هذه مجموعة قصصية فيها ثلاثة عشر قصة عن 13 ثقب مختلف
نعم .. فكرة غريبة جدا.
أرج
[1]
تشمم الأستاذ علي أبو ودان (أبو أذن) رائحة جميلة تسللت إلى غرفته,حمل جسده على النهوض,وانقاد خلف الرائحة فلم يعثر عليها في الشقة كلها,بحث في الغرف الثلاثة وفي المطبخ وفي المدخل أمام الباب. ونظر من النافذة,ونظر في المنور. حتى أنه بحث في الحمام,وفي المنور,وأسفل السرير وأسفل السجاد وخلف الخزانة وخلف الأرائك وأسفل السلم وعند الباب الرئيسي. حتى ضجر من محاولة البحث عنها فهمد أخيرا. وقضى يومه ثم عاد ونام. ولأن زوجته غاضبة أو غضبانة,أخذت الأولاد معها وستقضي ما لا يقل عن شهر,أو ربما إسبوع واحد,عند أمها في بيت أبوها. وسيقضي هو هذه الأيام وحيدا. شعر بالملل واليوم جمعة والرائحة لازلت تتسرب بهدوء وأثرها واضح في الهواء ولو بشكل خافت. في اليوم الثالث سبتا وهو عطلة عن المدرسة,ولكن كان هناك إجتماع طارئ في الإدارة وتغيب عنه لأنه شعر أنه منهك وغير قادر على الذهاب لأي عمل. وربما حتى يتغيب في اليوم الذي يليه أحدا غير عالم وهو المعلم لعلم النفس أن لا وعيه هو ما جعله يتغيب ذلك اليوم ليعثر على مصدر هذا الأرج الذي غزا بيته وعقله. ولا أحد في البيت غيره. أرج لعطر ما موجود وغير موجود. فيه من عبق القدم ورحمة من السماء في الحاضر وأمل ينتظره في المستقبل,وفي الكثير من رائحة عرق نتنة لعامل يعمل ماضيا وحاضرا ومستقبلا. أو هي روائح تشممها بأنفها وتحسسها بقلبه واهما أثناء بحثه أن الأمر مزيدا وأكثر من مجرد رائحة عطرية. وقد كان في القنينة التي عثر عليها أكثر من ذلك. ولكن لا أمل للحابس والمحبوس في أي تذكر للماضي أو تفكر في المستقبل أو رحمة في الحاضر. ولم تبقى سوى رائحة العرق مع لطخات من عبق الورد الذي بدأ يشعر أنه آت من شرفة إبنة الجيران الملاصقة لشرفة غرفته. سجين وسجانه الذي لم يسجنه بيده لكنه أبى أن يحرره. وهذا هو أول ما فكر فيه الأستاذ علي عند عثوره عليها. لأجل العلم يجب أن يتجرد من عواطفه بقدر استطاعته وهو الأستاذ الطيب في مدرسة السرايا الثانوية بنين. قنينة زجاجية بحجم زجاجة خمر مغلقة وغطاءها فيه نسيم طفيف من رائحة تختلف تماما عن الزهور المعلقة على شرفة عبير. وتخمرت الروائح داخلها وفاحت بعكس ما كان يأتيه قبل العثور عليه,وقبل فتحها!. روائح كريهة للغاية تناقض العطر السماوي الذي كان يتشبث أنفه بذيول منه,غير عالم قدر القبح والعفن الذي سيتشممه أنفه ولن يجد لذلك تفسيرا مهما كان يعتبر نفسه عالما. مزيجا من روائح العرق والدم والريق والبول والبراز والوسخ والعفن وأشياء أخرى مثل ملابس رثة متسخة وجد رجلا يرتديها غارقا في روائحه فيها,ونائم ممسكا رأسه بذراعه الملتفة حول وجهه والتي كأنه يتوسدها أو يقبلها,ويد تمسك ببطنه.
[2]
استيقظ الرجل داخل الزجاجة,ونظر إلى حامل الزجاجة,وبدأ يبكي في ترج واضح على عينيه قبل أن ينزلق للسانه
-أرجوك
-إيه / ماذا؟
-لماذا لم تخرجني حتى الآن؟
-ولماذا أخرجك؟
-كيف ذلك .. أنا لدي أولاد
-وبماذا ستنفعهم أو هل ينفعوك هم؟
-أعدني إليهم أرجوك
-لم تجب على سؤالي
-يا رجل اتقي الله في
-أنت تتهرب من السؤال بالبكاء والنويح
-حرام عليك
-لا أحب البكاء
وأغلق الزجاجة عليه,بعد ساعات عاد إليه,فتح غطاء القنينة وتحدث إلى الرجل بالداخل
-سأفتح لك,ولكن عدني أن لا تصرخ ولا تبكي .. عموما لن يسمعك أحد
-لماذا تفعل هذا بي؟
-يا بني وماذا أفعل أنا بك؟
-أنت تحتجزني في هذه الزنازنة
-زنزانة .. استيقظ يا حبيبي أنت داخل زجاجة وليس زنزانة,هناك فرق
-يا ليتني كنت في الأخرى
-نعم على الأقل كان أولادك سيزوروك
-هل هذا يعني أنني لن أرى زوجتي وأولادي مرة أخرى؟
-لست أنا من حبسك هنا
-لي أم مسنة أرعاها في بيتي وأخ متخلف يحتاج إلى من يرعاه أيضا,وأنا العائل الوحيد لأسرتي
-شغل الشحاتة هذا لن ينفعك,كما أنك لن تنفعهم بشيء,ولم تعد تساوي بصلة وأنت بالفعل في حجم البصلة. بل أن لدي ثمرة بصل أكبر منك انظر
وخلف الزجاج رأى ما يشبه قمقم المارد,قمقم بصلي بحجم خراطة الأسمنت في يد مارد أكبر بكبير مما كان يحسب أنه سيقابل في حياته قط. وقد كان يحكي ويتحاكى عن رؤيته للعفاريت والمردة في الحقل وبين النخيل وفي المروج الممتدة وعند الترعة. حتى عُرف بين أقرانه في قريته بكونه فتى كذابا (فشارا) الفشر ما يقابل خرافات خرافة في العصر الحديث. انتقل من قريته إلى القاهرة,وعاش وزوجته في الطابق الأرضي بشقة ملك لهم في إحدى المناطق القليلة المعروفة بهدوءها في حي السرايا. وعلى رأي زوجته
-حمام ملك خير من مطبخ إيجار
هنا وجد نفسه بين الكثير من الكذابين يتحاكون عن عفاريت السرايا,لو عاد إلى قريته هل سيصدقه أهل البلد إذا ما حكى لهم عن ما يمر به الآن. الجوع والحزن انتشلوه من أفكاره. نظر لسجانه فرد عليه الأخير قبل أن ينطق
-أنا لست سجانك .. لو أخرجتك هل ستتقبلك زوجتك,أو أي من أولادك؟
استمر في صمته وابتلع كلماته,هو جائع,هل يطلب طعاما ثم يستأنف رجاءه؟
أعطاه الرجل ظهره,وعاد بعد قليل,تشمم أرج فائح وطافح بكل ما هو لذيذ,بلغت روائح الطعام قبل أن يظهر الرجل ثانيا. الطبق كان مثل بركة من الأخضر,الطبق الآخر عليه عجل كبير. هذا هو ورك الفرخة.
[3]
العطور,لديه مكتبة من المقتنيات عبارة عن زجاجات عطر فارغة,ورواية العطر تتوسط الخزينة مثل تاج يعطي هذه التحف (بالنسبة له) بهاء. ولكن خلال الأيام السابقة,فقد أي إهتمام بالعطور,رغم أن جائزته الكبرى جاءته في زجاجة,وإن لم تكن بالضرورة زجاجة عطرية.
دخل إلى المكتب ليجد الرجل داخل الزجاجة. وأين سيذهب. حضّر له منزل كبير من تلك الدمى التي تقدم نماذج مثالية ومتقنة ودقيقة للبيوت الفاهرة. وجعل له هاتفه مثل شاشة كبيرة. وكان يعطيه من كل الأطعمة قطيعات صغيرة. كان يدرش معه.
-أنا لي عيال .. إنت ليه بتعمل معايا كده
-يعني إنتي هتفيدهم في إيه,حتى مراتك لو مؤاخذة مبقتش تنفعها
نظر له الرجل في جل غضبه,لولا أن أرعبته نظرة الآخر وهو يرفع عليه هذا الشيء الضخم المسمى نعل.
-لا تنسى نفسك .. مش هاخد فيك يوم,إنت مجرد حشرة
وسكت الرجل الذي كان رجلا.
برج
1-البرج
كان البرج عبارة عن ماسورة عملاقة جدا,قاعدتها بالوعه ورأسه غطاء,وقد كشف الغطاء عن الرأس حتى ظهر البرج في مدينتينين (مدينتين). المدينة الأولى هي مملكة المواسير. والمدينة الثانية هي حي السرايا.
حي السرايا الذي بلغ من انحداره أن وصل الدرك الأسفل مثل العديد من البقاع حول العالم, لا يوجد مدينة أو عاصمة أو إقليم في العالم إلا وهناك مساحة واحدة على الأقل من كل جغرافية تنتمي إلى تلك الحدود الموصلة والفاصلة بين العالمين.
يبلغ إرتفاعه ما يزيد عن سبعة طوابق من أي بناية مجاورة,والناس كل يوم ينظرون إليه من نوافذهم,تشرأب رقابهم متطلعة إلى الأعلى حيث لا تعلو بناية عن هذا المبنى
القلعة
أرض المواسير,مدينة المواسير,بلاد المواسير,قلعة المواسير,مملكة المواسير,أي إسم كان ولكن ينتهي بـ المواسير. وكما يظهر من الإسم هي بلاد تتواجد فيها المواسير أكثر من وجود البشر أنفسهم. في مدينة المواسير تعيش المواسير,تتنفس,تتغذى,تتحرك.
الممرات الأساسية للملكة هي المواسير.
سيوف المقاتلين فيها وبنادقهم هي المواسير.
وسيلة المواصلات الأساسية هي القطارات الماسورية.
البيوت والمباني هي المواسير.
والدروع والمدرعات داخل مواسير.
وملك المملكة كما يمكن لأي أحد أن يخمن هو الماسورة.
والنساء هناك عبارة عن كريات منتشرة حول ماسورة
النظام الداخلي للملكة فظيع,ولكن التعامل مع الخارج يكون أفظع بواسطة استعدادات عسكرية يشيب لهولها الولدان,ولا تخطر على بال إنس أو جان.
الماسورة رقم واحد وفيها رجل واقف
الماسورة رقم إثنين,ليست ماسورة بل خندق طويل عظيم ومفرط في طوله يصل عمقه لإرتفاع قامة رجل أعلى من مترين ما أن يلمس قدمه الأرضية حتى تعلو الحافة عليه مهما بلغ إرتفاع قامته.
الماسورة رقم ثلاثة
محشورة بالمسامير,وتسجى الأجساد عليها مع رافعات ميكانية تضغط الجدران عليهم. أحيانا يضاف خليط من المسامير والزجاج المكسور
الماسورة رقم أربعة فيها الناس مثل أهل الخندق
2-الكوة
ولد محمد في علبة كبريت,حرفيا,حيث ولد في ظروف صعبة جدا (مكانيا وزمانيا وأحوال الناس حولها) اضطرت الطبيب البيطري للقرية أن يولد أمه هند على عجالة. لم يكن يملك من الخبرة سوى القول بأن بهيمة البيت لن تفرق عن بهيمة الزريبة,ولم يكن يملك ما يضع فيه الطفل سوى قطعة قماش متسخة لفه بها,وأخرج الأب علبة الكبريت من جيبه,أفرغ محتوياتها,ووضعه بها. علبة كبريت لا تبلغ حجم كف يد رجل بالغ,حملت طفل رضيع بين طيات صندوقها. وهو تصرف أحمق من الطبيب النبيه عبد الخالق,ولا يعرف ما الذي دعاه إلى فعل ذلك بعد ما حصل قدر ما حصل من العلم,وكان يكره أي من مظاهر الجهل التشاؤمية والروحانية في القرية. ولكن حتى السحر والحسد والجن والتطير لا يفسر أي منهم ما دفعه إلى وضع الطفل في العلبة. ليكتم على صوته الصارخ الذي علا فوق صوت الزحام وصوت الأذان وصوت البهائم وصوت صراخ النساء لما رأووه,وعلا فوق صوت أي طفل في الحجم الطبيعي,وفوق صوت أي جندي يزعق بين صفوف الكتيبة أثناء التدريب على صيحة العسكرية,وأعلى من إمرأة يجري إغتصابها في علبة صفيح. وفي علبة صفيح وضعه أبوه,سمك التونة المعلبة,وجبته المفضلة.
كانت حياة الفتى عبارة عن تنقلات من علبة صغيرة إلى عبوة أكبر,علبة كبريت,صفيحة, وعاء زجاجي كان يضع فيه المخلل الخاصة به,وهو بحجم عبوة الملح (الملّاحة). أقنع زوجته وأقنع المستشفى بأن الطفل في منزله الآخر يتلقى العناية الطبية التي يحتاجها. زوجته من أصرت على ذهابهما بالطفل إلى المشفى في القرية المجاورة. في لفافة بحجم كفة اليد وضع الطفل وذهب إلى المستشفى,ليريهم صورة الطفل الآخر الذي تصرف فيها فورا بواسطة حاسوبه وجواله وشبكة الإنترنت. طفل آخر بحجم طبيعي وصحة جيدة ونضارة تظهر هذه الصحة وهو نائم ليطمئن قلب الطبيب الشهير في ذلك النجع وكل القرى المجاورة. إسمه عبد الله عبد الرحمن عبد القادر عبد الجواد,ويختصره الجميع بإسم دكتور عبده,أو د. عبد الرحيم / وأحيانا رحيم دون إدراج عبد,للدلالة على اتصاف العابد بصفة المعبود. خبأ أحمد طفله في جيبه,وأخرج من الجيب الآخر صورة طفله الآخر,طفله حسبما يزعم,وهو الأول والوحيد والأخير بعد الفحوصات التي ستمر بها زوجته لاحقا,لتكشف عن إستحالة الولادة مرة أخرى.
تنقل الطفل من علبة كبريت إلى جيب الوالد إلى الملاحة وعدة أوعية زجاجية,حتى أنه في مرة بينما يرعاه أسقطته في زجاجة خمر كان يشرب منها رفقة أصدقاءه. ولم رأوا الطفل في الزجاجة حسبوا أنفسهم مساطيلا أسكرهم الخمر.
-إيه ده
-طفلي
-آه
-آه
ويمكن تعداد الأوعية التي احتوت لنجدها كثيرة جدا,كثيرة للغاية,تبدوا أكثر من اللازم لكن للمدقق يرى أنها كانت ضرورية. فهو ولد بحجم ضئيل للغاية ولم يكن من الممكن احتواءه في فراش مناسب لطفل لعدد من الأسباب
أولها بالطبع ضآلة جسمه وحجمه
-الجسد / الجسم
تناوب جسده بين عدد من الحجرات والثقوب
-كوة
-عامود
-لعبة
-باكو بسكويت
-برطمان الملح
-ثقب جسد
-ثقب في قالب طوب
-حصالة
-حقيبة النقود
-خرقة قماش
-دمية
-زجاجة
-صفيحة
-علبة
-علبة كبريت
-عين
-قصاصة ورق
-كتاب
-كم القميص
-كيس شيبسي
-محفظة النقود
-منديل
يسقط الأطفال في البالوعات والمجارير وبحيرات الصرف الصحي بشكل شبه يومي,حتى اعتاد القاطنين في حي السرايا مثل هذه الأمور طالما هي بعيدة عنهم وعن أسرهم. بات البعض يتفكه قائلا ومسميا لهذه الظاهرة بـ حادثة (البالوعة).
ولد ولدا في برميل,ومات في بلاعة.
ترج
[1]
هناك عدة جدران في العالم,لا يعرف من هو مؤسسها,وإن كان غالبا هذا المؤسس ليس من البشر,الجدار الطويل,وكل تلك الجدران طويلة إلى ما لا نهاية,قيل تم تحديد نهايات على طرفي الجدار حتى تتلائم مع إحتياجات البشر وأغراضهم. الجدار الرمادي وهو جدار رمادي قديم إلى ما لا نهاية في القدم,حتى ينطبق عليه وصف الأزل,باقي إلى يوم يبعثون أو ما بعد ذلك,حتى ينطبق عليه وصف الأبد,وطرفيه كأنه لا نهاية لهما. جدار لا نهائي. الجدار الثالث باد للعيان كأنه لا ينتهي أيضا,تغيب حوافه خلف أواخر الطريق تحت الأفق. هذا الجدار يؤكد الإسم الذي أطلق عليه أنه لم تمتد فيه يد بني آدم في البناء,بل كان الأيادي الممتدة أياد راجية,للمتسولين وللمحتاجين,والحاجة طالت حتى أولاد الأكابر فصار جدار الإله مزارا ومقاما للقريبين والبعيدين. أو يسمى أيضا جدار الرب.
ترجل الرجل من سيارته,لم يغلق الباب خلفه ولم يمشي خطوة واحدة,بل انكب على وجهه وجثا على ركبتيه ما أن وطأت قدمه الأرض وضم يديه إلى بعضهما في رجاء ثم رفعهما في دعاء,وكان ينظر إلى السماء,موقنا أنه قد ذهب عنه كل إبتلاء. ومع ذلك كان يريد أن يتحقق من هذا اليقين ليزداد يقينا فوق يقينه,و(حتى يطمئن قلبه).
نظر من الثقب فرأى زوجته في غرفة المستشفى المحجوزة لها وباسمها,ثري هو,يملك من المال ما يجعله يملك الكثير من النفوس,إلا نفس زوجته التي توشك أن تلفظ أنفاسها الأخيرة على فراش غير فراشها. كانت متحجرة في نفس الوضعية التي مر أكثر من عام وهي على نفس الحال. فتحت عينيها.
أجرى مكالمة قصيرة يتحقق,كان يخشى أن تكون زوجته في المستشفى لازالت هناك ولم تشفى. ولكن أين له بمكالمة في هذا المكان حيث لا شبكة ولا أحد عدا المتضرعين. نظر إلى طوال الجدار في الطريق الممشى أمامه. كل عبد متضرع أمام ثقب أسفل الجدار بمستوى رجل جاث فقط على ركبتيه وربما يديه. رأى طابور طويل من الغرباء يتخاصمون أو يتعاركون على ثقب واحد.
[2]
-يتربوا في عزك
كلمة تقال له دوما وهم ينظرون إلى أطفاله, ليس أبناءه, وإنما إخوته, وهو ما يدعو للغرابة بالنسبة للكثيرين من آباء الحي وأبناء الحي أيضا. الأكثر غرابة في نظرهم أنه يحب البنات أكثر من الأولاد!. وقد رزقه الله بإبنتين صغيرتين, هما أختيه, من أمه الغالية. مات والده. ولم يرزقه الله أخا. ولكنه يعشق شقيقتيه. وبذل كل ما يملك من أجل تجهيز الكبرى للزواج, وبعد أن تزوجت حمل هم تعليم الصغرى وتزويجها ومأكلها وملبسها وعلاجها. كل هذه المطالب سقطت على رأسه بعد أمل يائس بأنه سينجح في إسعاد الأخرى كما فعل مع الأولى. وهي مطالب ضرورية للغاية للخروج من وحل السرايا. وهو قد بذل كل ما يملك وأنفق كل ما لديه على الكبرى لدرجة تشعر الصغرى بالغيرة، حاول أن يجهز أخته، تلك الصغيرة فلم ينجح. نظر من الثقب قليلا يتأمل تلك (الكوشة) الخالية مثل عرش بدون ملك، وهم بالرحيل لولا أن غزاه العجز واليأس مرة أخرى, فآثر الجلوس قليلا. كما أنه لا يطعم أولاده وقد هجرته زوجته. أولى ظهره للجدار وترك الثقب خلفه ومشى.
[3]
نزل من سيارته,ابقى السائق أمام المقود,فليس في نيته أن يتأخر,ترجل وارتفع بقامته ينظر إلى الثقب المنخفض كثيرا. وهو الذي قارب على ملامسة المتران برأسه. ضخم الجثة كما ينبغي أن يكون بصفته واحد من أقوى المقاتلين في العالم بعد ان احترف الملاكمة وصار نجما معروفا بين أشهر أسمائها.
لازال لديه نوع من الرفض أبيا على الخضوع,ومع ذلك خضع وترجى,فالقوة عاجزة عن الإتيان بكل شيء؛ثروته وسلطته وقوته الجسدية. خضع ولكن بشروطه الخاصة. انحنى وجلس على ركبتيه بعد أن فرش مفرشا قطنيا خفيفا يمنع الركبة عن الأرض. ثبت سجادة الصلاة على جدار العين مباشرة فوق الثقب. أراح رأسه عليه وعينه تمر ببصرها عبر الثقب ومنشفة الملعب / الحلبة على كتفيه متمسكا بمكانته.
وقد تلصص على عدة مشاهد؛رجل ميت,وإمرأة عارية,وصورة جسده هو. كأنه ينظر للمرآة. وأيضا كأنه ينظر إلى شخص غريب. وقد شعر أنه يتلصص فعلا. (المتلصص). إسم جديد قد يحصل عليه بدلا من إسمه البطولي الذي يسحق به خصومه. رؤية الميت مرة أخرى أفزعته.
[4]
امرأة سوداء تشاهد أمام الجدار,ليست سوداء البشرة فلونها غير معروف,بل ملتفة داخل ثياب سوداء من اخمص قدميها حتى قمة رأسها. منقبة يغطي النقاب رأسها ووجهها وعنقها وصدرها وصولا حتى خصرها تمتد عباءة من أسفله لتكمل سريان السواد وصولا لما بعد القدمين تكاد تلامس الأرض عند حذاء أسود كبير لا يظهر شيئا,يخرج من عنقه جورب أسود يرتفع حتى أسفل الركب ليزيد غطاءا تحت غطاء كما تفعل القفازات المنسحبة بسوادها إلى المرفق. والدموع تبلل قناع وجهها ولا تظهر أمام أحد. ولن تظهر مثل الرجل الذي جوارها ملتصقة عينه في الثقب والدموع تسقط في الناحية الأخرى. أثناء التصاقها بالجدار طافت مخاوف في عقلها أن يظهر شيء مجسما من جسدها,مثل مؤخرة أو ساق أثناء هذا الانحناء والالتصاق. لكن ثيابها,عباءتها,وحجابها,كانت فضفاضة بحق لن تظهر شيء حتى لو اختلس أحدهم نظرة من ثقب تحت قدميها أو فوق عنقها. لقد رأت رجل جائع يأكل أو يريد أن يأكل.
[5]
امرأة عارية,عارية تماما كما ولدتها أمها,كما جاءت إلى هذا العالم,الآن تبحث عن عالم آخر خلف الجدار,عالم لا يمكن رؤيته أو العبور إليه إلا من خلال ثقب صغير بحجم فتحة مفتاح. خطر لها أنه طالما الثقب بحجم فتحة مفتاح,ربما هو بالفعل ثقب مفتاح. امتدت يد إلى صدرها وأخرى إلى خصرها تفتش عن مفتاحها. لكنها لم تعثر على شيء وقد اصطدمت أناملها بالجدار الجلدي لجسدها,ملمسه ناعم مثل ملمس الجدار أمامها. نظرت للأعلى فلم يصل بصرها إلى حافة تقع عند حد معين لارتفاع هذا الجدار. طبعت كفها على الجدار فوجدته زلقا للغاية لا يمكن تسلقه حتى لو تحولت إلى عنكبوت أو سحلية. أزلفت عين من العين تنظر للثقب تحاول أن تخترق العالم الآخر,فوجدته خاليا عاريا من أي شيء. مثل جسدها العاري الخالي من أي جروح أو ندبات أو حبوب أو حتى نمش خفيف. لامع تحت ضوء الشمس ولا أحد ينظر إليه. كانت تعرف أنها جميلة ومفاتنها تنسكب من كل مكان. لكن كل امرء ملهي في الثقب أمامه. ظلت على وضعها وموضعها تلصق رأسها تحاول التبرك بهذا الجدار.
[6]
في مكان آخر,قد يكون هذا الرجل مثار إنتباه الجميع,وربما محور إهتمامهم. هذا الرجل الغريب هو الرجل ذو الثياب الملخبطة. أتى وثيابه عارية وإن كان لحمه مكسوا بها. ملابس كثيرة لديه في المنزل لكن يشعر أنه مثل شحاذ
-يا رب إكسيني زي ما كسيت عيالي
-هل أنت ذاهب إلى هناك؟
تذكر سؤال زوجته بمزيج من الخوف والدهشة والأمل
-هل أنت ذاهب إلى هناك؟
تذكر صورتها الوحيدة المعلقة على سلسلة إلى عنقه
يارب يا سامع ندا الفقير وغناه اقسم له من رزقك ستر الفقير وغناه
-مش عارف أعمل إيه
تلفت حول يستغرب ما يفعله,ثم انتبه إلى أن لا أحد يعيره إنتباها أو إهتماما. يرتدي مجموعة من الأثمال تسمى ملابسه,وهو كل ما يملكه وكل ما (حيلته). بعد أن أنفق ثروته الصغيرة وثمار شقاء عمره في هذا الحج إلى الجدار بدلا من حج البيت. وهو يوجه سهام الحسد إلى رب عمله الحجاج الذي يحج بسهولة إلى الجدار وإلى البيت,ولا تعرف أي رب له هو ربه. هل سيقال له (يا حاج) عند عودته؟ هذا إذا رجع!
[7]
هذه عائلة كاملة مكونة من الأسرة الأساسية وبعض تفريعاتها,الأب والأم وأبناؤهما الثمانية وتاسعهما لم يأتي حتى بعد أن ضربه أبوه وسحله وعلقه على ناصية الشارع في موقف غريب ليس أقل غرابة من حالهم الآن. وأتى ستة إخوة هم خلان الأولاد وإخوة الأم. وهناك رجلان إخوة للأب هم إثنان من العم. والجد والجدة للأب والجد والجدة للأم. وكان هناك بعض الأحفاد من الجميع. من الأبناء وأبناء الأبناء. وأبناء أبناء الأبناء الذين كبر آبائهم.
رآهم,هؤلاء الذين يتعاركون مع بعض.
ترج / ثقوب الآلهة – ثقب في السماء,الثقوب والناس الساجدة أمامها
وكأنه,وكأنه,وكأنه
وقف إلى جوار إثنين
نادت عليه زوجته وإبنته وشقيقته
تركه المستقبل والأهل والأصدقاء والرب.
واحد يصلي أسفل الثقب,والآخر صائم منذ ثلاثة أيام.
واحد ينظر من الثقب ليشاهد كل ما لذا وطاب من الطعام,تسربت رائحة الدخان محملة بالنكهات إلى أنفه. وداخل فمه أخذ يلوك قطعة خبز جافة كأنه (غموس) لما يرى.
آخر كان يتلصص على إمرأة خلف الجدار,يشبع جوعه ورغباته الجنسية.
8-طابور طويل من الغرباء
9-المتلصص
10-رؤية الميت
11-الجائع
12-المتبرك
13-الحاج
14-المصلي
15-الصائم
حرج
[1]
في زاوية منسية من ضواحي برلين,وفي يوم ما غير محدد الزمن,تم افتتاح هذا الكشك مثل معرض غريب وفريد هو الأول من نوعه. ومنذ ذلك اليوم والمعرض مفتوح إلى اليوم. بشكل دوري شهري ولمدة إسبوع متواصل كل شهر. وعلى مدار أربعة سنوات دون إنقطاع. ولازال الوضع مستمرا على ما يبدوا تسليما بهذا الوضع كمناسبة ثابتة كل عام (بل كل شهر) أو تراث ثقافي غير مادي,وفي نفس الوقت هو مادي أيضا,بإعتبار الغرفة صارت واحدة من أهم معالم المدينة.
الغرفة
القمرة
الكشك
المعرض
المتحف
الموقف
الوقوف
الحجرة
الكوخ
الفاترينة
الزاوية
الركن
وغيرها من المسميات الأحادية التي وحدت الأقوال على هذا المكان الذي بات مشهورا بين الخواص والعوام. المشكلة,أن أمره واقع على الجميع ولا فرار لأي أحد. رغم تدخل بعض المسؤولين والسادة ذوي النفوذ لإبعاد أنفسهم أو أبنائهم عن هذه المهزلة. إلا أنهم يظلون مع ذلك عرضة للإذلال في أي وقت. عدا أعلى سبعة سلطات في البلاد,الجميع مهان,والجميع قد يقع عليه الإختيار في أي وقت.
ولهم في ما حدث للمحافظ السمين عبرة للجميع.
إسمه فرانك,تيمنا بـ رئيس ألمانيا. والده لازال على قيد الحياة,وعمره ثمانين عاما,قعيد على كرسي متحرك,لكنه وهو ابن عائلة عريقة من النبلاء الجرمان,آخر سادتهم فيها كان جده, وهو الذي حافظ على بقايا نفوذ عائلته,كان يحرك الكثير من الأمور والشؤون في البلاد بين يديه. هو وقدر ما يملك هو,لم يستطع أن يمنع إبنه عن هذا العبث الواقع عليه الآن. والصبية والأطفال يعبثون ببطنه. ينقرونها تارة. أحدهم يحاول إدخال إصبعه في سرته. يجذبون الجلد المتشحم. يؤلمونه. لا يميز بين أشده ألما,الجسدي أم النفسي.
[2]
أتشارك مع الماء في كل خواصه؛كوني شفافة القلب يعكر صفوي أقل الأشياء,ولا أتطلع نحو من يعلو علي,ولا يستطيع أحد أبدا أن يسجنني بين أصابعه,ولا يتعكر قلبي بطعم المرارة أو لون الكراهية الأصفر مثل صدأ الحديد.
غير إني لست بماء لتطلبوا مني التأقلم في أي وعاء. وها قد صرت حبيسة. تشعر أن ذلك الكشك عبارة عن كأس من الماء وقد سقطت فيه. أو ربما وعاء (برطمان) من الأجساد. تشعر أنها لصيقة بهم والأفكار تدور داخل عقلها,تعبث بها كما تعبث هذه الأيادي الممدودة إلى جسدها.
إسمها غادة,ألمانية من أصول لبنانية. وقفت في منتصف قاعدة الغرفة المفتوحة من جهاتها الأربعة إلا من أربعة أعمدة خشبية تحمل السقف,وتتصل بأربعة جدران زجاجية ترتفع أو تنخفض تحت الأرض وفقا لأوقات معينة في الإسبوع. انكمشت على نفسه ضامة يديها إلى صدرها تمسك عضديها بكفيه كأنها بهذا الفعل تحمي نفسها. جميلة هي,ذات شعر أشعر مائل للبني. مثل لون حذائها ذو العنق الطويل الملتصق بكم سروالها الأزرق من خامة الجينز. جميلة ازداد جمالها تألق بعد أن بللها أحدهم بدلو من الماء ألقاه على رأسها. قميصها (تي شيرت) إلتصق أكثر بلحمها. برز نهديها أسفل ذراعيها. ازدادت الأيدي توحشا ونهبا وتقليبا في جسدها.
[3]
أتى كل من دانيال ودايفيد ومايشيل وتوماس لمشاهدة ما حدث لصديقهم الخامس سفين. تأملوه وهو محاصر وحده هنا. الناس تستمتع معه. كل من يريد عمل شيء يعمله كما يريد. كل ما يعبث بجسده. كان هناك ثري خليجي قادم بصحبة خادمه المصري الذي حسب أن هذا واحد من متع الكبار الأثرياء. لم يعرف أن اللعب مجاني. هذه هي الفكرة المنشأة له هذه المنشأة الترفيهية. لما يقع الحكم على أحدهم,وكأن الحكومة تلعب (شايب بيضرب مع محكوميها) كما سيفهم المصري لاحقا لما يعود إلى بلده,نادما أنه لم يستغل الوضع في التسلل ليلا من الفندق بعد مدة خدمته مع مخدومه. سيطلق على الرجل كل رغباته المتوحشة في ظل وحشته التي تنهش قلبه كلما أبعده الوقت أكثر وزاد إشتياقا لزوجته وللسرير الذي يجمعهما معا. بدلا منه,قام مواطن ألماني مار بالصدفة,ورأى الشاب,وكان حلوا في عينه. فمارس معه خطيئة تجاوزت الزنا مع النساء أو توازت معها. وإن لم يكن أقل منها. بالنسبة لسفين,لا يتعدى الأمر مسألة المضاجعة المثلية,إلا لأنها مضاجعة بالإكراه. أخذ يفكر كثيرا في الحدود التي لا يمكن تجاوزها داخل القمرة.
[4]
الحد الأول هو ألا يموت الضحية التي يقع عليها الدور؛لا يجوز قتلها بأي شكل من الأشكال. ولا المحايلة أو الإلتفاف حول هذه القاعدة.
الحد الثاني هو تعريض الضحية للخطر,عن طريق أي نوع من الجروح الدامية,أو الضربات القاسية المكسرة للعظام. رغم أن هذا حصل مع ذلك في مرات قليلة جدا. وفي بعض الأحيان تم غض الطرف عن فاعليها ومرتكبيها.
الحد الثالث هو الحد النفسي,أي ترهيب الضحية وتهديدها بالقتل أو سبها أو إهانتها أو غيره من السلوكيات اللفظية أو البصرية الغير مستحبة. ومع أن هذا لا يمنع التهديد النفسي الواقع على نزيل الغرفة.
[5]
هناك من يخنق أو يضرب أو يبصق أو يضرب المتطوع (وهو ليس متطوعا بل مجبرا على هذا) بالبيض أو الطماطم. كثير من أهل المناطق والأحياء المجاورة هربوا من البلد ظنا أن المسافات القريبة تؤثر على الإختيار. المحافظ بنفسه يشرف على الإختيار. بشكل مغرق في العشوائية تماما. إلى أن وجد نفسه ذات يوم محل من يختارهم. قامت بعض الفئات بالثورة أو الهروب من البلد أو إحداث شغب أو تقديم إعتراضات. بعض المختارون إنتحروا بعد إسبوعهم. بعضهم إنتحر أمام المشاهدين. لسنوات يستمر العرض,والناس,أغلب الناس في البلد وحول العالم يسافرون ليشاهدون هذا. المنتحر لم يفعل سوى أن قدم إضافة جيدة للمتفرجين الذين يحملون الأطعمة الخفيفة والسريعة بين أيديهم. من بين حبوب الذرة ورقائق البطاطس.
[6]
-هل جربت الخنق من قبل؟
خرج
[1]
أدخل يده في جيبه يخرج نصف جنيه فخرجت يده خالية الوفاض,انتزعها من مكانها وكأن عقرب قد لدعه. أو ثعبان داخل جرابه هو / هذا الوصف الأدق لحالته. لأن قضيبه المنكمش بين فخذيه في جعبة جلدية بلا لباس,وإن كانت لازالت قماشية وقد غزت الإلتهابات مؤخرته بسبب جلدة القماش الجينسي لبنطاله. بنطال لا سروال تحته. لا يوجد سوى حلقات غائرة ومؤخرة بالية وركب خاوية وسيقان واهنة. الحلقات هي جروح وآثار نقشت على طول قضيبه الطويل ونتجت عن شد خيط النايلون عليه. ولكن ليس السم هنا هو قطرة المنى التي خرجت مع يده على طرف سبابته عند لامس فوهة ذكره. ليس لأنه اكتشف خروجه من المنزل (أو ما يمكن تسميته منزل أو مسكن) بدون سروال,فهو يفعل ذلك كثيرا وصار معتادا. ليس بسبب الحبوب التي تغزو جلده أسفل ثوبه وتنذر بمرض خطير,خارجي / جلدي,أو داخلي / عضوي ينتشر ببطء ولكن بثبات في بقع ومناطق مختلفة من جسده. انتشار يعلم أنه فتاك قطعا,وقطعا لا يعنيه أنه أدرك حقيقة البنطال المبلل بالماء وقد لامست أنامله التي أوصلت المعلومة إلى عقله,قبل أن يشعر بأي رطوبة أو بلل عند حوضه. كأن المرض أرهق رقعة الجلد هناك فلم يعد جلده يشعر بشيء. ليس بسبب تلمسه لذاك القلم الذي لم يسقط بعد,ولم يطفح كي يزيد من طفح جلده,وعلى غير عادته. ليس بسبب هذه الحشرة الكبيرة التي تخرج من ثقوب ما في جسده,ربما مؤخرته لا يعلم,ولكن رجح أن لا لأن الدود هناك لن يسمح بمنافس على مسكنه. والقمل الكبير في شعره لن يسمح. والبق في ثوبه لن يسمح. والجرب في جلده لن يسمح. والصرصار في نعله لن يسمح. لا يعرف من أين أتت هذه الحشرة وهي ذات شكل غريب كأنما أول مرة يرى هذا النوع الحشري الجديد والمحير في أمره. ليست بسبب المياه التي انسكبت من بين شدقيه أثناء شربه بعطش ونهم من القلة التي ارتفعت فوق فاهه وسكبت فوق قميصه. مياه ذات رائحة قذرة مميزة وذات ملمس لزج. مياه أتت من داخله وليست من الخارج إلى الداخل. مياه تخرج من تحت وليس من الأعلى. من ذكره وليس فمه. بالإضافة إلى المنى كان هذا بولا. لم اجتمعت كلمتي لبن وميه في ذهنه؟ ضحك لفكرة أن قضيبه يصلح أن يكفيه شراب وطعام لبقية حياته دون الحاجة لأن يمد يده. ولكن تذكر أن الغذاء ضروي ليتمكن من إفراز هذه السوائل. وهو يدرك,وهو القارئ النهم,أنه بلغ من الجوع والظمأ مبلغا حين تكون بيضته بالية,ومسانته خالية,ومعدته خاوية,ولسانه جاف,وجلده حاف,وعقله غاف. هنا يدرك أن عقله غاف من جوعه,وقلبه خاف من مصيره,ولسان حاله أن بئس الأمر وبئس المصير. لم يصطدم قلبه بملمس جلده,ولا بالبلل في ثوبه,ولا حتى أن رأس اصبعه طرق الحبل المتين والخفيف والرفيع في جيبه,سمكه لا يبلغ نصف حجم أصغر أظافره. الحبل الذي خنق به السيدة الثرية منذ قليل,والذي يشكل دليل إدانة حاسم وقاتل لجريمته. يعلم أن القاتل يُقتل ولو بعد حين,ولكن هذا ليس ما يشغل عقله حاليا. المصيبة التي أصابته,والشاغل الأكبر لعقله الآن,وهو الأمر الذي اعتصر قلبه حزنا عليه. هو اكتشافه أن جيبه مثقوب. مرت يده من ثقب الجيب,وخرجت وأدخلها أكثر من مرة. ولم يعثر على الجنيه,ودمعت عينيه.
تذكر أنه لم يجد أي مال مع السيدة الثرية فبئس الحظ وبئس المصير. كان جائع,وقد قرر أن يقضي (المشوار) سيرا على قدميه,على أن ينتهي المسير ببطنه وقد تغير حالها من الجائع إلى الجائع ولكن ليس تماما. من المعدة الخاوية إلى النصف ممتلئة أو جزء منها هو المتتلئ والباقي يعوضه بالماء. قطعة طعمية (يستلف) أو (يشحت) لها رغيف خبز ساخن. أو ربما يشتري بالجنيه أربعة أرغفة خبز ساخنين يسكت بهم جوعه مؤقتا. وربما يشتري (باكو) بسكويت يأكله بروية ويتمهل مستمتعا بكل قطعة. هناك خيارات أخرى عديدة,مثل أن يشتري بجنيه (ترمس) ويتسلي به مستمتعا إيم إستمتاع رغم جوعه. من الممكن أيضا أن يشتري (جيلاتي / أستيك) بجنيه. ولكنه اكتشف أنه يغرق في الكثير من الملذات التي لن تشبع جوعه. ربما يشتري قطعة جبنة (نستو) بجنيه و(يتصرف) هو في رغيف خبز لها كأن يشتحه من أحدهم. هناك جبنة نستو بنصف جنيه ولكنها مقرفة للغاية. هناك علبة جبنة بيضاء بجنيه وربع لكنه لا يملك الربع وبائعها الوحيد لا يرحم. لا يملك سوى جنيه واحد. ثم تذكر أنه لا يملكه. كان يملكه. ولكن سقط من جيبه. من ثقب جيبه هناك. بجوار القلم الذي لم يسقط مع الجنيه.
-لحظة!
توقف في منتصف الشارع مرهقا وجائعا ومتسائلا
هل كان يحمل في جيبه نصف جنيه أم جنيه؟
ثم تذكر أنه,ويا للهول,كان يحمل جنيه ونصف. تذكر ذلك بأسى وسخرية مريرة من نفسه. تحسس جيبه الخلفي فلمس قطعة معدنية أيقن أنها ولا شك النصف جنيه. كان يتمنى أن يضيع النصف جنيه مع عمه الجنيه. شعر بالمرارة في حلقه. مرارة الجوع ومرارة الفقر ومرارة اليأس ومرارة الخنق. لقد خنق إمرأة منذ سويعات. وهو يتابع بعينيه ما يحدث من ضجة والحكومة والأهالي والكثير من الاحتشاد حول الحدث. سار بعيدا قبل أن ينتبه له أحد.
[2]
ينظر إلى يديه يتأمل التجاعيد فيهما من نوع إنكماشات الصيف وليس عجز الشيخوخة وقد استحالت ثقوبا بسيطة صغيرة. يحاول تحويلها إلى قشور ينزعها عنه مثل أفعى تسلخ جلدها أو حرباء تغير لونها ولكن هيهات
كان يتحدث مع نفسه وهو يقطع هذا الطريق الطويل كأنه لا ينتهي,يشبه حياته.
كانت أمه تلبسه قميصا وتستعد لإغلاق أزراره
-لا تزرريه
-لماذا؟
-لن ألبسه
-بس ده شكله حلو .. إيه اللي مش عاجبك فيه
-أشعر بالبرد داخله
وكان جسده يرتجف فعلا,أشفقت أمه عليه,وألبسته معطف (جاكت) فوق قميصه,لكنه تملص منها ليخلع عنه المعطف والقميص. أمسكت يد غليظة كتفيه تمنعاه لكنه تلوى وتثنى حتى انزلق من القميص كأنه سترة مغلقة وليست مزررة.
-مالك يا واد؟
-مش عايز ألبسه
-هتلبسه
-مش هلبسه
-إيه؟
انتفض ودبدب بقدمه على الأرض,دفعها بيديه الصغيرتين وخمش وجه أمه حتى أنه صفعها على خدها ردت له الصفعة بأقوى منها.
في البداية,أنا أكره الأزرار,ثم الخرز,وأخيرا السلاسل,وقد استغرقت طويلا وبذلت سنينا في البحث لمحاولة التعرف على سرّ مشاعر الاشمئزاز والنفور والكراهية والغضب والخوف التي تنتابني لدى رؤية أي من العناصر النسائية الثلاث؛الخرز والحلقات والأزرار.
المرحلة التالية,والتي استمرت معي بقية حياتي دون الوصول لأي مرحلة ثالثة ودون الوصول لأي خلاص. هو محاربة هذا النفور,المقت,الخوف من الحاجيات الثلاثة,بإعلان الحرب على الرمز الأساسي المرتبط بها.
أو رمزين,ويمكن اعتبار معرفتي لطبيعة مرضي مرحلة ثالثة من حالتي. لاحقا سافترض وجود مرحلة رابعة أو ما بعد رابعة. ويكمن التفسير في فكرة (الثقوب المتصلة المنفصلة), مفهوم اشتققته لنفسي,ثم اتضح لاحقا أنه لا يختلف عن المصطلح النفسي رهاب النخاريب (تريبوفوبيا Trypophobia). الذي يعني ويعبر عن رهاب الثقوب,والنخاريب هي نوع من الثقوب,وتلك الفوبيا هي نوع من المخاوف التي تنبثق من المسطحات الغريبة. وأرجح الآراء التي ذهبت في محاولات تفسيره هو أنه مرتبط بالطفولة بشيء نفرت أو خفت منه. هناك من يرى أن من هم على شاكلتى رأوا في طفولتهم المبكرة جدا مشهدا أو مشاهد من مسطحات جلدية مثل جلد البشر,أفزعتهم. مسطحات مليئة بالثقوب. والنماذج عن ذلك كثيرة؛مجسات أخطبوط في إحدى أسواق الأسماك والمأكولات البحرية,أفواه مجموعة من دود الأرض في يد أحد الصبية,ثقوب سيارة بعد أن أدمتها الرصاص,والجثث بالداخل عاجز عن رؤيتها ولكن قادر على تخيلها,والدماء تنزف من ثقوب المعدن. الأمراض الجلدية بمختلف أنواعها التي تسبب في الجسد ثقوب صغيرة ملونة بين الأحمر والأخضر. وربما الثقوب التي لم أفهمها حين رأيتها للمرة الأولى تخرج إفرازات مقززة. أول مشهد بطلته أمي. خارجة من الحمام عارية تبحث عن منشفة. رأيت ثقب مؤخرتها,إستدارت لي سريعا فرأيت ثقبين بين فخذيها,وآخرين أسفل عنقها.
إذن .. الرمز الأول هو الثقوب,والرمز الثاني هي المرأة. وأنا أميل للاعتقاد بأن أول مسطح جلدي بشع قابلته هو لإمرأة. ربما محاولة إدخال قضيب ينتهي رأسه بثقب في تجويف ثقب أكبر ثم ثقب الفم لما أخذت تلعق له. مشهد اللبن / المنى الأبيض أكثر صدمة من أي مشهد أحمر للدماء. نفس الجسد منتهي بثقوب بواسطة سكين المطبخ لما كمنت أمه كمينا لعاشقة زوجها. وربما لهذا كنت أبحث دوما عن مشاهد وصور جميلة أمزقها في وجوه النساء.
وحتى لو كانت كل هذه مشاهد اختلقتها مخيلته الواسعة فيما يشبه الذاكرة الوهمية,إلا أن الذاكرة الحقيقية موجودة رغم أنه عاجز عن العثور عليه في الأدراج التحتية أو السفلية لمبنى المنزل المتهدم في عقله,أو ربما هو طاولة أو خزانة يسكن فيها البعبع. إن وجه تلك المرأة الغريبة التي خرجت له من باب خزانة الملابس مثل بعبع أو عفريت لا يفارق ذاكرته ماضيا أو مخيلته حاضرا أو رؤاه مستقبلا. إن ارتباط الخوف من الثقوب مرتبط بالأشياء الأنثوية -مثل إبرة الحياكة ذات الثقب الدقيق- المليئة بالثقوب.
وهنا هو أدرك أنه يتحدث عن نفسه كأنه شخص آخر,فعاد للحديث عن نفسه بإعتبار أنه نفسه. وعند ذلك ليس من الضرورة أنني أخاف لأنني رأيت مشهد يشبه الثقوب في جلد حيواني أو إنساني. بل لأنني أكره النساء منذ الصغر,ومثل الفتيشية / التميمية تبلورت كراهيتي بشكل معاكس للأمان المنبعث من فتيش هو تميمة في منتصف قلادة,إلى الرعب المنبعث من فتيش يفتح فاهه الضئيل ثقبا مخيفا في نفس التميمة. تتتطاوح وتتأرجح متدلية من سلسلة فضية حول عنق فتاة جميلة كانت أول ضحية أقتلها,وكانت في نفس عمري.
رأيتها في النادي. أنا جالس مكاني وهي جالسة على طاولتها في إحدى الزوايا. قمت من مجلسي ودخلت حمام النساء. قبعت في مكاني داخل الحجرة الضيقة المغلقة بجوار حجرتين أتابع فيهما صوت خطوات. قدرت أنني أستطيع تمييز صوت خطواتها. وزدت عليه تقديرا بأنها حتما ستقوم لتقضي حاجة ما في الحمام أو دورة المياه.
لماذا كرهت النساء؟
ربما هذا هو أكثر سؤال إجابته واضحة لدي.
هن ضعيفات,مغرورات,مغريات,قويات
وربما الإجابة الأكثر جدلا,بحكم أنني فيلسوف ومثقف مخضرم,أن النساء يمثلن نوع آخر غير ما أكونه أنا. نفس التفرقة العنصرية ذات التاريخ العريق بين الأبيض والأسود
للأسف لم أقتل تلك المرأة في النادي,حيث عملت يوما عامل نظافة هناك,لاحقا حيث الآن وعند وصولي لنهاية الطريق وجدت نفسي داخل حي السرايا.
قتلها
خنقا
خرج ت روحها
ولكنه ظل متشبثا بعنقها
فتش في ثيابها حتى عثر على حافظتها (البوك) في صدرها بين النهدين. ألقى الهاتف الصغير وشريط الدواء وكيس المناديل,ولم يعثر عدا عن ذلك سوى على خمسين جنيه. كان فرحا جدا.
درج
[1]
كان يتمنى لو يوجد نافذة خلفية مع أنه لا يعرف الفارق الذي قد يصنعه ذلك,المفروض أن يحظى بنافذة سرية وليست خلفية,أما عدا ذلك فيبقى الوضع كما هو عليه,ويبقى هو مكشوفا ومعرضا للفضيحة بسبب تلصصه على نوافذ المبنى المقابل. الفضيحة التي قد تحدث لأربعة أسباب؛الأول هو أنه يتعمد التلصص ومراقبة الآخرين. الثاني أنه يستخدم أدوات واضحة في التلصص والمراقبة,مثل الهاتف والمنظار لتقريب الرؤية والتقاط الصور. الثالث أنه يستمني على نفسه أحيانا عند مراقبة نساء البيت,وبشكل قد يلحظ بسهولة. الرابع أن بيته هو البيت الوحيد على امتداد ما يزيد عن ألف متر بجانب نهر المجارير (الرشاح) خلف بيته,أي لا وجود لأي بيوت أخرى توفر له تغطية. من حسن حظه أن البيت الذي يراقبه يتجاور مع العدد الكبير من البيوت المتراصة في صف واحد بالجهة المقابلة لا يُرى له إلتواء إلا عند الأفق قبل نهاية الشارع بقليل مع إنحناء الرشاح داخلا إلى قلب مقابر السرايا كأن الجثث تسقى من المياه العكرة,فينال الأموات نفس حظهم ونصيبهم كما الأحياء. وهو لا يستطيع أن يمنع نفسه من التلصص على البيت,ومراقبته ليلا ونهارا. فإذا لم يفعل انساقت قدميه به إلى المقابر وسقطت يديه على الأرض تحفر لتخرج الجثث. أو ربما يشاهد الناس وهم يدفنون موتاهم ويحاول أن يسترق نظرة. لكن هذا أخطر وفضيحته أكبر. لذا يرتاح إلى كرسيه ويحاول أن يزيح الأفكار عن رأسه مستمتعا بهذه اللحظة. وهو ليس الوحيد من نوعه,ويعلم ذلك. هناك الذين يتفرجون على المشاجرات دون أي محاولة لفضها,وأولئك الذي يتفرجون على حوادث السيارات على الطريق السريع. وفرجة الأطفال على أب يضرب طفله. والفرجة من ثقب صندوق الدنيا. وفرجته تلك التي لا يضاهيها فرجة أو مشاهدة أو منظر. ليس ثقب واحد,بل لديه إثنى عشر نافذة موزعة على الطوابق الأربعة للبيت. الطوابق الأربعة بدئا من نافذة الشرفة الأولى بدون احتساب الطابق الأرض. لقد هرب من بلدته الأصلية حيث كان يسكن قبالة البيت ذو النوافذ العشرين,هرب ليعيش أمام البيت ذو النوافذ الثلاثة عشر. ورغم ذعره,إلا أن في ذلك متعة لا تضاهيها متعة. كما أنه يعزي ويرجي وينسي نفسه بأن أحال الأمر تماما إلى كونه هلوسة شيقة لا محالة,ولا أكثر من ذلك.
[2]
قرّب المنظار ثم أدار العدسة ليتراجع عن هذا التكبير,فقد بدا له جدار جلدي يغطي النافذة بالكامل. أدرك أن منظاره قربّ الصورة لدرجة تكبير الجلد لشخص يقف الآن عند النافذة. لكن العدسة دارت عدة دورات حتى يستيطع أن يتبين من هذا أو ما هذا,ولما رفع عينه عن المنظار رأى ما أهاله. هذا غير معقول. أدار العدسة وتراجع أكثر من اللازم,لكن دون أن يهز هذا شيء من مكتشفه الآن,أدار العدسة عكسيا ليقرب أكثر من هذا العنق السمين لإمرأة لا يرى شيئا منها سوى عنقها. من الحد للحد عند طرفي الاستدارة لمؤخرة العنق تتلامس مع إطاري النافذة,بينما العنق يمتد من الجذر عند الصدر المستتر,إلى الذقن عند الرأس المخفي وراء الجدار من الداخل أعلى النافذة أو خلفها.
[3]
هذه المرة ينظر إلى شخص عادي,لا يبدوا عليه أي شيء مما أصاب أهل البيت,وقد حسبهم أهل في البداية,إلا أنه ومن سؤاله لجاره يتضح أن الترجيح أنهم سكان البيت وليسوا من أهله ولا هم عائلة ولا رابط بينهم سوى السكن,والجسد كما يبدوا أمامه من الحالتين الأخريتين, وحالة رابعة -لو احتسب المراقب الآن ثالثة- في النافذة المجاورة يتردد عليها بناظره وإن لم يفرغ لها بعد فانشغل بهذا الجالس على الكرسي كأن عينيه تحدقان فيه. ولكنه يعلم أنه لا يراه فقد تذكر أنه يراقبه من خلف فجوات الستار الخشبي وراء النافذة.
أخذ يتأمله مليا,وأطال النظر فيه,ودقق في محتويات غرفته الظاهرة على عدسة منظاره. لم يجد أي شيء مختلف عن ما قد يكون في غرفة مثل غرفته هو بصفته المراقب. ولكن شخص عادي قبل أن يكون مراقبا. شخص مثل هذا الرجل الذي يتلصص عليه الآن. ولما تتابعت الصور من نافذة جوار أخرى أو فوق أخرى أيقن أن هذا الغريب هو الوحيد الغريب عن بقية سكان هذا البناء. هو الوحيد العادي بينهم.
[4]
إلتقط بعينه هذا الفتى ضئيل الجسد يدخل إلى البناء,تتبعه بعينه كأنه يراه من خلف جدران المنزل,صعودا على السلالم,وصولا إلى غرفته المكشوفة عبر النافذة. ظل يتابعه طيلة اليوم عله يجد شيئا غريبا. وجد شيئا غريبا. ما أن تدلى سحاب سترته الجلدية حتى قفزت للخارج مجموعة مخيفة من تكتلات اللحم الجبلية على كل جسده العلوي. أعطاه ظهره. كأنه قصير لك في الحقيقة ليس كذلك. كان دوما يراه بالشارع قزما ضئيلا متكورا على ذاته. فإذ به هو أمامه الآن منفلتة أجزاءه بعد أن كانت مربوطة إلى بعضها. وكما يقال دون أن يبدوا هذا الحال على ما هو الحال. طويل عريض قوي البنية ضخم الجثة مفتول العضلات.
[5]
هذه النافذة / الغرفة تفضي إلى قاعة مخصصة للجلوس ممتزجة بمكتب ومكتبة وشاشة للفرجة,وفيها رجلان. أحدهما جالس على كرسيه الكبير. تابعهما أيام طوال,ورأى العجب في النوافذ الأخرى إلى أن أكتشف أن هذا هو العجب العجاب نفسه. ما يره الآن. الذي لا يرى سوى نصفه الأيمن لا يوجد له نصف أيسر أصلا!. القعيد أمره سهل لأنه اكتشف إنه مقعد على كرسيه بدون نصف سفلي من عند أعلى الحوض. هذا منطقي. وطبي. أي مقبول علميا. أم النصف ذو القدم الواحدة والذراع الواحدة والعين الواحدة,أي النصف وجه. ماذا هو فاعل لكي يظل حيا؟. كيف يحافظ على جسده من التحلل؟. لا يوجد إنغلاق عند النصف الآخر إلا بقدر ما قد يظهر إحتراق هذا النصف.
[6]
نظر فوجد الرجل يخلع ملابسه إبتداءا من أعلاه,وجد جسده مليئ بالثقوب. وقد ناظر وقارن بين النوافذ والإطارت داخلها.
1-امرأة ذات جسد مثالي بهلواني / المرأة تعشق جسدها
2-امرأة سمينة العنق جدا
3-جسد سليم ظاهريا مشوه باطنيا
4-جسد عضلي مخبأ تحت سترته
5-نصف جسد
6-ثقوب في الجسد
7-أعضاء موزعة في الحجرة
8-الثابت
9-المنتشر في الغرفة
10-الأيدي
11-حشر الموت والنحيف جدا واتصال مع قصص أخرى والالتصاق
12-المتحول
13-المتحلل
ولقد فزع حقا مما رأى فتوقف عن الرؤية.
شرج
[1]
نادية على الفراش تنادي عليه, تابعها منذ بلغت السادسة عشر ولم يطق أن يتحمل ثلاث سنوات حتى يقطف الثمرة التي نطجت واستوت. يكبرها بعامان فقط والآن يمكنه أن يقضمها ويتذوقها. أنجب منها طفلة اسمها وردة وكان يدللها مناديا تفاحة.
نادية تحت الماء تنادي عليه,والرذاذ يلمع على جسدها مثل ندى الشتاء حيث دعاها ذات أمسية جميلة في خطوبتهما المبكرة للعشاء على النيل. جسدها يلمع تحت الإضاءة المكثفة للحمام,ونفس القطرات ستنجب إبنتهم الثانية ندى.
نادته نادية عند الباب,أقبل عليها وهو لا يدري أنهم سينجبون إقبال,ولم يقترب ولو قليل من تحقيق الولد بالرغم من مراعاته غرز بذوره جيدا داخلها. وكأن هذا له جدوى. هجم عليها مقبلا إياها في شفتيها,وجنتيها,أنفها,صدغها,جبهتها,شعرها,ذقنها,عنقها,صدرها,بطنها,قبل كل جزء من جسدها.
نادته نادية من المطبخ,إلتف حولها وتحسس نهديها الطريين,وهذه المرة سيلد طفلة اسمها ناهد (يدللها نانا) سترث صدر أمها لما تكبر. كبير وطري ومستدير. تحسس باقي أجزاء الجسد بيدين تنزلان بنعومة إلى البطن والوسط ثم الفخذين والمؤخرة,وجسده ملتصق بها من الخلف.
نادته نادية إلى السيارة,وداخل علبة الصفيح ودخلها وقبلها مشتاقا إليها,وأفرغ نزوة سريعة قبل الذهاب إلى عمله,وقبل أن يراهم أحد. احتضنها بقوة كأنها أول مرة,والتف ساعديه حول وسطها واكتشف أنها امتلأت قليلا. صار لهم فتاة ممتلئة اسمها فاطمة يدللها بطة.
نادية في الصالة تنادي عليه,عينيها تلمع في ألق جنسي غير عادي,تراجعت للوراء وتمددت على الأريكة وكشفت عن بطنها كأنها تكشف عن أنوثتها كلها في هذه الحركة. ولازال النور في عينيها نشط ليس فيه كسل. ولازالت مغرية,ولا زالت تنجب له البنات وآخرهم نور تدللها أمها نورا,ولم يعد الأب يدلل أحد من بناته. وقد سأم من البطن التي تغريه,ولكنه تملأه كمدا على ما امتلأت به من إناث.
لم تنادي نادية عليه,تمدد إلى جوارها على الرمل,يداعب هواء البحر شعره,ملتصقا بها, ولسانه العلوي يداعب ثقب فمها,ولسانه السفلي يداعب ثقب أنوثتها,وقطرات الماء واللبن يتناثرا في كل مكان. أفرز الكثير من اللعاب والكثير من المنى,شبقا كان ولا زال ولم تخمد شهوتها بعد. بعد جولة سريعة على شاطئهم الخاص ليس فيه أحد,ارتاح ولازال جوارها ممددا على ظهره.
أغمض عينيه تحت أشعة الشمس تعطيه دفء وأمل في أن ينجب الولد,وهو لم ينجبه هذه المرة أيضا. أنجب فتاة أسماها,لا يعرف من يأسه أم من فرحة زوجته,أسماها رمل وليس تراب. ولا دلال لها مثل نصف شقيقاتها. كانت السابعة وآخر خيط واهن للأمل تبدد معه إلا بقدر حبة رمل صغير من مستقيم خيطي.
-اللي يجيبه ربنا حلو
لم يكن يحب هذه العبارة,ويكرهها من صميم قلبه (كل اللي يجيبه ربنا حلو فقط بعد أن يأتي الولد). وشعر بطريقة ما أن هذا انتقام من الرب لأنه تسرع وكتب أبو محمد. أبو حميد يدللـه أصدقاءه لأن اسمه أحمد,وكان يود أن يكون اسم ابنه محمد. وكتب اسم ابنه بين قوسين على باب شقته الفارهة في إحدى عمارات شارع السرايا حيث القصور والفلل والبيوت الكبيرة بعيدا عن باقي حواري حي السرايا. كتب اسم ابنه متسرعا ومتعجلا ومتمنيا أن يأتي ابن في باكورة أبناءه فاتت إبنة وتاء التأنيث تخنقه. ود لو يلف يديه حول عنق امرأته ويخنقها. الآن على الرمال. لكنه يحبها .. كما أنه لا يريد أن يدمر حياته بيده. ولن يفعل ذلك. الرمال ساخنة والشمس ساخنة والهواء في برودة تداعب شفتيه,فتح عينيه فإذ هي زوجته تطلب منه جولة أخرى.
نادية أنجبت رمل,وولد محمد بعدها.
كان قد غرق في بحيرة من اليأس وغرف منها في فاهه قبل عقله,شعر بالاختناق وقد باتت نوبات الاختناق أمرا معتادا لديه. شعر بالعجز والتقصير. فمع كل هذه الأموال التي يملكها لا يملك ولدا. لا يملك سوى إمرأته بين يديه,وقضيبه بين فخذيه. ومع أنه لم يتنكر من أصله وكتب اسم ابنه على باب شقته في حي السرايا,الشقة التي ورثها عن أمه,تلك المرأة التي تشبثت بجذورها في حي السرايا,وتشبثت بالعيش هنا حتى ماتت ودفنت في قبورها. أي قبور السرايا,تزوجها أبوه كبير عائلته,وهو أيضا تورط وتزوج إمرأة حسناء من السرايا لم يجد فيها ما أفرغه في زوجاته الأخرى وقد تعاقبت وتعددت زيجاته,ولم تنجب له واحدة قط ولدا ولا بنتا كأنه كتب عليه ألا يلد ولدا إلا من تلك,أو ربما كتب عليه ألا يلد ولدا أصلا,وألا يلد إلا من نادية إناثا تنادي عليه بقبول مصيره كأنها النداهة أو أم الغيلان تلد أناث الكلاب.
ماذا هو فاعل؟
لكنها أنجبت له محمد,وقد بلغ أحمد تمام الثلاثين.
مات محمد بعد ولادته بقليل,ولم يكمل من عمره عام واحد.
بالرغم من هول الصدمة إلا أنه استطاع تخطيها,وكأنه قد نضج بعد أن تجاوز الثلاثين. لم يتوقف عن ممارسة الجنس يوما,وإن كان قد توقف عن الصلاة تماما. وتراوح يومه بين نزهات أو جولات خفيفة في الخارج,وبين جلوسه على المقهى أو أمام التلفاز أو على حاسوبه أو على هاتفه,وبين نومه في حضن زوجته,ومداعباته القليلة قليلا قليلا جدا لبناته من باب أنه أب,وبين انشغاله في عمله من باب أنه صاحب العمل -وقد بدأ يخسر الكثير من المال- أو النوم وحده يتأمل السقف نائما أو مستيقظا. أو التفكير مليا في مكان ما ووقت غير معلوم أوله أو آخره في مسألة تركه للصلاة كأنه يأس من الدعاء. ولكن مع ذلك,تأتيه لحظات أشبه بالطقوسية أو التصوفية يشعر فيها تماما بالرضا,خاصة في أيام الجمع والأعياد وفي رمضان,وفي الصفقات التي يتحسن فيها مكسبه المادي قليلا للحفاظ على المستوى الإجتماعي. لديه سبع بنات مثل أولهن وردات أو نجمات يضئن حياته ويشرحن صدره بعطر شعورهن وجلدهن.
بناته السبع هن وردة,ندى,إقبال,ناهد,فاطمة,نورا,رمل.
ولكنه يحتاج الولد,ويطلبه.
بات يلعب معهن كثيرا,يحتضن واحدة,ليتعرف على مذاق مختلف لأن تحضن أنثى ليست زوجتك,مذاق صافي من أي دنس أو غريزة حيوانية بدت له حينها,أبوته وبنوته التي لم تكن كأنها غريزة حيوانية للبقاء في صورة إبن يحمل إسمه. وقد كبر الإسم منذ كان جده كبير العائلة إرثا عن الجد الأكبر ثم السلف الأسبق وهكذا وراء خلف وراء. إلى أن بلغت العائلة مبلغا من الثراء والقوة في عهد أبيه,ومع ذلك,ورغم أنه لم يكن لديه تطلعات كبيرة,ولا كانت تعول عليه آمال عظيمة,إلا أنه استطاع أن يوسع الثروة والسلطة بين يديه عما كانت عليه في عهد أبيه. عهد لم يسلم إليه بعد وقد تخلخل لقب ولي العهد لصالح إبن عمه الذي أنجب سبعة أبناء حتى الآن كأنه يباريه رأسا برأس أمام بناته. والكفة لديه تغلب بفارق كبير. خاصة مع تدهور مشاريعه الجديدة,التي لا تنجح لتكون قائمة بذاته,ولا تحافظ على الإستثمارات القديمة من أراضي أو مشاغل. يشعر أن حياته ليست إلا هدر للمال والعيال وهو يريد عيل واحد فقط.
[2]
أنجب طفل آخر,ولكن لم يدري أنه فعل,ولم تدري زوجته,فهي لم تحمل فيه,هو فعل عنها ذلك. لقد تكون الجنين داخله. جرى التقليح بين قضيب وثقب,حيوان وبيضة,ذكره وفرجها. وما بين الثقبين,وبين قاذف ولاقم,تلقم الثقب الأضيق للرجل,الذي ينزل منه بول ومنى ودماء أثر إحتكاك عنيف بالجدار أثناء الاستمناء في مراهقته. هذا الثقب احتوى على البذرة المخصبة تمهيدا لتحولها إلى جنين. ولم تستغرق تسعة أشهر,بل هي تسعة أيام وصرخ الرجل بملئ فمه وسقط على وجهه ممسكا بطنه.
-أحمد!
صرخت نادية منادية عليه,تبعتها صرخة ندى ذعرا على والدها,لا تعرف ما أصاب أبوها ولكن فزع أمها أفزعها زيادة للرعب الناتج عن هذا المشهد حيث الوالد يتلوى على الأرض مبعثرا كل شيء. وهناك موضوعات تسقط من طاولات فتتكسر. والسجاد تبعثر وانكمش مع انفراجة جسده وانكماشها.
[3]
نمى الشيء / الشخص داخله,شخصا صار ذو شخصية مستقلة,وليس جنينا قيد النمو,ولا طفلا قيد التعلم. لقد نما وتعلم وإن لم يعلم حتى هذه اللحظة كيف يوسع من حياته. ولا يعلم والده ما أمره. ولا يعلم هو أن له والد وإن كان يشعر بحنين إلى هذا الجسد القابع فيه.
تزوج أحمد إمرأة أخرى. إسمها نرجس. لكن لم ينجب منها. ولم يعلم أحد بزواجه منها. وفي الثالثة والثلاثين أنجب أحمد الولد,وعاش الولد حتى أتم عامه الأول,واحتفل الجميع لمولده ولإسبوعه الأول,ولعامه الأول,ولعيد ميلاده الحقيقي الأول في العام الثاني. تابع الأب ولده وهو يكبر. وتابعه أبناءه وهو يكبر ويشيخ ويحزن. ولا يضحك أو يسعد بالولد السعيد الذي جاء له. وقد أسماه سعيد بدلا من محمد, خاصة وأن أكبر أبناء إبن عمه إسمه هو الآخر محمد. والعائلة معروفة بالمغالاة في أسماء محمد وأحمد. إسمه أحمد. وإسم أبيه أحمد. وقد تسمى تيمنا به. وإسم ابن عمه أحمد تيمنا بعمه / أبيه. سعيد أحمد أحمد الصابي. ومحمد أحمد محمد الصابي. كان إسم الجد علي. جد أحمد. الذي أنجب أحمد أبوه ومحمد عمه. لماذا لا يسمي سعيدا. لماذا لا يكون سعيدا. ذات مرة زارته ندى وهو نائم بعد أن طرقت الباب ولم يجيب. الأب نائم ومستغرق في نومه. فاتح فمه لو هناك ذباب لاحتشد داخله أو هكذا خيل للفتاة وهي تنظر داخل جوفه. رأت قدم. قدم إنسان,صغيرة ضئيلة كأنها قدم طفل يمزج بين المراهق والرضيع في تشوه لم تعهده من قبل عبر سنواتها القليلة. فزعت الفتاة وخرجت من الغرفة تبكي في صمت. لاحقا حكت لأمها ما رأت. وقد فزعت الأم لمصاب الزوج,فحسب أنه مريض مرض خطير. لما تكلف نفسها عناء النظر وذهبت به إلى الطبيب. وبعد الكشف المبدئي ثم الأشعة والتحليل تم تشخيص إصابة محتملة بالسرطان. في السنوات الأخيرة كان يتألم بشدة من الداخل. وكان يتغير بحدة من الداخل. هو لم يعد هو. ويقولها
-أنا لم أعد أنا
ولكن وبعد أشهر طويلة من الفحوصات لم يعثر على هذا السرطان رغم أن اللوحات الإشعاعية تزعم وجود مساحة كبيرة داخل الجسد من جسد آخر ربما تكون عبر الخلايا السرطانية,أو هذه هي نظرية آخر طبيب محنك زاروه. قبل أن يزور أحمد طبيب البواسير والمسالك البولية (معا) في نوبة ألم عنيفة داهمت مؤخرته. نظرية أتى بها الطبيب. لقد رأى عين تنظر له من عين مؤخرته. انتفض للوراء هلعا. ثم لملم نفسه وأخبره مريضه أنه مريض.
تجاهل هو ألم مؤخرته الذي خف تدريجيا,وحاول متابعة إبنه وهو يكبر,متجاهلا تماما فكرة أن هناك شيء آخر يكبر داخله. وخلال سنوات قليلة كان إبنه الأول قد كبر بصورة طابقت جسد الأب الخارجي. هذا الإبن وكأنه يعلم بإمنية أبوه القديمة سمى نفسه محمد. نموه كان سريعا ومريبا ليطابق (بسرعة) الجسد الحاضن له. وقد ارتاب صاحب الجسد نفسه من هذا لأنه لم يكن منفصلا تماما عن العالم الخارجي. يعلم أن الجسد المحيط أبطأ بكثير في النمو. كما أنه يدري بأمر الأجساد الأخرى المنفصل عنها تماما. وأنها تشابه هذا أكثر مما تشابهه هو.
هو رجل يعيش داخل رجل بالمقلوب,فمه عند مؤخرته,وقدمه في رأسه,وتكون قدمه في فمه إذا أدار نفسه. نصف دورة حول محور عامودي بطول الجسد.
[4]
استمر أحمد أو استقر بخلفة الحياة وطابت له الحياة,وعاش أيامه وسنواته. كان شيئا ما يتغير داخله. لا .. بل تغير بالفعل. لما تجاوز الأربعين كان إبنه قد صار شابا. وتعرف على شاب آخر. وجدوه مقتولا. وقد تعرف أحمد على قاتله وهو لا يدري أنه قاتله. حدث إتصال بين الرجل داخله والرجل الآخر. وكان إسمه علاء. أو علي. لا يتذكر. تحدث الإثنين لأول مرة في غرفة مغلقة.
-الرجل الذي داخلي هو الذي يتحدث الآن
-لا أفهم
-هذه أول مرة أتكلم معك
-ولكنها ليست أول مرة؟
-لا أقصدك أنت؟
-كيف أصعد على الرأس؟
-نعم أنت من قصدته
شعر أحمد أنه لا يتحكم بنفسه ولا بكلماته التي تنزلق سريعا من فمه,مع إنزلاق الجسد إلى الأعلى إلى الأعلى حتى اعتدل الرجل الآخر داخله.
-هل تعرف نرجس
-نعم أعرفها,هي صديقة زوجتي
-أنا من وجدتها قبل أن تعرفها أنت,ولكن لحظة,يبدوا أنك سريع التعلم,لقد تحدثت عن زوجة أحمد بضمير الملكية أو ياء النسب. لقد نسبتها إليك!. المهم. أنا لاحظت إهتمامك المتزايد بها. لا تقترب منها.
-لك هذا
-لو عثرت على شخص آخر,يوما ما سأعلمك كيف تخترقه,وأعلمك كيف تتحكم بنفسك, وأعلمك كيف تخرج (الآخر) من قشرته.
لاحقا عثر على رجل آخر,ولكنه لم يحاول أن يخاطر. خنقه,آملا أن تخرج التي بالداخل من قشرتها (وقد عرف أنها إمرأة). هذا أمر نادر تواجد إمرأة داخل رجل. ولكنه بعد أن قتل الرجل أكتشف أنه أرداها قتيلة هي الأخرى.
[5]
كانت تلك المرأة نرجس عشيقة لأحمد. وقد أخفى ذلك عن علاء. المرأة داخلها كانت تقتل كل جنين يتولد داخل رحمها قبل أن يكبر مضخما بطنها. لا تكورات ولا كرات. هذه المرة عرف بها أحمد. وقرر أن يستغل سلطاته ويسجن علاء. أو علي. لا يتذكر إسمه. خنق نرجس. وساعدها من الداخل على التخلص من تلك القشرة بالخارج. لقد تنصل من جريمته السابقة. وبعد تحقيق طويل استطاع تلفيقها إلى علاء / علي. خشى أن تكون ماتت. لم تكن تتنفس. توقف قلبها. ومرت خمس دقائق. ثم استيقظت ثانية. لأول مرة,يرى الشخص داخله تلك الأعين خلف عينيها. وفي السجن. في الزنزانة كما الغرفة التي تقابلا بها. وجد الحرس علاء أو علي ميتا. وجدوه وقد مزق وجهه وجسده بيديه فقط. وتكشف الرأس المتآكل عن رأس آخر آسفله. ووجه آخر خلف نصف الوجه المتقشر.
صرج
ذلك اليوم
أو ربما في يوم
فتلك القصة لم تكتمل بعد (أغلب القصص المنشورة هي أيضا قصص غير مكتملة)
ضرج
[1]
سيد
هذا اسمه,ولم يكن الشاب الذي قابله يعرف اسمه. لم يكن يعرف من هو؟. ولو عرف لفر هاربا وبدلا من ذلك مشى زاحفا يجر جسده على الرصيف وتوقفت العربات على الأسفلت جوار رأسه. أدماه سيد بعدة طعنات من مطواته في جسده. صنع ثقوبا كثيرة هناك.
[2]
طرق طارق
قامت من على الأريكة,كانت ممددة على وسائدها المريحة,ساقيها مضمومتين إلى بعضهما في طول لامع وفاتن التف حولهما ذيل الفستان النومي لما قامت,وارتفع رأسها ساحبا معه الشعر الذي كان ينساب تحته.
اقتربت من الباب
-من؟
نظرت من ثقب الباب فلم تجد سوى ظلام,غلفه المزيد من الظلام لما انطلقت الرصاصة من فوهة المسدس الموضوع على الناحية الأخرى من العين السحرية. لم يعرف ولن يعرف أبدا هل تألمت أم لا؟. ولن يرى وجهها الجميل,وهي الهدف الوحيد الذي يرى صورته في يده ولا جثته تحت قدمه. القى المسدس على الأرضية السيراميكية وقد أحدث صوت رنة معدنية وانسال الدماء من المرأة مبللا شعرها وثوبها دون أن يفسد جمالها وألقها تحت الشعر الأسود في الثوب الأبيض. ولم تفقد سوى عين واحدة,بينما انفجر الرأس من عند مؤخرة الرأس. المحققين والمباحث سيفتنون بجمال وجهها الذي لم يتغير سوى بحدوث ثقب مكان ثقب الرؤية حيث العين اليسرى.
وفي المنزل أمام عتبة داره يجلس سيد جلسته المعتادة مسترجعا حواره المتكرر مع الباشا
-الطبنجة دي ليا بقى يا باشا
-إزاي يعني يا سيد؟ ده الميري بتاع الضابط اللي هنلبسهاله
-آه صحيح .. عادي تتعوض برضه
-خيرها في غيرها
ورجع إلى منطقته المعفنة ومع بضع قروش يكفوه عدة أشهر بدون عمل,وعمله الوحيد هو قتل الناس,لكنه لا يتعرض أبدا لأحد من سكان حي السرايا حيث يعيش,ولا حتى من الأحياء المجاورة التابعة لقسم السرايا,المرج,المطرية,السلام,أو غيره. ويحبذ ألا يكون في نفس المحافظة بل تكون القضية تابعة لمحافظة أخرى كما فعل مع ضحية الإسكندرية أمس. لأنه عادة,وفي ظل منظومة فاسدة,لا تهتم عناصر الشرطة بالتحري حول قاتل خارج دائرة عملهم. ويجري الاستسهال باصطياد القاتل الجاهز لهم,أو وعلى آخر السنة يؤخذ عدد من المسجلين أو غير المسجلين لإغلاق القضايا المفتوحة وتقفيلها.
[3]
قاتل له قلب.
عين متحفزة دوما.
وعرج لا يمنعه.
قاتل وعين وعرج خفيف لا يكاد يلحظ. وقد نشأ في بيئة مسممة ذات تربة خصبة لتأسيس قاتل مثله,ومنذ طفولته لم ينعم بنوم هادئ بسبب صخب الحارة والقتالات بين أبناء المنطقة.
لما بلغ السادسة قرر أباه أن يرى مستقبله فألحقه بورشة لدى ميكانيكي عله يتعلم صنعة تنفعه. رأى الميكانيكي وهو يشق رأس طفل آخر زميل له,يعمل صبيا عنده وكان أقدم منه,فتح رأسه بمفتاح صواميل مقياس 22. مات الصبي. وأُغلق المحل وبيع بكل الأجهزة فيه لأجل سداد دية الطفل. واضطر أهل الولد للقبول. إما هذا وإما أن يتحملوا عقبات الصراع الدامي مع سيد الميكانيكي وإخوته. لم يذهب هو للعمل معه مرة أخرى,وافترق سيد عن سيد,ولا يعلم هل أبوه منعه عن العمل معه لأن الورشة أغلقت أم لأن الطفل مات.
والظاهر أن أبوه قرر أن (العلام) أصلح له,ذهب إلى المدرسة الإبتدائية وهنا رأى مع من رأى عدة مشاهد دامية وقاسية وطفولية. كانت مدرسة السرايا الإبتدائية ثاني أسوأ مدرسة في الدائرة كلها. ولتلك المكانة ما يبررها.
-طفلة تستدرج طفلة أجمل منها وتشنقها بوشاح كانت تتحجب به.
-طفل يشطر عين طفل آخر بالموسى.
-طفل يعتصر (حمامة / مبيض) طفل آخر ويهرسها بين يديه مثل البطاطس المهروسة حتى يخصيه تماما دون أي رحمة لصرخاته أو دمعاته أو رعشاته.
-طفل يكبل طفلا آخر من الخلف لتكون رأسه بين باب حديدي ثقيل وجدار,وطفل ثالث يندفع راكلا الباب الحديدي بكل قوته.
-طفلين يلقيان طفل ثالث من الطابق السابع ليتحطم جسده فوق خردوات معدنية.
-طفل تنسحق رأسه تحت عجلات عربة يجرها حصان مندفع يقوده طفل.
-طفل يقذف وجه طفلة بكيس حمضي فتفقد نورها وتتلاشى ملامحها.
لم يكمل إلى الإعدادية التي سمع أنها أسوأ بكثير,وقد تلقفه أبوه من هناك قبل أن يفقد إبنه ويعيبه الناس فهو لن يستطيع الاختباء والتذرع بحجة أن (العلام حلو) أو (العلم نور) وغيرها من القيم التي لا تتوافق مع حياتهم.
أما عن مدارس الثانوية صناعي,فحدث ولا حرج,والكثير من زملاءه في القتل أو البلطجة أو تجارة المخدرات خريجوا صنايع وكأنهم يتعلمون الصياعة هناك خير من الشارع. وهذا صحيح فعلا. بشكل عملي تتيح المدارس إلتقاء عدد كبير من الأفراد المنتمين إلى جماعات وعائلات ومناطق مختلفة. تحدث منهم صحبة ونوع من الشللية التي تبسط نفوذهم لما يكبروا في المزيد من المساحات,وتتيح لهم الاستفادة من أصدقائهم إذا دارت معركة بين طالب لم يعد طالبا وبين شخص في منطقة غريبة عن الطالب. والمنطقة منطقة غريمة مما يرجح كفته عليه.
[4]
قاتل لعين لم يبقى له من العينين سوى عين.
ولكنها أكثر من كافية,إلا إذا أصابه العمى.
عرج خفيف ونصف عمى ويد مدربة.
يمكنه أن يعلق أربعة رجال غصبا عن نحافته.
وكان الجميع يهابونه ويعلمون خطورته ويعملون حسابا له
عرج
لم تكتمل بعد
فرج
[1]
ضخم الجثة تزيده زوائده حجما على حجمه,فيعطي انطباعا قاسيا لمن تراه من النساء, ورجوليا لم يراه من الرجال (النحيفين) بسبب العضلات التي تدعم هذه الزوائد. فهم يغارون منه ويريدون أن يكونوا مثله. مثله في كل شيء,بدانة تدل على الشبع,وعضلات تدل على القوة,وسيارة تدل على الثراء,وعيون تدل على الجرأة,وابتسامة تدل على حظه. فاليوم عرسه على جميلة جميلات الحارة والتي يتهافت الجميع عليها. البيت الذي أمامها يسكن شاب في طابقه الثاني بعد الأرضي ويطل من شرفته عليها. وبجوارها بعد بيتين يأتي شاب ويهيم حبا أسفل البيت المواجه لبيتها,يرتفع بذقنه مصوبا نظره إليها وهي تسترخي متسندة على سور الشرفة. والذي يجلس على المصطبة أمام بيته جوار بيته يشاركهم النظر. هؤلاء الثلاثة فرسان الأساسيين ورابعهم الذي يسكن على الناحية الأخرى لصيق بيتها. يقف على الباب يتابع نظرات النظار ويشاركهم في النظر إليها. وهناك من النظار الذين يسيرون رؤوسهم للأعلى في السماء وهم يمشون على أرجلهم على الأرض. أو الذين يقفون خصيصا على أبواب بيوتهم ليتابعونها أثناء المسير إلى جامعتها صباحا.
أول أسطورة كانت تروى عنها هي أنها تبتلع عشاقها وأزواجها!. الأكثر غرابة وإفزاعا أن إبتلاعهم لا يجري داخل فمها,وإنما في الفتحة المقابلة لها عبر خط رأسي أوله تحت بين الفخذين وأخره فوق بين المنكبين. أي في فرج ها!.
هناك قصص أخرى تقول أن الجثثة المتكومة زمنا إلى جوارها على فراشها ماتت بطريقة أخرى طالما الأجساد موجودة لم تبتلع أو تشفط. يقال أن أزواجها يقتلون بواسطة لدغة ثعبان. يسمع الفحيح,ثم يخرج الفم من الفم. رجل يلقم ذكره في أنثاه,وإذا بفم آخر يعض على رأسه. قضم رأس قضيبه,واختلط الدم باللبن.
سمع يعقوب هذه القصص عن كل هذه الجثث و(الكسس) والموتى والعشاق والديدان القابعة في البطون,والمرأة الشبيهة بالغولة.
تزوجها ونام جوارها.
[2]
ثقب في جدار الجسد / المرأة
أيا يكن,هو عنوان لافت جدا
رآه في أحد الحلقات التلفزيونية لبرنامج غريب,
ثقب في جدار المرأة
ظهر لها ثقب جديد في جسدها
[3]
صدحت الغنوات وتعالت أصداءها,دقت الطبول وارتفعت أبواقها,وعلا الهرج واهتز المرج, وتحولت الخرائب إلى كتائب. واحتشد الأوغاد فالتصقت الأجساد فبعث قوم عاد. والأرض من تحته ماد واسفتحل الأمر وزاد وهال الأمر بالعباد وكأنه يوم الميعاد.
هذه هي أرض عبادة الأرض الممزقة بالحفر والثوب كأنها حقل ألغام في أوج حرب أوروبية وتكثر الأقاويل عن أن هذه الحفر هي فجوات الجنة والجحيم. شخص عابث يمشي مترنحا من أثر السكر وكثرة شرب الخمر. وكان لا يصوم في رمضان وإن فطر بالتمر.
يمشون حفاة على صخور نارية من جمر
[4]
السرايا
هناك نوعين من الناس في السرايا
الناس العاديون,وهم مثلهم مثل غيرهم,وإن كانوا محكومين بظروف مستواهم الإجتماعي, والتي توزعت عليها أحوالهم على حسب تصاريف أرزاقهم,فمنهم العاملين والحرفيين والبائعين والقوادين والنباشين وهؤلاء هم أقرب السكان إلى الأموات,وهم الأكثر دراية بظاهرة الدمى.
[5]
ثقب في البطن
[6]
حرج / مرض
قضمة الموت
-محمود
-نعم
-أين علاء
-لم أره اليوم
-ألم يأتي اليوم
-لا أعرف,ولكن الأرجح أنه موجود تجده هنا أو هناك
ومرض علاء مرضا ألم به وأحرجه من المجئ إلى الجامعة,وأحرجه من المجيئ إلى العمل. لقد كان مشوها تماما بسبب هذا المرض. مليئا بالثقوب والندبات في أنحاء جسده. ثقوب جعلته أشبه بغربال أو مصفاة. تؤدي بالناظر إلى مشهدية داخلية في جسده. ترى تدفق الدم ونبض اللحم وأجزاء من العظام,وكان يشعر أن الثقوب غائرة لدرجة نفاذها إلى الجهة الأخرى من جسده. قبالته أو ظهره أو أحد الجانبين أو من الرأس تحت الشعور إلى مؤخرته المدماة بكثرة الدمامل والثأليل. وشعوره الذي صار مثقوبا تجاه أي شيء. مثل قطعة ورق أو خشب مثقوب تمر بها الريح مصفرة داخلها ومؤلمة في دواخلها. يحلو له الظن والتخيل أنه مثل ورقة صفيح. ثم رجوعا بذهنه للحقيقة وهو أنه كومة من اللحم الميت لم يتعفن بعد, احتوته الثقوب من الداخل قبل الخارج. وتخيل وهو المريض بالديدان أن الدود قد يتقافز من فتحات بطنه بدلا من ثقب مؤخرته إلى الخارج.
بدأت الثقوب تزحف عبر البطن وعبر الفخذين بسرعة إلى مؤخرته,تلك الأخيرة هي أكثر ما أرهقته جسديا حيث كان الألم حادا جدا بما لا يطاق ولا يحتمل بأي شكل من الأشكال. المؤخرة موضع إرتكاز هام جدا للإنسان,ربما أهم من القدمين,وهو مصدر للراحة تحول إلى جمرة نار داخل ثقب لا ينفع معه تأثير الجاذبية. اللعنة!. يتقلب طوال الليل. والجو حرّ. حرّ جدا.
وقائمة الطعام
وثقب الخراج وثقب على جدار الجسد
[7]
أغلب الأدباء والنقاد والإعلاميين والفنانين وحتى المعجبين يحسبون أن زاهي جميل اختار هذا الاسم الحركي ليكون إسمه الإعلامي غير عالمين أنه اسمه الحقيقي وليس استعارة, وغير مصدقين لذلك لأن الإسم ملائم ومناسب له أكثر من اللازم. ولد به لزوجة أبوه جميل. أمه أميمة. وسجل وجوده في الدنيا بهذا الإسم في الشهر العقاري. وثبت حضوره في هذه الدنيا عبر فرشاته التي حقق من خلالها ثروة طائلة,وشهرة واسعة, ومكانة عالية بين نجوم الفن التشكيلي الذي عدت مساهماته فيه على الأيدي,لا تكاد تتعدى عدد أصابع اليدين. عرف بصفته فنان اللوحات المروعة,اللوحات التشكيلية أو الكارتونية أو السينمائية. عرف بألقاب عديدة منها مانجاكا الرعب ومخرج الرعب ورسام الرعب.
قرأ تلك الروايات التي تجسد مخاوف الرسامين,وفتن بها
نموذج بيكمان لـ هوارد فيليب لافكرافت
صورة بيضاوية لـ إدجار آلان بو
صورة دوريان جراي / أوسكار وايلد
كما أنه يستلهم الواقع,وكثيرا ما فرّ من الشوارع والميادين هاربا من صخب الحياة منعزلا في غرفته حيث مرسمه. وموقع ممتاز في وسط البلد. في العتبة. ليس على النيل,ولكنه أيضا غير بعيد عن نهر النيل. ذات مرة فكرة أن يلقي بجسده في النيل لكن الموت غرقا وجسده ممتلئ بالماء فكرة مخيفة جدا
بلوب بلوب بلوب جرى العرف أن هذا صوت الماء,أو حكم السمع بذلك,وهو صوت لا يريد أن يكون جسده مصدره
آرت جسد
هذا إسم معرضه الواقع تحت منزله في الحسين,استوحى الإسم من آرت زمان في غمرة, معرض جميل فاتن فوجئ به ذات يوم أثناء مروره للتمشية في شارع رمسيس فكان قادما من منشأة ناصر.
-جاليري عتيق
-آرت زمان
-أتيليه جميل
أسماء معارض
المرسم
مرج
هرج
أو الحجرات