اختار الكاتب العنوان الذي تفوق على شهرة كل العناوين التي سميت بها أدبيات الرعب العربي في العصر الحديث، ربما لا يضاهيه إلا عنوان مثل ما وراء الطبيعة المقارب له في المعنى والمفهوم الواقع بين زحزحة الحقائق إلى (الحافة) حيث الخيال، وتفنيد الخيالات لإظهار ما وقع منها مما لم يقع على غرار وظيفة (هادم الأساطير). فجملة (حدث بالفعل) لها رنين مألوف على الأذن، ووقع مذهل على القلب، يوازي نفس عبارة (صدق أو لا تصدق) التي تؤكد بوجوب وقوع ما قد وقع ولا يفيد تصديق أو عدم التصديق الوقائع في نفيها أو إثباتها من الناحية الواقعية العملية، وربما حتى من الناحية الذهنية المنطقية. إن قولة حدث بالفعل، تفيد بأن هذه أحداث حدثت بالفعل، لكنها تنوه عن كون الواقعة فيها ليست مجرد حدث أو حادث عادي، إنها تشير إلى كم الغرابة الذي ينسج ويربط وقائعها وإن كانت ليست من نسج الخيال حسبما يدعي المؤلف. لهذا هو يؤكد أنها أحداث حدثت بالفعل، أو وقائع وقعت بالفعل. وهو نفس العنوان الذي التقطه ببراعة كاتب الرعب الأشهر في وقتنا الحالي محمد عصمت، وأطلق سلسلة من الأحداث التي يمكن أن يقال عنها أنها (حدث/ت بالفعل).
ولكنها أحداث تحمل بصمة محمد عصمت التي اجتهد من أجل أن يجعلها مميزة. هي أحداث خاصة به هو ـ من جمعه وترجمته وتقديمه. تمييزا لها عن كتابين آخرين، الأول ليس كتاب، بل سلسلة كتب؛ مختارات أدبية من جمع جلال عبد الفتاح سبق فيها محمد عصمت بإصدارها عام 1999 ضمن منشورات المؤسسة العربية الحديثة (نفس الدار التي أصدرت سلسلة ما وراء الطبيعة في نفس الفترة تقريبا). لاحقا في عام 2015، استلهم مجموعة من الرسامين العنوان، بل والغلاف، وأصدروا كتاب من القصص المصورة حمل نفس العنوان (حدث بالفعل)، ضمن إنتاجات ورشة (24 ساعة كوميكس) التي نظمتها مجلة الفن التاسع في نفس العام.
وبما أن عنوان (قصص حقيقية) هو عنوان شائع جدا على الشبكة، نجده على مواقع ومدونات شهيرة متخصصة في أدب الرعب والأدب الغريب، مثل الموقع الأشهر ما وراء الطبيعة، ومثل موقع كابوس،
ناهيك عن عدد كبير من المنتديات، بل والتجمعات الشبكية على مواقع التواصل الاجتماعي، قرر كاتبنا محمد عصمت، بتاع الرعب، واتباعا لمبدأ الشيخ البعيد سرّه باتع، قرر محمد عصمت أن يترجم لقراء العربية نصوصا غير تلك المنشورة بالعربية، مكتوبة بلغات أخرى (غالبا الإنجليزية) وتنبع عن شخصيات وثقافات مختلفة عن القومية العربية. فرغم أن الوصول إلى أي شيء سهل على القارئ المستخدم عبر الشبكة، ولكن قراءة نص بلغته المكتوب بها، ليس مثل تذوقه بالعربية .. لغتنا.
أرجح الظن أن هذه القصص مأخوذة مباشرة من موقع كريبي باستا Creepypasta الشهير، ويؤخذ على الكاتب ترجمته الركيكة ولغته العامية التي يرى البعض، أنها ليست أفضل حالات من الترجمات الرقمية لـ جوجل (ترجمة بواسطة الذكاء الاصطناعي)!.
يعيب القصص أن كلها مروية على ألسنة الرواة، وقد أشار محمد عصمت في حوار سابق له عن ضرورة الاستغناء عن الرؤية الذاتية الداخلية للحدث، ورواية الحدث من مظور خارجي، وهو ما لم يكن متاح معنا في هذه القصص، برغم ما تستدعيه التجربة الذاتية من أجواء مرعبة فعلا. وبالطبع، ليست كل القصص على نفس المستوى من الجودة، والحكم متروك للقارئ.
بعيدا عن فكرة حدث بالفعل التي يعتمد عليها الكاتب في التسويق لكتابه، يمكن قراءة أي كتاب بوصفه مجموعة قصصية؛ أربع مجموعات قصصية ممتعة، المجموعة الأولى حوت 23 قصة، الثانية تتكون من 12 قصة، الثالثة 15 قصة، والرابعة لم أقرأها بعد لكي أعرف. وختاما كانت هذه مراجعة لبعض مجهودات محمد عصمت في هذا النمط الكتابي من أدب الرعب، الذي أعاد استثماره في كتاب أو شبه كتاب بعنوان (كيف بدأ الرعب؟) هو أقرب إلى جمع لباقة من القصص التاريخية، التي يمكن وصفها أيضا بنوع من التماهي على غرار ما كان يفعل أنيس منصور أو أحمد خالد مع قرائه بأنها قصص حقيقية. نحن لا نعالج في نقدنا القصص المطروحة بين دفوف هذه الكتب (هي ستعجبك على أية حال) بل نقيم ونشيد بالدور الذي لايزال محمد عصمت يمارسه من أجل تدشين أدب الرعب على الصورة التي تليق به في العالم العربي.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.