الرعب

الوضعيات

 

مقدمة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه خامس مجموعة قصصية لي,يلاحظ أن بعض أعمالي القصصية تقدم على أنها روايات. هذا خطأ من المحرر أو الناشر وليس مني. ولكن ذلك لا يمنع إحتواء بعض تلك المجموعات على روايات أو روايات قصيرة,مثل رواية المركوبة هنا,والتي انوي أن أقدمها كرواية مستقلة لاحقا. وربما أضيف عليها أو الحقها بأجزاء,تلك أشياء يحددها استقبال القراء لها. وكالعادة أن أديب رعب لا يشق له غبار,ماذا تتوقع أن تكون قصصي؟ إنها تنتمي إلى أدب الرعب حتى ولو -فرضا لا قدر الله- لم تنجح في إرعابك عزيزي القارئ,رغم اني أشك في حدوث ذلك.

 

وكعادة العناوين الواحدة,والمواضيع الموحدة للقصص في سياق كل كتاب,هذه المجموعة (الوضعيات) تحتوي على ثلاثة عشر قصة (رقم الحظ الشهير في صنعتنا) تقدم كل واحدة وضعية مختلفة.

 

الوضع,أو الوضعية,هي حالة تصف هيئة ارتكاز جسم في ثبات أو حركة. وهذه مجموعة من الوضعيات الخاطئة أو الغريبة أو المخيفة. أعدكم أنها وضعيات مختلفة بعضها ترونها للمرة الأولى.

 

1-الذي يسكن في السقف

2-السقوط

3-العالم المقلوب

4-المخنوقة

5-المركز

6-المركوبة

7-الملبوسة

8-المهمشين

9-النائمين

10-الوضعيات

11-على اليسار

12-وسط البلد

13-النسخ

 

1-الأعلى: أو الذي يسكن في السقف

[1]

لطالما تساءلت دوما بيني وبين نفسي؛لماذا أنا مختلف عن كل البشر؟ لماذا هم تحت وأنا فوق! يمشون على الأرض وأسير أنا وحيدا في الأسقف.

 

مثل شخص كنت أعرفه عندما كنت صغيرا,وكان هذا الشخص كبيرا,مثله لا ينتبه إليّ أحد. تعرفت عليه منذ بلغ عمري مبلغه لعقلي فصرت أدرك الأشياء حولي,وعرفت أني لو كنت مولودا فقد ولدت داخل ثقب في سقف بيت من البيوت المهجورة. ولكن لا أعرف متى تحديدا انتقلت إلى هنا. هذا بيتي. لكن هل هو بيتي منذ البداية. هل كنت في بيت آخر وأتيت إلى هنا؟ أم أنني ولدت هنا؟ الناس الساكنين في الأرض يتناولون الطعام الآن. بطريقة ما أنا آكل معهم. لا,ليس مثل الجن الذين سمعت عنهم. فأني إنسي رغم كل شيء. كنت أتناول البقايا التي تختفي وتظهر لي في السقف لما أريدها. فتات وزوائد لا يلاحظ أحد إختفاءها. كأنها ألقيت في القمامة,ولكن المفيد واللذيذ منها يلقى في فمي أولا قبل فجوة السلة. أما عن شربي فمن الصنبور أو من زجاجات المياه الباردة في الثلاجة,والتي يتشاجر الجميع على اختفاءها بسرعة دون وضع غيرها. وكل هذا يلقى في ثقب الحمام من السقف حيث أتابع خط البول وهو ينزل من مسافة ثلاثة أمتار مصوبا بدقة في موقع المخلفات. أما عن الفضلات فأستمع إلى صوتها أثناء سقوط لا يلاحظه أحد وهي تصنع (طش) أو (بق) ولا يسمع أحد الصوت غيري.

 

لا أغير ملابسي,رغم أنني لو أردت سأفعل,الكثير من الملابس المخطط لرميها أو بيعها أو وهبها أو حرقها,أو محاولة أخيرة يائسة لغسلها أو تصليحها يمكن إختفاءها لو أردت.

 

أنام في السقف,في المساحة الواسعة بالمنتصف أو لصيق الجدار مقلوبا,أو في الزوايا أو بين الشقوق. لم أجرب النوم يوما على جدار,لكن أعتقد أن بوسعي ذلك. فقط لا يمكنني لمس الأرض. ليس الأمر بإرادتي. أنا لا يمكنني ملامسة الأرض,وأقسى ما بوسعي هو الإقتراب منها.

 

في الشتاء يمكنني الاحتماء في الشقوق,أو الشعور بدفء النار أو الغطاء أو حتى الماء الساخن أو خزين أشعة الشمس في السقف بالطابق الأخير أو أي مصدر آخر للحرارة,مثل تدفئة جهاز تكييف الهواء,أو حتى جسد إمرأة دون أن أنام معها أو يلمسها بدني. ولكني أتمحك بأجساد النساء الذين يعيشون في الأسفل,عبر قدرتي على الإتصال بالأشياء عن بعد مستغلا تلك الخاصية أفضل إستغلال للحصول على معيشتي وبعض رفاهية الحياة. فأنا وحيد بلا إمرأة ولا صاحب ولا أي أسرة أو رفيق من أي نوع. لا أعرف لي أبا,ولن يرثني إبني.

 

لكني كنت أتسلى بالكثير من النشاطات الإجتماعية التي لا يحصل عليها,وربما لا يمكن أن يحصل عليها غيري. أكون حاضرا بين الزوج وزوجه,وبين كل منهما وعشيقه. إلا أن بيتنا -وهو بيتي بحكم عيشي فيه عشرين سنة متواصلة- يحب أهله بعضهما ولكنه ليس طاهر. وهو بالفعل بيت عائلة,أي أن كل سكانه أقارب لا غريب بينهم. عائلة عادية لدرجة مملة عدا الجوانب الجنسية,لذا كنت أتسلى وأزيد متعتي بالقفز على أسقف الجيران.

 

[2]

مع كل ذلك ومع وضعي الفريد الذي أعرف أنه كذلك,ومع قدراتي الغير العادية,كنت أحتاج إلى عائلة,أو صديق أو رفيق أو حبيب أو جار,أو حتى عدو شريطة أن يقاتلني في السقف.

 

كنت أتابع الناس اللذين يتشاجرون مع بعضهم البعض من أسقف المقاهي,خاصة في المكان أسفل الشرفات. لا أمانع في وجود شخص يكرهني أو حتى يرغب في قتلي. المهم أن يكون شخص من نفس عالمي,أن يحصل إتصال بيني وبينه. أي علاقة إنسانية بغض النظر عن كونها صلحا أم عداءا.

 

لا أعرف لنفسي عائلة,وقد بحثت كثيرا وراء أصلي,وأخذت أنقب داخل الشقوق والجدران والأسقف في هذا البيت,ثم وسعت المساحة إلى البيوت المجاورة,لم أنتهي سوى من بضعة قبل أن تخطر لي فكرة. لماذا لا أبحث وأفتش في أشياء ومتعلقات الساكنين في المنزل؟.

 

يتكون هذا المنزل من أربعة طوابق,وهو واقف في منطقة خربة بحيث لا يعلوه أي بناء قريب يظلل السطح,لذا استمتع كثيرا بالشمس في الشتاء من خلال النوم في سقيفة عشة الفراخ المتمثلة في الغرفة الوحيدة في السطح,والتي تم تسقيفها بسقف بدائي مكون من الأخشاب والخيزران والخوص والخيش والأقمشة والأفرشة والمشمع. ومع ذلك هناك بقعة تتخللها أشعة الشمس عبر فتحات وثقوب منسية. فكنت أعطيها ظهري مستمتعا بالأشعة المدغدغة والدافئة. وإذا اشتد البرد أستطيح أحيانا الارتماء على السور المنخفض والقريب من الأرض والملتف حول سطح البيت. أحيانا أستطيع وأحيانا لا. فقرب السور من الأرض كانت مشكلة لي وعائق صعب.

 

في الطابق الأرضي تسكن بنات الرجل (رب البيت وكبير العائلة المكونة من إخوته وأزواجهم) الثلاثة,ياسمين,وهي سمراء جميلة كما يبدوا من إسمها وأصغرهن وأجملهن. ورغد واختيار رائع آخر لإسمها وجمال يتوازى مع التي تصغرها ويتجاوز جمال التي تكبرها. وأمنية,وهي أمنية أي رجل من حسنها رغم أنها الأقل جمالا بالمقارنة مع شقيقتيها. لم أشتهيهن قط,وإن كنت أقرّ بجمالهن. بحكم أنني نشأت في هذا البيت كنت انظر إليهن على أنهن أخوات لي. بعكس أمهن,التي لم أرتح لها قط,لهذا كنت استمتع بأن أدس جسدي بينها وبين زوجها. أو بين زوجها وزوجته الثانية في نفس البيت. بل نفس الشقة. منتشيا بالدفء هناك,ومتعة الإلتصاق بجسد إمرأة. وهو إلتصاق بلا جسد. مجازا أو شبحا. فجسدي لا يفارق الأسطح قط. أما عن الزوج فلا أكن له حبا ولا كراهية. ربما بعض إحترام. شيخ ملتحي ومتدين استمع لتلاواته الحزينة ليلا وأنا نائم في السقف.

 

سكان هذا البيت هم عائلتي,وسكان البيوت المجاورة هم جيراني,ولا يوجد من أصدقائي أو الذين يمكن أن أدعوه أصدقائي سوى ثلاثة.

 

الأول هو طفل تعرفت عليه أثناء لعبه الشقي في المكان,يتقافز وينط من إلى هناك لا يكاد يثبت في مكان واحد أكثر من دقائق. إلى أن تمكن يوما من رؤيتي,أثناء لعبه على السلم ونزولي من سقفه. أشار إلي فلم ينتبه أحد من الصغار الذين يلعبون معه,ولا من الكبار الذين يصعدون ويهبطون. هو إبن أحد البيوت المجاورة. وفي نفس البيت قابلت الثاني وهو شيخ عجوز مريض ودوما راقد على فراشه يحدق في الأعلى,ويتغنى بقصص قديمة وجميلة يواسي بها نفسه,أو يسلي بها أحفاده. وقد كانت قصص ممتعة فعلا تأخذ مني شطري النهار لما آتي لأستمع إليه معهم. ثم أنزل لألعب مع الطفل الذي صار يستمتع بصحبتي كلما تمكن من الإقتراب من الأسقف. حتى أنه صنع عشة صغيرة سقفها داني من الأرض اختبأ فيها مني حتى زحفت وأمسكته. الصديق الثالث هو عم أحمد الحرفي الأكثر شهرة في المنطقة,وحرفته ليست واحدة (سبع صنايع والبخت ضايع) فهو نجار ونحات وكهربائي ونقاش وبناء ومبيض محارة ومبلط سيراميك. أثناء تركيبه لمصابح في الظلام,وعندما أضاء المصباح وقعت عينه عليّ.

 

-مساء الخير يا ريس

-الله ينور عليك يا أسطى

-وعليك يا معلم

 

وهناك صديق رابع تجاوز مرحلة الصداقة مع أنه لم يقترب مني بعد بما يكفي,وهي فتاة جميلة إسمها راقية,ارتقت بعينيها وبصرها للأعلى وكانت دوما تفعل ذلك ساهمة,ومثلما رآه العجوز رأته هي ذات مرة. وابتسمت.

 

هذه هي شبكة علاقاتي العائلية والإجتماعية والعاطفية التي لا تنم عن شخصية إجتماعية. أما عن حياتي المهنية,فهي عاطل بلا عمل,ولا أعرف كيف أقوم بعمل في مجتمع لا يوجد فيه أحد سواي. واكتفي بالحصول على مأكلي ومشربي. حياتي الدينية,أووه .. أعتقد أنني متدين,أواظب على الصلاة التي تتخللها بعد الانقطاعات من حين إلى آخر,وقد حاولت ذات مرة التسرب إلى سقيفة سيارة لكي أتمكن من زيارة أضرحة الأولياء فلمت أتمكن من ذلك بعد. حياتي الثقافية,أكثر من جيدة,فأنا أسير مسافات طويلة حتى أعثر على المكتبات العامة والخاصة والتجارية والمنزلية والمهنية. أي مكتبات أتسلل للسقف الذي يعلو كتبها فأتمكن من قراءة صفحات الكتاب دون أن ينزع من موضعه.

 

[3]

مع كل تلك الغرابة,عشت حياة رتيبة ولكن ممتعة في تلصصي على الآخرين,وأخيرا مت وحيدا.

 

سقط جسد رجل من السقف على الأرض,وارتفعت صرخة إمرأة.

 

2-الأسفل: أو السقوط

 

 

 

 

 

 

 

 

قفزت من فوق برج القاهرة,وعندها تيقنت فعلا أنني لا أستطيع الطيران.

 

كان يسقط للأعلى,لا يعرف كيف,لكنه كان يفعل,وتساءل وهو ينظر إلى السماء عن متى يصل إلى القاع؟.

 

نجح بطريقة ما في العبور إلى ذلك العالم,تجاوز الموت,تجاوز الوقت,تجاوز الجاذبية. صار مجرد جسم يسقط في بعد لا نهائي. يا ليته فضاء تقليدي حيث يسبح مع الأجرام. بل هو فضاء مخروطي حيث يسقط إلى نقطة لن يبلغها أبدا. بدا له ارتطام رأسه بالأسفلت من إرتفاع عال حلم مستحيل المنال. وتسائل هل هذه هي الأبدية؟. بكى ودعى أن يصل للنهاية.

 

سبعة أيام من المطر فوق جزيرة النيل التي تنتصف القاهرة والجيزة

 

في اليوم أمطرت فئرانا مثلما حدث في السرايا

 

وفي اليوم الثاني أمطرت بشرا

 

أناس دب الفزع في قلوبهم ويصرخون وهم يركضون هنا وهناك,وأناس يسقطون فوق رؤوسهم أحياء مثلهم يموتون فور أن تلامس أجسادهم الأرض أو ما يقابلهم في الهواء من صخور أو بيوت أو علائق ونتوءات وبروزات في المباني.

 

اليوم الثالث وأثناء تكدس سيارات الإسعاف التي لم تسعف أحدا,وسيارات حمل الموتى التي لم تكفي لحمل الجميع,وسيارات الشرطة التي وقفت عناصرها خالية الوفاض في بلاهة وعجز لا تعرف ماذا تفعل بنجومها ونسورها,وسيارات الأهالي المذعورة تطمئن أن لا يكون لها إبن أو أخ سقط من السماء. وفئران الأمس وجدت لحما كثيرا في جثث اليوم. جثث أكثر من اللازم فلم يفلحوا في أن يحصوها ولا أن يدفنوها. أثناء كل ذلك أمطرت السماء قطرات غزيرة من الدماء كأنها تبكي على من ألقت بجثمانهم. كانت هناك جثث أكثر من أن تسعها حفر في كل الجزيرة. جثث في الشوارع وفوق الأسطح,ومتكئة أو معلقة هنا وهناك. والعربات تنقل الموتى إلى وسط البلد حيث مدينة الموتى الممتدة من القلعة حتى العتبة. ولكن كأن الموتى هناك يشكون من كثرة الزائرين الغير معروفين. فلا حسب ولا نسب ولا أهل أو قريب.

 

في اليوم الرابع ارتفعت العيون تترقب ثم ألقت السماء مراحيض,كأنها تقول أنها قبورا للموتى الذين بلا مدافن تأويهم. أولاد الشوارع في حياتهم ومماتهم. أو كما قيل أبناء السماء.

غرف غريبة -ولكن تصميمها يفضح حقيقة كونها مراحيض- الشكل سقطت دون أن تحدث دوي أو أي ارتطام. بعضها نزل بإنسيابية شديدة كأنه على بساط الريح,وأخرى سقطت تقتل أو تحطم كل ما تحتها. ولكن دون أن يبدوا حصول أي اصطدام. كأنها مكتومة الصوت وكأنها لم تسقط. لاحقا يتم بيعها كتحف نادرة وآثار مفقودة بالآلاف وقيل بالملايين. كانت تباع أغلى من الذهب وأغلى من الجثث.

 

اليوم الخامس والسماء تمطر مطرا. ماء عذب غسل الدماء والعفن وجعل الفئران تختبئ بعد أن يأس الناس من محاولة قتلها أو صيدها أو طردها.

 

اليوم السادس والكل مذعور مما سيحدث,وتحول ذعرهم إلى فزع مما حدث. أيادي ممتدة بامتداد الأرض والسماء حتى بلغت أكبرهم وأطولهم الناس وقبضت على حفنة منهم وصعدت إلى السماء كأنها تحجزهم لحين إلقاءهم في مكان غير معلوم وزمان غير معلوم.

 

اليوم السابع الكل عاجز وكل فرد لا يعلم ما ينتظره وينتظر الجميع,وفيه أمطرت السماء خوفا حيث غربت الشمس ولم تمطر شيئا.

 

ولم تمطر ثانية إلا مطر الشتاء.

 

خمسة رجال كانوا,ماتوا وقد تحطمت عظامهم بعد أن قفزوا من إرتفاع عال جدا.

 

الطائرة ليست طائرة ذات جناحين تطير محلقة فوق سماء النهار والأطفال ينظرون إليها مشيرين بأصابعهم. الطائرة هي تلك المرأة التي تطير وتدب الرعب كل ليلة في قلوب سكان حارة الجوي. وكأنها اختارت الحارة لإسمها. بل وهناك طيار يسكن بين سكانها,وهو أمر غير مألوف عادة في هذه المناطق,ويزف قاطنيه بيه فرحا وكان الخبر يتجدد كل يوم بتردد على مسامع من لم يسمع بعد. في حينا يسكن طيار أو قبطان أو ضابط. يطير بطائرته مثل براعة الطير المحلق في السماء,فوق الجبال والبحار,وفوق أسطح مباني حي السرايا. طائر غريب وفريد من نوعه. لم يره أحد من قبل ولا يعرف نوعه. لم يشاهد في السماء ولا في الصور بالمجلات أو على شاشة التلفاز حيث عالم الحيوان. وبالطبع لم يشاهد في حديقة الحيوانات. يرتبط ظهور هذه االطيور بظور المرأة التي تطير,تسري,تتسربل. يتابعها الناس في الليل,وينظرون إلى الطيور في نهار اليوم التالي. نظرة في الليل وينامون. نظرة في النهار ويذهبون إلى أشغالهم.

 

المعذبون يبصرهم بعينيه وقد تجلى له الجحيم على الأرض,فسقط على الأرض يضرب رأسه بالصخر,خائفا خاشعا خانعا خجل من كل الفعال التي ارتكبها في الماضي. وكل ما قبل هذه اللحظة كان الماضي.

 

ظهرت له الوجوه من كل مكان تنظر إليه بعيون جاحظة,وأفواه فاغرة,وأنوف مبتلة,وجباه متعرقة,وذقون متسخة,وشعور مشعثة,وخدود مسودة وألسن شاهقة.

 

الوجوه في الجدران والأرض وفي كل مكان حتى يوشك أن يراها تبحلق فيه من البحر والسماء.

 

هل صار في الجحيم فعلا؟ ولكنه يعلم أن الجحيم في الآخرة,وإسمها جهنم,نار مستعرة تحرق كل شيء. وليس مجرد وجوه كالحة يغطيها التراب.

 

كان يمشي ولا يتوقف,شعر بساقيه تذوبان أسفل منه,لا يقوى على استئناف المسير ولا يستطيع التوقف. اليوم حار جدا وكأن نظريته صحيحة حول هذه الجهنم. بدأ فعلا يذوب أو هكذا شعر. بدأ ينظر للأعلى وكأنه وجه تخرج من الجدران أو من الأرض.

 

المعلقون

 

المعلقين على السلالم أو الأبواب

 

الناس المعلقة

 

العلائق كانت سبب موت أمها,ماتت أمها لما ألقى إليها أو عليها كتلة صغيرة من المعدن,فأصابت وجهها بين عينيها لتفقد البصر ثم تفقد الحياة. ومن إظلام إلى إظلام. كان الشيء الساقط عبارة عن مجموعة من الحلقات المعدنية تلتف حول كل حلقة مجموعة من المفاتيح!.

 

صارت تخشى من الأشياء التي تسقط من عل,خاصة لما كادت تقتل هي أثر سقوط جهاز التكييف فوق رأسها. الذي لم يقتلها وقتل خالها بدلا منها.

 

الأشياء المعلقة كثيرة,وتناوبت الأنواع المذكورة على فعل فعالها,جهاز تكييف آخر,منشر غسيل معدني,أصيص النباتات والزهور,شيء ما موضوع على درابزين الشرفة,درفة نافذة. الأخيرة هي أكثرهم قدرة على توليد الخوف لديها. مصراع نافذة صرع أخيها. كان أصغر إخوتها,وقد سبقه البقية إلى القبور بسبب معلقات أخرى على النوافذ والشرفات,والأسطح والجدران.

 

وكانت تسير في الشوارع,وتجدها متروسة عليتها بأغطية قماشية مزينة بالمصابيح والفوانيس والأوتاد الحديدية التي تسند المشمعات والشمسيات. وحتى أنها لا تسلم من الشوارع المكشوفة إلى سماءها على شرفات مبانيها التي لا تخلو من نوافذ وشرفات وأسقف معلقة,

 

دخلت إلى الزقاق المعتاد الذي يختصر عليها الطريق,فوجدت نفسها فجأة في شارع مألوف تكاد تجزم أنها لم تأتي إليه من قبل. رأت جثثا معلقة,وأحياء معلقين. معلقين على مناشر الغسيل بدلا من الثياب,أو فوق المحلات بدلا من التغطيات,أو رؤوس في الخصاص بدلا من النباتات.

 

يسموهم الناس في حي السرايا بـ العلائق,ويحسبونهم ضمن القائلين,ذلك الجنس الغريب من المخلوقات,التي تعتبرها هي ضمن البشر,مجرد بشر غريبي الأطوار,بينما المعلقون أدوات في أيدي الموت يسير بها ويسيرها كيفما شاء.

 

حتى أتى اليوم الذي صارت فيه هو المعلق,شعرت بمئات من الدبابيس الساخنة تحرق رأسها,صحت من نومها أو إغماءها والألم يلتهمها,لتجد نفسها معلقة من شعرها في يد ذلك الوغد. زوجها. سبته. صرخت وبكت. لا تعرف لما فعل ذلك ولم تسأله. ولكن الجحيم بلغ معها مبلغه. لا تعرف هل المعلقون وهم خاص بها,أم أناس غريبين مثل الكثير من البشر الغير بشريين.

 

استغلت غياب زوجها,وربطت سلك الكهرباء ذو طول مناسب في خطاف حديدي بارز من السقف. ركلت السلم لتدلى من هناك. وتظل معلقة من عنقها إلى غشى الموت عينيها وغيبها عن الحياة.

 

ورث عن خالته خوفها من المرتفعات وخوفها من الأشياء المرتفعة حتى ولو لم يكن هو فوقها. أي أنه يخاف أن يكون فوق مكان عالي,أو أسفل بناء عالي. أو أي شيء يرتفع عن الرأس مسافة قدم أو ذراع.

 

الفيلم الأكثر إرعابا له هو الحدث للمخرج الهندي شيامالان,والأفلام التي تليها هي تلك التي تقدم أشياء تسقط من السماء؛نيازك,مركبات فضائية,كتل نارية,كتل ثلجية. كان من الطبيعي له أن يخاف من المطر.

 

السجن ملئ بالمعلقين,أقدامهم معلقة في السقف,ورؤوسهم مدفونة في الأرض,ولكن لم تنقطع الأنفاس عنهم في بالوعات ملوثة بأقذر الروائح الكريهة وأعفنها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

العالم المقلوب

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1]

في وسط العالم,يقع أكبر تجمع من المناطق السياسية المحسوبة على هامش العالم,وليس مركزه. رغم موقعها المهم تجاريا وعسكريا وسياسيا وإعلاميا.  بين هذه المناطق دولة واقعة بين الشرق والغرب,بين بلاد الخليج والشام وبين بلاد المغرب,بين الغرب في الجنوب والأفارقة في الشمال. بين عظمة الماضي وانحطاط الحاضر وغموض المستقبل. مصر.

 

وعاصمتها القاهرة,وعلى أطراف القاهرة,في الشمال,عند الحدود الواقعة بين القاهرة والقليوبية,تقع مدينة / حي / قرية السرايا. حي فقير مكون من سكنات عشوائية ونظام معيشي خارج عن أي قوانين أو أعراف أو طبيعة عدا التي تنتمي إلى السرايا,والتي قد تتشابه مع مناطق أخرى في مصر بحكم أنها مكان ينتمي إلى مصر جغرافيا وثقافيا وسياسيا وعرقيا.

 

ولكن هناك المزيد من العرقيات الأخرى,غير البشر,داخل السرايا,وفي المنطقة المسماة الحد. هناك في الحد,عند الجدار,عند آخره حيث حدود منطقة الحد,توجد فجوة تؤدي إلى العالم وراء الجدار. جدار خلفه الحد. وجدار خلفه الحافة. حافة العالم. العالم المقلوب.

أي أن الحد هي منطقة واقعة بين جدارين,الجدار الأول بينها وبين السرايا,والجدار الثاني بينها وبين الحافة.

 

في الحافة,هناك بشر في هذا العالم,ولكنهم ليسوا بشرا مثلنا. البشر هناك كتب مرصوفة على ألواح ورفوف المكتبات. تقرأها الكتب. الكتب حية تسير في الشوارع,وتتنفس وتتكاثر. البؤرة الوحيدة التي يمكن أن يعيش فيها البشر ويتعايشون بطبيعية,هي في المدينة. قيل أن المدينة في مركز اللامكان المحيط بكل حدب وصوب في الحد,وقيل المدينة على أطرافه.

 

هذه البؤرة تسمى نهاية العالم -وأحيانا يخلط بينها وبين بقاع أخرى من الحد تحمل نفس الاسم / العنوان- قيل لأنها فعلا تشغل مكانيا نهاية العالم,وقيل لأن البشر الساكنين بها ماكثين حتى نهاية الزمان,بعكس البشر بالخارج الذي سيأتي عليهم يوم ما ولا يكون هناك بشري واحد موجود على وجه البسيطة.

 

في هذا المكان يوجد البشر,ولكنهم غير البشر خارج الحد,وأول أوجه الاختلاف أنهم يعيشون في وفاق أو شبه ذلك,مما يمكن تسميته ندية,مع الحيوانات والوحوش والطيور والزهور والشجر. ويعيش الأحياء من البشر مع الموتى منهم. وموتاهم يبعثون من الموت على أكثر من شكل. المغضوب عليهم هم الزومبي. والمباركين هم الأشباح. ومن لا يستيقظ من موته يظل هائما في الهواء تطير جثته في السماء عند السحاب,وأحيانا تنخفض مع الريح أو الضباب بالقرب من الأرض,دون أن تتعفن الجثث أو تخرج روائحها.

 

وهذه ليست كل الأوضاع الغير طبيعية في الحد,فالبؤرة هي جزيرة وسط محيط. طبيعة الحد فيه عبارة عن عالم بلا ألوان,ولا أصوات. رمادي وصامت.

[2]

نشأ محمد إبراهيم داخل منزلهم الكبير في شارع محمد علي الموازي لمسار القطار القديم؛ السكة الحديد المهجورة من أي قطارات مارة عليها. ولم يبتعد عن المنزل أكثر من غايته في زيارة أو رحلة وراء هذا الابتعاد. ومع ذلك كان يتوق للابتعاد عن منزله وعن شارعه وتلك المنطقة,والحي كله. بأي صورة يكون عليه هذا الابتعاد والنفور؛زيارة,رحلة,انتقال,هروب. وربما موت.

 

وكانت سعادته وهروبه في الكتب أولا والأصدقاء ثانيا,قال الحكماء خير جليس في الزمان كتاب على حد قول المتنبي. أما الأصدقاء فكان يعتبرهم فاكهة الدنيا بعد وجبة دسمة من القراءة. وكان يملك من الأصدقاء قدرا كبيرا أقربهم هم

 

أحمد وهو أقرب أصدقاءه وشقيقه محمد مريض بالسرطان,ومحمد هو الذي يجالس محمد أغلب النهارات بسبب إنشغال أحمد مع أبيه محمد في العمل طوال النهار ولا يعود إلا ليلا. وقد تمكن محمد أحمد بمساعدة محمد إبراهيم من السماح للزيارات في أي وقت من أوقات اليوم. محمد إبراهيم يملك مال كافي لذلك,والأصل أنه مال أسرته وأعمامه,إلا أنهم لا يمتنعون طالما بقدر معين. ويشق في نفسه شقاء صديقه واحتضار شقيقه.

 

باسم وهو لاعب كرة كان له مستقبل,كان,وتحطم مستقبله مع تهشم ساقه. ولا يخرج من بيته. لا يخرج أبدا. كسره كسر معه نفسه. وانكسر محمد إبراهيم حزنا عليه,وتمزق قلبه فرقا له.

 

تارا,رقيقة وجميلة مثل إسمها,وهي عنقود العنب المتفرع من خصلات شعرها,والتي تفتن بجمالها كل شباب الشلة. لم تتزوج بعد. ولا تعاني من أي مصائب عدا قسوة الحياة حولها. رغم أن أهلها يحبونها ولا يعنفونها لأي سبب ويعاملونها أحسن معاملة,إلا أنها حساسة مثل محمد إبراهيم تتألم لآلام الآخرين.

 

ثريا فتاة أخرى جميلة,ولكن مخيفة,رقيقة,ولكن أكثر من اللازم,ومنزوية في ركن داخل ذاكرته وشبكة علاقاته. لا يعرف لما هي صديقتهم أصلا!.

 

جمال الرجل الشرقاوي الجدع والقوي,ولكن تستنزف قوته وشهامته في صراعاته مع عائلته. وهو ما يدفع محمد لأن يكون شكورا نحو حاله. فمهما قست عليه عائلته لا يكون بمثل ما يفعل في جمال من أفاعيل تصممها أكثر الأعادي شرا وكراهية نحو شخص غرق في مقتهم,وليس نحو إبنا من أبنائهم. ومع ذلك لم يبلغ بهم الأذى حد قتله وقد حمد الله.

 

مفيد ماهر النحيل العصبي الصديق والجار ودليله في حي السرايا الذي يتوه فيه محمد. مفيد من حي السرايا,نشأ وترعرع فيه. وهو أقرب إلى طباع أهل السريا,وواحد منهم بعكس ما ينظر إليه. وأول الصفات التي تقربه منهم هو فقره,مفيد فقير ومحمد إبراهيم غني. غني إلى حد ما أو إلى حد كبير بالنسبة لجيرانه في حي السرايا. ويسكن في إحدى الشوارع التي عرفت بكثرة القصور الشاهدة على زمن مضى كانت فيه السرايا إسم على مسمى.

 

شخص آخر إسمه محمد,وهو صديق عزيز عليه وصاحب مقرب منه,رغم أنه لا يعرف له إسما آخر بعد محمد. لا يعرف ما إسم أباه,ولا يتعامل مع أبوه بشكل شخصي ولا يقرب إلا ليلقي السلام أثناء مروره.

 

هكذا يقيم محمد حاله كواحد من أصحاب أسوأ الحظوظ على الإطلاق,وأن مصيبته,وكما كان يتفاخر العرب قديما بإبتلاءهم وجلدهم,هي الأكبر بين كل المحيطين به. لأنه,ولكونه حساسا جدا,فكل مشاكل أصدقاءه تصب عليه,لتضاف على مشاكله الخاصة مع نفسه وعائلته. أحيانا,مثلما ينظر إلى جمال,يتبع لاشعوريا المثل القائل (ترى بلايا الغير تهون عليك بليتك). وقد هانت مصيبته كثيرا لما أتاه خبر موت / مقتل أخو صديقه كنهاية حتمية لمرحلة متأخرة ومستعصية من داء الأورام.

 

أتاه الخبر صباحا,وهو ما ذكره بنفس ظروف خبر موت جده,بنفس الداء,جده الوحيد الذي كان يحبه بين كل أفراد عائلته. قام مفزوعا غير مصدق,حزين تسارعت الدموع تنسكب على خديه,تتقاذف من مقلتيه,تهدج صوته ثم تماسك.

 

-حسنا

 

وأغلق الهاتف وقد شعر بملامح وجه صديقه تصفعه على خده,فهو بالتأكيد لم يتوقع هذا الرد البارد خاصة لما يستغيث أقرب أصدقاءه إليه به. قام يرتدي قميصه إستعداد للذهاب,فلم تحمله قدميه,وداخ وازداد الدوار عليه. استند برأسه على أقرب جدار إليه,ليجد نفسه متكئا بجبهته على المرايا الكبيرة أمام الفراش,في وضع كلاسيكي للحزن والبكاء. شعر بالعالم يسقط في هوة خلف ظهره,ثم أدرك أنه بالفعل يسقط برأسه في هوة أمامه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[3]

شعر كأنه سقط في إغماءة أو غيبوبة,واستيقظ لتظهر الصورة أمام عينيه مشتتة,ولم تدارك بصره,وصار يرى الموجودات بشكل طبيعي. لاحظ أن هناك شيء متغير. تغير غير صغير. أدرك أن العالم الذي يراه الآن مفتقد لألوانه.  استيقظ في محيط بدون ألوان. وقد شعر بالفعل كأنه في المحيط مع الضربات الرمادية لأمواج البحر أمامه,وتقوس الشاطئ بامتداد الأفق من الجانبين يوحي أنه على جزيرة.

 

بعد جولة كبيرة في الأسواق والمقاهي وعند البيوت,وبعد الاحتكاك مع المارة والنظر إلى المجالس أدرك أن هذا عالم متبلد,بلا مشاعر. حتى بدأ يدرك أن مشاعره هو الآخر تسلب منه.

 

لا يشعر بالغضب,ولا يمكنه أن يضحك لحاله,وكان لا يشعر بالحزن أو الخوف لولا أن هذه المشاعر السلبية تغلبت عليه. ومع ذلك,ولم عثر على بيته,ونظر إلى وجهه في المرآة كان وجه صامت.

 

استضافه رجل اسمه العم حاجة أو شيء ما,قال له إسمه لكنه ينساه,ويظل ناسيا إياه,وقد قبع ناسيا بجواره يستمع إلى كلماته نصف مصدق وثلاثة أرباع مكذب.

 

رغم معرفة ليل بالغرائب المحيطة داخل الحد,إلا أن عقله غرق في ذاته استغرابا مما رأى

 

-البنات تحمل في أمهاتهم

-الناس تتكلم اللغة بالمقلوب

-الأماكن تموت مثل البشر

-الأراضي ترتفع فوق هوة بلا قعر

 

والكثير من العجائب الأخرى,وقد عاش ليلا عمرا طويلا في العالم المقلوب حتى يحسب نفسه أنه مولود هناك. الآن ليل جالس مع الرجل الذي يحفظ إسمه,ولكنه لا يجيد نطقه. هذا الرجل دل محمد على مكان. في هذا المكان عثر محمد على المخرج,مشى في ممر وشعر بشيء يتبعه,نظر خلفه وتعثر وسقط على ظهره,وهو الآن في الخارج,وهو الآن في الآن,في عالمه!.

 

لقد مر بشيء غير تقليدي,أمر صادم ومأساة لن تنسى. ولكن النهاية غير مأساوية,فهو في الأخير لم يفقد من عمره سوى ساعة واحدة. وهو قد أهدر الكثير من الساعات في أشياء أخرى بلا قيمة. سوف يسافر,هذه أول فكرة خطرت له كي يهدأ من روعه. لكن مرة أخرى وجد نفسه داخل هذا العالم. كان في مصيف. يسبح في البحر,أخرج رأسه,فلم يجد نفسه على السطح. بعد وهلة أدرك أنه لازال في البحر,ورأسه تنظر حوله,ولكن الماء صار له لون. لون رمادي. وحوله كان أصدقاءه. إنه الآن على نفس الشاطيئ حيث المخرج. نفق في قلب الجبل. حاول الجميع الخروج فلم يتمكن أي أحد من ذلك. وهو أيضا لا يستطيع الخروج!.

 

-دودي أين تذهب؟

-سأقابل أحد القدامى

 

وتركهم وسط صرخاتهم وحيرتهم وتقلبهم,تذكر إسمه,دودي,الذي يدلل ه به كل أصدقائه.

 

قابل عم (…) وبرفقته ليل الذي عرف أنه من عالمه.

 

-لماذا لا يتمكن أحد من الخروج

-كنت عثرت على هذا الكتاب

-وما به؟

-عنوانه هو كتاب الأسماء

-إسمك دود

 

وقد كان إسمه دود حقا

 

-نعم الكل يدعوني دودي

-إسمك دود

-نعم .. أنت قلتها

-إسمك دود

-أنت غامض لكن لماذا صرت أكثر غموضا

-أها

-إسمك دود

-آه

-إسمك دود

-نعم

 

وقد كان إسمه دود فعلا

 

دود هو الإسم المدون في شهادة ميلاده,والده كان يكرهه ويكره يوم مولده. سماه تيمنا بـ الدود!.

 

هو وليل يستطيعان الخروج,ليل كان عجوزا لما خارج بسبب الفارق الزمني العظيم,لذا رجع ثانية,وعاد إليه شبابه في العالم الرمادي.

 

[4]

من حين لآخر يذهب لزيارتهم …

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المخنوقة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1]

نظر لها,لم تلتقي عينيه بعينيها قط,ومع ذلك كان يراها في صورة أوضح وأفضل من رؤيته لأي شيء آخر الآن. هي تمثل الأولى,والأخيرة. والأخيرة قد تكون الأولى,وقد تكون هذه, وقد تكون أخرى,وقد تكون التالية,وقد تكون الأخيرة أو بعد الأخيرة في متتالية لانهائية.

 

أخذ يتأمل الموجودات في غرفته المستديرة حوله هو فقط. والمستديرة حول مكتبه الدائري الذي يتوسط الغرفة. دائرة تعبر عن ذاته ونرجسيته,خشب أسود لا يمكن العبور من خلاله. وإذا أراد الجلوس على مقعده الغير مريح لجسده والأثير إلى قلبه عليه أن يقفز من فوق المكتب الخالي من أي فجوة. لا وجود لأي ممر. وأسفل المكتب أكوام من القمامة أغلبها فضلات طعام وأغلفة ومعلبات مأكولات ومحروقات من السجائر. وأعلى المكتب أكوام من الكتب التي تشكل مكتبته,بينهما حاسبه الآلي القديم الذي لا يمكن تتبعه. وعدا الإنترنت لا وجود لأي نوع آخر من الاتصالات. لا وجود لهاتف أرضي ولا جوال. حاسوبه متصل بالإنترنت ولكنه معزول عن العالم. ومكتبه يلتف حوله مثل غرفته شبه الدائرية.

 

كتاب مفتوح وليس فوقه شيء,عبر هو من فوقه ليستقر في المنتصف. تقبل مؤخرته المقعد ولا تقم له قائمة ثانية إلا بعد أيام لا يعرف عددها. تتساوى لديه الأيام مثلما تنصهر الساعات,ويمتزج الشمس والقمر مع غياب الليل والنهار عن ذهنه. إلا إذا تنبه للساعة في زاوية الشاشة الثقيلة لحاسوبه. ضعف بصره وشحب لونه وطالت أظافره وطال شعره حتى غطى كتفيه وبدأ يداعب ظهره. لا يتصل بالعالم إلا من خلال ثلاث طرائق؛الأولى هو المراسلة البريدية الورقية التي تضمن اتصاله بالعالم الآخر. حيث يكون الموت والشيطان والمسيخ والوحوش والأشباح هم نوع الرفقة الوحيد الذي يأمله وتؤنس وحدته. رغم أنه غير متأكد من صحبتهم,إلا أنه يدرك تماما وجود عالم آخر أو عالم سفلي أو عالم ما غير الذي يقرأ عنه. ولا يعايشه,فهو لم يرى العالم أو الواقع يوما بعيون الناس. ويحسب نفسه آتي من العالم الآخر وينتمي إليه. وإلا فكيف يفسر تفوقه عليهم واختفاءه عن أعينهم. هو نفسه لا يعرف لنفسه إسما,ولا يعرف كيف ولد أو أتى إلى هذا العالم. بل إن مسكنه ينفر الناس منه,ومن رؤيته. أما صورته هو,والتي رآها ذات مرة أثناء مروره من أمام المرآة -ورأى أيضا قرينه من العالم الآخر- تنفر الناظر إليها. المراسلة البريدية تتم مع شخص ما,مخلوق من العالم الآخر,أو مخلوق من هذا العالم,وهو الذي يرسل له الطعام,لتتزايد قنينات البول وأكياس البراز أسفل المكتب. هذا الشخص نفسه هو الذي يضمن له استمرارية الإنترنت. تقريبا من خلال الدفع باستعمال الأموال التي لم يفهم حتى الآن بعد كنهها رغم إدراكه لآلية عملها وفائدتها. الطريقة الثانية التي يتواصل بها مع العالم هي الكتب والإتصال الشبكي. شبكة الإنترنت العالمية التي تأخذ إسمها ووظيفتها من شباك العنكبوت الذي يغطي بالكامل سقف غرفته. الكتب ضمنت أكثر تواصلا مع العالم الآخر,أما الشبكة فكانت نافذته هو على عالم البشر,من خلال واقع آخر,يفهمه تماما. ولكن معه أدرك قوته التي أصقلها بجميع أنواع التواصل. سمع عن الأشباح والجن في الفضاء الإنترنتي وشعر بهم من العالم الآخر. ربما هو في حقيقة الأمر شبح أو جني. قدرته تتمثل في الانتقال آنيا وعن بعد إلى أي مكان يتواجد فيه الطرف الآخر من الاتصال. عليه فقط أن يضمن قوة هذا الاتصال. المرة الوحيدة التي تواصل فيها مع واحد من البشر,بواسطة البريد الورقي اكتشف الأمر,وربما الآخرين هم الذين كانوا يسهلون هذا التواصل. هي واحدة في الحقيقة وليس واحد,امرأة جميلة. صقل التواصل بينهما,من خلال الرسائل المتبادلة والمتكومة لدى كل منهما. رسائلها بلغت لديه الخمسة آلاف رسالة مغلفة في مظروف أنيق ملون. يتشمم فيه عطرها,ويتحسس حبر خطوطها,ويتأمل طيات الورقة داخل المظروف,والنقوش المزخرفة على حوافه. ويتذوق بقعة دم ضئيلة خافتة لما جرحت نفسها بالخطأ. يتذوق البلل الناتج عن دموعها بعد أن قررت التوقف بدون سبب مفهوم عن المراسلة. حاول أن يتذكر كيف بدأت هذه الصداقة أصلا,ومن أرسل أول رسالة وكيف ومتى؟ حتى أرهقته اسئلته. لذا قرر أن يفعل الشيء الوحيد الذي يعرف أنه يستطيع أن يفعله. لم يكن يهتم بالأسماء / الأسامي,ولكنه هذه المرة نظر لإسمها الذي قرأه مرارا دون اكتراث ودون أن يعلق لحظة بذاكرته. قرأ الإسم وحاول أن ينطقه

 

-صو-في

 

حاول مرة أخرى

 

-صوفي

 

لا يعرف من علمه القراءة ولكنه سيحفظ الإسم للأبد. وهكذا انتقل إليها,نظر إلى يد,ثم إلى يدين. عرف أنها يديه. سوف يستعمل يديه لأول مرة خارج نطاق غرفته. سيستعملها في شيء غير فتح الرسائل أو تصفح الكتب أو ضغط الأزرار. كانت تعطيه ظهرها,عرف أنها هي,كان يحسب أن اسمها مستعار,ثم أدرك من لون شعرها ورائحته ورائحة عطرها ورائحة عرق مختلط برائحة الجلد. أدرك من تشمم روائح غريبة عليه أنها ربما تكون غير مصرية. كانت تكتب رسالة أخيرة له. إلى ذلك الشخص بدون إسم. كان يتوق لمعرفة فحوى الرسالة,ولكنه قرر حرمان نفسه من هذه الفرصة,كما سيحرمها من جميع فرصها في الحياة. تجاوز تردده واقترب وهي لا تزال لا تشعر به. طوق رقبتها,وآلمه صوت الخاء المقطوعة والمفزوعة التي سمعها منها.

 

لما عاد لغرفته كتب رسالة إليها معتذرا فيها عن فعلته,ثم قرر أنه لن يرسلها.

 

ولاحقا صار يتبع هذه الطريقة في خنق ضحاياه الذي يختارهن من النساء فقط,فلا يوجد امرأة تستحق أن تعيش بعد موت حبيبته الأولى التي لم يرى وجهها قط. كل ما عليه فعله هو التواصل بقدر معين مع أي واحدة,وبعد عدد غير محدد أو معروف من تبادل الرسائل,أو بعد عدد غير محدد أو معروف من مرور الأيام مع استمرار التواصل,تتسنى له القدرة في الانتقال إلى ضحيته التالية. وكان يحب أن يلعب بتصنيف ضحايا طبقا لنمطيات الموت والحياة بحسب الوضعيات المختلفة لكل فئة أو ضحية.

الطريقة الثالثة في التواصل مع هذا العالم هي عبور العالم نفسه,منزله -الذي وجد نفسه فيه- هو غرفة فقط,غرفة من جدران بلا أي شيء سواه ومكتبه وكتبه ورسائله الورقية أو الرقمية,وبابها الذي يؤدي إلى سلم ينزل تحت. تحت في العميق,ينزل عدة طوابق بلا أي شقق أو عمدان أو أي شيء,عدا الباب في الأخير,حيث الطابل الأرضي الذي يصل إليه بعد النزول كثيرا للأسفل. هذا الباب يخرج به إلى الشارع. وهناك يتأمل الذاهبين والعائدين من مكان ما إلى مكان ما. أو الواقفين / الجالسين فحسب. يعرفهم ويصنفهم من حركاتهم وسكونهم. أحيانا يتقاتلون ويتعاركون بسبب الظروف التي تحتمها طبيعة العيش في حي فقير وخطير مثل حي السرايا. خطير على البشر وليس على من هم مثله.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[2]

تعرف على العديد من الوضعيات,المرتفع رأسه للأعلى هو مجند حديث,المحني ظهره للأسفل هو حمال قديم,الذي يمشي مثل البطة المتبخترة هو عاطل أو قواد أو بلطجي أو رجل ثري. كان إهتمامه أكثر بالسيدات,الطويلة التي تشعر نفسها بأنها أكثر طولا بشموخ أنفها. المرأة التي تتحرك بتعب وإرهاق. معظمهن هنا,إما عاملات أو ربات منزل. وقد خنق منهن الكثيرات من خلال البحث العشوائي والمحاولات المستمرة للتواصل مع المزيد والمزيد. يحولهن جميعا إلى عدة وضعيات للخنق. حاول أن يتذكر حياته البائسة قبل العثور على كنز الخنق,فوجد حاله أكثر بؤسا بالتفكير في ذلك. الأدوات الوحيدة التي صارت موجودة في غرفته,ربما جلبها له ذلك الشيء الجديد الذي تعرف عليه ضمن مخلوقات العالم الآخر,بل وتعرف على سفاح ميت أيضا,ضمن آخره أو أوهامه. تلك الأدوات هي أدوات الموت,هو الذي لم يأكل سوى بيديه,صار الآن يقتل بيديه وبأشياء أخرى تساعده على تنويع الخنق.

 

عرف ذات مرة كاتبة. تمشي في شارعه أمام مسكنه,تمسك قلما وتحركه بشكل عصبي, تتلفت كثيرا حولها,وتقرأ كتابا. تفعل كل ذلك في نفس الوقت. خمن أنها كاتبة موهوبة وكان محقا. جميلة رغم أنه لم ينتبه جيدا إلى وجهها. وبطريقة ما -ربما من خلال ذلك المسافر بين العوالم وهو شخص آخر تعرف إليه مؤخرا من العالم الآخر- عثر على حسابها الشخصي لديه فوق في غرفته.

 

بعد حصاد من الرسائل قال لها

 

-أنا قادم إليك

 

طال صمتها أو غيابها ثم قالت

 

-معلش ناس كتير بيكلموني فمش عارفة اركز

 

-أنا قادم إليك

 

-حقا,يا مرحبا,كيف؟

 

-الآن

 

كانت محجبة,هو الآن خلفها يستذكر مشهدا من الماضي,شد وشاحهها على عنقها,ورحل وقد نسى أن ينظر إلى وجهها. كان اسمها مورا,وهو اسم مزيف حسبما خمن,فقد اقترب كفاية ليوقن أنها مصرية. حاول نطق الإسم

 

-مو-را

 

وقال في نفسه أنه ليس إسم قبيح,ولكنه آراد معرفة إسمها الحقيقي,رأى الجثة أو الجنية تنظر له من مكان ما الآن. وبصوت غير مسموع سوى في عقله عرف إسمها الحقيقي؛صفية.

 

ذكره بإسم صوفي من الماضي,وبإسم فتاة كان سيخنقها لولا أن انقطع الاتصال اسمها صفاء. شكر الجنية التي تعرف عليها من العالم الآخر,وعاد إلى غرفته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المركز

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1]

كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدُلَّ على راهب ، فأتاه فقال : إنه قتل تسعة وتسعين نفسا ، فهل له من توبة ، فقال : لا ، فقتله فكمل به مائة ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض ، فدُلَّ على رجل عالم ، فقال : إنه قتل مائة نفس ، فهل له من توبة،  فقال : نعم ، ومن يحول بينه وبين التوبة ، انطلق إلى أرض كذا وكذا ، فإن بها أناسا يعبدون الله ، فاعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك ، فإنها أرض سوء ، فانطلق حتى إذا نصَفَ الطريق أتاه الموت ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فقالت ملائكة الرحمة : جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله ، وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيرا قط ، فأتاهم ملَكٌ في صورة آدمي ، فجعلوه بينهم ، فقال : قيسوا ما بين الأرضين ، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له ، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد ، فقبضته ملائكة الرحمة . قال قتادة : فقال الحسن : ذُكِرَ لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره.

 

وقيل من عظائم الأمور أنه قد حرّك الله الأرض حتى تقبل توبة عبده.

 

[2]

توقف الطريق واصطفت السيارات خلف بعضها في جحيم الزحام,وضع يديه على عجلة المقود تتوسطهما كتاب رقمي أخذ يقلب فيه على شاشة هاتفه. حبات العرق على جبينه ولطخات الوسخ تشوش شاشته,وإبنه مرهق بعد قراءة في مجلته المصورة زاغت عينيه ودارت رأسه فتمدد على الأريكة خلف كرسي السائق أبيه. وأبيه ينظر في ساعته الملتفة حول معصمه,ثم ينظر في الساعة على شاشة الهاتف,ثم في ساعة السيارة بالقرب من المقود,والوقت لا يمر.

 

هذه كانت أول مرة يظهر فيها ذلك الشيء. تمثال حجري أو بناء حجري,أسموه النصب وهناك من أطلق عليه الصرح. لما ظهر لم يستطع الناس المرور بالقرب منه,كان أمرا صعب ثم أدرك كل السائقين وكل الراكبين وكل المرتجلين على أقدامهم وكل الساكنين بالقرب من هذه المنطقة أن لا أحد ولا شيء يستطيع السير الآن بجواره.

 

وبعد عشرين عاما,يبنى,كأنه من نفسه,محيط حوله في حديقة دائرية نصف قطرها لا يقل عن ثلاثة أمتار. عرف الملف حوله والذي يصب فيه دخولا وخروجا عددا من الطرق المهمة في مصر الجديدة. عرف بميدان الضريح. ولكنه يعرف بإسم آخر شهير مثل ميادين التحرير ورمسيس والمطرية والساعة. ولكن عدد غير قليل من الناس والسكان والزوار والركاب والسائقين المترددين على هذه الطرقات يعرفون بإسم ميدان الضريح. وحتى بعض الباعة وبعض المسؤولين. لا يمكن أن تقرب من الضريح / النصب / التمثال / الغرفة سواء كنت ثريا أو شحاذا.

 

 

[3]

فرقة عسكرية ذات مرة تمارس نشاطا عسكريا تنفذ من خلاله عرضا إحتفاليا أذهل المارة والركاب,وأعجب قائدهم الذي أعطاهم فترة راحة. حاول بعض العساكر الإتكاء بمؤخراتهم على طرف الطوب المرصوف دائريا حول الحديقة مكونة صينية الميدان التي ينتصفها النصب. لكن مؤخراتهم لا تقعد على شيء. لا يبدوا الأمر وكأنهم يجاهدون في محاولة فعل ذلك. فقط كل واحد ذهب في إتجاه منتشرين بعكس مركز الدائرة كأنهم نسوا تماما ما كانوا سيفعلوه. كل الجند مسحت ذاكرتهم لهذه اللحظة وهذا الفعل عدا الذين ذهبوا من قبل دون أي محاولة للإقتراب من الصينية. أو الذين بقوا يسيريون أو واقفون حولها,وعميت عيونهم عن الإنتباه أو ملاحظة أي شيء غريب بصدد زملائهم الذين حاولوا ولم ينتبهوا هم أو غيرهم إلى كونهم حاولوا. وكذلك القادة,وعلى مرّ الأيام تكثر التجارب من هذا النوع. لا يوجد أي مسؤول مهما بلغ نفوذه استطاع أن يطأ بقدمه عشب الحديقة الملتفة حول النصب / الضريح. والعشب نضر دوما وينموا بانتظام كأن هناك من يسقيه ويشذبه.

 

كتيبة عسكرية أخرى مرت بميدان الضريح,ودارت عرباتها حول الصينية,فرقة رياضية تتدرب التفت هي الأخرى حول الصينية,مجموعة من المعلمين يقودون تلاميذهم في رحلة مدرسية وتمشوا حول الصينية. ناس تركض وراء حرامي حول الصينية حتى أفلت منهم. امرأة عجوز عبرت الطريق,وتريد اختصار المسافة للجهة الأخرى من الصينية,متكئة على عصاها دارت نصف دائرة حول الصينية حتى بلغت النقطة التي كانت تريدها. فتاة يتسكع مع فتاة دون علم أهلها,ولما رأت أخيها,حاولا الابتعاد عن مدى بصره من خلال عبور الدائرة. قدماهما التفت لتواجه الفتاة أخيها وجها لوجه. شخص آخر يركض من شخص,ربما من حكومة,وهو رجل مطلوب,حاول أن يتفادى وضع الكماشة الذي صنعوه حوله,من أمامه ومن خله,وليفر من هذا الإطباق قطع صينية الضريح,أو هكذا حاول,ليتم الإمساك به ويقع في قبضتهم. عربة مسرعة تدور حول الدائرة,واصطدمت بحاجز ما,لتدور حول محورة وتنقلب على جانبها لتستقر كأنها اصطدمت بحاجز عن الطوب الملتف حول الصينية. ضابط يطلق رصاصة على مجرم هارب. ظن أن الرصاصة لم تطلق (كدّبت معه) لخلل أصاب مسدسه. إلا أن الرصاصة خرجت ولكن لم تمر من فوق العشب. تم هدم عمارة شاهقة الإرتفاع أمام الصينية,وكان المتوقع أن تسقط وتنسف الصينية التي يعد الحي بحاجة إليها بحجة أنها قديمة وتفسد الصورة المعمارية الخلابة للمكان. العمارة انهارات فوق بعضها نزولا للأسفل,سقطت بشكل عمودي,وليس في خط منحني كما كان يفترض بها أن تفعل. مجموعة من التلاميذ أتوا مع معلمينهم,ومجموعة أكبر من الأطفال أتوا مع آبائهم. توزع جميع الأطفال من مختلف الأعمار واختلطوا ببعضهم البعض,وأخذوا يعلبون هنا وهناك ولا إراديا لم يقترب أي أحد من الصغار أو الكبار أو يمس الصينية حتى. حدث شجار كبير بين عائلة قديمة وعريقة في المنطقة ضد صاحب إحدى المحلات الكبرى في نفس المنطقة, واستدعى الأول بقية أفراد أسرته من المربع السكني,أو القادمين من أحياء بعيدة. أما الرجل الثري فكان رجاله على أتم الجاهزية,وانهالت (الجمايل) عليه من أصحاب المحلات الأخرى. إلا أن العائلة كانت قوية فعلا,رجال شداد بدنا وخبرة,و(قلبهم حلو) وكثر ومعهم القدر الكافي من المال للإتيان بالأسلحة أو للدفع للشرطة عند اللزوم. بل ولم أتا واحد من كبار البلد يريد أن يقيم فرحه هنا بالذات فرحة بزواج نجله على كريمة أحد كبار البلد أيضا. فقط تراصت الكراسي حول الدائرة. ولما أتت القنوات الإعلامية تريد تخوض غمار هذا اللغز الذي لا يتحدث عنه الكثيرين,لم تستطع حتى أن تقترب بكاميراتها ولم تنفعها تقنية التقرريب (الزووم) مما كثر الواو أو الراء. وكأن عطل أصاب هذه الأداة. ولما سقط رجل مار (عابر سبيل) كان رأسه يسقط على حافة الرصيف الملتف حول الصينية,ولكنه وبطريقة ما سقط بجوارها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المركوبة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

آسر

نظرت العرّافة بعينيها التي تعكس الرؤى في البلورة السحرية إلى ذلك الزمن الأغبر الذي صارت فيها النساء مطيات للرجال. فيذهب الرجل إلى العمل ممتطيا زوجته وقد تصلب ظهرها,وظهور كل النساء زوجات أو إبنات أو أمهات أو أخوات,ليتحملن ثقل الرجال فوقهن.

 

والآن في العام الحادي والعشرين من الألفية الثالثة تحققت هذه النبوءة وصار الرجال يركبن نساءهن. في إحدى العواصم الكبرى الواقعة بين الصحراء العظمى والربع الخالي. وداخل إحدى البيوت السعيدة كان بينيل يدلل زوجته إبتسام,والذي جمعت الحروف بينهما,وطبعت الشفاة على وجهيما ببسمة هانئة نئت بهما عن محيطهما. وهو محيط يراه قذر وأعمى لا يرى قلبا وعقلا,بصرا وبصيرة. يركب الرجل فيه إمرأته,بينما هو لا يركبها إلا فوق فراش قطني بدلا من طريق أسفلتي. يعاملها بشكل جيد,أو أكثر من جيد,الحقيقة يقدم لها معاملة ممتازة. وقد عود إبنهما (إبنهما وليس إبنه فحسب كما الشائع في بلاده) أن يحب أمه متخطيا الحواجز البهيمية التي تقف حائلا أمام العواطف الأمومية. وهي عواطف موجود في الأم وفي الإبن أيضا. إلى أن رأى ليلى

 

-شايفين البنت اللي جاية هناك دي

-برفقة الولد؟

-برفقة الولد! كلماتك قديمة جدا

-ما تيجوا نغلس عليها وعلى صاحبها

-شكله عيل شمال شئطها من على الكورنيش

 

النساء فاكهة الدنيا,ولهذا عشق آسر العاصمة بإعتبارها أجمل أماكن الدنيا قاطبية,ولا يوجد بين قطبي الأرض شرقها وغربها وقد فتن بنساءها. ولأول مرة يكتشف أن كلمة امرأة ترادف كلمة سهلة. أو على الأقل هنا. أجمل مكان في الدنيا لا تكفيه وصفه. هذه جنة الرجال على الأرض. وبالطبع جحيم للنساء ولكن لا يهتم.

 

دوما يخرج رفقه صديقته سلوى,يركب معها على دراجتها,وهي دوما تطلب منه أن يحتضنها لا يعرف ولم يعرف إلى اليوم هل بحسن نية منها أم لا. ولكن لم تتطور علاقتهما أكثر من صداقة حميمية واحتكاك به لم تطلب منه أن يقترب ويلتصق بها حتى لا تنقلب الدراجة. يحتضنها ممسكا بنهديها,أحيانا مداعبا إياه بشكل شبه صريح. ويستمتع بالضغط أكثر محتضنا إياها بين ساقيه. هنا لا يركب الرجل دراجة وراء إمرأة. بل يركب الرجل المرأة.

 

هو يعتبر فارس أحلام لأي فتاة,ولا يبتغي منها سوى أن يكون فاتحا إياها,أو راكبا عليها.

 

 

وكان آسر قد اقترب,والحسناء رفيقه ساقيه,سمع بعض كلمات المغازلة تعليقا على جسد رفيقته,جسد أنثوي مناسب للفيحاء. لم يهتم لهم,لم يكن يولي إهتمامه لأي شيء الآن عداها. صحبها معه إلى شقته,مارس معها الجنس,أعطاها في الأخير قبلة بين شفتيها,وحفنة بين يديها. كانت كتلة من الأوراق النقدية ذات الفئة المئوية. نظرت ممتنة إلى عينيه فرأته شاكرا دامعا من الشهوة التي أشبعته.

 

-أنت أجمل إمرأة قابلتها حتى الآن

 

رحلت وهي تظن أنها مجرد مجاملة عابرة,بالطبع هي جميلة,ولكن آسر الأفاق قابل الكثير من الجميلات,غير عالمة أنه كان يقول الحقيقة. فبالرغم من كونه آسر لكل من وقعت عينها عليه -خاصة زميلاته في الجامعة- إلا أنها هي أجمل من وقعت عينيه عليها. واضطر لأن يلجأ إلى إسلوب لا يحبه من أجل أن يركبها. أي استخدام الأداة المتعارف عليها والمعترف بها في العالم كله؛المال. وباستخدام المال,ومن خلال صديقه وصفي,يتحصل على عدد من النساء أكثر من أن يقدر على العد أو أن يتذكرهن عدا قلة مثل منى عبد القادر,وهي قادرة على سلب قلب أي رجل. ومنى لأي رجل. وسحر أعمى عينه وشتت عقله. ومثل كايا,أجمل إمرأة قابلها في حياته. ومثل ليلى. همس في أذني ليلى

 

-أنت أجمل إمرأة رأتها عيني

-بالتأكيد قلت ذلك لغيري

-قلته لإمرأة واحدة قبلك .. أنت أجمل منها

 

لاحقا تزوج فتاة أقل جمالا منها وإن كان جسدها غير خالي من الجمال,عود برسيم يأكله هو مثل الحمار. الأهم من ذلك أنها كانت راضية بقليلها رضا لم يره في أي إمرأة أخرى. اسمها منال فلا تبغى من الحياة أكثر من أيكون زوجها راضيا عليها.

 

شعر هشام بكراهية عميقة وعائمة تسمم الأجواء وعزاءه لنفسه أنه ربما يكون واهم. زوجته تكرهه,إبنته تكرهه,أمه تكرهه,شقيقته تكرهه,وبات يشعر أنه محاصر بين الإتجاهات الأربعة. رغم أنه لم يفعل معهن ما يفعل مع الأخريات.

 

هو يسمح لأمه بأن تجالس في البيوت جاراتها,ويسمح لزوجته بأن تبيت عند صديقاتها, ويسمح لإبنته بأن تذاكر مع زميلاتها,ويسمح لشقيقته بأن تزور قريباتها. ويسمح لنفسه بأن يأخذهن جميعا في نزهة كبرى مرتين بالعام,في العيد الصغير (الملاهي) وفي العيد الكبير (المصيف). كما أنه يمتنع عن توجيه الإساءات إليهن بإختلاف أنواعها,فلا لسانه يخرج بشتيمة أو كلمات نابية أو إهانة,ولا صوته يعلو عليهن,ولا يده تضربهن,ولا عينه تنظر إليهن نظرة إزدراء أو تمعض.

 

وكان يعتبر نفسه وصديقه بينيل الرجلين الأكثر رقة ورفقا بالنساء,وسط كل هذه الكراهية اضطر أن يستعير حبا وحنان من معشوقته ليلى.

 

حبيب البقلاوي هو زوج ليلى,ليلى التي ركبها كل من آسر وبينيل وهشام,استدعى حبيب الرجال الثلاثة. ولكن تغيب واحد وحضر إثنين؛آسر وبينيل,وتغيب هشام.

 

جلس الشابين أمام حبيب البقلاوي,هما على كرسيهما,بينما هو مستريح على ساق متربعة أسفله والأخرى قائمة متكئ بيده عليها,واثقا من نفسه في جلبابه,ورجاله حوله,أحدهم جالس إلى جواره,آخر يتوسطهم بكرسيه,ثالث واقف,رابع لم يتبين موضعه,والآخرين في جماعات عند الحارة. ذكرت تلك الأجواء بينيل بمجالس الصلح أو بكمائن الغدر في حي السرايا بمصر أو العشوائيات الأخرى,خاصة وقد انتصف الليل.

 

-أنا حبيب البقلاوي,ربما لا تعرفاني لكن أنا أعرفكم

 

مداخلة نمطية جدا,هكذا فكر بينيل وهو ينظر إليه بثبات

-وأنا هنا لأشهد هؤلاء الرجال عليكم أنكم نمتم مع زوجتي

 

لم يتحركا ولم يرمشا

 

-لكن بصفتكما رجالا,ورجال جدعان كما يظهر لي,سأتغاطى عن خطأكم,على أن تساعدوني

 

لم يفهم آسر بعد,ونظر إلى بينيل الذي أدرك مقصد الرجل

 

-على قتلها

-نعم فهي لا تزال زوجتي ويرق قلبي عن فعل ذلك بيدي

-هل صديقنا هشام محسوب ضمن عرضك الكريم؟

-نعم لن يصبه أي أذى .. كلمة مني

 

سأل آسر

 

-وماذا يضمن لنا؟

-عيب .. أعطيتك كلمة,وأنتم في بيتي لو أردت فعل شيء بكما لفعلت وما يمعني أحد عنكما

 

كانت ليلى تنظر إليهم من نافذة غرفتها في الطابق الثالث,والبيت كله بيت الحاج حبيب البقلاوي يسكن فيه وزوجه وعائلته. كانت ترى بينيل فقط ولم تتمكن من رؤية آسر. ولم تستطيع تقبل فكرة أن سرّها انكشف وأقنعت نفسها بغباء أن بين بينيل وحبيب علاقة عمل. ليس إلا! كانت تشكك في حجتها,بأنه إن كان كشفها,فلماذا لم يحضر أي من عشاقها الآخرين؛آسر وهشام وجميل وغيرهم. كانت تعلم أن هذا يبدوا متناقضا,فلماذا يعلق بأمر كل عشاقها,غير عالمة أنه بالفعل يعرف بأمر ثلاثة,على أن المنطقي أن تنكشف علاقتها مع أحدهم,ويكفيه واحد فقط حتى يقضي عليها. لكنها لا تريد الإعتراف بهلاكها,وتقلب الأعذار لنفسها إذا عرف,وتنقب عن المزيد من الحجج التي تؤيد نظريتها حول عدم معرفته.

 

الآن حبيب يصعد على السلم,وتدوي طرقاته في أذنيها تؤذن بموتها مع صوت أذان الفجر وقد طال الحديث من منتصف الليل,واختلطت أصوات طرقات قدميه على السلم مع طرقات يديه على الباب. صعود ودخول,لكنه لن يطلب الإذن لصعود روحها وخروجها من جسدها.

 

فتح الباب ورأت بينيل خلف كتف حبيب,لم تنتبه إلى صعوده,لا من تلصصها من النافذة,ولا من تمييزها لصوت خطوات زوجها. سقطت على ركبيتها في بكاء ورجاء طال ومال إلى قدمي الرجل يقبل نعله. على أن حبيب قرر أنه لن يبقيها في بيته يوما آخر,وبالطبع لن تبقى في أي بيت آخر,فهذا عيب كبير قد يميل له شاربه.

 

أرعبتها فكرة أنها ستموت,وإن كان بينيل قد تمكن من تهدئتها قليلا,يحسب هو أنها هدأت لأنها ستعطى خيارا لطريقة موتها,وتحسبه هي أنه قد يقنع زوجها لأن يتركها تذهب. إلى أين؟ إلى بيت صديقتها. لا بيت أمها ولا بيت أختها,وقطعا ليس عند أبوها.

 

سمح حبيب,وقد مات حبه,لبينيل أن يمارس دوره بصفته عشيقا,وأن يعشقها للمرة الأخيرة, يقبلها على وجنتها,قبلة بريئة تماما هذه المرة. داعبت أناملها اليمنى شعرها,أسند رأسها إلى صدره,تحسس وجهها وبسطته قبضته اليسرى ليسحب بيمناه الحبل الأسود الرفيع على رقبتها.

 

-لا يا بينيل

 

صرخت وانتفضت وبكت

 

-حسنا حسنا .. لا بأس

 

انكمشت على الفراش,فراش الزوجية,وممارسة العشق مع رجال كثيرين لم تكن عليه يوما, لم تدنسه,مارست على سرائر أخرى. تذكرت إبنها الصغير

 

-أين عبد الرحمن

-لن تريه

 

رد الحاج حبيب بجمود,تجعد ذقنها في قسوة من الألم والحزن ولازالت تبكي,ولا زال بينيل يحاول مواساتها

 

-لا بأس .. لا بأس

 

حسبت بسذاجتها أن هذا يعني نجاتها,وفرحت كثيرا لأنها ستتمكن من رؤية إبنها مرة أخرى,حين انعدمت الرؤية مرة واحدة,قد حرص بينيل على الضغط بقوة حتى لا يعذبها. محاصرا إياها على الجدار,يضغط بقوة على قطعة اللحم الضئيلة بين الرأس والصدر. استطاعت إستعادة رؤيتها مرة أخرى,ولكن لم تستعد صوتها,قد آلمه ذلك,جحوظ عينيها يعني أنها تموت,بينما ارتعشت قدمي بينيل لما رآها تحدق فيه مباشرة. ازداد ضغطه قوة آملا أن يزيل هذه النظرة,ولما تراخت يديها,وعلت غرغرتها,واحمرت عينيها,وأيقن أن الموت يداعب شفتيها مثلما داعبتها شفتيه,كان متمسكا بأمل أنها ستزوغ عن إبصاره,مثل أملها أن قلبه قد يرق لعل في يديه نجاتها. ماتت ولازالت تنظر إليه,حتى بعد أن أعطاها ظهره وتركها تسقط, وحتى بعد أن غطيا وجهها إلا أن الحاج رفض إغماض عينيها. آسر مختبئ خلف باب الغرفة من الخارج وقد سرّ أن بينيل قام بالأمر وحده تحت عيون الحاج وموافقته ومباركته. كان المتفق عليه أن يخنقاها بالحبل سويا. ظن بينيل أن الخنق باليدين ربما يكون أفضل,وأخذ يلعن آسر وهشام والحاج في سرّه. هشام كان يدعو له هو منكمش خلف باب شقته. ليس حبا,ولكن لأن نجاته معلق بنجاة بينيل وآسر.

 

ماتت ليلى.

 

وتشمم آسر رائحة الهواء البارد النقي وبصورة تذكر أجواء مسكنه القديم في حي السرايا قبل أن يأتي إلى هذه البلاد. يكاد يجزم أن لا اختلاف وقد روادته ذكرى سيئة.

 

ذهب الحاج حبيب البقلاوي ليؤدي صلاة الفجر في المسجد الذي بناه بأمواله.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثابت

فتحت الباب,ودخلت وأغلق الباب خلفها,وهو أمامها

 

-أين كنت؟

-طيب اصبر حتى ألتقط أنفاسي

-قلت لك أين كنت؟

-كنت أتـ…

-أخبرتك أين كنت؟

-دعني أجيبك!

-لن أكررها .. أين كنت؟

-أنا أخبرك

-قلت لا .. ومع ذلك فعلت ما في رأسك

-ماذا قلت؟

-قلتها كلمة واحدة هي لا,ولكن جعلتي كلامك هو الذي يمشي؟

-أنا مش فاهمة يا ثابت هي تلاكيك وخلاص

 

كان دوما يرى نفسه ثابت الرأي والقرار,ذو شخصية قوية يستمتع بفرضها على زوجته,فهذا من رجولته,ولا يقلل من حبه لها شيئا,حتى أنه دوما يدللها بأن يناديها (شيري). وكما تقول نصائح أمه

 

-خذ التي تحبك ولا تأخذ التي تحبها

-المرأة التي تجري ورائك وليس أنت الذي يجري ورائها

-المرأة التي لا تركبها تركبك

 

لاحظ في زوجته أن زاد خروجها عن حده في الآونة الأخيرة,ومع كثرة خروجها من البيت خرجت عن طاعته,فصارت تخرج بدون أخذ الإذن منه. إلى أن حدث يوما وخرجت بعد أن رفض صراحة خروجها من المنزل هذا اليوم.

 

فتحت الباب,ودخلت وأغلق الباب خلفها,وهو أمامها,صفعها على وجهها

 

-أتضربني يا ثابت؟

 

ركلة في البطن لأنها صنعت ثلاثة أخطاء؛ردت عليه,وصرخت فيه,ونظرت إليه بإزدراء وتمرد.

 

وقرر حبسها,فلم تخرج ثانية,وحرمها من استخدام الهاتف.

 

بعد واحد وعشرين يوما أتت أمها لزيارتها,طرقت على الباب,فتح الباب,دخلت,وأغلق الباب خلفها,وهو أمامها

 

-بنتك في الداخل .. هاك المفتاح

 

نظرت له بمقت وريبة وغضب وتساؤل

-هل حبستها؟

-نعم

-منذ متى؟

-داخلين على الشهر

-وأنا بقول ليه ليها ثلاث جمعات لم تأتي لزيارتي,وهي عملت إيه لكل ده؟

-أتدخلين لها أم تحققين معي؟

-وشيرين عملت إيه لده كله يا ثابت

-دماغها لا يعمل .. جاموسة

-أنا داخلة أفهم منها كل حاجة

 

فكت قيدها وأخرجتها من حبستها وسمعت منها,ولما عرفت عن ضجرها واختناقها فهمت الموضوع وردت عليها بخطاب أمومي قصير ختمته بإحدى النصائح الذهبية التي تقولها لها دوما في هذه المواقف. كلما رجعت لها غضبانة أو زارتها في يوم جمعة أو حادثتها على الهاتف,لكن لم تتوقع شيري أن تسمع منها عبارة من هذا النوع في مثل هذا الموقف.

 

-زوجك جنتك ونارك

-طاعة الزوج من طاعة الرب

-لن تدخل المرأة الجنة إلا بإذن من زوجها

 

صفعتها هذه العبارة كما تصفعها دوما العبارات السابقة,كما يصفعها ثابت على خدها مرارا وفي كل مرة تصدم كأنها المرة الأولى,كما تصفعها حقيقة إنحياز أبوها دوما لصف زوجها أو ربما عجزه عن مساعدتها أيهما أرجح وأمرّ.

 

-يعني لا في الدنيا ولا في الآخرة!

 

هذه المرة صفعت أمها بدمعاتها كأنها تراها للمرة الأولى,تحدثت مع ثابت وعلى لسانها حدة

 

-لماذا تقول عنها أنه غبية؟

-لأنها لا تستمع إلى ما أقوله لها,أو تسمع وتفعل العكس

-ليس بسبب غباءها,ولكن لأنها طفشت منك

-يعني ليست جاموسة,بل خنزيرة حقيرة لا تطيع الأوامر,وهذا أسوأ

-لكن ليس لدرجة أن تحبسها أو تقيدها

-خذي الأنقح / الأسوأ,أنا سمعت أنها تمشي مع أحد الشباب

-أنت تعلم أنها تحب الخروج لا أكثر من ذلك

-ولكن ماذا لو كان شابا شمالا من أولاد العاهرات من أبناء هذه الأيام

-هل تعرف هذا الشاب؟

-نعم

-ولماذا لا تحاسبه بنفسك

-والله اللي عنده معزة يلمها / يربطها

-وإلى متى ستظل محبوسة

-لا أعرف

-ولكن هذا أول عقاب حقيقي لها

-نعم وفيه أعاقبها على كل ما تجاوزت عنه سابقا

-ولو عشان خاطري أنا طيب؟

-قلت لا

-طيب الله خاطرك

-لا .. جزرة وقطمتها بغلة

 

كانت شيرين تستمع إلى حوارهما وهي تنظر إليهما من خلف الباب,لا تعرف هل هي خائفة أم غاضبة,ولكنها بالتأكيد ناقمة وتشعر بالمقت يكاد يقتل زوجها إذا تحول رصاصا,وتقضي على ردوده التافهة. لماذا يصفونهن دوما بالحيوانات في كل ما هو جميل أو قبيح (من عنده عنزة ليربطها / جزرة وقطمتها بغلة / القطة تحب خناقها),وقد وصفت قديما من حماتها بأنها ثعبان التف حول ولدها.

 

وحتى في التدليل,تسمى البنت قطة أو غزال أو فرس عند الغزل أو التحرش,وإذا كانت الفتاة ممتلئة صارت بطة,وإذا كانت طويلة أصبحت زرافة,وعلى الفراش أمست كلبة,وعلى الفراش تمسى سمكة,وفي بعض الحالات تكون فرخة.

 

لما حرر حبسها,اشتكت لأبيها,ولكنه لم يفعل شيئا,عادت خائبة إلى بيتها,ولأنها اشتكت لأبيها طردها زوجها وألزمها حبس مدة طويلة جدا في بيت أبوها,ولكن بلا تقييد. وكان أبيها يسيء معاملتها جدا,وغضب غضبا شديدا,وأمها أخرجت يدها تماما من الموضوع,متحسرة على المال الذي ينفق لإطعامها.

 

اشتكت لأبيها مرة أخرى,كما تفعل مرارا وتكرارا,لماذا يسيء معاملتها هكذا,كأنه يعمل لصالح زوجها

 

-اربط الحمارة مطرح ما يقول صاحبها

-حمارة!

 

قالتها دامعة وقد ذبحها صوتها قبل دموعها,وأمسكت أنة أو آهة كادت أن تفلت في غير ميعادها. هي نعجة وحمارة وكلبة. هي ماذا أيضا؟.

 

-أبوكي راضي؟

 

قالها الضابط وهو ينظر شذرا

 

أجابت بعد تردد

 

-نعم

 

وضع يديه أمامه على المكتب كأنه يقول (وما شأني) أو يصرح بأن ليس لديه ما يقدمه

 

-طب انت جاية ليه

-جاية أقدم شكوى

-أنت تحتاجين في هذا النوع من الحالات إلى إذن من رجل لتسجيل واقعة عنف أسري أو تقديم شكوى

-إذن من من؟

-في هذه الحالة زوجك

-أنا أشتكي منه .. أقصد أقدم شكوى فيه

-أبيك؟

-قلت لك أنه موافق على ذلك,وسيرفض بالتأكيد

-إبنك؟

-لم أنجب بعد

-أخيك؟

-ليس لي أخ

-ولا مالك؟

 

نظر هذه المرة إلى صدرها المعتدل مائلا للضآلة,والمتساوي في اتساق رائع مع قميصها, ردت فورا

 

-بالطبع لا

 

وجه كلامه إلى كاتبه دون أن يرفع عينه عنها

 

-سجل يا بني

 

وبدأ تسجيل محضر .. ضدها!

 

-أولا إزعاج سلطات وإليك بيان ذلك

-ثانيا عقوق والدين وإليك بيان ذلك

-ثالثا عصيان الزوج وإليك بيان ذلك

-تدخلي مسلمة تخرجي مجرمة

 

هذه قالتها داليا صديقتها التي لم تجد غيرها تشتكي إليه,لا تتذكر شيرين متى بالضبط قابلت صديقتها,متى خرجت من البيت مرة أخرى,فقد سلمها الضابط إلى عسكرها الذي جرّها إلى زوجها. سرّت لأن العسكري لم يركبها. وزوجها كان عقابه قاسيا,وذهب إلى العمل في شركة الاتصالات المرموقة وحاول أن يفكر في زوجته حتى يخفف عنها في حكمه عليها ولكنه لم يهتم ولم يتمكن من الإهتمام. ولم يستطيع ياسر أن يفك عنه غمته,ذهب ياسر إلى منزله ونام. داخل إحدى البيوت السعيدة أيقظت يسرى زوجها ياسر للذهاب إلى العمل, أيقظته بكل حب وحنان أو شبه حنان. فهي لا زالت غاضبة منه منذ أمس. لقد أثقل الأحمال على ظهرها. ومع ذلك انتظرته بكل صبر وإخلاص حتى ينتهي من إستعداداته الطويلة والمرهقة للاستيقاظ

 

يهمهم أولا

 

-إيه

-ياسر

-إييييه

-اصحى يا حبيبي,حتى لا تتأخر على العمل

 

يتململ ثانيا

 

-ياسر

-آه

-قوم بقى .. متتعبنيش معاك

 

يتأفف ثالثا

 

هزته للمرة الثالثة,ولكن قام معها,وامتطاها برقة لتزحف به إلى الحمام يفرغ مثانتها وهو لا زال بعد راكبا إياها,وجهه في المرآة يفكر في حجة للتغيب عن العمل,وجهها في الحوض تفكر في زوجها العزيز الذي لا تتحمل غيابه عن حياتها. نزل بوله معبقا بشذى كأنه عنبر أو كأنها أوهمت نفسها بذلك. خرجت به إلى الحوض حيث غسل وجهه ونظف أسنانه كعادته كل صباح تناوله تباعا المنشفة والفرشاة والمعجون والمشط والسكين لتذكيره أنه يمكنه أن يذبحهها في أي يوم يشاء. ولكنه لا يستغني عنها,لذا يرد لها النصل تعبيرا عن حبه لها.

 

أتى متأخرا من العمل

 

-مساء الخير

 

قالتها يسرى ولكن بدا أن ياسر غاضب جدا,نام على فراشه,وأمرها أن تنام جواره ولكن على الأرض هذه الليلة. وفي الصباح فتحت عينيها من النوم قبله,كالمعتاد,هزته برفق,فتح عينيه

 

-صباح الخير يا روحي

 

تناول شيئا من على منضدة الكومدينو وناولها به في وجهها,لاحقا صالحها بأن أخبرها عن زوجة زميله التي (مطينة عليه عيشته) وأنه انزعج جدا لوجود مثل هذه النوعية من النساء. صدقت على قوله

 

-لا .. معندهاش حق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جابر

قصة حب حقيقية نشأت بين جابر وفاطمة,من خلال صداقة بينهما كانت إمتدادا للصداقة بين جابر وشقيقها جاد الله. وتحت إشراف العائلتين نمت صداقة قصيرة خلال يومين بين فاطمة وجابر حتى قرر الأخير أن يدخل البيت من بابه بصفته خاطبا وليس صديقا. “ما أن رأيت وجهها حتى أقسمت أن أجعلها سعيدة لبقية عمرها” هكذا نطق جابر بقسمه بينه وبين نفسه. ومرت الأيام وزاد الترحيب به من قبل صديقه جاد الله,وأبوه الحاج عبد الله. وما مضى شهر واحد إلا وهو معها على عرش الزوجية,ودخلا عش الزوجية,ومضت الأسابيع بسرعة ما بين خطبة وكتاب وشبكة وزفاف. والآن يجامعها في هناء وسعادة غامرة طفحت من وجهه وتألق وجهها به. وجمعهما فراش واحد,وتحت سقف واحد,وأغلق عليهما باب واحد. ولو كان بيده لسرّع من التسعة أشهر التي قضيتها فاطمة لإنجاب طفلهما الأول وحيد واحتفل الجميع وتم دعوة الأعمام والأخوال والأقارب والجيران لسبوع استمر أثر زفافه الكبير على الألسن لإسبوع آخر. إذا كان المولود الأول ذكرا وعد ذلك بشرة خير على الجميع. وأكرم الحاج عبد الله ضيوفه وحتى المحتاجين الذين مروا عليه. ولم يمر على الباب راكب وركبته لم يرحل الزوج (الراكب والمركوب/ة) إلا مرضيا.

 

-وعلى سيرة الركوب لم يركب جابر زوجته قط

-يا أختي يا ليت كل الأزواج مثله .. ده مبيقدرش يزعلها

-متربية على الغالي .. حتى أبوها ولا أخوها كانوا ما بيركبوها

-بس لسانها فالت حبتين

-أي والله طوله شبرين

 

حديث بين خالتين عن الفتاة التي لم تطلب أكثر من عدة خروجات بصحبة زوجها,الذي لم يكن (يكسر لها طلب) على حد قول صديق ثالث مقرب لجابر وجاد. اسمه محمد وقد أخبرهما أن النزهات الأخيرة تطلب بغرض أن ترى,ولو من بعيد,عشيق القلب,الذي لن تجعل أحدا يركبها سواه.

 

-بقولك إيه يا محمد,متفتحش الموضوع ده معايا تاني

-طيب جرب اطلب منها كده أنك تركبها أثناء خروجكما معا الجمعة القادمة

 

وفاتح خالته

 

-وفيها إيه يا جابر .. جرب إسئلها كده شوف هتقولك إيه

-طبعا لا

 

هكذا ردت عليه فاطمة لما سألها أثناء مشاهدتهما لفيلم عائلي صحبة إبنهما وإبنتهما نورا ووحيد. كان يدرك جيدا أن التي لم تمتطى وهي صغيرة لن تقبل بركوبها وهي كبيرة. ودارت التساؤلات وعلى رأسها سؤال الخيانة؟ غارقا في أفكاره ساهما عن الفيلم,نكزته زوجته بكوعه والبسمة على جانب شفتيها

-زعلت

 

متأكد أنها ستحاول أن تصالحه ولكنها لن ترضى أبدا بأن يركبها

 

-لا لا أبدا مفيش حاجة

-طب فكك بقى (بروح أمك) وتابع معايا الفيلم ومتروحش بعيد

-أنت التي تذهبين بعيدا عني يا فاطمة

 

العبارة الأخيرة دارت بين جدران عقله ولم تخرج إلى شفتيه,لم يشعر أنها قريبة منه سوى بلسانها الطويل الذي يجلده بمزاحها,ولا يتأدب إلا إذا غضب منها أو كان جادا معها. وقد كان كذلك في الأونة الأخيرة,تغيرت معاملته معها وتحولت إلى إهمال وفتور,ولهذا كانت متضايقة كثيرا حتى بعدما صحبها إلى مقهى وسط البلد. وهو المقهى المفضل لديهما,والمتمم لعلاقتهما,والحافظ لذكرى جميلة عن حبهما,والمخيم شبح أخيها فيه وقد بدأت ترى ملامح شخصيته على وجه زوجها.

 

طلبت الإذن للذهاب إلى الحمام,ووافق زوجها بكلمات غاضبة,جلدتها كلمات أشد قسوة عندما تلقت معاكسة من أحد الشباب الواقفين بالقرب من الباب في المبنى الكبير. في العادة تقوم بتجاهل تلك المعاكسات,ولكنها كانت غاضبة,لذا اقتربت من المتحرش,اقتربت كثيرا ووجهها كأنه لصيق وجهه. همست له بكلمات منذرة

 

-زوجي بالداخل .. يعني ممكن أناديه يبهدلك دلوقت

-طب ما تناديه يا سنيورة

-من عيني يا حيلتها

 

ونادى عليها زوجها,ففر الشاب بخطوات حثيثة,اقترب جابر منها وفي نظراته شك زادها غضبا

 

-من هذا

-مجرد شاذ يحاول معاكستي

-ولماذا لم تناديني؟

-كنت على وشك فعل ذلك لولا أن رآك وفرّ مثل النساء

-طب يلا بينا نروح,أنا أتقفلت من المشوار كله

 

-أنا واثق أنها ستطلب الخروج يوم الثلاثاء

 

قالها محمد له,وما أدراه أنها ستخرج يوم الثلاثاء,من أين له هذه المعلومات حول زوجته, ولكن دوامة التساؤلات ابتعدت عن محمد لتدور مرة أخرى حول فاطمة. إن فاطمة تحب الخروج,تحب الخروج كثيرا,ولكن كان يأمل جابر أن لا تطلب منه الخروج هذا اليوم. هذا اليوم تحديدا وقد مرّ شهر بدون خروج. تطلب منه أن يخرجها / يخرج معها يوم الثلاثاء!. تخرج كثيرا مع إنها ترفض الركوب. لا يركبها أحد. ولا حتى زوجها. ولكن لماذا يوم الثلاثاء؟. كانت قد شتمته,وغضب عليه,وصرخت فيه,وشعر بشدة أنها أهانته رغم أن تبادل السباب عادة لديهما ومتفق عليه وتؤخذ على صورتيها الطيبيتين؛إما مزاحا وإما تفريغا للغضب. ولكنه لم يكن يحتمل أي تفريغ منها وهو الموشك على إعتصار رقبتها تفريغا لروحها وغضبه. صفعها,وهذا كاف بالنسبة له,أفضل من خنقها. ولما وافق على نزهة / خروجة يوم الثلاثاء,والتي يعقبها يوم آخر منه تخرج فيه الجمعة التي تليه. أي يومين فقط من الحبسة في المنزل. لما لمست رقته المعتادة,حاولت أن تصالحه وترضيه. رقصت له بكل ما تعرفه وتتقنه من إثارة وإغراء تدفقت عبر جسدها البض. اعتبرها هو فجاجة وبجاحة وإباحة لا داع لأن تظهرها لزوجها,هو الذي تمتع دوما بكل ما تهبه من هدايا جنسية كانت هبات من الله على فاطمة. تذكر أن هذه لعنة من الله وليست هبة. كاد أن يصفعها للمرة الثانية واشتعل الغضب في عينيها

 

-هل كنت ستمد يدك عليّ ثانية يا جابر

 

صالحها,وخرج معها,وتذكر في نزهتهم وهي غارقة في سعادتها,وهو غارق في كراهيته مع تناقض لحبه الذي يكنه لها. هي أيضا تفكر فيه,وتقول أن الله سيهديه. ولا ترى أي علامات تلوح في الأفق تنذر بأنه قد يقتلها. هي ذكية,وتعرف كيف ترضي زوجها وكيف تتجنب الشبهات. وقد مرت ثلاث شهور على خير,لا تدرك أن حالة زوجها تزداد سوءا دون أن تدري. لقد سمعها وهي تتحدث إلى صديقتها في الهاتف. لقد سمعها وهي تتحدث إلى صديقها في الهاتف. وهكذا تحول المؤنث إلى مذكر,وسمع الكلمات بينهما,بين عاشق وعاشقة,وليس بين صديقة وصديقتها. وإن كانت هي نفس الكلمات الخادشة للحياء والتي تستعملها فاطمة مع جميع المقربين حتى أخيها وأبيها وهم دوما يتضاحكون لذلك. لكنه سمع صوت رجل,هو الذي كان بالكاد يميز الصوت الذي على الجانب الآخر من الهاتف. وذلك منطقي. هذا صوت جميل لشاب جميل. صوت قد يكون إنثوي لكنه بطريقة ما متأكد أنه ليس مؤنث. هو صوته غليظ ووجهه قبيح,أو قاسي الملامح في أحسن الأحوال. لماذا قد تهيم به حسناء مثل فاطمة؟. خاصة مع كل هذا الهيام المبرر من ناحيته,والغريب من ناحيتها. وكان ينام الليالي إلى جوارها,إما صدره لها يمارسان الجنس,وإما ظهره لها تمارس هي الحب وتبثه إليه بدفء صدرها. ولكن هذه الليلة,وقد تقلبت على ظهرها سمعها وهو لا يعلم أنه قد هيئ إليه. سمعها وهي تنطق إسمه؛محمد. تكشفت له الحقيقة وهو نائم,ولقد شاء الرب أن يستيقظ من كوابيسه لفرودس الحقيقة وإن كان جحيما,استيقظ في هذه اللحظة بالذات ليسمعها تلفظ الكلمة وتلفظ آخر أنفاسها وقد أطبق بيديها ضاغطا على عنقها,مثلا بصدرها على صدرها

 

-نفس أخير وقبلة أخير

وقبلها منتظرا صعود الروح إلى آخرها مع آخر بقايا للهواء في صدرها,وآخر بصيص للنور في عينيها,وذهب النور من عينيها وهو لا يدرك أنه سقط في إغماءته أو غيبوبته التي جاءته وهو نائم واستكملت نومه إلى الليلة التي تليها واستيقظ على صوت زوجته تهزه والقلق باد على وجهها,وخلفها رأى أبوها,لقد استدعته لأنه لم تدري ماذا تفعل؟ تعلم أنه نائم,وكلما تطلب من أن يستيقظ يطلب المزيد من النوم. يعني حالته لا تستدعي أي إسعافات. ولكنها قلقة,وربما كانت حالة نفسية.

 

رأى الأب أن الزوج منهك فعلا,وفي صالة الضيوف,وبينما تعد فاطمة الطعام,أخبره عن المكالمة والمعاكسة وكل هذه الشبهات والإدعاءات التي تأكدت لديه عندما سمعها مرارا وهي تنطق بإسم محمد ليلا,هذه المرات اختلقها أثناء الحديث ولكن لا مانع في التأكيد على التكرار وقد تأكد له الأمر ويريد أن يحصل على تصديق حميه. وكان الحمو يرى الصدق في عينيه.

 

ذلك الرجل يراه ويراها معه من الخلف,من بعيد,نفس الثوب الذي تعده خصيصا لهذه المناسبة. ثوب خفيف أسود,عباءة سوداء تحت معطف خفيف أسود أشبه بالحرملة وأشارب من قماش خفيف يلتف حول الرأس والعنق. بضع زهرات سوداء بالكاد ترى بين بحر القماش الأسود. حذاء أسود. طويلة إمرأته,وممتلئة بشكل يعطيها حلاوة لا نظر لها إلا عند شقيقتها التي تناقضها تماما. فهي ضئيلة وقصيرة وغير محجبة وذات شعر قصير وبيضاء. إلا أن السمرة والبياض في أوج جمالهما مع الأختين. الأخرى آتية أيضا اليوم. فكر أن يذهب ليفتك بالرجل مع زوجته,لكنه آثر أن يترك الرجل لحاله,ولم يكن يعرف أنها إمرأة أخرى غير إمرأته.

 

دلف إلى مدخل المبنى وصعد إلى الطابق الثالث,بعد قليل صعدت زوجته ودخلت إلى الشقة. مرت ساعات وكانت أمسية يكاد يجزم أنها الأجمل في حياته,والأسوأ. العائلة كلها مجتمعة, زوجته جالسة على الكرسي الكبير,وزوجها على ذراع الكرسي يداعبها. الآن جاء أخيها بعد مزحة طريفة حيث يلقي النكات على الجميع. وقف إلى جانبها,ردت عليه هازئة مازحة, شتمته وداعبته. ثم نادته كأنها تصالحة في تمثيلية كوميدية تضحك العائلة

 

-اقترب مني

 

قرب رأسه من رأسها وقبلها مع قبلة زوجها,الرجل يقبلان وجنتيها

 

-أخي وزوجي .. حبايبي

 

وقام حبايبها بما عملت به حسابا,وكان حسابها متأخرا. أمسك جاد وجابر بيديها وعنقها في نفس الوقت. ضغط يغلق. وضغط يثقل. ضغط للداخل أو للخلف. وضغط للأسفل.

 

جاد على يمينها وجابر على يسارها,أمسك الرجلان عنقها,صابعة ضامة على القفا, والإبهامين يضغطان فوق بعضهما. جاد يضغط على القصبة الهوائية,وجابر يضغط في حفرة الموت أسفلها. جاد يضغط بيمناه,وجابر يضغط بيسراه. ويديهما الأخرى,اليسرى واليمنى تضغط على ظهر ساعديها مثبتة ذراعيها إلى ذراعي الكرسي. طريقة إبداعية لخنقها ضمن أن يشارك الأخ والزوج في قتلها. استمتع الزوج بليلة ساخنة مع فاطمة أمس أنستها أي خلافات بينهما. والأخ أشبع نفسه بأمسية هانئة معها أول أمس,ليتذكر أخته ما تبقى من حياته. لم تبقى سوى ساقيها لتفرفر من خلالها وتنتفض,وفكر أبيها وهو يشاهد المشهد أن يساعدهم بإمساك قدميها التي تضرب الأرض تحاول أن ترتفع بجسدها قبل أن ترتفع بروحها,وتعافر لكي تلقي بظهرها للخلف. ولكن الكرسي ثابت,هي مثبتة في موضعها,وأياديهم مثبتة حول رقبتها. تمنى أبوها أن يشارك بيده في قتل إبنته,سيشتاق لألفاظها الجريئة. تذكر أن أبيه طلب منه وهو بعد صغير لم يبلغ السادسة عشر,طلب منه أن يقتل أمه,وقد خنقها فعلا وخنق أخته بطلب من أبيه ليهرب من العدالة. بلاده لا تقبل بالقتل للنساء إلا بعد الحصول على إذن. ولم تتوفر لدى أبيه الحج المناسبة. قتل هو أمه وأخته. ولم يسجن لحداثة سنه. شقيقه سجن في شقيقته الثانية. لم تنجو سوى عائشة. الوحيدة التي تبكي على فاطمة خارج الغرفة. لم تبكي عليها شقيقتها ولا أمها ولا خالة زوجها. وثلاثتهن راضيات رغم حزنهن. حاول الأعمام الثلاثة,مواساته ولكنه أوقفهما بإشارة من يده. وتأمل أخوه الأصغر محمد الذي سمى إبنه تيمنا به,لأنه الوحيد الذي لم تلطخ يديه ولم يزهق روحا بعد. إلا أن تصرفات إبنته نورا والتي سمى حفيدته تيمن بها,توشك أن تغير ذلك وقد نضجت وتكاد أن تثمر أعوامها الستة عشر عن مذاق حلو أو مرّ. كانت كل هذه الخواطر تدور في عقله قبل بدء التنفيذ,وعاد إلى اللحظة الآنية,ليدرك أنه لم يحقق حلمه. بعد قتل أمه وأخته,أقسم أن يعوض إبنته ولا يحرمها من شيء. وها هي تموت الآن أمام عينيه. عينيها زائغة تبحث عنه في الغرفة ولكنها لم تعثر عليه. عذّبه ذلك بقدر ما أراحه. ومزقه تقلب وجهها في ملامح ممزقة من كتاب العذاب. كل مرة تعطيه صفحة أسوأ من السابقة وتتغير بسرعة مع كل ثانية. وقد مرت دقيقة ويحسب أنه قد تخطى ستين صفحة في نفس الدقيقة. وتقلب لسانها غير قادر على أن يدخل هواءا,ولكنه يحاول التشبث بما بقى داخل الصدر الذي أخذ يعلو صعودا وهبوطا وهو يعلم أنه القلب داخله لن يدق ثانية,والقدمين ترفس,واليدين تتشنج,عجز اللسان والشفتين عن الإطباق على أي هواء,وخرج في صورة صوت قبيح المنظر لو كان يمكن أن يُرى. لم يتصور أن أحبالها أو حنجرتها يمكن أن تخرج مثل هذا الصوت القبيح. المشهد كان دامي أكثر من ذبحها, تنزف دما من عينيها,وريقا من فمها. تحاول أن تنهض أو ترجع للخلف أو تتحرك إلى الجانب أو تتلوى بعنقها أو جسدها أو تنزل وتنخفض للأسفل أو تضرب بقدميها في إتجاه أو تخمس جلد الكرسي بأظافرها,أو تحاول الفرار بعينيها,أو أي طريقة لتتملص من يدين متحجرين أدميا عينيها واحمرت بصورة روعت أبوها. كل هذا ولم تمر سوى دقيقتين. وازداد ترويعا مع تلون وجهها بالأصفر والأحمر والأزرق أو هذا ما بدى له. كاد أن ينهض صارخا آمرا بالتوقف,وكان جاد الله ينتظر منه هذا الأمر ولم يسمعه,وأي محاولة للتراجع دون تأييد من البقية ستزيد فقط من عذاب شقيقته. الأكثر ثباتا هو جابر,وضغطه بيد واحدة كاف لقتلها. لا يعرف الحاج عبد الله كم من الوقت مضى. الآن فاطمة ميتة. مازالوا يضغطون على عنقها وقد تركوا يديها تنزلق إلى جوارها,جاد يستغرب كيف لم يخترق عنقها بإبهامه,وتساءل جابر عن صمود قصبتها الهوائية حيث لم تنكسر,ولأيام ستظل يديه متخدرة وتؤلمه كأنه كان يتمرن بعنف.

 

-استمرا في الضغط

 

بصفته طبيب كبير ذو باع في مجال الإسعافات تقال هذه الكلمة عادة في محاولة إنقاذ نفس بشرية,وليس لأجل قتل إمرأة. واجه الكثير من حالات نهش أعناق الرجال من قبل أسنان زوجاتهن. القوة الهائلة التي استنزفتها فاطمة في المقاومة تؤكد له إلى أي درجة قد تصل قوة المرأة.

 

-احضروا حقيبتي

 

وضع السماعة على قلبها,تذكر جابر أنه رأى نفس الحيلة في فيلم ما,تأكد الحاج عبد الله من توقف القلب. ولكن ومع ذلك,ومبتعدا عن أي دقة علمية

 

-استمرا لدقيقة أخرى

 

ونظر إلى ساعته ثانية,وبعد دقيقة

 

-علقوها من رقبتها

 

وأشار إلى طرحتها السوداء

 

-باستخدام هذا

 

نظر جاد الله بإستغراب,لماذا كل هذا,ولكنه أطاع الأمر وشنقها بمساعدة زوجها,بعد قليل, وبعد إعداد طاولة من شرب الشاي والدخان في منتصف الصالة أسفل الجثة,أمر الحاج عبد الله إبنه جاد الله بأن ينزل فاطمة,وكان في صوته لمحة من الحزن

 

-قم انزل اختك

 

وضع الكرسي,وفك رباطها عن عنقها,ومددها معه جابر على الأرض,مد يده يغلق عينيه

 

-لا

 

نظر الإثنين إلى الحاج الذي كان يتمنى أن يخرج إبنته في عمرة

 

-لا .. لا تغلق عينيها .. لا تجوز لها الرحمة في حياتها أو مماتها,ولا إغلاق عينيها

 

وألقت بالجثة أمام البيت في منتصف الشارع,ليراها كل ذاهب وآتي,ليرى كل ناظر عينيها المفتوحتين وآثار الخنق على رقبتها. كان شقيقتها تنظر إليها الآن,ولم تخطر صديقتها بعد. ماتت فاطمة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حاتم

وانعطف حاتم يسار وهو يتذكر أنه في أماكن أخرى,ربما داخل نفس البلد / الدولة,ولكن في محافظة أخرى,هناك نوع من النساء التي ينعطف بها الرجل متأبطا ذراع امرأته حيث تسير معه في أي مكان وقدميها على قدم المساواة من قدميه لا يفرق بينهما سوى الفروق الطولية المعتادة. فلو كان الزوج أو المالك قصير فأنى لمركوبته ومملوكته أن تترفع برأسه وتعلوه في هامتها,بل وربما تشمخ بأنفها أكثر للأعلى كما كانت تفعل النساء قديما فيما يحكى هنا في بلدته. وهي ظاهرة لازالت موجودة رغم امتطاء أغلب نساء المدينة. ولكن هناك دوما استثناءات وحمد الله أنها بعيدة عنه. لا يتخيل إمرأة تتجاور إلى جانب رجلها,وليس تحته!. ذراعها تحت إبطه بدلا من أن تكون تحت حوضه. من القوس الضئيل إلى القوس الكبير. ابتلع ريقه شاعرا بالمقت فجأة تجاه زوجته التي بلا ذنب لها فيما يدور بعقله من أفكار. استصعب فكرة أن ذراع المرأة في ذراع الرجل. متناسية الوظيفة الأساسية لذراعيها بأن تتوازى مع ساقيها للنقل والحمل. وأن تتلامس اليدين مثل الركبتين بالأرض الخشنة التي يرجع إليها أصل كل النساء. وربما كل البشر لولا أن ارتقى الإنسان / الرجل بنفسه. أو على الأقل هنا في مدينته العزيزة.

 

مثل حاجز تفصل الأرض المرصوفة الآن بين زوجته وبين الأرض,ربما يدفنها فيها يوما ما. انعطف بها يمينا جاذبا شعر رأسها الذي يستخدمه عادة كمقود ليدلف فجأة إلى محل العرائس الشهير في هذا الشارع المعروف كواحد من أفخم الشوارع التجارية في وسط البلد / المحافظة / المدينة.

 

سمع صوت ابتلاع ريقها,وتعاقب أنفاسها,وشنة أنفها,وهي علامات ثلاثة محفوظة له تدل على اعتراضها وهي الأصوات الوحيدة التي يمكن أن يسمعها أو يسمح بها. فهي لن تجرؤ على التكلم لتحرجه أمام الرجل الأنيق الذي قام ليعرض له بضاعته بعد أن ألقى على الأريكة الجلدية مجلة تعرض صورة ثلاثية جمعت بين إيفا وجينيفر وكيت. أشهر ثلاثة عارضات أزياء في المدينة. ليتناول من على الطاولة الزجاجية مجلة أخرى يشير بها إليه

 

-نظرة على الألبوم / الكاتالوج؟

-لا .. افضل العرض الحي

-أووه .. ربما لدينا زبون ذواقة

 

ومن خلف منضدة البيع برز رأس زوجته (أو إمرأته) زاحفة غير مركوبة تمسك مجلة بين أسنانها لا تخفي إبتسامتها مع ذلك. وضعت المجلة الأخرى فوق المجلات المبعثرة عل زجاج الطاولة

 

-إذن أنت لن تحتاج هذا

 

خصلات شعرها مصفوصة بعناية للخلف حتى لا تسقط على عينيها الزرقاوتين,أو أن الأزرق هو أقرب لون إلى حدقتيها. عنق أبيض طويل نقي وصافي من أي سلاسل أو قلادات بما يوحي أن زوجها يعطيها المزيد من الحرية. حتى أنه لا يركبها وهو أمر غير معتاد حيث فضل الجلوس على كرسي جلدي غير مريح بدلا من ظهرها المتوسد بقماش قميصها (تي شيرت) الأبيض الخفيف الذي ينم عن ثراء لا بأس به.

 

رفعت ذقنها المستدق المتناسب تماما مع أنفها الصغير وملامح وجهها الدقيق,ونظرت له كأنه تتفحصه هل سيشتري أم سيتفرج فقط,قبل أن تعطيه جانب وجهها وتمد يدها اليمنى تفتح صندوق العرض (فاترينة) الزجاجي. وخلف مصراعه المزلاجي الذي أخذ ينزلق نحو إثنى عشر قدما مفسحا المجال لتأمل مساحة المحل,وقبل أن ينتهي الباب المتحرك عند زاوية في آخر الممر الواقع بين المنضدة الخشبية والواجهة الزجاجية,وقبل أن يركز فيما ينظر أخذ حاتم يتمنى لو كانت البائعة معروضة للبيع بين الإثنتى عشر امرأة. لكن لن يقبل الرجل -أو هذا الرجل بالذات- أن يركب امرأته رجل آخر بغض النظر عن نوعية العقد (طلاق وزواج / بيع وشراء / تملك واستملاك) أو غيرها من العقود.

 

فتحت الواجهة الزجاجية لينظر حاتم إلى إثنى عشر امرأة غير الإثنتى عشرة المعروضة في الواجهة الخارجية للمحل,يفصل بين العارضتين زجاج أسود معتم. الذي يعرض بالخارج هو الأفضل وللأثرياء فقط,لكنه ليس مستعدا للتخلي عن ماله إلا لو حصل على البائعة نفسها. العارضة الحقيقية. كانت الواجهة غير مرتفعة ينخفض سقفها بحيث لا يسمح لأي امرأة بالوقوف عدا لو كانت منحنية,وهي مساحة كبيرة تركت لأجل الزبائن لمن يريد أن يفحص إحدى الآنسات أن يطلب منهن القيام. خاصة وأن حالة القوائم الأربعة (القدمين والركبتين واليدين) تكون مستترة أسفل جثوهن على أربع. والواجهة عريضة لتسع إثنتى عشرة امرأة بالضبط. وطويلة / عميقة للداخل لتسع جسم المرأة مهما كان طولها.

 

وقعت نظره على أولهن,المعروضة تشبه العارضة كثيرا. هل هي أختها؟ تساءل في نفسه وخمن أنه لو كانت فلعلها تعرضت لأزمة مالية اضطرتها لعقد صفقة مع أختها التي بخلت عن مساعدتها بكل دناءة وحقارة. وهو ما زاد رغبته في الاحتفاظ بها,أو على الأقل سيعرف اسمها قبل أن يخرج من المتجر.

 

ذهل لما وقع بصره على الثانية,وكانت عارضة معروفة اسمها مايا,حسناء سمراء ولا يخفي طولها تحت ركوعها,وتساءل إذا كانت هذه نوعية البضاعة المعروضة هنا!,فعليه أن يلقي نظرة على الأجود المعروض بالخارج.

 

الثالثة يبدوا جليا عليها قصر قامتها,سئل عن اسمها

 

-ريم يا فندم

 

وإجابتها اختلطت بصوت آخر

 

-مساء الخير

 

التفت إلى الخطوات التي قطعت الممر الطويل الممتد بين جدران المحل المجاور وجدران الواجهتين الزجاجتين,الداخلية والخارجية. دخل الشاب ذو القميص (تي شيرت) الأخضر وفوقه قميص مزر مفتوح صدره وأكمامه الطويلة. دخل على قدميه! وليس على امرأة. (إن مكانك ليس هنا). هكذا قال في سرّه.

 

-مساء النور

 

قالت له

 

-أهلا .. حضرتك شرفتنا

 

قال له

 

واكمل مخاطبا إياه

 

-هل هذه أول مرة لحضرتك بأن تشرفنا بزيارتك تلك؟

-نعم,أعتقد ذلك

-ولن تكون آخر مرة

-نعم أعتقد ذلك,فأنا سمعت عنكم كثيرا,وأصدقائي يتحدثون عن المحل

 

استقبله البائع بحفاوة بالغة,وجذبه من ذراعه وسلمه إلى صبي المحل

 

-محمد .. اعتني بالأستاذ جيدا

 

وتركه مع محمد بعد أن ربت على كتفه,فاختفى الإثنين داخل حجرات المتجر الكبير.

 

-متجركم كبير

-هو الأكبر في الشارع كله

 

هنا ردت زوجة الرجل عليه,لكن أدرك حاتم أن الرجل يعامله معاملة خاصة بأن شغل الزبون الآخر داخل الحجرات وتابع معه هو أمام المعرض. هو وزوجته يخدمانه جيدا.

 

الرابعة إمرأة أخرى جميلة تتدلى من رقبتها سلسلة تنتهي إلى تميمة مكتوب عليها إسم المالك السابق,جوارها إمرأة قبيحة حاولوا تجميلها بالورد في شعرها والزينة والألوان على وجهها. (تحتاج إلى عملية تجميل) قال في نفسه وهو ينظر إلى السادسة. وقد كانت جميلة كأنها مصنوعة على أيدي الشيطان لإغواءه بامتطائها. لكنه لا يريد أن يخسر أمواله دون التحقيق بدقة من الجودة (يبدوا أن بضاعة هذا المحل فاخرة فعلا). انتقل ببصره سريعا إلى السابعة حتى لا ينجذب كثيرا إلى تلك السمراء القصيرة الرائعة,ليسقط بصره على شقراء لا تقل جمالا ومعتدلة الطول. لاحظ من الثامنة إلى العاشرة تنوع التفاصيل في السيدات الثلاث مثل كل المعروضات / المركوبات في المحل. (هذا معرض كبير وليس مجرد محل صغير).

 

تردد الصوت من خلفه

 

-نحن أكبر محل في الشارع لعرض وبيع زوجات ومركوبات بالتفصيل

 

الحادية عشر تبدوا قوية جدا ذات جسد عضلي مميز,التفت ليسأل عنها فأجابه البائع قبل السؤال

 

-نعم,إنها متخصصة في الإستعمال الخارجي,يمكنك بها أن تكثر الخروجات دون أن تحمل هما لتعبها أو إرهاقها.

 

الأخيرة بدت رقيقة أكثر من اللازم,نوع لا يناسبه إطلاقا.

 

خرج للخارج,ينظر إلى المعروضات الأكثر جودة,وتبعه البائع وزوجته,هذه المرة تبعه راكبا إياها. كأنه يخجل من أن يظهر في الشارع غير متسيد عليها.

 

نظر حاتم للأولى لا إراديا,فهي مستندة برأسها على الزجاج,لجام يغطي فمهها,وقيود تربط معصميها إلى الأرض. أدرك أنها شرسة جدا,وخطيرة.

 

-أريد هذه

-لكن هذه ثقيلة عليك يا فندم

 

التفت بسرعة مسددا نظرة حادة

 

-عفوا .. ولكن هي أيضا غالية

 

هنا تراجع وقد خمن أن غلاء ثمنها راجع للتجربة الجنسية التي يحظى بها من يركبها.

 

التقت عينيه بعينين تنظر إليه شذرا,تجاوزها إلى أخرى تغطي عينيها بخصلات من شعرها الطويل,وقد كان شعرها طويل جدا ينسدل خلف أذنيها إلى رقبتها وكتفيها وتتلامس أطرافه مع رؤوس أصابعها المفرودة على الأرض.

 

امرأة قوية أخرى.

 

الخامسة كانت لازالت تحتفظ بآثار الخنق على رقبتها من مالكها الأول.

 

السادسة لازالت تحتفظ بآثار الجروح والتكسير على قبضتيها,تراجع خيفة. لماذا لا يقيدوها. ولماذا تعرض مع البضاعة الجيدة. حاول أن لا يتخيل وجه زوجها / مالكها السابق.

 

والسابعة مركب جهاز خنق آلي على عنقها,الأغلال تصرخ بأنها خطيرة للغاية.

 

نظر إلى البائع متسائلا

 

-الخطيرات مطلوبات جدا,ولدينا قسم خاص بهن.

 

لاحظ أن زوجة البائع صارت صامتة تماما بعد الخروج للشارع.

 

-مرحبا

-مرحبا

 

التفت حاتم والبائع إلى عميل آخر,أتى ساحبا زوجته من خلفه,لم يكن يمتطيها,ولم يكن يسمح لها بأن تسير على قدميها,بل يجرها برفق على أربع.

 

-أريد إرجاع هذه

 

أخذ البائع يتأمل البضاعة المسترجعة

 

-هذه بيعت بغلافها وثوبها من قسم خاص

-نعم,ولكنها لا تلائمني

-ولكن عليها آثار فتح وركب,صارت غير صالحة للإسترجاع إلى نفس القسم

-الملاحظة أسفل الفاتورة لا تقول ذلك

 

وبدأ صوته يعلوا,وخلفه أتت إمرأة تمتطي إمرأة أخرى

-مرحبا جاسر

 

وهو اسم البائع

 

-أريد إمرأتين أو ثلاثة من نفس هذه العينة الخيالية

 

وتقصد المرأة أسفلها

 

حدق البائع في المسترجع بلوم وغضب

 

-ممكن حضرتك تدخل إلى المحل حتى نريح بقية الزبائن,ولسوف نرضي حضرتك فلا داع لأي صياح أو شوشرة.

 

وصفق فأتى صبي آخر,وتوجه به إلى الداخل,وتسحبت زوجته بإذن منه لتذهب بالزبونة إلى الداخل وراء الصبي.

 

استأنف حاتم المشاهدة,وجاسر لم يسأم منه بعد,كأنه يتوقع فيه زبونا قيما,فتن حاتم بالثلاثة اللاتي أمامه,الأجمل في الواجهة الخارجية. ثم انتقل ببصره إلى الحادية عشر وكانت سمينة على قدر من الجمال هي الأخرى. الأخيرة كانت محجبة.

 

-لدينا قسم خاص بالمحجبات

-هل لديكم قسم للكسر؟

 

عبس وجهه وقد أدرك أن زبونه لم يكن يستحق وقته,ولكن حفاظا على سمعة المحل استرجع ابتسامته وأشار بيده فاردا ذراعه ومحنيا برأسه مرحبا

 

-بالطبع سيدي,تفضل من هنا

 

وفي الداخل,في الداخل عميقا بالمتجر الذي اتضح أنه معرض كبير,وقف حاتم أمام مجموعة من السيدات الجالسات على كراسي شبه محطمة. عدد كبير غير منظم تناثرت النساء داخل القاعة هنا وهناك. أشار إلى واحدة بشكل عشوائي سائلا عن عيبها

 

-لديها بثور وحبوب وشعر مثل الإبر على ظهرها,غير مريح الجلوس عليه ولا ركوبها

 

ثم أخذ يسأل عن عدة بنات صغيرات والبائع يجيب

 

-تنسى كثيرا

-غير مطيعة

-غير مشبعة

-لا أعرف نسيت عيبها

 

وفي النهاية رحل حاتم دون أن يشتري شيئا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خالد

استوقفته عبارة “لا أحد يستطيع امتطاء ظهرك إلا إذا كنت منحنيا” التي عنون بها أيمن العتوم الفصل الثامن والعشرين من روايته (حديث الجنود). أغلق خالد الكتاب,وطوى الصحيفة على خبر يخص نوال الحزنان,واكتفى بهذا القدر من القراءة. من خلال القماش الخفيف لقميصها الصيفي صنعت قاعدة كوب الشاي دائرة مبللة وساخنة على ظهرها وكأنه مصمم على تحمل هذه السخونة. وتذكر يوما وهو يمارس هواية الطبخ الأثيرة إلى قلبه وانسكب بعض من الزيت المغلي على السطح العاري جلدا بدون قماش,جلد الجلد بالزيت. تناول رشفة أخرى وأخيرة من الشاي ثم قام من على مجلسه المحبب للقراءة أي ظهر زوجته الحبيبة خلود. وصديقة طفولته التي أخذ يداعبها متذكرا أيام زمان محاولا أن يلغي النص الذي عكر صفو مزاجه.

 

هذه الليلة جاء من العمل متأخرا,كانت ممدة هناك بجسدها الطويل على الأريكة تضم طرفيها بساقيها ورأسها,جلس على بطنها,ولمس بإصبعه شفتيها,وأمسك الكتاب من يديها

 

-ماذا تقرأين؟

-عطيل

-أووه شكسبير

-ستقتل البطلة في النهاية

-على الأقل هو أنصف روميو وجولييت لما قتلهما معا

-ولكنه روض النمرة

-ومع ذلك تظل أعماله أخف من تحفة مارجريت آتوود

-أها تقصدين قصة خادمة

-نعم

 

وأغلق الكتاب

 

-دعينا نتناقش حولها قليلا

-هذه الرواية تعد كابوس النساء في كل مكان

-ربما عدا هنا

-أنت محق

 

هي رواية تستشرف مستقبل يحدث في الغرب,فيها النساء خادمات لا يمكنهن استخدام أسمائهن الحقيقية,ويجب أن تكون أسمائهن ذات علاقة بسيدهن.

 

-وذلك مطابق تماما للحال هنا,بل ومعمم فكل النساء خادمات

-جمهوريتنا أسوأ من جمهورية جيليدا

-أرى أن الإثنين بنفس السوء,هناك اسخدامات مختلفة لأجساد النساء مثل هنا

-فعلا .. النظام مشابه كثيرا,النساء تصبح ملكية للزوج أو الأب أو سيد المنزل,كما أنه غير مسموح لهن بامتلاك النقود أو امتلاك أي شيء كما يحدث في أغلب مناطق بلادنا الحبيبة

 

ضحك لسخريته,وضغط بيده على بطنها

 

-هن لا يملكن أنفسهن أصلا

-آه وغطاء الرأس الأبيض (الأجنحة) يستخدم بالفعل من قبل بعض الأزواج كمقود لنسائهم

-والأزرق والأبيض والأحمر صار موضة كبير لزوجات الضباط والحكام والعمال في فترة من الفترات تماشيا مع أحداث هذه الرواية

-نحن متشابهين معهم في الكثير من الأشياء,هنا قوانين تنظم وتبيح ممارسات بشعة على النساء

-ليس في بلدنا وحدنا يا عزيزي

-لكن ليس في هذا البيت عزيزتي

 

ثم انهمكت في قراءة كتاب آخر تناولته من أسفل الأريكة حيث سقط وتكاسلت عن إحضاره سابقا,وبعد هنيهة ضحكت كثيرا من قلبها أثناء استمتاعها بقراءة النص,ما أثار فضول زوجها الذي انشغل قليلا عنها مع مشاهدة التلفزيون وقبل أن يبادر بالسؤال أجابته

 

-وقالوا

-أووه أنيس منصور

-نعم

-كاتبك المفضل؟

-هو من الأفضل

-من الأفضل

-لا أحد

-أووه,حقا؟

-لا يوجد كاتب محدد يمكن أن يأخذ الفضل كله

-سأسهل الأمر عليك .. اذكري لي كاتبا واحدا من كل بلد

-أها .. تبدوا لعبة مسلية

 

قالتها بإغراء كأنه يعرض عليها ممارسة الجنس الآن,وكانت مستثارة جدا من الفكرة

 

-مصر؟

-نجيب محفوظ

-أووه سي السيد .. حسبتك ستقولين أنيس منصور

-قلت لك يصعب الاختيار حتى أنا كنت أحسب أن كاتبتي المفضلة هي نوال السعداوي

-سوريا

-زكريا تامر

-الجزائر

-أعتقد واسيني الأعرج

-أووه حسبتك ستختارين أحلام مستغانمي

-الأمر محير فعلا

-الكويت؟

-بثينة العيسى

-كندا؟

-مارغريت آتوود بالطبع

-عالم سيء حقا

-ماذا لو قرأت قصة اليانصيب لشيرلي جاكسون

-ومن الإنجليز شكسبير؟

-لا .. اعتقد جين أوستن أو ربما شارلوت برونتي

-لن أضغط عليك للاختيار بينهما ولكن سأغش وأضيف سؤال

-وهو؟

-من أفضل كاتب عربي بالنسبة لك؟

-لا يوجد

-تقصدين أنك متحيرة بينهم

-لا بل هناك كات معين,ولكنه غير موجود

-اشرحي أكثر

-شهرزاد

-شهرزاد كاتبة؟

-أنا أريد أن أعتقد أنها كاتبة,خاصة وأن الكاتب مجهول,لذا يسهل نسبة العمل إلى الشخصية المحورية والأهم فيه؛شهرزاد

-لكن الباحثين يرون أن الكتاب شارك فيه أكثر من كاتب

-ربما شاركوا بالقصص,لكن شهرزاد جمعتهم,وغيرت إسمها إلى شهرزاد,وحكت مأساة النساء ذلك الوقت

-ألف ليلة وليلة

-وألف إمرأة مقتولة

-احترم وجهة نظرك,وحكايتك المفضلة من الألف حكاية؟

-السندباد البحري

 

كان يشاهد الآن برنامج رضوى الشربيني,واستمرت المحادثة الممتعة

-ومن أمريكا اللاتينية

-همممم

-لحظة .. لا تجيبي,أعتقد ستختارين الإسباني ذو الأقصوصات الفريدة

-أووه,هل تصدق كدت أن أنساه حقا!

كان جحا ذات يوم يسيرُ مع ابنه يريدان أن يسافرا إلى بلاد بعيدة،وكانت وسيلة التنقّل في ذلك الوقت الحمار أو الحصان،فالغنيّ يشتري حصانًا،وقليل المال يشتري حمارًا،وجحا لم يكن من الأغنياء، فقرّر أن يشتري حمارًا يساعده هو وابنه في سفرهما، فاشترى جحا حمارًا وركب عليه هو وابنه، وبعد مسير قليل دخلا قرية، فقال أهلها: يا لهما من عديمَي رحمة، يركبان على الحمار معًا من دون رأفة بحال هذا الحمار المسكين! وعندما سمع جحا هذا الكلام قرّر أن يركبا الحمار هو وابنه بالتّناوب، فكان دور جحا أوّلًا، فركب ونزل ابنه يقود الحمار، فدخلا قرية أخرى، وعندما شاهدوا جحا يركب الحمار وابنه يسير على قدميه قالوا: ياله من أب ظالم، يركب هو ويترك ابنه يُنهكه التّعب! فنزل جحا وترك ابنه يركب، وبعد مسير قليل دخلا قرية ثالثة، وعندما شاهد أهلها الابن يركب على الحمار، والأب يسير على قدميه قالوا: ياله من ابن عاقّ، يركب هو ويترك أباه يسير على قدميه! عندها نزل الابن والأب عن الحمار، وقاداه ومَشَيا على قدميْهما، ودخلا قرية جديدة، فقال أهلها: يا لهما من أحمقين! ولماذا اشتريا الحمار أصلًا إن كانا يريدان أن يمشيَا ويتركا الحمار يسير خاليًا! وبعد أن سمع جحا هذا الكلام جنّ جنونه، وقرّر أن يبيع الحمار، وباعه وأكملا طريق السّفر وحيدين!

 

أغلقت كتاب حكايات جحا,ووضعت مجلده إلى جوار كتاب مطرقة الساحرات في مكتبتها.

 

-ماذا تطالعين اليوم

-50 رسم وأكثر كتاب كاريكاتير لرسامة اسمها دعاء العدل

 

-الشاشة والمرأة

-عن ماذا يتحدث

 

عن علاقة المرأة بالرجل كما قدمتها شاشة السينما والتلفزيون,وهل يعكس ذلك الواقع فعلا أم لا؟ هناك أعمال درامية مصرية صورت هيمنة الذكر على الأنثى؛لن أعيش في جلباب أبي, شيخ العرب همام,الكبير. كما يتطرق لعدد كبير من الأفلام,حتى تلك التي لا تظهر الذكورة إلا بشكل مستتر,مثل فيلم الصعاليك لـ داود عبد السيد. وبالطبع تطرق للأفلام العالمية التي تعرض هذه الصيغة بشكل فاضح,مثل بعض أعمال أصغر فرهادي. هو يهتم بالأعمال العربية وسينما الشرق الأوسط في إيران وتركيا,فلم ينسى أن يمر بنقده اللاذع على حريم السلطان.

 

-ولكنه مخطئ في أمر واحد

-وهو

-افتحي وشاهدي كل المسلسلات يا بنت,كلها تسخر من المرأة

-نعم,حتى التي تعطيها البطولة,ولم يغفل الناقد ذكر هذه الملاحظة في الكتاب

-يبدوا أنه كتاب جيد

-لكن للأسف أغفل العديد من الأعمال الهامة في سينما الخيال العلمي الأمريكي,أفلام ومسلسلات

 

-مثل ماذا؟

-بليد رانر وحكاية خادمة بالإضافة إلى باقة من الأعمال الروبوتية الذكورية

-أها

 

واستمر الحديث بينهما حتى انقلبت لتضع رأسها في حجره وتنام متوسدة فخذه بعد أن قام من عليها,لو رآه أحد الآن لسخر منه كونه يدلل زوجته أكثر من اللازم. ماذا لوعلمو بأنه يقدم لها هدية من حين لآخر!.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

داعي

كان يذكرها دوما بتفضله عليها كونه لم يركبها بعد,وهو الرجل الوحيد بين إخوته الذي رضى بها,الأخ الأصغر بين ثمانية رجال؛ذاكر,زاهد,ساجد,عابد,عادل,داعي,شاكر,ظافر.

 

كانت مركوبة من قبل الكثير من الرجال,مرغوبة لديهم,مذلة مهانة,نالت استعطافه وإحسانه, والأكثر من ذلك أنه ارتفع بها عن مستوى المطيات لمقام الرجال,فصارت لا تمتطى.

 

فصلت له تفصيلا,ولدت مقلوبة على وجهها,تم صفعها على مؤخرتها وظهرها,ركبها أشقائها من أكبرهم إلى أصغرهم,وركبها أبوها وعمها وخالها,وركبها هو قبل أن يتزوجها. وهو إبن عمها الأوسط. الأوسط بين أشقاءه والأوسط بين أشقاء أبيها. وعداهم لم يركبها أي رجل آخر. وعداه بعد أن تصير زوجته لن يركبها رجل غيره.

 

حُجزت له قبل مولدها,وختمت بالختان في السابعة,وحفظت داخل مخزن / بيت الأب إلى حين نقلها لبيت الزوج.

 

-أنا مخلص فيها من وهي صغيرة

 

هكذا حدث إبن خالها الذي كان طامعا فيها لحلاوة جسدها,ويرى ذاكر أنه ينظر لها بصفتها إبنة عمه قبل أن ينظر لجسدها.

 

كان يعايرها دوما بكونه رقيقا معها رحيما عليها,وقد اشتهر أهل العاصمة بالخشونة والصلابة والرجولة والقسوة,وأيضا بالوداعة واللطافة والرقة والدماثة والمروءة,وتفوقت النساء على الرجال في امتلاك هذه الصفات بعد تنقيحها وصقلها. فهي تهبه جسدها طوعا أو غصبا,ولكن تكون دوما راضية. والرجل هو محور لكل الإنسانية الراقية,والمرأة هي مركز لكل الشهوات اللذيذة. ومثلما يحتفظ كل رجل بشهوته,ويمسك عليها بيديه. كان يخشى (الرجل) على إمرأته أن يطأها أحد غيره,بقضيبه أو قدمه. كان يحبها ويخاف عليها,يزجرها ويدللها. يعطيها كل ما تريد من ذهب وحرير وطعام وجنس وحنان وأموال ولكن وكما ينص العقد العرفي بينهما. لا تخرج المرأة من البيت. زوجها هو ملكها,وبيتها هو قصرها. إنطلاقا من هذا المفهوم يرى داعي أنه يحب زوجته إحسان كما لم يفعل أي رجل آخر. ملكا عليها ومالكا لها. وإحسان هي ست الستات,وخير البنات,نشأت في بيت محترم وأسرة محافظة,وتم تلقينها أحسن تربية. فهي لم تخرج قط من بيت أبوها إلا إلى بيت زوجها. ولم ينكشف وجهها إلا على رجلين هو ثالثهم,ولم يرتفع صوتها بأكثر مما تقضي به حاجتها,ولا تزيد حاجتها عن إحتياجتها,وهو (صوتها) لم يسمع خارج البيت يوما.

 

ولأن المقامات تختلف بين الرجل والمرأة,كان هذا ما يحدث سمير نفسه به دوما,وبهذا يقتنع,وهو كل يوم يسجد لله حمدا وشكرانا لخلقه رجلا وليس إمرأة. يتابع يوميا في الأخبار وفي الأحداث,في الإعلام خارج حياته,وفي حياته اليومية,سمعا وعيانا يتابع ما يحدث مع النساء بمختلف أعمارهن وطبقاتهن وأشكالهن وأعراقهن وأديانهن. لا يعني ذلك أنه يشفق عليهن,ولكنه فقط سعيد لأنه ليس منهم / هن. مثلا الكلاب تستحق أن تركل والحشرات تستحق أن تدهس. وهي سعيدة مع ذلك,ومتقبلة لذواتها. لكنه لا يرغب أن يكون واحد من النساء.

 

يعلم وكونه أستاذ اللغة العربية في مدرسته,أن المرأة تنتمي إلى ذلك المعرف الذي يشار إليه بـ (ما؟) بدلا من (من؟). ما الدالة على أي شيء غير عاقل أو غير حي بالمرة. النساء لديه تتساوى مع الحيوانات ومع النعال.

 

هو يحترم الرجال,أي رجل طالما مكتوب في بطاقته مذكر. وهو يحتقر النساء,أي أنثى هي أدنى منه. ولا يتعامل مع زوجته إلا من خلال أربعة مسارات فقط تصلح هي فيها كأداة ذات وظائف متعددة؛تطبخ له حتى يشبع جوعه,وبالوعة جنسية حتى يخرج كبته,وكيس رملي حتى يفرغ غضبه,وأريكة يريح عليه ظهره. ينام على ظهرها وبطنها,ويقلبها كيفما شاء. ولهذا جعل صابرين زوجته تترك التعليم لأنه لا يوجد أي وظيفة تصلح لها خارج إدارة الزوجية. بدت له وقتها معلمة جميلة يفرغ فيها شهوته تجاه معلمة طفولته الفاتنة مثل عارضة؛ديما. كان صغيرا وقتها يميل لمن هي أكبر منها سنا,والآن وهو كبير يميل لمن هن أصغر منه. تحديدا فتاة في المدرسة الثانوية إسمها دنيا,كثيرة التساؤلات وهو يجيب عنها, وكانت دوما تحدث نفسها بهذا الظلم الواقع عليها,معلمها يغرر بها وصديقتها شذى حصل عليها رجل إسمه شاكر أحب شذى من كل أعماقه وحمد الرحمان وأكثر في الشكر والعرفان وتذكير نفسه بنعمة ربه عليه,فكانت إمرأة ولا كل النساء,موصوفة الخلق والخليقة,وكان أول وصف قال ذلك عنها هو شخص قابله صدفة في القطار,وبعد حوار قصير ينتمي إلى نوعية التعارف بين غريبين ثم تحول إلى دردشة بين صديقين,وسرعان ما تطور إلى خطبة وارتدى المتحدث رداء الخاطبة فأخذ يتحدث عن الفتاة الجالسة أمامه بالضبط,أمام المتحدث وليس أمامه هو ولذلك سنحت له الفرصة بالتلصص على عينيها. وهي أول ما لفت إنتباهه في ملامحهها. عيون عادية بألوان عادية داخل حجرات نصف مغمضة ولكن حادة وفيها رقة وفيها ما يجذب. وجه ناطر للأمام كأن به قبحا استحال إلى جمال. رآها مرة أخرى وهي تخرج من المدرسة,ورؤيتها مرتين كانت تكفي وتزيد.

 

وعلى العكس من صديقه شاكر كان صابر إسم آخر على مسمى,صابر وراضي بما كتبه الله عليه من قسمته وتدابير الأقدار له. ونصيبه هو ما جعل بقية عمره عبارة عن تحصيل حاصل بحصوله على زوجة استطاعت أن تستثمر جميع قدراتها بصفتها امرأة في تحويل حياته إلى جحيم. لم يكن يتوقع أن تكون النساء بهذه القوة,وكان يسخر دوما من أي رجل مستضعف على أيدي إمرأته. وقد قرأ كثيرا عن كونهن متطورات ومتوحشات عن الرجال, وعن أن إنثناء ظهورهم ليس إلا مزج بين الإنسانية والوحشية فيما يشبه الإنسان الخارق كهبة من السماء. وكانت هي ترأف به ولا تركبه إلا في غرفتهم الخاصة حيث تمارس عليه حميميتها.

 

تعرف عليها في مقهى شهير

 

-مرحبا

 

مدت له يدها

 

-اسمي صادقة .. صادقة جبير

 

ولن ينسى إسمها ما عاش وطال من عمره,ولا يستطيع التخلص منها,غير قادر على تطليقها خوفا من سمعته لأن الجميع سيقولون لماذا لم يقتلها ببساطة,وغير قادر على قتلها لأنها أقوى وأجرأ منه. ولكنها تنجح دوما في إعطاءه الإحترام الذي يليق به بصفته مدير مدرسة الثانوية في القرية,عدا أن يركبها. وكان دوما يلحظ نظرات الحسد في عيون شاكر وظافر على المعاملة الخاصة التي تعطيه صادقة وهو الحاسد لهم. ظفر ظافر بأربع زوجات وملك ثلاثة ليتحصل على سبعة نساء يتنافسن على إرضاءه. ظفر بهن بعد أن تمنع عن الزواج لأكثر من عشرين عاما,وظل هانئا نحو سنتين قبل أن تفكر علا في إرضاء نفسها. وتفردت بصديقه محمد الظاهر داخل غرفته,وعلى فراشه,وكان الوضع بينهما كالعود في المكحلة والقلم في المحبرة.

 

-قم يا رجل اذهب إلى بيتك

 

وما صدق الرجل خبرا حتى انتفض قائما وهرول هاربا,جلس على حافة الفراش,هي تلف جسدها داخل ملاءة بيضاء. تنظر إليه مذعورة,وكان يلعب ببكرة خيط نايلون لا تعرف من أين أتى بها. عرفت مصيرها وأيقنت به. تحسست عنقها بأنامل يمناها,وحملت ثدييها تحت الملاءة بذراعها اليسرى. نظراتها تمزج بين الخوف والرجاء والأمل والندم. استفزه أنه لازال هناك آثار شبق خلف جدار الدمع على زجاج العين.

 

ظاهر كان صديقا لأبوها غير عالم أن أبنه محمد هو من أوقعها في حباله,وابنته نجاة كانت صديقة لدنيا قبل أن يأخذها منها ناصر وقد تزوجها بعد أن قتل نجاح,خنقها وشنقها أسفل الشرفة وتركها معلقة للناظرين والمارين يتفرجون عليها. نجاة تزوجها ناصر,وشذى تزوجها شاكر,ورانيا تزوجها هاني. ناصر كان يفتري على زوجته نجاة,وشقيقته سعاد,وابنته جهاد,وأمه ميتة رحمها القبر من قسوته. وشاكر كان يعامل شذى معاملة حسنة إلى حد ما. وهاني كان أحسنهم معاملة لزوجته رانيا ويسمح لها أن تركب من قبل رجال آخرين لا يقربونها,شريطة أن تحصل على موافقته هو. وكان يستغل هذه الحرية التي يبيحها لها لخدمة بعض الأغراض التي تصب في مصلحتهما معا دون الإضرار بها.

 

دار حوار بين هادي وهاني,وفي منتصفه

 

-النساء لدينا لا يفقهون شيئا سوى إسعاد رجلها وتحسين طبيخها

-قل لي يا هاني .. هل النساء جميعا في بلادكم مثل زوجتك

-لا لا .. نحن بيت متحرر,أغلب الأقاليم والمحافظات عائلات محافظة

 

فهم السؤال بشكل خاطئ,فليس هذا ما قصده,لكنه استمر في الاستفسار

 

-كيف؟ .. ماذا تعني؟

-أنا هنا سمحت لك بعد إذن زوجتي بأن تركبها,في مناطق أخرى,بل وفي منطقة قريبة من المدينة عند الحدود خلف النهر. لا يسمح لك أو لأي رجل بأن تمتطي إمرأة رجل آخر. بل ولا يسمح لك بأن تراها,ربما تسمع مثلما نسمع نحن عن نساءهم,وهذا أقصى ما قد تطمح إليه.

 

لم يكن يصدق حتى ذهب به هاني في رحلة على ظهور زوجته إلى القرية خلف النهر,وعبر جسر النيل ووصلا إلى بيوت لا يرى سوى رجالها بالخارج. لا أثر لإمرأة ولا لطفلة صغيرة في الشارع.

 

-هاك,هذه هي النساء

 

ونظر

 

-هل هذه الكائنات! .. نساء؟

 

مشهد صادم,كلهن,بعد أن تبين له ما هن أثناء التعرف لأول مرة على هذه الهالات السوداء المجسمة والمتحركة في الشوارع مثل أشباح الليل منتصف النهار. كلهن نساء. أجساد بشرية في ملاءات سوداء مثل كفن الموتى بطراز ولون أكثر تعبيرا عن حال الأموات والأحياء.

 

أثناء رجوعهما مروا على النيل مرة أخرى,وتمشوا جوار الجهة الأخرى من النيل عند القرى قبل المرور عودة إلى المدن. الثلاثة كانوا متجاورين رفقة بعضهما يسيرون على أقدامهما قائمة ظهورهم. حتى رانيا كانت واقفة,وكانت تتوسط الرجلين,مما استفز مجموعة من الفتيات المحتشمات المحجبات عدا واحدة منقبة,يجلسن خمسة شابات وخمسة رجال رفقتهن. يجلسن في إحدى مقاهي النيل على سبعة كراسي,والسابع زوجته أو خطيبته أو إمرأته على حجره

 

-ربما توفيرا لأجرة المقاعد كما يحدث في عربات الأجرة

-ركوب السيدات أرخص من ركوب العربات

 

هكذا علق هاني وردت عليه رانيا وضحك هادي,وكانت هناك تعليقات ساخرة تدور حولهما هناك عند الطاولات

 

-شايفين البت سايبة شعرها إزاي

-ووجهها وكل جسدها

 

قالتها المنقبة ردا على كلام رجلها

 

-وتلاقيها بتمشي لوحدها

-طبعا انت مش شايفة ماشية على رجليها

-معها رجلين ولا يركبها أي منهما!

-ولما بتخرج تلاقيها ما تاخد إذن زوجها

-امرأة عايبة تتصرف مثل الرجال

-بقولكم إيه اقفلوا الموضوع ده بيحرق الدم

 

وكانت هناك محاورة مشابهة بالقرب منها,حيث غرقت دنيا في تساؤلاتها,وتخوفاتها بشأن صديقتها وردة. وردة ستتزوج رجل لم ترغب دنيا بالسؤال عن إسمه. كانت وردة تحدثها بشأن فتى أحلامها بينما استغرقت دنيا في فكرها. (لا فيها لا أخفيها) مثل شائع يستخدمه بعض الرجال عند حصولهم على زوجتهم. لا فيها (وفي المرأة قضيبه) وإما أن يخفيها (وهو يخفيها فعلا) وهي تخشى على ورد أن تختفي بعد زواجها,تختفي من حياتها أو تختفي من الحياة تماما. وردة تخشى أن تتراجع عن هذه الخطبة حتى لا يخفيها خطيبها,وإن لم يسمح له عقده فأبوها أو أخوها. وكانت تخفي خوفها بأن صدعت رأسها بالحكي عن سمات خطيبها,وسامته,وحبه لها وغيرته عليه,ورجولته وشهامته,حيث سيسمح لها بالخروج مرتين في العام في فسحة يسيل لها لعابها. تخشى دنيا أن تطلب الثالثة فتعجل بخراب بيتها. ولا يعني طلاقها وإلا أنقص ذلك من (رجولته),بل قتلها.

 

-هيخليني ست الستات

 

كانت تستمتع دنيا بحديثها وصداعها,فهذه قد تكون آخر مرة تستمع فيها لثرثرتها قبل أن يختلي زوجها بها ويتملكها لوحده,وتذهب عنها كما فعلت صديقاتها. (ست الستات). سيرتفع بمقامها بين السيدات. وتحظى بخير مقامات النساء.

 

أخذت تحدث نفسها حتى صدعت رأسها من أفكارها وثرثرة وردة بجوارها,تحسست ذيل الطرحة حول رقبتها,وشعرت أنه مشنقة تخنقها. ربما يأتي يوم ويشدها أحد من هذه الطرحة خانقا إياها حتى تلفظ أنفاسها وتزهق روحها. لا يوجد رجل قريب من حياتها ليكلف بذلك. ليس لها أخ,وأبوها ميت. وإبن عمها مهاجر. وعمها الوحيد خائب وأضعف من أن يفعل ذلك. وخالها مسجون بعد قتله لإبنة خالها رفقة زوجته. وتذكرت أنه من الممكن أن تجتمع أمها وزوجة خالها وشقيقتيها الأصغر سنا لقتلها. كما حدث مع إبنة جارهم طلعت. مات الرجل من حسرته لما صارحته إبنته بأنها تحب رجل آخر. خنقتها أمها وشقيقتها الكبرى حتى الموت. أمام أخيها الأكبر -أكبر من شقيقتها- الذي كان يحبها وأخذ يصرخ باكيا وراجيا وهو يشاهد مقتل شقيقته,وقد أمسك به رجال القرية مانعين إياه من أن يلحق المزيد من العار بالعائلة أكثر مما فعلت (إبنة طلعت). (أب يخنق إبنته / جنون أب / آباء لكن قتلة / القتل على يد أقرب الناس إليك) هي عناوين شائعة جدا في بلادها,وتدل على أنفس شائهة عرفت من قراءتها أنها السائدة بين البشر في العالم كله.

 

-وسأرفع رأسي بين نساء قريتنا متباهية برجلي

 

بالضبط. أي مقام تأمليه يا ورد بين النساء,وأي فخر للمرأة هو لرجلها ومن رجلها في المقام الأول. المرأة ليست نصف التاريخ,بل المرأة نصف رجل,وهي دوما وراءه مهما عظم شأنها (وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة) وليس العكس. أي مقام بين النساء تأمليه يا ورد ومقارنتك دوما تكون مع النساء. فمهما ارتفع شأنك وصرت (ست البيت) و(ست الستات) و(ست الكل) وسيدة كل النساء,لن تكوني أبدا سيدة على رجل واحد,ولا حتى ابنك,الذي تحمليه في بطنك مرة وتحمليه على ظهرك مرات,ليحملك هو إلى قبرك مرة واحدة. وكأنها قرأت أفكارها

 

-سيحملني زوجي في زفافي,على هذا اتفقنا

 

وهذا أقصى طموحك!

 

-وبعد شهر العسل,وعام الحمل الأول,سنقضي سنوات هانئة تتخللها ثمانية خروجات كل أربعة أعوام؟

-ألم تقولي كل سنتين

-لا مش مهم .. المهم أن لي خروجتين / نزهتين كبيرتين لكل عام,حتى لو مرت سبعة سنوات هذا يعني المزيد من الخروجات في مدة زمني قصيرة

 

لاحظت دنيا الهالات السوداء تحت أعين ورد,كان قلقة ومرتابة وخائفة,لاحظت وردة نظرات دنيا

 

-أمي تقول لي دائما كوني له جارية يكن لك عبدا

-هذه نصيحتها؟

 

أي عبودية تأمليها من زوجك وقد فرضت عليك طاعة مفروضة على جميع النساء,منذ الميلاد مرورا ببيت الزوجية وحتى القبر. أي ذنب ارتكبتيه يا وردة ذبلت قبل ميعادها وعمرك بعد ستة عشر عاما. ارتجفت شفتي ورد,ومرة أخرى وكأنها تقرأ أفكارها,ردت عليها

 

-أبي وأخي لا يخرجاني من المنزل أصلا,وإذا وافق أحدهما رفض الآخر,حتى يأست في الخروج يوما بأكثر مما أقنعتيهما أنت بالخروج معك هذه المرة.

 

ووردة لا تذهب حتى إلى المدرسة,ولكنها تجيد القراءة في الخفاء.

 

-كما أنه دفع مالا كثيرا لأبي,وقد اتفقت مع أبي وأخي وخطيبي بأنه لن يضربني إلا قليلا إذا اضطر الأمر,ولن يكون ضربا مبرحا

 

وحتى لو ضربك كثيرا,لا بأس,هذا حقه وقد اشتراك بماله. أخذت تتأمل في وجه وردة حتى تشبع من رؤيتها ولكنها شعرت أنه جوع لا يشبع. هنا قررت أن تعطيها نصيحة قاسية وقد تشممت عطرها وكأنها تلحظه للمرة الأولى فازداد خوفها عليها

 

-اسمعيها مني يا ورد,المرأة في بلدكم لا اسم لها ولا هوية ولا صوت ولا عطر ولا وجه المرأة تتساوى فقط مع نعل الرجل

 

وتذكرت ذات مرة امرأة رفعت نعلها / شبشبها في الشارع على رجل بينه وبين زوجها خلافات,فأتى زوجها واضطر لقتلها أمام غريمه,لأنه عيب كبير أمام عائلته وقومه ما فعلته زوجته مع الرجل,حتى وإن كان عدوا يظل رجلا.

 

عادت وردة إلى بيتها وسمعت شقيقها يتحدث مع أبوها

 

-مينفعش تخرج من غير ركبة يابا خد أمي معاك

-العمدة يطلع من داره من غير مركوبه! انت عايز الناس تاكل وشنا يا حاج؟

 

كان الحاج داعي,من يمسك منصب العمودية بعد أن سلبه بالقوة من الأكبر ظافر,وبعد أن تخلى عن المنصب شقيقهما شاكر. سمعت عمها زاهد

 

-طيب خذ مراتك معك يا أخي حتى تخرجها تشم نفس وقد طالت حبستها

-مراتي وأنا حرّ فيها .. أحبسها أركبها أموتها محدش مشاركني فيها

-لازم ركبة يا جدعان,عايز تلف يابا على البلد ماشي على رجليك

-يا ولدي أركب حصان

-يا أخي ما يصحش يقولوا مراته خرجت عن طوعه

-تحب أخش أموتها ونخلص

-لا لا .. خلاص,خليك على راحتك

خرج الإبن الأكبر غاضبا,وتمشى قليلا فمر على دنيا,وكان يحبها لكنه سمع كلام عن كونها فتاة متمردة ولا يوجد رجل يحكمها أو (يلمها). لذا ربما (يفلت عيارها) في أي لحظة. ضئيلة قصيرة وجميلة وترتدي دوما ملابس بيضاء كأنها ملاك,لم يملك سوى أن يسترق الكثير من النظرات إليها. كانت تجلس أمام دارها على المصطبة بصحبة إحدى صديقاتها,وكان هذا الحوار دائر بينها

 

-هل عليك أن تكوني محنية الرقبة هكذا أو ذليلة أو ما شابه؟

-نحن نحب المظلومات,نحب الذليلات .. شعبنا لا يحب النساء القويات اللواتي يقفن على أقدامهن قائمات

-أمس رأيت زوجة علي مربوطة إلى جوار النخلة من رقبتها مثل نعجة

-رأيت مشهدا مشابها في المدينة,رجل ربط زوجة إلى عامود النور .. ولكن سمعت أنه في الناحية الأخرى من النهر لا يحق له أن يربطها سوى بإذن قانوني

-ذلك صحيح .. ولا يحق له أن يقتلها سوى بإذن قانوني

-ولماذا لا يحدث ذلك في قريتنا؟

-كل النساء ساذجات وأنت لا تختلفي عنهن

-لماذا .. لأني لا استوعب الفارق؟

-لا .. بل لأنه لا فارق أصلا!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

رابح

(مطلوب سكرتيرة حسناء ممشوقة القوام سهلة الركوب)

 

ماذا حدث في هذه الدنيا؟ متى تغير الحال وانقلبت الموازين؟. لماذا كل إعلانات العمل تطلب إمرأة جميلة ومركوبة؟ ألا يوجد مساحة للاستفسار عن المؤهلات حتى!. دائما تمر عليه الإعلانات على هذه الشاكلة. كله تقريبا نفس هذا الشكل. مطوب سكرتيرة حسنة المظهر. مطلوب مشرفة بشكل معين. مطلوب مساعدة جميلة. (ليه ده كله؟) قالها رابح لنفسه متسائلا.

 

(الحقارة والشهوة والطاعة والخنوع)

 

هذه هي الصفات الأربع الأساسية التي بها يمكن أن تعيش المرأة في هذا الزمن. وهي الصفات المطلوبة لدى عموم الرجال حتى أكثرهم تسامحا وتواضعا.

 

(بيت العرائس)

(تاجر نساء بالجملة والقطاعي)

(المحل له فروع في جميع أنحاء العالم)

 

أدهشته اللافتة,ولكنه تعجب أنه لم يستشعر أي دهشة في نفوس المارين في الشارع وكل من رآها غيره. مع أنه ما رأى من قبل تاجر نساء,ولا سمع قط أن النساء تباع لا بالجملة ولا بالقطاعي,لا والأدهى أن المحل له فروع في جميع أنحاء العالم,أي أن المشكلة تتخطى حدود دولته التي كان يحسبها شاذة عن باقي البلاد.

 

وقف لامع يحدق طويلا حتى رأى ابتسامة جاسر تطل عليه ليستقبله.

 

أخذ قدميه وذهب بعيدا. أتى شخص ثالث,كان زبونا يريد أن يشتري سريعا ويمشي,لكن لم يكن يريد أن يشتري إمرأة. بل دلف بسرعة إلى قسم الإكسسوارات كأنه خبير بالمكان. وكان حاسب خبيرا بالفعل بالمكان,وأخذ ينظر إلى تنوع الخيارات عند شراءه لمقود جديد لزوجته

 

1-حجاب

2-خمار

3-نقاب

4-إسدال

5-طرحة

6-أشارب

7-عباءة

8-سلسلة

9-عقد

10-كمامة

11-جنزير

12-مقود

13-أساور

14-غطاء

15-حبل

16-قبعة

17-فستان

 

وغيره من التصميمات حسب طبيعة المشتري إن كان محافظا أم متحررا,ولكنه قطعا يجب أن يكون راكبا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

زاخر

طوال عشرين عاما من الخبرة والإبداع وتوالي النجاحات في مهنته,أيقن المهندس زاخر أن مقام المرأة أسفل الرجل,واتخذ ذلك مبدأ أساسيا حقق من خلاله شهرته الواسعة في تصميم وبناء مختلف المباني المدنية على كثرة أنواعها

 

المؤسسات الإصلاحية وعلى رأسها السجون تحتوي على زنازين واسعة للذكور,وحجرات أخرى ضيقة,أضيق من زنازين الحجز الإنفرادي. مكعبة,متر في متر,بالكاد تسع إنسان,تم تخصيصها لإنسانة.

 

المؤسسات الإسعافية وعلى رأسها المستشفيات تحتوي على بوابات عالية لدخول الذكر,ولا يسمح لدخول الإناث إلا من بوابة منخفضة لا تعلو عن خصر رجل في طول عادي.

 

المؤسسات القضائية وعلى رأسها المحاكم تساق فيها المتهمات إلى قفص دائري يتوسط قاعة المحكمة في أرضية منخفضة عن مستوى بقية القاعة. وكل الجلوس في القاعة منخفضين عن مستوى القاضي ومستشاريه,ولكنهم يرتفعون عن المتهمات.

 

المؤسسات التعليمية وعلى رأسها المدرسة تبنى داخل مساحات منخفضة مثل مدرج أو وادي أو حفرة واسعة,أو مسرح. ويكون السور عالي بحكم ارتفاع جدران المحيط عن هذا المنخفض. وعلى رأس السور سور آخر مكون من أسياخ حديدية مربوطة بإطار واحد معدني يستند عليه المراقبين والمتفرجين.

 

-الرجل يرتفع بقامته عن المرأة

 

حتى أنه رفض أن يصمم مكتب وزيرة شؤون المرأة.

 

أبواب الحمامات لا تحتوي غالبا على أي رموز أو صور أو حتى عناوين (حريمي / رجالي) للتمييز بين الحمام المخصص للذكور والمخصص للإناث. والعلامة الفارقة عبارة عن درجة واحدة تصعد بالداخل إلى أرضية الحمام الرجالي,أو درجة واحدة تنزل بالداخل إلى الحمام الحريمي الذي تنخفض أرضيته عن مستوى رواق الدخول.

 

والقبور تضم أجساد النساء على مستوى منخفض عن الأرض المرتفعة بأجساد الرجال.

 

ومعابر الطريق,سلم مشاة مرتفع فوق جسر للرجال,ونفق عبور للسيدات,وحتى جسور الدائري المخصصة للرجال,يقابلها شبكة أنفاق للسيارات التي تقودها السيدات. أو الطرق المخصصة لهن. ويعد أي تجاوز من أي سيدة تمشي على قدميها أو تقود سيارة أو دراجة في المساحات المخصصة للرجال جريمة يعاقب عليها القانون,إلا في حالة إذا كانت مركوبة من قبل رجلها.

 

لا ترتفع النساء في أي من تصميمات العاصمة إلا في حالتين فقط؛أولا في الإعلام والمعارض. وثانيا في مركز إيواء الناجيات من العنف,المشروع الوحيد الذي رفض زاخر العمل على تصميمه. إلا أنه شارك في تصميم المحل الرئيسي والأكبر لسلسلة محلات بيت الدمى ذو العلامة الشهيرة والمميزة في تجارة النساء. كما أن بيت الدمى تعد واحد من الشركات المتعاونة مع شركة بكسل العالمية لتصميم وتجميل النساء. إحدى أذرع تايم الإعلامية التي تسيطر أيضا على استديو ورلد السينمائي,وشبكة ABC التلفزيونية. وكل هذه المؤسسات تعرف اسم زاخر.

 

-أنا خارجة أأتي ببعض المشتريات لأمي يا بابا

 

قالتها إبنته فنادى على أبنه

 

-عماد

-نعم يا بابا

-روح مع أختك حتى لا يعاكسها أحد

 

وذهب معها ممتطيا إياها,وبالفعل لم يتحرش بهما أحد. وكان زاخر رجلا مثقفا لا يرى في هجومه على النساء وكونه من أقوى المؤيدين للمستشار قاسم أي ذنب أو خلاف. إن القاضي قاسم وباقي القضاة والمستشارين والمشرعين لم يقوموا سوى بتنسيق وتقنين كل النظم والأعراف التي تسير عليها البلاد الأخرى في التعامل مع المرأة,بل وأن هناك أحكاما تطلق على الرجل الذي يعذب زوجته أو يقتلها بدون الحصول على إذن قانوني أو تصريح لذلك. أحكام تصل إلى المؤبد أو الإعدام,وهو ما ليس موجودا في العديد من الدول الأخرى. بل وهناك معاملات ومؤسسات خاصة للنساء. مع أن أي قسوة تؤخذ معهن لا تعد قسوة. كأنك تركل كلبا كي لا يعضك. تلك طبيعة النساء وعلى هذا فطرن ولا تعاسة أو ظلم لهن في أي من ذلك. وكبار المفكرين يؤيدن كلامه

 

راجع في ذاكرته أقوال بعض كبار الفلاسفة

 

هيجل: النساء قادرات على التعلم،ولكنهن لسن مخلوقات لنشاطات تتطلب قدرة شاملة، كالعلوم المتقدمة،أو الفلسفة أو بعض أنواع الإنتاج الفني .. لا تنظم النساء أعمالهن حسب متطلبات شاملة،ولكن بناءً على رغبات وآراء اعتباطية.

 

جان جاك روسو: إذا اشتكت المرأة من اللا مساواة مع الرجل فهي مخطئة.

 

سقراط: متى أتيح للمرأة أن تتساوى مع الرجل أصبحت سيدته. والمرأة مصدر كل شرّ.

 

فرويد: المرأة لا تصلح إلا لإشباع رغبات الرجل

 

توما الأكويني: المرأة هي خطأ من الطبيعة,تولد من حيوان منوي في حالة سيئة.

 

يوحنا الدمشقي: المرأة حمارة عنيدة.

 

شوبنهاور: النساء حيوان طويل الشعر وقصير الفكر.

 

نيتشة: لا تدخل على المرأة إلا معك السوط.

 

ضحك كثيرا عندما تذكر المقولة الأخيرة,حمارة وسوط,يبدوا أن نيتشة كان يتنبأ بأن النساء قد تمتطى يوما ما.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ضاحك

استدعى العميد ضياء الرائد ضاحك لمكتبه,ولقد كان ضاحك دوما يحسد صديقه ضياء على إسمه,وحاول أن يتناسى إسمه الذي بلاه به أبيه ويخمن سبب إستدعاءه أثناء مسيرته في الرواق وصولا للمكتب وتلقيه التحية من الحارس على الباب. فتح الباب وأغلقه خلفه.

 

نوال الحزنان,أديبة شهيرة للغاية,واشتهرت بصورة خاصة في الوطن العربي والشرق الأوسط,وتجري مقارنتها مع أديبات من نفس نوع وثقل أحلام مستغانمي ونوال سعداوي خاصة الأخيرة لأنها تتشارك معها نفس القضية (المرأة) من عدة محاور مثل الأدب والفكر وحتى الإعلام. وتحظى نوال الحزنان بالكثير من التقدير في أوروبا والعالم الغربي بسبب دفاعها المستميت عن حقوق المرأة والأدب الأنثوي,خاصة بعد ترجمة أعمالها إلى عدة لغات أوروبية منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والهولندية. ويتناول أدبها مواضيع كثيرة,مهمة وذات طابع نسوي,مثل الحب,الجنس,الشهوة,الاضطهاد والقمع الذكوري المؤسسي,تمرد النساء على المجتمع, التحرش الجنسي,العنف الأسري,نظرة الذكور لجسد المرأة,المجتمع الذكوري,الميسوجينية,ازدراء المرأة,الخيانة الزوجية من قبل الزوج أو ما يقابلها؛الإشتباه في خيانة الزوجة.

 

يخيم الصمت على أنفس الكثير من البنات يوشك أن يخنقهن حرفا ومعنى,وخمدت حركتهن ذعرا كأنه شلت أجسادهن,حتى تكاد أن تصرخ اللافتات على الجدران العالية لمبنى مديرية الشرطة لتلفظ شعاراتها التي تحث ضحايا العنف من النساء على كسر حاجز الصمت والإبلاغ عن العنف الأسري والتحرش الجنسي.

 

مديرية أمن العاصمة هي المحطة الجديدة,وهناك قابل نوال الحزنان أول مرة رفقة ثلاثة بنات تم إغتصابهن في جريمة جماعية.

 

بعد أن عرضت نوال الكثير من حالات التحرش والإغتصاب للعازبة,والإذلال الزوجي للمتزوجة,ختمت سلسلة عروضها الإنسانية على قناتها الخاصة بحالة سعد وزوجته ضحى؛ حالة خاصة لزوجين سعيدين مع أن سعد لا يركب ضحى,ولا يضربها أو يشتمها أو يهينها, بل ولها حق أن تفعل أي شيء دون الرجوع إليه أولا ودون الحصول على إذنه,بل والأدهى أنها كانت أحيانا تعصيه.

 

حاضرت نوال الحزنان بأن تراخي القوانين في العالم العربي -بالإضافة إلى النظم العرفية الخاطئة- يسمح بتزايد الكثير من الممارسات الغير إنسانية ضد المرأة,مثل الختان والحبس والتحرش ومنع التعليم,بالإضافة إلى تتويج تلك الجرائم بجريمة الشرف. القتل الأكثر انتشارا في البلاد هو جرائم الشرف ضد النساء. بل ولا يوجد ما يسمى بـ (جريمة الشرف) مرتبطة بالرجال كأنهم منزهين عن خطيئة بهذا التدني,رغم أن الخطايا سبعة وكلها حقيرة. توحي الأحكام المخففة والتبريرات الإجتماعية أنه بإمكان أي رجل أن يقتل إبنته أوأخته أو زوجته أو أمه دون أي عقوبة أو خزي. وفي ظل هذه الظروف,لا يسمح هذا المجتمع بجرائم القتل المصنفة ضمن فئة (إبادة النساء) فحسب,بل ويشجعها مع إغراق ومغالاة وإفراط مستفز يقدم دعوة مفتوحة للتمييز الجندري بين الرجال والنساء في أحسن الأحوال,وارتكاب جرائم القتل في ما لا يدرج ضمن أسوأ الأحوال.

 

وتقبل قتل النساء شائع في البلاد بشكل صادم خاصة في العاصمة

 

-ثقافة لوم الضحية المعنفة،وتقبُّل العنف وتمجيد السمعة والأهل

 

هكذا صرخت في آخر محاضرتها,واستئنفت حديثها إلى ملايين المتابعين لها حول العالم

 

-تبدأ الحكاية في كل مرة بشكوك وظنون حول سلوك فتيات في مقتبل العمر،يحلمن بالحب والزواج والمستقبل،وهي أسباب كافية بالنسبة إلى كثيرين للإقدام على قتلهن!

 

أحيانا يكون الأنسب للمرأة أن تقتل,لأنها

 

-ضلع أعوج إذا استقمته كسر

 

كما يبرر الكثير من الرجال,وقد صار مقتل المرأة أمرا شائعا ومقبولا للغاية,وسنة الحياة تقضي بذلك. وقد نظرّت في كتبها عن أزمة إختفاء وتلاشى هوية المرأة,فهي لا يسمح لها بالكلام ولا أن يرتفع صوتها,ولا أن تشارك أحاديث الرجال حتى ولو بالإستماع فقط.

 

-مجلس الرجال يساوي مائة إمرأة

 

إلا إذا أتت المرأة لتشبع غريزة أحد الرجال,وهم مقدرين لذلك. ولا يرتفع صوتها أبدا,لا تزعق في رجل,ولا تصرخ النساء في المآتم,ولا تصرخ في وجه إمرأة أخرى أمام رجلها. وقطعا لا تغني.

 

-صوت المرأة عورة

 

وعطرها وشعرها ووجهها وجسدها,فلا تكون حاضرة صوتا ولا صورة,ولا يحق لها أن تنطق إسمها ولا يحق لأحد أن ينادي عليها بإسمها,ولا تذكر قط بإسمها. يصبح لديها أسماء أخرى مثل أم أيمن أو أم محمد على إسم إبنها. أو حرم الأستاذ فؤاد على إسم زوجها. أو كريمة الحاج مسعود على إسم أبوها. أو (الجماعة) و(حرمكم) و(أهل بيتك) و(الست). ينظر إلى المرأة كونها هم ما بعده هم,وبلية يصاب بها المرء,فهي ليست ولدا يأتيه بمال وعيال وإسم. وتعد وصمة قد تجلب إليهم العار في أي لحظة. وهي تحافظ على شرف زوجها أو أخيها أو أبيها أو إبنها,ولا شرف لها. بل هو لرجل آخر عليه أن تصون إسمه وعرضه وسمعته وشرفه.

 

المرأة لا شرف لها أو كرامة,و لا تملك حق الحياة,فيمكن أن تقتل,ولا هي حرة,فيمكن أن تحبس,ولا تملك شيئا بل هي ملكية خاصة لرجل ما يطبق عليه أحكامه الخاصة. لا تصلح المرأة لشيء سوى كونها مطية الرجل في الشارع وعلى الفراش,وخادمته ومطعمته,وأضحية للحفاظ على سمعته,أو حياته

 

-والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة،يجرها ولدها بسرره إلى الجنة

 

المرأة تُخلق لطاعة الرجل وإرضاءه,وأي اعتراض أو تمرد على الطاعة الموجبة والمفروضة يحول المرأة فورا إلى كائن شيطاني وناشز،يخالف الشرع والعقل وهو إلى الجنون والفحش أقرب. مرتدة وكافرة وفاجرة كلها صفات لهذا النوع من النساء.

 

-المرأة ناقصة عقل ودين

 

والأسوأ هو عقود التمليك المختلفة,سواء في عقد الزواج,أو البيع والشراء,أو الاسترقاق الحديث أو ما يحدث في بيوت الدمى / النساء. وليس للمرأة أهلية على نفسها ومالها ومعتقدها إلا في حالات خاصة جدا,كما أن هناك عدد كثير من النساء يستغللن الصلاحيات القليلة تلك أصلا لنيل عقد تملك مرضي لها إن أمكن.

 

-لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .. إلا للزوج

 

كانت نوال الحزنان تدافع بشراسة عن النساء في بلدها وعن الإثنتى وعشرين دولة عربية أخرى. وهي واحدة من  اقترحت فكرة حملة أنا أيضا  Me Too لأول مرة,وحملة قولي لا التي تم مواجهتها بحملة مضادة نظمتها جماعات غفيرة من النساء تحت شعار

 

-أنا فم تعلف الطعام وأنت ذراع يجلب الطعام

 

دفاعا عن أزواجهم,وكذلك شعار

 

-اطعم الفم تحتسي العين

 

أكثر أعداءها عداءا لها هما قاسم الجمال,والبروفيسور واجد الأستاذ الكبير.

 

القاضي قاسم الجمال,واحد من كبار القضاة في البلد,كما أنه يعد مستشار قانوني ودبلوماسي للعديد من الحكام في البلدان المجاورة بسبب كونه باحثا في الشؤون السياسية والقانونية وخاصة نظرية الأخلاق,وله دراسات أيضا في العلوم الإنسانية. كما أن شهرته بصفته واحد من أكبر المفكرين في الوطن العربي والذي ترجمت أعماله ونقلت أخباره إلى الغرب جعله مطلوب لدى الكثيرين. وهو أكثر صوت منافس لنوال الحزنان في العاصمة,وبالتالي في البلاد كلها. وشهد الناس,من بائعي التحف والمقاولين ورجال الأعمال,وحتى بائعين السمك والبوابين والموظفين,شهد الجميع على تلفاز الأولى المناظرة التي اندلعت بينهما وجها لوجه. ومع ذلك يتهمه الكثيرين بأنه ينحاز للنساء,وهو لا يرى في نفسه ذلك,بل ويفترض أنه واحد من أكبر المهاجمين للنساء ولكل المنظمات الحقوقية المدافعة عنها. وهب نفسه للحياة كي يقهر المرأة,يحطمها,ويكسر شوكتها. أو بالأحرى يكسر ظهرها الصلب.

 

ينظر واجد أن الإنسان تطور من المشي على أربع إلى السير على قدمين,وتطورت المرأة لتمشي على أربع مرة أخرى,وهنا نقطة خلاف أساسية بين العلماء والباحثين. فمنهم من يرى أن الرجوع لاستخدام اليدين سيرا على الأرض ما هو إلا انحدار لتطور الإنسان الذي دام لأكثر من سبعة آلاف تبعا لأقل التقديرات وأقصاها قد يصل لملايين السنين. هذه المدة الزمنية الطويلة من التطور قد بلغت آخرها ومنتهاها بدءا بالجنس الأنثوي. بينما يرى آخرين أن ذلك ليس إلا محطة تحولية لمزيد من التطور الذي يستحضر الإنسان البدائي الوحشي بقدراته الخارقة مع الاحتفاظ بالإنسان المتحضر. ولكنهم يتفقون مع الفريق الأول أن هذا اعتراف صريح من الطبيعة بدونية المرأة التي اختيرت لتكون نموذج للرجل النصف الرجل,الرجل الوحشي, بينما ظل الرجل المذكر قائما ذو ظهر مستقيم عاموديا حفاظا على الحضارة والإنسانية.

 

لطالما بحث ونظّر وحاضر وحاور واجد في عدد من الجامعات والمؤتمرات والمراكز الثقافية والقنوات التلفزيونية,وعرف عنه ثقته البالغة بنفسه,وبما بلغ إليه من علم. وكان بقية العلماء في نفس تخصصه يهابون منه,ويتخوفون أي مناظرات تعقد بينهما وبينه. عدا الدكتور فوزي عبد التواب. الذي كان يؤيد تماما نوال الحزنان,ويقول أن النساء ارتقت فقط بهبتها هذه,وأنهن وحوش (يقصد مدح) لو تركن على الرجال لفتكن بهم.

 

لم تعلم نوال الحزنان أن الرائد ضاحك هو عدوها الثالث,والذي كلف بحمايتها,بلغه إخبارية بينما هو ورجاله أمام قصرها,بأن هناك اشتباه لحالة تسلل. كان رده وأمره

 

-هذه مجرد حالة اشتباه,دعكم من الأمر نحن نحرسها بشكل رمزي,لكن لن يحدث شيء

 

 

 

 

 

 

 

طارق

-نحن نشتري عروسة

قالها أبو طارق,وهو ليس أبوه فعلا,بل زوج أمه,أتى بصحبته راكبا أمه التي أخذت تثرثر وتدردش مع أم العروس في معزل عن الرجلين بالأعلى يتحدثان في مسائل الزواج وما يلزم للوصول إلى إتفاق مرضي للطرفين. ثلاث رجال يمتطين زوجاتهم في الغرفة. زوج أمه يمتطي أمه. وزوج أخته يمتطي أخته. وزوج حماته يمتطي حماته. ولازال طارق ينتظر دوره في ركوب جميلته سهى التي تتشوق هي الأخرى لذلك. يتبادلا النظرات في صمت هو بشهوة وحزم وهي بلذة ودلال. تنغص ذهنه لما تذكر شجاره مع أمه قبل مقدمه هنا,وهي تحثه على استكمال تعليمه بدلا من تركه والعمل في هذه الشركة. ويجب تأجيل زواجه فما قام بإدخاره منذ سنوات من العمل,الأحق به هي أختهم الصغرى لتستكمل تعليمها في المرحلة الإعدادية,والتي يتناوب عليها أخويها الأصغر لإيصالها إلى المدرسة,مستخدمين الحقيبة المعلقة على عنقها مقودا لها. تشاجر بعنف مدافعا عن نظرته,المرأة التي تحت مني خير من أختي وأمي,هذا ما يقوله المثل وهو صحيح. أمه مسؤولية زوجها,وأخته مسؤلية زوجها,والصغرى لازال لديها كارم وكريم. لينظر هو إلى مستقبله وإلى من يمتطيها.

 

وعندما جاء موعد الفحص لم تتخلى أمه عنه

 

آلان هو مع مخطوبته ومركوبته العزيزة في حافلة متوجهة إلى مساكنهم الصيفية,رحلة تستغرق إسبوع معدة من قبل الشركة,التي تحملت كافة تكاليفها,مسكن ومأكل -لحد معين- وذهاب وإياب. رغم أن النقل ليس مشكلة,ويمكن لأي رجل أن يذهب فوق إمرأته لو عرف بدقة العنوان ولم يضيع عنه.

 

خطيبته جالسة بجواره يداعبها,يسترق منها قبلة,يطرب لضحكها,كان يشعر بحب عظيم تجاهها,وبالكثير من التعاطف تجاه كل المركوبات اللاتي تركبن معهم برفقة رجالها أو زوجاتهم. ورغم أنه لم يتم الثلاثين بعد,يشعر أنه يعرف كثيرا جدا,أكثر من مجرد فارق عشرة سنوات عن سهى القابعة بجواره ساهية في حبه. في زمن ما,أيام كان أبيه بعد حي, سأله

 

-لماذا يجب أن نركب النساء؟

 

وكان ذكيا ليحدد سؤاله أكثر

 

-مجازيا وحرفيا؟

 

-اسم مني يا ولدي,الرجل الذي لا يركب امرأته,تركبه.

-أها

 

وتصنع الفهم,ولما سأله لاحقا عن لماذا يجب ركوب المرأة أصلا

 

-هذه سنة الحياة يا بني,وأصلا المرأة لو لم تركب,لا تشعر بالراحة,تشعر أن شيء ناقصها, المرة لو ماتركبتش ما ترتحش,تعطب,يعني احنا مضطرين لذلك وهم يريدون ذلك.

 

-طب ليه أصلا,إيه المغزى والراحة في كده

 

-المرأة خلقت لذلك يا خالد,خلقت من ضلع الرجل,ضلع أعوج,لذا إذا لم يظل عودها محني تحت ركاب الرجل,تبور,وتبلتى بالفجور.

 

صمت لما شعر أن أبيه لم ولن يعطيه أي إجابات شافية وافية,ولكن مع الأيام بدأ يقتنع بشكل لا إرادي ولا واعي بصدق ومنطق كلمات أبيه.

 

سمع أمه تنصح ابنتها قبل زواجها

 

-كلمتين ضعيهم حلقة في أذنك أو سوار حول عنقك,المرة اللي تسعد راجلها وراكبها,تعيش طول العمر متهنية.

 

وصلت الحافلة بعد ساعات من الإرهاق,دون التوقف لدى أي استراحة في الطريق,وضع يده برفق على كتف سهى,انحنت لتلامس ركبتيها أرضية العربة. رفع ساقه وبعد أن أحاطها أمسك بوشاح طرحتها,وساقها مع بقية النساء في صف بممر الحافلة الكبيرة. نزولا بها إلى الرصيف ثم دخولا إلى المبنى لرؤية شقتهم الجديدة والمؤقتة لمدة إسبوع. بعد الإنتهاء من الفصح والتسليم,وكانت إمرأة بلا راكب هي الدليل للجميع. دخل بزوجته إلى الحمام,وأخذا حماما باردا من المياه التي تنسكب على جسديهما في نفس الوضعية كأنهما التصقا في وضع حميمي جدا. يديها على أرضية الحوض,ترفع له رأسها في غنج,يطوق عنقها الطويل في انتشاء,يستمتعا سوية بقطرات الماء البارد تنسكب على رأسه,ثم إلى وجهه. على ظهره أولا ثم إلى ظهرها.

 

في الطريق إلى الشاطئ,وعلى الرمال الساخنة,تعرف على زملاءه في العمل؛ياسر وحاتم وعاطف,وآخرون لا يعرفهم,سمح لخطيبته بالتحدث إلى زوجاتهن. كل الرجال يمتطين نسائهن,لا تؤثر أشعة الشمس على رؤوسهن,ولا سخونة الرمال على أطرافهن.

 

ياسر يمتطي زوجته يسرى مقتادا لها بواسطة السلسلة حول عنقها,بينما يطعمها حبات عنب من عنقود يمسكه,وهي تلقف الحبات بشفتيها أو لسانها وتبلتعها في دلال. حاتم يقود زوجته في صمت كأن هذه ليست فسحة ولا نزهة ولا استراحة من أي نوع,يقودها كأنه يجرها من شعرها. لاحظ أن زوجة عاطف جميلة حقا,ولكنها لن تكون أجمل من زوجة جاسر التي ذهبت مع زوجها إلى سفر يليق بها وبه,بعيدا عن هنا,ولكن زوجة عاطف صغيرة وذات جسد دقيق تظهر معالمة جلية من أسفل الملابس الخفيفة,وكان عاطف يقتادها ممسكا ياقة سترتها (تي شيرت). وكان خالد يتمنى لو توفرت لديه الإمكانيات لإغاظتهم جميعا,بواسطة أربعة سيدات يبدل بين ركوب الواحدة والأخرى. الشرع يسمح بأربعة زوجات,والشريعة تسمح بأكثر من ذلك,قيل سبعة وقيل أكثر ولازال هناك خلاف بين العلماء بصدد ذلك. ناهيك عن ملك اليمين. والجواري اللاتي يمكن شراؤهن من محلات البيع المعروفة بإسم بيوت العرائس. وهن نساء تم سلب حريتها بسبب جريمة,أو أسر (في أغلب الحالات أجنبيات) أو بعد قضية رفعت عليها,أو تتخلى هي عن بعض حقوقها لفترة معينة وفقا لعقد يتفق عليه الطرفين,وهناك من لا تجد راكبا لها وتريد لقمة العيش فتبيع نفسها بنفسها. تمنى لو كان ثريا. وقد حضر ذات مرة حفل توقع عقد زواج مع أحد الأثرياء بمنطقتهم.

 

-سأتزوجها,ويمكنني أن أتزوج المزيد من البنات في عائلتكم

-ماذا تقصد؟

-يمكنني أن أتزوج أربعة من بناتك الخمسة

-ولكن هن شقيقات

-القانون لم يعد يمنع ذلك

-وأترك الأخيرة وحيدة

-يمكنني تدبر أمرها لو تريد

-حسنا وما شروطك؟

-أولا كشف طبي للإطمئنان على الإناث

-وهل ستصنع ذلك؟

-وهل يعقل أن يفحص الرجل

-ماذا عن القدرة الجنسية

-نطمئن إلى ما لديها وليس ما لدي

-حسنا مفهوم لا تغضب

-ثانيا تعهد كتابي أو ضمان رسمي ضد التلف للفتاة الأولى لمدة خمسة من الحياة الزوجية

 

كان زوج أمه يعاين معه حلاوة الفتاة وجمالها,فهو لازال بعد طالب جامعي وليس خبيرا في ذلك. وهو الأصلح للإتفاق على شراء الفتاة الحسناء. وقد كانت مكلفة في حقا في المعاش الذي حدد لها,وتسعيرة بوليصة التأمين على حياة زوجها,والمهر والمؤخر والقائمة والشبكة والذهب,والشقة,وتسعيرة الإناق بمتوسط لا يقل عنه,ولكن يجب أن يزيد,وهدية الخطبة. بالإضافة إلى المخصصات عند المحامي لنفقة الزوجية والعدة والمتعة وغيرها. لن يطلقها ولن يقتلها بالطبع,هو فقط يريد الحصول عليها.

 

وصلوا للشاطئ,وقبل الاستمتاع بالمياه,ضايق خالد رؤيته لشيئين,الأول هو رجل يركب زوجته وبرفقته رجل آخر فوقها,عرف لاحقا من الناس على الشاطئ أن أحدهما زوجها والآخر أخوها. وعلى وجه المرأة تجلت أعتى إمارات الخوف والبؤس والرجاء. عرف على الفور أنهما أتيا بها لإعدامها.

 

قديما رأى مشهد مثل ذلك,رجل يذبح إبنته ويرتشف الشاي فوق جثتها,أقنع نفسه بأن كان سيلبي صرخاتها بالنجدة والغوث لولا أن أسرع الرجل ونحرها. لما عاد من رحلة المصيف رأى رجل جاثم فوق إبنته الأخرى فقد تبينه نفس الرجل. كان يخنق الثانية بعد أن كبرت. ظل طارق يتابع المشهد حتى لفظت آخر أنفاسها. تسمر مكانه ولم يكن لديه حجة أو ذريعة لعدم تلبية نظراتها وغرغراتها بالنجدة.

 

-لماذا لم يذبحها مثل شقيقتها؟

 

تسائل طارق.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عامر

يركب عامر خلف ياسين على درّاجة هذا الأخير,ياسين لا يحب ركوب النساء ويرى أنهن لا يصلحن في شيء,ولا حتى في امتطائهن. وعمار لا يجيد قيادة السيارات ولا يرتاح إلى ركوب السيدات. هوايتهم المحببة هي ركوب الدراجة,أو التمشية والتحرش بالبنات لفظيا (معاكستهن). وهن يستحقن كل كلمة بذئية تقذف عليهن. يتخيل ياسين ويرى أثناء تمشيته وحيدا,تلك الفتيات الاتي تمشي متجاورة مع فتيانها. وليست تحت حوضه ممتطاة منه. من أسوأ المشاهد أن يرى فتى يتأبط فتاة,أو فتاة تشبك يدها مع فتى. ولكن هناك دوما ما هو أسوأ.

 

لا تعاب المرأة إذا كانت خليعة,ولا تعاب إذا كانت زانية. لا يعيبها أن تتبرج,أو ترتدي ملابس ضيقة,أو تخلع حجابها. لا يعيبها أن تسير وحدها. ولا يعيبها حتى أن ترتدي ملابس مكشوفة,أو تمشي في الشاورع عارية كما ولدتها أمها. بل ويمكن القول لا يعيبها أن لا يركبها أحد. العيب الأكبر والعار الأعظم هو أن تركب المرأة ولا تُركب. فتقود السيارات مثلها مثل الرجال. بل هناك بعض النساء يركبن الرجال. والمثل يقول (الرجل الذي لا يركب امرأته تركبه).

 

مرّ وصديقه عمار على محل بيت العرائس,الأشهر في الشارع,وقد كان يحسب أن صاحبه جاسم قبل أن يعرف أنه ملك لشريف حمدي رجل الأعمال الشهير,وأنه جزء من سلسلة المتاجر والمعارض خاصته. دلف بقدمه إلى المحل لعله يهدئ من حدة أفكاره برؤية منظر طبيعي.

 

-يا مرحب بكما,أرى وجوها شابة وجديدة

-نعم

-ممكن أخدمك بإيه

-هل لي أن أعرف ما هي الأقسام التي لديكم

 

-واجهات العرض

-قسم خاص بالخطيرات

-القصر الذهبي للأثرياء

-قسم للمحجبات

-بيت الشهوة .. لمن يدفع أكثر

-قسم للعارضات

 

دخل قسم العارضات,وفيه فتن بالألوان رغم كره للنساء,أجساد بنية وبرونزية وسمراء وسوداء وبيضاء,تتآلف مع ألوان شعور شقراء وصهباء,وسوداء وبيضاء.

 

أتته البائعة,وقد تضايق لما لاحظ المرأة تتجول عند أقدامهما,ورأسها -وهذا ما أراحه قليلا- لا يعلوا ركبتيه. طفح نفوره فورا وخرج من المحل غاضبا,فهو يكره هذا النوع من الرجال. يكره أكثر الرجال الذي يرفضون ركوب زوجاتهن. وأكثر من ذلك الرجال المخنثين الذين يركبون رجالا آخرين,أو يُمتطون من قبل النساء.

 

التصق به عمار أكثر

 

-ارجع يا خول

-هتقلبنا يا ياسين

 

تذكر أن عمار صديقه ولا يجب أن تعبث معه أفكاره,ولمح نموذج آخر للرجال الذين يكرههم ويستحقرهم. فتى يسير مع فتاة,بجواره,صغيرة وجميلة,وترتدي عقد يزيدها جمالا, ولكن لماذا يرتدي الفتى الأحمر سلسلة هو الآخر؟.

 

هكذا تسائل باستنكار,ولطالما كان أبو ياسين هو المعلم الأول لإبنه في الحياة,وتذكر ياسين أول درس تلقاه منه. في نفس هذا الشارع,دخل أبيه إلى محل كان مشهورا في وقتها,الآن هو باب مغلق على متجر أو مخزن للبيع,بعد أن راجت محلات أخرى نافسته وقضت عليه في نفس تجارته.

 

كان يبيع إكسسوارات ولوازم حريمية,دخل أبوه ليشتري مقودا يهديه لأمه -على غير عادته- في عيد ميلادها. أول ما قال للبائع -الرفيع ذو النظرات الغريبة- طلبه,حتى توجه به إلى ثلاث خزانات للعرض. إحداهما بها

 

-هنا لو عايز وشاح

 

وشاح بأنواع مختلفة؛خمار,نقاب,إسدال,طرحة,شال,شريط,وشاح. أو حتى كمامة ولديه أيضا من الأنوع ربطة عنق وفيونكة ودبوس برباط يلتف حول الرقبة. وكل نوع يتفرع إلى عدة أقمشة وألوان وأشكال وتصميمات مختلفة.

 

-وهنا تلاقي سلسلة

 

قلادات وسلاسل وعقد بأنواع عديدة هي الأخرى,ومعادن وألياف وألوان وأشكال وتصميمات مختلفة.

 

الخزانة الثالثة كانت مرعبة بالنسبة له,ولم تجذبه مثل الخزانتين الأخريتين,أغلال ومقاود حقيقية. بلا أي وظيفة أخرى للتجميل أو التزيين أو تذكار أو أي شيء عدا الربط والعقد والتوجيه. حزام أو سلسلة مثل التي يربط بها جارهم كلبه الضخم الشرس.

 

ولما انتهى أبيه من الشراء,طلب منه ياسين

 

-أبي أريد هذه القلادة

 

مشيرا إلى واحدة بلا أي تمائم,نظر أبيه إليه بحدة,وقد صعد الغضب إلى وجهه,وأبيه يكون مخيفا لما يغضب سواء في البيت بجلبابه الذي يظهر طوله الحقيقي,أو هنا في المحل بقميص أزرق باهت لا يعرف إن كان سادة أم مقلم,يضيق على عضلاته فيظهرها,ويتحرك شاربه ذو الأعوام الثلاثين منذ قرر أن لا يحلقه في مراهقته. أيامها لم يكن يرتدي سلاسل مثل الشباب الجدد المخنثين,كان أبو ياسين,قبل أن يتزوج وينجب ياسين,يحتقرهم وينظر لهم بكل ازدراء يمكن أن تخرجه رجولته المكتملة حسبما يرى في ذاته. انكمش ياسين وقد هبطت رأس أبيه من الأعلى,من فوق جدا عند إرتفاع قامته تصحب معه نظرات المتوعدة

 

-إياك أسمعك تقول هذا مرة أخرى

-حاضر

 

وفي طريق العودة إلى المنزل,صالحه واشترى له سكاكر ومثلجات

 

-نصيحة لك وللزمن من والدك الذي يعرف أكثر

 

رفع ياسين رأسه يلقي عينيه بإهتمام تجاهه,لم يكن أبيه ينظر له

 

-لا يرتدي الطوق حول عنقه سوى إثنين

 

ياسين صامت وهو يعرف نصف الإجابة

 

-المرأة والكلب

 

اتضح أنه كان يعرف الإجابة كلها

 

وفي عربة القطار النفقي (مترو) يجلس ياسر هانئا بفكرة عودته مبكرا إلى المنزل,حيث تنتظره محبوبته يسرى. فكر أن يركبها ويخرجا سويا إلى نهر النيل,فمديره ليس أحسن حالا منه,وهو الذي اعطى موظفيه بقية اليوم أجازة من أجل عيد ميلاد زوجته أو عيد زواجه بها. لا يذكر. أخذ يحسب المال الذي في محفظته الآن مطمئنا إلى أنه معه ما يكفي,لولا أن عكر مزاجه مرور سيدة قبيحة المنظر في عباية سوداء تزحف على أربع وتتسول الراكبين بينما تمسك حفنة من الأوراق بأسنانها,هذا لم يمنعها من ترديد العبارات الآتية

 

-لله يا محسنين

-بجري على ولايا

-ماليش راكب وآدي الورق اللي يثبت ذلك

-والمكذب يمكنه أن يتحسس ظهري ليدرك أنه لم يمتطى أو يطأه أحد منذ فترة طويلة

 

في الحي الجديد -وهو لم يعد جديدا ولكن هذا اسم الحي الراقي- وقف عابد بسيارته أمام البناية ينتظرها,غفير العمارة يقف مرحبا به ثم ترجع مؤخرته إلى أريكته المعتادة؛زوجته المستند ظهرها على ركبتيها فحسب,بينما تقوم يديها بتخريط الملوخية أو تقشير البطاطس أو تقطيع البصل,أو شيء ما لم يركز فيه عابد. كان بوسعه أن يصعد إلى زوجته ليهبط بها من فوق راكبا إياها. أقله ليحفظ صورته وهيبته أمام بواب العمارة الجالس بكل أريحية فوق زوجته يمضغ شيء ما. لمح إبن البواب يلهو على العشب مع أخته ممتطيا إياها. كان بإمكانه أن يذهب إلى وجهته راكبا زوجته بدلا من زوجته. ولكن لا. يحب دوما أن ينظر إلى نفسه بصفته زوج عادل مع زوجته. وفي المطعم اضطر أن يمتطيها حفاظا على قواعد اللباقة العامة. زوجته أصرت على ذلك. نزلت قبله,ومرت أمام السيارة زاحفة على أربع,فتحت له الباب,ونظرت مبتسمة كأنما تراه للمرة الأولى,واحتضنته فوقها. تذكر الحفلات الليلية التي كانت تقام واحد من أكبر مسارح البلد,وتحييها واحدة من أهم مطربات الشرق. رغم كونها إمرأة إلا أنها كانت تشترط الدخول الرجال في بذات فخمة,وفوق زوجاتهن أو مرافقاتهن. ثم لهم الخيار بعد بدء الغناء أن يظل الرجل فوق زوجته,أو يستريح وإياها فوق مقاعدهم المحجوزة. الوضع مماثل هنا,في بذلة أنيقة ولامعة,ونسرين تسير به إلى باب المطعم الفاخر وذيل فستانها الأحمر الطويل يزحف خلفها. دخلا المطعم وتوجها إلى المائدة المحجوزة بإسم عابد. استقرا على النجمة الحمراء المنقوشة في الأرضية الرخامية,وعليها ستوضع طاولتهما. جائهما النادل راكبا امرأة ترتدي زي الخدمة مثله. وهي لا تقدم شيئا ولا تفيد في شيء سوى الحفاظ على الصورة الفاخرة للمطعم. اقترب النادل وسأله عن طلبه,سم انحنى بكل احترام يسأل زوجته

 

-والمدام تطلب إيه

 

أملت عليه طالبا,انحناءه أخرى واستدار بمركوبته ليحضر طلبهما.

 

بعد عشاء رائع,سبق جاسم نسرين إلى السيارة وقد توجهت لحمام السيدات تتأكد من حفاظها على جمالها وأناقتها ورونقها ولمعانها. واقفا مستندا على سيارته,اقترب من رجل ملتحي في ثياب بالية,راكب عجوز عمياء تزحف على أطراف مرهقة وجائعة,ورجلها يوجهها بالإمساك برأسها.

 

-لله يا بيه,راكب مرة عمياء وجائعة ولا أستطيع اطعامها

 

وقع بصره على زوجته قادمة,فتح لها باب السيارة متحديا قواعد اللباقة بعد أن طرد الشحاذ

 

وفي البيت,رجع ياسر وزوجته من رحلة نيلية ليلية مرضية لكلاهما,أخرج ياسر العلبة من جيبه,وقبل أن ينزل عن زوجته شعرت يسرى بالمعدن يلتف برفق أسفل حلقها,والمشبك يغلق حول عنقها. تحسست أصابعها تميمة القلب الذهبي التي تدلت من القلادة التي اشتراها لها زوجها. كعادته بمهادتها بدون مناسبة,فلا عيد زواجها ولا عيد ميلادها ولا عيد الأم ولا أي أعياد قريبة الآن ليفعل ذلك. في نفسه كان يشعر بسعادة وتشفي ويوهم نفسه أنه أغاظ مديره جاسم الذي يتمتع بأجمل إمرأة رآها ياسر في حياته.

 

في الصباح التالي وبعد ليلة حميمية شعرت يسرى بأنها أسعد مخلوقة,وزوجها يمتطيها بشكل نظامي كما العادة لتأخذه إلى الحمام,ومن الحمام إلى الباب. تشعر بالسلسلة تشتد على عنقها وزوجها يقتادها بها.

 

بعد أن قعد قعدته,ومل من صحبته,ترك ياسين ياسر على المقهى وتوجه بدراجته النارية يلف في شوارع وسط المدينة. يحب أن يركب دراجته ولا يريد أن يركب أي امرأة. في نفس الوقت كان عامر يقود دراجة أخرى والتي استعارها من أحد أصدقاءه.

 

في الشوارع تخلتط العربات بأنواعها مع السيدات على شاكلاتها المختلفة,هناك حيث ذابت دراجته وسط الزحام. هناك قواعد تنظم المرور,تتمثل في ثلاثة بنود أساسية. الأولى هي الشوارع المصممة خصيصا لتلائم النساء والعربات والحيوانات معا,حتى أنه هناك طرق وشوارع مخصصة فقط للمركوبات دون أي ركب من أنواع أخرى,لا آلات ولا حيوانات. تم إصدار القانون الذي يحتم وجود هذه الطرق بعد الثورة النسوية الثانية واعتراضها الأول على الحوادث المميتة اللاتي تتعرضن النساء سيدات وبنات لها.

 

مر بامرأة مربوطة من عنقها بلسلسة معدنية إلى عامود نور مغلق الرباط عليه بقفل ومفتاحه مع زوجها. هذا مثل الرجل الذي ينام في البيت ويترك زوجته تعمل. لذا هو سلوك غير مقبول ولا يمكن لأي رجل فعله إلا بعد أمر من المحكمة,لا يخرج إلا إذا طلبت المرأة مرة إلى بيت الطاعة.

 

البند الثاني هو جسد المرأة المصمم -ربانيا أو تطوريا أو الإثنين- على تحمل الصدمات وحمل الأحمال,وحمل الرجال حتى في أصعب الظروف. كان يرى امرأة تحمل زوجها فوق ظهرها,وجنينها أسفل بطنها. بل وامرأة عجوز ظلت تحمل زوجها حتى موته وحملته إلى قبره,وحملت أبناءها صغارا حتى كبروا,وحملتهم كبارا بعد موت زوجها,حتى حملوها في النهاية إلى قبرها بعد مرض لم يمنعها من حمل الرجال والأثقال إلا في آخر أيامها.

 

البند الثالث هو القواعد والنظم المتبعة من قبل كل الأفراد,وذلك لأن السلطة طبيعيا تعود للرجل. وهو يستطيع تمرير أي قوانين ونظم جديدة والإلتزام بها,لأنه يصير ميثاق شرف للرجل,وهو أمر لا تعرفه المرأة. إن أي مخالفة لهذه النوعية من القوانين تعتبر طعنا في رجولة الرجل نفسه. تذكر ياسين صديقه محمد المسافر للخارج,والذي تكللت عائلة بعار من رجل,وليس امرأة لأن زوجته طبقا لقانون البلاد الوافد إليها,تمكنت من خلعه!. المرأة إما تترك أو تقتل,ولا يستوعب ياسين فكرة أن تملك إمرأة حريتها دون أن يهبها له زوجها. تذكر أن هناك نساء في بلدهم فعلا تملك أمرها,وتسائل من أدرى بمصلحتها من رجلها. اللعنة.

 

-أنت حر إن لم تضر

 

عبارة خصصت للمرأة,التي لا تجيد شيئا سوى الإضرار والإيقاع بنفسها ومن حولها,يحدث نفسه أثناء مروره بمستشفى. وفي بيوت الآخرة فقط يمكن للمرأة أن لا تلقي لوما ولا عتابا ولا قتلا على استقامة عودها وعدم اقترانها برجل. وبيوت الآخرة هي الكنائس والمساجد والمعابد والمقابر والمستشفيات. ولكن لا تحمل المرأة من قبل رجل إلا مرتين فقط. في ميلادها أثناء ولادتها,وفي موتها أثناء تشييع جثمانها إلى قبرها. ولو كان المولود ولد تحمله أمه أو أخته. وفي الموت يحمل الرجل من زجته,نعشه على ظهره وبقية المشيعين والمعددين والندابين سائرون جوارها أو خلفها. إذا ماتت المرأة يمنع اللطم أو الصراخ أو البكاء بصوت مسموع عليها. إذا مات الرجل قامت الدنيا ولم تقعد,فهو وإن كان بعد موته,لازال رجلا. ومستوى الحفر في مقابر السيدات أكثر انخفاضا من قبور الرجال,فهم أعلى منهن فوق الأرض وتحت الأرض. وإذا مرضت المرأة تعفى من حمل أي شيء ولكن لا تحمل ولا تسند -إلا من بعض الرجال الخليعين- حتى موتها,ولم يسمع عن مرأة مرضت فرقدت على الفراش. دوما لديهن القدرة على الحركة حتى آخر نفس.

 

مرّ بمدرسة,وفي المدرسة يركب المعلم تلميذته المتفوقة معلما إياها بنفسه تتبعهن بقية التلاميذ,ويركب التلميذ المجتهد معلمته يتعلم منها بنفسه يتبعه بقية التلاميذ. وربما يحدث تبادل أدوار فيتناوب الذكور على الركوب حسب دراجتهم,أو يركب المعلم أكثر من تلميذة إذا لمس منهن إقبالا على العلم والتعلم. ومعلمات الدرجة الأولى ترى عادة بمعية الناظر أو المدير ممتطيا إياهن. ونادرا لو كانت للمدرسة مديرة بدلا من مدير.

 

يندر تواجد الأنثى في أي مناصب إدارية أو قيادية أو قضائية داخل البلد,وذلك لكون العاطفة تغلب على التعقل عندهن,هذه واحدة من المرجعيات الثقافية الأساسية التي ينظر من خلالها إلى المرأة. وإذا تحدثت المرأة بالنيابة عن الشعب,لا يكون ذلك سوى سلوك شخصي خاضع للأهواء والنزوات.

 

مرّ بقاعة السينما,حيث يركب معظم الشاهدين فتياتهن بدلا من المقاعد,وفي القاعات المظلمة والعروض المرعبة,تطلب المراهقات من خطابها أو فتيانها,الإلتصاق بها أكثر لإعطائها شعورا بالأمان. وهي أفلام (أيا كان نوعها: رعب / رومانسي / إثارة) تعرض ممثلين يركبن ممثلات, وتعكس قصصهن القصص الواقعة في الواقع. الفارق هو أن الركوب يكون خالي من أي تحفظات يعمل لها حساب في الخارج,خارج الشاشة.

 

وفي النادي يتبارى ويتنافس المراهنين على تخمين من الفائز في الرياضة الأفضل والأشهر بالبلاد والأكثر حبا وعنفا في آن. وهي سباق الركب. للرياضة رمزية مهمة تعكس التوافق والتفاهم بين الرجل والمرأة,وقبول كل منهما للآخر في موقعه,هو في الأعلى وهي في الأسفل. تقام مباريات وحشية حيث تختبر القدرات الحقيقية للمرأة,ويتم دفعها لكسر حدودها. العديد من الجمعيات الحقوقية المدافعة عن حقوق الإنسان,وخاصة تلك المدافعة عن حقوق المرأة تعترض على ممارسة هذه الرياضة. تعترض على جميع الممارسات تقريبا في هذا البلد إلا كلما تخلى الرجال عن بعض حقوقهن من أجل النساء,مثل إنشاء حمامات للسيدات لا يسمح فيها بدخول الرجل,أو مثل ذكر إسم المرأة,أو مثل السماح بتلك الناشطات أو الفعالات -حتى ولو بدون قصد- بالعيش بعد أن تمردوا (تحرروا كما يحببن تسميتها) من أي إذن أو للرجل أو أي سلطة أبوية / ذكورية. بعض المنظمات وخاصة من داخل البلد تؤيد هذه الرياضات لأنها تكشف الطابع الوحشي الحقيقي للمرأة,والمتجسد في تكوينها الجثماني وقدراتها الإستثنائية. تحمل الرجل مثل حصان,وتركض مثل فهد,وتكسر الحواجز مثل خرتيت أو ثور,وتتقاتل مع المنافسات مثل ذئب أو نمر. تمنح جائزة الفوز بالتقاسم للرجل والمرأة. والفائزان بالمرتبة الأولى يصبحان من نجوم المجتمع.

 

مرّ بمبنيين مسورين,إحداهما قسم شرطة والآخر ثكنة عسكرية. يعرف أن هناك أقساما ووحدات بها جنديات وشرطيات,بالطبع مركوبات من ذكورهن. وتذكر لما كان جنديا في فترة تجنيده,لما كان يزعق فيهم ضابط ذو رتبة كبيرة,أو صغيرة. يعزي المجندين أنفسهم بالتفاخر بمدى غلظتهم في التعامل مع زوجاتهم ونساء بيوتهم,وأن هذا القائد غالبا غير مسيطر في بيته,حتى وإن كان يركب زوجته,التي لا يرى معها في المعسكر,ولهذا يقوم بتفريغ غضبه من خلال الإعلان عن سيطرته على القطيع من حين لآخر. خصوصا أن بعض التدريبات القاسية تشمل ركوب العساكر لبعضها والركض في مناخ صعب في الصحراء تحت شمس مستعرة وهواء ساخن ورمال ملتهبة. هذا نوع من حفظ ماء الوجه أمام التعامل المذل. لربما كان القائد يركب زوجته في المنزل,ويركب جنوده في المعكسر أيضا. يفرض سيطرته في البيت والعمل.

 

على أطراف البلاد,حيث القرى الريفية,لا تركب المرأة عادة,فقط تظل جالسة أو منحنية أسفل أقدام زوجها,لا تعلو برأسها عن منتصف قامته حيث جذعه. دخل الحاج عاطي إلى بيته وجلس على الأريكية بينما أعدت له زوجته المياه الساخنة في طشت وقبعت على الأرض مثل كل أمسية بعد مقدمه من العمل والأرض وأخذت تدلك له قدميه وقد بان الاسترخاء من فوق شاربه. أغلب تحركات زوجته نادية في البيت تكون فيها منتصبة حتى لو أراد هو أن يأتي بشيء مثل كوب مياه أو جهاز تقليب القنوات,تأتيه هي به. عادات الريف هنا تختلف. المرأة لا تركب. والمرأة لا تخرج. منذ الثالثة عشر من عمرها,وبعد سنوات من اللعب تحت الأعين وبتحفظات عديدة,تحبس المرأة حتى يأتيها رجلها,سبعها وبعلها. ولكن لا تكون بغلته كما ينظر أهل الريف بازدراء إلى أهل المدن. الذين يركبون زوجاتهم. بل تكون جوهرتهم المصونة. يمكن لها بعد الإذن من زوجها أن تفتح النافذة,وتفتح الباب إذا طرق طارق فقط. لا تخرج إلا في أول سنتين حيث شهر العسل وحلاوة السنين الأولى للزواج, وبصحبة زوجها. لا ترى بقية نساء القرية إلا إذا أتين مع زوجاتهن ليتركن معها,أو يأخذها زوجها في فسحة,أو واجب,أو عمل,ليتركها عند سيدة موثوق فيها وفي زوجها. ربما يكون جائزا للمرأة أن تخرج,بل وتجلس طول النهار على عتبة الباب مثل الرجل إذا تجاوز سنها الستون عاما أو السبعون. قتل عاصم زوجته في سن الخمسين لأنها رآها على الباب تتحدث بدلال مع إبن عمها. في الخمسين تظل جميلة. ويجب أن يصون الرجل جمال زوجتها من الأعين. ولم يعيب ابن عمها فاتح على زوجها عاصم وعاب على نفسه وقال أن الأمر كله غلطة منه هو,وسيراعي أن لا تتكرر ثانية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

غافر

جلس البواب على أريكته يتأمل شارع بعين شاعر,لا ينظر إلى الشارع أمامه,بل يرى الشارع خلف المباني المنصوبة في الصورة التي يبصرها الآن. وهكذا الحال كل يوم. يسكن في شارع ستة بالحي الجديد. يسكن في عمارة رقم 11,ويعمل بها. ويحلم بأن ينتقل إلى الطابق الأرضي أو أي من أقبية المباني التي تعطي ظهرها للمباني التي تعطيه وجهها. الشارع الموازي لشارعه هو شارع السعيد حيث يعيش السادة الأكثر ثراء في مباني تعد واحد من منازلهم الكثيرة. (من جاور السعيد يسعد),ومن عاش في السعيد يسعد. وكانت سعادته بسعادة إبنته. وقد غفر لها ما تقدم وما تأخر من ذنبها بصفتها إمرأة,وجعلها أغلى من كل النساء وقد سماها غالية.

 

خرج ياسر ودخل جاسم,الأول نزل على أقدامه,والآخر يصعد إلا أن المصعد معطل,أشار غافر إلى إبنته الجالسة بجواره تقرأ في مجلة مصورة,قامت ممتعضة وتركت المجلة على الأريكة الخشبية. انحنت لتقف أو تسجد على أربع. ركب ياسر وصعد به إلى الطابق السادس حيث يسكن

 

نزلت مسرعة تجري على قدميها متقافزة فوق الدرجات ثلاث وأربع,ومن أن لمحها أبوها

 

-يا بيت .. ميت مرة أقول لك لا تجري وتقزي هكذا,يقولوا علينا إيه مش مربي بنته,عيب

 

كانت تعلم أنه عيب أصلا أن تظر أي إمرأة دون راكب لها,شغلت نفسها بقراءة القصة المصورة لولا أن قاطعتها السيدة هدير وأبنها في قراءتها,تنهدت وقامت دون أن يطلب منها أحد

 

-المصعد معطل

 

وانحنت ليتشبث الطفل برقبتها بينما اتزنت السيدة هدير فوقها بحرفية عالية في قيادة السيدات,ولم تفقد توازنها ولا مرة واحدة بالرغم أن يديها الإثنتين ممتلئتان بالكثير من الأكياس.

 

وهي تنزل صحبت معها عطوة الغلبان,وهو غلبان لولا أنه الركبة المفضلة للدكتور أشرف, مما يعطيه الإذن بركوبها. وقد كان منذ قليل يحمل عدد من المشتريات للدكتور أشرف,وصعد وحده وغاب هناك بالأعلى. والطبيب أشرف يستمتع كثيرا بأن يجلس فوق المريضات وهو يكشف عليهن,يتحسس ظهورهن بسماعته أمام زوجاتهن. ويستمتع بركوب الممرضات للتجول بين أروقة المستشفى. أتاه ذات مرة السيد غانم غنيم,وكان رجلا بدينا جدا يمتطي زوجته التي أتى بها ليطمئن عليها. وهو سائق تاكسي لم يأتي بعربته. بل بها هي. هي أيضا سائقة عربة أجرة وتعمل بالنهار بينما هو يعمل ليلا,ولا يسمح لزوجته بأن تعلم غير في النهار من مروئته ورجولته. إسمها كريمة,وتعمل في شركة كريمة لعربات الأجرة. وبها قسم خاص للسيدات. يتذكر الدكتور أشرف أنه امتطاها ذات مرة. رأى كريمة تسير على قدمين,على غير العادة,لكن عرف من الكارت الملتصق في قميصها الموحد كما تقتضي نظم الشركة بأنها موظفة توصيل

 

-أجرة؟

 

سألها فانحنت له لتسمح بامتطاءها

 

-إلى أين؟

 

هناك فتاة عنيدة في عمارتهم لا تسمح له بامتطاءها,رغم أنها إبنة البواب ويمكنه أن يطردها وأبوها معها. راكبي الخيل يستمتعون كثيرا بتجربة امتطاء السيدات. أتاه رجل يعمل مبيض محارة هو وزوجته. أحيانا تساعده زوجته في المرتفعات بأن تفرد جسدها ممسكة بين قضيبين معلقين بيديها وقدميها بينما زوجها يقوم بسكب المحارة وفردها على الحائط وهو جالس على ظهرها,كأنها قطعة خشب مثقلة على مسندين على ارتفاع سبعة طوابق,وتظل على هذه الوضعية لمدة أربعة ساعات ثم تستريح قليلا. ومرضها أو عطبها يعني وقف حاله وأنه لن يستطيع أن يأتي بالمال و(المام) إلى المنزل.

 

كانت سارة قد أنهت القصة المصورة,وتقرأ الآن رواية بوليسية وهي تأمل ألا يزعجها أحد آخر. قاطعتها بعض أفكارها حول خطيبها مؤمن. وهو صحفي يأمل أن يكون مرموقا يوما ما. مؤمن الآن في مكتبه جالس على السكرتيرة التي خصصها له مديرة بعد مجموعة من الإخباريات المهمة التي رصدها مؤمن قبل الجميع. آخرها خبر خنق فتاة. وفي السرّ كان يجمع لقصاصات أبرز هذه الأخبار في الآونة الأخيرة من صحف مختلفة

 

جهينة

أقدم عامل مصري على قتل ابنته خنقا بـ إيشارب بسبب سوء سلوكها. وتلقت الشرطة بلاغا بمقتل شابة على يد والدها واشتباه حول شبهة جنائية. وبالانتقال لموقع البلاغ،أقر الأب بقتل أبنته 22 عاما بسبب سوء سلوكها وحملها سفاحا. وتم تحرير محضر بالواقعة وأخطرت النيابة العامة للتحقيق.

 

وكالة سرايا

أقدم مواطن بالتعاون مع إبنه على قتل ابنته خنقاً لأنها كانت تتحدث مع شاب عبر (سكايب).

ونقلت وكالة (سرايا) الإخبارية،اليوم،عن مصدر وصفته بالمطلع أن الأب،ويدعى (م)،دخل مع إبنه (ش) غرفة الإبنة (و)،وشاهداها تتحدث مع أحد الشبان عن طريق برنامج (سكايب)،ما أثار غضبهما فقاما على الفور بقتل الفتاة خنقاً بقطعة قماش.

 

وأضاف المصدر أن شقيق المغدورة أبلغ الأجهزة الأمنية بمقتل شقيقته،مدعياً أن والده هو من أقدم على ذلك،وقالت الوكالة إن الجريمة وقعت في محافظة (…) إلاّ أنها لم تذكر إسم المدينة أو البلدة.

 

وأشارت إلى أن المدعي العام والطبيب الشرعي بالمنطقة حضرا إلى مكان الجريمة، وباشرت الأجهزة الأمنية التحقيق،وتم تحويل الجثة إلى المركز الوطني للطب الشرعي ليصار إلى تشريحها للوقوف على كافة ملابسات القضية.

 

ولا تزال ما يعرف بجرائم الشرف منتشرة في البلاد،ولم تستطع الحكومات المتعاقبة الحد منها خاصة بسبب قانون العقوبات العرب المختلف اختلافات طفيفة من بلد إلى آخر,ولكن كلها تنص على وجود العذر المخفف لارتكاب مثل تلك الجرائم.

 

إرم نيوز

سلم مواطن نفسه للسلطات الأمنية بعد أن قتل ابنته،البالغة من العمر 30 عامًا،خنقًا،في مدينة (…).

 

ونشر حساب مدير الأمن على موقع التدوينات القصيرة (تويتر) تغريدة جاء فيها أن “مواطنا قتل ابنته ذات الثلاثين عاما خنقا في مدينة (…) وسلم نفسه للسلطات الأمنية”.

 

ولم تصدر السلطات الأمنية بعد بيانا رسميا حول ما تم تداوله بخصوص الحادثة،التي استهجنها رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين وصفوا الأب بـ (المريض).

 

الإصلاحية

بناءً على معلومات وردت إلى شرطة منطقة الجبل في الريف بوجود جثة مجهولة الهوية تعود لامرأة بالعقد الرابع من العمر مرمية على اوتوستراد الطريق الشمالي،توجهت دورية على الفور إلى المكان وبدأت بالتحري وجمع المعلومات،وتبين أن الجثة تعود لمواطنة من محافظة حماه تدعى (ع)،ولم يعثر بالمكان على أدلة تشير إلى معرفة الفاعل.

 

ومن خلال المتابعة الحثيثة وجمع المعلومات عن المغدورة اشتبهت شرطة منطقة الجبل بوالدها المدعو (ث) وقامت بإلقاء القبض عليه،وبالتحقيق معه ومواجهته بالأدلة اعترف بإقدامه على استدراج ابنته المغدورة إلى منزله ونقلها على متن سيارة إلى الطريق الرئيسي في الشمال,وخنقها حتى الموت ورميها،وإخفاء معالم الجريمة بحجة أنها متغيبة عن المنزل.

 

تم حجز السيارة المذكورة،ويجري العمل على تقديم القاتل إلى القضاء لينال جزاءه العادل.

 

الأهرام

شهدت قرية نهر النيل بمركز (…) بمحافظة (…) صباح اليوم الأربعاء جريمة قتل وتعذيب بشعة عندما تجرد أب من كل المشاعر الإنسانية وقام بتوثيق نجلته بالجنازير ولفها حول رقبتها وأغلقها بقفل حتى لقيت مصرعها في الحال،وذلك لكثرة تغيبها عن المنزل.

 

تم نقل جثة المجني عليها إلى مستشفى بركة السبع المركزي وتحرر محضر بالواقعة وأخطرت النيابة لمباشرة التحقيق.

 

كان مدير الأمن،قد تلقى إخطارا من رئيس مباحث منطقة نهر النيل يفيد بورود إشارة من المستشفى بوصول طالبة جثة هامدة.

 

بالانتقال الفوري والفحص تبين أن الجثة لفتاة تدعي (إ) (14 سنة – طالبة)،حيث قام والدها بتوثيقها بسلاسل حديدية بالرقبة واليدين داخل حظيرة الماشية حتى لفظت أنفاسها الأخيرة. تم تحرير محضر رقم 7198 جنح المركز وأخطرت النيابة لمباشرة التحقيق.

 

الحوادث

لقيت فتاة مصرعها طعنا بسكين على يد والدها بمنطقة النهر في محافظة (…) وذلك لأسباب مجهولة.

 

تلقى اللواء هنري أبانوب مدير الأمن،إخطارا من مأمور قسم ثان (…) بوصول جثة فتاة إلى مشرحة (…) وعليها آثار خنق بالرقبة،وكلف مدير الأمن إدارة البحث الجنائى بكشف ملابسات الواقعة واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال الواقعة.

 

وكشفت التحريات الأولية بأن الفتاة تدعى (ن) 17 سنة من منطقة النهر الريفى شرق مدينة (…)،وفاجأها والدها من الخلف بأن خنقها بحبل كان بحوزته حتى لفظت أنفاسها الأخيرة، وتواصل مباحث قسم ثان (…) تحقيقاتها لكشف ملابسات الواقعة،وتحرر المحضر اللازم للواقعة وأخطرت النيابة لتولى التحقيق.

 

السلطة

أبشع جريمة قتل.. أب يخنق ابنته ويرمي جسدها في الزبالة ويحتفظ برأسها في الثلاجة.

 

10 سنوات حكمت بها المحكمة على أب قتل ابنته العروسة في مدينة (…) الساحلية،في حادثة قتل بشعة بعد مرور أسبوعين فقط على زواجها،وصفت بـ المأساوية والفاضحة.

 

البداية كانت في منتصف سبتمبر من هذا العام،عندما عثرت أجهزة الأمن بالإسكندرية،على أشلاء آدمية داخل صندوق قمامة (زبالة) بمنطقة (…) ثالث شرقا.

 

وعلى الفور .. بعد تلقي بلاغ من أهالي ورواد المنطقة،انتقلت قوة أمنية من وحدة مباحث قسم المنتزه ثالث،وإدارة البحث الجنائى بالإسكندرية،إلى مكان البلاغ،وبدأت القوات في الفحص والتحري.

 

الشروق

أقدم والد يقطن بباب الـ (…) على خنق ابنته ذات الـ 24 ربيعا حتى الموت،والسبب -حسبه- أن المعنية كانت تمتاز بسلوكيات سيئة،من هروب من المنزل والتسبب في مشاكل،وآخرها إقامتها لعلاقة مع شاب كانت نتيجتها هتك عرضها،وقد امتثل الوالد أمام محكمة جنايات العاصمة عن تهمة القتل العمدي.

 

وقائع القضية تعود إلى السنة المنقضية وبالتحديد في حي (…) بباب الـ (…) بالعاصمة عندما منع الوالد (ق) ابنته (ر) التي تشتغل كاتبة لدى موثق من الخروج من المنزل بعد فضيحتها مع شاب تعرفه،ولأن الفتاة أرادت ملاقاة هذا الأخير لدفعه للإعتراف بفعلته تجاهها،بعد ما أنكر قيامه باغتصابها،لكن الوالد كان لها بالمرصاد،وهو الأمر الذي جعل الضحية تدخل في إضطراب عن الطعام لمدة 10 أيام متتالية لتقرر بعدها مغادرة المنزل عُنوة،فدخلت في ملاسنات مع والدها الذي يشتغل سائقا بالبلدية،الأمر الذي أفقده أعصابه فأقدم على خنقها إلى أن لفظت أنفاسها.

 

ليعرض المتهم على محكمة جنايات العاصمة معترفا بجريمته،لكنه أنكر تعمده القتل،مصرحا بدخوله في حالة من الهيجان واللاوعي،ولم يستفق إلا وابنته جثة هامدة،وقد طالب دفاعه بإفادته بأقصى ظروف التخفيف،معتبرا الواقعة مأساة حلت بالعائلة،لأن الوالد أراد حماية ابنته من الشارع فتسبب في مقتلها لعنادها،وقد شهدت جلسة المحاكمة دخول المتهم في نوبة بكاء شديد،خاصة بعد ما التمست له النيابة عقوبة الإعدام،وهو الأمر الذي جعل زوجته وابنه بدورهما لا يتوقفان عن البكاء. وبعد المداولات نطقت محكمة الجنايات بحكم الخمس سنوات سجنا نافذا ضد الوالد بعد ما أعادت تكييف تهمته إلى جناية الضرب والجرح العمدي المؤدي إلى الوفاة دون قصد إحداثها.

 

العاصمة

أثارت دعوى قضائية غضب أب خمسيني الذي رفعت عليه الدعوى على يد ابنته البالغة من العمر 16 عاما,مما استثار حفيظته الأمر الذي دفعه لعقابها بالضرب والضغط على عنقها ما أدى لوفاتها.

 

هذا ما حصل الأحد في منطقة (…) وفق ما أوضح مصدر قضائي مقرب من التحقيق في قضية وفاة (مراهقة) على يد أبيها بعد أن تقدمت العام الماضي بشكوى لدى إدارة حماية الأسرة بسبب قيام الأب بضربها بشكل متكرر،الشكوى التي احتجزت الإبنة على أثرها 45 يوما في مركز الإصلاح والتأهيل,وهي شكوى مؤيدة من الأخ.

 

وبين المصدر أن زيارات إدارة حماية الأسرة المتكررة للعائلة لمتابعة وضع المغدورة كانت تزعج والد المغدورة الذي ازداد حقده على ابنته.

 

وبحسب المصدر فقد قام الأب بعقاب ابنته بشكل اعتاد عليه من خلال الضغط على عنقها بكلتا يديه إلى حين فقدانها الوعي ومن ثم إيقاظها،حيث قام بالضغط بقوة ما أدى إلى وفاتها، وقال المصدر أن الولد قام بعد أن فارقت ابنته الحياة بإخبار الشرطة وتسليم نفسه.

 

من جهته وجه مدعي عام محكمة الجنايات الكبرى القاضي محمد الدمرداش تهمة القتل العمد لوالد المغدورة وتوقيفه 15 يوما على ذمة القضية في مركز إصلاح وتأهيل العاصمة.

 

الموقع

أمرت النيابة العامة،اليوم الجمعة،بحبس عامل (خردة)،4 أيام على ذمة اتهامه بـ(خنق) ابنته -14 سنة- حتى الموت،بمنطقة (…) في إحدى المدن الساحلية.

 

وكشف قطاع الأمن العام بوزارة الداخلية،ملابسات جريمة منطقة (…) التي راح ضحيتها فتاة قاصر على يد والدها.

 

وتبين التحريات والتحقيقات أن الأب ضاق ذرعا من تصرفات ابنته غير المسؤولة،وخنقها ليستريح من همز وغمز الجيران.

 

تكشفت الجريمة،ببلاغٍ تلقاه مأمور قسم ثان (…)،بقتل عامل خردة- 42 سنة- له معلومات جنائية،ومُقيم بدائرة القسم بقتل ابنته،داخل الشقة سكنهما بدائرة القسم.

 

وعلى الفور،انتقل مفتشي قطاع الأمن العام وضباط إدارة البحث الجنائي،وتبين أن الجثة مُسجاة على مرتبة بأرضية غرفة النوم وملفوفًا حول رقبتها قطعة من القماش (إيشارب) حريمي.

 

بسؤال شاهد رؤيا من الجيران،ومقيمان بذات العقار محل الواقعة،قررا الوالد والوالدة خنقها من قبل والدها فأودى بحياتها.

 

بسؤال والدة المجنى عليها،أفادت بإقامة المجني عليها مع والدها،منذ طلاقهما،واتهمته بقتلها.

 

 

الوطن

فى 2 أبريل من عام (…) استيقظ أهالى قرية (…)،التابعة لمركز (…) بمحافظة (…)،على جريمة قتل لسيدة ثلاثينية من قريتهم،عثروا عليها جثة هامدة،فى صالة الطابق الأرضى بمنزلها،ملفوف حول رقبتها حبل،حيث قتلها 5 من أبناء عمومتها عمدا لشكهم فى تصرفاتها بعد طلاقها،وبمواجهتهم اعترفوا بارتكابهم للواقعة دفاعا عن شرفهم لأنها سيدة سيئة السمعة.

 

جدير بالذكر أنه فى 9 أكتوبر من العام نفسه،فوجئ أهالى نفس المنطقة،بانبعاث رائحة كريهة من شقة جارتهم الثلاثينية،ما دفعهم إلى إخطار رجال المباحث،الذين كشفوا عن جريمة قتل أخرى،سببها شك الزوج،الذى يعمل فرد أمن بإحدى الشركات الخاصة،فى سلوكيات وتصرفات زوجته فى غيابه،إذ قام بخنقها بـ (إيشارب) حتى فارقت الحياة،ثم غادر هو وأولاده منزل الزوجية تاركا جثتها حتى تعفنت.

 

هن

فى 4 نوفمبر 2017،لفظت (ز) 50 عاما،أنفاسها الأخيرة،على يد نجل شقيقها الأصغر (ح)،الذى ارتكب الواقعة حفاظا على شرف العائلة بعد معايرة أهالى القرية له بسوء سلوكها،حيث انتهز فرصة وجودها بأرضهم الزراعية بقرية (…) التابعة لمركز (…)،وقام بقتلها وإلقائها وسط الزراعات،ليعثر على جثتها زوجها (ي)،فلاح،55 سنة،الذى حرر محضرا بالواقعة.

 

بوابة العرب

فى 7 مارس من عام (…)،استدرج 3 أشقاء بمنطقة (…) بمحافظة (…)،شقيقتهم الصغرى (ش)،14 سنة،خارج المنزل،وقاموا بربط ذراعيها ورجليها بالحبال،وخنقها (بإيشارب) خاص بها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة،ثم ألقوا بجثتها فى منطقة مهجورة انتقاما منها لسوء سمعتها وسلوكها وفروا هاربين،لكن الأجهزة الأمنية تمكنت من القبض عليهم،وبمواجهتهم اعترفوا بما ارتكبوه وتمت إحالتهم للنيابة التى تولت التحقيق فيما بعد.

 

وفى 18 يناير من نفس العام،نصب (ع)،ميكانيكى بمركز (…) بإحدى المدن الساحلية، لابنته (هـ) كمينا لقتلها،وغسل عاره،بعد هروبها وزواجها دون علمه،حيث أخبر زوجها بأنه سامحها ويريد رؤيتها مجددا،ثم أحضر زجاجة مبيد حشرى ووضعه لها فى الطعام،وبمجرد أن شعرت بدوار،خنقها بحبل حتى لفظت أنفاسها الأخيرة.

 

اليوم السابع

قضت محكمة جنايات العاصمة،المنعقدة بالتجمع الخامس،برئاسة المستشار بشير عبيد عليم، بمعاقبة المتهمة (م)،بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ لمدة 3 سنوات،لاتهامها بقتل ابنتها بعد إجهاضها،بسبب حملها سفاحا بمنطقة (…)،صدر الحكم برئاسة المستشار بشير عبيد عليم، وعضوية المستشارين علاء كمال بهاء وأمجد العقب ومحمد أحمد حامد،وأميمة علم الدين محمود وعبد الرحيم عباس.

 

وأسندت النيابة للمتهمة (م)،ربة منزل،تهمة الاشتراك مع زوجها فى قتل عمدا المجنى عليها (هـ)،وكان ذلك مع سبق الإصرار،بأن بيتا النية وعقدا العزم على قتلها،عقب علمهما بحملها سفاحا،بأن اصطحباها إلى منزلهما،وما أن ظفرا بها حتى قاما بخنقها بأيديهما قاصدين من ذلك إزهاق روحها،فأحدث بها الإصابات الواردة بتقرير الطب الشرعى والتى أودت بحياتها،وكان ذلك بغرض إخفاء أثر جريمة أخرى حدثت قبل قتل المجنى عليها وهى إسقاط المجنى عليها كونها حامل،بأن تعديا عليها بالضرب والإيذاء فى أماكن متفرقة من جسدها،حال علمهما بحملها.

 

أخبار اليوم

كشفت تحريات مباحث مركز (…)،أن شقيق المجنى عليها ويدعى (أ)،26 سنة،عامل,وراء ارتكاب الجريمة،وأنه قتلها بعد مغافلتها وخنقها بإيشارب،قام بلفه حول رقبتها،ولم يتركها إلا جثة هامدة،وذلك لتأديبها على رقصها في حفل زفاف نجل عمهما.

 

بوابة الحوار الدولية

مسأله تتعلق بالشرف …أب يخنق ابنته ويمزق جسدها بسكين.

 

لقيت فتاة مصرعها خنقا على يد والدها بمنطقة الجبل في (…) وذلك لأسباب مجهولة.

 

حبر

أقدم رجل من أبناء قرية (…) في مدينة الجبل على خنق ابنته بحجة أنها كانت تنوي الهرب مع عشيقها.

 

وتوفت الشابة (س) في مشفى قريب من قريتها بعد أن قام أبوها بخنقها بطريقة وحشية.

 

وفي بداية الأمر ادعى الأب الذي قام بإسعاف ابنته أنه وجد جثتها مرمية أمام منزل العائلة في القرية.

 

وبعد إجراء التحقيقات معه اعترف أنه أقدم على خنقها؛لأنها كانت تريد الهروب مع عشيقها، وفقا لما ذكرته صفحة وزارة الداخلية التابعة على فيس بوك.

 

وطالب العديد من المواطنين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي بإنزال أقصى العقوبات على الأب؛لأن فعل القتل غير مبرر،كما أن هروب الفتاة لم يحدث.

 

صدى البلد

أكدت مصادر لصدى البلد مقتل طفلة خنقا،عل  يد والدها،وذلك بعد أيام من جريمة قتل مشابهة راح ضحيتها فتاة في (…).

 

وأوضحت هذه المصادر أن الطفلة (…)،البالغة من العمر 16 عاماً،خُنقت بيد والدها،بذريعة الشرف.

 

وذلك بعد حبسها في المنزل منذ حوالي عام ومنعها من المغادرة،بعد تعرضها للاغتصاب من قبل ابن عمها.

 

وأضافت أن جريمة قتل الفتاة جاءت بعد ساعات من إصدار المحكمة التابعة للعاصمة في (…)،حكما بالسجن على المغتصب لمدة عشرين عاما.

 

ونوهت المصادر،أن الوالد أقدم على قتل ابنته،لأنها السبب وراء الحكم الصادر بحق ابن عمها،من وجهة نظر الأب.

 

وكانت مجموعة من الأشخاص قد أقدموا خلال الأيام الماضية على قتل فتاة في بيت مهجور بريف النهر،وذلك بسبب علاقتها مع شاب آخر كان يحبها،ورفض الفتاة الزواج من ابن عمها.

 

مبتدأ

شهدت قرية شط الهوى بمركز (…) قيام سائق بقتل زوجته خنقا بسبب الخلافات الزوجية، وتم ضبطه،وبمواجهته اعترف بارتكاب الواقعة,وتذرع في البداية بأنها كانت جريمة شرف, وبعد الضغط عليه أثناء التحقيق أقر واعترف بالسبب الحقيقي وراء قتلها.

 

هير نيوز

كشفت تحقيقات النيابة العامة بجنوب العاصمة عن تفاصيل مقتل فتاة على يد والدها بمنطقة (…) فى (…)،حيث تبين أن المتهم اعتدى بالضرب على المجني عليها،وخنقها،بسبب رفضها الزواج من شاب من معارف والدها.

 

وأصدرت النيابة العامة بجنوب العاصمة قرار بتشريح جثة المجنى عليها،وطلبت تحريات الأجهزة الأمنية حول الواقعة للوقوف على ظروفها وملابساتها،كما فتحت تحقيق مع الأب المتهم،واستدعت أسرة الفتاة لسماع أقوالهم.

 

 

أخبارك

تلقت غرفة النجدة بمديرية الأمن،بلاغا يفيد مقتل فتاة داخل مسكنها بمنطقة (…)،انتقل رجال المباحث إلى محل الواقعة لإجراء التحريات،وتبين أن والدها وراء ارتكاب الجريمة،بسبب خلافات أسرية.

 

تمكن رجال المباحث من القبض على المتهم،وتحرر محضر بالواقعة،وباشرت النيابة التحقيق.

 

عبير

فتاة طفلة عمرها 14 سنة،زوّجها أبوها،رغم إرادتها،لرجل يكبرها بأربعين عاما،لكن الزواج لم ينجح بالطبع،فكيف لطفلة فتاة صغيرة أن تُنتهك جسديًا ونفسيًا،من قِبَل رجل عجوز من عمر جدها وضد إرادتها؟! الفتاة الطفلة قاومت،وفشلت،وحاولت الانتحار،وفشلت أيضًا،وبقيت معه على مضض وكره،ثم حاولت الهرب،فذهب إلى المأذون وطلقها بإرادته المنفردة،أمسكها وأوسعها ضربًا وركلًا،ثم أعادها إلى أبيها يتهمها بسوء السلوك،الحجة الجاهزة السهلة لأى رجل معدوم الضمير يطلق زوجته،العيب فيه،أو العجز،أو الرغبة فى الانتقام منها لعدم قبولها الذل والهوان. المهم أن الأب معدوم الضمير،منذ البداية،أمسك ابنته الصغيرة الضعيفة العاجزة عن المقاومة،كبّل يديها الصغيرتين بحبل متين،يساعده رجال الأسرة،أعمامها وأشقاؤها،لفوا حول فمها وأنفها شرائط لاصقة (بلاستر)،وألقوا بها حية فى النيل،وتم العثور على جثتها وانتشالها من الماء،وقرر الطبيب الشرعى أن سبب الوفاة هو الخنق،وليس الغرق.

 

الأحداث

هزت منطقة (…) مذبحة أسرية بمحافظة (…) حيث يقوم أب بقتل إبنته خنقا بعد أن طعن خالها الذي كان يوافقها الرأي اعتراضا على خطبتها. وهي خطبة كان قدد حددها الأب لها سلفا. للتفاصيل انقر الرابط.

 

انهك هذه الليلة وهو يضيف المزيد من القصاصات المقتطعة من صحف أخرى مثل الأخبار والجمهورية والحدث. أو التي ينسخها من مواقع إخبارية مثل الآن وروتانا وعرب نت وكوردستريت وهي. ناهيك عن وجود أكثر من خبر لأزمنة وأماكن مختلفة في الصحيفة الواحدة.

 

 

 

 

 

 

كاتب

مصر فيها نظام (بيت الطاعة) الذي يعد عصا حقيقية لإذلال المرأة بذريعة حماية حقوق الرجل,ويشغل هذا النظام حيزا كبيرا في قانون الأحوال الشخصية,ومبدأ الطاعة فيه يلزم الزوجة بأن تطيع زوجها وتنقاد لأمره وتلين له ولا تمانع فيما يشتهيه منها. فإذا تمنعت أو تمردت حق للزوج اتخاذه إجراءات ضدها تحت حماية القانون,تهينها وتكسر شوكتها. وخروج الزوجة عن طاعة زوجها يسمى (نشوزا) يستدعي معه رفع دعوى قضائية على الزوجة. ودعوى (الخلع) التي قد تكون مهربا من العواقم الوخيمة لـ (طلب الزوجة في بيت الطاعة). ومنها أنه يلزم الزوجة بالاستقرار في منزل الزوجية،وعدم مغادرته إلا بإذن الزوج.

 

إلا أنه ومع وجود هذا القانون,يظل الإنذار بالطاعة سيفا مسلطا على رقاب بعض النساء خاصة في أوساط محدودي الدخل،الذين يصعب عليهن اللجوء إلى الخلع لأنه يمثل تنازل عن حقوقهن وعلى رأسها (النفقة) والتي من الممكن أن تساعدهن على العيش في ظل الظروف المعيشية الفقيرة. إضافة إلى أن قانون (الخلع) عادة ما لا يقدر على مجابهة قانون (الطاعة) في خضام سنوات من الصراع القانوني في حلبات وقاعات المحاكم تنتهي عادة بهزيمة المرأة. وإذا طلب الزوج زوجته وارتأت أنه لا نفع من الألعاب القضائية,يتم تنفيذ هذا التكليف / الطلب / الأمر ولو باستعمال القوة الجبرية إذا لزم الأمر،وذلك عن طريق رجل الشرطة وبإشراف القاضي وتحت نظر القانون,ورجل الشرطة (غالبا برتبة أمين) يقتاد هذه الزوجة إلى منزل زوجها تحت الحراسة الأمنية،فيما يشبه موقف الاتهام الجنائي. وفي أحسن الأحوال يتم حرمانها من النفقة,أي (تعويضات نهاية الخدمة).

 

-ما حق زوجي عليّ

-هو جنتك ونارك

 

ممسكا بالعصا والجزرة ما بين ترهيب وترغيب

 

-لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها

 

الأسوأ -والذي يمثل فعلا أقسى أشكال الإرهاب والترهيب- هو قانون (الدفاع عن الشرف) والذي يوصف بأنه يجيز جرائم قتل تمت على مقصلة الشك وتحت مظلة القانون,حيث تخفف العقوبة لأقصى درجة على المعتدي إذا ثبت توفر ظروف معينة.

 

لهذه الجرائم مسميات عديدة منها,جرائم الشرف,والدفاع عن الشرف,وغسل العار,ورفع الرأس,والإنتقام للشرف,وحفاظا على السمعة.

 

عناوين الأخبار التي تبدأ بـ(شك في سلوكها) في مصر نهر لا ينضب،وعلى الرغم من التفاصيل التي يشيب لها الولدان في كل حادثة مقترنة بجرائم الشرف إلا أن أغلبها يمر مرور الكرام. فهي لا تؤجج الرأي العام،أو تستدعي انتباه الأقلام والعقول إلا في ما ندر. وذلك بسبب القبول الإجتماعي والإعتراف العرفي والقبلي بها.

 

ويوصف القانون المصري من قبل العديد من منتقديه بكونه (قانون رحب) ذو صدر حنون يرضع منه المجرم حتى يشبع ويهنأ. وذلك لتضمنه العديد من المواد التي تحارب أي عقوبة قد تصدر تضد المعتدي.

 

المادة 55 من قانون العقوبات،التي تجيز للمحكمة عند الحكم في جناية أو جنحة أن تأمر في الحكم ذاته بإيقاف تنفيذ العقوبة،إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون.

 

بالإضافة إلى مواد أخرى تجيز تتميع وتكييف الجريمة من قتل عمد إلى قتل حدث خطأ أثناء الضرب.

 

هذا غير المادة 237 من قانون العقوبات,التي تنص على أن من فاجأ زوجته حال تلبّسها بالزنا وقتلها في الحال ومن يزني بها فإنه يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين 234 و236 فلا يخضع للعقوبة التي تسري في جرائم القتل العمد أو الذي يفضي إلى موت،إذ يستفيد الزوج من التخفيف في عقوبة قتل الزوجة,فيعاقب بالحبس مدة تتراوح ما بين 24 ساعة وثلاث سنوات,وذلك تفهما للغضب الشديد الذي يسيطر عليه (يا حنين!). حيث يعامل المجرم وفق النوع الثالث من جرائم القتل حسب تصنيف العلوم الجنائية؛القتل مشدد العقوبة (الإعدام أو المؤبد),القتل العمد البسيط (السجن المشدد),والقتل مخفف العقوبة والذي يعامل مثل الجنحة.

 

ورغم وضوح النص إلا أنه يتم الالتفاف عليه في التطبيق،فالفيصل فى تخفيف العقوبة هنا هو عنصر المفاجأة وهو ما لا يتحقق في معظم الأحيان.

 

ويرى بعض المختصين أن الرأي الفقهي في مصر،مستقر لضرورة استمرار تطبيق عذر الاستفزاز للزوج،في حالات جرائم الشرف،نظرا لأهمية تلك النصوص في فرض الردع العام،بحيث تحد من انتشار الرذيلة في المجتمع،والردع الخاص،والتي تدفع كل زوجة إلى التفكير في تداعيات جريمة الزنا قبل ارتكابها؛وبالتالي لا يمكن تعميم تجارب دول في معاملة جرائم الشرف كجرائم القتل العمد.

 

كما أن التفريق بين الرجل والمرأة قائم في شروط تحقق واقعة الزنا،فالمرأة المتزوجة تعاقب على فعل الزنا بغض النظر عن مكان وقوعه،سواء كان في منزل الزوجية أو خارجه،عكس الرجل الذي إن زنا خارج منزل الزوجية،فلا يعدّ ذلك جريمة،وإن كان خارج منزل الزوجية مع امرأة غير متزوجة،فلا يعدّ الفعل زنا من الأصل،ويضاف إلى ذلك أن عقوبة الزنا للرجل في حال ثبوتها تكون ستة أشهر،بينما تسجن المرأة لمدة لا تزيد على سنتين.

 

وليس للمرأة الحق أن ترتكب نفس الفعل / القتل إذا ضبطت زوجها في حالة تلبس بالزنا مع أخرى،ولا ينطبق عليها النص القانوني لأنه من المحتمل أن تكون السيدة الموجودة مع الزوج زوجته (والبيه له أربعة). فعند قتل الزوجة لزوجها تواجه عقوبة السجن المشدد أو المؤبد وقد تصل العقوبة إلى الإعدام.

 

وصاحب المجد الذي يحمل على كتفه هم الدفاع عن شرف العائلة هو الزوج في المقام الأول,يليه الأب بالتوازي مع الأخ,ثم الأعمام والخلان وأبناء العم والخال,مرورا ببعض الأقارب الآخرين,مثل بعض المساعدات من الأمهات -الغالبية العظمى لمرتكبي هذه الجرائم من الذكور- أو ربما الجد,وبالطبع يوجد فئات قرابة أخرى تنال من الحظ نصيب,وصولا إلى ارتباطات الصهر.

 

ويرجع اعتلاء الزوج التكليف بالمهمة لكون الزوج / الرجل أكثر المعفيين البالغين من أي أحكام قد تصدر ضده,مراعاة لمشاعره وثورة الغضب لديه,يليه الأخ والأب. كما أن الأحكام تكون أكثر تخفيفا بالنظر إلى البيئة المحيطة,أي إذا قتل شخص أخته في القاهرة حال علمه بارتكابها جريمة الزنا ربما يقع عليه الحكم بالسجن المخفف,ويختلف الأمر إذا ارتكب نفس الفعل في الصعيد لأن الأعراف والتقاليد في الصعيد تكون أشد عنفا وبالتالي أكثر اعتيادية حدوث هذه الأمور هناك. وإحيانا تُستغل الأحداث من أبناء العائلة لتنفيذ الجريمة وبالتالي يخضعون لعقوبات مخففة للغاية. فالقانون المصري يسمح “للجاني أن يسير في جنازة ضحيته”،وهو ما يحدث في كثير من الحالات.

 

وتشمل الدوافع وراء ارتكاب جرائم الشرف,الخيانة الزوجية,الزنا,سلوك جنسي / وضع مخل,الإغتصاب,ترك بيت الأهل,الخروج بدون إذن.

 

وغالبا تكون الإشاعات أو مرض نفسي للزوج أو الاتهامات الكيدية أو بعض الشكوك في الخيانة أو نسب الأطفال هي دوافع الجريمة ورغم ذلك يتم تخفيف العقوبة.

 

وعادة تكون هذه الدوافع,وعلى رأسها الإغتصاب أو الزنا,مستترة خلف دوافع أكثر خبثا مثل أن يقتل الأخ أخته لحرمانها من الميراث,ثم يتذرع بـ (الشرف) ويختبئ خلفه للتنصل من العقوبة أو لتخفيفها. بل ويسجّل كثير من جرائم قتل النساء الأسرية تحت خانة (الشرف)،لكن السبب الحقيقي وراء عدد كبير منها يكون خلافات اجتماعية كإرغام الفتاة على الزواج،أو زواجها من شخص من دين أو قومية مغايرة،أو طلب الطلاق,أو الدخول في علاقة عاطفية مع شخص ترفضه العائلة،أو حتى أن يغتصب الأخ أخته ويقتلها بذريعة أنه تم إغتصابها من رجل آخر. فيكون القتل بدافع التغطية على جريمة أخرى هي سفاح القربى.

 

كما أن القتل قد يحدث بسبب استسهال اللجوء إلى العنف وذلك فى إطار انتشار (ثقافة العنف) وبخاصة ضد الإناث في العالم العربي،أو الشعور بالأحقية في تحجيم اختيارات المرأة ومن ثم (تقويم سلوكها) كما يؤكد الكثير من الحقوقيون.

 

وأجريت دراسة عام 2015 أفادت بأن 70 في المئة من جرائم الشرف لم تقع في حالة تلبس وإنما اعتمد مرتكبيها على الشائعات. وأوضحت الدراسة أن تحريات جهات التحقيق في 60 في المئة من هذه الجرائم أكدت سوء ظن الجاني بالضحية والتربص بها.

 

وفي بعض جرائم الاغتصاب،لا يبحث الأهل عن الجاني بغرض تقديمه إلى العدالة لينال العقوبة الملائمة،بل ربما لإقناعه بالزواج من الابنة المغتصبة. ولكن هذا الحل نادر ولا يلجأ إليه إلا من قبل بعض العائلات الرحيمة,بينما يفضل آخرين أن (يريحوا دماغهم) ويقتلون المرأة لضمان غسيل (للعار) سريع ونظيف ومضمون.

 

ووفقا للفحوص الشرعية يتبين أن غالبية الفتيات اللواتي قتلن (دفاعا عن الشرف) كن عذارى،كما يؤكد عدد من الباحثين في مصر وبلاد الشام والمغرب.

 

وجريمة الشرف مقبولة قانونيا وأخلاقيا وعرفيا في عدد من الدول غير مصر. وبالنظر لقوانين العقوبات فى دول عربية أخرى،نكتشف أن نفس الأعذار المخففة تقريبا تظهر في معظمها مع اختلافات طفيفة.

 

الأردن سُجلت بها تسع جرائم قتل أسرية بحق النساء في الأردن منذ بداية عام 2020،كما رُصدت 21 جريمة من النوع نفسه خلال عام 2019 و 60 في المئة من هذه الجرائم وقعت بحق شابات تتراوح أعمارهن بين الـ 18 و 37 عاما.

 

ويعاني ضحايا جرائم الشرف في الأردن أيضاً (إسقاط الحق الشخصي) من قبل العائلات غالباً،إذ يجيز قانون العقوبات الأردني ذلك لأهل الضحية،مما يسهم في تخفيض الحكم المخفّف بالأساس إلى النصف.

 

ولحمايتهن من جرائم الشرف،تكتفي السلطات الأردنية بتوقيف عشرات النساء والفتيات المهددات بالقتل في السجون ومراكز حماية الأسر أشهراً وأحياناً سنوات. حيث يمنح القانون الأردني السلطة للحاكم الإداري وفق قانون منع الجرائم،لتوقيف النساء المهددات بالقتل لحمايتهن بعد تغيّبهن عن منازلهن،فيما تخشى كثيرات من هؤلاء النساء مغادرة السجن،خوفاً من أن يقتلن على الرغم من توقيع ذويهن على تعهّد بعدم التعرض لهن.

 

سوريا يشترط قانون العقوبات فيها أيضا عنصر المفاجأة كالقانون المصري والأردني لتخفيف الحكم في حالة القتل. إلا أن العقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات السوري أشد من القوانين الأخرى،إذ تنص المادة 548 منه “تكون العقوبة الحبسَ من خمس إلى سبع سنوات”.

 

هذا التعديل فى القانون السوري شدد العقوبة التي كانت سابقاً سنتين فقط،لكنه لم يقدم تعريفا محددا لجرائم الشرف كحال معظم قوانين العقوبات،الأمر الذي يسمح باستمرار الظاهرة.

 

كما يتنازل القانون في بعض الحالات عن أي عقوبة بحق الذكور الذين ارتكبوا جريمة قتل ضد امرأة من أفراد العائلة بسبب ممارسات جنسية غير لائقة,خاصة بعد تأييد من أهل الضحية.

 

ووصل عدد النساء اللواتي قتلن بداعي (الشرف) إلى 200 امرأة عام 2011 حسب مرصد نساء سوريا.

 

لبنان تجيز فيها المادة 562 من قانون العقوبات التي تناولت (جرائم الشرف)،العديد من التجاوزات في القانون في سبيل التسامح مع المجرم وتخفيف العقوبة عليه لأقصى درجة. والتي كانت تبرر القتل في حالات (جرائم الشرف). فيعفي القاتل من الجريمة أو يحاول القانون تبريرها له لتخفيف الحكم عليه.

 

وذات مرة قررت رئيسة المحكمة،أن تمنح المجرم العذر المخفف، وخفّضت عقوبته من الإعدام إلى الحبس ثلاث سنوات، وذلك استناداً إلى المادة 252 من قانون العقوبات،التي تنص على “أنه يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة،الذي أقدم عليها بثورة غضب شديد ناتج من عمل غير محق،وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه”.

 

وعن المآخذ الأخرى حول هذا القانون اللبناني،أنه لا يجرّم بل يشرّع الاغتصاب الزوجي، وذلك موجود في المادة 503. كما أن سفاح القربى المذكور في المادة 490 يعدّ جنحة لا جناية،أي أنه إذا أقدم الأب أو الأخ على اغتصاب ابنته أو أخته تعدّ جنحة،ولا تزيد مدة الحبس فيها على ثلاث سنوات. أما في حال كانت الضحية قاصرا،فلا يحق لها أن تقدم دعوى قضائية ضد أهلها،بل يعطى الحق لأحد أقاربها أو أصولها أو جيرانها،الأمر الذي يجعلها عرضة للتشهير.

 

إضافة إلى مشاريع القوانين التي لا تزال نائمة في أدراج مجلس النواب،مثل رفع سن الزواج وقانون التحرش.

 

والأمر لا يقل سوءا في فلسطين.

 

 

 

الجزائر حيث يقول الحقوقيون إن القانون الجزائري لا يزال يتراخى مع الأشخاص مرتكبي جرائم الشرف،التي تحدث عنها المشرع في القسم الخامس من قانون العقوبات،وذلك من المادة 296 إلى 303 مكرر 2،تحت تسمية الاعتداءات على شرف واعتبار الأشخاص وعلى حياتهم الخاصة وإفشاء الأسرار.

 

وفي القضايا المخلّة بالشرف،وفق ما ورد في القانون،نجد جريمة القذف التي نصت عليها المادة 296 من قانون العقوبات،معرّفاً إياها بأنها كل إسناد عمدي وعلني في واقعة محددة تستوجب عقاب واحتقار من أسندت إليه.

 

وهنا يمكن القول،إنه لا يوجد قانون خاص بالجرائم المتعلقة بالشرف،إلا أن المشرع الجزائري كيّف جرائم القذف متى ارتكبت ضد الأشخاص،على أنها جنح وهو ما يظهر في المادة 297 منه التي تنص “يعدّ سبّاً كل تعبير مشين أو عبارة تتضمن تحقيراً أو قدحاً لا ينطوي على إسناد أية واقعة”.

 

أما بالنسبة إلى العقوبات المقررة لها،فنجد أن القانون نص عليها في المادة 298،وحدد لها عقوبات حبس تتراوح بين شهرين وستة أشهر وبغرامة مالية من 25 إلى 50 ألف دينار (نحو 194 إلى نحو 388 دولاراً أميركياً) أو بإحدى هاتين العقوبتين. ويضع صفح الضحية حدّاً للمتابعة الجزائية.

 

ويعاقب على القذف الموجّه إلى شخص أو أكثر بسبب انتمائهم إلى مجموعة عرقية أو مذهبية أو إلى دين معين بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من 10 آلاف إلى 100 ألف دينار (نحو 77 إلى نحو 777 دولاراً أميركياً) أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط،إذا كان الغرض هو التحريض على الكراهية بين المواطنين أو السكان.

 

بناءً على هذه المواد القانونية،تبقى السلطة التقديرية للقاضي في تكييف قضايا الشرف وتشديد العقوبة أو تخفيفها،وفقاً للظروف التي ارتكبت فيها،وطبيعة الشخص الذي ارتكبها، في ما إذا كان من معتادي الإجرام،أو لديه سوابق قضائية.

 

والحال ليس أقل سوءا في تونس والمغرب وليبيا.

 

الكويت فيها المادة 153 من “قانون الجزاء” الكويتي حيث تمييز فى العقوبة بين الرجل والمرأة في حالة الإقدام على قتل “الشرف”،كما هو الحال في القانونين المصري والأردني، إلا أن القانون الكويتي يسمح أيضا بمعاقبة القاتل بالغرامة فقط وليس الحبس بالضرورة.

 

وتنص المادة على معاقبة من يقتل زوجته أو ابنته أو أمه أو أخته “حال تلبسها بمواقعة رجل لها” بالحبس مدة لا تجاوز 3 سنوات أو بغرامة لا تتجاوز 45 دولاراً،أوبكلتا العقوبتين.

 

وقد أثارت هذه المادة كثيرا من الجدل وسط دعوات بإلغائها منذ سنوات،إلا أنها لاتزال قيد المناقشات في مجلس الأمة منذ عام 2017 إذ تقف بعض القوى الإجتماعية وراء الإبقاء عليها.

 

وتقول إحدى الحقوقيات أن “الإبقاء على هذه النصوص جريمة تبيح القتل بلا عقاب،وبرغم تحديد النص لحالة التلبس،إلا أنه فى ظل غياب التعريفات القانونية الواضحة فإن كل ما تفعله المرأة يمكن أن يعتبر تهديدا لشرف الرجل ككشف شعرها أو الخروج من البيت،أو استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للمحادثة أو لنشر صور”.

 

والحال ليس أقل سوءا في باقي الجزيرة العربية,حاضرا,أو ماضيا,وكما سجل البستاني في كتابه أدباء العرب:

 

“تغلب صفرة اللون على النساء العربيات، وتستحسن فيهن إذا كانت ضاربة إلى البياض،26

ويوصفن بسواد الشعر والعينين، واعتدال القامة، ورقة الخصر، وثقل الأوراك. والبدوي

ينظر إلى المرأة كأداة للذة والنسل يريد منها أن تلد له غلمانًا ينافس بهم غيره من

الناس. والمنافسة بكثرة البنين من عاداتهم؛ لأن الصبي يرجى للذود عن الحمى، وإحياء

الذِّكر، وبه يتسلسل النسب. فكانوا يكرهون ولادة البنت، وربما تشاءموا بها فوأدوها،

ُ وع ً رف الوأد في قبائل العرب قاطبة، بيد أنه لم يكن شاملا، فإذا استعمله واحد تركه

عشرة، حتى جاء الإسلام فأبطله.27

َّ وكان يهمهم تزويج الحرة البيضاء؛ لأنها عرضة للسبي، فإذا صارت في كنف زوج،

ٍ وضمها حماه كانت غلا في عنقه. وقد تُ َّ خير في أمر زواجها، إذا كانت فطنة رشيدة، كما

ُخ ِّير ُ ت الخنساء في د َّ ريد بن الصمة.

ً والبدو يتزوجون صغارا لطبيعة أرضهم، ولرغبتهم في البنين. فالفتى يتزوج في

الخامسة عشرة، والفتاة في العاشرة. وكانوا يرغبون في زواج البعداء؛ ليتألفوا أعداءَهم

ِ بالمصاهرة، ويكثروا الأحلاف، وهم إلى ذلك يعتقدون أنه أنجب للولد وأبهى للخلقة،

ٍ ويجتنبون زواج الأهل والأقارب، ويرونه مضر َ ا بخلق الولد ونجابته.

ويخطب الرجل إلى الآخر ابنته، فيصدقها ثم يُ ِّ عقد له عليها. وله أن يعدد الزوجات

َّ مقدار طاقته، إلا ُّ إذا اشترطت المرأة عدم التعدد، وتعاقدا عليه.

ُّ وكانوا لا يجمعون في الزواج بين الأختين، ولا بين المرأة وابنتها، ولكنهم استحلوا

َّ زواج امرأة الأب، فأبطله الإسلام، وسماه زواج المقت لأنه ممقوت.

وربما تزوج بعضهم نساء بعض في غاراتهم بلا عقد، أو ذهبت المرأة إلى عدة

َ رجال، فيأتي الولد لا يدري من أبوه، فتلحقه أمه بمن تريد من الرجال الذين

ً عرفتهم، ولا يرفضه الرجل إذا كان ذكرا؛ أو يلجئون إلى القيافة ويلحقونه بأقربهم

ً إليه شبها.

 

ويفاخرون بالولد إذا كانت أمه حرة بيضاء زاكية الأصل، 28ويسمونها أم البنين،َّ ويفاخرون بالأخوال، ويشبهون الأولاد بهم دلالة على النسب الحر، أم َ ا الأمة فتكون على

الغالب سوداء، ولا يُعترف بأبنائها إلا بعد أن تظهر نجابتهم، كما اعترف شداد العبسي

ِ بعنترة، وكما قال عمرو بن شأس في ولده عرار.

 

ُّ وللزوج عندهم حق ُّ الطلاق دون المرأة، إلا إذا اشترطته في عقد الزواج، ولا يحق

للزوج أن يسترجع امرأته بعد تطليقها ثلاثًا، ولكنه يسترجعها بعد تطليقها مرة أو

َّ مرتين. وإذا كانت المرأة في بيت من شعر، وأرادت الطلاق، حولت بابه إلى الجهة المقابلة،

فيعلم زوجها أنها طلقته، فلا يدخل الخباء، شأن حاتم الطائي عندما طلقته زوجه ماويَّة.

وإذا مات الزوج تربَّ َّ صت سنة معتدة 30ِّ لا تخرج من بيتها، ولا تمس ماء،ً ولا تقلم

ً ظفر َّ ا، حتى إذا استكملت عد َّ تها خرجت بأقبح منظر وأقذره، والعدة للمرأة انتظار ليعلم

فيها وجود الولد وعدمه.

ونساء العرب يصحبن رجالهن إلى الحرب، فيحضضنهم على الصبر في مواقف

ِ القتال، ويمنعنهم أن يلوذوا بالفرار، ويداوين الجرحى، ويحملن ق َر ُ ب الماء، ويقتن

الخيول.

 

ولهن حق الجوار كما للرجال، وعلى الرجل أن يحمي جار امرأته وأخته وأُ َّمه

وجارته كما يحمي جاره.

ُ وعرف منهن غير واحدة بالشجاعة، والفصاحة والشعر، وحسن الرأي والحكمة

والعرافة. على أنهن مضعوفات في الجملة، يحتقر الرجال مكانهن، ويتشاءمون بولادتهن،

ويسيئون الظن بأخلاقهن، فينعتونهن بالكيد والمكر والخيانة والخداع.

 

وهذا أقل ما يقال في عصر توئد فيه النساء حية أول ما تأتي إلى الدنيا,ولهذا سمي بعصر الجاهلية.

 

باكستان إن نشدان العدالة مسألة إشكالية للغاية في باكستان بسبب وجود ثغرة قانونية واسعة تتيح لمرتكبي جرائم (الشرف) إمكانية الإفلات من العقاب. فبموجب القانون الباكستاني في قضايا القتل،يجوز لعائلة الضحية العفو عن الجناة؛وعندئذ يمكن أن يفلت هؤلاء الجناة من الملاحقة القضائية ومن صدور أحكام بحقهم. كما في بلاد الشام.

 

وفي باكستان، تترواح الأرقام التقديرية بين 900 وأكثر من 1000 حالة سنوياً. بيد أن هذه الأرقام لا تمثل سوى الحالات الموثَّقة من قبل جماعات حقوق الإنسان،التي تستند إلى الأخبار التي تتناقلها وسائل الأعلام أو المعلومات التي تقدمها السلطات المكلفة بإنفاذ القوانين.

 

وفي أفغانستان الوضع ليس أقل سوءا حيث يسمح للمرأة هناك بأن تعيش شريطة فقط أن ترتدي الحجاب.

 

ومن الغرب اختر خمسة بلاد ليصنع عنهم ملفات خاصة لكل واحدة على حدى

 

اليونان وتصورها الميثولوجي لجنة من الرجال بدون نساء قبل أن تبتلي الآلهة البشرية بأول إمرأة في تاريخها,باندورا,ومعها أتت كل الشرور.

 

بريطانيا ومساهمتها العظيمة والمثمرة في الاسترقاق,ومضاجعة الجواري مجانا.

 

إسبانيا ومحاكم التفتيش الإسبانية وأكثر من مائة وسيلة وأداة تعذيب للنساء,وكانت النساء تقتل بأشنع الطرق ولأتفه الأسباب بشكل متكرر للغاية.

 

ألمانيا وصعود النازية لتفني عدد هائل من النساء,حيث تم إغتصاب نحو 2 مليون ألمانية من قبل الحلفاء,وتناثرت جثث الكثير منهن في الشوارع. ولم يتردد جنود الحلفاء لحظة واحدة في إعدام أي إمرأة رفضت الرضوخ لمطالبهم. وأعداد مليونية أخرى تم إغتصابهن من الجنود الروس والبريطانيين والأمريكيين والفرنسيين. هذه وظيفة المرأة في الحروب.

 

أمريكا وفيها تحدث معظم جرائم القتل ضد النساء,وإن لم يكن دفاعا عن الشرف. هذا غير تاريخ محاكمات السحر في مدينتة سالم الأمريكية.

 

أما عن تصورات المرأة / الأنثى في الأساطير عبر التاريخ,فحدث ولا حرج.

 

هناك عدد من النماذج النسائية المعروفة تقريبا من الشرق إلى الغرب ومن القطب إلى القطب,ومنها مثلا حواء التي أخرجت آدم من الجنة,والأم سبب كل علة نفسية أو جنسية لإبنها,والمرأة المتسلطة,والملكة الشريرة,والشيطانة,ونماذج نسائية وأنثوية لا تقل خبثا وشرا عن ذلك. وهي نماذج يكاد يكون معترف بها في صورة واحدة عند جميع الشعوب

 

في الشرق عرفت كاغويا كإلهة مخيفة باليابان,كما أن لديهم قائمة لا بأس بها من المخلوقات المرعبة,الشيطانية الإنثوية

 

1-المرأة الأفعى Nure-onna

2-المرأة العنكبوت Jorogumo

3-السيدة هانكو Hanako-San

4-أمازكي بابا Amazake-Baaba

5-تاكي تاكي Teke Teke

6-أونا Onna

 

معنى كلمة أونا Onna,إمرأة,وقد تم ذكر هذا اللفظ في عدد من الأساطير اليابانية المروعة, والتي تشكل عائلة أونا العريقة حيث ارتبطت في ذكرها وإسمها,بكلمة .. إمرأة. ومن ذلك نذكر أسماء هذه الشخصيات المخيفة

 

-Futakuchi Onna

-Kuchisake Onna

-Mu-Onna

-Nure Onna

-Tsurara Onna

-Yuki Onna

 

7-ذات الفم الممزق

 

ذات الفم الممزق,إمرأة قبيحة تقتل الرجال الذين لا يرونها جميلة,بعد أن تزيل الكمامة ليكتشفوا قبحها,ومن الغرب كان جمال المرأة أكبر كارثة تودي بالرجل إلى هلاكه,فكانت فينوس أو أفروديت إلهة الجمال عند اليونان. وزيوس ذو الحكم العادل لولا وجود هيرا سيدة الآلهة.

 

من آلهة الأساطير اليونانية إلى أبطال الكوميكس الأمريكي,وتجسيد مفهوم الـ سوبر – مان في شخصية سوبرمان,التي تركت تأثيرا عظيما في التاريخ,منه ظهور أبطال الكوميكس على الطراز الأمريكي,وصنع المرأة الخارقة Superwoman أو الأنثى الخارقة. والتي تأتي دوما تابعة للرجل الخارقة,أو نسخة محاكاة عنه بشكل ساخر أو مبتذل.

 

وهناك بياض الثلج المرأة التي عرف عنها في زمنها أنها أجمل إمرأة في أوروبا,وهي المرأة التي جنى عليها جمالها. المرأة التي إقترن إسمها بلقب ملكة الثلج. ويقال أن لبياض الثلج وجه آخر غير الذي قدمته إستديوهات ديزني في أفلامها.

 

وقائمة من النساء الشيطانيات

 

1-ماري الدموية Bloody Mary

2-الثقوبة Succubus

3-بانشي Banshee

4-هاربي Harpyia

5-المرأة القطة

6-الأمازونيات

7-ميدوسا

8-الإيرينيات Erinyes

9-السيدة البيضاء White Lady

10-آنيس السوداء Black Annis

11-بابا ياغا

12-بين نيجه Bean Nighe

13-سيدة النهار Lady Midday

14-حورية البحر Mermaid

 

بشكل عام الأنثى حاضرة بقوة في التراث الغربي الأسطوري حتى في النماذج الغير أصلية حيث يكفي فقط أن تؤنث وحش ما مثل المستذئبة أنثى المستذئب,والثقوبة أنثى الجاثوم,ومصاصة الدماء من زوجات دراكولا,وغيرها من النماذج والأمثلة.

 

وعند العرب وفي الشرق الأوسط,كانت العزّي إحدى أطراف الثالوث الإلهي العربي في الجاهلية وهو؛اللات والعزى ومناة. وكانت إلهة للجمال أيضا. والجمال له مكانة كبيرة في التراث العربي حيث يعبر عنه بـ حوراء.

 

الأصل حور يخرج منه العديد من النماذج النسائية ذات الجمال السماوي.

 

أولا حورية البحر

حورية البحر موجودة في أغلب بقاع العالم,بدئا بـ مخلوقات سيرين أو السيرينيات من الميثولوجيا الإغريقية,مرورا بـ عروس البحر أو جنية البحر من التراث العربي,وصولا إلى

 

ثانيا حور العين

ملائكة السماء وخدم لله اختصهم لخدمة عباده في الجنة.

 

ثالثا حوراء

تطلق على المرأة التي بلغ بها الكمال أن صارت أيقونة الجمال بين النساء,غادة شابة أو فتية ناعمة ولينة الجوانب.

 

رابعا بياض الثلج

انظر بياض الثلج.

 

خامسا ليلى

تحمل معاني قريبة من التي تخص المذكورين أعلاه,وهي صاحبة المثل الشهير:-

“كل يبكي على ليلاه”.

 

وجائزة الرجل في الجنة,وهي تكاد تكون الجائزة الكبرى بعد رؤية وجه ربه,أن يحظى بعدد لانهائي من المحظيات من حور الجنة اللاتي لا يوجد قط في الوجود أجمل منهن. لا أعرف ما هي جائزة المرأة غير أنه يجب أن تحصل على أذن زوجها قبيل الدخول للجنة,حتى لو هو ذاهب للنار.

 

ومن النماذج الشيطانية للنساء عند العرب

 

1-ليليث

2-دليلة

3-النداهة

4-الحطمة

5-المزييرة

6-الثقوبة

7-السلعوة

8-الغولة

9-الجنية

10-عيشة قنديشة

11-أم الصبيان

12-أم الدويس

13-بنت الخرساء

14-أم السعف والليف

15-أم حمار

16-أم الشعور

 

وفي الأخير بدأ ينتاب كاتب شك,في أن كل ما يحدث للمرأة,تستحقه عن جدارة

 

-لأنه ليس معقولا أن كل هؤلاء مخطئين!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الملبوسة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هذا باحث قضى الكثير من عمره وكتب أكثر من سنواته العشرين أبحاثا تدحض أي مزاعم حول القوى العلوية أو الماورائية التي يفترض وجودها في واقعنا وتجاور بين الفيزياء والميتافيزيقا.

 

ذات مرة رأى حالة يصعب عليه حتى اليوم العثور على تفسير مقنع أو مرضي لها,وقد بدأت ذكرى هذه الحالة ترجع تدريجيا إلى ذاكرته أثناء زيارته اليومية للفتاة جنى.

 

رأى في عينيها ذات العينين لذلك الفتى المعلق الذي كان يأتيه -ويفاجأه في كل مرة كأنها أول مرة- من السقف. حتى هذه اللحظة كان الأمر مفسرا ومنطقيا؛مجرد لاعب سيرك / جمباز,أو أيا يكن,محترف بالتأكيد,وربما ساعدته بعض الطفرات الخلقية في العضلات والعظام. ولكن أن يأتيه نازلا إليه من السماء / الهواء / أو أيا ما كان!. هذا كان أمرا لا يصدق.

 

هكذا أيضا أتته الفتاة جنى من أعلى السقف أول ما دلف إلى الغرفة,دخل من الباب لأول مرة ليراها معلقة هناك في السقف من قدميها,ولكن بلا أي حبال تقيدها.

 

بدأ يحصي عدد من التحولات التي يمكن أن يجد لها تفسيرا في هذه الفتاة.

 

تستطيع أن تمرر نفسها من بيد يديها وهي عاقدة إياهم,القدمين من الرباط,حتى إذا كانت مقيدة يديها إلى الخلف. تستطيع من أسفل قدميها أن تمرر يديها لتصير أمامها. أو العكس, تستطيع تمريرها من فوق رأسها.

 

تستطيع أيضا تثبيت يدها إلى الطاولة وتجعل محور ذراعها كله من المعصم إلى مفصل الكتف يدور دورتين كاملتين دون أن تحرك يدها أو كتفها.

 

يمكنها أن تجعل كل عظامها تطقطق؛أصابعها,وفقرات ظهرها حتى عظام عنقها وجمجمة رأسها.

 

كما تظهر نتوءات غريبة ومقلقة من جسدها,في أماكن مختلفة,وتستطيع أن تغرقها ثانية داخلها,تطمسها تحت جلدها. وقد توزعت النتوءات بصورة تجعلها كأنها وحش.

 

من الوضعيات الأخرى الغريبة,أنها كانت تنزل السلم على وضعية العنكبوت,مثل فيلم الرعب الشهير؛طارد الأرواح الشريرة. الأسوأ من ذلك أنها دوما تسير منحنية تحبو على أربع,بشكل عكسي يجعل صدرها للأعلى وظهرها للأسفل,ولكن لازالت قوائمها الأربع مستقرة على الأرض تسير بثبات دون أن يختل توازن جسدها. هذه الوضعية العنكبوتية تتمثل في صورة ثالثة لما كانت تخرج رأسها من فجوة تصنعها أثر اصطدام الجمجمة بالباب. وصوت تهشم الخشب,وربما العظم,لهو صوت تتخشب له العظام وتقشعر الأبدان.

 

من أكثر المواقف إرعابا لأمها لما كانت تخرج من غرفتها هائمة على وجهها تطيح بيديها فاردة ذراعيها يمينا ويسار تتخبط يمنة ويسرة في أركان الشقة. تتكسر أذرعتها وأضلعتها ورقبتها وفقراتها دون أن تهمد حركتها أو يسقط جسدها.

 

جسد لولبي,هذا هو حالها الآن,وكلما رأيت صورة مخيفة يتضح أنني لم أرى شيئا بعد. كان في البداية جسدها يتلوى,تلف ذراعيها وساقيها بدون أن تتحرك يديها وقدميها. ثم تلف بجزعها نصف دورة للخلف. هنا تجمدت الدماء في العروقي. تنظر للوراء. ثم تلف رأسها نصف دورة لتواجهني بوجهها مرة أخرى. أو لما تجلس على الأرض وتنثني على نفسها فيما يشبه الوضع الجنيني ولكن بشكل عامودي دون أن تلمس بجنبيها الأرض. تمر رأسها من بين فخذيها وتكاد أن تقبل مؤخرتها. ممدة على السرير,فجأة تنتفض في وضعية الجلود وتتشبث بالشراشف كأنها تلد. يخرج لسانها ويتلوي ملتويا كأنها حبل مبروم أو قماش معصور. أذرعها وأرجلها باتت تدور نفس الحركة بشكل صريح.

 

الاهتزازات وضعية مرعبة أخرى لم يتصور أنه يوما ما سيشاهد مثل هذه المشاهد,بل وبعد كل ما رآه فيها ومنها,لم يتصور أن يكون لديها جديد. يهتز جسدها ويظل يهتز بشكل سريع ومتكرر ويهتز بشكل أسرع وأقوى ويهتز

 

يهتز

 

يهتز

 

يهتز

 

يهتز

 

حتى أن عقله وبصره بدأ يهتز ويشكك في علومه ومعتقداته. المهزوزة الملبوسة تهز جسده خوفه.

 

واهتزازاتها كانت على درجاتها,أولها اهتزاز طفيف جدا ومتقطع يكاد يكون غير ملحوظ,ثم ارتعاشة كأنها رجفة برد أو خوف أو إثارة. المستوى الثالث هو ارتجاف مثل غصن شجرة تهز الريح أوراقه. كانت بردانة بشدة. الرابع هي رياح شديدة ترفع الأوراق والتراب والنباتات والرمال وبعض الأشياء الصغيرة المتناثرة هنا وهناك,وتطير الملابس. رياح شديدة تجعل جسدها يهتز بعنف. المستوى الخامس كأن تيارا كهربائيا يولد مدينة تولد داخلها فكادت تضيئ مع إهتزازها. السادس كانت إهتزازات تخلع جسدها مكانها,وتتحرك هي مع إهتزازاتها. السابع بدأت تكون صور وهمية من قوة الإهتزازات فشعر كأنه لا يراها أو يراها قد تناسخت. تناسخت أو تلاشت. تشيطنت تماما.

كانت هذه المرة تأخذ شكلا من أشكال هندسية مختلفة؛صنعت مكعب وصنعت دائرة. وكانت تخرج أشياء من جسدها. وفمها يأكل أي شيء. وتنفذ حركات أكروبات وجمباز وباليه خارقة.

 

فإذا كانت في الأولى معلقة,وهو وضع غير طبيعي,وثاني شيء أن لديها مرونة غير عادية في جسدها,مرورا بالوضعيات العنكبوتية إلى كافة الوضعيات,ختمت المأساة بأن وجدها ملتصقة بالحائط أمام إخوتها ووالديها. التصق اللحم بالطوب حرفيا. وماتت. وآمن هو أن هذا غير طبيعة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المهمشين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المهمشين

المهمش أو المنزوي أو الجانبي أو السفلي هو شخص غائب في حضوره,خفي في ظهوره, مشكوك في وجوده,منسي كل ما يفعله أو يقوله.

 

يمر من العين مثل مرور الأشعة خلال الزجاج أو المياه,ودوي كلامه على السمع,أشبه بصدى أو صوت بعيد لا تتحدد ملامحه.

 

المهمش هو شخص لا يمكن أن ينتبه إليه أحد,مهما حاول هو لفت الأنظار إليه,ومهما حاول أحد أن يبحث عنه بين مجموعة من الجالسين أو الواقفين فلن تسقط عينه عليه إلا صدفة. بل وبلغ الأمر درجة أنه مهما كان فعله حاضرا وفاضحا وملفتا,ومهما أحدث من ضجة وصخب,ومهما كان تأثير هذا الفعل حاليا أو لاحقا,ومهما كان وقعه الذي يقع عليه,أو على الذي يشهد الحدث. مهما بلغ قوة الفعل,فربما لا يتجاوز ملاحظة أحد له,المدة التي تنتهي فيها هذا الفعل,ومهما طال ربما لا يؤخذ أي رد فعل من أطراف خارج بؤرة الحدث (الفاعل والمفعول). ومرة أخرى الذاكرة والرؤية لن تتجاوز لثانية واحدة ما بعد وقوع الحدث.

 

القائلين

القائلين هم جماعة قيل أنهم من البشر,ويقول الناس أنهم ناس ولكن ليس مثل كل الناس. يدعونهم الناس بـ الناس. لا يعرف لهم حياة أو موت. لا هم أحياء ولا أموات ولا وجهة معينة يتوجهون إليها. كانوا يتكلمون كثيرا أيام كانوا مثل بقية البشر,ويقولون عن الناس والناس تقول عنهم,ثم صاروا خرساء لا يتكلمون أبدا ولا كلمة واحدة,ولهذا يلقبون بـ الصامتين. ولكن الناس لم تتوقف عن الحديث عنهم. وهم في الغالب لا يؤذون,والمؤذي منهم أياديهم قصيرة يمكن الابتعاد عنها والفرار منها. إلا أن أذاهم إذا طال أحد فهو واقع بلا رادع ولا مانع. وهم كثرة لهم تنوع لا يوجد فيه تشابه بين واحد وآخر.

 

المعلقين

المعلقون والمعلقات,الأخيرة هي أشياء تعلق على أشياء,وربما تعلق على أجساد,أجساد حية مثل تميمة مربوطة إلى سلسلة في عنق إمرأة فهي قلادة. كل الأشياء التي تعلق,وهذا هو تعريفها,تسمى معلقات. المعلقين وكما تدل الواو والنون هو جمع مذكر سالم,ولهم جمع تكسير يساويهم ويرادفهم مع المعلقات,وهو العلائق. والمعلقون بالفعل يتشابهون مع المعلقات في كونهم يعلقون. وتلك هي الطريقة الأساسية لسلب آدميتهم. ويتجلى في التهديد الشهير الذي ينذر به رجل غريمه

 

-هعلقك (سوف أعلقك)

 

حتى لو كان هذا الغريم هو طالب في مدرسة,أو طفل في بيته,معلمه أو أبيه هو غريمه. ولأن التعليق يجعل البشر مجرد أشياء,كان النموذج الأبرز للمكان الذي يتواجد فيه الكثير من هذه الكائنات. كائنات كانت بشرا,هو السجون. المدارس والبيوت وجبات خفيفة لتجربة السجن في الحياة. السجون الحقيقية والأكثر قسوة هي السجن بمختلف أنواعه العليا؛معتقلات أو أقبية محاكم التفتيش,أو غرف تعذيب صريحة. وهناك تفنن في تنويع التعليق,لتنبثق أشكال فظيعة منه. مثل الصلب,عجلة كاثرين,الفلكة,الشنق,سترابادو Strappado.

 

المعلقين هي كائنات تعيش في الجحور والسجون.

 

العجزة

مثل المعلقين,البشر الذين يتحولون إلى المعلقين من خلال كثرة تعليقهم,العجزة هم كائنات تنبثق من العجز. العجز الجسدي الذي يمثل ويوازي العجز النفسي. إلا أن المعلقين متشابهين لذا فالعجزة أقرب للقائلين. أناس تولد من فعل القول على ألسنتهم التي تأكل أجسادهم وأرواحهم,ولكنها تخرج شخصا يشبه آخر. بل يرجع بعض الباحثين في تلك الأمور,وعلى رأسهم السعدي,أن هناك احتمالا لأن يكون العجزة هم نفس نوعية القائلين. وهي نظرية يدحضها باحث آخر بحجة أن الصمت,وهو الصفة الأساسية في القائلين,لا يشمل كل العجزة إلا من عجز منهم عن الكلام. لذا وبما أنهم لا يتشابهون كان المشاهير منهم هم المرأة والكسيح والمرأة العجوز والشيخ والأعمى والأعرج.

 

المتحولين

وهنا يختلف الباحثين مرة أخرى حول تحديد طبيعة المتحولين,لينقسم الرأي إلى إثنين؛الأول يرى أن المتحولين هم سلالة غريبة من البشر تختلف عن بقية السلالات الغريبة الغير مصنفة في جداول الإنسانيات وعلم الأعراق. الرأي الثاني يرى أن المتحولين كلمة ونوع تضم كل هذه السلالات الغريبة,مثل

 

1-المهمشين

2-القائلين

3-المعلقين

4-العجزة

5-المتحولين

6-الغرباء

7-الحافيين

8-الملتصقون

9-الوضعيات

10-المعكوسين

11-النائمين

11-المؤودات

12-المركوبات

13-المخنوقات

 

ولكن يرد البعض بأن للمتحولين خصائص ثابتة تميزهم,أولها أن تحولهم يكون بسبب أزمة لحظية أو ضاغطة أو متكررة أو مستديمة. أو أيا من الأزمات الكبرى التي يمر بها الشخص العادي شريطة أنه لم يولد هكذا. بل كان ذات يوم إنسانا عاديا. لذا فالفارق هنا أن المتحولين هم بذور لسلالات جديدة,وما ينقطع منهم عن أسلافهم هم الأنواع الأخرى من المتحولين.

 

الحافيين

عن الفتى الذي يحب المشي.

 

الحافيين أو الحفاة,هم قوم يمشون على أي شيء,واقترن ذكرهم بصورتهم وهم حفاة بلا نعال تغطي أقدامهم. إلا أنهم ليس لديهم أي مشكلة مع الأحذية والنعال مثل الحاجز بين بعض النائمين والرصيف والأسفلت.

 

يسمون أيضا بـ السائرين,لأنهم يمشون مسافات طويلة جدا,بشكل مستمر دون أن يتعبوا أو يرتاحوا أو يأكلوا أو يشربوا ودون أي حبوب أو مواد كيميائية لذلك مثلما يفعل بعض الرياضيين. مسافات تصل لمائة كيلو متر. ولكنهم غير مقيدين بساعة أو توقيت معين للوصول.

 

والحافيين هم أقرب السلالات الغريبة أو المتحولين أو أولئك الناس المهمشين إلى السطح الإعلامي,أسماك عميقة تسكن في القاع,هؤلاء طفوا إلى السطح. ومن الشخصيات البارزة والتي نالت قدرا من الشهرة شخص مشهور بلقب (السائر وحيدا).

 

الملتصقون

كان دوما عاشقا للرقم سبعة,وبدأ عشقه لهذا الرقم منذ كان عمره سبعة سنوات,وفي عيد ميلاده تحديدا,وهو الموافق 7 / 7 / 1997.

 

والآن بلغ بعمره السابعة والعشرين,وتعددت السبعات من حوله

 

سبعة سماوات

سبعة أراضي

سبعة درجات للجنة

سبعة درجات للجحيم

سبعة ألوان

سبعة حروف

سبعة أطوار

 

سبع أشياء في الكثير من الأشياء,رقم متغلغل في الوجود. كما أن اسمه إبراهيم مكون من سبعة حروف. يمشي مختالا يفكر في الهدايا التي ستأتيه يوم عيد ميلاده. فجأة,وبينما يسير في الشارع,وجد نفسها ملتصقا برجل ما,أو الرجل كان يلتصق به,لا يعرف هو أم هو الذي بدأ بالأمر. هكذا يقول لنفسه الآن. أما لحظتها,فقد تعامل بكل ما لديه من خشونة وقسوة للرد على هذا الموقف.

 

-إيه يا عم انت هتصاحبني؟

 

ثم وجد أن هذا الرد بدا سخيفا أكثر من اللازم

 

-ما تحاسب يا عم

 

-طب ابعد عني الساعة دي لحسن …

 

وجد أنه لا يعرف ماذا يقول,لذا قرر أن يستخدم يديه لإبعاده بنفسه قبل أن يدرك أنه صار بين إثنين الآن. وبعد ساعة من الصراخ والعراك والدماء أدرك الأمر. هؤلاء هم الملتصقون,وهناك المصطفون,اولئك الذين وجد إبراهيم نفسه متورطا معهم. ولكن كان ذلك في الماضي. وبطريقة ما نجا منهم. والمصطفون هم ناس يسيرون متجاورين دوما بعضا إلى بعض. الملتصقون أسوأ من ذلك بمراحل,فهم ملتصقين دوما ببعض. التصق برجلين يقف هو بينهم مثل حجر بين حجرين. مثل قطعة لحم تم تقطيعها ثلاث ثم فرمها في ماكينة لتمزج مرة أخرى. صاروا سبعة ملتصقين يسيروا أجسادا بلا أذرع عدا عند الطرفين,سبعة رؤوس متجاورة تسير سويا على الطريق والناس تنظر.

 

الماشيين أخف وطأة من هول ورعب هؤلاء,لأنهم فقط يمشون. يمشون سويا. والماشيين سويا يمكن لهم أن يفترقوا ويتفرقوا في أي وقت وفي مكان. لا اصطفاف ولا إلتصاق يحكمهم.

 

ثم هناك الجماعة الأسوأ على الإطلاق؛المتحرشين.

 

الغرباء

الغريب هو واحد من الغرباء,والغرباء هم أناس غريبين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

النائمين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1]

يسير وائل على الرصيف الذي ينتصف الشارع يتابع الشمس وهي تغيب وقد حان وقت غروربها وحان معه وقت عودته للبيت. وهي عودة وعرة ومرهقة تستلزم وقتا وجهدا يقضي على النصف الآخر الذي يتبقى من روحه في اليوم الواحد ليرتمي على الفراش نائما عند عودته مستعدا ليوم آخر من جحيم العمل.

 

رأى شخص آخر مرتمي على فراش من نوع جديد يقابله للمرة الأولى في حياته,لما كان يسير على الرصيف تعثر وسقطت قدمه في فجوة داخل الطبقة الإسمنتية للرصيف,وعلقت ساقه في الحفرة,ولما نجح في انتزاعها خلال ثواني. رأى وجه يرمقه من أسفل حذاءه. وجه رجل حسبه ميتا في بادئ الأمر,ولما دقق النظر وجده حيا لازال ينظر إليه. نظرة خاوية بلا أي مشاعر. لم يكن يلومه على وطئه لوجهه. كان ينتظر منه فقط أن يرحل ليكمل نومه في الشق العميق أسفل الرصيف. ممر صغير ضيق لا يسع سوى جسده,ويعلم الله وحده كيف يدخل إليه ويخرج منه. الوقت غروب ولم يستيقظ بعد من صدمته. إلى أن تكلم الرجل متسائلا بغلظة

 

-ما بالك؟ / في حاجة؟

 

استئنف وائل سيره.

 

[2]

عرف وليد أن هذا أحد النائمين الذين أدمنوا الأسفلت,لا تؤذيهم سخونته في النهار,وتدفئهم ما يتبقى منهم في الليل. ولا تقتلهم السيارات المارة فوقهم أو بجوارهم. ولا ينتبه إليهم أحد من السائقين أو الركاب. وليد نفسه لم يرى يوما أحد من النائمين سوى مرة واحدة بعد أيام من التدقيق والنظر وفحص الطريق الإسفلتي ذهابا وإيابا من وإلى عمله. البعض الآخر قد ينتبه إلى نائم إذا كان وضعه أكثر طبيعية. أي لا يكون مرتميا في منتصف الطريق,بل على جانبه مثل مشهد اعتيادي لجثة منسية بعد حادث سريع,أو متسول متدثر بغطاءه عن الأعين.

 

يستغرب وليد,ويقول دوما لنفسه (لله في خلقه شؤون) دون أن تبرد لديه أي من مشاعر الغرابة والدهشة والذهول والمفاجأة والإنبهار والتعجب. لم يتحول الأمر يوما لشيء اعتيادي. بل يكون ضاغطا للأعصاب لما يركب إلى جوار السائق,لوحده أو لصيق الباب أو في المنتصف بين السائق وراكب آخر. لا ينتبه إلى ما يراه أحد غيره,حتى أن شخص كان يركز من خلف ظهره,في معالم الطريق,ويحاول أن يشرح للمتحدث إليه على الهاتف شيء ما حتى لا يضيع. شخص آخر كان يجلس في آخر كرسي وراء كل الركاب. لكن انتبه وليد لكونه يحاول الاستطلاع جيدا. يركز في شيء ما. شخص ثالث كان جواره,يحدق في منتصف الطريق. وفي كل مرة,لما تمر العربة مسرعة من فوق ذلك الجسد / الجثة المتدثر بغطاءه,لا يلحظ أحد غيره. وفي مرات حاول أن يستدعي الأنظار للنظر تجاه ما يرى. حاول أن يشرح ما رأى,ولكن حسبوه مجنونا,لذا لم يعد يهتم بالأمر.

 

[3]

يقلب سيد في كومة الزبالة باحثا عن طعامه في المقام الأول,وأي بواقي أو فضلات أو أي حاجة تعد طعامه هو. شريطة أن تلقي في القمامة. ليس طعام صاحب الطعام. وليس طعام الزبالين الآخرين. وليس طعام الكلاب والقطط. طعام سيد لسيد. ويبحث عن الطعام أولا حتى يستطيع القيام بمتطلبات اليوم من العمل. وعمله هو التنقيب عن الخردة والبيكيا من حديد وكرتون وبلاستيك وزجاجات المياه الفارغة,وزجاجات الخمر الزجاجية,وعبوات الصفيح التي كانت مغلقة على المشروبات الغازية,وعبوات الصفيح المختلفة للسمن والسمك واللحم. وأسلاك الكهرباء النحاسية,ومواسير المياه,وغير ذلك من الأشياء التي تتراوح في القيمة بين الجنيه الواحد للكيلو (وربما ربع الجنيه) وبين السبعين جنيه مقابل كيلو النحاس,ولكن الأخير لم يعد متاح بوفرة مثل السابق.

 

وحال سيد أفضل من حيال غيره,حيث هناك دوما النائمين في الزبالة,والقابعين في جحورهم,وأوئلك الذين يخرجون رؤوسهم من الخربات وتحت أكوام التراب والحجارة. لا يكترث سيد لأي شيء من هذا,فهو معتاد تماما تلك المشاهد والمواقف التي تقابله يوميا أثناء تنقيبه في القمامة,عن لقمة عيش,حرفيا,إذا عثر على طعام فعلا,قد لا يتعدى نصف رغيف العيش في بعض الأحيان,يبحث عن طعام أو أي شيء يبيعه ليشتري طعامه بنفسه.

 

وجد أحد النائمين نائما برأسه على كيس خبز كأنه وسادة,رفع رأس النائم وتناول الكيس,فتح النائم عينيه

 

-سوف أمررها لك هذه المرة

-أحلى مساء عليك يا ذوق

 

وكان الوقت صباحا.

 

[4]

الساقط بيوتهم فوقهم,هم أشخاص لم يغادروا بيوتهم في حياتهم ولا في مماتهم,لم يغادروها والبيوت قائمة صامدة,ولم يغادروها وهي ساقطة مهدمة. منهم من لا يزال حيا بعد سقوطها. وحي السرايا به الكثير من الأراضي الخربة التي امتلئت بأنقاض البيت أو مجموعة المباني التي كانت تحتل مساحته. ومثل الذين يسكنون في القمامة والزبالة والخرابة. والخرابات أنواع,منها القائمة على كوم تراب,ومنها المكونة من مقذوفات القمامة,ومنها المنبثقة من تحت أنقاض البيوت. حيث تحتها,في جحورها,تعيش الثعابين والكلاب وبعض الناس.

 

سمع صوت الصرخات والولولات تضغط على عقله,مثلما تضغط الويلات على جسده تكاد تحطمه عندما سقط البيت فوقه.

 

-البيت وقع,تعالي يا ولد منك له إلحق معاي

-مين جوه

-مفيش غير عبد العال

-يا بوي زمانه مات

-أعوذ بالله

-إلحقوه يا أولاد .. ده رجل طيب وغلبان

 

هكذا ترددت الصيحات واختلطت أصوات الرجال بالنساء,وتكاتف الجميع لإخراج الرجل من تحت الأرض. رجل بخيل يعيش وحده,في الطابق الأول,وقد سقطت أسقف الطوابق الثلاثه فوقه. نزعت آخر حجارة عن رأسه,ليجدوه هناك شبه مسترخي رغم نهر الدماء المنهمر من رأسه إلى فيه

 

-ده طلع نايم

-وإحنا اللذين أتعبنا أنفسنا معه!

 

وانفض القوم كلن يذهب إلى حاله.

 

[5]

النائم على سطح الماء,وهو من القلة الخارجة عن عادات وتقاليد عشيرته,النائمين على الرمال. خاصة تلك الواقعة على جانبي طريق شق الصحراء واصلا بين القاهرة والإسكندرية,أو أي من المحافظات والدروب الأخرى. كأنهم في استعراض مهيب لفخامتهم وبريق أجسادهم أثناء النوم,هذا إذا كانوا عرايا,وبعضهم كذلك,خاصة اولئك الذي يعيشون خارج القاهرة على شواطئ المدن السواحلية. لكن أغلبهم يرتدون أثمالهم البالية القديمة المهترئة,ويعيشون بالقرب من الطرقات على رمال الصحاري. رآهم ممدوح ذات مرة,وهو رجل ثلاثيني من الصعيد أتى لزيارة عائلته في القاهرة على العكس من أبناء بلدته الذي يأتون من القاهرة لزيارة عائلاتهم. ومرّ على بقعة صحاروية تناثرت الأجساد البشرية فوق أبسطتها الرملية. مصدوما نزل من العربة التي يقودها صديقه.

 

-واد يا عبده,شايف اللي أنا شيفه ده

-أي والله,دول ميتين ولا نايمين ولا عيانين

-تعالى نشوفهم مالهم

 

استيقظ شاب صغير ورد عليه

 

-فيه حاجة؟

-أيوا فيه حاجات,ياض أوم شوف حالك وانظر لأمك ولا أبيك لا يكون حصلهم حاجة

-لا متقلقش هما نايمين

-نايمين ازاي .. تجيلهم ضربة شمس .. وما يصحش النومة دي

 

قام عليه الشباب

 

-ومن أنت كي تأمرنا أو تخبرنا أين ننام؟

 

وبعد مشادة كلامية كادت تستخدم فيها الأيدي تراجع الفلاح الصعيدي وهو يضرب كفا بكف وقد حسبهم جنا وليسوا إنسا

 

-يا حفيظ يا رب,يلا بينا عبده

 

كان بلال يتمشى على كورنيش النيل,وهو إبن عم ممدوح,غير عالم بما رأى ممدوح,والوقت ليلا,ورأى امرأة تعوم على ظهرها نائمة. حسبها نداهة الريف فذهب سريعا إلى شقته الغارقة في قلب العاصمة بعيدا عن نيلها.

 

في نفس الوقت في إسكندرية,وعلى كورنيش الشاطئ أشار محمد لصديقه عبد الرحيم إلى الرجل النائم هناك على الرمال.

 

-نفس الرجل أراه منذ ثلاثة أيام ينام هناك على الرمال ليل ونهار,لا تزعجه شمس النهار ولا برد الليل,ولا يهتم لعائلات المصيفين في النهار,ولا غفر السواحل في الليل.

-ده نائم ولا ميت

-لا نائم,سألته إن كان ميت ورد علي أن لا

 

[6]

أما أولئك فيكون نومهم دوما عند الطرقات والجسور,على جانبي الطريق الأسفلتي تتناثر العديد من العائلات الغير منظورة كأنهم من المهمشين. في خيامهم أو تحت أغطيتهم التي تقيهم الشمس في الصيف والمطر في الشتاء. أو عراة إلا من ملابسهم وأجسادهم ورؤوسهم المشعرة بكثافة كأنه نوع من التطور الفرويدي الذي يحافظ على بقاءهم. عائلة الحاج أحمد الذي لم يحج يوما,وإن كان لم يفارقه هذا الحلم,عائلته من العائلات البارزة بين معشر النائمين وعشائرهم المختلفة. وهو رغم ضخامة عائلته الساكنة عند إحدى الطرقات القريبة من حي السرايا,وهو طريق سريع,يحذر أولاده دوما ألا يقربون الأسفلت قط. وهذه هي المشكلة الأكبر لعشيرة الطرقات والجسور. هم ينامون عند الطرقات وأسفل الجسور (الكباري) ولكن لا يمكنهم أن يلمسوا الأسفلت أو الرصيف. هذا قدرهم ولا يعرفون لذلك سببا,ولم يلمس أحدهم الرصيف / الأسفلت من قبل. ولكن هذا لم يمنعهم من التواصل مع العشائر الأخرى التي تسكن الأرصفة والأسفلتيات.

 

[7]

هؤلاء يشبهون الأطفال الصغار الذين لا يكبرون. الصغار لا يكبرون ولكن يعمرون طويلا. أما أوئلك فلا يكبرون لأن عمرهم لا يتخطى الطفولة إلى المراهقة وينتهي عند الثالثة عشر بعد منتصف الليل وحان وقت النوم.

 

طفل يسحب ثوبه إلى رأسه بعد أن أدخل يده في فتحتي الذراعين لتتدفئ مع جسده,وطوى ساقيه حاشرا ركبتيه معهما. ونام.

 

طفل تمدد على جانبه أحد ذراعيه مفرود على الجانب الآخر والذراع الثاني ممدودا جوار الحجر الذي توسده برأسه ونام عليه.

 

طفلة وجدت أمها ميتة على الأرض,ولكنها ناعسة,فارتمت على الأرض واضعة رأسها على بطنها ونامت.

 

طفلة سقط الجدار عليها,وتبقى جدار قائم,تكاسلت عن التمدد,لذا استندت برأسه على الجدار ونامت.

 

طفلين التحما مع بعضهما ونام كل منهما على الآخر.

 

طفل ملتف حول نفسه بساعديه حاضنا نفسه,نائما على نفسه.

 

[8]

النائمين المعلقين,وهم عشرين تمزج بين السلالتين,سلالة النائمين الذين ينامون في أي مكان, وسلالة المعلقين الذين يعلقون كثيرا. لذا تجدهم لما ينامون يميلون للأشياء المعلقة. الكثير منهم ينامون على أجهزة التكييف وعلى حبال الغسيل. ومنهم من ينام على قطعة صفيح معلقة بإحدى عربات النقل لمسافات طويلة.

 

النائمين على الأسطح أكثر من النائمين في البيوت,وقد حسب المعلق على السقف نفسه واحدا منهم. وهناك من ينام على السور,وأسفل العربات ينجرون,وهناك من ينامون في البيوت على الأسرة لكن لا يراهم أحد,وهناك من ينامون في البيوت والمصانع ولكن أيضا لا يراهم أحد. وهناك النائمين الخطيرين,ومنهم ذلك النائم متكئا بذراعه على سلك كابل عاري ومتوسدا برأسه سلكا آخر ذو تيار أرضي ضغط عال. أو النائم على شريط القطار مريحا قدميه على قضيبه ومتوسدا القضيب الآخر. وهناك النومى المرضى تجدهم كل يوم في المستشفيات. والنومى الموتى الذين ينامون في القبور,يشاهدون وهم يحفرون وينامون متدفئين بعظام الأحياء بعد أن يأسوا أجساد الأحياء.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الوضعيات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] وضعية مكانية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يعرف قصر ألفونس ببناءه على قاعدة غير ثابتة,مثل قصر البارون,تتأسس قاعدته على رمان بلي يمكنه من الدوران,استدارة كاملة تجعل وجهته في كل الجهات.

 

والرحلة إلى هذا القصر تكون مليئة بالمتاعب والمصائب من كل الإتجاهات

 

إذا اتجه يمينا سيقع في منعطف خاطئ.

 

وإذا اتجه يسارا سيصل إلى البيت الأخير على اليسار.

 

وإذا اختبئ هناك خلف البيت,أو في عليته,ربما ينظر من النافذة الخلفية.

 

وإذا ظل سائرا للأمام,سوف يصل إلى باب القصر,ولن يعرف أبدا ما وراء الباب المغلق, إلى أن يضطر لفتح الباب.

 

ولا دليل له سوى الورقة بين يديه والشارع أمام ناظريه

 

وإذا تطلع لفوق رأى جناح التنين يظلل النهار فيحيله ليلا.

 

وإذا نظر تحت رأى آثار أقدام لشيء قادم من الجحيم.

 

وما بين السماء والأرض وقف هو متحيرا.

 

لذا أخرج بوصلة وخريطة,بوصلته وخريطته,والبوصلة والخريطة لم تسعفاه كثيرا

 

في الجنوب يقع الجبل

 

في الشرق شاطئ اللؤلؤ

 

وفي الغرب يتجه نحو الغابة

 

وفي النهاية اتجه إلى الشمال

 

ثم عاد مرة أخرى بقلب متشقق وجناح مكسورة

 

وأخيرا أخرج الكرة,ولكن الكرة السحرية لم تنفعه وكذلك المكعب.

ثم نظر إلى القصر فوجد مشهدا لا يمكن أن يراه سوى في مذكرات لافكرافت نفسه,شيء من ذلك ذكره بصديقه محمد الشنباري. إلا المشهد كان أفظع. برج بيزا,جذره في السماء أو في الأرض ربما. يميل ولكنه يقف مستقيما. الطول والعرض غير مفهومان الآن. وجميع الإتجاهات ذابت في البحر أو ذهبت أدراج الرياح.

 

[2] وضعية زمانية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-الجنين منكمش في بطن أمه.

2-الرضيع يحبو على أربع.

3-الطفل / المراهق / الشاب يمشي على قدميه.

4-الشيخ يسير على ثلاثة متكئا على عصاه.

5-المرأة تترنح حاملة بين يديها الكرة في بطنها وعاء إبنها.

6-الميت مسجى على ظهره

7-وهناك أشكال أخرى

 

[3] وضعية جنسية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشهوة والشراهة,ومثل الطعام الذي يحمل في صناعته عدد هائل من التفريعات والأطباق الشهية التي تنبثق من تعدد المكونات وطرق الطهي والحفظ. تعد الوضعيات الجنسية مثل طرق طهي الطعام,وبغض النظر عن حرمانية بعض الوضعيات أو أضرارها,فإن جميع الوضعيات الجنسية تعكس جميع الوضعيات الطبيعية للإنسان. فهو إما متحرك أو ثابت. ولو أخذنا وضع الثبوت كمثال,أو حتى الحركة,نجد أنه إما واقف أو منثني أو نائم.

 

عند الوقوف يكون مستندا إلى جدار أو وافق على قائمتيه,يقف موجها للناظر وجهه أو ظهره أو أحد جانبيه. ومن الإنثناء يخرج الإنحناء والإتكاء والسجود والجلوس. والنوم على قلبها أو ظهرها أو أحد جانبيها وهو نائما عليها أو أسفلها أو إلى جوارها.

 

[4] وضع أمني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سيادة الـ هو شخص نافذ لأبعد مدى وبالغ القوة وتغطي سلطته مساحة واسعة جدا تتخطى حدود دولته بإعتباره واحد من عمالقة المنفذين والمستشارين في أفريقيا والشرق الأوسط. وحوله دوما لفيف من الأجساد العضلية المتعملقة والمشدودة مع البذات على أصحابها المتجمدين مثل تماثيل حديدية لا يمكن لأحد أن يحركها أو يزحزحها.

 

 

 

[5] وضع إجرامي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منطقة شقوق النعمان هي إحدى المناطق الخطرة الواقعة في حي السرايا,والتي تسمت بشقائق النعمان بسبب كثرة حواريها المظلمة التي لا يتخللها من الضوء إلا ما يعطي صورا عن أشباح تهيم في الطرقات. وقيل سمي لذلك نسبة لشقوق البيت القديم الذي لا يتهدم,وهو أقدم بيت في السرايا كلها. تلك الأشباح تسبح في حواري الظلام وتسير هائمة. ولا يجرؤ أحد على الدخول إليهم,إلا طالب لمصلحة يبيع أو يشتري,أو ساكن في بيته يخرج ويدخل إليه.

 

والآن يجلس علي على عتبة بيته,حيث حدثت معركة محتدمة إلى حد كبير بين علي وعبده أمام بيتهما بالشارع الشهير الذي يحسبه البعض الشارع الوحيد في منطقة النعمان كلها. شارع أحمر وأصفر وأزرق بألوان نمطية لبيوته المطلية أو العارية على طوبها الأحمر. شارع ضيق لا يسع سوى سيارة بالكاد تسير في إتجاه واحد ويدعو سائقها أن لا توقفه عقبة ما متمثلة في مصطبة أو بيتين متقابلين اقتربا أكثر من اللازم كأنهما عاشق وعاشقة,أو مطب من الذي يبنى من قبل الساكنين,أو حتى سد صناعي أو حفرة أو شق في نصف الشارع أو سقف شرفة منخفض جدا أو منحنى سيء للغاية,أو قطعة أرض من الشارع غير مستوية ولا ممهدة ولا صالحة للسير عليها بأي شكل من الأشكال سواء من العربات أو من البشر أو الحيوانات. ولكن ولحسن الحظ وعلى عكس المتوقع لم يقابل عماد أي شيء من هذا في سيره في تلك المنطقة الوعرة الخطرة,واقترب الشارع من نصفه ليقابل هذه المعركة وكادت الأحجار تتقاذفه وتحطم سيارته,آثر التراجع لولا أن بعض أهل الخير فتحوا له الطريق. ومر الرجل على سلام وخلفه يتم تهدئة الطرفين علي وعبده. وبعد أن أقر علي بأنه الآن هادئ ولن يفعل أي شيء. والآن وبعد أن استطاع الجيران والأصدقاء تهدئة عبده,خرج ليجد علي وجلسة التعقيب خاصته منتصبا بها وقاعدا في آن على مجلسه أمام بيته

 

شهر خنجره ولوح به زاعقا

 

-انت بتعقب لي يا علي

-انت بترفع علي الكزلك يا عبده

 

وجلسة التعقيب هي أن يجلس على عقبيه متقرفصا,وهي جلسة متربصة تنطر وتنط وتقفز وتدفع الجسد إلى الأعلى واقفا على الفور حال اندلاع المعركة أو المشاجرة.

 

[6] وضعية آلية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العناصر الحركية ما بين حركة وثبوت تكون عاملا مؤثرا بأهمية بالغة في تحديد طبيعة تلك الوضعيات الغريبة. ومنها الوضعيات الآلية. هناك جنود مثل الآت.

 

[7] وضعية دينية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صلاته كانت في قيامه أن يشمخ برأسه للأعلى,وركوعه أن يرتطم برأسه في الجدار, وسجوده أن يضرب رأسه في الأرضية,وجلوسه أن يستمتع بالعرق المختلط بالدم يندي فوق جبينه.

 

[8] وضعية مريحة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا النوع من الوضعيات استولى عليها النائمين.

 

[9] وضع انتهازي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقع السندباد البحري في جزيرة ما,بعد أن غرقت سفينته,وكان متعبا خائفا,وحيدا,وفي خوفه وتعبه نام,ثم في الصباح مشى بين الأشجار,وعند ساقية وماء عين جارية رأى شيخا مليحا جالسا,رأى إنسانا مألوفا,سلم عليه فرد عليه ذلك الشيخ السلام بالإشارة ولم يتكلم,فسأله السندباد عن سبب جلوسه في هذا المكان,فلم يرد عليه,بل حرك رأسه وأشار إليه بيده طالبا منه أن يحمله من مكانه هذا إلى مكان آخر بجوار ساقية أخرى. فحمله السندباد وقال لنفسه: أعمل معروفا مع هذا الشيخ لعل صوابا يحصل لي,ثم عندما وصل إلى الساقية الأخرى طلب منه النزول فلم ينزل عن كتفي السندباد؛بل لف رجليه على رقبته. “فنظرت إلى رجليه فرأيتهما مثل جلد الجاموس في السواد والخشونة,ففزعت منه وأردت أن أرميه من فوق كتفي,فقرط على رقبتي برجليه وخنقني بهما حتى اسودت الدنيا في وجهي,وغبت عن وجودي,ووقعت على الأرض مغشيا علي مثل الميت,فرفع ساقيه وضربني على ظهري وعلى كتفي,فحصل لي ألم شديد,فنهضت قائما به وهو راكب فوق كتفي وقد تعبت منه. فأشار لي بيده أن أدخل بين تلك الأشجار فدخلت إلى أطيب الفواكه,وكنت إذا خالفته يضربني برجليه ضربا أشد من ضرب الأسواط,ولم يزل يشير إلي بيده إلى مكان أراده وأنا أمشي به إليه,وإن توانيت أو تمهلت يضربني وأنا معه شبه أسير,وقد دخلنا في وسط الجزيرة بين الأشجار,وصار يبول ويغوط على كتفي ولا يزال ليلا ونهارا,وإذا أراد النوم يلف رجليه على رقبتي وينام قليلا,ثم يقوم ويضربني,فأقوم مسرعا به ولا أستطيع مخالفته من شدة ما أقاسي منه,وقد لمت نفسي على ما كان مني من حمله والشفقة عليه. ولم أزل معه على هذه الحالة وأنا في أشد ما يكون من التعب,وقلت في نفسي أنا فعلت مع هذا خيرا فانقلب عليّ شرا,والله ما بقيت أفعل مع أحد خيرا طوال عمري,وقد صرت أتمنى الموت من الله تعالى في كل وقت وكل ساعة من كثرة ما أنا فيه من التعب والمشقة,ولم أزل على هذه الحالة مدة من الزمان إلى أن جئت به يوما من الأيام إلى مكان في الجزيرة فوجدت فيه يقطينا كثيرا ومنه شيء يابس,فأخذت منه واحدة كبيرة يابسة وفتحت رأسها وصفيتها مما فيها,وحملتها إلى شجرة العنب فملأتها وسددت رأسها ووضعتها في الشمس وتركتها مدة أيام حتى صارت خمرا صافيا,وصرت كل يوم أشرب منه لأستعين به على تعبي مع ذلك الشيطان المريد. وكلما سكرت منها تقوى همتي,فنظر في يوم من الأيام وأنا أشرب فأشار إليّ بيده ما هذا؟ فقلت له

 

-هذا شيء مليح يقوي القلب ويشرح الخاطر

 

ثم إني جريت به ورقصت بين الأشجار,وحصلت لي نشوة من السكر فصفقت وغنيت وانشرحت,فلما رآني على هذه الحالة أشار إلي أن أناوله اليقطينية ليشرب منها,فخفت منه وأعطيتها له,فشرب ما كان باقيا فيها ورماها على الأرض,قد حصل له طرب فصار يهتز على كتفي,ثم إنه سكر وغرق في السكر وقد ارتخت جميع أعضائه وفرائصه,وصار يتمايل من فوق كتفي. فلما علمت سكره,وأنه غاب عن الوجود مددت يدي إلى رجليه وفككتهما عن رقبتي,ثم ملت به إلى الأرض وألقيته عليها,فما صدقت نفسي ونجوت من الأمر الذي كنت فيه,ثم إني خفت منه أن يقوم من سكره ويؤذيني,فأخذت صخرة عظيمة من بين الأشجار وجئت إليه فضربته على رأسه وهو نائم,فاختلط لحمه بدمه,وقد قتل,فلا رحمة الله عليه.

 

[10] وضعيات غريبة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مثل ذوي الأيادي في أكثر من مائة وضعية يمكن أن نعرضها هنا,منها مثلا لا حصرا

 

-الأعسر الذي يكتب ويقوم بالأشياء بيده اليسرى

-الزمار الذي يموت وأصابعه بتلعب

-الذي يضع يده فوق كتف صديقه ووجهيهما أمامهما وكتفاهما متجاوران

-التي تضع يديها في يدي صديقتها ووجهيمهما متقابلان

-الذي يربط حذاءه بطريقة غير مألوفة

-ذوي الأيادي خلفهم أو أمامهم

-المعلقين من أياديهم,وهناك أيضا المعلقين من أقدامهم مثل الخفافيش.

-الذين يمدون أياديهم إلى الأمام,أو يرفعونها للأعلى

 

[11] وضعيات حركية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

-المشي

-الركض

-العدو

 

-القفز

-السقوط

-الطيران

-الإسراء

 

-التسلق

-الإنزلاق

 

-الزحف

 

-التجاوز

 

-القيادة

 

-القتال

-الرقص

-الترنح

 

-الوقوف

-الإنحناء

-التمدد

 

-السباحة

 

-العمل

 

[12] وضع جلوس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

-جلسة التعقيب

-الجالس على العرش

-مجلس الصلح / قعدة العرب

-قعدة الطبلية

-المتربع أو القرفصاء

-قاعد على النهر تدلى قدميه في المياه الباردة

-على حافة الكرسي أمام شاشة السينما

-جلست على حجر أبيها

 

[13] وضعية مميتة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وميت بطريقة إعدام غريبة,وآخر ميت يحسبوه حي,وثالث غير ميت يبدو ميتا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

على اليسار

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

على اليسار

هو يمشي دائما يسار الرجل,أي رجل,هو فقط يمشي وسط الناس,إلى جوارهم,بالقرب بهم, ملتصقا فيهم ولكن ليس دوما هذا الإلتصاق. إذا جلسوا أو وقفوا أو سقطوا أو ناموا أو طاروا يتركهم ويذهب لغيرهم. دوما يصاحب الناس,الرجال منهم وليس النساء. سواء كان طفلا أو فتى أو فتيا أو كهلا أو عجوزا,أو حتى ميتا لم يمت بعد.

 

يسير بالمجاورة مع السائرين,حتى يصلوا لوجهتم,يسير دوما معهم,ولكن على يسارهم. وليس على يمينهم أبدا. لا يرونه,ولا يعرف هو أو هم إذا عرفوا به,لماذا يسير بجوار الناس. سمع السائر الأيسر أن هناك واحد من القائلين,يسير مثله إلى جوار الناس,ولكن إلى يمينهم أو يسارهم. كما أنهم يرونه ولكن يتجاهلونه مخافة منه أو من قومه. تساءل عن هؤلاء الناس الغير معروفين للناس,ولكنه يتمنى أن يتعرف عليهم. على الأقل القائلين هم مجموعة بينما هو وحيد.

 

رجل يسير متوجها إلى سيارته.

 

رجل يحاول اللحاق بباب القطار حتى يتسنى له التسول.

 

رجل يتوجه إلى الكشك حتى يدفع للبائع ثمن الحاجيات التي اشتراها.

 

رجل يحث الخطى إستعدادا للتشاجر مع رجل آخر.

 

رجل يفتح الباب ويدخل إلى الغرفة يرتمي على الفراش حيث تنتظره زوجته.

 

رجل يبحث عن حجر أو جنيه أو كرسي أو ما شابه.

 

رجل يمشي لا يعلم إلى أين هو ذاهب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

من الخلف

رجل يمشي ورجل يمشي خلفه وليس يساره,وإن كان السائر على اليسار لا يُرى,ولكن يُرى أحيانا,فإن الواقف في الخلف دائما يُرى إذا استطاع شخص أن يرى ما وراءه.

 

ذات مرة لمح شيء من هذا الوجه,ولكن لم يره كله,تصلب في وقفته,كان يقف أمام المرآة يضبط ياقة قميصه. يعلم أن أي محاولة منه للإلتفات خلفه ستضيع عليه فرصة رؤيته. لا يمكنه أبداء الاستدارة بسرعة ومفاجئته. ليكتفي بمحاولة التلصص عبر نافذة المرآة,والنظر إلى ذلك الرجل / الشيء الذي يتسلل بعينيه من خلف رأسه.

 

رجل آخر يمشي,ورجل / شيء يتحسس مؤخرته من خلفه,عرف من / ما هذا الشخص / الشيء,إنه الذي يتحسس مؤخرات الناس من الخلف,يوخزهم وينكزهم ويضع أصبعا في ثقب مؤخراتهم. وربما يخلع عنهم ملابسهم حسبما سمع.

 

 

الذي يجب أن تتركه وأنت تمشي للخلف

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

من الأعلى

نظر إلى السماء,رأى حفرة في أرضيتها العلوية,حيث بحر الأزرق الممتد,حفرة أو دوامة بين السحب,مرت سحابة وغطت عليها فغابت رؤية الشيء للحظة حسب نفسه أثناءها واهما. ظهرت الفجوة مرة أخرى,وداخلها بدا كأن شيء يطير هناك,أو كأنه يسقط,أو ربما يرتفع. لا,إنه شيء معلق. ما هذا؟ ولماذا هو مستقر بالأعلى وسط السحاب في الهواء .. في السماء. لا يسقط. معلق بماذا؟.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المرآة

صحوت ووجدت نفسي معكوس وكل ما حولي معكوس وأدركت أنني في عالم المرآة,لكني لا أرى في الحدث أمرا جللا وتعودت على حياتي الجديدة. الأشياء هي ذاتها الأشياء.

 

أذهب إلى العمل,أذهب إلى البيت,أذهب إلى المدرسة لأحضر إبني الذي صرت أقبله في خده الأيسر قبل خده الأيمن. وربما أبدأ مع زوجتي من تحت قبل الأعلى. وربما أقبل يدي أمي قبل رأسها,تقريبا كنت أفعل العكس في كل شيء. ولكن العكس لم يتعبني أو يرهقني,بل بالعكس أراحني من حياتي المملة لأعيش تجربة مختلفة لا يدري بها غيري. تجربة أن أسلم بيسراي بدلا من يمناي.

 

اعدل بذلتي لأني ذاهب إلى حفل,تمسك يدي العليا بياقتي قبل السفلى,واليمنى قبل اليسرى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

السلالم

حلت عليه لعنة أو مرض غريب قلب حياته رأسا على عقب. حرفيا!

 

لكي يصعد السلم صار عليه أن ينزله,ولكي يدلف إلى الغرفة صار عليه أن يخرج من الباب. الهبوط أصبح صعود,والنوم على جانبه الأيمن يعني الأيسر. إذا مد يمناه سبقته يسراه. وإذا مشى في مسار تراجع إلى الوراء. وإذا أراد أن ينام إستيقظ من نومه. فإذا أيقظه أحد كان نائما. ولما يمشي يجد نفسها واقفا,فإذا توقف يمشي,وربما مشى فيركض. قفز للأعلى فيجثم على الأرض. انحنى فيركع أو يشمخ بأنفه. أغمض عينيه فوجد نفسه يحدق بإمرأة,تشمم عطرها فتذوق الطعام في حقيبتها.

 

فوضى لعينة / مريضة في كل الإتجاهات,كان يحسب في البداية أنه سيعتاد الأمر,ثم اكتشف أنه نوع من العذاب لم يخوضه إنسان من قبل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الجدار

كان يسكن في الجدران,يعلم أن زوجته تحبه,لذا لعن ذلك الأحمق وهو ينظر إلى وجهه الملتصق بالجدار الواقف داخله الآن. نفس الجدار الذي سالت عليه دماء أخيها,تسيل عليه قطرات لعابها أثناء خنقها لتسريع وصولها إلى أخيها المذبوح والملتاعة عليه حتى اليوم غارقة في وهم أن حب زوجها لها يؤنس وحدتها. لم يكن يحبها هي. كان يحب الأخرى.

 

يضغط أكثر,تختنق وفي قلبها تشبث بالحياة,تريد أن تتوسل إليه,أو تصرخ لتستنجد بأحد, ولما أيقنت نهايتها تمنت أن تثأر منه. أو يثأر أحد لها. ولكن من يفعل ذلك بعد مقتل أخيها وخيانة زوجها؟. ضاقت يديها على رقبتها أكثر,وضاقت بها الحياة وقد اقترب موتها. تصفع بيديها في الجدار,تحاول أن تخمشه للخلف بأصابعها. كل هذا بلا جدوى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المعكوس

المعكوس هو شخص معكوس,وجهه خلف ظهره.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وسط البلد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1]

اليوم جمعة ومحمد نزل من بيته وقد قرر خوض رحلته الإسبوعية لزيارة أمه وتحمل كلماته التي تلسع ظهره كالسياط. عن كونه إبن عاق تركها لوحدها في تلك الزريبة بالسرايا بينما ارتحل هو وزوجته إلى إمبابة التي كانت زريبة هي الأخرى,ثم صار ينظر إليها على كونها حي مطل على النيل. حي راق ربما,على الأقل بالنسبة للأحياء العشوائية في السرايا. يمر عليها يوما واحد في الإسبوع,ليوضب لها الشقة وعمل لوازمها من غسيل وكنيس وترويق وتنظيف وترتيب وطبخ الطعام,رغم أن أمه لازالت لديه القدرة على الطهي لنفسها وهو ما تفعله طولة الإسبوع ووتناول الطعام وهي تشاهد التلفزيون. يفعل كل هذا بينما تظل زوجته وإبنته قاعدات على مؤخراتهم في بيتهم وسط البلد. بعد أن ينتهي يجلس قليلا أسفل قدميها لكي يشعر نفسه أنه إبن بار,يستمر في صحبتها لسويعات,وقبل أن يرحل يترك لها المصروف الإسبوعي,ثم يخرج عائدا إلى زوجته التي طال غيابه عنه حسبما يرى هو دوما في كل مرة,بعد ليلة خميسة ساخنة يريد أن يلحقها بأمسية حارة بعد إنتهاء نهار الجمعة.

 

ركب قطار الأنفاق من محطة الشهداء وقد اختار إتجاه المرج,

 

[2]

في العربة التالية هناك إمرأة في زيارة أخرى لأمها,القلق والخوف ينهش قلبها بينما تعض هي على أصابع أيدايها وقد قلمت أظافرها بأسنانها. بلغها الخبر أن أمها تموت الآن. وهي لا تتحمل فراقها بعد أن فارقت أبيها.

 

ولكن يزداد يومها سوءا حين يتوقف القطار,وهي لا تتحمل مزيدا من التعطيل تتوق لرؤية أمها,وفجأة يأتيها الخبر في رسالة.

 

أمها ماتت!

 

والآن يتوقف القطار,تجري عمليات التغسيل والتكفين والدفن وهي تتوسل أبواب القطار أن يستأنف مسيرته البائسة للحاق بأمها ليس قبل موتها,فقد ماتت. ولكن قبل أن يواري التراب وجهها وتسترخي جوار أبيها في مقابر العائلة. أخذت تبكي بحرقة وتأتي بكلمات في شبه صرخات

 

-إيه,أمي ماتت

 

وهكذا بنمطيات مؤسفة وحزينة,تحاول الإتصال بأحد للتأكد ولكن من يعابثها أو يمازحها في هذا. تمنت لو حقا تكون مزحة. ليلة أمه سوداء صاحب المزحة لكنها رغبت حقا لو تكون كذلك.

 

[3]

رأته واقفا هناك,لا يبدوا عليه أي من معالم الإجرام أو ملامح البلطجة العشوائية,ولكنه مخيف,مخيف بأناقة. شعرت أنه قد يضايقها وتمنت ألا يفعل. ولكنه فعلا منعها من المرور مستكملة بقية الشارع.

 

مرت جواره بالضبط وما أن تحاذى كتفها مع كتفه حتى رفعت يده أمام وجهها,حاولت الانخافض على الفور فهبتط كفه المفتوحة على أصابعه الخمس بسرعة في نفس اللحظة أمام صدرها. أرجعت رأسهها للخلف وقد تلون وجهها بحمرة خفيفة وتحولت ملامحها إلى الغضب لتصدم بصفحة خشبية أو متحجرة على وجهه المتحرش بها. هذا رجل أخطر من مجرد متحرش,هذا قاتل أو مغتصب. تراجعت على الفور وحثت خطاها إلى محطة القطار النفقي (مترو)

 

[4]

مجموعة من الشباب يحملون أجساهدهم بصعوبة,وقد تثاقلت عليهم بسبب (الدماغ ذات التكلفة) التي صنعوها للتشويش على أذهانهم,والذهاب بوعيهم إلى مناطق بعيدة عن الواقع والشارع المحيط بهم. ساعدهم في سيرهم استنادهم لبعضهم,وحقيقة أن الشارع يهبط إلى الأسفل بشكل منحدر يكاد يقلبهم على وجوههم لولا بعض الركيزة والتركيز المتشبث بها أربعتهم. هذه الأدمغة تولد في القلب نوع من الجرأة الاصطناعية بسبب تعاطيهم للمخدرات, لهذا لما ضايقهم هذا الرجل,ومنعهم من عبور الشارع. كان لديهم بعض من الإدراك ليشكوا بكونه أمين شرطة.

 

-حكومة يا محمود

-وإيه يعني

 

وهكذا أخرج كل منهم مطواته أو نصل ما مثل موسى أو مشرط,وهي أداة تشبه الموسى, الرابع أخرج نصل ما لا يظهر نوع سلاحه في هذه الزاوية المظلمة من الشارع وفي هذه الساعة المتأخرة من الليل.

 

[5]

حادث على الطريق,عدة عربات مقلوبة من مركبات مختلفة,ناقلة وحافلة وسيارتين ودراجة نارية وحادث فظيع أوقف الطريق كله عن استئناف مسيرته السريعة,وقد ضرر البعض في الخلف من الحادث ضررا غير مميت. أما من كانوا في قلب الحادث لم ينجو منهم سوى عدد قليل.

 

الناس تركض هنا وهناك في لوحة بصرية من الفوضى,عربات مقلوبة,ناس تجري,دماء تغرق الأسفل والرمال على جانبيه,نيران مضرمة في المكان,أشياء مبعثرة على الأرض. جثثث تجر جوار الذين لازال فيهم بضعة أنفاس تذهب للأبد أو يعاد تدويرها.

 

[6]

في البداية لم يهتم بهذا الشخص الغريب الذي ظهر فجأة في الشارع,ولكن بعد قليل .. مجرد دقائق,سمع صيحات دالة على شجار ما. ثم صراخا لأنه لما نظر رأى الدماء تنسكب من رأس أحدهم. لا يعرف كيف جرح عاطف رأسه. ولكنه رأى الجميع يحاولون الإلتفاف حول الشخص الثابت ولكن بلا جدوى. لا يعرف هل هم خائفين أم أنه بهم مس من الجن أو الجنون. لا يستطيع أحد أن يجاوره. لذا أخذو يقذفوه بمختلف أنواع المقذوفات التي تصلح للمعركة؛زجاجات كولا زجاجية,وأكواب شاي زجاجية,ومصابيح نيون وحرارية. وقطع خشبية ومعدنية وأحجار من الزلط أو الطوب أو الخرسانة. ومقذوفات نارية,وبدأؤا في قذفه بالسكاكين والسيوف والسواطير.

 

[7]

خرج هذا المسؤول المهم,من ذلك المبنى الكبير,وتراص الحرس حوله,أمامه وخلفه وإلى جانبيه,بذلات سوداء مشدودة على عضلات منفوشة ومشدودة هي الأخرى. السترات مشدودة للداخل,والعضلات مشدودة للخارج تكاد تمزق ثيابهم وتقذف الأزرار مثل الرصاصات التي تقذف الآن من فوهات مسدساتهم.

 

[8]

يذكرنا ما يحدث الآن بما حدث سابقا في حلوان,وقد وصلتنا معلومات أن هناك حوالي ثلاثة عشر تمثالا في وسط البلد.

 

-ماذا حدث في حلوان سابقا

-ما حدث في حلوان قد حدث,دعنا فيما يحدث الآن

 

[9]

-الذي لا يتحرك من مكانه؟

-نعم هو الإسم الذي أطلق على هؤلاء

 

وكان ينزل ليلا من بيته وهو يعلم أن هناك حظر تجوال واقع على منطقة وسط البلد بسبب ثلاثة عشر تمثالا لا يتحرك.

 

 

[10]

تدخل الجيش المصري مع حملات عسكرية مكثفة,فلم تنجح لا الدبابات ولا المدرعات في اختراق رجل واحد من الرجال الذين لا يتحركون.

 

[11]

نزل محمد وأحمد رفقة صديقيهما مينا ودانيال,كانت أم محمد تحتضر الآن في بيتهما البعيد في حلوان,وافتعلا مشاجرة مع الرجل الذي لا يتحرك,مشاجرة اجتذبت جميع الناس والجيران والأصدقاء والمارين والأقارب والعمال والطلبة والمعلمين وحتى أصحاب الحرف والمحلات في المنطقة. واخترقت الحشود رجل واحد حركته من الثلاثة عشر,باستخدام الطوب والعصى وأياديهم. رغم أنه قتل عددا كبيرا منهم. ومثل النار في الهشيم انتشر الخبر وتمكن جميع الساكنين في منطقة وسط البلد من فك الحصار عليهم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

النسخ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التحول هو إنتقال من حال إلى حال,أحد صور النقل هو النسخ الذي يعني بنقل الصورة من حال إلى حال تتصف بالتكرار عن / التشابه مع الأصل الذي نقلت عنه.

 

وفي هذا المقال نتناول نموذج معين هو الإنسان,ونستعرض عشرين نوع أساسي للنسخ التي قد تتواجد مقابله.

 

وقد رتبنا الأنواع الأساسية للنسخ,وهم هنا عشرين نوع,من الأكثر إعتيادية إلى الأقوى غرابة,كما سيتبين للقارئ في الآتي.

 

ملاحظة قبل البدء,وهو أن القارئ قد يلاقي -وقد يكون النص بسيطا- بعض الصعوبة في فهم بعض التصورات المطروحة هنا,والسبب أن كل نوع من النسخ المذكورة تحتاج مقالا منفردا لشرحها مما قد نفعله لاحقا.

 

ولكن إذا نظر القارئ لمذيلة كل فقرة (غالبا السطر الأخير فيها) يجدني أذكر مثلا عن أحد النماذج المقصودة من كل نوع.

 

[1] الإطار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هو كل ما يحيط بشيء من الخارج.

 

وذلك الشيء سواء كان موجودا أو غير موجود,وسواء كان يشغل حيزا من الفراغ (مثل إطار خشبي / معدني / بلاستيكي) أو لا (مثل لوحة مرسومة أو صورة فوتوغرافية),فالثابت أن له صورة قد تتغير بتغير شكل الإطار. فالإطار يحدد شكله وشكل الشيء داخله. ذلك الشيء هو جزء من الشكل العام الذي يكون الإطار إطاره. أو يحدث العكس,فيكون الشيء هو ما يحدد شكل ذاته وشكل إطاره.

 

ومن أمثلة ذلك أننا نصنع إطارات لصور لم تعلق داخلها بعد من أجل حفظ الذكريات, والعكس أن تكون هناك جثة تستدعي صنع إطار يحتوي الوضع الذي ماتت عليه من أجل التحقيق. الجثة بالذات هي ما تعنينا هنا لأنها الشكل الإنساني الذي يبقى ظاهرا من الإنسان بعد موته -والشكل آخر (الذي يتبقى بعد موت الإنسان) نتناوله في مقال آخر- وقبل موته يكون هناك جسد نابض بالحياة. وسواء أطرت جسد نائم أو جثة ميت فالإطار لا يهتم بالحالة التي يكون عليها الإنسان,بل بالوضعية التي تحدد شكل الإطار. الوضعية التي نام عليها أو مات عليها. والوضعيات الرئيسية الثلاثة سواء في الحياة أو الموت للجسد البشري هي القيام والجلوس والتمدد.

 

بناء على هذا يتضح أن الإطار من أكثر النسخ بعدا في التشابه مع الإنسان,فهو لا يأخذ شكل الإنسان إلا من ناحية حدودية مرتبطة بشكل الجسد. إنه حتى أدنى من مستوى الشكل التقريبي (سكيتش Sketch).

 

ومع ذلك نجد الإطار حاضرا في الكثير من الأشكال الأخرى التي تنسخ صورة الإنسان,مثل

 

1-النقش

2-الوعاء

3-المكان

4-الإطار

 

الأخير أمثلته كثيرة,مثل إطار لوحة أو صورة,وذلك النوع من الإطارات قد يكون الأكثر شهرة والأهم في عالمنا اليوم لقيمته الإعلامية والثقافية الكبرى. فالإطار لا يحدد كل معالم الصورة داخله,بل وربما يحدد معالم وعينا وواقعنا. إطارا للصورة السينمائية ثم التشكيلية.

 

إذا نظرت إلى آثار أقدامك أو تجعل أحد يرسم خط حول جسمك وأنت واقف لصيق الحائط فأنت ترى صورا / نسخا حدودية من نفسك.

 

[2] الوعاء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التشكل فعل يصف عملية صنع شكل.

 

ونقصد به هنا أي نوع من أنواع التشكلات الغير واردة في الأنواع الأخرى (مثل التركيب والتصميم والنحت وغيره). وتحديدا يتبقى نوع واحد -أو على الأقل حسبما أرى حاليا- ينتمي إلى نوع أكبر مذكور سابقا هو الإطار. النوع المقصود ها هنا هو الوعاء.

 

الوعاء هو أداة مجوفة جزئيا أو كليا لتحتوي في تجويفها أشياء متنوعة لأغراض مختلفة.

 

والأشياء التي تعنينا هنا هي السوائل,ثم الأجسام الصلبة الشبيهة بالسوائل مثل (الدقيق / الرمل / الحبوب,إلخ),ثم الجوامد الأكبر قليلا ولكنها كثيرة ومتناثرة ومضمومة في وعاء بإنسيابية تشبهها بتيار السوائل.

 

وأبرز الأمثلة عن ذلك,الأشكال التي تأخذها السوائل داخل الكؤوس والزجاجات والقوارير.

 

وبالطبع يدخل في تصميمها أنواع من الفن مثل النحت,وتحديدا نحت الزجاج هو الأكثر تألقا. إنه نوع من الفن الذي يشكل الإطار / الوعاء ليتأثر به السائل داخله معطيا ألق وجمال بسيط وفي متناول اليد,مجازيا وحرفيا.

 

اجعل نحات يجسد لك صورة مجسمة من الماء داخل الزجاج.

 

[3] الإنعكاس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإنعكاس (في الفيزياء) هو ارتداد الموجة عند سقوطها على سطح بيني يسمح بإرتدادها إلى نفس الوسط الذي صدرت منه.

 

والموجة قد تكون ضوئية أو صوتية أو مائية.

 

إنعكاس الصورة (أو الصورة المعكوسة والحادثة بسبب إنعكاس الضوء) هو صورة مطابقة للصورة المرئية بالعين البشرية دون أن تكون الأصل,فهى تُرى بواسطة عين أخرى هي المرآة. ولا تكون رؤية حقيقية بل مجرد إلتقاط للشعاع الساقط على الأسطح العاكسة التي ينعكس الضوء من عليها تاركا بصمته المحملة بصور الأشياء التي مرّ عليها.

 

وتتميز هذه الصورة بثلاث خواص أساسية

 

الأولى أنها موجودة في بعد آخر من الأبعاد البصرية العاكسة والتي لا تشغل حيزا من الفراغ,مثل صورة,مرآة,صورة لوحة (مرسومة),والصورة الفوتوغرافية أو السينمائية.

 

الثانية أنها مطابقة للصورة المعكوسة عنها عدا في خاصية واحدة,وهي أنها تكون معكوسة أفقيا (مقلوبة جانبيا) بحيث يتغير الإتجاه ويكون اليمين يسار والعكس. ويسمى هذا النوع من التطابق بـ التماثل / التناظر.

 

والتناظر / التماثل هو إنتقال الشكل من موضع إلى آخر مع ثبات صورته.

 

الثالثة أنها تتبع الأصل دوما أثناء ظهوره أمام سطح عاكس,والمسافة بين الأصل والسطح تساوي المسافة بين الصورة والسطح من الداخل. وتتقارب أو تتباعد اتباعا لحركة الأصل.

 

والسطح العاكس هو أي سطح مستو ولامع يسمح بإنعكاس الضوء.

 

وأنواع الإنعكاسات حسب الأسطح هي

 

1-المرآة

2-الماء

3-المعدن

4-العيون

 

وغيرها.

 

ببساطة يمكنك النظر إلى المرآة لترى نسخة طبق الأصل عنك.

 

[4] الصورة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصورة هي مطابقة شكل (الصورة) لشكل آخر (الأصل) في كائن تجريدي يسمى الصورة.

 

وهو كائن تجريدي قد يكون بصريا ثابت أو متحرك,وقد يكون ماثل في حاوية تجريدية مثل الصورة الذهنية,أو في حاوية تجسيدية ثنائية الأبعاد (مثل اللوحة والصورة الفوتوغرافية),أو ثلاثية الأبعاد (مثل الدمية والصورة الهولوجرامية). الفوتوغراف والهولوغرام من أنواع الصور الضوئية. والتصوير الضوئي هو ما يعنينا. الصورة هنا هي مطابقة للصورة المرئية بالعين البشرية دون أن تكون الأصل,فهي ترى بواسطة عين أخرى هي العدسة (عدسة الكاميرا). وتعمل الكاميرا الضوئية بنفس آلية عمل العين البشرية حيث تلتقط الضوء الساقط عليها تاركا بصمته تنطبع محملة بصور الأشياء التي مرّ عليها.

 

والصورة الملتقطة مثل الصورة المعكوسة,مبنية على العمليات الضوئية (وليس الذهنية مثل الرسم التشكيلي) من إلتقاط أو إنعكاس (أو عمليات أخرى مرتبطة بالضوء والزجاج نتناولها في جزء ثان للمقال وهي الصورة عبر (الزجاج / العدسة / المقراب / المجهر / المرآة)).

 

ونحن هنا نعني بالتصوير الضوئي مفهوم أعم من التصوير الفوتوغرافي يشمل كل أنواع التصوير القائم على عملية إلتقاط الضوء وتسجيله لتشكيل الصور.

 

وأنواع التصوير الضوئي هي التصوير الفوتوغرافي والتصوير الرقمي,والتصوير الثابت والتصوير التسجيلي (السينمائي أو التلفزيوني أو غيره).

 

وأبرز خصائص الصورة هي

 

أولا أنها تعكس / تنسخ الأصل إلى حد التطابق,حتى أنه لكان يمكن إدراجها في القرائن المتقدمة بدلا من المتأخرة من أنواع القرين في الآتي,لولا أنها لا تشارك الأصل في الفضاء الذي يحتوي وجودها,وتفرض على نفسها وجودا يكشف بصراحة عن حقيقة نسخه عن وجودنا. فلا تثير التساؤل الكوني عن ماهية وجودنا. هل وجودنا هو الأصل أم الوجود الآخر؟. كما يحدث في الصورة المخلقة من الأحلام.

 

ثانيا أنها تسمح بعدد كبير من خيارات التلاعب والتعديل تتخطى بكثير ما تتيحه المرايا.

 

يمكنك أن تلتقط صورة لنفسك بالكاميرا ولسوف تجد نسخة طبق الأصل عنك.

 

[5] اللوحة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرسم هو فن يعني بخلق صور على سطح ما بواسطة أدوات أو مواد معينة.

 

مثل الخطوط والبقع وغيرها من الأدوات التي إذا شملت التصوير عموما احتوت على أدوات النحت والنقش وغيره. والصور المرسومة تعكس / تجسد ما في الواقع / المخيلة.

 

التصوير التشكيلي هو القطب الثاني للتصوير الضوئي,رغم أنه صار أدنى منه أهمية مثل العلاقة بين المسرح والسينما.

 

التصوير التشكيلي يختلف عن التصوير الضوئي,إنه عكسه تماما. فهو إسقاط للصور التخييلية على لوح الرسم (سواء كانت صور تنقلها واقعيا أو تؤلفها ذهنيا) بدلا من إلتقاط للصور البصرية كما يحدث في المرآة والعدسة وغيرها من النماذج,وحتى الصورة المرئية نفسها قائمة على عملية سقوط الضوء عليها وإنعكاسه في عيوننا,والصورة المرئية غير مذكورة هنا ونتناولها في الجزء الثان.

 

وأبرز خصائص الصورة التشكيلية ثلاث

 

الأولى أنها تترك أثرا إنسانيا دالا على صانعها.

 

الثانية أنها تخلق مجالات من الإبداع الواقعي والتخييلي,مطابق للوصف / الصورة أو محاكي له.

 

الثالثة أنها قادرة على الوصول لمستويات خيالية غير مسبوقة أو محدودة من خلال عدد كبير من الأنواع التصويرية التي تتمازج مع أشكال أخرى من التصوير مثل التصميم والسينما.

 

اجعل رساما يرسمك,ولسوف يقدم لك نسخة طبق الأصل عنك.

 

[6] الظل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الظل هو البقعة المعتمة التي تظهر فوق المنطقة التي لا يصلها ضوء داخل إطار من الضوء يحيط بالسطح الذي يسقط ظله عليها مكونا تلك البقعة.

 

ويتكون هذا الإطار من جسم معتم يعزل الضوء عن الوصول إلى تلك البقعة.

 

أي أنها صورة ضوئية بخلاف الصور الأخرى (الصورة في المرآة / الكاميرا,وغيره) تتكون من خلال انقشاع الضوء بدلا من سقوط الضوء محملا بالصورة. إن الظل هو صورة تتكون من خلف ظهر الضوء لا أمامه,وأبوها هو الظلام. الظل جزء من الظلام. والظلام هو الحالة في الفيزيائية البصرية التي تحل على سطح أو مكان بعد انسحاب الضوء منه.

 

ومن خصائص الظل

 

أولا أنه طيف / شبح ليس له أي معالم شكلانية عدا الهيئة,فهو مثل الإطار مجرد بقعة حدودية (كتلة سوداء) أدنى من الشكل التقريبي (سكيتش Sketch).

 

ثانيا الظل يتبع الجسم الساقط منه (الجسم المعتم) في أي مكان وعلى أي وضعية.

 

ثالثا الظل يتأثر (في الحجم والوضوح والتعدد) بتحركات الجسم مع الظل,فيزداد حجما أو يتقلص,وقد يخفت الظل أو تشتد عتمته,وقد يكون ظلا واحدا أو أكثر من واحد.

 

انظر إلى ظلك ولسوف تجد نسخة شبحية مشوهة ومخيفة عنك.

 

[7] الدمية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدمية هي جسم بلا روح تمثل إنسان أو حيوان أو مكان أو شيء أو حدث.

 

أي أن الدمية هي جسم يصور شيء ما,أيا كان هذا الشيء,والخطأ في تعريفها بأنها دوما تصور شيء متعلق بالإنسان حادث بسبب أن كل شيء تقريبا من وجهة نظر الإنسان يدور حول الإنسان,أو له علاقة به. وبذلك فأي شيء تصوره الدمية هو متعلق بالإنسان. والدمية لا ترادف اللعبة إلا أنها واحدة من الأنواع الرئيسية للألعاب (من خلال تمديد مفهوم اللعب ليتجاوز فعل اللهو). إلا أن الدمية تصلح أن تكون مرادفا للتمثال,رغم أننا ندرج التمثال ضمن الأنواع المائة للدمى التي نعرضها في مقال آخر. لذا لا يسعنا الحديث هنا سوى عن تعريف الدمية,وقد عرّفناها.

 

أما عن أبرز خصائصها,وأتحدث هنا عن الدمية المجسدة لإنسان,أنها شيء يبث الغرابة المنبعثة من فكرة الجمع بين الحياة والموت.

 

اجعل نحاتا يصنع لك تمثالا ولسوف تجد نسخة مجسمة طبق الأصل عنك.

 

[8] الثوب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثوب هو كل رداء أو غطاء للجسد.

 

وهو بذلك قد يكون نوع من الإطار الذي يغلف الإنسان ويتشكل بشكله,وعكس حاويات الماء والمتشكل الماء داخلها بحسب شكل الإطار / الوعاء الزجاجي.

 

والثوب يملك مجموعة كبيرة من خصائص التشابه (أي القوانين التي تحكم التشابهات وليست التشابهات نفسها كما فصلنا في التشكل) نجمعها في أربعة سمات رئيسية

 

أولا أنها تأخذ شكل مرتديها (الهيئة والحجم).

 

ثانيا أنها تأخذ شكل الأشياء حولها (التصميم واللون).

 

ثالثا أنها تخلق أشكالا جديدة.

 

رابعا أنها تخلق صورا ذهنية غير البصرية المذكورة في الثلاثة سمات السابقة. تلك الصور الذهنية وبحكم أنها تشكل نصف التفكير البشري حسب إحدى النظريات (فالتفكير إما لغوي أو بصري) هي التي تلقى العناية الفائقة من الباحثين المنقبين خلف دلالات الملابس عبر تعاقب العصور وفي مختلف الثقافات.

 

خامسا أنها قد تغطي الجسد كله أو جزء منه. وإذا كان كله فقد تستعين بأنواع أخرى تنتمي ضمنيا إلى الملابس مثل الحزام والحزاء والقبعة والوشاح وحتى القناع.

 

إنك إذا نظرت إلى شخص ما يرتدي ملابس معينة قد تحسبه شخص آخر بسبب هذا التشابه.

 

[9] القناع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القناع هو غطاء للوجه.

 

وهو بذلك يمزج بين الدمية والرداء,ويملك مجموعته الخاصة (يبدوا لي أن أكثر الدراسات الحديثة تعني بـ القناع / الظل / الدمية / الثوب) من الدلالات التي يغرق الباحث لو حاول رصدها كلها,مما نؤجله كما هي العادة لمقال آخر.

 

ولكن لماذا قد ينال القناع نفس الأهمية الدلالية التي يحظى بها الثوب مثلا مع أن الأخير يغطي مساحة أكبر من الجسم,كما أنه لا غنى عنه في حياة الإنسان؟.

 

يعد الوجه نافذة خارجية تعبر عن دواخل الإنسان -وغير الإنسان- لترينا شيئا من العواطف والأخلاقيات والحاجات,التي تظهر في إنفعالات الوجه وخلجاته. ويعد القناع واحد من أهم الرمزيات التي تعبر عن الأفكار من مفاهيم وإسقاطات وتوجهات. وهو فوق ذلك غطاءا للوجه الذي تخصصت لغة الجسد بعلم معني بقراءته وهو علم الفراسة.

 

الوجه هو ما يواجه الناظر من الرأس,ويتفرد كل شخص بقالب من الملامح على وجهه,لا يتماثل معه وجه واحد,وقد يتشابه معه أربعين. والقناع هو قالب إصطناعي من الملامح الذي يوضع على الوجه لعدد من الأغراض,منها

 

1-الرمز

2-التخفي

3-المهنة

4-الفن

 

إذا أردت أن ترى ترى نسخة عنك,اجعل شخص يرتدي قناعا يجسد ملامح وجهك.

 

[10] العمارة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العمارة هي الفن الذي يعني بتصميم البناء خارجيا,وعكسه الديكور الذي يعني بتصميم البناء داخليا.

 

إنه إطار لا يتأثر (سواء في العمارة أو الديكور) قصرا بالشكل الداخلي (كما في الإطار),ولا يتأثر الشكل الداخلي به (كما في الوعاء). ولكن يحدث تبادل في التأثير فقط بمحض إرادة المصمم.

 

العمارة نوع خاص من الدمى,لأنها الدمية الوحيدة التي تشكل واحدة من أقصى ضروريات الإنسان؛المأكل والملبس والمسكن. لتتغلب في أهميتها على الدمى الآلية التي يمكن الإستغناء عن أغلب خدماتها لتنفيذها يدويا.

 

وفي العمارة تنطبق قواعد التصميم (التكوين المقصود للشكل من قبل الإنسان) والتشكل (التكوين للشكل الغير مقصود من الإنسان). فتجد النوافذ تشكل عيني الإنسان والباب فمه. وغير ذلك من التشابهات العديدة التي تتشابه مع الإنسان,أو غير الإنسان,أو تخرج صورا جديدة خاصة بفن العمارة وحده. ومن عناصره

 

1-قبة

2-بهو

3-فناء

4-عمود

5-غرفة

6-إفريز

7-حوض

 

وأنواع المباني كثيرة منها

 

1-البيت

2-القصر

3-البرج

4-المشغل

5-المعبد

6-القلعة

7-الجسر

 

وغيرها من العناصر والتصنيفات الكثيرة لدرجة تستلزم إعداد قاموس لها.

 

هذا أصعب,ولكن يمكنك أن تبني مبنى يأخذ شكلك ليكون نسخة عنك.

 

[11] النقش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النقش هو فن يعني بتشكيل الرسوم من خلال بروزات داخلية (حفر) أو خارجية (نحت).

 

وقد ميزناه عن بقية الأنواع التصويرية لعدد من الأسباب

 

أولا لأن النقش ربما يأتي هنا كأنه صورة أعم تشمل الحفر والنحت,رغم أنني دوما اعتبر النقش كجزء داخلي من النحت. وحتى لو كان جزء داخلي من النحت أو العكس,فهو يشكل نصف عملية التصوير تلك (النحت). أي أن النقش هو الوجه الآخر للنحت. وبما أننا ذكرنا النحت ضمنيا (هو نوع مشتق من صناعة الدمى متمثلة في التماثيل),نأتي هنا للنوع الذي لا ينتمي إلى الدمى بل هو أقرب للصور.

 

ثانيا وهو أن النقش نوع فريد من النسخ,ربما لأن معظم ما ذكرناه أقرب إلى الصور منه للدمى (ثنائية الأبعاد وثلاثية الأبعاد مثلا رغم أنه تعبير غير دقيق لتواجد العديد من الصور الثلاثية وربما لا تنتمي إلى الدمى).

 

إذن اجعل أحد يحفر لك نقشا في الحائط أو يوشم جسدك بصورة لك.

[12] التخيل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التصور هو استحضار صورة في العقل دون مرئاه -في لحظة الاستحضار- للعين.

 

ذلك الاستحضار يتم بواسطة العقل عادة دون تدخل (في لحظة الاستحضار) بواسطة أي مؤثرات خارجية,والتصور ينقسم بحسب النشاطات العقلية إلى

 

العمليات الزمنية حسب بول ريكور

 

1-التذكر

2-التخيل

3-التوقع

 

عمليات أخرى

1-الحلم

2-الوهم

3-التجريد

 

ومن الأنواع الستة الرئيسية ينبثق عدد أكبر من النسخ بأنواع مختلفة,أهمها قد يكون التخيل الأدبي.

 

التذكر يستحضر صورة لإنسان رأيته في الماضي. والتوقع يستحضر صورة إنسان ستراه في المستقبل. والحلم يستحضر صورة إنسان بشكل أقوى يكاد يكون ملموسا في فضاء يفتحه العقل أثناء النوم. والتوهم يستحضر صورة إنسان بشكل أقوى يكاد يكون ملموسا في فضاء يفتحه العقل أثناء اليقظة. وللوهم أنواع نتناولها في مقال آخر. وللتخيل أنواع أيضا وخصائص عديدة تمكنه من خلق نسخ تبتعد أكثر عن الصورة الطبيعية للإنسان. ونتناولها في مواضع أخرى. وكذلك التجريد الذي يمكننا من إنشاء المفاهيم,ومنها المفاهيم التجريدية الكبرى مثل المثال والمجاز.

 

تخيل نفسك واقفا أمامك تجد صورة طبق الأصل عنك.

 

[13] الروح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الروح هو كيان ما يفترض أنه يحرك الكائنات الحية بمحض إرادتها.

 

وهو يأتي شبيها بالإنسان لسببين

 

الأول أنه إذا افترضنا تدرج الروح الإنسانية إلى ثلاث طبقات من الأعلى للأدنى تبدأ بالعقل وتمر بالنفس وصولا إلى العقل. يعني أن الروح هي وجه آخر للنفس البشرية. والنفس هي دوما تمثل شخص ما. هذا الشخص يرتبط في الذهن (عقله أو عقول المحيطين به) بصورة بصرية مقترنة بمجموع السمات النفسانية التي تشكل شخصه. فيكون فلان الشاب المهذب الرقيق هو نفسه فلان ذو الطول المعتدل. وتكون فلانة المرأة المغرورة هي نفسها فلانة ذات الجمال الأخاذ. وغير ذلك من الأمثلة.

 

الثاني أن عقل الإنسان قاصر على أن يبتدع إبتداعا من لا شيء أي صورة جديدة تخرج عن المعطيات المتناثرة حوله والموجودة بالفعل. وبالرغم من تلك الحدود إلا أن الخيال البشري لا نهائي وبلا حدود (فالكون لا نهائي بالرغم من أنه يفترض أنه له أطراف متناثرة على حدوده). ولأن الإنسان خلق في أحسن تقويم,ارتبطت صورة الكائن العاقل بالصورة البصرية للإنسان. وبما أننا عاجزين عن الإتيان بصورة أحسن منها,يتم إستعارتها لتصوير الكائنات العاقلة غير الإنسان.

 

أبرز تلك الكائنات المتشابهة مع الإنسان دون أن تنتمي إلى نوعه هي

 

1-الروح

2-الجن

3-الفضائيين

 

حاول استحضار روحك بعد موتك -لولا أن ذلك مستحيل للأسف- قد تجد نسخة شبحية طبق الأصل عنك.

 

[14] التشابه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التشابه هو علاقة تجمع كائنين (أو أكثر) بينهما بعض الصفات المشتركة.

 

وفي هذا المقال نميز بين الشبيه والمتشابه,ونقصد بالأول الكائن العاقل (وهو الإنسان) وبالثاني الكائن الغير عاقل (مثل الحيوان والجماد). وأدرجنا كل منهما في نوع خاص لما يملكاه من خصوصيات تفصلهما عن البقية.

 

ويعنينا من المتشابه كما ذكرنا نوعان

 

التشابه الحيواني

 

وأوجه التشابه بين الإنسان والحيوان عديدة,أبرزها

 

1-الملامح

2-التعبيرات

3-المظهر

4-الخصائص

5-الصفات

 

ومن الشواهد على قوة التشابه نذكر

 

1-نظرية التطور

أن ملاحظة فرويد الدقيقة للتشابهات بين الكائنات الحية (خاصة بين الإنسان والحيوان, وتحديدا بين ابن آدم وابن قرد) هي ما أدت إلى وصوله لنظريته الشهيرة. ولا أقول هنا أن الإنسان أصله قرد -ولا أنفي النظرية كليا بالطبع- إلا أنها دليل على قوة التشابهات بين الإنسان والحيوان حيث كانت تلك التشابهات منطلق واحدة من أهم النظريات في تاريخ العلوم.

 

2-الثوب والقناع

البشر في الاحتفالات,أو في العروض السينمائية / المسرحية,أو حتى الاستعراضات الجنسية يتشبهون بالحيوانات من خلال أقنعة خشبية (أو مواد أخرى) أو من الأصباغ وملابس ملونة,وأدوات مساعدة مثل عدة التزيين (الماكياج) وغيره. النساء مثلا يسهل عليهن من خلال الثوب والقناع أن تتشبه إمرأة بقطة,في التصرفات والمظهر والملامح وغيره. من أجل بث شعور بالدلال أو الإغراء.

 

3-الرسوم المتحركة

والتي تملك إمكانية فائقة سواء كانت رسومية أو حاسوبية في تحويل البشر إلى بهائم وجعل الخنازير بشرا ناطقة.

 

التشابه الجمادي

 

ونختص به تحديدا التشكلات المتكونة بدون أي تدخل إنساني مقصود. بسبب فوضى تفلت من أيدي البشر,أو بسبب جريان الطبيعة عبر الأشياء. لأن أي جماد يشبه بالإنسان عن قصد من الإنسان,يدخل هنا في فئة (الدمية / العمارة / النقش,وغيرها).

 

من الصعب هنا أن أطلب منك البحث عن تشابه لك مع حيوان ما,فحتى لو كان أسدا أو حمارا لن تجد إلا أطراف تستعمل لأغراض مختلفة (الأكل والقتال مثلا) كالتي تملكها. لكن ربما تكون محظوظا كفاية لتجد في الطبيعة من تشابهات الجماد ما يقرب لوجهك.

 

[15] الشبيه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشبيه هو شخص / شيء يتشابه مع شخص / شيء آخر في الملامح أو الصفات.

 

وقد تحدثنا عن الشيء (الكائن الغير عاقل من جماد أو حيوان) ونختص هنا بالحديث عن الشخص (الكائن العاقل وهو الإنسان). وتحديدا الصورة البصرية للإنسان المشابهة لصورة إنسان آخر,لذا نحن هنا نقصي أي تشابهات في الصفات (أخلاق / طباع).

 

والتشابهات البصرية بين البشر تكون موجودة لدى

 

1-الأقرباء

أقرباء المستوى الأول الإبن مع الأب والأخ مع الأخ (خاصة التوأم),ثم أقرباء المستوى الثاني مع الأعمام والخوال وأبناء العمومة وأبناء الخؤولة. ثم الأقرباء من مدى أبعد رأسيا كلما أوغلنا في صلات القربى من الجد والجد وجد الجد صعودا إلى ما فوق وأعلى,أو العكس نزولا مع الأحفاد.

 

2-العشيرة

وهي قرابة على صعيد أبعد تبدأ من العشيرة وتصل دون أن نتنتهي إلى الجنس أو الشعب, تتداخل معها عوامل أخرى غير صلة الدم,مثل المناخ وغيره. لذا نجد الأفارقة أكثر شبها لبعضهم من مجموعات أخرى -والمجموعة يتشابه أفرادها- منفصلة عن بعضهم,منها (الهنود / الشرق آسيويين / الأوروبيين / الإسبان / العرب).

 

3-الأشباه

وهم الأربعين شبها المذكورين في المثل (يخلق من الشبه أربعين),وقد يتجاوزون هذا العدد بكثير. أشخاص بعيدين عنك في المكان,ونتجاوز المثل (أو ربما ذلك أيضا ضمن مقصد المثل) ونقول بل ويتشابه معك أشخاص بعيدون عن زمانك.

 

إذا أردت شبيها انظر في وجه إبنك أو أخيك أو أبيك أو قريبا لك,لعلك تجد فيه شبها.

 

[16] النسخة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التناسخ هو علاقة تجمع كائنين بينهما الكثير من الصفات المشتركة أعلى من التشابه وأدنى من التطابق.

 

كما ذكرنا هو الدرجة الوسطى في التشابه بين الشبيه والقرين باعتبار الإنسان نموذجا دون تدخل لأي من التشابهات الأخرى. أي الإنسان شبيها للإنسان. وهو هنا نقول نسخة عنه.

 

والنسخة قد تتشابه إلى حد كبير مع القرين,لذا قد يختلط الأمر عليّ أو على القارئ.

 

والنسخ هي

 

أولا القريب

مرة أخرى بمستوياته من الأسرة مرورا بالعائلة وصولا للعشيرة والشعب.

 

ثانيا الشبيه

ربما الشبيه رقم أربعين.

 

ثالثا النسخة

النسخ بمعاني أخرى نتنتاولها أو نعيد تناولها في مقال آخر,وهي هنا وفي الحالة التالية قد تكون أقرب للقرين.

 

رابعا المصنع

ومنه أربعة أساسية ممكنة الحدوث بدرجات متفاوتة

 

1-زراعة الأعضاء

2-الأطراف الصناعية

3-التلاعب الوراثي

4-التصنيع الكيميائي

 

قم بزارعة وجهك لشخص آخر أو بادل معه,وإذا كان متماثل معك جسمانيا حينها ستجد نسخة عنك.

 

[17] القرين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التماثل هو علاقة بين كائنين متطابقين,والقرين هو كائن يتطابق مع كائن آخر.

 

ومع ذلك فإن تلك الدرجة من التماثل (ونحن هنا نقصد التماثل بمعنى تطابق الشبه بين كائن وكائن وهو يختلف عن التماثل الرياضي بمعنى تطابق الشبه بين حالة وحالة في نفس الكائن) وإن كانت موجودة بكثرة في العديد من الموجودات إلا أن كائن واحد -هناك كائنات أخرى بحسب المنظور الروحاني- ينأى بنفسه عن هذا النوع من التشابه في الوجود. وهو الإنسان. فلا يتماثل شخصان أبدا. والتماثل هنا كما وضحنا معناه تطابق كل الصفات. فلا ينظر لأي تشابه أدنى (تواجد صفتين أو أكثر أو حتى كل الصفات عدا صفة أو جزء من صفة في كائنين أو أكثر) على أنه تماثل أو نوع من التماثل. ومع ذلك فنحن هنا بصدد عرض أنواع التماثل الأكثر قربا من ذلك المفهوم المستحيل تطبيقه على الإنسان.

 

1-أنت

فلو غالينا في الصعوبة والتعقيد نقول أنه لا يوجد أي تماثل كلي أصلا,فلو أتيت بحجرين ووضعتهما على منضدة,فإن كل حجر موجود في موضع آخر غير موضع الآخر. وكل حجر له تاريخ سابق لصنعه وكيفية تكونه ومن أمسكه قبل وضعه على المنضدة. فضاء مكاني ووحدات زمنية سابقة وحاضرة ولاحقة تقيد كل حجر. حتى لو دخلنا إلى التكوين الذري لكل حجر لربما نجد إختلافات دقيقة لا تؤثر البتة على تكوينه. وحتى لو لا يوجد فإن مسألة وجود حجرين متماثلين تلغي التماثل,فلا يتماثل شيء إلا مع نفسه. وهذا هو النوع الأول من التماثل هو أنت. الشخص الوحيد المتماثل معك أيها القارئ والذي يملك كل صفاتك وتاريخك ومستقبلك وبنيتك. بل وكل العلاقات والتعاملات مع المحطيات من حولك منذ مولدك (وربما قبل ذلك) حتى موتك (وربما بعد ذلك) هو أنت.

 

2-المثيل

ومع ذلك فنحن بذلك ربما نناقض أنفسنا,لأن التماثل قد يعني بالضرورة أكثر من كائنين,فإذا لم يكن هناك كائن آخر تتشابه معه,تسقط فكرة التشابه أصلا. وفكرة التماثل تخلق بالضرورة كائن ما موجود (حتى لو في أفكاري أو أفكارك فقط) يتماثل مع الإنسان في كل صفاته. ذلك الكائن الافتراضي هو المثيل.

 

3-المثل

وهو المفهوم / النسخة الأخيرة في القائمة,والذي أسس له أفلاطون.

 

4-ديجافو

هي ظاهرة تعطي إحساسا للشخص بأنه رأى أشخاص أو أحداث أو أماكن لم يرها من قبل في مكان ما,أو عايش حدث  أو وقت أو ظروف معينة من قبل رغم أن ذلك لم يحدث ولم يمرّ عليه. وبغض النظر عن النظريات في محاولة تفسير الظاهرة. فإن الديجافو Dejavu (وهم سبق الرؤية / المعايشة) تعطيك نسخة عن شخص شوهد من قبل مع أنك لم تره سابقا قط! هناك نسخة في ذاكرتك عنه,أو هو نسخة عن شيء ما. نسخة طبق الأصل. أو هو هو!

 

5-النسخة

هنا تكون النسخة هي نسخة طبق الأصل. الشيء هو الشيء. حتى أن ذلك مصطلح نسخة لا يجوز هنا لذا سمينا ذلك النوع بالقرين.

 

6-الوجود

وأقصد هنا الوجود بالقوة حسب مبدأ أرسطو في تصنيف أنواع الوجود إلى الوجود بالفعل وهو الوجود الحادث فعلا,والوجود بالقوة هو وجودوجود غير متحقق وممكن التحقق.

 

والوجود بالقوة يستدعي مجموعة كبيرة من نماذج الوجود أبرزها هي

 

1-الوجود بحسبب العلل الأربعة الأرسطية

2-الوجود بحسب التشابهات الأربعة الفوكوية

3-الإحالة إلى شيء آخر بشكل عام

4-المتقابلات تشير إلى بعضها

 

7-التناسخ

تناسخ الأرواح هو معتقد ديني / فلسفي يؤمن بموت الإنسان وعودته مرة أخرى إلى الدنيا في صورته أو صورة مغايرة عن حياته السابقة.

 

8التوازي

تعدد الأكوان أو الأكوان المتوازي هو معتقد علمي (أو يزعم أنه علمي)       تؤمن بوجود به عدد من الأكوان التي تتماثل (وكذا يفعل سكانها) بعضها مع أخرى,وقد تتداخل بعضها مع الأخرى.

 

9-الميت

في صورة شبح أو جثة,فأنت بعد موتك,تكون روحك أو جثتك مثلك بالضبط. نحن تأكدنا من الجثة,ولا يوجد أي تأكيد حتى الآن على الروح.

 

10-القرين

حسب المعتقد الإسلامي هو مثيل للإنس من الجن.

 

وأستطيع أن أذكر نحو عشرين نوع لقرائن أخرى غير ما ذكرت,ولكن لكل مقام مقال.

 

لنقل هنا أنك أنت نسخة من نفسك. (وريح دماغك).

 

أو انظر إلى تابوت,هذا التابوت موجود فيه جثة شخص وجودا بالقوة لم يحدث بالفعل. وقد يكون هذا الشخص موجودا في الحياة بمكان آخر,بينما قرينه حبيس التابوت.

 

[18] الجزء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء هو قدر اقتطع من قدر أكبر / أصغر كان ينتمي إليه.

 

وهو هنا يعطينا صورة ذهنية عن أصل كان كاملا قبل أن ينقطع الجزء عنه. ولكن لو ذهبنا إلى ذلك الأصل لا يكون هو الكائن الذي تمثل في ذهننا. فإذا غلام قطعت يده,ووضعت اليد على منضدة كان في وجودها دلالة على وجود الجسد الذي بترت عنه. وهو جسد الغلام الذي صار موجودا في الذهن. إلا أننا لو ذهبنا إلى الغلام كان هو شخص غير الصورة الموجودة في الذهن. كما أنه يخلق صورة أخرى لشخص بلا يد مقطوعة,وقد تتطابق هذه الصورة الذهنية مع الصورة الذهنية الأولى التي بثتها اليد,إلا أن المصدرين مختلفين للصورتين. فاليد تأتي بالجزء الأكبر الذي تنتمي إليه,والغلام يأتي بالجزء الناقص الذي اقتطع منه.

 

هذه العملية الذهنية تندرج ضمن مفهوم الوجود بالقوة والوجود بالفعل الذي أسس له أرسطو. هذا غير كونها عملية تخييلية بالطبع.

 

اقطع يدك (هذه صعبة) وضعها على منضدة واستحضر في خيالك الشخص الذي تنتمي إليه اليد.

 

[19] الممثل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التمثيل هو استحضار حدث خيالي / واقعي على المسرح من خلال أداءات حركية / كلامية تنفذها الشخصية التي يتقمصها شخص إسمه المشخص. أو الممثل.

 

وهنا تحدث مفارقة بالغة الغرابة والطرافة.

 

المشخص هو شخص يتقمص شخصية أخرى.

 

وهنا يجب أن نركز في ثلاث مفاهيم؛المشخص والشخصية والشخص.

 

ولنضرب مثال

 

فالممثل أحمد مظهر حين يمثل في فيلم الناصر لا يكون هو أحمد مظهر,فأحمد مظهر هو شخص يعيش في القرن العشرين,وهو ممثل يغلب على واقعه الحياة الفنية يأتي إلى الموقع ليمثل دور إحدى الشخصيات في الفيلم ليتقاضى راتبه على دوره ولتزداد شهرته.

 

ولكنه ليس الملك الأيوبي,فصلاح الدين شخص عاش في القرن الثاني عشر,وهو قائد يغلب على واقعه الحياة العسكرية والموقع عنده هو ساحة الحرب يغزو بلاد ويدافع عن بلاد.

 

وفي الأخير يتبقى أنه شخص ما,يمثل فيه صلاح الدين,ويمثله أحمد مظهر. وقد تكون البراعة الحقيقية لأي ممثل هي مدى قدرته في أن يكون ذلك الشخص متخليا عن شخصه.

 

ويتضح من هذا أن التمثيل (السينمائي / المسرحي) يعطينا ثلاث نسخ صورية / ذهنية.

 

ونجد نفس النسخ بشكل أقل وضوحا في الأعمال الرسومية والوثائقية.

 

كن ممثلا تصنع نسخة طبق الأصل عنك.

 

[20] المثل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المثل أو المثال هو الأصل الذي تعود إليه كل الصور التي تحمل تشابهات قد تجعهلها تنبثق منه.

 

أي أن أي تشابه بين كائن / شيء وآخر يرجع لأن بينهما صلة قرابة تنسبهما إلى نفس الكائن الأعلى الذي أتيا منه. هذا الكائن (المثال) يمكن النظر إليه من عدة زوايا.

 

أولا إنه كائن فيه الصفات الأصلية التي تتناسخ في كائن آخر,وبذلك فإن كل كائن مفرد ينبثق في الأصل من أصل أكثر كمالا منه. لكن ذلك الأصل قد لا يتشابه مع الأصول الأخرى التي تتناسخ منها الموجودات الأخرى. لك كائن مثل آت منه.

 

ومن هذا التصور يتفرع تصور آخر ينص على أنه كائن أسمى يتشابه مع كائن أدنى,ولكنه لا يتشابه في الوقت ذاته. نعرفه إسما لا فعلا. وهذا المفهوم / المنظور ينطبق على الأشياء والأحياء في الجنة أو النار.

 

ثانيا أنه كائن يجمع كل الصفات التي تقع على مجموعة من الموجودات. وفي هذا تفريع شجيري,حيث مجموعة ربما معدودة من الكائنات (المثل وهنا جمع وليس مفرد) تندرج تحت كل منها جميع المجموعات في الوجود.

 

ثالثا إنه كائن كلي فيه كل الصفات في جميع الموجودات. كائن واحد تعود إليه كل الموجودات في صفاتها,هو يتمثل في الجميع,وتمثلاته متشابهة,ولكن لا يشبهه شيء. هذا المفهوم ينطبق على مفهوم الإله.

 

إذا مت لربما تجد نسخة عنك خير لك من صورتك الآن في الجنة إذا دخلتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *