الكشكول “كَلمةٌ فارسيَّةُ الأصلِ كَما في كِتاب (الألفاظِ الفارسيةِ المُعرَّبة) وَهوُ مُركبٌ مِنْ (كَش) بِمعنى (حمل) وَ(كُوْل) بِمعنى الكتف؛ أي حَمْلُ الكَتِفِ (وأصل الكشكول عُرفاً: اسمٌ لِظرفٍ خَشبي (والمعروف أنَّهُ يُصنع من بعض الجلود) مربوط بسلسلة يحملهُ على أكتافِهم المتسولون المُتجولون؛ يجمعُونَ فيهِ مَأكُولاتٍ مُتنوعةً مِنْ ألوانِ محْصُولاتِهم).
وفي اللغةِ الفارسية يُقال: (كَشْكول) وَ(كجكول)، وهو جراب الدراويش يجمعون فيهِ حاجاتهم، ويصبّون فيهِ ما يشربون، وقد جرت العادة أن يُكتب على ظهر الجراب، أشعار الدراويش وعباراتهم وأشعارهم،
وقيلَ: إنَّها كلمةٌ أرمينيةٌ، لكنَّ الأديب أنستاس الكرملي أبطلَ هذا القول حينما سُئل، فأجابَ بقولهِ: (ادّعى كثيرونَ بلْ أغلب اللغويين السريانيين أنَّ الكشكولَ أرمينية الأصل من «كشا»؛ أي: جمع و»كل» بالمعنى المعروف. ومعناهُ جامع الكلّ، وهيَ عندهم لفظةٌ تدلُ على كتاب صلوات يجمعُ كلّ ما يُقال منها في الأيام المألوفة، وتدل أيضاً على وِعاء المكدي بالمعنى الذي نعرفهُ في العربية. وتقالُ أيضاً عن كُلّ مجموع أو خليط. على أننا تتبعنا ورودَ هذه الكلمة في مصاحف الأرميين فوجدناها حديثة الدخول في لغتهم بالنسبة إلى ورودها في الكتب الفارسية؛ إذْ فيها قديمة، وهي في هذه اللغة مشتقة من «كش» المشتقة من فعل كشيدن؛ أي: حمل، و»كول» أي: كتف؛ فيكون معناها: ما يحمل أو يشد على الكتف، وذلكَ لأنَّ الفقير يحمل هذهِ الأداة على كتفهِ فيضع فيها ما يُتصدق عليهِ فيكون العرب والسريان أخذوها من الفرس ولا يعكس). (7) وجاءَ في المحيط: (الكَشْكول: وعاءُ المتسول يجمعُ فيهِ كلَّ ما تجمّعَ لديه من رزق).
والكَشْكُولُ اصطلاحاً: الكِتابِ الذَّي لا تَنْتَظِمُهُ (وَحْدَةُ موضوعٍ) بَلْ يَنتقِلُ فيهِ جامِعهُ مِنْ فنّ إلى فنٍّ؛ فَمِنْ تَفسيرِ آيةٍ إلى شَرْحِ رِوايةٍ، وَمِنْ مَسائِلَ عِلْمِيَّةٍ إلى طَرائفَ أدبيةٍ أوْ حَوادِثَ تأريخيةٍ أوْ نوادِرَ ومُسْتَطرفاتٍ ومُفاكهاتٍ. الكَشكُوْل في عُرْفِ أهلِ العلمِ اسم لِكتابٍ يَجْمَعُ مَا لذَّ وطابَ مِنْ الفوائدِ الأدبيَّةِ والشذراتِ الاجتماعيَّةِ والسوانِحِ الفِكْرِيَّةِ والقواعدِ العِلميَّةِ ولَطيف الأشعارِ ونَوادرِ الآثارِ، كُلّ ذلكَ مِنْ غيرِ تَرتيبٍ ولا تبويبٍ. أ.هـ.
ويُقرِّبُ لنا الشيخ الطاهر الزاوي الليبي معنى كلمة كَشْكُول فيقُول: (وكَلمةُ كَشْكُول كَلمةٌ فارسيةٌ تُطلقُ على ما يُسمى عندنا بالعربيةِ (الحقيبة) التي يستعملها المسافِرُ في أسفارِهِ، والصوفيّ في سِياحَتِهِ؛ ليضعَ فيها ما يلزمهُ من حوائجهِ المختلفةِ)
ويقول الأديب عبدالستار الحسني
أوَّلُ مَنْ سمَّى أمْثالَ هذهِ المجاميعِ بالكشكولِ هُوَ بهاءُ الدينِ العامليُّ المتوفى سنة 1030هـ.
وكانَ للعُلماءِ والأُدبَاءِ مجاميع يُدونون فيها ما يَقفُونَ عليهِ أثناءَ مُطالعتهم مِنَ عِباراتٍ مُهَذَّبة، وشذراتٍ مُسْتَعْذبة، يُسطرون فيها الفوائد، ويُسقِطُونَ منها الزوائد، يجمعونَ المُتفرقات، مِنَ الطرائفِ واللطائفِ والأبيات؛ فيكون هذا المجموع بُسْتَان العالِم ونُزْهتَه، وأُنْسَهُ وَفُسْحَتَه، ولِسان حاله
ويقولُ الشيخُ الخليلُ النحوي: (وأضعفُ الإيمانِ لِمنْ لمْ يستَطِعْ اقتناء الكتب، أنْ يكون للفتى كُنّاش؛ أي كِتابٌ جَامِعٌ يُدوِّنُ فِيهِ الفوائدَ والنوادِرَ والشواهِدَ؛ فَتَجدهُ باقة أزهار مُلونة فيها مِنْ كُلِّ شيء.
ويمكن أنْ نلخص استفادة القارئ بأمورٍ منها: أنها تفيد القارئ في تنوع الاطلاع على الكتب، وأن في بعض هذه المجاميع نقولاً من كُتبٍ مفقودة اليوم! وهذا يدل على أهميتها.
مع أنها تجعل القارئ يتنوع في اطلاعهِ؛ فهو يقرأ في صفحة ترجمة عالم، وفي التي بعدها فائدة لغوية، والتي بعدها طرفة أدبية، والتي تليها وقعة تأريخية، وهكذا، يجد القارئ فيها فوائد قد لا يجدها في مظانها، وكذا فهذه المجاميع عبارة عن أعمار رجال سبروا كتباً وانتقوا منها ما يرونه مناسباً”. [نواف بن محمد بن عبد الله آل رشيد / الكشكول .. الأصل والمعنى / موقع الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر].
وقد صنف الناقد اللغوي والثقافي نواف الكشكول ضمن المجاميع العلمية / الأدبية الرئيسية في تاريخ التدوين العربي,مثل الكناشة والتذكرة والسفينة.
ولنا على هذا النص ثلاث ملاحظات؛أولا أنه يصف تقريبا الشطر الأكبر من تاريخ الرواية العربية والقصة في الأدب العربي وآلية نشوءها,وثانيا أنه يصف الحال مع الأدب عموما, وكما قال أحد العظماء (للأسف لا أذكر اسمه),بما معناه إذا لم تجد الكتاب الذي تبحث عنه, فاصنع واحدا. وثالث الملاحظات كما تبين أن (كشكول) لفظة أعجمية لا يقابلها في العربية على حد علمي إلا ثلاثة مفردات فصيحة؛ربائد أو صحيفة أو كرّاسة.
وعلى حد علمي فإن أشهر وأهم أربعة كشاكيل (جمع كشكول) في تاريخ الأدب العربي عامة,والأدب المصور خاصة,هما
1-كشكول (كشكولي أنا بالطبع,أو ربما كشكول آخر نسيت ذكره)
2-كشكول اللباد (لا يرقى كشكولي إلى مستوى كشكوله ولا يقترب)
3-الكشكول (وهو موضوع هذا المقال)
4-الكشكول (لـ بهاء الدين العاملي,وربما هو أهم كشكول,وتشبهه عناوين كثيرة في عصره)
ويمكن إدراج مجلة الكشكول ضمن ذخائر التراث البصري من مجلاتنا العربية,القيمة والنادرة للغاية. وقد كانت لدي نسخة أو نسختين منها في مكتبتي,للأسف ضاعت,أو ربما احترقت مع ما احترق من كتب في المحرقة الكبيرة التي أوقدها أبي في مكتبتي الكبيرة. فبغض النظر عن قيمتها الفنية (ولنقل أنها قيمة عالية) لها قيمة تاريخية كبرى -تزيد من قيمتها الفنية- لأنها تشهد على مرحلة كانت الصحافة المصرية فيها في مطلع الريادة العربية على كل الصعد الصحافية. فمن الناحية البصرية لدينا رواد ثلاثة أجانب هم الأرميني صاروخان في مجلة (آخر ساعة) و(صباح الخير),والتركي علي رفقي في المصور والفكاهة وغيرها من منشورات دار الهلال,وخوان سانتيس في مجلة (الإثنين),وجريدة أو مجلة الكشكول. والذين سلموا الدفة إلى رسامين عرب مثل رخا.
عام 2019 واحتفالا بالذكرى المئوية لثورة 1919 نظم معهد جوته الواقع في وسط القاهرة معرض بعنوان (ثورة 1919 وذاكرة الكاريكاتير) تضمن المعرض عرض صفحات ورسومات من اللطائف المصورة وخيال الظل والكشكول المصور.
هذا هو أبلغ تعبير عن الأهمية التاريخية لعمل مثل الكشكول,الذي يجاور أربعة مجلات أخرى في نفس الأهمية من حيث التحليل السياسي الساخر للمجريات آنذاك
1-أبو نضارة
أسسها يعقوب صنوع رائد الصحافة في مصر,هو تقريبا من جيل العمالقة أمثاله وأمثال محمد التابعي,في عام 1876,وقيل في عام 1878 حسب مصادر أخرى.
حملت اسم (أبو نضارة زرقاء) ثم مجموعة كبيرة جدا من الأسماء,ولأن تصاريح إخراج مجلة كانت أسهل من السهولة,فكان يبدل من أبو نضارة زرقاء لأبو نضارة خضراء أو أبو صفارة,أو أبو أي حاجة في نحو تسعين اسم آخر.
من ذلك أيضا رحلات أبو نضارة
كانت كلما أغلقت السلطات مجلة يعقوب صنوع يعيد اصدارها بأسماء أخرى منها “أبو نظارة زرقاء” و”أبو صفارة” و”الوطن المصري” و”الثرثارة المصرية”.
“يشير إبراهيم عبده في كتابه “أعلام الصحافة العربية” إلى أنه لا توجد في العالم كله مكتبة خاصة أو عامة تحتفظ بالعدد الأول من المجلة، ولا بالأعداد التالية التي صدرت وهي 15 عدداً، فقد تم جمعها من قبل في مخطوط كتبه يعقوب صنوع في صورة مطابقة كل المطابقة لما صدرت به تلك الأعداد في عهد الخديوي إسماعيل، لكنها حُرِقت ولم يحتفظ بها أحد”. حسب ما ذكرت إحدى المصادر الصحفية على الإنترنت.
2-التنكيت والتبكيت
لصاحبها عبد الله النديم عام 1881,وهذه أول صحيفة أدبية تهذيبية تستخدم النقد من خلال السخرية,تحت عنوان (أيها الناطق بالضاد). ثم أنشأ الأستاذ لاحقا بعدها,وكان قد عاد من منفاه وعاد لمواقفه الإيجابية ضد العدوان الإنجليزي على مصر.
3-الكشكول
ومثل صنيع زميله (بكر) قدم الكاتب الصحافي والناقد الفني أحمد عبد النعيم قراءته للتاريخ في الفترة من 1921 وحتى 1932 من خلال إلقاء نظرة على وثيقة الكشكول وتوثيقها في كتاب حمل عنوان (الكشكول .. حكايات من دفتر أحوال مصر) مركزا على تحليل أهم الأحداث السياسية والاجتماعية والفنية آنذاك,والتي تضمنتها رسومات مجلة الكشكول.
أصدر الكشكول سليمان فوزي الذي كان وكيلا لشؤون الخديوي في 24 مايو 1921 محددا أهدافها (جريدة مصورة اجتماعية انتقادية تصدر يوم الجمعة من كل أسبوع). فكانت صوت النظام آنذاك,وهاجمت شخصيات عديدة إلى حد النقد الجارح,وكثفت هجومها على حزب الوفد وعلى رئيس الوفد سعد زغلول.
وعمل فيها الفنان الإسباني سانتيس.
4-البعكوكة
وقد أفردنا لها تقريرا بسيطا.
وبالطبع هناك الفكاهة من دار الهلال,وآخر ساعة,وصباح الخير,وغيرها من الصحف الساخرة التي لم ينقضي الأدب الساخر معها ولا الصحافة الساخرة بل تطورت إلى صورة مقالات ومقتطفات في أعمال عمر طاهر,بلال فضل,وأحمد خالد توفيق,الذين تسلموا الراية عن أحمد رجب,وأنيس منصور,ومحمود السعدني.
بقلم: رايفين فرجاني
المصادر:
الألوكة / ما أصل لفظة كشكول؟
الجزيرة / الكشكول، الأصل والمعنى
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.