تزداد هذه السلسلة قوة من الحلقات الأضعف التي تم استهلال السلسلة بها من قبل الكاتبين الكبيرين محمد عصمت وعمرو المنوفي، إلى حلقة في الوسط تشبك ما تم تقديمه، بما آت لاحقا على القارئ لو قرر أن يسلك خيار قراءة السلسلة بشكل تراتبي من الرواية الأولى إلى الأخيرة، رغم ما نعرفه عن كونها روايات تقدم قصصا متصلة منفصلة ضمن إطار سلسلة من الجرائم مرتبطة بحدث شيطاني هو فتح بوابات الجحيم.
في عشرة فصول تقدم الكاتبة نوع من الدراما النفسية، هي أقرب إلى الفانتازيا الرومانسية، منها إلى الروايات البوليسية أو الرعب، لغياب أي من لزوميات التحقيق عنها، واستعاضت به عن ذلك، بسرد مزجت فيه ببراعة، الرومانسية، مع قدر من الرعب، لقصص شخصيات عانت قبل الموت وبعد الموت. تسليطها الضوء على معاناة الأشباح، رغم الإيقاع الممل في جوانب، والحوار الساذج في جوانب، الوصف الغائب عنه أي تعبيرات بلاغيى قيّمة (روحية الشواف المتشحة بالأسود من أخمصها وحتى رأسها)، وضعف الأجواء الطقسية في العمل (ملح والله خير حافظ)، إلا أن كل ذلك، أولا عيوب تتلاشى مع متابعة القراءة، وثانيا غير ملزمة بها الراوية لأنه من الواضح تركيزها على هدف معين استطاعت الوصول إليه، وتصدير تجربة ممتعة للقارئ، وهذا هو ثالث، خاصة مع استعادتها بعض من التقاليد الأساسية، للأدب القوطي المندثر، والمستعاد في أعمال قليل منها ما حقق نجاحا سواء في أوروبا أو أمريكا، أو لدى كتابنا العرب.
الأجواء الرومانسية، بما فيها من أحداث مأساوية لا تنفصل عن أكبر مدرسة عاطفية عرفها الأدب إلى جوار التراجيديا، أقصد الرومانسية، التي أخلصت لها الكاتب، وعليه، استطاعت أن تفيض ببعض طاقتها الإبداعية في الكتابة، في فقرة أو فقرتين أو أكثر، والرواية وإن كانت تعاني فقرا في هذه الناحية، ولكنه متلائم مع كونها رواية قصيرة، ربما لم يسع الكاتبة أن تأتي بالمزيد، ربما كتبتها على عجالة، ولكن تظل تلك الفقرات من أمتع ما في النص (انظر مشهد أم تروي عن مقتل ابنها ص 77، مشهد التحرش ص 86 وإن كنت تعجبت من هروبها،
هناك بعض النمطية في نشوء العلاقة بين جيهان وتيمور، مثلا، مشهد تهريبه لها بعد أن فتحت رأس الرجل، تقليدي ومتوقع جدا، هناك تعبيرات مبتذلة، فهو يقود الموتسيكل (ص 96)، وليس إلى درجة أن (يقود دربها)، وكأنه مشهد منتشل من ثنائية كريم عبد العزيز وغادة عبد الرازق في (الباشا تلميذ)!. مع ذلك، هي تحاول الابتعاد عن الرومانسية الزائفة رغم أنها وقعت فيها أثناء المحاورة الصريحة على جبل المقطم بين عاشقين كأنهما من فيلم هوليوودي سبعيناتي (للدرجة هذه كانت السبعينات تتبع الوعود الأمريكية بحياة الحرية!). وزاد على ذلك، بعض المفردات التي تبدو لنا وكأنه ترجمة عن نص إنجليزي أكثر من تلائمها مع أجواء مصرية لرواية مصرية.
في الوقع كان هذا أكثر حوار أبله بين كل الشخصيات، يليه محاولة إقناع الأشباح في ختام القصة (ما بين ص 101، و107). مع ذلك، ومثل الحوار الختامي، لا تتوقف الحوارات عن بعض لمحات ذكية جدا، مثل صراع جيهان الدائم بين العنف واللاعنف، خاصة وأن ذلك متلائم جدا مع مسار الشخصيات ومصيرها؛ جيهان وتيمور هما أهم شخصيات العمل، ومع أن هناك شخصيات دائمة بالسلسلة، إلا أنها استبعدت بشكل إيجابي نحو الهامش، حتى أن مواقفهم الطريفة معا تجعل من موسى وروحية، بل وحتى زينب ورأفت، كأنها شخصيات كارتونية أو كاريكاتورية بالية.
من اللمحات الذكية، ذلك الوعد غير الأكيد بعلاقة حال حدوث إلتقاء، ولكن وبشكل مترامي ومتروك للظروف:
-وماذا إذا لم نلتق أبدا؟
-إذا، فليس من المقدر أن يتقاطع دربانا.
وهي فكرة جميلة، وشاعرية، وتحمل أبعادا أوسع من أن يتم تفصيلها في المساحة الضيقة داخل نص الرواية القصيرة.
مشهد الموت لآل راغب كان ممتع، وإن شعرت أنه منفصل عن الأجواء، ولكنه محرك رئيس للأحداث بالنسبة إلى بطلي العمل الشبحين. ولكن فكرة (قرر ألا يموت الليلة) تجعلني أتسائل عن هذا الابتذال (وكأن القرار له؟). الابتذال يستمر بكلمات مؤنثة تصف بها الكاتبة أنفاسه اللاهثة، ونبضاته الصارخه، وأقدامه الهاربة. ولكنه وصف فعال، وقل بديله في ظل هذا الموقف.
التنقل بين الماضي والحاضر كان سلسل جدا، لدرجة أنني لم أشهر فيه بأي اختلاف، ولا تم بتري عن الأجواء.
الجريمة، أو الجرائم، فيها تفاصيل، أكثر من قدرتي على التذكر أو التنظيم، ولكن لاحظت أن الربط بينها كان منطقي جدا، وإن جاء اطلاعنا على هذه العلائق بشكل روحاني، وليس بشكل جنائي أو قانوني أو شرطي (كما ينبغي من روايات التحقيق).
النهاية كان لها وقع بين الصدمة والبلاهة، لأن العقدة التي تربط جيهان (جوجو) بتيمور، والتي دفعت جيهان، لأن تكون أكبر سفاحة في الرواية (قتلت 15 طفلا) لم تكن واضحة من البداية، وجاءت مربكة جدا، هذا هو أهم أسباب ضعف الحبكة في الرواية، تحديدا في منطق قتل جيهان للأطفال بشكل عشوائي لمجرد الإيحاء بوجود قاتل متسلسل مسئول عن قتل الطفلين في بيتها (الفيلا)، في محاولة منها لإقناع زوجها أنه لم يكن الفاعل، وقد حسبته قاتلها حتى بعد موتها. أحد المراجعين على جود ريدز يقول بأن هذه معالجة شديدة السذاجة ولا تعكس لا مشاعر ولا حالة نفسية لإمرأة في ظرف وجدت فيه زوجها وحبيبها وقد قتل طفلين تحت تأثير الهلاوس والإنهيار العصبي. مع إني أتقبل كل هذا التعقد، والنفوس الغير سوية تفعل ما هو أسوأ، ولكن العيب فعلا في المعالجة، وفي عدم الفرش أكثر لذلك قبل وأثناء أحداث الرواية.
والحوار في الأخير كشف عن سذاجة أكبر من اللازم من شخصيات العمل، وعلى رأسها موسى، والراوية نفسها (وصف لها بأن قاتلها كان كذا وكذا، من لبسه، مع أن الوصف جاء فيه وصف نصف ملابس السبعينات).
رواية قصيرة، كنت انتظر منها أكثر، خاصة مع غياب القدرة على التعبير بالموسيقى أثناء السرد، عدا استعادة بعض الأجواء الموسيقية من السبعينات، وعنونة الفصول العشرة بمصطلحات موسيقية؛ ساكسفون، أورغ، صولا، تامبورين، درامز، جيتار، ميكروفون، تينور، مقام الصبا، كودة. ولكنها محاولة تُحترم، ولا شك أن الراوية لديها اطلاع على تاريخ موسيقى الروك أكثر من مجرد معرفتنا أن هناك فرقة شهيرة اسمها البيتلز لها علاقة بجماعة اسمها الهيبيز.
ألفت النظر أيضا، إلى كونها من الروايات القليلة التي تطرقت، وإن كان من على الهامش، إلى سفاح المعادي، قبل ظهور سفاح الجيزة تلفزيونا، بنحو سنتين.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.