الاجتماع والعلوم الثقافية

الجدار؛ التاريخ الصناعي والثقافي

1-جدران الكهوف

2-أسوار المدينة

3-تنويعات أخرى على الجدار

4-الجدران الوهمية

5-الجدران الخيالية

6-الجدار

 

1-جدران الكهوف

[1]

أول شيء فكر فيه الإنسان الأول, ولجأ إليه حين كان عاريا في البرية, هو أن يحتمي من وحوش البرّ, الوحوش التي تمشي على نفس الأرض التي يمشي هو عليها, بالإضافة إلى برد الهواء القارص. لذا سلك مسلكين ضروريين؛ تدثر تحت غطاء, واستتر خلف جدار. ولليوم لازال الملبس والمسكن هما شاغل الإنسان وضرورة للحفاظ على بقاءه. ولما كان لا يملك سوى جسده العاري والمكشوف في العراء, نظر الإنسان حوله في الطبيعة, واختبأ بالفطرة لطلب الحماية خلف ساترين.

 

الساتر الأول, ربما كان عبارة عن ستار من الأشجار الكثيفة والمتشابكة التي وفرت له المسكن والملبس والمأكل. تغطى بأوراقها وأكل من هذه الأوراق ربما حتى قبل أن يأكل الثمار. واختبأ خلف جذوعها أو تسلق فروعها ليضمن ألا تصل إليه بعض الضواري الغير قادرة على الصعود إليه. وفي القرآن, وهو المرجع الأول للإخبار عن بعض وقائع التاريخ عند المسلمين, خاصة تلك التي لا يرد لها سند آخر غير ما نقله القرآن من مرويات جاهلية أو توراتية. يرد خلق آدم في الجنة, التي ليست في السماء, بل هي جنة على الأرض بحسب العديد من المرويات الإسلامية الغير محققة ولا تملك موثوقية كبيرة مثل النص القرآني. إلا أنها فرضية لافتة ولا يوجد ما يمنع صحتها.

 

الساتر الثاني هو جدران الكهوف, فقد تنبه الإنسان البدائي إلى أن الوحوش تحتاج لمساحة مفتوحة بينها وبين فريستها كي تنقض عليها, ولكنها عاجزة تماما عن العبور من خلال ذلك النوع من الحواجز الحجرية أو اختراقها. لذا فطن الإنسان إلى حقيقة أنه وفي حالة غياب أي قوة عضلية أو تسليح كافي لقتل حيوان أو ردعه, يمكن إذن يعجز الحيوان عن إيذائه فقط في حالتين؛ إذا كان الإنسان على مسافة عالية لا يمكن للحيوان المفترس صعودها, أو إذا كان بين الحيوان وفريسته جدار قوي يعزله تماما, لا عن العبور إلى الفريسة, بل عن رؤيتها أصلا. العزل عن الرؤية كان يتوفر أيضا في الأشجار, لولا أن بعض الحيوانات الصيادة يمكنها وبسهولة تحطيم أو العبور أو التحايل على حاجز من الأشجار أو الشجيرات أو الأغصان, لتسلقه أو اختراقه. بينما يظل جدار الكهف هو في الحقيقة حائط مصمت وحاجز لا يمكن اختراقه. هذا بالطبع قبل أن يكتشف طريقة أخرى تساعده على حماية نفسه, وهو السلاح الذي كان في البداية مكونا من الحجر والخشب. فهو إما نصل أو عصا (هراوة في العديد من الأحوال, تصنع من الدمج بين عود خشبي ورأس حجري). والجدران نفسها تعد سلاح مثالي عبر العصور, حيث شكلت حواجز منيعة على الاقتحام, أو حوائط عالية توفر لما فوقها سلطة أعلى على من تحته, لا يمكنهم التسلق إليه, أو ضربه, بينما هو قادر على قذفهم أو أن يلقي عليهم ما يشاء من مقذوفات تمثلت بداية في رميه للحجارة.

 

وقد عرفنا -أو قدّرنا- أن أول سور عرفه الإنسان كان عبارة عن سياج من الأشجار, ثم جدران الكهوف حيث سكن داخل الجبال. ثم عرف الإنسان الجبال نفسها بوصفها جدران هائلة تفصل بينه وبين العديد من الأشياء خلف الجبل, أو أعلى الجبل, أو حتى أسفل الجبل حين سكن الإنسان قمم الجبال. وربما كانت الجبال هي المصدر الحقيقي الذي دعا الإنسان إلى ابتكار سور يعزل بينه وبين المدن الأخرى كما سنتبين لاحقا.

 

-ولكن متى قرر الإنسان جمع الحجارة لبناء أول سور / جدار من صنع يديه؟.

 

وكان صنيعه آنذاك ربما هو أول منزل بناه الإنسان.

 

وقبل الإجابة عن هذا السؤال, نلحظ أن الإنسان القديم, سبق الإنسان الحديث في التعرف على القانونين الذي بواسطة أحدهما, أو كلاهما معا, تم تشييد كل الأبنية عبر العصور؛ الكبس والمزج.

 

[2]

وظيفة الفعل (بات) في العربية هو (إفادة حدوث الخبر في وقت الليل), وطالما قيل بات أو يبيت فالمقصود هو القطع بتحقق الخبر. لأن (بات) تعني أيضا قاطع، نهائي، حاسم، لا خِيار فيه ولا عود, أو لا مجال للشك فيه, ولا يقبل الجدل أو الاعتراض. وهكذا يقال (رفض بات) أو (بيع بات). وهكذا أيضا يحلف العرب على ضيوفهم أغلظ القسم بالمبيت لاستيفاء واجب الضيافة الذي قد يحمل المضيف عيبا كبيرا إذا لم يوفيه إلى ضيفه كاملا لا منقوصا. كلمة (البيات) تفيد أيضا السكون, أو السكون طويل المدى مثلما في (البيات الشتوي) الذي تمر به العديد من الحيوانات. وهذا التصريف في الفعل, والتصدير في المعنى, لا يختلف كثيرا عن اشتقاق كلمة منزل من نزل, لأن العربي, لم يكن ينزل من فرسه, إلا ليستكين في منزله, على فراشه, وفي حضن زوجته, فهذا هو العصر الجاهلي حيث لا يأمن رجل في الخلاء إلا وهو فوق ركبه أو مع ركبه داخل منزله. ولأن الإنسان الأول أول ما استكان من ركضه, وبعد أن نزل من على الشجر, كان الجدار سكنه الأول, وبطبيعة الحال وبمقتضى تصاريف الأمور, تكون المنزل من أربعة جدران مغلقة عليه من الاتجاهات الأربعة (وسقف وأرضية لإحاطة الاتجاهات الستة), وكان هذا تطورا مهما بعد أن كان جدارا واحد مستترا البدائي خلفه, أو ثلاثة جدران تحيطه مثل زاوية في قعر الكهف. فقد ظل مدخل الكهف مفتوحا لفترة طويلة قبل اختراع الباب.

 

تقودنا المعرفة الاستنتاجية في تسلسل الأسباب إلى أن تاريخ أول منزل, مطابق تقريبا أو مقارب لأول معرفة عملية في رص الطوب أو تشبيك الخشب لبناء جدار, ذلك لأن المنزل أو أي بناء آخر, ليس إلا مجموعة من الجدران المتصلة ببعض, وإن لم يكن ذلك, أضحى مجرد جدار لا يوصف أي بناء آخر بذلك إلا الجدار نفسه, وهو البناء الوحيد الذي قد يخلو من أي معالم إلا كونه بناء مكون من رصف الحجارة أو الأخشاب فوق بعض أو إلى جوار بعض. ومنذ البداية, والإنسان كان قد تعلم الطريقتين الأساسيتين في البناء؛ الكبس، والدهن.

 

ومن جدران الكهوف إلى جدران المنازل, فكان أول منزل في التاريخ هو منزل لا نعرفه بالتأكيد, ولكن أول بيت مسجل لدينا حتى الآن واقع في فرنسا، وقيل آخر في تركيا، وقيل رابية في بريطانيا، والأمر سجال بين بلاد أوروبا، التي تريد أن تعطي نفسها مجالا أعرق في سمة التحضر، ولكن هذا موضوع آخر على كل حال.

 

2-أسوار المدينة

[1]

عرف الإنسان المتمدن في باكورة تمدنه أساسا أوليا بنى عليه تمدنه هذا، بغض النظر عن صورة المدينة قرية كانت أو مدينة، هذا الأساس هو مبدأ (الحفاظ على علاقات متماسكة بين أفراد الجماعة الواحدة)، ويمكن من خلال هذا المبدأ والنظام، تمييز الجماعة عن جماعة أخرى. وبالتالي، لم يكن الإنسان مهتما فقط ببناء جدران تحيط حدود بيته حوله وحول أسرته، بل وأصبح مهتم جدا برسم الحدود حول عشيرته أو قبيلته أو حتى شعبه أو قومه فيما بعد. وهي حدود تحفظ لأفراد العشيرة الأنفس والنفائس. بمعنى أن من يتخطى هذه الحدود دون إذن، يصبح تجاوزه هذا نوع من التعدي، وعليه يشكل تهديدا يجب القضاء عليه، أو حماية أنفسنا منه. فبوصف الاجتماع بأنه اعتمار للعالم يدفعنا أن نرى في العلاقة العمرانية علاقة معقدة، من حيث هي، في وجه منها، علاقة البشر بعالمهم، وفي وجهها الآخر، علاقة البشر بعضهم ببعض. ولا يمكن فصل هذين الوجهين الواحد عن الآخر، فالشكل الذي يعتمر فيه البشر عالمهم -واعتمار العالم هو تملكه المادي الذي يكون بإنتاجه- هو الذي يحدد شكل العلاقة بينهم، والعكس بالعكس. فضرورة الاجتماع البشري تفرضها وتحددها طبيعة العمران نفسه، فإذا اختلف هذا، اختلف ذاك. [في علمية الفكر الخلدوني / مهدي عامل / دار الفارابي،ص 50,51.].

 

ومع الوقت, تحولت هذه الحدود من شكلها المرسوم في العقول، إلى جدران وأسوار مادية وملموسة قادرة على الحجز والعزل بين قطاع وآخر من الأرض أو من الفراغ. وهذا يتفق تماما مع التعريف اللغوي للسور في العربية، والسور هو ما يحيط بمكان أو كتلة ما ويحول دون الوصول إليه/ا، السور هو جدار حول المدينة، ومنه السوار، هو نطاق حول المعصم. لذا فإن أي تأريخ لأسوار المدينة، هو بالضرورة تاريخ لنشأة المدينة وتطورها عبر الزمن. وعلى ما يبدوا فإن الطبيعة دائما هي صانعة الإنسان بشكل أو بآخر، أو صانعة مصنوعاته على الأقل وصنيعته في نفس الوقت، فالإنسان يكتفي فقط -بشكل أولي على الأقل- بمحاكاة ما تبصر عينه. وعلى ضوء هذه الحقيقة فإن أول أسوار للمدينة في التاريخ، وقد تكون هي الجبال أنفسها، التي كانت كهوفها أول بيوت للإنسان البدائي. والعلاقة بين الجبل والسور تظهر لنا متجلية في سور الصين العظيم الذي يعد أعظم سور عرفته الحضارة البشرية ولا زال باق إلى اليوم. وبالطبع كان هذا نوعا حديثا جدا من الأسوار، بعد السور الشجري.

 

يتفق الباحث عبد الناصر حنفي معنا، في أن لحظة ظهور أسوار المدينة، كانت البداية الحقيقية لنشأة المدينة، مستكملا رحلته الطويلة “فحتى هذه اللحظة التي وصلنا إليها في رحلتنا، فإن المدينة لم تبدأ بالظهور بعد، ولكن عند هذه النقطة ينبغي التمييز بين مستويين لظهور المدينة، أولهما لا يتضمن سوى مجرد تكاثر أو انتشار ما هو معماري وتكاثف الطرق التي تربط بين كتله، مع بعض التغاير والتطور التاريخي في وظائفه وأنماطه وتشكيلاته، وتلك هي المدينة المتعينة التي يمكننا تحديد لحظة ظهورها بدقة بالرجوع إلى سجلها التاريخي، أما اللحظة الأخرى، أو المستوى الآخر لظهور المدينة والذي يعنينا هنا فهو لا يطرح نفسه إلا مع تحول المعمار من جاهزية “تتيح” تنمية مجال الحضور لصالح الفعل الإنساني، إلى مؤسسة تتيح وتمنع هذا الحضور في الوقت نفسه. ولو أننا حاولنا أن نرصد لحظة هذا التحول فسنجد أنها تتطابق مع لحظة ظهور “سور المدينة”، أي تلك الكتلة المصمتة التي تستطيع أن تطوق بداخلها حياة كاملة لم تعد ترغب فيما هو خارجها، ولا تنظر إليه إلا بوصفه استثناءً في طريقه إلى الزوال، ومع ظهور “السور” تكاد المدينة تتحول إلى رحم جماعي كبير”. [مدينة].

 

[2]

كنت أريد تخصيص هذه الفقرة أو الفصل كي أعرض تسلسلا لتطور أسوار المدن عبر التاريخ من خلال إلقاء نظرة على أهم هذه المدن، مع ذلك، هذا لا يمنعنا من عمل فهرس أو قائمة سريعة بأكثر الجدران شهرة وتأثيرا، وأكثرها حاجة إلى قراءة ثقافية مفصلة أو مستقلة.

 

-طروادة 3000 ق. م

-الصين 700 ق. م / سور الصين العظيم

-روما: 270 م – جدران روما وهانيبال

-البتراء: 312 ق. م

-كنعان

-بغداد المدورة

-أسوار صلاح الدين الأيوبي والحسن الصباح

-أسوار القاهرة

-برلين: جدار برلين

-إسرائيل: الجدار العازل / خط بارليف / الحاجز الحدودي في لبنان (الخط الأزرق) / بوابة ماندلباوم

يزرعيل، والخطوط الحمراء في هوليوود والإعلام الغربي

 

-حوائط أمستردام

-مكة وجبل عرفات

-سور الإسكندرية

-سور المدينة

-سور مدينة حمص

-سور مدينة دمشق

-سور مجرى العيون أو قناطر قلعة القاهرة أو قناطر المماليك

 

3-تنويعات أخرى على الجدار

[1]

حتى الآن، ركزنا على وظيفة محددة للجدران وهي الحماية، أو حتى توفير التفوق العسكري من أجل الحماية. ولكن ماذا لو تجاوزت النزعة للهيمنة بالإنسان إلى خلق وظائف أخرى للجدران؟. لا يعني هذا أن الجدران، قد استنفدت جميع خيارات الحماية، أو أدت وظيفتها بشكل لا يمكن تطويره بعد، فهذا غير صحيح، وهو ما نستكشفه في الباب التالي (الجدران الوهمية) حين تأخذ الجدران أبعادا نفسية أو معنوية أو رمزية، أبعادا وهمية ولكنها ملموسة. أما الوظائف الأخرى التي استعمل فيها الإنسان الجدران لأغراض غير الحماية، فهي تنقسم إلى نوعين أساسين؛ إما الجدار بوصفه عارضة جمالية (كجزء من المعمار الداخلي أو جدارية فنية أو معلمة تاريخية أو خلافه)، وإما الجدار بوصفه أداة عقابية -هناك نوعية ثالثة سوف نتطرق إليها متأخرا- وسوف ننشغل لاحقا بالجميل في كتاب آخر عن (البناء)، ونشتمل فيه على استعمالات عديدة للجدار بصفته وعاء حاوي مثل (الحوش) أو (الصندوق). ولكن دعنا الآن نوجه كلامنا بالحديث قليلا عن القبيح، ونستهل الحديث فيه، بقليل كلام عن جدران السجون.

 

والسجن هو مجموعة من الجدران صُممت كي تحتجز الفرد وتمنعه من الخروج.

 

ويأتي هذا المنع، لثلاثة أسباب

 

أولا، كنوع من التأديب، مثلما تنص العبارة المصرية الشهيرة؛ (السجن تأديب وتهذيب وإصلاح)، فالسجون، تُقدَم في المقام الأول، عالميا، على أنها مؤسسات اجتماعية إصلاحية حتى تحظى بالاعتراف الدولي بأنها مؤسسات إنسانية. لذا فالمرجو، ليس عقاب المسجون، بقدر تهيئته نفسيا للتعايش السلمي حين يُفرج عنه بعد المدة المقررة له.

 

ثانيا، كنوع من العقاب، وجميعنا يعرف أن الحق الثاني والثالث من الحقوق بعد الحق في الحياة، هو الحق في الحرية والحق في التملك، بناءا على العقد الاجتماعي الذي نادى به الفيلسوف الإنجليزي جون لوك. وذلك لأن الإنسان، يريد بطبعه أن يعيش، ويريد أن يكون حر (حر في الفعل أو التحرك وفي التملك). هذا هو الإنسان في شكله الأكثر بساطة، والأكثر تعقيدا قد يطلب امتلاك شيء أو شيئين على الأقل. السجن يعد نوع من العقاب لأنه يزيل عن نزيل السجن هذه المتعة في الحرية، وفي التملك، وفي بعض الأحيان، تعمل السجون على إنهاء حياة السجين (إلغاء الحق الأول، وبالتالي كافة الحقوق اللاحقة تقريبا) بناءا على قرارات أو مقررات قضائية أو حتى بدون أي تأييد قانوني كنوع من أنواع الأفعال الإجرامية (كما في المعتقلات السياسية داخل العديد من البلدان العربية والشرقية).

 

ثالثا، كنوع من الردع، لحماية من بالخارج، عن خطر من بالداخل، وفي بعض الأحيان، يصل هذا الردع إلى مرحلة القضاء على السجين بقتله، لضمان التخلص تماما من أي خطر قد يصدر منه. وهذا الفعل قد يكون فيه شق عقابي، ولكن عرفت سجون أوروبا في العصور الوسطى، الكثير من حالات الإعدام لأشخاص معتلين عقليا بشكل شبه تام، مما يعني أن هذا النوع من العقاب لن يؤثر (عقابيا) على السجين (من الناحية العقلية)، إلا ربما بشكل جسدي يحمل حمولتين (الألم والموت). لأنه أصلا ميت ذهنيا، لذا ربما لن يدرك ما سوف يحدث له، أو ما يحدث له بالأصل، وبالطبع لن يدرك ما حدث له بعد أن مات. هذه الفكرة تحديدا قدمها لنا فيلم طائر فوق عش الوقواق One Flew Over the Cuckoo’s Nest 1975 للمخرج الأمريكي من أصول تشيكية ميلوش فورمان. وبالطبع هذه ليست دعوى لقتل المعاقين ذهنيا، بل مجرد مرور (على الماشي) على بعض صور السجن / الإعدام القديمة. ونسترسل في التفاصيل أكثر في مدونتنا عن (السجن).

 

[2]

-الحواجز صُنعت لتجاوزها

 

ربما سمعت هذه العبارة من أحد العاملين في تخصص تحفيز الذات, مثل طبيبك النفسي أو مدرب الحياة أو حتى أحد المنظرين للتنمية البشرية. بل وربما سمعتها أكثر من مرة ومن أي شخص في الشارع, وهي عبارة مكررة بالفعل لدرجة ربما فقدت فيها معناها بقدر ما أصبحت سطحية أو مبتذلة. ولكنها تعبر عن قاعدة لازالت تُبنى عليها العديد جدا من حبكات أفلام الإثارة والتشويق والحركة بمختلف أنواعها السردية, إن كانت رعب أو فانتازيا أو خيال علمي, أو كانت تروي قصة جرائمية أو تاريخية.

 

فقد عرفنا أن الجدار, إما يكون منيعا عن الاختراق (إلا بوسائل خاصة جدا), أو عاليا ممتنعا عن العبور من فوقه (إلا بالوسائل الطائرة -مثل الطائرات التي ألغت عمل الأسوار- التي ليس لها محل من الإعراب هنا). ولا يوجد طريقة ثالثة للاستفادة من الجدار في الحماية (إلا الاختباء وهو حماية بصرية أكثر منه حاجز مادي). ومثلما يصف هيتشكوك قنبلة سوف تنفجر أسفل الطاولة, والمشاهد يعلم أنها ستنفجر بالبطل, ولكن البطل لا يعلم. وهكذا عرّف هيتشكوك التشويق وهو سيد التشويق في السينما بلا منازع. لذا يمكننا تعريف التشويق بأنه ينتج عن التصادم بين حدث وحدث آخر يكون ضد أو نقيض أو مبطل هذا الحدث (أو النتائج التي قد تترتب عن وقوع هذا الحدث). وفي أفلام (الهروب من السجن) نحن لدينا بطل تم الحكم عليه بالسجن, وتنفيذ هذا الحكم / الحدث. يبقى أن الحدث المقابل له هو هروب هذا البطل من السجن, والإجابة عن السؤال, هل سيقع هذا الحدث؟ .. هل حقا سيتمكن من الهروب؟.

 

ولكن قد لا يكون القصد من المهمة هو (الهروب) من الداخل بل ربما قد يكون هو (الاقتحام) من الخارج, والإثارة الناجمة عن متابعة هذا الهروب / الاقتحام تجعل أفلام السطو على المصارف, وأفلام الهروب من السجون, من أكثر الأفلام رواجا في العالم كله.

 

بل ونلحظ تنويعات أخرى عديدة على هذه التيمة في الأعمال الرائجة الآن بالعالم, مثل المسلسل الرسومي الشهير هجوم العمالقة Attack on Titan 2013 الذي يتحدث عن آخر دويلة من البشر يحتمون خلف جدار صلب وعال خشية من هجوم العمالقة, ولكن الهجوم يحدث, وتحدث المحاولات لترميم الجدار, ولاحقا تتطور القصة إلى محاولة تجاوز هذا الجدار والجدران التي وراءه. في الواقع, سوف يذهلك العمل في تعيين الإمكانات والأماكن التي يمكن تجاوزها, ولو أردت أن أحرق عليك العمل أقول أن القصة كلها مستوحاة من قصة أخرى في فيلم القرية عن قرية يحيطها جدار يعزلها تماما عن العالم, حتى أن المشاهد يحسب هذا العالم بدائيا. وهو ما يتضح عكسه في نهاية الفيلم الصادمة, وهو فيلم من إخراج إم نايت شياملان (وهكذا حرقت عليك العملين معا).

 

 

[3]

ولكن لا يشترط على العمل الفني أو السلوك البشري أن يكون هروبا أو اقتحاما, قد يكون تسلقا. أي أن يكون تحديا من النوع الذي لا يضر أحد غير المتحدي نفسه. فهو يتحدى نفسه, وعقبة موجودة بمعزل عن أي أحد, ولكنه يصرّ على وضع بصمته على الأشياء من حوله (وهي عادة إنسانية في الصميم). لهذا أيضا راجت أفلام تروي قصصا عن تسلق الجبال (وهي أعلى جدران في العالم) أو أفلام تحكي قصص عن تسلق المرتفعات عموما. ولا يشترط أن يكون التسلق من الأسفل للأعلى (أو العكس, أي لا يشترط أن يكون رأسيا) بل من الممكن أيضا أن يكون أفقيا من فوق مرتفع. ويا حبذا لو كان المرتفع عال جدا, أو زادت صعوبة الحفاظ على الجسد مستقرا فوقه (ما يهدد بخطر السقوط في أي لحظة) والموت المحقق بالطبع, فلا سبيل للنجاة هنا, تقريبا, لأن رواة هذه القصص يملكون طرائق عجيبة في صناعة أسباب النجاة (وهو ما يدفع مؤخرة المشاهد إلى الحافة أكثر فأكثر من فرط الإثارة).

 

ويعد البرج, محاكيا قويا لكل هيمنة الجدار المبسوطة على بساط لسان يشكل الطول الممتد للجدار فوق ارتفاعه. البرج, هو مرتفع لا ينبسط عرضا بالضرورة, ولكنه يعطي المزيد من المساحة كلما صعدنا أعلى, وهو ليس مجرد صعود من مكان إلى آخر, بل يحمل معه قيما جمالية وترفيهية ومعاني للسطوة أيضا. لهذا يعشق الثري الغربي (أو الأقل ثراء حتى) العيش في تلك الأبراج والعمائر العالية, أو العمل فيها. على عكس المواطن العربي الذي يميل أكثر إلى السكن في القصور (المقترنة أكثر بأهل الشرق) أو أن يحتوي منزله على (وسعاية) أو (جنينة) كنوع من الرفاهية المنشودة إذا كان فقيرا (صار الأثرياء الآن يسكنون أعلى تلة وأمامهم حدائق جنانة في مزج بين الوسع في الخطين؛ رأسيا وأفقيا). وقد عُرض مؤخرا فيلم حديث بعنوان سقوط Fall (عن تسلق عمود ارتفاعه ما يقرب من 700 متر), والذي نراجعه في كتابنا عن (البرج) أو ربما كتاب آخر عن المرتفعات, مع متسلقات أخرى, مثل أحد أجزاء سلسلة مهمة مستحيلة السينمائية وتسلق بطل الفيلم توم كروز لواحد من أعلى أبراج العالم ارتفاعا.

 

هذه الأفلام تلعب على فكرة الخطأ البسيط الذي قد يكون قاتلا, بل قد يتسبب في حدوث كارثة. ولهذا كلما زادت الصعوبة, زادت الإثارة, وكلما زاد الارتفاع ارتفع معه مستوى التوتر عند المشاهد. ولا يشترط أن يكون التسلق رأسيا, بل ربما يكون بشكل أفقي فوق مرتفع عال. هنا يطل علينا مفهوم (الإفريز) الذي سوف نتعرف عليه مرة أخرى لما نتحدث عن دوره الجمالي في التصميم المعماري داخل المساجد والجوامع والأبنية الإسلامية (في مقالنا عن البناء أو ربما عن المعابد). أما هنا, فهذا حديث عن دوره التشويقي في الأفلام الغربية, وخاصة الأمريكية.

 

الإفريز, هو كل ما أفرزه الجدار من زوائد غير النتوءات

 

أو هو كل ما أشرف من الحائط خارجا عن البناء

 

وهذا تعريف مستمد من الأصل العربي للكلمة (أفرز) وليس من الأصل الفارسي المنسوبة له الكلمة (وهي قد غير كذلك). والإفريز يختلف عن السور, وعن المتكأ, وإن كان قريب الشبه بهما. السور يمكن أن يكون عاليا طويلا بحيث يشكل مرتفعا لحاله, أو قصيرا يمكن وضعه على أرض منبسطة أو على حافة مرتفع (للمنع من السقوط). والمتكأ يمكن أن يسمح للقدم أن تقف فوقه. أما الإفريز, فهو بالكاد جزء ظاهر من الجدار, لا يسمح سوى لليد أن تمسك به -ولكن دون إحكام- فتمنع الجسد من السقوط. وربما ليس كل اليد, بل الأصابع فقط. فالإفريز هو جزء مادي من الجدار تقع فيه حافته على مبعدة بضع بوصات أو بوصة أو أقل من بوصة من آخر امتداد لبسطته. إنه حافة مستقلة في حد ذاتها. أو هو حافة الحافة بالجدار. ولكنها حافة متكررة, فقد يحمل الجدار أكثر من إفريز, مما يعني عدة حواف. وحديثنا عن الإفريز, وعن الأفلام, يستدعي ذكر فيلم شيق عن السجائر, وعن ضرورة التوقف عن تدخينها. وهو فيلم عين القط Cats Eye 1985 الذي يعرض منتخبات عن قصص لستيفن كينج. أما عن الصلة بين السيجار والمعمار, فيمكنكم مشاهدة الفيلم للتعرف عليها بأنفسكم. وللمزيد من خطورة المرتفعات يمكن مشاهدة فيلم فيرتيجو للعظيم هيتشكوك. والإفريز, أو الجدار, قد يأتي في صورة جدار معلق, ومهتز, ومليء بالحواف, مثل ممر عائم / طائر أو جسر, أو حتى حافة طائرة (كما تصور لنا الأفلام الهوليوودية), أما أخطر جدار, أو طريق, على هذه الشاكلة, ربما يكون هو الصراط المستقيم الذي سوف يعبر من فوقه البشر, من فوق حافة الجحيم حسب المعتقد الإسلامي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[3]

إن الحديث عن الإفريز شيق جدا بالنسبة لي على الأقل, ما يستدعي معه التعرض لنوع فريد من الأفاريز, لا ينطبق عليه تعريف الإفريز بشكل دقيق, ولكنه مشابه كثيرا له

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[4]

هل انتهت وظائف الجدار عند هذا الحد؟ لا .. هناك وظيفة سوف نتعرف عليها أكثر لاحقا في فصلنا عن الجدران الوهمية, وهي الإخفاء ربما بشكله المعنوي, ولكن الوظيفة المعنية هنا هي إخفاء الجثث بصورة مادية وعملية. إخفاء الجثث, ولكن ليس بالحبس وراء الجدران, ولا القتل وراء الجدران, وليس الاختباء من أجل الحماية, أو القتال من خلف جدار, بل إخفاء الجثث. الدفن في الجدار وسيلة بشعة يشارك فيها الجدار, كما شارك الجدار أيضا في قتل بعض الضحايا عبر إلقاءهم أحياء من فوق مرتفع الجدار. وهنا يكتسب الجدار وظيفة غريبة بوصفه متواطئا مع القاتل ليس في القتل فحسب, بل وفي إخفاء الجريمة.

 

وقبلا -قبل القبر- الجدار يعطي القاتل القدرة على القتل قبل أن يوفر له القبر المناسب لإخفاء الجثة. فبالإضافة إلى إمكانية تحطيم رأس أحدهم على الجدار, وغير إمكانية التستر وراء جدار أو ساتر أو عازل لمباغتة أحدهم بطعنه أو شنقه أو لإطلاق النار أو الغاز أو خلافه على من هم دونه, وهي في أغلبها طرق غير مثالية لمن أراد قتلا صامتا من حيث كونها تعلن عن نفسها بوضوح, أي أنها تفضح القاتل بطريقة لا لبس فيها تقريبا. يوفر الجدار طريقتين مثاليتين للقتل, تعملان جميعا على تحويل تشخيص حالة القتل من قتل إلى حادث أو فقد. فطالما لا يوجد جريمة, لا وجود لقاتل مرتكب لهذه الجريمة.

 

نحن أمام حالتين هنا؛ إما أن يسقط شخص ما من مرتفع (أو أعلى الجدار, والذي قد يكون شرفة أو نافذة أو أي عال من واجهة منزل أو مبنى) بطريقة قد تظهر على أنها حادث, ويتحول الجسد على الفور إلى جثة, وفي ظل غياب أي إمكانية لاستنطاق الجثة, وفي حال كانت الظروف مواتية والجريمة محكمة, قد يفر القاتل بجريمته, أو يغيب عن المشهد تماما. هنا يتحول الجدار إلى أداة للقتل, لأن دفعة واحدة فقط قد تكفي لقتل أحدهم, بل وربما تهيئة الموقف نفسيا على الضحية كي يسقط فلا يمد له القاتل يد المساعدة (وفي هذه نية واضحة وربما مبيتة وقصد للقتل ربما مع سبق الإصرار والترصد). وحتى في عزوف شخص عن مساعدة شخص يسقط أو ينتحر, طالما وسعه المساعدة, يعد تمنعه هذا مساهمة أكيدة منه في الجريمة, وهي مساهمة لا يمكن للطب الشرعي أن يستنتجها عبر تشريح الجثة (بشكل منعزل عن باقي حيثيات القضية).

 

وإما نحن أمام حالة, يختفي فيها الشخص تماما, شخصا وجسدا, ولا تتوفر أي وسيلة للاتصال به, ولا يتوفر أي أخبار عنه. لا لذويه, ولا للجهات المعنية بالبحث عنه بشكل رسمي, مثل الشرطة. مع أن بعض الحكومات قد تكون ضليعة في بعض جرائم القتل تلك, والتي تسمى عادة بالإخفاء القصري, ولكن العصابات والجماعات الإجرامية أيضا قد تكون من وراء جريمة قتل من هذا النوع, بل هي عديدة ومنتشرة على يد العديد من المنتمين لجماعات إجرامية أو إرهابية. والقصد هنا, أن سجون الدولة, أو السجون المعدة من هذه الجماعات قد تُستخدم لحبس الضحية حيا, إلى أن يموت, في نوع من الدفن حيا وراء الجدار (أو حتى داخل حفرة مكونة من جدران وسقف ترابي أو أسمنتي). وهذه قسوة بالغة, وعلى القارئ أن يتحمل قسوتي في التفصيل بالتفاصيل من أجل وضوح الرؤية إليه. هذه أحداث وأفعال لا تُرى في العادة ولا يشهد عليها إلا مرتكبيها. هناك نوع آخر من الإهانة والقسوة المسددة إلى شخص الضحية, وهي حرمانه من الحصول على دفن لائق به. بل الأدهى من ذلك, أنه قد يختفي ولا يعلم عنه أحد شيئا, ولا عن مصيره. وللجدار مساهمة واضحة في تحقيق ذلك, عبر إخفاء الجثة تماما في جوفه. وقديما قيل طالما لا توجد جثة, إذن لا يوجد جريمة!. ومعرفة وقوع الجريمة أمر مهم, من أجل تكريم الميت. فمثلا, لو عرفنا أن أحدهم مات حرقا أو غرقا, ولم يعثر على أي بقايا لجثته, فعلى الأقل عرفنا بموته, وربما كرمناه بتأبين جنائزي له. وبسبب اختفاء شخص ربما لا يزال البحث جاريا لفترات طويلة عن المقابر الجماعية بعد الإبادات العرقية أو الاختفاءات القصرية. هذا غير أن معرفتنا بوقوع الجريمة, يستدعي بحثا عن مرتكبها, أي عن القاتل. بالطبع نحن نضع الاحتمال, بأن القاتل قد يفلت بجريمته, ولكن ليس من الضروري ولا المنطقي أن يحدث هذا في كل الأحوال. ناهيك بالطبع عن تأنيب الضمير, إن الجثة لا تمكث فقط في جوف الجدار, في بعض الحالات هي تسكن داخل القاتل نفسه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[4]

هناك إمكانية أخرى للقتل بواسطة الجدار تعمدنا إغفالها لتخصيص قسم لها هنا لما تملكه من خصوصية واتصال وثيق بالجدران عن أي وسيلة أخرى. يمكن ملاحظة -هي أكثر منذ ذلك ولكن أغفلنا البقية إلى حين- ستة طرائق أساسية للقتل من خلال جدار؛ نشر الموت بواسطة غاز أو نار أو خلافه في وقت يستتر فيه القاتل خلف جدار. والثانية استعمال الجدار العالي كنوع بديل من الاختباء, ولكنه يضمن الابتعاد عن أيدي ضحايا بينما القاتل يلقي عليهم بمقذوفاته, ولكنها طريقة أكثر ارتباطا بالمقذوفات نفسها. الطريقة الثالثة هي دفع شخص من مكان عالي, ولكن المرتفعات لا تتمثل في الجدران وحدها بل في أي بناء عالي أو برج, حتى ولو كان الجدار جزء أساس من تكوينها. والطريقة الرابعة أن تحطم رأس أحدهم على جدار, ولكن يمكن فعل ذلك بواسطة أي مطرقة. والطريقة الخامسة أن تدفنه في الجدار, ولكنه مرتبطة أكثر بالقبر, حتى ولو كان عبارة عن ستة جدران مغلقة. الطريقة السادسة هي أن تسقط الجدار عليه. هذه الطريقة, حيث الجدار يعامل بوصفه نموذج جيد لانهيار قاتل, مع الطريقة الأولى, حيث الجدار يستعمل كحاجز نطلق الموت من خلفه, هي أكثر الطرائق المميتة ارتباطا بالجدار.

 

ومثل سقوط شخص من مرتفع, أو أن يعلق في مكان معزول يصبح قبره, قد يسقط الجدار بشكل عرضي ويقتل شخص أو أكثر, دون أن يكون وراء سقوطه فاعل متعمد لذلك. مثل حالات الإهمال, أو انهيار البيوت بسبب خلل في البناء, أو حتى سقوط المباني بسبب الحرائق والزلازل والعواصف والفيضانات وغير ذلك من الكوارث الطبيعية. في الزلازل معروف أن النصيحة الأكثر مثالية هي أن تذهب إلى ساحة مفتوحة وخالية من أي شيء. هذا يمنع أي شيء من السقوط على رأسك, لأنه لا وجود لأي شيء يسقط فوق رأسك. ولكن الأفضل أن تكون واقفا فوق أرض صلبة أو غير معرضة للانهيار, وإلا سوف يصبح سقفها هو الجدار الذي سوف تصبح أنت تحته. إضافة إلى الكوارث الاجتماعية, والتي تحدث عادة بسبب عدم التنظيم في الحركة السريعة, والقوية, والعشوائية, على سبيل المثال, عند الهروب من مكان مقفول, مثل مستشفى أو مدرسة أو مسرح, قد يؤدي التدافع العنيف ليس فقط في توظيف وتحويل غير مقصود للأجساد البشرية لتصبح أقرب إلى جدران ودروع قادرة على التحطيم والتكسير بسبب قوة التدافع, حيث يمكن للشخص بسهولة أن يتحطم بين جدار حجري, وبين جدار من اللحم البشري لو علق بين تيار من البشر الراكضين, سوف يتم هرسه أو سحله, حتى لو لم يسقط تحت أقدامهم. ليس هذا فقط, بل قد يؤدي التدافع إلى سقوط جدار على جهة أخرى, ويا حبذا لو تواجد مزيد من الأشخاص أسفل الجدار الساقط. ناهيك بالطبع عن الذي سوف يسقطون من مرتفعات, من النافذة, أو العلية, أو أعلى السلم بسبب هذا التدافع. وفي مدرستي القديمة, التي لم استفد منها بشيء عدا التجربة نفسها, وهي واحدة من أعنف المدارس على الإطلاق, رأيت صورا مختلفة للنتائج الكارثية عن التدافع, بل ومررت جسديا, بكل ما تحمله من شحنة دسمة من الألم, والخوف, والرجاء الذي يتحول إلى يأس, بإحدى تلك الكوارث التي كانت خفيفة رغم ذلك بالنسبة لحدودها الأعلى والقصوى من الألم, وربك سترها آنذاك, فقد خرجت حيا وسليما. ولكن لازلت حتى اليوم, أسمع في الأخبار عن سقوط / انهيار جدار في مدرسة مثل سور المدرسة, بشكل أصبح اعتيادي إلى حد ما.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[5]

الجدار بوصفه سورا, وقد تحدثنا عنه في أكثر من موضع بالفصول السابقة,

 

 

حصن

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[5]

المطحن أو المدهسة

 

 

 

[5]

 

ولا تتوقف وظيفة الجدار المتحرك عند استعماله مقابل جدار آخر, لسحق الأحياء والأشياء!

 

 

 

الجرارات

 

والجدار في اللعبة

 

الجدار بوصفه أداة صدم مثل عربة أو دبابة

 

سفن ومدرعات

 

 

 

 

 

 

 

 

[5]

ولا تتوقف العلاقة بين الجسد الميت (أو المعد للموت) والجدار عند هذا الحد قط, فقد عرف البشر في العصر الحديث مصطلحا مفزعا اسمه (الدروع البشرية), أصلا الدرع عبارة عن جدار يمكن التنقل به, أو استحضاره فورا لتوفير الدفاع الجسدي من خلال اعتراض الهجمات. ومنه الدرع المصغر الذي يناسب حجم جندي واحد يتسلح بدرعه إلى جوار نصله أو بندقية. وقد يكون درعا شاملا ومحيطا بالمدينة كلها, ويقع الاختلاف هنا بين الدرع والجدار أو السور, في كون الأخير ثابت, بينما الدرع لا يشترط به الثبات, قد يكون جدارا مختبئا خلف الأرض, أو قبة من الإشعاع أو منظومة دفاع مفترضة. وقد يكون الدرع من أجساد البشر. كبيرا أو صغيرا.

 

نعرف ثلاث حالات تكون فيها الأجساد البشرية صالحة فيها أو مرغمة على أن تكون دروعا بشرية, سواء كانت دروعا مكونة من أجساد حية, أو ميتة.

 

الأولى في استغلال قصري لجسد الضحية للدفاع عن الذات, وذلك من خلال الأسر والضغط على بعض الجهات, مثل الشرطة مثلا, من أجل تلبية الطلبات في ظل احتماء الخاطف أو القاتل بالجسد ما يعوق قدرات القناصة على اقتناصه. أو لتجنب الطعن أو القبض عليه أو الاشتباك معه أو أي صور من صور الاحتكاك الجسدي به عدا الاقتران جسديا بجسد الضحية. ناهيك عن القدرة على الابتزاز بها من خلال التهديد بإلحاق الأذى الجسدي لهذه الضحية, وهو أذى قد يصل إلى حد الموت, أن يذبحها على سبيل المثال.

 

الثانية تتمثل في استغلال غير قصري لأجساد البشر, هنا تكون الحرية في التحرك مفتوحة ما يساعد الجسد على حماية الجسد الآخر. وهناك ثلاث نماذج شائعة تستخدم فيها الأجساد الحية والمتحركة بهذه الطريقة؛ أولها في تجمعات القتال وعلى نحو أكثر رحابة في التعبئة العسكرية, هنا تكون الأجساد معدة للهجوم وللدفاع والاشتباك ودب الرعب في قلب العدو (تعلمت في الجيش أن توحيد حركة الأجساد معا أهم من الأداء المتقن لجسد مفرد). وثانيها هي الحشود الثورية التي تحتمي ببعضها بعضا أمام عربات الدهس المعتاد, أو دفق الرصاص معدني كان أو مطاطي, وبصورة يعجز العقل المنطقي عن استيعابها. ثالثها تتمثل فيما يُعرف بالحارس الجسدي (بودي جارد Body Guard) وهو جدار بشري متحرك وظيفته الحماية الشخصية. هذا نموذج جديد للحارس الشخصي يتسم بالضخامة والقوة والصلابة, وربما محترف ومسلح أيضا. لكن الصفات الثلاثة المذكورة الأولى هي الأهم من باب الهيبة, ومن باب الأناقة والفخامة لمستأجر هذا الحارس. والحارس لا يكتفي بتوفير الحماية للعميل فحسب, بل ويمنع أي وصول أو احتكاك جسدي به من قبل الآخرين, والحدود مفتوحة فقط لمن يحملون قرابة من نوع ما مع العميل. إضافة إلى استعماله كجدار بشري يعطي زينه لصاحبها, خاصة مع بعض نماذج الحراسة حيث يكون الحارس وسيما (كيم كاردشيان وحارسها نموذج صارخ), إضافة إلى كون الحارس أصبح دلالة واضحة على مكانة اجتماعية تتميز بالأهمية والثراء, أو هذه هي الصورة المنطبعة للطرف الآخر, إضافة إلى توفر شعور الأمان بقربه بالنسبة إلى الطرف الأول (الطرف المستأجر أو المأجور له الحارس).

 

الثالثة لا تكون مع الأحياء, وهي استخدام أجساد الموتى في البناء, حرفيا, وهو سلوك عنيف وبشع كان شائعا في العصور الوسطى, خاصة على يد فلاد الثالث حاكم والاشيا الذي بنى قصره من أجساد البناء فقد كانوا يعملون فترات طويلة تحت السخرة دون طعام أو ماء, فيأكلون لحوم أمواتهم ويشربون دمائهم, ومن بعد تمزج بقايا اللحم والعظم مع خليط البناء. وقد قدمت مانجا هجوم العمالقة فكرة مشابهة لذلك. كما أن الأجساد المكومة كانت تستخدم كثيرا في الحروب القديمة (وبعض الحروب الحديثة أيضا) كنوع من الساتر للتدرع أو الاختباء أو حتى لإرهاب العدو.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[5]

الجدار بوصفه أداة للتعلق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[5]

نوع فريد من الجدران  هو الجسد, وأنا هنا أقصد الجسد فقط, مثل النماذج المعروضة أعلاه, ولكن احتكاك الجسد بجسد آخر لا يتمثل هنا في صورة كومة من الأجساد الثابتة أو المتحركة أو المكومة فوق بعضها. بل أقصد الجسد المفرد, ويأتي الاحتكاك بجسد آخر, من خلال الأب, الذي يحمي ابنه, فيصنع من جسده ساترا. ثم هناك الجسد الأكثر إعجابا, وهو جدار المعدة الذي يسكن فيه الطعام, وجدار الرحم الأكثر أهمية, وداخله يعيش الجنين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[6]

عبر بناء جدران متعددة, ومن خلال ترتيبها على نحو معين, لخلق نوع من المسارات بينها, تتصف بكونها ملتوية أو متداخلة أو غير مباشرة, تم صنع المتاهة.

 

والمتاهة, هو مكان معد كي يتيه فيه المرء.

 

ربما تكون من فعال الطبيعة, وقد تكون مصنوعة قصدا, وهذا النوع تحديدا هو ما سنركز عليه. فالمتاهة هنا, هي مصفوفة من الجدران تصنع سجن مع فرصة للخروج. فالإنسان لا يضيع إلا لأن السبب في ضياعه, هو جهله بسبيل الخروج أو النجاة. حتى وإن كان موقفه هذا, دفعه إليه شخص آخر مسببا لضياعه. إذن, المتاهة, لا تصبح متاهة, إلا إذا وفرت للسجين فرصة للهروب / الخروج, وإلا سوف تصبح مجرد سجن تقليدي آخر يفرض على السجن البقاء حبيسا للأبد أو حتى فترة معينة. أما في المتاهة, يفترض أن المسجون, يمكن ببعض البصيرة والمثابرة, أن يملك عمره وزمنه وفرصة للخروج.

 

-بورخيس

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[7]

إن الرعب الحقيقي من المتاهة, كامن في الجدران نفسها, ومبعثه في حقيقة أن المانع عن الخروج, هو مجموعة من الحواجز المتعاقبة التي تبدوا بلا نهاية. لهذا تم اختراع أشكال عديدة من تطبيقات الجدران في السجون, هناك سجون لا حاجة فيها لمتاهة لكي نلاعب أو نلعب بالسجين, فقط هي مصممة كي تمنع خروجه, من خلال مجموعة من الحواجز المتعاقبة, لكنها تحافظ على نقاط اتصال بين جدرانها بحيث لا تترك مجال لأي فجوات توحي بفرصة للخروج, في المتاهة هناك فرصة اختيارية يعرضها الحكام أو السجانين على السجين, أما في السجون التي تبدع في اختراع ما يمنع من الخروج, فهي لا تهتم بإعطاء أمل قد يكون زائف قصدا أو بدون قصد, بل تريد تماما تحطيم أي أمل للسجين بالخروج. فإذا هو تمكن من عبور ممر أو سور وتجاوز بابه أو سدته, سوف يجد سد آخر خلف سد, وهكذا, بشكل يظهر كأنه لا نهائي. ناهيك عن تواجد الحرّاس أنفسهم, وأيضا نظم الملاحقة وتقفي الأثر في حال تمكن من الخروج.

 

والجدران لا تكتفي في تحصينها, بكونها متراصة خلف بعضها كقطع الدومينو, بل يمكن أن تتشابك بشكل يشبه المتاهة حقا, مثل معقل أو معتقل أو قلعة, وقد تأتي في صورة أخرى, قد يكون الجدار دائريا (سور كالسوار) محيطا بكل الاتجاهات الأربعة, بل وقد يشمل الاتجاهات الستة كما في حالة الزنزانة, أو القبة, وقد قدم ستيفن كينج تصوره لهذا النوع من الجدران / السجون في رواية بعنوان (تحت القبة). ونحن -أنا ورفقتي على الأقل- لما كنا أطفال, كنا لما نشاهد فأرا نمسكه ونحبسه أسفل وعاء نستعمله كقبة تغلق عليه بين الوعاء بكل جوانبه وقعره الذي صار سقفه (فالقبة يمكن النظر إليها على أنها حفرة مقلوبة في السقف), وبين الأرض.

 

ويمكن أن يكون الجدار, عبارة عن شق في الأرض أو خندق أو وادي, يمنع العبور إلى الطرف الآخر الممتد سمك جداره بطول الأرض كلها. لا يوجد أي سبيل للخروج سوى الصعود ما لم يكن الأعلى مسقفا. وفي العادة, لا حاجة لتسقيف الفضاء العلوي فوق الرؤوس, لأن الأعلى, بدون الأدوات والقدرات المناسبة, لن يطاله الحبيس إلا بالنظر فقط, ولن يبلغ أقصى / أعلى من ذلك. الخندق هو جدار في باطن الأرض.

 

ولي قصة في مجموعتي القصصية؛ الجدار, عن سجن أو عالم هو سجن, فيه أرضية وفيه سقف, في بعض المناطق والحالات, يمتد هذا العالم أو الإقليم على اتساعه في كل الاتجاهات بشكل يبدوا وكأنه لا نهائي.

 

ولا تتوقف تنويعات الجدار عند هذا الحد, كأنه لا وجود لجدار يحدها, بل إن هناك نوع من الجدران بلا جدران, كأنها جدران وهمية, ولكنها ليست كذلك, مثل الصحراء فهي متاهة بلا جدران, ومثلما تعرضنا للجدار المنخفض في الأرض يعجز السجين عن صعوده أو تسلقه, هناك الجدار في مرتفع, ولا سبيل للهبوط إلا بالقفز, حيث تشكل حافة المرتفع في حد ذاته جدارا يمنع من الذهاب إلى أي مكان, وقد تعرض جورج مارتن لهذا النوع من السجون / الجدران في أحد أجزاء روايته؛ أغنية الثلج والنار حين تم حبس القزم من آل لانستر بواسطة لايسا ترنر إحدى الشخصيات الرئيسية في القصة. يمكن النظر أيضا إلى السفن بوصفها جدران, فهي تمنع الذهاب إلى أي مكان (عدا البحر المميت), كما أنها قادرة على منع العدو من الهجوم على البلاد والتصدي له.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[8]

 

سردق أو الجدار المؤقت

 

الجدار المتحرك

 

المتراس

الحاجز أو المتراس جمع متاريس هو ما يوضع في طريق العدو لصده أو عرقلته.

 

بسطة

 

[9]

حان الوقت للحديث قليلا عن (جدار الموت), وكأن الجدران السابقة لم تكن كذلك!. اقتران الجدار بالموت هذه المرة يأتي ليس بسبب كون الجدار منيع ضد تسلقه أو اختراقه. بل بسبب أن الجدار هو حاجز يساعد على احتجاز الضحية بين الجدار وبين مصدر للموت لا يسعه الفرار منه بسبب هذا الجدار. لا يملك الوقت لذلك أو للتفكير في سبل النجاة.

 

هذا الوصف ينطبق على نوعين من الجدران حازا على شهرة كبيرة وكثرة الاستعمال في ظل الدولة العسكرية؛ الأول هو جدران حلبة القتال في الساحات داخل المسارح الرومانية.

 

 

 

الثاني هو جدار الإعدام

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[10]

هل وظائف الجدران, الأكثر عملية, أي تلك التي لا يراد بها الزينة, هي بالضرورة بهذه القسوة؟ إما الحماية, وإما الحبس. الإجابة هي لا. هناك وظائف أخرى عديدة للجدران من ضمنها حفظ المادة (مثل السد العالي، خزان أسوان، خزان جبل الأولياء، القناطر الخيرية) وتوليد الطاقة (مثل الألواح الشمسية). وقد يتداخل الاستعمالان.

 

السد هو جدار يستعمل لحجز المياه, وفي ذلك فوائد عديدة. أهمها هو نظام الريّ المؤسس للزراعة, ونظام توليد الطاقة المؤسس للصناعة, وكلاهما من مكملات الرفاهية والتقدم في المجتمع العمراني الحديث.

 

وأشهر سد في التاريخ البشري القديم هو (سد مأرب), الذي يرجع بناءه إلى عهد ملك سبأ (سمه علي ينف) الذي أنشأه على فم وادي ذنه في مأرب عام 650 قبل الميلاد, ويرى الفيلسوف والمؤرخ اللبناني حسين مروة أن سقوط مملكة حمير قرين بسقوط سد مأرب بعد إهمال طال بهذا الصرح الصناعي العظيم, الذي كان العمود الفقري لتنظيم الري الاصطناعي طوال العام ولتطور الزراعة الكثيفة في المنطقة الجنوبية من الجزيرة. فقد أدى هذا الإهمال إلى انهدام السد وخراب الأراضي الزراعية وقطع حركة التطور في هذه المنطقة بهجرة أهلها إلى مناطق أخرى على أطراف الجزيرة, إذ هاجر الأزد (الغساسنة) إلى نواحي الشام, وهاجر التنوخيون إلى البحرين, وهاجر المناذرة إلى العراق ما بين الحيرة والأنبار. وللسد أهمية ثقافية تاريخية بوصف انهياره, وهذا القطع, هو العلامة الفارقة بين مرحلة الجاهلية الأخيرة ومراحلها السابقة التي كانت تحمل من مقومات التطور ما يصلح أن يكون عاملا لدفع هذه المقومات نحو تطور أوسع وأعمق يشمل أقساما أخرى من شبه الجزيرة العربية. [النزعات المادية في الفلسفة الغربية / حسين مروة / ص 220].

 

 

 

 

 

 

السد العالي

 

 

[11]

الجدار بوصفه بناءا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الجدران الوهمية

[1]

عندما نعمل على جمع شيئين معا, نحن نقول أن 1+1=2. إذن فالمجموع لدينا هو اثنين. هذا هو المنطق الصوري الذي يعتمد على صورة الشيء بدلا من مادته. فلا يهم الجمع بين برتقالة وبرتقالة, أو تفاحة وتفاحة, أو طاولة وطاولة, أو رجل ورجل, أو بيت وبيت, في النهاية سوف تصبح النتيجة هي اثنين, أو ثلاثة إذا أضفنا ثالثا من نفس جنس البرتقال أو التفاح أو خلافه. وعندما يرسم المهندس خطوطا, تمثل جدران بناء يعمل على إنشاءه, فإن هذا الرسم لا يخرج كثيرا عن نفس منهجية المنطق الصوري. وقد لا يتغير الوضع كثيرا في نوع الطوب أو الأسمنت أو البلاط أو الحديد, طالما المواد قادرة على الحفاظ على المبنى قائما, لا يهم طبيعة هذه المواد, أو تأتي أهميته في المرتبة الثانية من حيث التنفيذ. تعد هذه الخطوط جدرانا وهمية بقدر ما هي جدران حقيقية. فهي من قبيل الجدران الواقعة بالقوة, ولكن لم تقع بالفعل بعد, بنفس منطق أرسطو, ولا يصير ذلك إلا بعد إنشاء المبنى ويكون قائما في شكله المادي المحسوس. ولقد ساعدت الجدران (الحقيقية أو الوهمية) على تقسيم المنزل إلى غرف وحجرات. ولكن الأهم من ذلك, أنها ساعدت على بناء الحدود بين الأشخاص داخل المنزل الواحد. أو وضّحت الحدود بين وظيفة كل حجرة وأخرى, فطهي الطعام يحدث داخل المطبخ, بينما غرفة الضيوف للضيوف, وغرفة النوم للنوم أو لأشياء أخرى لها نفس حواجز الخصوصية الخاصة بالحمام حولها. ليس هذا فحسب, ساعدت الجدران على تعيين حدود وهمية (أي غير ملموسة, ولكنها ليست وهمية بمعنى غير موجودة) بين داخل المنزل وخارجه. فصارت للبيوت حرمتها وطقوسها الخاصة, التي تولدت وتنامت في أوروبا بالقرون الوسطى. ولازال العرب محتفظين بهذه الحدود في العصر الحديث, والتي يعرفونها منذ عصور الجاهلية.

 

ولكن في خط موازي من العالم, ومع الوقت تلاشت الجدران الحقيقية عن الكثير من جنبات المنزل, وبقيت الجدران الوهمية. ففي أمريكا هناك هوس واضح بالنوافذ المفتوحة في كل مكان, والأبواب المتعددة للمنزل الواحد. مع ذلك, تظل الحدود قائمة, بشكل ربما ينفي الألفة المعهودة بيننا نحن العرب إذا حاولنا تطبيقه عندنا. هذا الحدود, تتولد حتى بين الابن والأب, وبين الأخ والأخت. على سبيل المثال, يتعلم الطفل, بقسوة أن يعتمد على نفسه, وأنا لست ضد تنمية الاستقلالية والاعتماد على الذات داخل الطفل, وهذا ما تنادي به الدراسات الاجتماعية الحديثة, ولكنها توصلت إلى أحكام شبه مطلقة بناءا على نتائج سابقة جيدة, ولكن لا جديد يضاف عليها في نوع من التحجر العلمي, مما يعني تجاهل العديد من النتائج السلبية لهذا النمط من التربية الذي يبتر الحنان الأمومي بترا عن الطفل. على سبيل المثال, إذا نادى الطفل على أباه يخبره أن هناك عفريتا أسفل السريع, أو بعبعا في الخزانة, كما تصور لنا الأفلام الأمريكية, يحسبه الأب متهيئا أو موهوما. ولكن قد يكون رجل الخزانة هذا مجرد لص. والأب الشرقي في الصعيد يتناول مسدسه أو بندقيته, وفي أسوأ الأحوال يتناول سكين أو بلطة, ويذهب ليرى ماذا رأى ولده. هذا التجاهل المتعمد للطفل, يولد في الطفل الغربي تخيلات مصاحبة له, هو يخلق له صديقا وهميا أو صديق تخيلي مما أصبح ظاهرة شائعة جدا في أوروبا وأمريكا. وهي ظاهرة سلبية في الكثير من الأحيان, وليست مجرد مرحلة طبيعية يمر بها الطفل. حين تُغلق الأبواب على الطفل (باب المنزل, وباب الغرفة, وباب غرفة والديه) يخرج له من الجدار صديق متخيل. هذه الظاهرة موجودة في مصر في الحالات التي تزعم تلبس الجن للطفل ولكنها نادرة, لأن الطفل لا يُترك لوحده في العادة إلا قليلا جدا.

 

وفي المسلسل الرسومي الشهير من اليابان هجوم العمالقة, صنعت الجدران (المادية) عزلة (حقيقية) وإن كانت وهمية, لمجتمع بأكمله عن العالم كله وعن ظروف معيشته.

 

وعلى ما يبدو لا يتوقف حديثنا عن السجون ولن يتوقف قط. جدران السجون, مثل جدران البيوت (والبيوت من أنواع السجون) تخلق نوع من الجدران الوهمية التي تساهم في إحكام الغلق وترسيخ شعور الحبس, والخنق على السجين. هي حدود تمثل عجزه عن نيل الحرية. على سبيل المثال, بعض أنواع السجون والمعتقلات, يمكن فيها للسجين الفرار إلى الطريق ونيل فرصة في الهروب. والمساحة مفتوحة أمامه لتحقيق ذلك, فلا جدران ولا أسوار. ولكن هناك حارس يمسك بندقية معبأة ومعدة وحاملها يملك الجاهزية وعلى أتم الاستعداد لإطلاق النار عليه وقتله في حالة حاول عبور الحاجز الممثل في العادة بخط وهمي, مرسوم على الأرض أو معلوم من خلال محاذاة أشياء مادية مثل طرف سور أو برج قائم. الحصار على غزة مثال واضح وناجح عن كيفية عمل حصار بالاستعانة بجدران وهمية إضافة إلى الجدران العازلة (المادية). وفي مسلسل رسومي أمريكي اسمه (الفسحة) تم عرض حلقة عبقرية عن سجن وهمي ممثل بخط طباشيري وضعته معلمة متسلطة حول تلميذها, فصار مقيدا ومحبوسا في سجن صنعه عقله, أو صنعته السلطة المفروضة عليه. إن الاحتمالات القائمة, من وراء فعل العبور, تشكل أشباحا حقيقية تلتهم قلب السجين العاجز عن اتخاذ خطوة مثل هذه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[2]

ولكن العزلة, قد لا تكون فقط في عزل مجتمع عن مجتمع آخر, تشكل بيوتنا مجتمعات صغيرة تعيش بمعزل عن الآخر. هذا الآخر, قد يشكل جدارا اجتماعيا لنا عن الآخرين, وكما يكون المثل (الجار قبل الدار) ولكن يرافقه مثل آخر يقول: (أنا جارك وأنت جاري .. خليك في حالك وخليني في حالي).

 

تتطور هذه العزلة, من فكرة وهمية, إلى فكرة وهمية, ولكنها تحظى بتأييد سلطوي ذو أثر مادي, نتحدث هنا عن الأفكار التي يتم التنظير لها قانونيا, ما بين حق وواجب.

 

وقام باحث شرعي مسلم, بوضع مصنف تحت عنوان (الجدار)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[3]

يعد المنفى نوع فريد من السجون, يعزل السجين في الخارج, ويمنعه عن الداخل, وليس العكس كما في السجون التقليدية. والنفي لا يكون اختياريا أبدا, فهذا غير صحيح بالمرة حين يقال أن فلان أو علان من المشاهير أقام على نفسه نفيا اختياريا. فهذه تكون هجرة, وليس نفيا. لأن النفي يشترط عجز المنفي عن الرجوع إلى بيته أو وطنه. حتى لو وسعه ذلك, فهناك ظروف معينة تهدده أو تضيق عليه, مما دعاه إلى تفضيل (النفي) الاختياري هذا. أي أن هذا الظروف تمثل سور أو خط تخيلي / افتراضي يمنعه عن الرجوع.

 

ويمكن التعبير عن النفي (وعن الأشكال الأخرى المذكورة سلفا) أيضا من خلال تخيل رسم تجريدي لدائرة, والدائرة, قد تكون سورا محيطا بمدينة, وقد تكون شبكة من العلاقات القائمة بين أفراد المجتمع, تعزل فردا عن الانضمام إليها رغم كونه منتميا إليها. هذا يحيلنا إلى نوع آخر من النفي, هو العزل. ومفهوم الشللية أصبح ظاهرة شائعة جدا, ومتداولة على نحو كبير في العالم العربي (أكثر حتى من بقية أجزاء العالم). وتصبح (الوساطة) هي مفتاح الدخول إلى الشلة, أو الارتقاء إلى طبقة أو شريحة اجتماعية معينة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[4]

وقد يكون العزل, عزلا معرفيا, بإدعاء أن المعزول أقل حكمة (منا نحن) -خاصة لمن يملكون معرفة رياضية أو منطقية- وهي ظاهرة أخرى, منتشرة, ولكنها مراوغة جدا. فهل يحق لنا الحكم على شخص ما, أو تعيينه بأن لديه قصور في الحكم, بناءا على مستوى جهله؟. أم أن الجميع سواسية وكل رأي يجب النظر إليه على نفس القدر من الأهمية؟. هذه التساؤلات تفتح المجال للتطرق إلى مفهوم الخصوصية الذي لم يعد يكتفي بصنع حدود حول شخص بإرادته الشخصية, بل ويفرض حدودا على الآخرين, والآخرين يفرضون أنفسهم عليه!.

 

وتعد قصة الخضر وموسى أشهر مثال من بين جميع المرويات الإسلامية عن الجدران التي تفصل حدود المعرفة, بل وقد تضع حدودا لما يسعنا بلوغه ولا نتجاوزه كما في حالة الخضر الذي أقام أقسى اختبار أخلاقي مرّ به النبي موسى, وهو اختبار ليس هينا على أي نبي آخر بأي حال من الأحوال, وفيه تأكيد على مكانة موسى بين الرسل فهو من أولو العزم منهم (إلى جانب نوح الذي شاهد غرق ابنه في الطوفان, وإبراهيم الذي كاد أن يذبح ابنه, وعيسى ومحمد وكلاهما حرما من أي سلالة تأتي بعدهما). وقال الخضر لموسى (مستهلا الحديث بالتأكيد على الفارق المعرفي بين حكمة الخضر ونبوة موسى, هذا السد بين فهم النبيين الكريمين, كان بمثابة سد أو غشاء على بصيرة موسى وبصره. وعقب تسلسل أحداث القصة, المكونة من ثلاث أحداث رئيسية, بنى الخضر سدا حقيقيا مجسدا بينه وبين موسى.

 

والمتعمق في التراث الإسلامي, يجده غنيا بتصورات غير تقليدية, وشطحات فانتازية, حول جدران تعين حدود المعرفة الإلهية والوجود الإلهي نفسه!. أو تحاول ذلك على الأٌقل.

 

وبالنظر إلى المعرفة الرياضية, نجد أن هناك فرع كامل متخصص في دراسة النهايات واللانهايات, كأنه يحاول أن يتجاوز جدران الوعي البشري, مثلا, نحن نعرف العدم بأنه (قصور ذاتي عن إدراك المدركات) هذا التعريف ينطبق تقريبا على اللانهائية, فهي (قصور ذاتي عن إدراك ما بعد المدركات) أو ما بعد الحدود القصوى لها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[5]

أكبر عزلة معرفية لا زالت قائمة وموجودة بين جدران أو عند جدران, هي البناء المقدس؛ المعبد أو القدس في قدسيته, ولا أقصد هنا بالضرورة المسجد الأقصى الذي يعد معبدا إسلاميا وتوراتيا, وتحته حائط المبكى حائط هيرودوت الذي تقدسه اليهود وفيه إثبات, بالنسبة لهم, أن إسرائيل -وليس فلسطين- أرضهم وملكهم. فأقدس الأقداس عند المسلمين ثلاثة؛ الكعبة ومعها سور عرفات, المسجد النبوي, والمسجد الأقصى. كلها كما نعلم أنها مكونة من جدران, فهنا يظهر الفارق الحقيقي بين السور والسور. الأول هو مجرد قطعة بناء اسمها جدار أو سور, بينما الثاني هو سور للصلاة, وجدار يشكل اتصال وانفصال في نفس الوقت, تداخل مع عالم آخر, وانقطاع عن هذا العالم (الذي نعيش فيه) وعن هذا العالم (الآخر) في نفس الوقت.

 

 

 

 

 

يحدث نفس الأمر مع معلم تاريخي يحمل نفس القدر من الحمولة الثقافية والعاطفية أيضا, مدفوعة بنزعة إنسانية, قد تكون وطنية بدلا من دينية, أو قد تكون ثقافية تاريخية ترفيهية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[6]

هناك عزلة معرفية مشابهة لذلك, واقعة فيما بين جدران المدرسة, وجدران العمل, وبعيدا عن الأطر القانونية الناظمة لحقوق البيت بين البيوت, أو المشغل بين المباني الأخرى (وهو ما تعرض له بالتفصيل … في كتاب الجدار), أنا هنا معني بالإشارة إلى العزلة المعرفية, التي تلزم الطالب, بأن يعتزل الاغتراف من أي منابع لا تفيد دراسته, لهذا كانت المكتبة, نفس الأمر مشابه في حالة العمل, وخاصة مع العامل المسكين, الذي يعتزل الدنيا ومتاعها حتى ينهي عمله. تصبح منطقة العمل مساحة معزولة نفسيا عن العالم. بل وتحظى بظروف قانونية خاصة بها. نفس الوضع يتكرر في المستشفى, خاصة حين نلمح نوع آخر من العزلة. وهي السجون, التي نذهب إليها بأقدامنا, ونختار الحبس داخلها, لمصلحة مالية أو صحية أو معرفية.

 

 

 

 

 

[8]

جدار نفسي

 

جدار قانوني

 

 

سدود حدود قيود

 

عوائق وحواجز وعقبات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[7]

يمكن النظر إلى شاشة السينما لا بوصفها حائطا من الناحية المجازية فقط, بل وبلغت صناعة السينما وتطور تقنياتها بنا حدا صنعنا معه حائطا حقيقيا من البلازما في مزيج بين الضوء والبلاستيك أو الزجاج.

 

أشهر جدار وهمي / متخيل يلعب على التخوم الواقعة بين الواقع والخيال, هو الجدار الرابع.

 

والجدار الرابع ‏جدار متخيل غير مرئي يمثل حدا فاصلا بين الممثلين والجمهور.

 

 

 

أي أنه اصطلاح تمثيلي في المقام الأول, وحيث يعمل الممثلين, يُفترض هنا, في هذا الموقع (موقع التصوير أو خشبة المسرح) أن يكون بمعزل عن الواقع المعاش. هي أشبه برقعة من الخيال واقعة في قلب واقعنا. ولأن التمثيل مقترن بالتخييل, فهذا مشهد يقيم علاقة بين الممثلين والمشاهدين واتفاق يتضمن أن لا يتدخل أي طرف في مجال الطرف الآخر. ولكن هناك نقطة مهمة, فالاتفاقية تفترض أن الممثلين لا يستطيعون رؤية الجمهور, ولكن الجمهور يمكنه رؤية الممثلين.

 

والجدران الوهمية هنا هي جدران جمالية, تحافظ على سردية العمل وسير الأحداث في اتساق سليم معمول لها, على عكس الجدران الافتراضية المعمولة حول مسرح الجريمة, أو مرور مسؤول مهم. هذه جدران تمنع أي تدخل قد يفسد الوضع القائم أو عملية تشريح وتفعيل الحدث (الجرائمي أو السياسي).

 

هذا نوع فريد من الجدران الجمالية, المنبثق من روعة المسرح, والذي يعزل مساحة أرضية عن باق الأراضي المحيطة بها سواء بوجود الجدران أو بعدم وجودها, والأمثلة عن ذلك كثيرة جدا, خيالية على نحو ممتع (مثل موقع التصوير السينمائي أو الفوتوغرافي) أو جادة بشكل محبط مثل موقع سياسي, أو حتى موقع للعمل.

 

في السينما يصبح الأمر أكثر متعة, إذا كانت الشخصية تفتقد لأي اتصال مع الجمهور, تماما بنفس القدر من المتعة من خلال التواصل المسرحي المباشر (ها أنا أناقض نفسي).

 

ما وراء القص، وما وراء القص التاريخي، والقص الما ورائي

 

وتعطينا (باتريشيا واو) تعريفا شاملا عندما تصف ما وراء القص بأنه” كتابة روائية تلفت نظر القارئ منهجيا وعن وعي ذاتي كامل لحالتها بوصفها صناعة بشرية من أجل أن تطرح قضايا عن العلاقة بين الحقيقة والخيال. [أماني أبو رحمة، ما وراء القص، التقنية، الغرض، الخصائص].

 

 

 

 

 

 

[8]

 

ومع الوقت, انتقل الجدار بين عالمنا والعالم الآخر, إلى موضع أصغر, فيما يشبه نافذة صغيرة في اليد. ليس هذا فحسب, تطورت الجدران, فأصبح هناك جدران رقمية, كما أصبح هناك جدران نارية وهي الشكل الأكثر قوة من الجدران الرقمية, وظيفتها منع أي أحد من اختراق آليات دفاعها للوصول إلى المعلومات المخزنة أو المتداولة بسرية عبر الشبكة.

 

من الطريف أن وادي السيلكون نفسه, مصمم على صورة سوار أزرق عملاق يعزل منبع التقنية عن باقي العالم.

 

 

جدار تويتر

 

جداريات الشبكات الاجتماعية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[8]

تعد جدران المكتبة تمثيلا أكثر بدائية, وبساطة, وعبقرية, وحداثة, للسينما, من خلال سطح الورق نستبدل به سطح الشاشة, عبر إلقاء تخيلاتنا مباشرة إلى المصبوب, أو من خلال لوحات مرسومة على الورق. المكتبة, هي جدار مكون من خشب, ومن كتب. العشرات أو المئات أو الآلاف من الكتب المتراصة داخل رفوف الخشب. ومثل مكتبة من الكتب, أو حتى من شرائط الأفلام, أو مثل معرض فني واللوحات معلقة على الجدران أو الجداريات والرسوم الجدارية, هذه جدران وهمية تعطينا نظرة وفسحة في رقعة لا بأس بها من الخيال. ربما هي أكثر الجدران ارتباطا مع فكرة الجدران الخيالية, هذه من التجارب الجميلة التي يمكن أن يمر بها المرء. أن يجد نفسه في منطقة بين الواقع والخيال. وهذا يمكن أن يتكرر في عدد من الحالات, من ذلك أيضا الملاهي وجدران ديزني لاند التي صنعت عالما قادر على عزل الجمهور عن العالم. خاصة مع تدعيم ذلك بالكتب والكوميكس والسينما.

 

بالطبع جدران المكتبات الأكثر شهرة في مصر هي؛ سور الأزبكية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[9]

تصنيف قصة إطارية على ويكيبيديا

 

 

 

 

 

سور القرآن

 

 

 

 

 

 

 

 

[8]

الجدارية ورسوم الكهوف والرسومات الجدارية

 

ورسوم المقاومة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[9]

العمى

 

رهين المحبسين

 

الاختباء

 

 

الجدران اللانهائية مثل سقف السماء

 

جدار السقوط الذي لا نمسكه

 

 

جدار العزل

 

فهرس بعض الخسارات: لماذا يحبون السقف المنخفض؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[9]

هناك جدار آخر, لا يقل شهرة ولا حضورا عن شاشة السينما, بل ويتجاوزها, ومعروف منذ خُلق الإنسان على الأرض. ولكن تركناه تاليا لأن الحديث عنه يستدعي وقفة وختام نختم به هذا الفصل. والخاتمة هي وظيفته, فما أقصده هو جدار الموت الذي يفصل الأحياء عن الأموات. بغض النظر إن كنت تؤمن بوجود حياة أخرى على الجانب الآخر, أم تؤمن أنه لا يوجد أي شيء على الجانب الآخر, ولكن لا يمكن في الحالتين إلغاء فكرة قائمة في حد ذاتها, وهو وجود جانب آخر. وأن الموت, مكتوب ومقدر على جميع الأحياء. الذين سوف يصبحون أموات. وهناك عزل تام فارق بين الحياة والموت. فلا يمكن حدوث اتصال بأي حال من الأحوال. كما أنه مثل مسار في اتجاه واحد فلا يمكن العودة منه. ولكنه حضور الحياة في حد ذاتها, يفرض علينا حضور الموت, فالموت كامن في الحياة نفسها, والحياة بوصفها جانب أو حافي أو طريق ينتهي عند نقطة ما, يعجز العقل عن تصور نهاية إلا بوصفها جدارا قائما هناك جانب آخر منه, حتى وإن عجز عن استكناه ماهية هذا الجانب, هل هو عدم, أي لا وجود لأي شيء على الطرف الآخر, وفي هذه الحالة يتوقف العقل عن تصور أي شيء. أم هناك ما يشبه حياة أخرى, وهذه أكبر كذبة أو خدعة عرفها الإنسان, أنا هنا لا أنفي وجود حياة أخرى أم لا, فهذا علم عند الله, فالموت يفترض لنا وجود من لا يموت كأنه نوع من العزاء يقدمه الإنسان لنفسه (وأنا هنا لا أنفي مسألة وجود الله), ويستأنف هذا الوهم طيلة حياته, في تصور حياة أخرى, وتظل هذه الحياة الأخرى مجرد خداع للذات, لأنه من المنطقي أن أي تصور لحياة بعد الموت, لا يصبح إلا مجرد امتداد للحياة الدنيا, فكيف يمكن أن نتصور الحياة الأخرى, بأكثر من كونها مرآة تعكس حياتنا أو حيواتنا كبشر. وقد تنبه النص القرآني إلى هذه المفارقة المنطقية مشيرا أكثر من مرة إلى كون الآخرة حياة ليست كالحياة, ومؤكدا بأن كل ملذات (الحياة الآخرة) تتشابه مع أطياب (الحياة الدنيا) فقط في الأسماء, ولكنها أسماء ليست كالأسماء, وأشياء ليست كالأشياء. وهذا رمان ليس كالرمان. فلا وجود لأي موجود, ولا موصوف إلا بالوصف البليغ الذي ينفي أي وصف (كأنه عدم)؛ ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر!.

 

ولا نكتفي بهذا القدر قبل أن نختم بالإشارة إلى أن بعض التأويلات تذهب إلى أن الآخرة لن تكون إلا جزء من الدنيا, وهو ما يتفق مع الرواية الذاهبة بأن آدم لم يُخلق في الجنة, بل كان في الأرض داخل جنة وقد عبر سور الجنة عند الشجرة, ولكن هذه قصة أخرى أكثر مما يسعنا حصر كل قصص الجدران هنا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الجدران الخيالية

[1]

لا نتحدث هنا عن جدران مادية أو افتراضية موجودة في عالمنا, بل نتحدث عن جدران غير موجودة في عالمنا بأي شكل من الأشكال, بل هي في عالم متخيل تماما. بالطبع بعضها قد يكتسب صورة ملموسة أو صورا علائقية (مثل الحدود الوهمية التي كان لنا الحديث عنها) ولكن القصد, أنها في البداية, ناتجة عن المتخيل الإنساني, وليس عن الحاجة العملية الملحة والمحكومة بظروف اقتصادية. هنا الجدران تطبخ على نار هادئة.

 

وسوف نتدرج في الحديث هنا -وبإيجاز- من الخيال العلمي حيث جدران نتمنى إنشاءها أو نخشى تواجدها أو أن نضطر إليها من الجانبين متفائل ومتشائم, وربما حيادي مع المتخيل العلمي. ثم ننتقل إلى الجدران التي لا يمكن تواجدها لأننا شطحنا بخيالنا قليلا في ابتداع مكوناتها أو ظروف تكوينها. وأخيرا, نصل إلى الجدران المرعبة, التي لا نتمنى أبدا وجودها في هذا العالم سواء على صعيد المتخيل العلمي, أو التأملي, أو حتى الواقعي.

 

-تحت القبة / ستيفن كينج

-التطهير

 

-الخيميائي الفولاذي

-مدرسة بطلي

-نيفرلاند الموعودة

-هجوم العمالقة

 

-سلسلة صرخة الرعب

 

-فيلم القبور

 

-أسوار هجوم العمالقة

-أسوار سيد الخواتم

 

-الجدار في صراع العروش

 

الجدار في مدرسة الأشباح / حافة العالم

 

-جدران يأجوج ومأجوج

 

 

-شمشون الجبار

 

-جدران إدجار آلان بو

 

 

-مباريات الجوع, وربما مختلفة

 

-عداء المتاهة

 

 

-كوابيس صغيرة Little Nightmares

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-الفردوس مصمم على شكل حاضرة وفق الشكل المستعار من رؤية قدمت في آخر سفر الرؤيا (21، 12) حيث يصف القديس يوحنا أورشليم السماوية، مدينة حقيقية بسورها العظيم والعالي وأبوابها الاثني عشر ويحرسها اثنا عشر ملاكا وأسماء مكتوبة هي أسماء أسباط بني إسرائيل في حين أن أسماء رسل الحمل الاثني عشر موجودة على أسس السور الاثنى عشر. لوقت طويل، سترمز إلى أورشليم الأرضية هذه سلسلة من الأبراج والأبواب التي كانت الكنيسة تطلق عليها تسمية (تيجان النور). [الباب، باسكال ديبي، ص93].

 

و “يذكر جان دولومو في كتابه تاريخ الفردوس، أن الناس أعادوا في كل مكان اعتبارا من القرن السادس عشر خلق فراديس اصطناعية لأنهم كانوا يعلمون أن الفردوس الآخر قد تبدد. تذكّر المتاهات، تلك الأبواب المستحيلة التي أصبحت مألوفة جدا بدءا من عصر النهضة في الحدائق الأوروبية، دروب المسارة التي كانت تذرعها أحيانا، كما في غابة بومارتزو المقدسة في إيطاليا، أشكال مخيفة، تذكر الزائر بأن المسلك الإنساني بات صعبا منذ الخطيئة الأصلية، ويجب بذل كثير من الجهود لتأديب طبيعة متمردة. [ص 94].

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[2]

هل هناك فرصة للحديث قليلا عن جدراني, أو عن القصص التي كتبتها عن الجدران. أعتقد نعم, فأنا كاتب الكتاب -أو المقالة- على كل حال, وإن لم انتهز هذه الفرصة لأكتب عن كتبي الأخرى, متى أفعل؟.

 

أنا كاتب روائي, يركز جهده الإبداعي على أدب القصة القصيرة, القادر, مثله مثل الرواية على احتواء أي شكل أدبي.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *