الفضاء الخالي, يمكن التنفس فيها, كما يمكن التنفس تحت الماء بالطبع, وتم معالجة (الفراغ) نفسه وما يحتوي عليه من جزئيات أو غازات, لكي يكون قابلا للحياة. دعك بالطبع من الناس القادرة على الحياة بدون أي من هذا. ودعك أيضا من أشباه البشر في كل مكان, والناس المتحولة مثل الفقراء, فقد صار التحول شائعا حتى بدون تكلفة. مصاريف العمليات فقط تساهم في جعلك متحكما وتوجيه جسدك إلى الصورة الأفضل. بينما الفقراء يجوعون فيتحولون إلى غيلان. دعك من دعاة (اللابشرية) أو (اللإنسانية) لتأسيس مجتمع لا إنساني من جديد. وهم يتحججون بالسؤال الشهير؛ ماذا لو كنا نحن الفيروسات الحقيقية بالنسبة لكوكب الأرض والكائنات الحية عليه؟. كل أبناء آدم ونوح, ما هم إلا فيروسات, أو ربما بكتيريا كما تؤكد الدراسات الحديثة.
وكان هذا العصر,بوابة على أكبر مجموعة من الغرائب اجتمعت في زمن واحد. على سبيل المثال إليكم قصة هذه الطفلة التي لم يكن لها أبا واحدا, كانوا آباء. ولكنها كانت تعرف الأب. وتميز بين الأب والآباء الآخرين. كانوا يتناوبون جميعا على مضاجعتها أو ما تسميه جارتهم وصديقتها الوحيدة؛ اغتصابا. كان هو الأكثر حنانا من بينهم جميعا, وربما تصف كلمة اغتصاب ما تشعر به تجاههم جميعا عداه هو. كان يمكنه أن يحمل بها, ولكنه لم يفعل, كان الخيار الآخر أن يوظفوا حاضنة بشكل مؤقت طوال تسعة أشهر (أو ستة أشهر لو تمت معالجة الاختصار المعروفة اليوم). ولكن الحيوان حيوانه هو, ومع ذلك تشعر بحنان منه كأنه أب وأم, وهي التي لم تعرف قط معنى الأم, ولم تشاهد واحدة, لأنها تسكن في قرية صغيرة, ومعزولة, وشبه مهجورة داخل إحدى تلك الدويلات المنكوبة والمنبوذة. وهي تشعر أنهم هم الحيوانات وليس هو, ربما لأنم ليسوا آباء إلا بمقتضى ما يتطلب العرف الاجتماعي. وهي ورغم صغر سنها تعرف بالضبط معنى العرف الاجتماعي. لقد تزوج أبوها (الأول) من ثلاثة رجال آخرين.
ولأن الشيء بالشيء يذكر, هناك الأم. وعلى ذكر ذلك نورد أن ثلاثة أعلام يذكرها كل دارس لتاريخ الطب الحديث, تاريخ الطب الأكثر حداثة عن الطب القديم الذي كان متداولا في مطلع الألفية الثالثة. الطبيب الأول هو ليفين شتراوس الذي استطاع أن يطوّر المناعة البشرية إلى أقصى حدودها المعروفة اليوم. والثاني هي الطبيبة المشهورة سارة ماكنايل عالمة البصريات والتي قضت تماما على مرض (العمى) بغض النظر عن أيا كان مسبباته. الثالث هو عالم لا أذكر اسمه, ولكنه معروف على نطاق واسع لكونه مكتشف إمكانية زرع الخلايا البشرية في أي كائن آخر. ما طورّ عنه لاحقون جميع علوم الاستنساخ المعروفة آنذاك. ربما الرابع هو آدم نيفيل. أو هذا رأيي على الأقل. وأنا اسمي آدم ولكن ليس لذلك أي دور في سبب اختياري هذا.
أذكر تلك الحادثة المشهورة, رغم أنها شائعة, فليست الأولى, وقطعا ليست الأخيرة, ولكنها بشكل ما كانت مميزة عن عيرهم. الجميع يعلم العملية التي يتم بها ربط الخلايا العصبية للإنسان بجهاز معقد وكامل من غير الإنسان. في حالتنا هذه, هي تركيبة غريبة من أجزاء عضوية وأخرى صناعية. لكي تخدم مهمة واحدة فقط؛ التوليد. وذات يوم مشهود حدث حادث جلل, والتف حول المبنى الكبير رجال الشرطة, ورجال الإطفاء, ورجال الإسعاف. سمع الناس صرخاتها التي امتدت إلى محيط دائرة يصل نصف قطرها لمسافة ثلاثين كيلو متر. كانت تنادي على أطفالها, لقد أخذوا منها أطفالها. دخل الرجال ورُوعوا لما رأوا. هناك منهم من لم يرى قط أما اصطناعية في حياته. تلك المولدة المصممة فقط لتوليد الأطفال من رحمها, وإرضاعها من ثديها. ولكن زراعة البشر داخل الآلات أدت إلى توليد نوع من الكائنات الإنسانية المشوهة. الجميع يعلم ذلك. وهي كائنات تكون مغيبة وتؤدي دورها فقط. إلى أن تلمع في عقلها لحظة وعي, أو ربما كانت واعية, وهذه فقط هي لحظة سلطة. سلطة على ذاتها. لهذا يجب تدميرها والقضاء عليها. وهو ما تقوم به قوّات الشرطة الآن.
الزواحف
-إلى أين نذهب يا عمي؟
-ستعرف الآن,لا تتعجل
-آه .. الحديقة الجوراسية
كانت تتأمل كل شيء حولها, كثير أو قليل, هذا العالم الممل, والذي برأيها لا يدل إلى على حجم معاناة الناس من قبلها, ماذا كانوا يفعلون للحصول على التسلية؟ لم يكن يوجد سوى مجموعة من الشاشات المتناثرة على الجدران وفي الأيدي, الشاشات الهلامية والتفاعلية صارت مملة, (فما بالك بتلك الشاشات المسطحة), وعلمت من أستاذها أن هذا النوع من الشاشات كانت توهم الناس قديما بأنها تعرض صورا ثلاثية الأبعاد, يا إلهي. كيف يُعقل أنهم كانوا يصدقون هذا الهراء المعروض؟. ما بالهم لو جرّب أحدهم المرور عبر تجربة مشاهدة من نوع اختراق الأحلام, أو تلك التي تخلق مشاهد حقيقية, ليست مشاهد, بل تؤدي أحداثا كأنها معروضة مسرحيا, وبشكل مادي. لقد رأت ذات مرة, حين تسللت من يد أبيها, أناسا يموتون حفا أمام أعينها في أحد العروض السينمائية الحية. ضحكت حين تذكرت تعبير قاله صديقها العزيز داني
-يقتلون شخصيات حية من أجل الحفاظ على العروض حية
ضحكت كثيرا لسماعها
[3]
منازل المائة غرفة هي سلسلة من المختبرات البشرية التي تجري اختبارتها على البشر,تشبه المعامل الحيوية,وإن كانت أكثر عمومية ومشاعا للجماهير. حيث يُحتجز مائة فرد في مائة غرفة. كل فرد معه فرد آخر. أي أن المجموع هو مائتي فرد وليس مائة. نصفهم يشغل دور الجلاد,والنصف الآخر تتمثل فيه الضحية. كل زوجين محتجزان معا في غرفة واحدة,ضيقة ومغلقة,ومقبضة رغم أناقة الجدران الرمادية الظاهرة تحت إضاءة بيضاء متألقة وواضحة.
كل عام يُعقد مؤتمر دوري في موعد محدد لتحديد التجربة الجديدة هذا العام,حيث تركز جهودهم دوما على شيء مختلف في كل مرة. مرة كان هناك عام للمرأة,حيث الرجال يجرين اختباراتهن على المرأة,ومرة كانت على الكبار. هذا العام عام الطفل.
-هل أدركت العلاقة بين الإختبارات على الأطفال وكره القتل؟
-ليس بعد,مازلنا نجري المزيد من الاختبارات
-إلى متى سوف تستمر هذه الاختبارات؟
-من الأجدر بنا أن نسأل عن الداعي لتوقفها
الأصليون هم سكان الأرض الأصليين,ليس هذا فحسب,هم سكانها من البشر,ولكن المسألة لا تقتصر على ذلك فحسب,بل هم أيضا معروفين للناظر حتى ولو كان طفلا. بشرتهم البيضاء (العادية) دلالة واضحة على هويتهم وجنسهم. وخلو أجسادهم من أي أطراف أو قطع اصطناعية. كما أنهم أكثر حيوية من أشباههم في الكواكب الأخرى. أبناء عمومتهم من آدم. كان لآدم أخ واحد,فقد خلق الله من كل شيء زوجين. لم يخلق المرأة أولا. خلق الرجل والمرأة. ومن ضلع الرجل آدم خلق حواء. أو هذه هي الرواية الحديثة المناسبة لأفكار العلماء (المتدينين منهم) في محاولاتهم التوفيقية مع آخر بحوثهم ومكتشفاتهم. وحرّفوا الرواية التي ذاعت في الفترة الوسيطة (خاصة ما بعد عام 2020) عن آدم وحواء التي انبثقت عنه. وليلى شقيقته (قيل زوجته) وهي التي انبثق عنها ذلك الرجل الذي لا يُعرف إسمه. ورويت الروايات كثيرة عن تلك السلالات الغامضة من بشر لم نعرف أنهم موجودين. قيل زوجة عيسى,وقيل ابن محمد,وقيل في أيامنا هذه شقيق آدم. هو ليس شقيقه بل زوج شقيقته (التي كانت زوجته في يوم ما). جعلوه أخيه لمواكبة الهيمنة الذكورية التي تشهد تنامي غير معهود أبدا في العصور السالفة. (لا أمانع ذلك في الحقيقة) قالها مؤكدا على حقيقة أنه رجل,وممتنا لذلك. لكنه ممتن أكثر لحقيقة أنه من كوكب الأرض. ليس ذلك فحسب بل ومواطن أمريكي,مسترجعا حدث شعر به مع أنه لم يحدث له,خاصة بعد مشاهدة الفيلم الوثائقي على الشاشة الحيوية.
لقد جسد مايكل ديزني (المشهور بـ مايكل جاكسون؛أو مايكل فحسب) دور القائد المحنك ببراعة,واحدة من علامات الحكمة هو تقدير للأمور كما هي عليه,وقد عرف حجم الكارثة التي أوقع نفسه,وفريقه بها,وقدّر متطلبات النظر في هذه المشكلة,وتجلى ذلك في وجهه وهو يتكلم مع مساعده
-الأصليون! الأصليون من؟
-الأصليون سيدي .. من كوكب الأرض
شعر المساعد بالفزع (وقد أدى الدور ببراعة شاب صغير لا يذكر اسمه) من نظرات قائده وعرف بدوره ما الذي أوقع نفسه وزملاؤه به. لكنه الآن كان يفكر في نفسه فحسب. حاول القائد الكبير تدارك الموقف,ورغم أنه استغرق ثواني (القائد
-من أي بقعة؟
-إنهم أمريكيون
-لا يهم أمريكيون أو أوروبيون,هل متأكد أنهم أصليين .. ماذا دهاني,هذه أمريكا لا شك في ذلك. لكن لحظة
استأنف أسئلته
-هل هو أمريكي مقيم في أمريكا,أم أنه من الأصل
-الأصل سيدي
يا إلهي,هو دوما يستمتع بهذا الفيلم كثيرا,الأرضيون ليسوا قوما يمكن العبث معهم,فما بالك وهو من الأرضيين,ليس هذا فحسب,بل وهو من الأصليين,ليس هذا فحسب,تحديدا هو من الأمريكيين. الأمريكيين الشماليين اللعينين.
إلى أن أتى الآخرون
لقد نال بهم شرّ الكفاية,حتى أنزلوا على البشر الكافية. فأصبح الجميع ضد البشر. في هذا اليوم,اجتمع الجن,ومجموعة الأضواء الحيّة,مع تلك الآليات التي تمزج بين المعدن والمواد العضوية عبر الوسائل التقنية الحديثة. ثم هناك الفيروسات البشرية,وأيضا البكتيريا البشرية. وتلك الآلات التي تحتفظ بنخاع بشري داخلها,وتكون مخدرة إلى أن تعي بنفسها. هي تمزج بين وعيين. لقد بلغ التقدم التقني في علوم البايو حدا لم يصل إلى عشرة في المائة منه كل البشر عبر الأزمان المنقضية جميعها.
عندما يسُأل طالب عن الفترة التي انتشرت فيها طفرة المواليد Baby boomers قد يجيب بأنها ما بين عامي 1946 و1964,ولكن القصد منهما بات عامان مختلفان,هما عام 2033 و2033.
الأطفال المبتسرين
يسمح أحد القوانين بقتل الطفل قبل ولادته,حتى ولو بقى على ولادته يوم واحد,ونفس القانون يسمح بقتل الطفل بعد ولادته طالما لم يمرّ على مولده أكثر من يوم واحد. عدا عن قتله يسمح القانون أيضا بتبني الطفل من قبل عائلة أخرى,أو من قبل الجهات المختصة. وكان السيد مجدي واحد من الأطباء القلائل الذين يرفضون هذه النظم الجديدة التي حلت عليهم في العقد الأخير. وكان على دراية ببعض الألاعيب المستخدمة من قبل الدولة,بحكم أن خاله واحد من الضباط الكبار في هذه الدولة. وبطبيعة عمله يطلع على الكثير من الأمور. وهو ليس ثرثارا لكن ذلك لم يمنع مجدي من ينتشل منه معلومة أو اثنين. أن ينتزع الطفل من بطن كي يوضع في غرفة تجارب كأنه فأر أو خنزير كبير. هذه هي المعلومة الأكثر ارعابا بالنسبة له. ليس لما يجري,لأن مجرياته كثيرة ومعاشة بشكل يومي في عصره هذا. بل لأنهم قادرين على الحفاظ على حياته,ولكن يترك لموته -إذا كان في الأم عطب ما- كي يموت وقد يقتل أمه معه طالما لن يستفاد منه.
عصر الـ بايو بانك Biopunk هذا كما يحب هو تسميته هذه,وكما أتفق كبار العلماء وفلاسفة القرن على تسميته بهذا الوصف, وكما يحاول هو تلقين طلابه في الجامعة بتلك التسمية التي ليست غريبة أو مجهولة بالنسبة لهم. فهم يشاهدونها يوميا على الشاشات الرقمية,أو حتى ذلك النمط الجديد من الشاشات الحيوية. الشاشات الحيوية نفسها لا تنقل لنا معلومات عن طبيعة هذا العصر,بل الطريف أنه في مشاهدتها بحد ذاتها,مشاهدة أي شيء عبرها,هو تأكيد على معايشة تجربة ملموسة من هذا العصر الذي يبدوا بعيدا بالنسبة لطبيب يسكن في إحدى تلك البقاع النائية المحظورة مثل مرض جلدي على سطح أمريكا. ويحن لماضي قديم لم يعايشه قط,وعاش ظلاله فقط.
في بعض البلدان من العالم,مثل البلد الفقيرة التي يعيش فيها في أقصى الشرق,هناك الأطفال يحكمون. وسمع ذات يوم أنها البلد الوحيدة التي يحكم فيها الأطفال. وأنها ضمن البرنامج الأمريكي للقضاء على جميع الدويلات الفقيرة المتناثرة في أقصى الجنوب الأمريكي وفي أقصى الشرق الآسيوي.
إنهم سوف يعملون معنا نفس ما فعلوه مع الشرق الأوسط في قديم الزمان,أيام كان هناك قوم أشداء ذو بأس اسمهم العرب.
ولما رأى آدم المخبر الخلوي لأول مرة, لم يصدق نفسه. يعد المخبر الخلوي واحد من أهم منجزات القرن التاسع والعشرين وأكثرها إبتكارا على الإطلاق,خاصة مع تطور تقنياته لتواكب المرحلة الحديثة من نمو العصر مع ختام الألفية الثالثة. لدرجة دعت بعض العلماء لإعتبار الطفرة الحادثة في القرن المنصرم مجرد تقنيات بدائية لا تمت بصلة لما وصل إليه العلم الحديث في هذا المجال. وهو اعتقاد أو إدعاء علمي يتبناه الكثيرين,ليس في حقل التقانة الخلوية فحسب,بل في سائر المجالات والتخصصات العلمية التي طوت صفحة على الماضي القريب والبعيد.
يستمد المخبر الخلوي تقنياته,من مجال التقانة الحيوية,التي تعد التقانة الخلوية Cytological Techiques,حقلا منبثقا عنها,حيث الأولى رافد للأخيرة. في هذا المجال,يتم العمل على الجمع بين أمرين,تم جمعهما سابقا,في فترات غابرة من المسيرة العلمية البشرية,خاصة في القرون الثلاثة (القرن التاسع عشر,والعشرين,والحادي والعشرين) من الماضي البعيد قبيل حدوث الثورة العلمية مع إنتهاء القرن الحادي والعشرين. والتي عقبتها سنوات طويلة من البحث العلمي,استنزفت ثروات من المواد الخام,والأموال,والأرواح. الجمع بين النظم,والتقنيات. على سبيل المثال نظم الإعلام البائدة من تلفاز أو يوتيوب أو تبئير (تلك التقنية الأخيرة التي حسبت نفسها ستدوم). جمعت بين تقنيات البث,والإدارة الإعلامية والتسويقية الماهرة,والمنبثقة عن معرفة أكيد بالأفكار والمرجعيات والمذهبيات التي تنظم العلاقات بين البشر. مع حدوث ثورة المحيط الأطلسي 2033 تمكن الإنسان من ثبر مخاوفه تجاه الأشياء,واستطاع أن يطبق التقنية على كل شيء تقريبا. بما فيه الإنسان نفسه. ساعد هذا في تحقيق العديد من الإكتشافات المذهلة حول النظم التي تسير حركة الإنسان وحياته.
تطور علم التقانة الخلوية لاحقا إلى علم التحويل أو التحوليات Transformation,عبر مدرستين علميتين كبريتين في العالم رائدتين في المجال؛المدرسة الأمريكية وهي المذكورة, والمدرسة الألمانية التي أطلقت لفظة Metamorphosis على علمها. تؤمن المدرسة الألمانية أن عليها التركيز على الإنسان فحسب. وحده لا غير. وأن جميع الكائنات الأخرى تأتي كأدوات مساعدة نحو فهم وتشريح الجسد البشري,لا اكثر.
تعبث التجارب هنا في كل شيء,ولم تترك على سطح الأرض لا بشر ولا شجر ولا حجر. وكلها بشكل أو بآخر ترتبط بالأحياء. واحد من أهم اكتشافات البشرية في العصر الحديث,هو إمكانية زرع عصب بشري كامل في أي جسد غير بشري بالمرة.
فيروس / زراعة / زومبي / العصب / النخاع الشوكي / غالتون / الضوء الحي / بايو بانك / التلاعب الحيوي / التعديل الجيني / الخلية / الفضاء النووي / النباتات والكهرباء, والذاكرة تقوي الذكاء, والناس تحت الأرض وفوق السماء وناس تأكل الورق وغرف الأطفال إضافة إلأى الخيميائي والألوان وصيد الوحوش وبلد المركوبة, والذكاء الآخر والتغذية النباتية على جثث البشر. هناك الكثير من البشر وغير البشر حقا. الغرفة والفضاء والجليد والذات أو الأنا الجنون والإنتحار والآلة وأيضا المجتمعات المغلقة التي يتحولون فيها, والمخلوقات الناتجة عما حدث في كارثة كلوفريلد. ومنتجات المعمل أو المنتجات المعملية, وغرف الأطفال, وزوجته هلامية والطفل في الآلة ويحب آلة أو حاسوبه. رأس أصلع وجسد مليء بالثقوب. وتجارب العصب الغريبة, والكثير من المفردات الأخرى التي لا غنى عن تعلمها. خاصة الأخيرة,التي تعلمنا في الإبتدائية درسا خاصا بها.
[4]
الأعمدة
متحف العمدان هو متحف شهير له إسم آخر علمي ولكن لا يتذكره أحد,وفي زمن تقدمت فيه كل تقنيات تحويل وتعديل الجسد,يعد هذا المتحف من أكبر المزارات السياحية وأكثرها شهرة وإقبالا من الجماهير. والذي يُعرف على نحو واسع بإسم متحف الأعمدة,وقد نال هذه التسمية بسبب طبيعته المعمارية الفريدة التي تضمن وتعلن عن الغرض من إنشاءه. فالمعمار قائم على أعمدة زجاجية يرتفع فوقها السقف والطابق الثاني كله,حيث تتناثر غرف إدارة المتحف,بينما اتسع الطابق الأول للمعروضات داخل الأعمدة / الأنابيب الزجاجية. فالمبنى من طابقين,وإن شكل الطابق الثاني متاهة متكونة من الغرف بين جدران عديدة مرسومة بعناية على مسارات تحددها تلك العمدان بالطابق السفلي. لا يوجد أي أعمدة خرسانية أو حديدية تتخلل معمار هذا الطابق. فالإعتماد بالفعل على صلابة هذا الزجاج -الذي قيل أنها غير قابلة للتحطم- وتماسكه وإنسجامه في البنيان. زجاج يحوي معروضات المتحف,أي أنه ليس سميكا. مجرد طبقة رقيقة عالية الشفافية تسمح برؤية المعروضات من زوايا معينة كأنه معروضة على قطعة عالية من الحجر دون أي حواجز تمنع سرقتها. وعندما يتم سحب القطعة الحجرية واستبدالها بأخرى زجاجية يمكن للسائر في المتحف أن يحسب نفسه يسير أسفل مجموعة من الأجسام الطائرة لولا أن الزجاج مصمم لكي يعكس لمعان أو يكشف عن وجوده في زوايا معينة منعا لحوادث الاصطدام أو الارتطام به. هذا الزجاج يدخل في تصميمه العديد من الخصائص أهمه هي أنه,وحتى لو فرضنا أن رصاصة ماسية من تلك التي تطلق في قنابل صامتة يمكن أن تخترق الزجاج,فهو مصمم كي لا ينهار حتى ولو تم تحطيم أغلب أجزاؤه.
المعروضات هي أجزاء أو أجساد لهيئات بشرية,سلبت من بشر أحياء فلا هي جثث موتى, ولا هي مثل الأحياء المحفوظين في الثلاجة العمومية حيث تم تجميد أجسادهم لدواعي طبية أو بحثية. تحفظ الأجساد بشكل كلي أو جزئي بعد أن تكتمل مكوناتها من المفقودات والتالف والبدائل. أي أن هناك أجساد مكتملة,وهناك أجزاء وأطراف وأعضاء وأشلاء متناثرة في الأنابيب الزجاجية يشاهدها الزوار أثناء تجوالهم في المعرض. الجسد الكامل لما يحفظ,فهو غالبا يكون لميت ولا يوجد أي فوائد عادت عليه. العضو هو جزء منزوع من صاحبه لإستبداله بعضو جديد,لذا صاحبه يفترض أنه المستفيد وفي صحة جيدة حال نجحت العملية. يغلب على المعرض انتشار الأعضاء الصغيرة المجزءة في مختلف أنحاءه. بينما ينظر إلى الأجساد المكتلمة باعتبارها تحف فنية لا نظير لها داخل ألواح زجاجية كأنها ماسية تبهر الجميع بجمالها الذي يظهر فجأة بعد إحتواءه على جسد / جثة / دمية كاملة. جسد لأن صاحب الجسد لازال حي وقد خلعه مثل ثوب لا يجوز ارتداءه ثانية. مثل ثوب الموت لا يرتدى إلا مرة واحدة. جثة لأنها جسد ميت. دمية لأنها شيء ثالث لا ينتمي إلى جثة ولا إلى جسد. مثل ثوب ملوث لا يمكن ارتداءه. المعروضات مصنوعة من البشر,إذن هي مصنوعات نفيسة للغاية,لذا صنعت العارضات من أقوى خامات الزجاج,نفس الخامة التي يصنع منها زجاج سيارة الرئيس ذاته,نفس الخامة التي تستخدم كدروع لدى بعض الفرق الخاصة من قوى مكافحة الشغب,أو قوة المداهمة أو فرق التدخل السريع أو الدعم. نقس الزجاج الذي يستخدم لدى أغلى محلات المجوهرات في العالم.
هناك أقسام خاصة في متحف العمدان / معرض الدمى,تحت إشراف متحف الفن الحديث, وكلية الفنون ووزارة الثقافة,القيم على هذا القسم هو أسعد عمران الوزير السابق للآثار, ومدير المتحف يعطيه صلاحيات شبه كاملة في التصرف بكل ممتلكات المتحف. حتى أن نائب المدير يأخذ الأوامر من الدكتور -أو هو بروفيسور- أسعد عمران فقط في غياب مدير المتحف. وكان دوما يتباهى في مناسبة أو غير مناسبة (أمام عائلته أو أصدقاءه أو زملاءه – في اللقاءات الصحفية والتلفزيونية – في مقالاته وأبحاثه ودراساته – في تدويناته على الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي) أن مصر صنعت من أجساد الموتى معجزتين لم يسبقها إليهم أحد ولم يستطع أي أحد في العالم كله بلوغ ما بلغته فيهما؛أولا التحنيط قديما والذي دفن سره مع ملوك الفراعنة في مقابرهم بالأهرامات. وثانيا التجميد في العصر الحديث. وهو الاسم الذي اطلق على تلك التقنية المروعة والتي صار متاح عرض ثمارها أمام العامة. وهي تختلف وتتفوق على عملية التجميد لدى الغرب المبنية على تقنيات بدائية لحفظ أجساد الأحياء أو الموتى من التحلل لفترات طويلة تتجاوز المائة عام. التجميد هنا يحافظ بعد إنتهاء العملية على الأجساد والأعضاء سليمة تماما لا خلل بها إلا ما أصابها حين تم استئصالها من الجسد وإخراجها واستلامها. وحوالي نصف المعروضات تقريبا سليمة. لكنها للأسف غير صالحة لاستخدامها ثانية. لذا لا يمكن الاستفادة من بنك البقايا والمخلفات والأعضاء والأجساد في هذا المعرض. ليس لأنها تالفة,بل وببعض التوصيلات يمكن تشغيل قلب ميت لينبض ويدق دقاته. إلا لأنه وبعد تعرضها للمادة السائلة للتجميد,وجرى حفظها خلف الواجهات الزجاجية داخل غاز غير مرئي,صارت ذات سمية مميتة بنسبة 100% لأي جسد يمكن زراعتها فيه.
قسم الدمى هو قسم خاص جدا,ويعد رئيسه أسعد عمران منعزلا ومستقلا بشكل كبير عن مدير المعرض / المتحف وبقية أقسامه. ولا يكف دوما عن الحديث في كيف أن منتجهم الحضاري بشأن الجثث والتحنيط هو الأعظم في التاريخ نحن المصريين. والحق أن الأجانب يؤيدوه بقوة,والمتحف جعل مصر ترجع لموقعها الريادي في السياحة وقد نالت بالفعل المرتبة الثالثة ضمن البلاد الأكثر زيارة سياحيا هذا العام.
-يجب استئصال المعدة
-افعل ما يلزم يا دكتور
-أحتاج إلى موافقة كتابية
-سأعطيك ما تريد
-نرمين
-حاضر
-اذهب معها لعمل كل الإجراءات الكتابية,وسأذهب أنا للبدء في إجراء العملية
-شكرا دكتور
افترقا في اتجاهان,وتبع الشاب السكرتيرة الجميلة,وهناك أعطته ورقة ولمست أناملها ظهر يده. فكر أن يتزوجها لاحقا وليس الآن.
أشارت إلى أهم الفقرات
-أنت تتحمل المسؤولية بشكل كامل,ولا تتحمل إدارة المستشفى أو الأطباء المسؤولين عن العملية أي من تبعات اتخاذ هذا القرار
-وهذه فقرة توضح كل التداعيات المحتملة والأضرار الجانبية للعملية
-صورة جسده بعد خلعه
[5]
تطورت الآلات والآليات,والنظم والتقنيات تطورا ملحوظا في الآونة الأخيرة,وهذه ليست تلك الفترة التي كان يظهر جديدها كل يوم,جديد مختلف يوما بعد يوم,وكل يوم جديده يختلف عن اليوم الذي قبله,ولا عن تلك الفترة التي باتت تتوالى المحدثات مطرا مدرارا كل ثانية. لحظة بلحظة جديد يختلف عن الجديد الذي قبله. الجديد الذي بات قديما مثل مرور حرف بين الكتابة. وقد بلغت هذه الحداثة التقنية مبلغا أن أتقنت التقنيات عملها,ولم يعد لعلوم التقانة من جدوى بعد أن اعتبر البشر فيروسات يمكن أن تعطل النظام. وهنا تحتم على البرامج ممارسة عملها وأداء وظيفتها التي خلقت لأجلها؛القضاء على الفيروسات. الناس تسير في الشوارع تسعى في الأرض,الناس تنام في بيوتها تنتظر طلوع نهار يوم آخر,ولكن كان نهارهم أسود هذه المرة,أسودا من ليل بلا نجوم,أسود على رؤوس الكل. وبدأ التنظيف. ولولا الجهود الحثيثة لعلماء الأمة الأمريكية لما أمكن القضاء على هذا الخطر خلال عام واحد من انتشاره. كثرت الآلات العملاقة,وصار هناك تباري على أكبر الأجهزة والآلات والمركبات في العالم. لنأتي على السيارات أولا,ومنها أكبر سيارة ليموزين في العالم. من لم يراها لن يصدقها. حتى من هؤلاء الذين يعيشيون في هذا العصر. من لم يدخلها,ويتفحصها جيدا داخلا وخارجا,لن يصدق أبدا أن هذه سيارة وليست قطارا. هي سيارة ليموزين فارهة,وطويلة جدا جدا,تتجاوز بطولها الخمسين مترا. الأكثر من ذلك أنها كانت قابلة للإمتداد من خلال آليافها,ونسيجها,ومعداتها,وآليات تركيبها. فتصل بطولها إلى سبعين مترا,حيث تزداد عشرا للأمام وعشرا للخلف. الأكثر من ذلك أنها مصممة على الالتحام في سيارات أخرى من نفس النوع. بعدد محدد لا يتجاوز العشرة سيارات وموصي بأن يكون ثمانية أو تسعة. هذه هي السيارات الخاصة. أما عن عربات النقل. فنالت تفوقا ملحوظا. أكبر طائرة,أكبر قطار,أكبر سفينة.
-اذهب أنت وآلتك فحاربا ونحن هاهنا قاعدون.
قالها ممثل الشعب للمتحدث الرسمي بإسم الحكومة,وخلفه تراصت المقاعد ويجلس عليها ذوي الياقات والبذلات الدالة على أهميتهم وحجم وعلو مناصبهم. نائب الرئيس. القائد الأعلى للقوات المسلحة. وزير الدفاع. الرئيس هو الآلة نفسها. وقد جرى إنتخابها بعد أن أثبتت الشركات الكبرى نجاحا فائقا في الوصول إلى الجماهير العريضة والطويلة. وقامت الجهات الإعلامية بالقضاء تماما على أي تحذيرات من الكارثة التي حدثت سابقا.
-الآلة تغني,ترقص,تكتب,وتخطب في الناس
قالها أحد المعلقين الصحافيين ساخرا,ولم يكن يعلم أن هذا آخر جملة سوف ينطقها في مستقبله المهني.
هل تحلم الآلات بخرفان آلية؟
ماكينات الخياطة
-اذكر أربعة قصص من الخيال العلمي تحتوي على ماكينات خياطة
1-الزئبق الأحمر
مادة لها خصائص لم تكتشف بعد
2-حائكة الصوف
تحيك الصوف كل يوم وتشقى حتى يتفصد العرق من جبينها
3-ذاكرة التصميمات
وهي التي تحفظ كل شيء بصري في ذاكرة متصلة بالشاشات الحيوية
4-إبرة الخيط
وهي تلك التي تخلط بين المخدرات, والمواد البيولوجية المحفزة على التحويل
[6]
أمريكا
بيانات عن أمريكا
طبيعة الموصوف: بلد / دولة
سنة صدور هذا البيان:
الإسم الشائع: أمريكا
الإسم الرسمي: الولايات المتحدة الأمريكية
نظام الحكم: جمهورية دستورية إتحادية
العاصمة: أصلان – كيبك سابقا
الشعار الرسمي: بالله نؤمن In God We Trust
الشعار التقليدي: واحد من الكثرة E Pluribus Unum
أعلى قمة:
المساحة: 24,710,000 كم² (غير محددة بدقة)
اللغة الرسمية: لا لغة رسمية على المستوى الإتحادي,لكن اللغة الرسمية هي الإنجليزية بحكم الأمر الواقع.
اللغات الشائعة: الإنجليزية الأمريكية,يليها الإنجليزية المعدلة,يليها العربية.
تسمية السكان: أمريكيون (قد يجري خطئا تسميتهم الأصليين عند سكان الشرق).
التعداد السكاني:
متوسط العمر:
رمز الاتصال: +1
رقم هاتف الطوارئ: 911
القارة: أمريكا الشمالية
العمل: دولار أمريكي
الرمز الرسمي: إنسان – عقاب سابقا
-جهة السير: غير محددة (يمين سابقا)
-اتجاه حركة القطار: يمين
رمز الإنترنت: us
الثروة القومية:
نسبة مصاريف علوم التحول من الناتج القومي داخل أمريكا: 7%
نسبة مصاريف علوم التحول من الناتج القومي خارج أمريكا: 90% في كوكب الأرض وخارج كوكب الأرض.
الديانة: الإسلام
العلاقات الخارجية الأمريكية: وفقا لمعاهدة حلف الأطلسي الموقعة عام 2062 وتم تعديلها في عام 2092. تنص المعاهدة على التعاون الكامل بين دولة الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الأمم المتحدة البريطانية. بما في ذلك التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي والتقني للقضاء على الدول والدويلات المشاغبة في أقصى الجنوب الأمريكي,وفي أقصى الشرق الآسيوي,وبعض الدويلات والبلدان الصغيرة في أماكن متفرقة من العالم. القضاء تماما عليها,أو السيطرة التامة على الأوضاع داخلها.
مستوى الرفاهية: عال جدا.
حيث يعيش المواطن الأمريكي وقتا دافئا أو باردا حسبما يريد بالتنسيق مع النظام العام للدولة,أو هذا ما كان قبل إلغاء النظام الذي لم يثبت فاعلية كبيرة في إرضاء المواطنين.
عدد المعامل الحيوية: 132 معمل.
[7]
الحقل
نسى كل واحد من أغلبهم أو جميعهم اسمه. كانوا مجموعة كبيرة إلى حد ما,دستة من الرجال ليس بينهم سوى امرأة واحدة. وهي المرأة التي سوف يحسبونها الشيطان مجتمعا معهم فهي الثالثة عشر بينهم في العدد والترتيب رغم كونها أول الحضور. كان أحدهم يحمل رواية حقل القصب,ورواية الوينديجو للكاتب الكلاسيكي ألجرنون بلاكوود. ومع أن المرأة بشرية,إلا أنه واضح على العيون من نظرات الجميع لها القطع أو التسليم بكونها غريبة عنهم,بالرغم من أن المجموعة برمتها هم حلقة من الغرباء عن بعض,ليس مجرد أغراب من بلاد مختلفة,أو حتى عرقيات تنتمي في الأخير إلى نفس الجنس البشري. كانوا أكثر تنوعا من ذلك,فبينهم مخلوق من الفضاء,وخبيثة من الخبائث,وأحد الساقطين من السماء,وأحد الأغبياء الذين لم يعودوا أغبياء,وبشري عادي, ومتحور نباتي,وآخر متحور ضوئي (وهو أكثر من سبب توترا وإرتباكا بين الجميع),ثم هناك بينهم متحول جنسي,وآخر حيواني,وطفل ولد كبيرا,وكائن مخلق من لحم (وربما من هلام أيضا أو شيء آخر),وإنسان آلي,وامرأة واحدة. فمع تطور علم الأحياء,تعاقبت الثورات العلمية وكأنه لا مجال للعلوم لغير العلوم الحيوية والعضوية,وهو ما يؤكده بالفعل نخبة العلماء من عضويات تنتمي إلى مختلف التخصصات؛بدئا من الطب,مرورا بعلم النفس والإجتماع,ووصولا إلى علوم الحاسب والاتصالات والطاقة. يعتقد البعض أن أهم ثورة علمية مرت على البشرية هو انفجار القنبلة الجرثومية. وقد صدقت هذه العبارة بشقيها المجازي والحرفي معا. فقد ساهمت النظم البرمجية التي وضعها الدكتور/ (…) في معالجة الكائنات الدقيقة,واضعا لأول مرة ما يُعرف بالجدول الدوري في الكيمياء الحيوية,في فتح منافذ لاستخدامات جارية أو مستقبلية لم تستكشف بعد,ولا تضع حدودا,وفتحت مجال علم التحولات على اتساعه في جميع الاتجاهات بما ينبئ بعدد لانهائي فعلا من التطبيقات التي وبحسب تقدير بعض الخبراء,فإن 90% في المائة من ثروة الأمة الأمريكية على اتساع حدودها المجرية,لا يتعدى سوى نسبة تتراوح ما بين 30 إلى 40% من التطبيقات والاحتمالات المذهلة وراء علم التحول الحيوي / المادي,والذي من خلاله غزا الإنسان لأول مرة جميع الموجودات حوله وصولا إلى حدود المجرة,وعلى صعيد آخر,في مقابل هذا النزوع إلى الخارج,تمكن الإنسان من استكشاف دواخل الإنسان,حتى قهر الموت نفسه,في حدث توزعت فيه جائزة نوبل,ولأول مرة بالتاريخ,على سبعة باحثين مهمين بنفس التساوي ومع مضاعفة قيمتها الربحية,وهذا لم يحدث مع الاكتشافات النووية ذاته,ولا حتى لما استطاع البحاثة المذهل,وآينشتين العصر الحديث,الوصول إلى معادلة لتوليد طاقة من العدم وخلق ثقوب سوداء والوصول إلى الطاقة المظلمة (كل هذا؟).
-بعض المتحذلقين يعتقدون أو يدعون بأننا لم نتجاوز الواحد في المائة من إمكانات علوم التحويل
-أو ليست كذلك
-بالطبع هذه واحدة من خرافات العلم التي لا تكف عن الانتشار
-إذن ما الحقيقة؟
-نحن تقريبا حققنا نحو خمسين في المائة من هذه الإمكانات بالفعل,انظر حولك .. انظر إلى نفسك أنت,ولا يوجد في جسدك قطعة واحدة غير مختلطة بالمعدن أو مادة البريتو أو البرافو.
صمت (…) قليلا متفكرا,ثم قال
-بعد التفكير في الأمر,يبقى أن نصف الاحتمالات الواردة في الغيب مخيفة بحق
ولم يرد,ولكن وافقه (…) في سرّه,فبالتفكير في الأمر,وعند المقارنة ما بين ما يُحكى عن رعب الانشطار النووي في تلك الفترة البدائية من تطور العلوم (لم تستغرق سوى قرن واحد فقط أو إثنين حسبما يذكر) لا يقارن إطلاقا,بالرعب الحرفي جراء الاستخدام الحرفي لمشاريع انشطار الخلية. والتي مكنت البشر من مزاحمة الكواكب الأخرى في المجرات البعيدة ولا يتوقف الطموح عند ذلك. من غزو مركز الإنسان,الذي لم يتم بعد,إلى غزو أطراف الكون الذي لم نقطع فيها شوطا طويلا بعد (ما هي إلا مجرة واحدة غير مجرتنا التي استعمرناها وبضع أجرام أخرى خارجية). هكذا فكّر في الأمر. (إننا حتى لم نتمكن من هزيمة الموت وما هي إلا بضع انتصارات عليه). هكذا في فكر في الأمر. (إن الإنسان ضئيل حتى ولو كان أصيل). هكذا فكر في الأمر. مع أنه لا يكتم عن نفسه رغبته لو كان من الأصليين.
أقوى سلالة من البرمجيات الخبيثة هي تلك التي أطلق عليها اسم (الخبائث).
والخبائث هي برمجية غريبة تم وضعها على قائمة العشرين تقنية الأعلى تطورا والأكثر أهمية في هذا العصر. ومثل أغلب أو كل هذه التقنيات,هي تعمل وتصمم فقط في نطاق البحوث التكنوحيوية. وبرزت مهنة (الخيميائي) مرة أخرى في العصر الحديثة بعد أن حسبها البعض أنها انزوت تماما في العصور الغابرة. ومع رجع علم الخيمياء كتسمية جديدة (من مرجعية قديمة) لعلوم البايو. ومنذ ذاك ربما لم يحظى علم قديم قط,بكل هذا القدر من الاهتمام من عصرنا الحديث,كما حدث مع دراسة مادة الخيمياء في الجامعات والحلقات العلمية. وبدا أن أحلام العصر كلها متحققة في هذا العصر. الناس تغير أشكالها وألوانها وأطوالها وأحجامها تقريبا كل يوم. هل لديهم القدرة والإمكانيات على فعل ذلك وأكثر. يمكن للبشر الآن صيد الوحوش حتى .. نعم,الآن,وبأيدي عارية لو أراد إنسان معدل وراثيا بشكل جيد,أو معد آليا بأدوات عالية الجودة والتقنية. أو غير ذلك من الإضافات والتعديلات. وتقنيات,ثم توثيق الأسماء ونظم المعلومات,وما يتبعها من علوم اليوجينيا Eugenics والبايو شوك BioShock (المستمدة اسمها من أسماء الألعاب الشهيرة).
ورغم أن أكثر من نصفهم جاب العالم القديم كله (أي كوكب الأرض) شعر أغلبهم بضآلتهم وسط هذا الحقل الممتد إلى حد البصر. وباختصار,كان الرعب من السماء مخيما على قلوبهم ويضع غشاوة على عقولهم وأبصارهم. نعم,الرعب لازال قائما بعد إكتشاف كل شيء (بشري وحيوان وفضائي). أخذ عقل توماس يفكر منشغلا بكل هذا العبث,وحاول أن يتذكر ما السبب وراء هذا الاجتماع.
-ربما للنزهة
قالها محدثا نفسه,يحسب أن لا حد يسمعه,أو لم يكن يهتم,أو لم يفكر في المسألة من الأصل. ومن السراب أو الغاب ظهرت له حورية أو جنية,هكذا حسبها,واتضح أنها هي. إيف الجميلة والمرأة الوحيدة بينهم. ظهرت من خلفه,ولكنه وكأنه رآها بعين خياله وهو جالس على الصخرة.
-ماذا لو كنا نحن الفيروسات؟
[8]
المرأة
تراخى جسدها عندما عرفت بالأمر. اسمها أدرج ضمن لائحة التغيير القصري لبعض وظائف الجسد. اسم طويل ومرهق أو هي طريقة لطيفة للقول أنها لن تتمكن من أن تصبح امرأة مرة أخرى.
لقد سئمت من كل شيء,كل هذا الهراء في الصحف والمجلات واللافتات والمكتبات والإعلانات والإعلانات الضوئية والمحلقة وذاكرات الأحلام والشاشات الحيوية وحتى شاشات السينما الكلاسيكية,عن كل هذا الهراء عن الفضاء العتيق والفضاء السحيق, والإتجاهات والاختبارات والمسارات التي تسلكها البشرية في سبيل التقدم / التطور / التحول أو أي كان المسمى (ولكن ليس الترقي حتما ليس الترقي),والجن والتقدم التقني,الفيروسات البشرية,المخدر أو الآلة التي تمزج بين وعيين,والأصليون,والأطفال يحكمون,والبلاد الفقيرة,وأقصى الشرق,والرعب الذي يتحدث عنه أصحاب المذهب الطبيعي,والنظم الجديدة لتنظيم المعلومات, الخيمياء والألوان وصيد الوحوش والنساء اللاتي تركبن,الرعب من السماء,والذاكرة تقوي الذكاء,والناس تحت الأرض وفوق السماء وناس تأكل الورق وغرف الأطفال,والضوء الحي,وتجربة الزمن في الفضاء,والتجارب الأخرى في الفضاء,والغرفة والفضاء والجليد والذات أو الأنا أو الجنون والإنتحار والآلة وأيضا المجتمعات المغلقة التي يتحولون فيها,والجن (هل ذكرت جن مرتين؟),والزومبي,والفضاء النووي والتجارب النووية على البشر,والعلاقة بين النباتات والطاقة الكهربائية (وربما الطاقات الأخرى أيضا) والعلاقة بين التحول بمعناه المجازي أو العقدي (مثل تحول أمريكا إلى دولة إسلامية قديما) أو بمعناها الحيوي العضوي / الغير عضوي أيضا في نفس الوقت (وقد شهدت بنفسها بعض تلك الحالات),والبايو بانك,وتجربة الموت والرقاقة الذكية,وأزمة تعاقب الأجيال (التي استغلتها الدولة أيم استغلال ضمن المزيد من بحوث التحول خاصتها),والمزيد من البحوث على اللون والطول والحجم ولا تكتفي (الدولة) بلون البشرة,فتستمر إلى لون العيون ولون الشعر ولون تخثر الجراح وفصيلة الدم وحتى لون الدم بعد ذبح كائن حيّ. والعمر,وبحوث التأثيرات المعرفية على البنية الجسدية. وسينما التحول (دعك من الشاشات الحيوية هي الأخرى), وغرف الأطفال والنساء والعجائز والحيوانات (كم مرة ذكرت كلمة غرف,وما هو عنوان العام القادم في تجربة المائة غرفة تلك),والبحوث والتقنيات التي تغذي هوس الموضة, والبشر يشبهون البشر (داخل الأرض وفي الأرض الأخرى خارج الأرض بالفضاء), وتجارب التحويل على الفقراء,وأشياء أخرى من قبيل أو على غرار مسدس الأظافر (لم تستخدمه يوما),والأدوية المحولة والأخرى المسرطنة (تدخل الآن في تصنيف المحولة, تتمنى عودة كانت فيه السرطانات أو الفيروسات مخيفة,وتذكر ذلك الدواء أو ربما عملية جينية لمعالجة الموت,كم مرة ذكرت كلمة الموت!) ومئات النظم والتقنيات (كانت تحسبها وهي صغيرة آلافا إلى أن أكد لها أحد معارفها من وكالة أبحاث التحول العامة,أو ربما هو من المركز القومي لتنظيم التحوليات,وهو موظف عادي وليس عالم,أكد لها أن هذا الرقم فيه مبالغة كبيرة وليس صحيحا). مع ذلك هي لا زالت تحسبه صحيحا,وتعطي لنفسها تفسيرا فيه بعض المنطق حسبما اقتنعت,بأن هذه المليارات من الحيوات والحيوانات الحيوانية أو البشرية أو الفضائية أو الرقمية أو الآلية أو الطفيلية أوالنباتية أو الجرثومية أو (تلك السلالات الجديدة المخلقة والتي لا تعرف لها إسما) تشكل مادة غنية لعلم غايته الرئيسية والوحيدة تقريبا (حيث تأتي أي تطبيقات مفيدة في المرتبة الثانية أو الثالثة أو الرابعة,إلخ) هو دراسة عدد التحولات الممكن حدوثها في جسد حيّ. بغض النظر عن الإنتماء الجنسي لهذا الكائن إلى أي من السلالات الكبرى القديمة أو الجديدة.
والفتاة التي لا تريد التحول
هي تصف نفسها هنا
قالت لنفسها وفي حلقها غصة
وعندما أدركت أنها تحادث نفسها,مرة أخرى حدثت نفسها ونعت نفسها أنه الظاهر قد أصابها الخبال. ولكنها لم تتوقف عن رثاء حالها,وهي واقفة أمام المرآة,منذ مدة طويلة جدا تمشط شعرها يد وراء يد حتى كادت أسنان المشط تتكسر أو كاد خصلات شعرها تنفلت من عقالها لولا أنها مستكينة تماما تمشط ببطء وبرفق,وإن طال انتظارها لشيء ما,كأنها تنتظر شيء ما
-كل تلك التجارب لم تترك بشر ولا شجر ولا حجر,فلما لا ترحم سمر؟
راثية لحالها ولاعنة في سرّها تلك التجارب الحيوية التي ابتلت بها بشريتها,بشريتها هي وليس بشريتنا كما يقول بعض الحقوقيين. فما عاد يوجد شيء مثل ذلك إلا عند بضع أفراد مثلها ربما. سمعت سمر عن بعض القرى الريفية وبعض بوادي الصحراء في تلك الدويلات الصغيرة (المغضوب عليها). ولكنها لم تصدق قط بأنها حقيقية.
أمسكت البندقية وأعادت التلقيم.
الزمن
الزمن مفهوم يعبر عن الواقع الذي نعيشه وفق سلسلة لا تنتهي من التغيرات
وكل المعارف الفلسفية والعلمية أجمعت تقريبا على أن الواقع الذي نعيشه,أو هو واقع إدراكنا لهذا الواقع,لا يخرج عن حالتين وجوديتين؛هما إما التعرف أو التحول,وبصيغة أخرى الشيء (أي شيء) يعرف من خلال
1-الشيء في ذاته
2-أو الشيء في علاقته مع شيء آخر
وعلى ضوء هاتين الظاهرتين تنبثق جميع المفاهيم والمعاني عن الذات والموضوع,الماهية والسببية,والمكان والزمان وغير ذلك من المفاهيم الميتافيزيقية (الفوق واقعية) وإن كانت متغلغلة في صميم واقعنا.
وللتوضيح أكثر يمكننا فهم الزمان على أنه الوصف الوجودي الذي نرصد من خلاله أي (تغير منتظم لشيء ما),وهذا يفسر ارتباط الزمن بالحركة وهي كمية فيزيائية تعبر بدورها تغير موضع الجسم / الشيء من مكان لآخر. وقد اتسع هذا المفهوم كثيرا فلم يعد شرطا أن يكون المكان (حقيقي) أو (ملموس) لكي يكون موجودا,وفيه حركة مرئية (مثل تدفق الأفكار من فكرة إلى أخرى داخل الذهن). بينما يتحلى المكان بمقدرة أكبر على الثبات لأنه عبارة (مُنْفَسَح / فضاء ثلاثي الأبعاد لا حدود معينة له تأخذ فيه الأجسام والوقائع وضعا واتجاها نسبيا) أي أن جميع الأشياء داخله لها تغيرات نسبية,بينما يحظى الوعاء الكوني (المكان) بالثبات المطلق أو شبه المطلق.
ويظهر أن كلا من الزمان والمكان مرتبطان تماما بمفهوم (الحركة) وهو بالضبط ما دعا ألبرت أينشتاين إلى ابتكار مفهوم جديد في الفيزياء هو (الزمكان) الذي حاول فيه التوحيد بين المفهومين معا في كيان واحد حاكم للوجود.
هذا المفهوم الجديد يقدم محاكاة ذهنية للكون ضمن تصور يُفترض فيه وجود بعض الكميات الفيزيائية بشكل محسوس,بل وربما بشكل ملموس,مثل الجاذبية والزمن,من خلال دمج الأبعاد الثلاثة للمكان المشكلة اتجاهاته جميعا؛وهي الطول والعرض والارتفاع / العمق مع ما أطلق عليه (البعد الرابع) بمعنى أن هو بعد إضافي له إتجاه واضح من الوجود يضاف على ما نعرفه من الأبعاد القياسية التقليدية. هذا تقريبا هو البعد المنحني. وما نفهمه من ذلك أنه لا وجود تقريبا لأي كمية فيزيائية غير مادية, حتى الطاقة يتضح في الأخير أنها تتكون من جزئيات, حتى الفراغ يتكون من جزئيات. ومع اكتشاف موجات / أشعة الجاذبية عام (…) أصبحت هذه حقيقة شبه مؤكدة.
وحتى الآن لا يبدوا لفهمنا حول الزمن, ومكتشفاتنا أو تخميناتنا المثيرة أي عوائد اقتصادية كأنها نوع من الهراء العلمي بلا داع ولا جدوى.
الكاتب
-تسعة وتسعون غرفة,الغرفة تسعة وتسعون يفترض أنها تشكل حافة هذا الكون المخلق داخل الحجرات وكذلك مركزه. في تناقض واضح يجمع بين نقيضين صانعا المستحيل كما يسير المرء في اليسار وفي اليمين,في نفس الوقت. هنا يجتمع الداخل والخارج,الحد والمركز في نفس الوقت.
-ثمانية وتسعون وضع سرّ الحياة,والموت. وفيه كان العالم الآخر لصيقا بالغرفة الأخيرة قبل حافة هذا العالم. وهنا يعيش الزومبي والأشباح والموتى سويا.
-سبعة وتسعون خلق كائنات لا تكاد الغرفة تقدر على إحتواءها,كائنات كثيرة ومتنوعة ولم يعرفها البشر قط.
-ستة وتسعون هناك زومبي!
-خمسة وتسعون فكرة العوالم الموازية
-أربعة وتسعون ملف مجهول
-ثلاثة وتسعون المدينة
-إثنين وتسعون في الآتي من الزمان,وفي وقت لم يشهده بعد إنس أو جان,تم تسخير الطاقة الكهرومغناطيسية,وصارت تحمل المدن في السماء,لا بالأعمدة الفولاذية بل الأسلاك العملاقة,وتم تطويع الطاقة لتحمل لنا الأشياء وتعلوا بها في السماء. ولكن كل ذلك ذاهب إلي دمار.
-واحد وتسعون التقدم في جميع المجالات
كل علومنا خاطئة
الهندسة البشرية خاطئة
الطب البشري خاطئ
وقطعا سياساتنا خاطئة
لما غزانا الفضائين في واقع مفترض أو بديل,بكون موازي أو في مستقبل قادم,لما حصل الغزو,وكان لهم التمكن. لم يقوموا بالإبادة -ربما فعلوا قليلا- بل أعادوا تصنيف وتعريف جميع علومنا ومعارفنا. خذ عندك العمارة مثال. الأهرام هي عمارة سليمة لأنها بقت آلاف السنين. أما الأبراج وناطحات السحاب,فهي لا تنطح إلا رؤوس مصمميها. ذلك لأنها لم تحتمل مرور السنين,ولم تحتمل أكثر من مرة أو مرتين من دفق الكوارث الطبيعية. ثم سقطت.
-تسعون هناك بلد نامي (أغلب الظن أن تسعون هو الأقرب لعالمنا) بدأت تتطور فيه العلوم استنساخا عن الغرب,ثم مواكبة لهم ولأحدث التطورات,ثم تفوقا عليهم واستباقا لكل من حولهم في الشرق والغرب.
ما حدث في أحداث 11 ليس إلا تكرار وتنويع على هذه المأساة.
-تسعة وثمانون الأطفال يعيشون في الحجرات
-ثمانية وثمانون
-سبعة وثمانون عالم يقرأ,وكاتب خيال علمي يكتب.
-ستة وثمانون
إلتفت رايفين فجأة للوراء وتوجه إلى الخارج متحسسا الطريق للباب,وقد أعمى الغضب عينيه يحث الخطى لا يلوي على شيء. كان غاضبا جدا من الإهانة التي سددت إليه للتو, وكادت أن تخترق جسده لتنزع قلبه من بين أضلاعه. لقد منعوه من الدخول (هاه) أنا رايفين امنع عن دخول مكان. حاول استرجاع هذه الذكرى,فعجز تماما عن أن يميز بينها وبين غيرها من المرات الكثيرة المشابهة. فقد تعرض لهذا الموقف مرارا أكثر من يحصيها. وفي كل مرة يقسم أنه سوف يبدأ بداية جديدة,ويغفل كالعادة عن تحقيق ذلك.
جلس فوق صخرة ملقاة فوق رصيف,صخرة إسمنتية أو خراسانية,والطريق أمامه, والسيارات تندفع بسرعة تليق بهذا الاختراع؛المركبة. وأخذ يفكر ويحلل الأسباب التي تجعله يقبل الإهانة مع أنه لا يخشى شيئا,ويمكنه ببساطة أن يفتك بمن أمامه.
أرجع الحدوث المتكرر لهذا الأمر إلى ثلاثة أسباب
الأول هو حاجتي الدائمة لخلق نوع من التفاهم حتى بين أي طرفين متناحرين ومحاولاتي الدؤوبة لفتح باب للحوار. ذات مرة شتمني أحدهم بأن ناداني (يا ابن العاهرة). قلت له
-رجاء تحدث معي دون استخدام أي ألفاظ خارجة
-نعم يا روح أمك؟
-تحدث معي بطريقة أكثر لباقة من ذلك
-ده شارب حاجة ده ولا إيه! .. خد ياض إنتا جاي منين ولا رايح فين؟
هنا أقول أنا
-وأنت مال أمك
وبدأت المشاجرة,وبالطبع تقاذفت معه أقذر الصفات ننعت بها بعضنا بعضا,وأمهاتنا وأهالينا وهذا من أشد ما يحنقني,ولا ألجأ له إلا لو بعدت المسافات بيننا من تزاحم الناس الذين يمنعونا عن بعضنا. فأستنزف بعض من طاقتي في هدر الكلمات بدون داعي. بينما وسيلتي الشائعة في العادة هي إما الكلام بصوت خفيض وبكلمات مؤدبة وبطريقة لائقة. وإما البدء بالضرب مباشرة بغض النظر عن الطريقة التي سيتطور بها هذا الضرب. أنا لا أبدأ أبدا طوال ربع قرن تقريبا الضرب بنفسي. دائما أعطي لخصمي فرصته الأولى معي. هذا راجع لثلاث أسباب
أولا لكي لا أكون أنا المبتدئ,فأنا طالما ابتدأت,في العادة لا يكف غضبي إلا بالدم,أو في أقل الاحتمالات سوءا أهدأ فقط بعض استخدام قليل من الضرب والعنف الجسدي. من لكم وركل وخلافه. لذا أترك لغريمي فرصة البدء طالما لا زال هناك فرصة لإقامة حوار هادئ تلوح في الأفق. ويكون هو من ضيع الفرصة من بين يدينا.
ثانيا لأنه ربما يكون ذلك بحكم العادة,فأنا شخص محترم,أكره العنف والقتال عدا جزء مني يطلبه.
ثالثا لأنني كنت مغتر بقوتي,وغروري كان في موقعه,فأعطي فرصة لمن أمامي,وأنا أعلم أنني منتصر غالبا. في الواقع,ذلك لم يكن صحيحا تماما,بل كان سببا في هزائمي العديد من المرات,وحصولي على (علقة ساخنة).
حسنا,لنتحدث الآن عن نمذجة النظم .. ولكن ما دخل نمذجة النظم بما نتحدث عنه؟ وهل هناك ضوابط معينة حددناها سلفا قبل الحديث عن أي شيء!. تساعد نمذجة النظم في تفسير الظواهر الغير علمية. الكاتب ورؤية الله. هذا ما تذكرته أيضا. هذا يدخل ضمن ما هي قادرة عليه. هذا ما على الباحث فعله.
يمكننا الآن أن نحاول فهم العلاقة بين الإله والآلة.
أو ربما نتركه لوقت آخر,ولنركز الآن على الإله,أو ربما على العلاقة بين الإله والآلة.
أو الأرشيف والنظم.
-خمسة وثمانون
-أربعة وثمانون
إندلعت حرب نووية,قضت على الأخضر واليابس,جففت البحور السبعة,ودمرت الأراضين السبعة. وقتلت أكثر من سبعة مليار نسمة (هذه النسمة هي بني آدم).
-ثلاثة وثمانون
-إثنين وثمانون
الحجرات,وهي مائة حجرة مصممة وفق نظام هندسي / كمومي يكاد يكون أكثر تعقيدا من بناء الكون نفسه.
-واحد وثمانون
-ثمانون
-تسعة وسبعون
-ثمانية وسبعون
-سبعة وسبعين الغرفة السابعة
-ستة وسبعون النظم
-خمسة وسبعون
-أربعة وسبعون أساسات أخرى
-ثلاثة وسبعون
-إثنين وسبعون
-واحد وسبعون
-سبعون
-تسعة وستون
-ثمانية وستون
-سبعة وستون
-ستة وستون
-خمسة وستون
-أربعة وستون
-ثلاثة وستون
-إثنين وستون
-واحد وستون
-ستون
-تسعة وخمسون
-ثمانية وخمسون
-سبعة وخمسون
-ستة وخمسون
-خمسة وخمسون
-أربعة وخمسون
-ثلاثة وخمسون
-إثنين وخمسون
-واحد وخمسون
-خمسون
-تسعة وأربعون (كاتب ممل لا يجد ما يكتبه!)
-ثمانية وأربعون اطلع على #أرشيف_B11 لـ بسمة الخولي
-سبعة وأربعون ولكن ما علاقة كل هذا بالخيال العلمي؟
-ستة وأربعون
-خمسة وأربعون
-44
المركوبة
المفتاح
أخذت أميرة تتزين باذلة كل جهدها في محاولاتها للتجمل, لعل جمالها يزيد درجة أو درجتين عما هو عليه. لكي تظهر في أبهى صورة, فاتنة, مغرية, مثيرة ولذيذة ويكثر طلابها مع توهج تألقها. تستغرق كل الوقت المتاح لها لفعل ذلك, دون أن تبخل على نفسها باستعمال كل الأدوات اللازمة لتحقيق الصورة المطلوبة. والصورة المطلوبة صارت صعبة المنال في هذا العالم الرقمي الذي باتت فيه كل النساء جميلات. ربما فعلا كل النساء جميلات, مثلما يقول الرجال وأخوها نموذج عنهم. كل النساء جميلات, والقبيحات نادرات. ولكن لا يمكن أن تغدوا كل امرأة فرسة يريد أن يركبها ألف رجل. ليس كل واحدة ملكة جمال تستحق لقب أجمل امرأة في مدرستها, في دولتها, في أوروبا, أفريقيا, أمريكا, أو أجمل امرأة في العالم. ربما حتى أجمل امرأة في هذا العصر, أو أجمل امرأة في التاريخ. كل عام هناك امرأة تجلس على عرش الجمال, ولكن الأميرات حولها ألف أميرة. وألف من كل بلد أخرى. في عصر التجرد الرقمي من الجسد والوجه, والمرور على عدد متجدد ومتزايد دوما من المرشحات. مرشحات يطرحها رواد سوق الجمال وصناعته؛ الصيحة / الموضة, والزينة وزينة الوجه (المايكب والمكياج), الأزياء, مستحضرات التجميل, جراحات التجميل, الإعلانات التلفزيونية التطبيقات الحاسوبية وبرامج العالم الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي. دوما تشغل بالها بهذه الحقول الواسعة التي يمكن أن تلمع في إحداها, غير غافلة عن الجمال بالصعود إلى السينما والنجومية عبر منصة (جمالي) التي عشقتها. وصفحتها على شبكة إكس (X) التي التهمت كل الشبكات الأخرى. غير ما يرافقها من تطبيقات وبرامج على جوالها. كل شيء يجري عبر البرامج, حتى السياسة والواقع وأسعار المنتجات وأخبار الدنيا, وشراء الكتب وقراءتها, ومشاهدة الأفلام, والثرثرة مع الأقارب والدردشة مع الأصدقاء. بل وكل حياتها وعيشتها والعيشة و(اللي عايشينها) تجري عبر الإنترنت. وقد تغلغل العالم الرقمي في كل شيء, فلم يعد هناك أجسام مادية سوى أجسادنا وأجسام البيوت التي تحتوينا, وبالطبع بعض المجسمات الضرورية, خاصة فيما يتعلق بالغذاء والإخراج. واختفى من المنزل أي شيء آخر لا لزوم له. المنزل ليسا إلا غرفة وصالة. ليس منزلها هي فهي فقيرة. ملحق بها لدى العائلات المرفهة أو الأكثر رفاهية؛حمام ومطبخ, وربما أشياء أخرى لا تزيد وظيفتها عن وظيفة الحمام والمطبخ. مثل الحمامات الشمسية والسباحة والسونة والجاكوزي. تجد بديلا عن ذلك في المزيد من تعاطي البرامج. وحتى الأشياء المجسمة أو المجسدة غصبا هناك انفصال بينها وبين وذواتنا. في نوع من التسامي الرقمي استقلينا عنها. فلم نعد بحاجة تقريبا إلى غذاء أو استحمام. البيوت ليست إلا جدران, وعدا الآلات والمعدات والأجهزة داخلها, لا شيء آخر يقع خارجها, جدران بلا ديكور أو ألوان أو صور معلقة أو مرآة. يمكن للشخص أن ينظر إلى ذاته عبر صوره المحفوظة رقميا, أو الصورة المجسمة له, والكاميرا الأمامية الداخلية احتلت مساحة المرآة, وهي مساحة لا وجود لها مثل العديد من التقنيات. النظرة إلى الذات صارت ثلاثية الأبعاد, لا تحتاج للتقييد باتجاه واحد أمام يرتد للوراء. وهي تقضي ثلث يومها تنظر إلى ذاتها. ليس وحدها بل وكل بنات جيلها. غزا ذلك العالم الدولي أجمع, وقد لحق بالركاب العالم العربي, حتى وإن كان متأخرا جدا. والعالم وما فيه لا يعني أميرة في شيء. الأساسيات في حياتها هي الشكل والمظهر وأن تظل دوما هي الأجمل والأكثر استقلالا في أناقتها, وإن كانت لا تدري أنها تتبع بشكل واعي أو لا واعي آخر الصيحات وجنون الموضة. بل وأحيانا تكون على دراية تامة بتابعيتها لهذا الهوس المحموم. وهي التي تريد أن تصير اسما على مسمى في عالم كثرت فيه الأميرات. ولكن مع ذلك يسري اعتقاد من بين كل هذا بأن أميرة أميرة. تشعر دوما أنها محاصرة بهموم ومشاكل حياتية ومعيشية تشغلها عن أي قضايا اجتماعية أو إنسانية في العالم, وتلهي نفسها بالانغلاق على ذاتها, والانزلاق أكثر إلى بؤرة الاهتمام وتحصيل أكبر قدر من هذا الهوس المجتمعي, وهي وإن كانت تعتبره هوسا, إلا أنها مع ذلك ترضى به. وتطغى مشكلتها معه على أي مشكلة أخرى في حياتها. تنشغل بها, بصورتها, بحسب, عن أي مشاكل أخرى تتعلق بمجتمعها أو أسرتها أو أصدقاءها أو حتى نفسها. تغمس شعرها في سائل مائي مختلط مع سوائل عديدة ذات روائح عطرية؛شامبو, زيت, كريم, بلسم, صابون, عطر, جاز. تدهن وجهها بالمزيد من الدهانات والزيوت. تبدوا واثقة من نفسها كلما حافظت على مظهرها وعلى جمالها وأناقتها, وسحرها يجذب الجميع إليها, ويجعلها مقبولة لدى المعلمين قبل زملاءها في المدرسة, ويزداد هذا القبول في العمل. تعلم أن كل هذا يتحكم به سوق متوحش مثل سوق صناعة الجمال الذي يشمل على الحقول الأخرى التي قلبتها وتدورها مرارا في عقلها. شقيقها يكتب مقالا عن الموضوع, متوسعا في المفهوم من كونه قضية نسائية إلى أزمة اجتماعية حقيقية. كونها في غرفة واحدة مغلقة, فهي ليست من هؤلاء الأثرياء ذو الغرف المتعددة, أو حتى غرفة وصالة ملحق بهما حمام ومطبخ, بل ولا تملك غرفة وصالة لها وحدها. تكون دوما على تواصل مع شقيقها. والمفارقة التي صارت كلاسيكية ومعروفة منذ العقد الثالث من الألفية الثالثة. هي أن هذا التواصل ليس بسبب القرب المكاني في فضاء واحد محتوى داخل الغرفة. كونها في غرفة واحدة مغلقة عليهما معا لا يعني بالضرورة أن يكونا على وفاق أو اتصال. قد تكون هي في واد وهو في واد آخر. أو وادي البحر يفصل بينهما بينما كل واحد غائب في بلد بعيدة وبدون قنوات اتصال مع شقيقه. ليس لأنه غالبا إما جالس أو نائم على كرسيه جوارها أو على الجهة الأخرى من الطاولة. وليس لأن باب واحد مغلق عليهما. معهما أمهما وأبيهما. بل لأن شقيقها مسجل لديها ضمن المقربين منها. وهي تعطيه بعض العناية بعد الاهتمام بنفسها. وعندما تنتهي من العناية بنفسها تشغل العارض لتتأمل صديقتها أميرة التي كلفتها وقتا ومالا في تزيينها وتجهيزها وتجميلها. يوما بعد يوم يزداد هوسها بهذه المرشحات التجميلية, تعلم أنها غالية جدا, وتحتاج إلى برمجة ذكية. لكنها قادرة على جعلها الأجمل, والأفضل. ولأن الشيء بالشيء يذكر, فأخوها علاء أيضا مهووس بالمرشحات, ولكن مرشحات من نوع آخر, تناسب الجسد للحفظ عليه من الموت والفناء. تذكرت ذلك, فأشغلت مسجل لأفكار علاء, وطلعت على يوم خرج من البيت. كان علاء لا يزال مستغربا هذه الصور الجديدة عليه كأنه كان أعمى, ورغم أنه صار مستخدما للبرامج الجديدة منذ أكثر من ثلاث سنوات إلا أن اندهاشه لا يقل إلا قليلا, وسرعان ما تشتعل ناره أكثر فلا تخمد. لقد عرض عليه أبوه أن يزوجه لكنه رفض. ابنة عمه جميلة حقا, ولكنها تظل فرد واحد ذو قالب واحد رغم كل شيء. بينما يتيح له التصفح على الشبكة خيارات لا حصر لها من مناظر ورؤى البنات والنساء من مختلف الأشكال والأعمار والألوان والأحجام. ولكنه صعق حين رأى امرأة حقيقية تمشي في الشارع, وهو الذي لم يرى أحد قط من قريباته إلا كصور مرئية عبر أجهزة وأشعة اصطناعية. لم يرى الصورة الأصلية قط لأميرة ابنة عمه. لقد عاش طفولته كلها, وشطرا لا بأس به من شبابه يؤمن تماما بنظرية التفرد التقني the Singularity التي تنادي بوجود نوع من التقنية في المستقبل قادرة على أن تساهم في نمو سريع لكل شيء من حولها, وخاصة على صعيد تطور الآلة, وتطور الجسد البشري. وذهل أكثر يوم خرج إلى الخارج, ورأى أكوام الأجساد فوق بعضها فيما يشبه خلية نحل بحي فقير. ولكنه لا يستطيع أن ينسى أبدا مشية تلك الواثقة, بدون مرشح للأشعة الحارقة, وبدون مرشح للغازات السامة, وبالتأكيد بدون لاقط يرجعها إلى حيث أتت, وذاهبة هي إلى حيث ألقت. عاد بسرعة مستعينا بفرقة خاصة كانت ترافقه, والده غني, وهو السبب في رفضه الزواج من ابنة عمه الفقيرة. عاد بسرعة إلى جهاز القائد, وبشكل أسرع وجد نفسه في القطار النفقي عبر شبكة الأنفاق العالمية والتي تشكل غرف أخرى مثل غرف منازلهم تحت الأرض وفوق الأرض. ذهب إلى بيتهم هناك ليلقي نظرة إلى حين وصوله, المفتاح لا قيمة له إلا إذا مكن لصاحبه القدرة على دخول مكان مغلق. والشخص أيضا مغلق يلزمه مفتاح أو عدة مفاتيح لفتح دواخله. ومن أجل الخروج يلزم مفتاح أيضا, وقد أعطى مفتاحه لأميرة ابنة عمه. أطل عليها بناظره. لا زال يتذكر شكلها, وهو لا يتذكر أشكال إخوته الثمانية مثل أشباح مشوهة تقيم معه في المنزل. حتى تلك الغرفة الواسعة التي تشغل مساحة كبيرة للتسوق, وتشكل مدينة مستقلة, شعر بالوحدة وسط الناس المزدحمة في المدينة.
-آلات عديدة تحوم من حولنا
قالها بصوت عالي, ولم يرد عليه أحد. تنبه إلى أن أميرة تستمع لذكرياته الآن, شعر كلاهما بالخجل. هي أخطأت في الاسم, وضغطت ملف علاء ابن عمها بدلا من علاء شقيقها. انسحب علاء سريعا إلى المقعد الرقمي المجاور لها في شركة (وي) وانشغل كل منهما بعمله.
الموت
كورونا كانت قنبلة بيولوجية عالية الكفاءة والفعالية,ولكنها لم تكن كافية. وقد مضت الأيام مثل سريان الماء في البحر بين موجات خفيفة وأخرى عنيفة إلى أن انقضت الأزمة كليا. وصار الوباء مجرد نزلة برد اشتكت منها السيدة نفيسة ووجدت صعوبة في تنفسها. فجأة هكذا وهي تسير في الشارع تحت سماء أمسية ممطرة. ورغم انقضاء فترة طويلة على الأزمة إلا أنها جزعت,وتلفتت حولها ونظرت لأعلى فوقع بصرها على تلك اللافتة المضيئة,وعبرت من أسفلها لتدخل المبنى.
استطاعت أن تتسلل عبر صفوف المنتظرين في الصالة إلى غرفة الطبيب بعد خروج آخر مريض من لديه,ساعدها على ذلك جمالها ورقتها ووهنها,ارتمت على الكرسي تقذف رأسها للخلف
ماتت!
هذه ثاني حالة يقابلها,وقد استعاد فورا صورة المرأة الأخرى جالسة في نفس الموضع وصدرها يعلو ويهبط في حالة اختناق واضحة. وقبل أن يهم بإسعافها كانت قد ماتت.
كورونا!
حسب الأمر له علاقة بفيروس كوفيد خاصة والحالتين مرتبطين تقريبا بمشكلة تنفسية. لقد قيل أن كورونا هو وباء هذا العصر وقيل الإيدز وقيل السرطان.
رغم حدة الأزمة الخانقة لعنقه مثلما هي فاعلة مع أعناق بقية الناس,إلا أنه ظل مستمتعا وهو يراقب أفعالهم ونظراتهم التي تدل على غمرة المفاجأة والخوف من الوباء المنتشر. المفاجأة التي لم تطله هو لمتابعته أخبار المرض منذ الإعلان عن أول أربعة حالات مصابة به في الصين. ثم كالنار في الهشيم انتشر غازيا العالم من الشرق إلى الغرب.
ظهر كورونا لأول مرة في أقصى الشرق بالصين عام 2019,
سببها فيروس كورونا 2 المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة (سارس-كوف-2).
تفشّى المرض للمرة الأولى في مدينة ووهان الصينية في أوائل شهر ديسمبر عام 2019. أعلنت منظمة الصحة العالمية رسميًا في 30 يناير أن تفشي الفيروس يُشكل حالة طوارئ صحية عامة تبعث على القلق الدولي، وأكدت تحول الفاشية إلى جائحة يوم 11 مارس. أُبلغ عن أكثر من 615 مليون إصابةً بكوفيد-19 في أكثر من 188 دولةً ومنطقةً حتى تاريخ 25 سبتمبر 2022، تتضمن أكثر من 6٫53 مليون حالة وفاة، بالإضافة إلى تعافي أكثر من مليون مصاب. وتعتبر الولايات المتحدة أكثر الدول تضررًا من الجائحة، حيث سجلت أكثر من ربع مجموع عدد الإصابات المؤكدة.
ينتقل الفيروس بالدرجة الأولى عند المخالطة اللصيقة بين الأفراد، وغالبًا عبر الرذاذ والقطيرات التنفسية الناتجة عن السعال أو العطاس أو التحدث. عادةً ما تسقط القطيرات على الأرض أو على الأسطح دون أن تنتقل عبر الهواء لمسافات طويلة. في سياق أقل شيوعًا، قد يُصاب الأفراد نتيجة لمس العينين أو الفم أو الأنف بعد لمس سطح ملوث بالفيروس. تبلغ قابلية العدوى ذروتها خلال الأيام الثلاثة الأولى بعد ظهور الأعراض، مع إمكانية انتقال المرض قبل ظهورها عبر المرضى غير العرضيين.
تتضمن الأعراض الشائعة للمرض الحمى والسعال والإعياء وضيق النفس وفقدان حاستي الشم والتذوق. قد تشمل قائمة المضاعفات كلًا من ذات الرئة ومتلازمة الضائقة التنفسية الحادة. تتراوح المدة الزمنية الفاصلة بين التعرض للفيروس وبداية الأعراض من يومين حتى 14 يومًا، بمعدل وسطي يبلغ خمسة أيام. لا يوجد حتى الآن لقاح أو علاج فيروسي فعال ضد فيروس كورونا المستجد، ويقتصر تدبير المرض على معالجة الأعراض مع تقديم العلاج الداعم.
تشمل التوصيات الوقائية غسل اليدين، وتغطية الفم عند السعال، والمحافظة على مسافة كافية بين الأفراد، وارتداء أقنعة الوجه الطبية (الكمامات) في الأماكن العامة، ومراقبة الأشخاص المُشتبه بإصابتهم مع عزلهم ذاتيًا. تضمنت استجابة السلطات في جميع أنحاء العالم إجراءات عديدة مثل فرض قيود على حركة الطيران، وتطبيق الإغلاق العام، وتحديد ضوابط الأخطار المهنية، وإغلاق المرافق. حسّنت دول كثيرة أيضًا قدرتها على إجراء الاختبارات ومتابعة مخالطي المرضى.
سبب الوباء أضرارًا اجتماعية واقتصادية عالمية بالغة، تتضمن أضخم ركود اقتصادي عالمي منذ الكساد الكبير، بالإضافة إلى تأجيل الأحداث الرياضية والدينية والسياسية والثقافية أو إلغائها، ونقص كبير في الإمدادات والمعدات تفاقم نتيجة حدوث حالة من هلع الشراء، وانخفاض انبعاثات الملوثات والغازات الدفيئة. أُغلقت المدارس والجامعات والكليات على الصعيدين الوطني أو المحلي في 190 دولة، ما أثر على نحو 73.5% من الطلاب في العالم. انتشرت المعلومات الخاطئة حول الفيروس على الإنترنت، وظهرت حالات من رهاب الأجانب والتمييز العنصري ضد الصينيين وأولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم صينيون، أو ينتمون إلى مناطق ذات معدلات إصابة عالية.
لم تعد الشيخوخة مفهوما مخيفا في العالم,تخلصت من طبيعتها الأساسية بإعتبارها نوعا من الموت البطئ
زمان كان قليل أوي لما حد يكبر سنه عموما
نسبة كبيرة من الأطفال تموت
ومن يعيش سهل يجيله إلتهاب؛إلتهاب,مجاعة,حرب.
أما اليوم فيبلغ المرء من العمر الستون والسبعون والثمانون وحتى التسعون,والبعض من الفئة النادرة يبلغ المائة عام أو يتجاوزها.
الموت
يأتيهم متأخرا جدا
المرض كان شديدا وغريبا,ربما المرض الوحيد في البشرية الذي لا ينتهي بالموت,بل ويمنعه. لأن المرء صار لا يموت إلا حين يموت.
ذات يوم,في فترة من الماضي,مر العالم بأزمة, ليس تكاثر المرض, بل انقضاء الموت.
وكانت مؤامرة الأطباء من الأطباء, بشكل لم نعهده لا في السينما ولا في الطب.
لما توقف الموت خرب كل شيء
تعد الصناعات الطبية أغلى صناعة في العالم كله وتقدر بالمليارات,فقد بلغت قيمة سوق تصنيع عقود الأدوية في أمريكا الشمالية 45.13 مليار دولار أمريكي حسب إحدى الإحصائيات. لذا يبدوا مفهوما حاجتهم إلى تطوير منظومة جديد تحيي الموت.
الهو
النظام هو مجموعة من العناصر تشكل بمجموعها كلا واحدا مع بعضها البعض حيث يرتبط كل عنصر بالآخر عبر قانون معين أو عدة قوانين. يتمثل هذا الكل في القاعدة الأولى التي يتأسس عليها النظام,وتمثل جذورا له تتفرع عنه بقية القوانين. بينما الجذع هو المؤسسة؛ الدولة والجيش وقوى تشريع وتنفيذ القانون ويمكن أن نضيف إليها الجهاز الإعلامي. الجذر هو الأب. والأب بحكم وظيفته ومكانه في هذا التسلسل,هو أهم فرد في المجتمع. الأب يرعى الجميع. الأب يحافظ على حياة الجميع. الأب يحافظ على أمان الجميع. الأب يحافظ على حرية الجميع. الأب يحافظ على ملكية الجميع. الأب يحافظ على حياة الجميع. الأب أكثر أهمية من الجميع. هذا أمر لا خلاف عليها وتشهد به كل الدول باختلاف أنظمتها الحاكمة. والسياسات الداخلية لأي بلد في العالم تقع دوما بين نظامين؛الديمقراطية والجهمورية. الديمقراطية تعلي من قيمة الفرد مقابل قيمة الدولة,وهي تتبنى الإتجاه اليساري الذي يعطي للفرد كامل الحرية في الاختيار. أو ليس تماما. بل شبه كاملة. لأنه يظن أنه يختار طوعا وبإرادته,بينما خياراته دوما محصورة بين مجموعة من الخيارات. وحتى إذا خرج بقرار جديد نابع من فكره ويظهر أنه يفكر خارج الصندوق. ففي حقيقة الأمر تحت طبقات الوعي في أعماق نفسه,الفكرة مزروعة تماما بواسطة الأجهزة الإعلامية وأشعاعاتها الكلامية. مثلما عبر فيلم نولان (استهلال) عن ذلك ببراعة تامة. وإن لم يجرؤ على التصريح بأن المؤسسات السيادية التابعة للدولة أيضا تمارس هذا الحيل الشيطانية الفعالة على شعوبها. الإتجاه الآخر,حيث اليمين المتطرف,هو الذي يعلي من قيمة البلد على حساب قيمة الفرد. وبناء عليه لا يحق للفرد التدخل في أي من شؤون البلد,حتى تلك التي تمسه بصورة خاصة. في المقابل يحق للحكومة التدخل والتحكم في حياة أي فرد في سبيل الأفراد الآخرين الذي يعبر عنهم المجتمع ويمثلهم في نظر الحاكم خير تمثيل. حتى لو كان مجتمعا خاليا من البشر. وفي سبيل المجتمع يمكن للحكومة (قبضة الحاكم) أن تقصي أي فرد من المجتمع عبر طرقها المتعددة (السجن / الإعدام / التشويه / التكميم / الإخفاء). هذه الطرق تلتف جميعا حول الموت,القتل خير وسيلة لإراحة أدمغة الحاكم والحكام المسؤولين تحت سلطته. القتل وقبله يسبقه التعذيب من أجل الحصول على أي أسماء قد تشكل مخاطر مستقبلا وإقصاءها هي الأخرى بعد أن تدور العجلة عليهم. ولأن الدميقراطية هي النظام القائم في الغرب,يقابلها الجمهورية وهي النظام الواقع في الشرق. متوزع على عدة جمهوريات. يخص هذا الشعب منها جمهورية واحدة هي المعني بها. وأحكامها واقعة عليهم. وقد حددت مارجريت آتوود مصير المسارين بأن المجتمعات الديمقراطية
هذا مجتمع غريب تسمى بإسم الحاكم,ولا أحد من المحكومين يجرؤ على أن ينطق بهذا الإسم,لا إسم الحاكم ولا إسم الدولة,ولا حتى في أعماق عقله. ولا يمكنه الاطلاع عليه بأي صورة كانت. فهم معزولين تماما عن العالم الخارجي. والإعلام يبث من كل جهة؛مجلات, تلفزيون,إنترنت,إعلانات,كاميرات. وغيرها من الوسائل الأخرى. ولكن لا يبث سوى الإعلام الداخلي الخاص بالأجهزة السيادية للدولة. والكاميرات,وهي الأجهزة المطورة من الإنترنت لا تنفك ترسل أفكارها ورسائلها مباشرة إلى عقل المواطن دون أن تعطله عن أشغاله. عقل المواطن لوحده. وكل مواطن هناك أكثر من ألف عدسة وألف عين تراقبه وتراقب حركاته واختلاجاته. كل مواطن يعد أيضا رقيبا على المواطن الآخر. لكن هناك فرد,وهناك آخر. هناك مجتمع,وهناك حكومة,وهناك دولة. ولكن لا وجود لأفراد أو مواطنين أو شعب أو ناس أو أي من صيغ الجمع التي تم حذفها من المعاجم بواسطة المجمع اللغوي,التابع كما الجهاز الإعلامي والجهاز الأمني لمؤسسات الدولة. صيغة الفرد خاصة فقط بالفرد,وبالحاكم. والحاكم يراقب الفرد. والمواطن يكون علاقته الإجتماعية الأولى معه. والحاكم يسمح للفرد بأن يكون علاقة مع آخر (غير حاكم),ولكن مع شخص واحد فقط بحد أقصى لكل شخص. يمكن القول آخر,ويمكن القول شخص أو شخصان ولكن لا يجوز القول أشخاص,حتى لو فقط ثلاثة أشخاص. وكذلك جرى حذف الضمائر والإشارات مثل هم,هؤلاء,أولئك. هناك أنا وأنت وهو فقط. أنا يحددها هو. وأنت يحددها أنا. لكن أنا الآخر (أنت) محدد مسبقا باعتباره أنا من قبل هو. ولكن ذلك التفرد يخدم بشكل كبير هو في مزج عبقري بين الشعور بالدميقراطية (رغم أن الأفكار والذوات -لا يجوز قول ذوات- غير مملوكة سوى للدولة) والانصهار في الجمهورية. أنا أو أنت لهم اسم,اسم واحد فحسب,لا يمتد للخلف أو للأمام. في بلاد أخرى,مصر مثلا,
هو لا إسم له,وإن اسبغت عليه مجموعة من الألقاب,إلا أنه ليس مثل الجميع -بافتراض أنه يجوز القول جميع ولو مؤقتا مثل مجموعة من الافتراضات السابقة واللاحقة- فلا يمكن أن ينطق إسمه من قبل فان رخيص مجرد فرد في منظومة المجتمع الطاحنة,ولكن السامية.
هو يسمى الأب,الأخ الأكبر,وجابر الخواطر,وفي بعض الأحيان الرب,أو حتى وبكل فجاجة الله. ولكن لا فجاجة في ذلك سوى لبعض المستشرقين الآتين من الخارج يدرسون هذه الظاهرة السياسية / الإجتماعية الفريدة من نوعها.
قيل أن الخارج ينطقون إسمه جهرا بسهولة مضغ اللبان,وقد تأكد ذلك. هذه بالذات أحدثت مشكلة للنظام .. أي رؤية الناس بالداخل لمن في الخارج,واطلاعهم على شؤونهم. أن يحسب المرء أنه أسعد رجل,وقومه أسعد ناس في العالم,هو شعور طبيعي يمر به أي شخص.
هناك ملف خاص عن كل فرد في الدولة,حاضر على مكتب الدولة. ومفاتيح الحروف على الطابعة القديمة تجسد اسم كل شخص موجود تقريبا داخل نطاق هذه الدولة. والرجل الجالس على كرسيه هناك,يتجسد في لحمه سلطته الكاملة على الدولة,هو الدولة.
الهؤلاء
[1]
صنع البشر تاريخ طويل من الشرور ليس أسوأها القتل ولا الحروب ولا العبودية,ولكننا هاهنا نكتفي بتناول القضية الأخيرة وبيان ما بلغته من تدني في النفوس البشرية وتفشي في الحضارة الإنسانية. أو التي كانت كذلك.
نشأت ظاهرة الإستعباد لأول مرة في أوروبا,بسبب الإستعمار الأوروبي للدول الأفريقية واستمرت لأمد طويل جدا في سلسلة متعاقبة من الكوارث والمآسي البشرية والإنسانية
الاستعباد هو تملك غير إنساني للنفس البشرية,بناء عليه يحكم المالك على المملوك بأن يعيش أو يموت,أن يكون حرا,أو أن يكون محكوما مملوكا له أو لغيره,مقيدا دوما بسلسلة لا تنتهي من الأوامر والأحكام,سلسلة تنتهي / تنكسر فقط بموته.
وغالبا العبودية موجودة مع البشر,مثل أغلب الشرور,منذ فجر التاريخ,وحتى يومنا ذلك, ولكن بشكل اندلع سعار الاستعباد في أوروبا بالقرون الوسطى وكان أحد الأسباب لتسميتها لاحقا بـ العصور المظلمة على أوروبا,ووصمة عار على الغرب حتى الآن. ومع ذلك,ورغم كل الجهود الإنسانية الفردية أو المؤسساتية أو القومية,تزايد الأمر واستفحل وزاد عن حده. ثم وهذا هو الاكتشاف المدرج في قصتنا هذه. وهو أنه لا يوجد حد للغباء البشري,ولا يوجد حد للتدني المجتمعي.
التقط البشر هذه التجارة من نهايات العصو القديمة للمجتمعات البشرية التي كانت تتبناها واتشرت فيها على نطاق واسع. ثم صار ما يشبه التنافس على هذه التجارة المربحة واللذيذة والمرضية للنفس الأمارة بالسوء دون أي عواقب قد تقع عليها,صار التنافس بين الشرق الأوسط والغرب الأوروبي,وازدهرت كثيرا بين الطرفين. ثم طالها بعض التراجع والعقبات.
وكان للاستعباد تسميات عديدة,عبودية,نخاسة,قنانة,رق,أو عنصرية أو طبقية. وكان له عدد كبير من المبررات الأخلاقية الدينية وغير الدينية.
على سبيل المثال كانت لعنة حام أحد المبررات المسيحية الرئيسية للعبودية،خاصة ضد ذوي البشرة الداكنة. تشير لعنة حام إلى حكاية عتيقة في سفر التكوين حين يخطئ حام ابن نوح فيرى بدون قصد والده عاريا. وعلى الرغم من اختلاف العلماء حول الطبيعة الدقيقة لخطأ حام. نتج عن ذلك أن لعن نوح ذرية حام (كنعان) بأن يكون (خادم لإخوته). على الرغم من أنه لم يتم ذكر العرق أو لون البشرة،إلا أن العديد من العلماء اليهود والمسيحيين والمسلمين بدأوا في تفسير المقطع على أنه لعنة خاصة بكل من العبودية والبشرة السوداء،في محاولة لتبرير استعباد المنحدرين من أصل أفريقي.
يرى مؤرخون،مثل تيموثي رايبورن،أن المبررات الدينية عملت على إخفاء الضرورات الاقتصادية الكامنة وراء منظومة الرق. وتشهد على ذلك الحرب الأهلية الأمريكية التي فضحت تماما النزوع المالي الجشع من وراء تجارة العبيد.
مثال آخر حين كانت طبقة العبيد تُشكل جزءًا مهمًا لا غنى عنه في المجتمع العثماني،وكانت هذه الطبقة تتألف من الصبية والبنات الأوروبيين الذين يخطفهم القراصنة أو يتم سبيهم خلال المعارك والحروب،ومن الأفارقة الذين كان يخطفهم تجّار الرقيق من قراهم جنوب الصحراء الكبرى. ألغى السلطان محمود الثاني تجارة الرقيق الأبيض في أوائل القرن التاسع عشر،فتحرر جميع العبيد من يونانيين وجورجيين وأرمن وشركس،وأصبحوا مواطنين عثمانيين يتمتعون بسائر الحقوق التي يتمتع بها الأحرار. إلا أن تجارة الرقيق الأسود استمرت قائمة حتى أواخر عهد الدولة العثمانية، كذلك يفيد بعض المؤرخين أن تجارة الآمات استمرت أيضا.
[2]
لما كتب بلوخ كان صادقا,والآن هناك في القفص من الحيوانات,والكلمة في العربية هي جمع حياة,كان في القفص من الحيوات / الحيوانات البشرية العديد من الأنواع. الأسود الزنجي إلى جوار الأسود الأفريقي. والأبيض الآري إلى جوار الأبيض القوقازي. وخليط من الألوان البنية والسوداء والبيضاء والسمراء والصفراء. وتشكيلة من العيون الدائرية والضيقة والواسعة والحولاء. الأثرياء يلعبون بمجوهراتهم,والفقراء يلهون بصحونهم. والكبير إلى جوار الصغير. والأقوياء لا تشفع لهم قوتهم,وتراهم ينظرون إلى الضعفاء نفس النظرات على أعين الجميع. قفص الحيوانات الكبير,الذي احتوى من تبقى من البشرية,في وئام لم يحدث في التاريخ قط بين الإنسان وأخيه الإنسان. وكانت الدببة والقطط والكلاب والفئران والذئاب والأسود والأسماك والطيور والديدان والفراشات ومختلف الحيوانات ترى أن هذا القفص هو الأفضل في الحديقة كلها. ويستحق أن تضيع وقتها ومالها للإستمتاع بذلك العرض.
انقسم الشعب أسياد وعبيد,طبقتين لا ثالث لهما,وانهارت الطبقة الوسطى تماما,وصارت العليا فوق الأرض أحرارا طلقاء,بينما الطبقة السفلى تحت الأرض سجناء أذلاء.
كانت الحياة جميلة بالنسبة لهم,لقد حسبوا أنفسهم أن الحياة هكذا منذ البداية ولا يمكن تصور أجمل من ذلك. مثل سجناء كهف أفلاطون الذين لا يعلمون أنهم سجناء. بعض الناس وأولهم (كالو) نظر إلى الحياة في هذا العالم المحدود بنظرة أكثر تشاؤمية. وتصور مثل جماعته والنادي الثقافي أن هذه ليست إلا حدود تقيد الإنسان,وأن السماء لا ينبغي لها أن تكون بهذا القرب من رؤوس البشر. وبالرغم من أنه ليس وراء الجدران إلا جدران,نادى كالو بوجود الجدار الذي ليس وراءه جدار,ربما فضاء مفتوح على امتداد البصر مثل الغرفة الخالية المقدسة في بلاده.
كانت لديه أفكار مجنونة حقا,ولقد اطلع على (المكتبة المحرّمة) والتي تؤكد تقريبا على جميع أفكاره. وعرف أن موقعه بالضبط هو نفس الموقع في القصة التي طرحها أفلاطون. كان حقا كالممسوس,ساعده على تنمية شغفه دراساته حول الجغرافيا والفلك,وهي علوم خرافية أقرب للشعوذات في هذا العالم وتحت هذا السطح.
الخارق
مصر
كارثة بيئية تلوح في الأفق,شاهد أحمد نذائرها في السماء,وشاهد أخبارها على التلفاز, وعايش أجواء لم يعهدها من قبل. لقد مرت أيام طوال ولم يرى الشمس بعد. ولا السماء هي السماء التي يعرفها. مكفهرة ملبدة بالغيوم لا تكشف لنا إلا عن أنياب تكشر عنها في وعيد بأيام سوداء يعلمها علام الغيوب. أصاب القلق قلب الشاب الصغير في مقتل. بالكاد نفد بجلده من التجنيد الإجباري في الجيش (ربما بسبب التقلبات الجوية) وبالكاد قام بادخار بعض المال (حوشله قرشين على رأي جدته) وبالكاد وجد فتاة مناسبة تقبل به,وهو متقبل بها إن لم يكن منجذب إليها بالفعل. وبالكاد حصل على رضا والده. وبالكاد استشعر أن هناك إستقرار مالي أو مهني يلوح بالأفق. قبل أن يزيله شيء آخر يلوح بالأفق,مثل أمطار السماء سقطت على بقعة من الألوان فأزالتها. والأمطار لا تكف عن الإنهمار منذ إسبوع,وبشكل يومي جعل أيامنا أقرب إلى الفيضان. جميع فرص العمل المتاحة أغلقت. وتم التأكيد على هذا فالإسبوع التالي لما بدأت تمطر ثلجا. ورغم أن المصريين اعتادوا على هذه الظاهرة,إلا أن هذه ليست مصر التي يعرفها.
القتل والرأس والتحضر,ثلاثية من الكلمات شائعة جدا في البلاد هذا الزمن.
الحكم بالإعدام هي الطريقة الأكثر تحضرا للقتل في المجتمعات الحديثة,وفي مجتمعات أكثر تحضرا من تلك المتحضرة,تستلزم شروطا معينة ضروري إستيفائها جميعا من أجل تنفيذ حكم الإعدام.
يستلزم وجود
قاضي
وهيئة محلفين وهيئة دفاع ونيابة
وجلاد
ومفتي
ولجنة من المختصين والمنظرين والمفسرين
وعادة يجري تفسير واحد من كتابين,وربما كلاهما
1-القرآن,ولكل قرآنه
2-الدستور,وهو الشائع في البلاد الغربية والعربية الآن
وتفسير القرآن,أو الإنجيل,أو التوراة,يجري حاليا بحسب ما تقتضيه أهواء العصر ومعاصريه. وليس بحسب قواعد ثابتة,ولا حتى بحسب تغييرات ضرورية.
أما الدستور,فهو أسهل,ويمكن تجديده أو إعادة صنعه في كل حين.
خلاصة القول هو العمل بتحقيق الموت,حتى صار وظيفة لكثير من الموظفين.
إحالة الأوراق إلى فضيلة المفتي
عبارة شائعة جدا
بدأ يمشي الشارع من أوله حتى بلغ بيته قبل آخره هو يكاد يلفظ آخر أنفاسه ليس لأنه يسير مهرولا,بل لأن الناس صارت تقتل بعضها!.
فعليا!
النهاية لم تكن دمار نووي شامل خرب الأرض,بل إنهيار أخلاقي كامل خرب النفس.
حمد الله وهو خلف بابه (القاعدة الوحيدة التي أجمع عليها القوم بعدم تجاوزها هي عدم اقتحام البيوت أو القتال من خلفه) أنه لم يصطدم بأحد جسديا أو لفظيا أو بصريا.
الناس لم تعد من البشر. والإنسانية بلغت مبلغا لا يترك مجالا للشعراء ليتغنوا بأي فضائل. ناس باتت تقتل بعضها بعضا. ليس بشكل مجازي ولا بشكل إحصائي يستنكر تزايد الجرائم. بل أن القتل صار سلوكا مباحا على جميع المستويات الإجتماعية والقانونية والأخلاقية.
القتل من أجل القتل فحسب. ولولا ذلك العالم المجنون الذي سمع عنه,لكانت الأرض الآن في حرب نووية لا تبقي ولا تذر. هذا العالم الذي اقترح أمر عجيب للغاية تم تطبيقه منذ سنوات بالفعل في أمريكا,أي القتل مرة كل عام. ليلة واحدة لمدة نصف يوم خلال إثنى عشر ساعة. يسمى هذا النشاط بـ التطهير.
هو نائم الآن,يسمع صوت شخير رجل نائم في الغرفة المجاورة على يمين السرير,ويسمع صوت غرغرة امرأة يتم خنقها في الغرفة المجاورة على يسار السرير. هذه من المرات القذرة واليائسة التي يصطاد فيها قاتل فريسته من الخارج ويكمل ما بدأه معها في الداخل.
ماذا يحدث الآن؟
ماذا يحدث حوله؟
متى بلغوا هذا؟
في أي عالم هو؟
دوما تتردد تساؤلاته في ذهنه كأنها ترفض الخضوع لواقع جديد وجد نفسه فيه,واقع إما أن تكون قاتلا أو مقتولا.
شعر بالاختناق يضيق عليه أكثر فنزل يتمشى في الشارع رغم ما يحمله هذا القرار من مخاطر قد تودي بحياته
-هي سبهللة كده؟
-أيوا
-أيوا!
-أيوا
-إزاي
-إزاي إيه,إنت مستغني عن عمرك ولا إيه
بدا له أن هذا الرجل لا يدري ما يحدث حوله بعد,كأنه قادم من كبسولة زمنية كان مجمدا بها. ثم عرف أنه كاذب,لولا أنه كذب معرفته تلك على الفور حين رآه يخرج أمامه. يخرج من الباب كأنه لا يخشى ما خلف الباب.
خرج بالفعل وهو بعد غير مصدق أن رفيقه خرج,وظل يحدق في موضع قدمه على عتبة الباب شاردا متجمدا في موضع قدمه. أدرك نفسه سريعا فانقض على الباب يصدمه في إطاره مغلقا إياه,ثم تراجع للخلف في خطوات سريعة تشبه القفز أو الترنح.
استراح على كرسي كبير واضعا يده على قلبه .. دقات عنيفة هي,كتلك التي يسمعها الآن من صاحبه وهو يستغيث مناديا إياه راجيا له أن يفتح الباب.
تمنى طوال عمره أن يعيش في زمن مثل هذا الذي يعيشه الآن,ولقد حسد دوما البلاد التي تجتاحها موجات من الإضطرابات أو الثورات أو الحروب. رغم أنه خسر عائلته كلها,ولكن لا يهم فهو في لجة غرقه بالملذات الجسدية والمتع الحسية,ينسى نفسه هو. قمة الإنغلاق على الذات,لا يخرج منها إلا ليقتل.
يقتل النساء
يخنق النساء
هذا عشقه وشغفه وحياته الآن
كانت هند (أم سلمى) تسير وحيدة,على جانب الطريق,مع بعض فاكهة في كيس أسود,وتمد الخطى إلى بيتها حيث ينتظرها زوجها الجبان. شد السلك على رقبتها سريعا في سحبة مباغتة مرت من الرأس قبل أن تنتبه هي لما يجري حولها.
واندلعت الحرب
مندوبك
-مع مندوبك .. أنت دائما في آمان
تتكرر هذه الجملة بشكل مثير للريبة والشفقة والجنون,حتى أن الشك يختلج قلبه حول ما إذا كانت تردداتها تلك في عقله,أم أنها مجرد تكرارات بصرية للافتات على الطريق مع قطعه كل هذه المسافة دون أن يتوقف بالسيارة. حتى مع الإنعطافات المختلفة تظل تلك اللوحة المعلقة حاضرة كأنها لافتات على جدار القلب والعقل. عقل لم يعد يبالي بأي شيء عداها. عقله معلق بها تماما ولا شيء سواها. عقله لا ينظر للطريق الآن وكانت تلك إنعطافته الأخيرة إلى الهاوية. في مكب النفايات القديم انزلقت سيارته. وفي المستشفى وقع شقيقه عقدا مع شركة مندوبك لتوزيع أرباح التركة على إخوته وأبناءه. يملك مدخرات لا بأس بها, ونصيبه في شركته المتواضعة. لكن الأرباح الأكبر جاءت من بيع أعضاءه. جميع أجزاء جسده صالحة للبيع. و(الحي أبقى من الميت).
-مع مندوبك .. أنت دائما في أمان
قالها موظف الشركة وهو يخرج الأوراق من حقيبته,لم يشعر بأي صدق في نبرته الجافة تلك مثل سطح وجهه الأجوف. نبرة رسمية جادة فيها تواشيح من اللطف لا تقلل من جديتها. عينين ضيقتين,غائرتين,تحتها أقواس من الهالات السوداء تكاد تتلاصق مع خدوده الغير متوردة. الغير متقوسة ولا دائرية. وجه مربع في كل شيء. مع ذلك,هو وسيم,كما ينبغي وكما تفرض عليه ظروف وظيفته تلك.
نظر إلى الأوراق المبعثرة أمامه,ورفع إصبعه مشيرا
-تلك
ابتسم المندوب وأشار بقلمه إلى مجموعة من الخيارات في الورقة,أشار هو بدوره
-تلك
دون أن يقرأ ما أشار إليه,وبعين خبيرة ويد مدربة قام بالتعليم على المربع المجاور لهذا السطر دون أن تزول ابتسامته.
-مع مندوبك .. أنت دائما في آمان
ترددت أو تكررت وانتشرت العبارة الأشهر في البلاد من كل جهاز بث بصري أو صوتي في الشوارع وداخل البيوت,ومن الأجهزة الصغيرة داخل الجيوب أو المعلقة في الآذان.
مرحبا بكم في عالم غامض وقاتم,حيث الحياة معقدة أكثر من ذي قبل,والفرد لا يستطيع العطس دون مندوب .. إذا عجزت عن توظيف واحد فلا تقلق, شركة “مندوبك” العالمية تعمل على توفير المندوب الملائم لحل مشاكلك المالية والأمنية والطبية, وإجراءات الزواج والطلاق وحتى الجنازة, وغيرها من مشاكل الحياة المستعصية..
لكن في هذا العالم المتخبط, حتى الشيطان شخصيا بحاجة إلى مندوب لإنهاء معاملاته وضبط أوراقه وكشوفاته, فمن الأقدر على تولي هذه المهمة المخيفة؟
-مع مندوبك .. أنت دائما في آمان
ترددت العبارة في ذهنه,وتأمل حاله,وحال بلده,حيث يعيش المواطن الأمريكي وقتا دافئا أو باردا حسبما يريد بالتنسيق مع النظام العام للدولة,ولا يمكن التحرك إلا بأمر الدولة. دولة صغيرة من أمريكا أنشئت في الحدود بين أمريكا وكندا.
مواده
آجر
أحصى سنوات عمره فوجد أنه قد بلغ الأربعين إن لم يكن قد تجاوزها بقليل, ومع ذلك لم يعد له أنيس ولا جليس بعد, لا زوجة ولا ولد, ولا طوبة واحدة بناها في أي بيت يكون له. شعر بالأسى على حاله, وبالندم يحرق قلبه ويبدد اليأس ما قد تبقى من سنوات عمره.
أوكسجين
وصل إلى منشأة السلام,توقفت سيارة الأجرة تماما أمام مبنى المخبر الخلوي (قسم الأوكسجين). ألقى نظرة أخيرة إلى وجهه عبر مرآة السائق. ترجل وهو ينطق إسمها غالبا للمرة الأخيرة أيضا
-نُها
كانت الفتاة ترتعش وتفكر في أن تتمنع قليلا,لكن قدمها نزلت على الأرض كأنه فقد التحكم في جسدها. أو ربما هي استسلمت لمصيرها ببساطة. ترجلت بقدم مهتزة لا تكاد تحملها على الأرض. مبنى أبيض لم ترى أسود منه في حياته. ألقت نظرة عليه,قبل أن تلقي بجسدها إلى الواقفين خلف البوابة لإستلامها من أبيها.
تركت نفسها للممرضة الحسناء تقودها على درجات السلم متكئة على ذراعها بقوة كأنها تحاول أن تسقطها بثقلها أو تؤدي إلى تباطؤ سيرها. ولكنها في النهاية و صلت. عبرت البوابة ودخلت إلى الممر الطويل المميز للمستشفيات القديمة.
تعبويات
حزام حديدي مكون من قطع المعدن المعدلة لكي تكون قابلة للطي والمرونة أثناء السير بخط الإنتاج المخصص لها, إنها صفيح أو قصدير ذاهب للعدم, وكل شيء ذاهب إلى عدم.
جليد
الريح الباردة تتلاعب بأعصابه وتتخلل إلى عظامه كما تفعل مع أعمدة هذا العش شبه المتهدم. السرير يئز مهتزا ومشتكيا من فعال العاصفة,مضافا إليه وزنه الزائد عن حمل هذا الهيكل الخشبي العتيق. قرر أخيرا أن يترك النوم ويستيقظ في قلب هذه الليلة العاصفة والهادرة بريحها المحملة بالصقيع. ولكنه ثور. ومثل إسمه,هو لا يخشى شيئا. في هذا الوقت كانت هناك مجموعة من الأشباح تتحرك حوله. أشباح من بني الأحياء كما قدر بعينه. يستغلون الأجواء العاصفة للسطو على بعض المنازل. تعمدوا تجاوز منزله إلى البيت الذي يقع خله. كانوا يخشونه مثل الشيطان. تنبه أحدهم إلى حقيقة أنه يراهم. كانت حركتهم رشيقة جدا وسريعة رغم كميات الأسمال التي يفترض أن تثقل خطاهم. إلا أنه لم تفعل سوى وظيفتها بأن وقتهم شرّ برد هذه الليلة. قدر أن أغلبهم سيموت أثناء محاولتهم الهروب بغنيمتهم من المسروقات,فقد عرف من ثيابهم ونوع جلودهم أنهم ليسوا من هذه المنطقة ولا تلك القبيلة. لكنه قرر أن يقتل بعضهم بما أنه لم يحصل على النعاس بعد.
وفي الصباح عُثر على الجثث متناثرة تباعا على سطح الجليد,مغطاة بعضها,ولا يظهر سوى ناجي واحد تتبعته قطرات الدماء إلى حيث فرّ. وتدل كميتها على أنه لم يمت,والأرجح أنه لن يموت.
-ربما في وقت آخر
قالها ثور وهو جالس على صخرة حلقة من الناس تجمعت حوله كما المعتاد.
-ما الذي دعاك للقتال اليوم يا ثور؟
قالها كبيرهم
-أمس يا رجل,وليس اليوم,اليوم معركة أخرى
خشب
صوت هدير المحركات وصخب المركبات والضجيج القوي الحادث من أثر تحطم الأشياء تحت العجلات,كلها أصوات تلفت الإنتباه إليها. وعلى الفور نظر المراقبين وهم معلقين فوق الأشجار,واستطلع كبيرهم فرصد عدد المركبات وقدّرها ثمانية دبابات,وعدد من مساوي تقريبا من المدرعات. وبحكم أنه يألف الخارج,ميز وظيفة كل مركبة ودورها في المعركة. على الفور صدحت الأبواق فوق خيمة الأشجار ووصلت إلى عنان السماء,وأشار إلى مساعده وكان غلاما ذكيا رشيقا فهم الإشارة وعلى الفور انطلق ليخبر الحكماء. والحكماء كانوا قد اختاروا سابقا هذا القائد بلال,الذي وإن كان به قليل من العته أو مس من الجنون, ويغيب عن أي تفكير منطقي في حياته اليومية,إلا أن قيمته الحقيقة تتوقد في الحروب ويقدح ذكاءه عن كل جديد ومدهش وغريب وفعال ضد أي عدو أي كان نوعه.
خلايا
-المعمل الحيوي – القسم الخلوي
قرأ اللافتة وهو يترقب ما سيراه بالداخل,متخيلا تلك الجدران المكونة من اللحم اللزج المتساقط والمثقوب والمتعفن والطازج في آن. هذا اللحم هو عبارة عن تكتلات من الخلايا البشرية التي اختارت اللحم صورة لها. إن نمو الخلايا المتزايد والغير متوقف عند حد قد يعطي الأنسجة أي شكل لتكون عليه,لحم أو جلد أو عظم.
دم
في ظل الموجات المتضاربة من الأوبئة الحديثة,والمتزاحمة تكالبا على حيوات البشر وتأكيدا على هدف واحد,كأن لهم عقول تفكر؛وهو إزهاق الحياة البشرية. ظهرت بارقة أمل تنفست عن الهواء المختنق,وأضاءت البقعة المظلمة التي حُشر فيها العالم أجمع. ظهر نوع جديد من الخلايا الجرثومية في دماء الإنسان. جراثيم أو سراطانات أو بكتيريا قادرة على شفاء البشر. شفائهم من ماذا؟ من أي شيء تقريبا!.
كان إكتشاف هذا الدم كأنه مثل ظهور جبل الذهب,وتهافت الناس عليه قبل العلماء,مثل يوم كان يرضع فيه المريض من لبن الحمار,أو يأكل قشور جلد مريض بالجدري,رجعت العصور الحديثة لأوسطها مرة أخرى. وسقط العديد من الضحايا. من عندهم الدم وليس عنده دم من هذا النوع.
دهن
كان يحب الدهن, يعشقه, ويتخيل عيون تطل عليه من فيه.
ذهب
قررت بثينة موسى أن أفضل طريقة لحفظ منجزها العلمي ليست من خلال المؤسسات الحكومية للأرشفة والتوثيق وحفظ الأفكار,بل عن طريق الإختراع مباشرة,ثم الإنتشار عالميا. وهذا ما كان.
وقد كان إكتشافها مروعا بحق أرعب العالم كله,هل سمعت يوما عن الدجاجة التي تبيض ذهبا,نعم لقد وجدت بثينة دجاجتها الخاصة بها,ولكنها دجاجة مهددة بالذبح من الجميع.
رمال
أرهقته قدمه أثناء النوم متخبطة بحواف خيمته الصغيرة,وقد مالت الشمس نحو الغروب معلنة فجر هذا اليوم الحار,مثل كل الأيام,ومال شعاعها على عينيه فأيقظه من نومه,لينظر من بين التجاويف الصغيرة الواقعة في الخيمة,والمشكلة لباب أو ستار مغلق عليه,ويستره ويستر زوجته المستقبلية إلا من بضعة ثقوب وفتحات تصلح للتنفس,وتقابل أي متسلل أو متلصص بعينيه الحادتين. بإمكانه الآن أن يسحب الستار الداخلي كي يحصل على غفوة سريعة قبل الإستيقاظ. لكنه يود أن يستيقظ,لأن كل يوم يمر من عمره هو تأخير لجميع مخططاته. زواجه,وثروته,وموقعه بين رجال ورجالات قبيلته. انتشل نفسه من فوق فراشه الدافئ بعد أمسية باردة مثل أغلب ليالي الصحراء. لم يجد صعوبة في نزع الغطاء عنه لأن الصباح أصبح حارا. والشمس تعجلت في صعودها. قبل القيام انحنى واضعا رأسه على الأرض متلمسا دفئ الرمال تحت الوسائد,في صلاة شكر تقليدية للشمس من أجل الترحيب بصباح يوم جديد. (لعله خير إن شاء الله).
رفع رأسه خروجا من الخيمة,فاردا قامته التي تطرح ظلا طويلا خلفه على الأرض. ظل يمكن أن يحتمي به دستة من الأطفال,وأمهاتهم,وأزواجهم الرجال عبر طوله الممتد صعودا حتى رأسه المرتفع فوق قامات جميع رجال ورجالات قبيلته. لقد تجاوز الثمانية أقدام دون أن يجرؤ أحد على قياسه حتى لا يهينه,وراءه ارتمى الظل مثل عباءة الليل الأسود متزايدا في طوله كأنه زيد الذي سمع عنه وتمنى لقاءه. وفي نفس الوقت,وقبل أن يخطو خطوته الأولى رأى من أراد أن تتبعه كظله وتشاركه فراشه,إبنة عمه تخرج رأسه في نفس وقت خروجه. وإبتسامتها أكثر ضياءا من الشمس نفسها (استغفر الله) لهذا التشبيه. ولكنه لم يتراجع تماما عنه.
تقدم بخطوات ثقيلة تطبع آثارها على الرمال كما ينبغي من فحل مثله.
سيلكون
السيلكون هي المادة التي تسيطر على النظم.
عدم
غزل
تطورت تقنيات الغزل بالتوازي مع تطوير تقنيات الخيمياء الجديدة, وصار أي طفل, قادر على غزل حبال دميته الجديدة, واستغنى البالغين تماما عن حاجتهم للأطفال.
فضاء
تستمر المركبة (0) في رحلتها إلى أعماق الفضاء.
لحم
هناك قصص كثيرة عن اللحم.
لدن
لم يصدق العالم إعلان الرئيس الأمريكي
مسيل
عبوة الغاز المسيل للدموع رمزا للثورة,التي يعتقد البعض أنها لازالت جارية لليوم,وما أدخنة الحرائق ولا روائح الغازات اللاذعة والحارقة إلا شاهدا دائما على غمة لا تنزاح وليل في قلب نهار أحال أيامنا سوادا.
معدن
راوده حلم غريب أثناء نومه على سطح البيت تحت السماء المكشوفة فوقه,أشرق الصباح على وجهه وجاءه التفسير واقعا محلقا فوق رأسه تمكن بشكل ما من التخلل إلى أحلامه في ليلة أمس.
مياه
لقد حظى أخيرا بشرف صحبة القائد الجبار ثور,الواقع أنه يعرف أغلب ربابنة السفن الكبار؛أهاب,الأمير لوكي,السندباد البحري,لورد جيرجوري,اللحية السوداء,لونغ جون سيلفر ,شارون أمير بحر الموتى. ولكم كان يمني نفسه بصحبة أحدهم. حتى هذه اللحظة,وهو ينظر الآن إلى الظهر العريض لثور العظيم,لا يصدق أن الأمر حصل. ويتذكر رغبته العارمة وهو مندهش من إمكان تحقق هذه الأمنية. يندفع دمه إلى أطراف جسده محملا بالإثارة المحتملة,في ترقبه لأي حدث عظيم قد يكون الآن. وقبل أن يواصل حماسه,أيقظته صفعة من موج البحر تعلمه أن يحذر فيما بعد مما يتمناه. التفت يسارا فإذا به يعرف ما يحدث الآن. لقد صفعه موج البحر لأن رب البحر غاضب. لطمة أخرى كسرت جانب السفينة. لطمة ثالثة زادت الشرخ في الجانب الأيسر من السفينة,من السور,وصولا للقاع وقد أدرك أن المياه أغرقت غرف الطابق السفلي في لحظات. وارتجت الأرضية أسفله,ولكنه لم يرفع عينه عن ثور الذي ظل صامد في مهب الريح وجبال موج البحر.
نبات
فجأة أصبح الشجر يتنفس الأكسجين, واختنق البشر جميعا على الأرض.
نحاس
استطاع جمع ثلاث قطع من النحاس, وكانت المدينة القديمة تنير.
نطف
بالوعة مفتوحة في الشارع .. مشهد تقليدي ومعتاد, لكنها كانت معمل للمنى من أجل توليد الأطفال.
نفايات
الأراضي تقبع ممتدة أمامه بعد أن غابت أرضها عن لحاءها بسبب تراكم وتكدس النفايات.
نفط
ثروتين وقعا في أيادي البشر
ورق
في عام معلوم تم اختراع الورق, لاحقا تم اختراع رجال من ورق.
يوتوبيا
[1]
متخيلا جسد رفيقه وقد بلغ به مبلغ السعادة النهائية في هذا العصر السعيد.
استيقظ في صباح يوم جميل,مثل سائر الأيام,وأول ما أبصرت عينيه هو عيني حبيبه الراقد إلى جواره. يحلو له أن يقول له وعنه (حبيبته) بدلا من حبيبه. ولكن أحيانا تغلب العادة بحكم أن الطبيعة تقضي بأن الرجل للرجل,والمرأة للمرأة. وكما قال الله في كتابه (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات). في نوع من التهكم المعترض لإستحالة حدوث ذلك,مثلما تمنعت الآية الكريمة عن تعدد الزوجات (مثنى وثلاث ورباع) بسخرية ملحوظة أكدها سبحانه وتعالى في النفي الصريح (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) والنفي موجب للنهي.
لهذا اكتشف العلماء إمكانية علمية تؤكد على التوجه الحداثي نحو المثلية,وهي أن يلد الرجل ولده دون الحاجة لإمرأة تكون معونا أو وعاءا يحتوي على الجنين المخلق. ليست هذه الفائدة الوحيدة,على المستوى المعنوى,أعطت الحداثة المثلية فرصة للمرء أن يرى نفسه جميلا مرة أخرى. هشام الذي يستقبحه كل من يراه,أصبح الآن جميلا في عين كريم وسيم الوجه.
[2]
دلف عمرو إلى غرفة تغيير الملابس,تبعه صديقه محمد,لمسة باردة عند الكتف استوقفته قليلا,وقرر أن على صديقه,وعشيقه أن يساعده في إرتداء ملابسه. احتك جسداهما معا, وشعر كل منهما برغبة في أن يلغيا موعد التمرين اليوم. ليستمتعا معا على فراشهما المريح. خرجا,وجلس عمرو على أحد آلات تقوية العضلات تلك,ثم استأنف تمرينه تبا من الحمل والشد والإنحناء والتقوس بالثقالات المختلفة. انتهيا سريعا من اللعب بالحديد وتوجها معا ذهابا إلى المنزل. وخلف باب الشقة,حمل أحدهما الآخر,وتقدم به إلى غرفة النوم,على الفور ألقى محمد عمرو من بين ذراعيه,وكأن الأخير لم يصدق,انكفأ على وجهه وبطنه,وأسفله مازال ملامس الأرض بركبتيه. سريعا أنزل سرواله كاشفا عن مؤخرة بلا لباس أسفل البنطال وأولج قضيبه بين فلقتيه.
[3]
تذكرت يوما كان فيه الجنس حراما,ليس الجنس المثلي فحسب,بل وأي جنس بين رجل وامرأة طالما غير مقيد بنظم المراقبة الظالمة المسماة زواج أو إرتباطات من أي نوع. قد حدثت جرائم عديدة من هذا النوع. الماضي يزخر بالكثير منها. تذكرت أمر فتاة صغيرة, ترافق فتاة أخرى,جميلة,الإثنتين جميلتين,مثل نرجس وياسمين. الطريف أن هذا كان إسمهما. تمددت نرجس على الأريكة المريحة في الصالة بعد أن خلعت وشاحها عن رأسها. ساعدتها ياسمين في خلع أغلب ملابسها. إلا رداء واحد خفيف يشبه الستارة المنسابة على الجسد الرفيع والجلد الناعم مثل سطح بحر هادئ. مدت يديها إليها. أمتعتها قليلا,وتمنت لو يطول الأمر,لولا أنها عزمت أمرها لتزيح عنها أي تردد. تناولت الوشاح الملقى على الأرض,شدت طرفيه جيدا بين كفيها. فكرت في أي الطريقتين أفضل. هل تضع الوشاح برفق أسفل العنق كأنه تمازحها,أم تغافلها بشده فجأة حتى تزهق روحها. اختارت الخيار الأول,ومدت يديها فرأتهما يرتعشان
-لماذا توقفت؟
[4]
جلست على الأرض بين ساقيها,تتأمل تلك الملامح التي زادتها التجاعيد جمالا وحفرت أخاديد ساحرة ما بين الوجنتين والعينين. العينين رقيقتين غائرتين في محجريهما
تمسك جيدا بيديها,تداعب قليلا ثدييها,تعلو برأسها حتى تقبل شفتيها,ولا تعرف لماذا تذكرت هذا المشهد أثناء احتضانها لها من الجانب. لكن تذكرت مقتل إمرأة على يد إمرأة أخرى. لماذا قد تقتل امرأة امرأة أخرى. أخذت تفكر وهي تسترجع المشهد بالتوازي مع إحتكاك جسديهما معا.
ارتمت منهكة على الفراش بعد رحلة شاقة من الجنس و(اللغوصة) مع جسد تلك المرأة. جسد رخو وصلب في نفس اللحظة وفي كل لحظة. مددت ساقيها,وفردت ذراعيها,وضغطت رأسها على الوسادة الطرية,وتدلك ظهرها قليلا على الفراش الناعم الهادئ
[5]
-لقد صنعنا مجتمع مثالي من المثليين
قالتها المذيعة مستحثة ضيفة الحلقة على المزيد من التعليقات والتصريحات الجريئة,وضيفة البرنامج لم تكذب خبرا,ومثل دلو انسكب ماءه أغرقت الجمهور والمتابعين بعدد من المتاع الجنسية لا حصر له وغير محدود.
تتخييل كم الأجساد الذكورية الملتحمة مع بعضها في الشوارع, وكذلك الأجساد الأنثوية المشتاقة إلى بعضها. لا أحد محروم من شيء. كلن يفعل ما يراه ممتع أو لذيذ أو مرضي لرغباته.
[6]
لما نظر آخر إنسان على الأرض إلى ذاته في المرآة أو على سطح المياه أو حتى في خياله. تذكر أنهم صنعوا السعادة النهائية للبشرية. ولكنها كانت النهائية فعلا.