بيكار
قد يكون هو أهم إسم في تاريخ الأدب المصور المكتوب بالعربية,والمصور بلوحاته التي تألقت في مجالي الكاريكاتير والكوميكس. يعتبره المؤرخين مبتدع هذا الفن الأخير بالعالم العربي,حيث استأنف مسيرة رخا في تمصير الكوميكس عربيا. وأتفق كثيرا في ذلك,وأزيد وأزايد في مقدار قيمة بيكار الفنية,أزيد وأقول أنه يتجاور مع الكثير من رؤوس الريشات الكاريكاتورية المعتد بهم كثيرا في أوروبا وأمريكا. وأزايد فأقول أنه يتجاوز عنهم علوا بشأنه عن أمثال ديزني وستان لي.
وإذا اتبعنا النموذج الهيجلي للمراحل الفكرية الكبرى لأي نشاط إنساني,يمكننا بشكل إبتدائي تقسيم تاريخ الكوميكس العربي إلى ثلاث مراحل بالنسبة إلى فناني العرب,هي
1-المؤسسين: بيكار,رخا,عبد السميع,زهدي العدوي,طوغان,صاروخان
2-المطورين: اللباد,حجازي,صلاح جاهين,صلاح الليثي,بهجت عثمان,رجائي ونيس
3-المحدثين: جمعة فرحات,سامي بدوي,سمير عبد الغني,عمرو سليم,دعاء العدل,مخلوف
حيث يمكننا أيضا -ولو بشكل إبتدائي- أن نؤرخ لبزوغ حقبة جديدة في تاريخ الكوميكس العربي بداية من مطلع العقد الثالث للألفية الثالثة,عند نقطة وسطية تقع بين التأسيس -الذي ربما يكون قد بدأ منذ ثلاث عقود أو أكثر- والتطوير.
-ولد حسين أمين بيكار عام 1913 في حي الأنفوشي بالأسكندرية
-وتوفى سنة 2012 عن عمر يناهز الـ 99 عاما
أي بعد أن أتم قرن من العمر الطويل والمسيرة الحافلة.
-تخرج من مدرسة الفنون الجميلة عام 1933
-عمل رساما للمناظر الخلفية في متحف الشمع 1934
وبعد رحلته الطويلة حول العالم -التي نعرضها في آخر المقال- في ظل الأحداث العالمية الصاخبة (ومنها الحرب) تدرج في المناصب داخل كلية الفنون الجميلة,فعمل معيدا,ثم مدرسا,ثم رئيسا للقسم الحرّ,إلى أن تولى منصب رئيس قسم التصوير / الرسم في كلية الفنون الجميلة عام 1945.
ولهذا يعد معلما للكوميكس والكاريكاتير الذي لم يكن لأيهما أقسام خاصة منذ ذاك وإلى يومنا هذا (حيث يتوزع على الفنون التشكيلية أو الجرافيكية). وقد لقب بـ (المعلم الأول) كون تلامذته هم المعلمين الكبار (الذي يمكن أن نقود من عندهم عجلة ثلاثية أخرى تبتدئ بهم). وكونه عمل التدريس بالجامعات والمدارس الإبتدائية والإعدادية لأكثر من ستين عاما.
فتتلمذ على يديه كبار فناني الكوميكس أمثال
-البهجوري
-جمال قطب
-ممدوح عمار
-هبة عنايات
-يوسف فرنسيس
خلال عمله بالكلية (التي ضمن له إستقرارا مهنيا وفنيا) عمل رساما صحافيا لعدد من الصحف والمجلات,على رأسها مجلة سندباد,التي كان يرسمها من الغلاف للغلاف,والتي أخذت به إلى منحى أكثر فنية. فهي تعد إلى يومنا هذا من أرقى مجلات الأطفال في مصر والعالم العربي,ونظير مجلة سمير الشهيرة. وعلى خط موازي قدم العديد من أعمال الأطفال الأخرى,غالبا تحت رعاية دار المعارف الذي استمرت إصدارته فيها إلى وقت لاحقا. وقد كانت صلته بالنشر أوسع من صلته بالصحافة. فقام بتصميم الأغلفة للعديد من الكتب العربية.
ومن عام ١٩٤٥ عمل لدى صحيفة اخبار اليوم ليس كرساما فقط بل كمراسلا في عدة أقطار كـ أثيوبيا وسوريا والجزائر والمغرب وتونس وإسبانيا حيث كان يرسم تقاريرا مصورة عن حركة العالم حتى عام ١٩٦٢. والتي مزج فيها -على حد قول راجي عنايات- الحاضر بالماضي مسترجعا مغامراته السابقة. وقبل ذلك قد استقال عن كلية الفنون الجميلة عام 1959 متفرغا تماما للعمل الصحفي في مؤسسة أخبار اليوم.
وبيكار نموذج جيد لتوضيح بعض معارجي في كتابة مقالاتي,فهي إما كتابة تقريرية أو كتابة نقدية. وثالثة هي بحثية في حالة التوسع تقريرا أو تحليلا. ولما أقول معارج فأنا أقصد أنه طرق قد تكون غير سوية لا زالت متعرجة لم تكون مسارات سديدة بعد.
في حالة التقرير,جرى نشر مقال آخر عن بيكار,ولكن ليس كل مقال كتبه غيري مثل مقال كتبته أنا -لمسة غرور سامحوني- لأني أراعي دوما ولو بالتراكم وكثرة الكتابة وإعادة النشر,خصلتين. الدقة والسعة. الخصلة الأولى,يوجد هنا من هم أفضل مني فيها بمراحل, ولهذا أنا أفضل منهم,فهم يتعبون ويجهدون وأنا أقطف ثمار جهدهم على الجاهز,واتخذ منهم مصادر فمنهم باحثين وجامعين,وأتحقق بطول قراءاتي وكثرتها وتكرار متابعاتي وتنقيبي من صحة هذه المعلومات ولا أتوقف عن التعديل حتى وإن لم أتفرغ حاليا.
أما السعة,فلأنها -أي مقالاتي- مقالات شمولية,لأنها تشتمل على كل المعلومات المتعلقة بالفنان الذي أكتب عنه –حتى ولو كانت ناقصة سأكملها فيما بعد- وأيضا لأن مقالاتي تشتمل جميع الفنانين العرب,جميعهم بلا إستثناء واحد منهم. وقد لاحظت أن أكثر من باحث -منهم أعضاء في منتديات عرب كوميكس- حاول جمع موسوعة عن أعلام الكاريكاتير.
أعماله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-أخبار اليوم 1945
-سندباد 1952
-الأيام / طه حسين
-ألف ليلة وليلة
-لون واقرأ / دار المعارف
-الدجاجة السوداء
-عروس النيل
-عيد الأضحى
-الكتاب العجيب
-مرزوق والسمكة / دار المعارف 1998
-فلفولة راقصة الباليه / دار المعارف 1998
-لكل فنان قصة / هلا للنشر 2003
رحلته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“ينهي بيكار عمله بمتحف الشمع,ويجد نفسه مضطرا للعمل كمدرس رسم في وزارة المعارف العمومية (التربية والتعليم حاليا),ويروح ينتقل عاما بعد عام من مدينة إلى أخرى, من دمنهور إلى قنا إلى القاهرة,حتى تسنح له فرصة السفر منتدبا إلى المغرب,فيستقر به الحال في مدينة تطوان عاصمة الإقليم الإسباني بالمغرب حينذاك,وكان ذلك في عام 1938.
في تطوان اتسع نشاط بيكار ليشمل عدة نشاطات,فبالإضافة إلى جماعة الرسم التي شكلها هناك لأول مرة في تاريخ المغرب,أشرف على إنشاء جماعة للموسيقى وأخرى للمسرح. فشهدت تطوان ازدهارا فنيا جديدا عليها,وكان من نتيجة هذا النشاط,ان أنعم الخليفة ممثل السلطة الإسبانية في الإقليم,بوسام على الفنان حسين بيكار,تقديرا لجهوده في بعث الحياة الفنية في تطوان. في هذه الفترة أنتج بيكار العديد من اللوحات الفنية الناجحة,رغم انشغالاته المتعددة,ورغم أنها كانت سنوات معاناة عامة .. سنوات الحرب الأهلية الإسبانية. فمن المغرب,أعلن فرانكو حربه الأهلية المعروفة,وأنتقل إلى أسبانيا ليديرها. وحدث في أوقات الحرب .. ما يحدث من نقص في المواد الغذائية,وأدوات المعيشة,إلا أن هذا,لم يحد من نشاط فناننا أو حركته.
ومن إسبانيا,سافر بيكار إلى فرنسا وإنجلترا وبلجيكا في رحلة طويلة. وكان ختام رحلته في برلين,وأثناء وجوده بها أعلن أدولف هتلر الحرب العالمية الثانية. فخاض بيكار مجموعة من المغامرات بهدف الخروج من برلين والعودة إلى تطوان,وأخيرا كللت جهوده بالنجاح وتمكن من الوصول إليها عن طريق يوغوسلافيا وإيطاليا.
وعند عودته من تطوان إلى القاهرة,في عام 1942,كانت الحرب مشتعلة في شمال القارة الإفريقية,وكان عليه أن يسافر إلى لشبونة بالبرتغال ليسافر بالباخرة عن طريق رأس الرجاء الصالح. وبعد شهر كامل وصلت الباخرة إلى موزمبيق,نهاية رحلتها. وعلم بيكار أن الباخرة المصرية (كوثر) ستمر على مدينة (كيب تاون) في طريقها إلى السويس,فسافر إليها وأدرك الباخرة,التي قطعت الرحلة في شهر آخر.
ورغم المعاناة التي لقيها بيكار في هذه الرحلة,إلا أنها كانت فرصة طيبة للتعرف على البلاد الأفريقية التي مر بها. كانت هذه الرحلة,وسيلة لتسجيل عدد من الرسوم بكل ما يقع عليه بصره,من مشاهد طبيعية وبشر وعادات.
وكانت هذه الرسوم هي نواة المقدرة الفريدة التي عرف بها بيكار,من خلال الأعمال الصحفية المرسومة التي سجل بها رحلاته بعد ذلك,ونشرت في مجلة (آخر ساعة). رحلاته إلى إسبانيا والمغرب والجزائر وتونس والحبشة وسوريا,التي مزج فيها الحاضر بالماضي, ومجريات الحياة اليومية,بالتقاليد الشعبية. ففي إسبانيا مثلا يسجل مشاهد مصارعة الثيران, في نفس الوقت الذي يسجل فيه لقطة من التاريخ البعيد,عندما وقف القائد العربي طارق بن زياد مع جيشه يواجه الشاطئ الإسباني لأول مرة,ثم تمتد نظرة بيكار إلى التراث الأدبي الإسباني,فيسجل الرحلة الشهيرة لدون كيشوت مع تابعه سانكوبانزا من أعمال المؤلف الإسباني سيرفانتس.” [بيكار: رحلة دائمة في عالم الرسم والموسيقى / راجي عنايات / مجلة الدوحة].
للمزيد اقرأ:
وسم بيكار في مدونة أحمد خالد توفيق
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.