• الرئيسية
  • المدونة
    • أقسام المدونة
      • الأدب
      • الاجتماع
      • الاقتصاد
      • التاريخ
      • الديانات
      • الرياضيات
      • السياسة
      • أخر المقالات
    • مقالات مميزة قد يهمك
      • أعظم 100 شخصية في تاريخ الشرق
      • اللباد: صباح الخير يا أسطى
      • الصورة البيضاوية – قصة قصيرة – بو
      • السجن: شبه تأريخ للحريات
      • البرج؛ التاريخ الصناعي والثقافي
      • أهم سبعة رسامين في تاريخ الأدب المصور مصريا
      • إسلام جاويش
      • عودة الرعب الذكي
    أخر المقالات
    • قائمة بورخيس للمكتبة الخاصة
      يونيو 12, 2025 لا يوجد تعليقات
    • أعظم الأدباء في تاريخ الأدب البيروفي
      يونيو 11, 2025 لا يوجد تعليقات
    • أعظم الأدباء في تاريخ أدب دولة تشيلي
      يونيو 11, 2025 لا يوجد تعليقات
  • المكتبة

    الأدب

    الاجتماع

    الاقتصاد

    التاريخ

    الديانات

    الرياضيات

    السياسة

    العلوم

    اللغات

    الفلسفة

    القانون

    الفنون

    رسالتنا

    تقديم خدمات ممتازة لعملائنا، مثل توفير تشكيلة واسعة من الكتب الإلكترونية والورقية عبر الموقع الإلكتروني، وتوفير خدمات التوصيل السريع والآمن للكتب الورقية. كما نسعى لتوفير أسعار معقولة للكتب، ودعم عملائنا بخدمة العملاء الممتازة ودعم فني قوي. بالإضافة إلى ذلك، نسعى لتعزيز ثقافة القراءة والتعلم في المجتمع، وتحفيز الناس على الاستمتاع بالمعرفة والثقافة من خلال الكتب التي نوفرها.

    • روابط سريعة
      • حسابى
      • المكتبة
      • المفضلة
      • طلباتى
      • تغيير كلمة المرور
      • تسجيل الخروج
  • الأرشيف
  • من نحن
  • تواصل معنا
الدخول / حساب جديد
Search
1 item 50.00 جنيه
القائمة
Search
1 item 50.00 جنيه
الرئيسية الأدب الأدب العربي أم ميمي
غلاف كتاب المسيحية في ميزان المسلمين
المسيحية في ميزان المسلمين 999.00 جنيه
العودة للمنتجات
معارك العرب 2,700.00 جنيه
تم إضافة “يوم مشهود” إلى سلة مشترياتك. عرض السلة
غلاف رواية: (أم ميمي - بلال فضل)
المدى

أم ميمي

600.00 جنيه

 

لا أدري متى بالضبط لمعت تلك الفكرة النميسة في ذهن شعراوي، لكن أغلب الظن أن ذلك حدث حين رأى نظراتي الشبقة التي استقرت على منحنيات ومنعطفات جسد رحاب وهي ترقص بذمة وضمير في فرح أختها سامية، مع أنني لم أكن وحدي الذي انبهرت برحاب التي رأت في الفرح فرصة لإعلان إمكانياتها التي تؤهلها ببراعة لتجاوز أختها، ولم يكن ذلك الإعلان عاماً لكافة من حضروا الفرح وهم قلة على أي حال، بل كان موجهاً نحو ثلاثة من أقارب العريس حضروا في الأغلب لإسعافه في حالة حدوث مضاعفات في ليلة الدخلة، لكن رحاب لم تحظ باهتمامهم، ليس فقط لأنهم لم يكونوا سعداء بالزيجة إيماناً منهم بمبدأ إعلاني كان منتشراً في تلك الأيام يقول “ليه تدفع أكتر لما ممكن تدفع أقل؟”، ولكن لأنهم شعروا أن تسليط نظراتهم على جسد أخت العروسة وإن كان فائراً مثل بركان فيزوف، سيغضبه أو سيحرجه، والواقع أنهم صبروا ونالوا، لأن “أبو سامية” كان قد قرر إكرام ضيوف صهره بـ “نِمرة” خاصة كان ذكرها يمرّ علي أحياناً في بعض ما أقرأه عن أخبار المجون والليالي الحمراء التي ينفق فيها الأثرياء آلاف الجنيهات والدولارات، ولم أكن أتصور أنني سأشهدها عياناً بياناً دون أن أدفع مليماً أحمر.لم يكن حجم الشقة يتسع لحضور فرقة غنائية، فقد كان يكفي بالكاد للعشرين ثلاثين كرسي التي جلس عليها المعازيم المنتقون على الفرازة، لكن الكاسيت الذي انبعثت منه أكثر الأغاني ترقيصاً وهشتكة قام بالواجب وزيادة، ليتم إسكاته فجأة، ثم يقوم أبو سامية وشخصان من أقاربه أو من شركائه لا أدري، بوضع ترابيزة خشبية متوسطة إلى جوار الكوشة الصغيرة التي جلس عليها العروسان، في الوقت الذي كانت أم سامية ورحاب قد دارا علينا بأطباق كبيرة تحوي قطعاً منتقاة من الكفتة والكباب وخرطة مكرونة باشميل وبعض أصابع محشي الكرنب وورق العنب، وبعد أن انتهى أغلبنا من التهام ذلك الأكل البيتي اللذيذ، قام أبو سامية بإطفاء أنوار الصالة التي ظلت مضاءة إلى حد ما بالأنوار المنبعثة من باقي الشقة، وفور أن أعاد تشغيل الكاسيت ليصدح بمطلع أغنية “حبيبي يا عيني”، اندفعت من مكان ما امرأة ترتدي عباءة سوداء فضفاضة، وقام أبو سامية بمساعدتها على الصعود إلى الترابيزة التي كانت أعلى من أن تقفز عليها لوحدها.
بعد أن بدأت ذات العباءة في التمايل من باب التسخين على الترابيزة التي ثبت متانتها، أضاء أبو سامية أنوار الصالة وبدأ في التصفيق فتبعناه دون حماس في البداية، لكننا سرعان ما تحمسنا، حين اكتشفنا أنها لا ترتدي العباءة لكونها من أقارب سامية الراغبين في المجاملة، بل كانت على وشك تقديم وصلة رقص استربتيز، حيث بدأت بفك أزرار العباءة على مهل، وانتهت بعد فترة من الزمان مرت كأنها ثواني، بالشروع في خلع ورقة التوت الكلوتّي التي كانت آخر ما ترتديه، لولا أن أوقفتها صرخة العريس الذي أمرها بالتوقف عن ذلك، لأن لكل شيئ حدوداً كما قال
إسم الكاتب

بلال فضل

دار النشر

المدى

بيانات الطبعة

نوع الغلاف: عادي

عدد الصفحات

224

سنة الإصدار

2021

الكود المختصر :
				
					https://cairobook.com/?p=28135
				
			
تبديل الكتاب
هل تود هذا الكتاب مقابل كتاب أخر ؟

طلب تبديل الكتاب

الكتاب المطلوب :أم ميمي
بلّغ عن كتاب
هل تعتقد ان هناك مشكلة

قم بالإبلاغ عن هذا الكتاب

اسم الكتاب : أم ميمي
الملكية الفكرية محفوظة لمؤلف الكتاب المذكور فى حالة وجود مشكلة بالكتاب الرجاء الإبلاغ من خلال أحد الروابط التالية:
  • الوصف
  • مراجعات (0)
  • الشحن والتوصيل
الوصف

«أم ميمي» لبلال فضل

تربية الطالب المغترب في عالَم القاهرة السفلي

أخيراً بحمد الله صدرت روايتي الأولى (أم ميمي).

قراء صفحات (قلمين) و(المعصرة) أظنهم يعرفون أم ميمي التي نشرت بعض فصولها في صحيفة الدستور في 2005 وفي صحيفة الشروق في 2012، صحيح أن ما قرأوه كان مجرد نسخة تقبل النشر في الصحف، والرواية المنشورة ليست كذلك، هي للكبار فقط وأيضا هي للذين لا ينقض وضوءهم ظل الكلب على حد التعبير التراثي، لذا لزم التنويه.

تأخر نشر الرواية لأسباب كثيرة من أهمها أن الفصلين الأخيرين كانا يحملان بداخلهما رواية ثانية ترفض الانفصال عن الرواية الأم، وما حل هذه المشكلة هو أنني قرأت في مطلع رواية لأستاذنا خيري شلبي حديثا عن اضطراره لإجراء جراحة لفصل توأم ملتصق بروايته الأصلية، وجربت هذا الحل وأثمر، وأظن أن الذين قرأوا بعض الفصول التي نشرتها في مدونة الكشكول تحت عنوان (العفاريت التي تسكن شقة ياسر الذي مات وأنا أعتقد أن اسمه حسن) وأعجبتهم سيدركون ذلك، لأن هذه الفصول بمثابة جزء ثاني لرحلة بطل رواية أم ميمي وهي رحلة ستطوف على عدة مناطق في القاهرة والجيزة، وهي رحلة حين تكتمل أجزاؤها سأهديها إلى روح الأستاذين خيري شلبي صاحب (موال البيات والنوم) والأستاذ عبد الحكيم قاسم صاحب (قدر الغرف المقبضة)، أما رواية (أم ميمي) نفسها فقد أهديتها إلى “الأغاني الحلوة التي هوّنت المشوار”.

من دواعي سروري أن تصدر الرواية عن دار المدى التي كنت من المهووسين بإصداراتها كقارئ وتمنيت أن أتعامل معها ككاتب، ولن أنسى أنها عرفتني وأنا طالب في الجامعة على أعمال عزيز نيسين وفؤاد التكرلي ومحمد الماغوط وهادي العلوي وبو علي ياسين ـ إذا لم تكن قد قرأت لبعضهم الحق نفسك واقرأ لهم وأظنك ستنبسط ـ وقرأت فيها أجمل ما تُرجِم لماركيز وبارجاس يوسا وإيزابيل الليندي ويشار كمال وأورهان باموق والكثير من كتاب نوبل بالإضافة إلى كلاسيكيات الأدب الغربي، وأتمنى أن أقدم من خلال تعاوني مع المدى أعمالاً جميلة بإذن الله.

الرواية متاحة على موقع جملون وموقع نيل وفرات لبيع الكتب، وعليها خصم الآن في موقع جملون، وقريبا ستكون متاحة على كيندل وجوجل بوكس، وكان الله في عون من سيقوم بتسجيلها صوتياً 😊

بعد أن أعلنت دار المدى عن صدور الرواية في معرض بغداد للكتاب ـ قبل أسبوعين ـ طلب مني صديق أن أقول له كلمة قصيرة عنها ليضمها إلى الخبر الذي سينشره عنها، وأول ما جاء في بالي مقولة محمد هنيدي الخالدة: “أنا مش هاقولك إني واد جامد والكلام الفاضي ده، بس باقولك هتموتي يا مجيدة”، لكن وجدت أن الاستشهاد بها لن يكون مناسباً لأسباب كثيرة، فقلت له إنني أعد القارئ بأنه سيستمتع وربما يضحك من قلبه وربما يحزن أيضاً، لكنه بشكل عام “هينبسط”، أما إذا لم يحدث ذلك الانبساط فبالتأكيد لن تكون هذه أقوى ولا آخر خيبات أمله في الحياة.

بلال فضل

 

– ١ – 

احترف بلال فضل مهنًا متعددة كلها ترتبط بالكتابة بشكل أو بآخر. صحافي ومحرر، سيناريست لأفلام تحقق أعلى الإيرادات، كاتب مقالات، لاعب ومناور سياسي أحيانًا، مذيع تلفزيوني. وبين كل ما سبق مغامرات ومشاغبات وتقلبات ومراجعات لا تتوقف.

في مغامرته الجديدة، يطأ بلال أرض الرواية للمرة الأولى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة. لأن روايته الصادرة عن «دار المدى» بعنوان «أم ميمي» هي بداية سلسلة روائية من الصعب أن يتنصّل منها الآن، وقد وعد القارئ في آخر سطر من رواية أم ميمي قائلاً: «كان ذلك آخر عهدي بشعراوي الزناوي ومن معه وحوله، وبداية رحلتي نحو حارة سميكة التي سأنبئك بأخبارها إن عشنا وكان لنا عمر».

في النهاية، رواية «أم ميمي» سردٌ للوقائع الغريبة لطالب مغترب يصل إلى القاهرة وتدفعه ظروفه الاقتصادية إلى السكن في غرفة في بيت مع «أم ميمي» القوّادة المتقاعدة وابنها ميمي الأشقر الميكانيكي الغائب في غيمة من المخدرات واللاوعي. وبما أن الرواية تنتهي في نهاية العام الدراسي الأول بهروب الراوي من شقة «أم ميمي»، فنحن ننهي الرواية على وعد بجزء ثانٍ، غالبًا سيبدأ في العام الدراسي الثاني.

– ٢ – 

يتوقع القارئ وجود بلال في أي كتابةٍ يقرؤها له، ومن كثرة ما قرأ المرء لبلال- وهو كاتب غزير الإنتاج- يظن أنه أحاط بكل الوجوه، لكن في رواية «أم ميمي» نقابل وجهًا آخر لم يكشفه قبل ذلك، بل اختزنه لسنوات طويلة حتى يصل إلى التركيبة المناسبة لإخراجه. بلال الصبي، المراهق القادم من الإسكندرية، ليقتحم عالم الصحافة والسينما في العاصمة وتسحقه القاهرة وتعيد تشكيله بقيم جديدة غير قيم العائلة.

يفتح بلال خزينة ذكرياته كطالب في كلية الإعلام، ويقدم لنا قصة تتقاطع مع سيرته الذاتية، حيث الراوي يتحدى إرادة والده ويصرّ على هجران الإسكندرية والتدلي إلى القاهرة ليدرس الإعلام مطاردًا حلمه في الشهرة والنجومية والعمل في السينما.

التيمة الأساسية للرواية، هي رحلة شاب لطلب العلم في القاهرة، واحدة من أكثر التيمات الأدبية والفنية شهرة، قدمت بأكثر من طريقة، لكن بلال اختار السكن والمنزل كمدخل لذلك العالم، لتتقاطع الرواية مع رائعة عبد الحكيم قاسم «قدر الغرف المقبضة» و«موال البيات والنوم» لخيري شلبي. لكن في رواية بلال يخلص الشقاء من الميلودراما بالسخرية، ويحوّل الروائي إلى عين ترصد وتشاهد وتجبره الظروف أحيانًا على التورّط والمشاركة، فلا نجد مهربًا من الجلوس بجواره على كنبة «أم ميمي» في انتظار فرج لا يأتي.

– ٣ – 

رحلة بطل بلال هي كذلك رحلة ملايين المصريين الذين أتوا إلى القاهرة للدراسة، وخاضوا غمار رحلة البهدلة وقلة القيمة في البحث عن سكن آدمي مناسب للطلبة. شخصيًّا سكنت لفترة على بعد أمتار من المنطقة حيث البالوعة التي تدور فيها أحداث رواية بلال، في ظروف ربما تكون أفضل من ظروف بطل رواية بلال، لكن يظل التلوث، والانحطاط والفقر، ورداءة الطعام سمة أساسية لحياة المرء في تلك البقعة وفي تلك الفترة من حياته.

يشعر المرء بحنين أثناء قراءة رواية بلال لشبابه الخاص، ولا يشترط أن تكون مغتربًا عشتَ في القاهرة، فالرواية تلتقط هذا التحول في حياة أي شاب، التحول المصاحب لتجربة الخروج من المنزل والصدام الأول مع الشر وانحطاط العالم، حين يدرك المرء أن الشر «جزء أصيل وطبيعي من لعبة الحياة إن أراد أن ينضج ويتطور ذهنيًّا وروحيًّا». كما يقول أحمد الفخراني في مقالة عن الرواية.

يستغل بلال هذا التقاطع ليطور من سمته الأسلوبية في المقالات الصحافية حيث يعتمد على كسر الإيهام بينه وبين القارئ، ليختفي ذلك الحد الفاصل في الرواية، ويشركك معه في الأحداث، بل ويخاطب حتى ظنونك وشكوكك. تقريبًا بمتوسط كل خمس فقرات في الرواية نصادف جملاً من نوعية «أعلم أنني لم أحدثك بعد عن كذا..»، «أو لربما تظن أني كنت كذا»، أو جملتي المفضلة «لا أريد أن أضيّع وقتك في سرد تفاصيل كذا» وكأنني كقارئ جئت هنا لسبب غير التفاصيل.

– ٤ – 

رواية «أم ميمي» تمازج بين ضفيرتين، الأولى هي الحوار بين الراوي والقارئ والذي لا ينقطع من بداية الرواية حتى نهايتها، ومنه نعلم أن الراوي يتذكر مغامرات من شبابه وعِبَرًا وطرائف وغرائب يرويها لنا من موقع المتلصص، ويصارحنا في ذلك المستوى بما يدور في ذهنه وبدواخله، بل ويتدخل أيضًا في ما يدور في ذهننا.

المستوى الثاني هو أحداث الرواية ذاتها وكيف انتهى مصير الراوي ليشارك السكن أم ميمي وابنها، وفيه نتعرف إلى الحارة والجيران وزوجها، لنجد أنفسنا داخل شبكة دعارة صغيرة غارقة في الفقر، وأقصى أحلامهم أن يأتي ثري خليجي يتزوج البنت وينتشلها من الوحل، وينقذ الأسرة من عملها في الدعارة والتعريص، وهو ما يتحقق في نهاية الرواية بالفعل. فبعد عدد من المآسي على طول الرواية، يقدم لنا بلال نهاية سعيدة بظهور الزوج الخليجي وعقده القران على جارة الراوي، وتغيير حياة سكان البيت.

يضفر بلال هذين المستويين من السرد، بمهارة. وحينما يمر الراوي بمواقف بشعة ومفزعة كإجباره على تغسيل جسد أم ميمي المترهّل والمشوه، نرى أنفسنا مع البطل في ذلك المشهد الكابوسي، لكن الحوار الداخلي بينه وبين القارئ يكسر البعد التراجيدي وأجواء الصعبانيات، لتشعر بنفسك كقارئ بحالة انفعالية متناقضة، بين الضحك حد الشخير، والحزن الشديد، والتقزز حد التقيؤ.

– ٥ –

كسر الإيهام ومخاطبة القارئ أثناء السرد تقليدٌ روائي قديم يعود إلى الأعمال القصصية لعبد الله النديم والتجارب الأولية للرواية العربية في بدايات القرن العشرين، وهو تناصّ يتجلى في أجزاء متعددة من رواية بلال، وينعكس على مستويات اللغة في الرواية.

يقدم بلال في روايته لغة هي كوكتيل متعدد الجذور والانتماءات، فهناك الاستعارات والكلمات المفرطة في بنيتها الكلاسيكية، والتي أجبرتني على فتح المعجم أو البحث عن أصلها ومعناها، وأحيانًا تحمل في ثناياها وشائج مع أعمال شعرية وجمل موغلة في القدم، كأن يصادفك تعبير مثل «رمتني عن قوس محنة». ثم تتكعبل في تعبيرات عامية مصرية خالصة من نوع «هري وفرافيت» أو «زمزقة» حتى نصل إلى الألفاظ المنبوذة من الأدب الرفيع والممنوعة من الطباعة على ورق من مشتملات السباب والشتيمة وسب الدين، وهي لغة بقية أبطال الرواية القادمين من مهنة التعريص والبلطجة.

يُنتج هذا الخليط اللغوي لغةً حيوية، تشبه لغة بلال فضل التي يعرفها قراؤه، لكنها أكثر حرية وانطلاقًا. تشعر كأنك تقرأ بلال فضل للمرة الأولى وقد تحرر من قيود العمل الصحافي والتزامات الشخصية الإعلامية، وضريبة الحياة في مصر، حيث كتابة بعض الكلمات والجمل قد تؤدي بك إلى السجن، لكنه أيضًا يُنتج نصًّا ليس مناسبًا للقارئ ذي الحياء القشرة الذي يمكن خدشه، فالكلمات عارية في رواية بلال والتعبيرات محمّلة بالعنف اللفظي وبطين وقاذورات عالمه الروائي.

في السابق، كان بلال يستخدم التورية و(***) حين يلمّح للفظ يعلمه الجميع لكنه يدرك أن الرقابة الصحافية لن توافق عليه. الحالة الأشهر عنوان كتابه «ما فعله العيان في الميت» وهو إلماح وتلميح للمثل المصري الشهير «عيّان بينيك في ميت». وفي رواية «أم ميمي» يترك بلال التلميح والترميز، لنرى العالم سلسلة من النيك العنيف يغتصب فيه الأقوى الأضعف، ولا طريق للنجاة سوى بالتعريص، مثل جار الراوي الذي يفتح بابه أسبوعيًّا لزيارة الضابط الذي يأتي لينيك بناته بينما الأب يعرّص، حتى يحافظ على عمله ووظيفته وعلى بيته مفتوحًا.

أما الراوي، المتعلم المثقف ذو الأحلام المثالية باقتحام عالم الفن والسينما والشهرة والأجواء، فيسبح وسط هذا الخراء محاذرًا أن تتسخ أرنبة أنفه، حتى لا يتلوث شموخه العلمي، يدير رأسه حتى لا يرى الاستغلال والظلم، بل وحين تلجأ إليه الفتاة لينقذها وينتشلها من براثن والدها المعرّص الذي يجبرها على العمل في الدعارة، يتوهم وجود مؤامرة تحاك ضده، وعند الاختبار يتخلى عنها ويتركها في الوحل. يتركهم جميعًا في البالوعة بعدما انتهى العام الدراسي ليعود إلى حضن أمه في الإسكندرية. هذا هو الدرس الأهم الذي نتعلمه جميعًا كشباب، مع اصطدامنا بواقع الحياة وشرّها، أن الهروب فضيلة والكذب منجاة.

 

بقلم: أحمد ناجي

 

فصل من كتاب: «أم ميمي» لبلال فضل

هي أم ميمي مع أن ميمي أصلاً ليس بميمي!

كانت شقة أم ميمي تقع في الدور الأرضي لبيت من دورين، هو أول بيت قبيح يصادفك على اليمين حين تنعطف من شارع الهرم نحو ذلك الشارع المريب، الذي لا يعلم أحد الملابسات التي أصبح فيها شارعاً، ولا من اختار أن يجعله الشارع الوحيد ربما في مصر، الذي لا يحمل اسماً محدداً، برغم أن شوارع مصر تحفل بأسماء تبدأ بشارل ديجول وباتريس لومومبا ولا تنتهي بابن زنبل الرمال وابن سندر، مروراً بشارع عبد الحميد مصطفى وشارع مصطفى عبد الحميد، فضلاً عن شوارع الأعناب والنخيل والفواكه والثمار والأشجار وسائر الكائنات، إلا أن ذلك الشارع بلغ شأناً من الضِعَة لدى الدولة المصرية ممثلة في محافظة الجيزة فاختارت له أن يحمل اسم «شارع خلف كازينو إيزيس»، بس.

وبرغم أن مدخل الشارع أوسع بقليل وأعفن بكثير من فتحة شرج وحيد القرن، فإن ممثلي أقدم دولة في العالم، لم يمنحوه توصيف «عطفة» أو «زقاق» أو «حارة»، برغم أن هناك عطفات وأزقة وحواري في أحياء القاهرة والجيزة القديمة أوسع منه بكثير، واختاروا توصيفه بأنه «شارع»، لكنهم لم يسبغوا عليه شرف حمل اسم ما، بل ربطوه بذلك الملهى الليلي الكائن بمنطقة «حسن محمد»، الذي لم أتشرف حتى الآن بمعرفة دوره الذي استوجب إطلاق اسمه على تلك المنطقة المكتظة بالسكان والواقعة بين شارعي الهرم وفيصل، تماماً مثلما لم أفهم لماذا أطلقت اللجنة المختصة بتسمية الشوارع اسم «خلف كازينو إيزيس» على الشارع الذي يقع فيه بيت أم ميمي، وهل كان ذلك انتقاماً ما قام به أحد الموظفين في حق أحد سكان الشارع.

لكن افتراض وجود انتقام لسبب أو لآخر، طرح لدي تساؤلاً عن الاسم الذي كان يحمله الشارع قبل حدوث ذلك الانتقام المفترض، بل وقبل بناء كازينو وملهى إيزيس الذي يعود تاريخ بنائه إلى الستينات. كان يستحيل طبعاً أن نتصور أن أحد مُلاك الملهى الليلي قد قام بدفع رشوة لأعضاء اللجنة ليربطوا اسم الشارع بالملهى للأبد، فالشارع ليس أمَلَة على الإطلاق، وإذا كان ينبغي دفع رشوة فغالباً ستكون لإزالة التشويه الذي يلحقه منظر الشارع بسمعة الملهى، الذي يقال إن مطرباً عملاقاً مثل محمد عبد المطلب شارك في إنشائه مع أحد أصهاره، وظل صوته يلعلع فيه حتى مات، وإذا ذكرنا أنفسنا أننا في نهاية المطاف نعيش في مصر، وعلى تخوم منطقة الطالبية التي لم تعرف المنطق منذ نهاية حكم الأسرة الفرعونية الخامسة والعشرين، وأن المسألة كلها لا تعدو أن تكون استسهالاً أو كسلاً، فلماذا لم يعترض أحد سكان الشارع عبر العقود الماضية على ذلك الاسم، أو يطلب تسمية الشارع باسم أقدم ساكنيه كما جرت العادة، إلا إذا كان هناك اتفاق جماعي بين الأجيال المتعاقبة من السكان على احتقار الشارع و«الاستعرار» منه؟

الغريب أنني حين توطدت علاقتي بسكان الشارع فيما بعد، لم ألمس لدى أحدهم ضيقاً بتلك التسمية العجيبة لشارعهم، حتى إن عم سيد البقال أحد أعيان الشارع وندوبه المميزة، فاجأني حين أثرت معه الموضوع بأن الحكومة تستحق الشكر، لأنها وفرت المجهود على سكان الشارع، حين منحته اسماً يحمل وصف موقعه، لأن ذلك يسهل مهمتهم في إرشاد القادمين إلى الشارع لسبب أو لآخر، بعكس سكان حي المعادي مثلاً، الذين يدوخ من يذهب إليهم دوخة الإبل، بسبب إطلاق أرقام على شوارعهم، وحين حاولت أن أشرح له نظريتي في احتقار الحكومة للشارع، بدليل أنها لم تكرر فعلتها مع غيره من شوارع، عاملني كأنني مخبر مزقوق عليه لأستدرجه للغلط في الحكومة، وأنهى النقاش بجفاء قائلاً: «انت باين عليك فاضي يا ابني، هو اسم الشارع هيفرق معاك في إيه، ما تسكن وانت ساكت».

بالأمانة، كنت فاضياً إلى حد ما حين شغلني ذلك الموضوع، خصوصاً أن الفترة التي انتظمت فيها في حضور محاضراتي منذ سكنت في شقة أم ميمي، كشفت لي أن الدراسة في كلية الإعلام لم تكن صعبة إلى الحد الذي تصورت، وفيما عدا معاناتي في مادة اللغة الإنجليزية، كنت قادراً على إنجاز ما هو مطلوب مني في وقت قصير، وإيجاد وقت كافٍ لما تسمح به الميزانية من التسلية، ولأن البند المخصص لذلك كان ضئيلاً إلى حد محزن، فقد حاولت شغل بعض وقتي بإشباع هوسي بحل لغز تسمية الشارع، لينتهي ذلك الهوس بفعل شخرة حادة تلقيتها عندما سولت لي نفسي أن أذهب بعد فترة إلى مبنى محافظة الجيزة في شارع الهرم ذات يومٍ دراسي خفيف المحاضرات، لأبحث بوصفي طالباً في كلية الإعلام عن مختص يساعدني على حل اللغز لكتابة الإجابة في تحقيق صحفي ستنشره جريدة الكلية عن أغرب أسماء الشوارع في القاهرة والجيزة.

كانت تلك الشخرة قد انبعثت من حلق موظف الاستعلامات الرابض على مدخل مبنى المحافظة، الذي لم أكن أعلم أن توصيفه الوظيفي يتطلب منه أن يشخر لمن ينشغل بأسئلة كهذه، وأشهد أنه أدى وظيفته بأمانة، فلم يكتف بالشخرة التي خشيت على أحباله الصوتية أن تنقطع من حدتها، بل أعقبها بحجة منطقية أفحمتني حين قال: «ما يسموه يا أخي زي ما يسموه.. هو انت هتسكن فيه ولا هتشتريه.. وبعدين هي المواضيع خِلصت يعني عشان تكتبوا عن الهيافات دي»، وقبل أن أحصل على فرصة لكي أشرح له أهمية التفاصيل الصغيرة في دنيا الصحافة، قرر التصعيد فجأة وأدار رأسه في الفراغ المحيط به صارخاً: «ما تندهوا لنا حد من الأمن في أم الليلة الخرا دي»، ولم يكن مناسباً في تلك الأيام التي كان يسودها لَبَش الإرهاب، أن أخاطر بفكرة إقناع القادمين من أفراد الأمن أنني رجل هايف، لم يفعل شيئاً سوى ممارسة حقه في معرفة سر تسمية شارعه، لكي يسكن فيه عن اقتناع.

يهمني الآن أن تعرف أن استفاضتي في الحديث عن اسم الشارع الذي يقع فيه بيت أم ميمي، ليس وراءه رغبة في تأخير تعريفك أكثر على أم ميمي نفسها، لأنني لم أكن سأفعل لو لم يكن ذلك ضرورياً لوضعك في أجواء علاقتي بأم ميمي نفسها، التي عاشت معي وماتت على يدي، دون أن أعرف اسمها الحقيقي الذي توارى خلف لقب «أم ميمي»، فكما فشلت محاولتي في العثور على تفسير لتسمية الشارع، فشلت محاولتي في العثور على تفسير لسر حمل اسم ميمي لذلك اللقب الذي لا يناديها أحد بغيره حتى ابنها وابنتها، وحين حاولت أن أسأل عن اسمها الحقيقي، لأشبع هوسي بالتفاصيل، لم يكن حظي بأفضل من حظي حين قررت أن أسأل الحكومة عن سر استنكافها عن اختيار اسم معتبر لشارع «خلف كازينو إيزيس».

لكن أم ميمي لم تشخر لي مشكورة حين سألتها، ليس لأن حلقها كان مُتعباً، بل لأنها حملت سؤالي أكثر مما يحتمل، فقابلته في البدء بصمت لم أفهمه، لكنه دفعني لتغيير الموضوع، وحين امتد صمتها إلى اليوم التالي، وظننته خصاماً سيطول، حاولتُ إنهاء صمتها متودداً، ومستغلاً ما سبق أن قالته عن استجداعها لي، فاتضح أنها ظنت حين سألتها عن اسمها، أنني سأسأل بعد ذلك عن اسم أمها، وسرحت في ظنونها أكثر، فتخيلت أنني أريد أن أعمل لها عملاً سفلياً، لكي أستعجل لها الموت وآخذ الشقة وضع يد، أو «وضع يت»، بنص ما قالته أم ميمي المبتلاة بلدغة في الدال وبانعدام كامل في الثقة في القريبين منها، فضلا عن «الغريبين» من أمثالي، وهو ما دفعني إلى تبديد مخاوفها بتمني طول العمر ودوام الصحة لها، وتذكيرها بأنني عابر سبيل لا ينتوي الإقامة الطويلة، ولكي لا أجرح مشاعرها، لم أقل لها إنني عازم على البحث عن بديل للسكن معها في إجازة نصف العام، بل قلت إنني سأنتقل في العام القادم إلى شقة يسكنها أحد أقاربي، لأنها أقرب إلى جامعة القاهرة، توفيراً للوقت وفلوس المواصلات، وأنني لم أكن أبتغي من سؤالي سوى التعرف عليها أكثر، مضيفاً بحسم: «لكن طالما ده بيقلقِك يتقطع لساني لو سألك السؤال ده تاني»، لتتأثر أم ميمي بما لمسته من صدق كلامي، وتعود المياه بيننا لمجاريها، بأسرع ما تضرب مجاري الشقة كلما أطال أحد في الاستحمام.

أعلم أنني لم أحدثك بعد عن ميمي نفسه، مع أنه كان موجوداً في الصورة منذ سكنت في الشقة، لكن دعني أستبق الحديث بالتفصيل عنه، بالإشارة السريعة إلى موقفه، حين حاولت استغلال الروقان الذي جمعنا يوماً ما، لأعرف منه اسم أمه الحقيقي، لكنني فوجئت أن سؤالي البريء أطار الروقان وكهرَبَ الجو، وجعله يرمقني بنظرة غامضة، ظننتها زغرة زاجرة، فبدأت أتهيأ للقول إن العشم وحده هو الذي دفعني للسؤال من باب تزجية الفراغ، لأفاجأ أن غموض نظرته لم يكن خداع نظر، بل كان مستنداً إلى حيرته التي لا أدري هل كانت حقيقية أم مؤقتة ونابعة عن سكره البين أم سوقاً للهبل على الشيطنة؟ وإلا لما قال لي ملوحاً بزجاجة «راس العبد» مشروبه الروحي المفضل بسبب رخصه وقوة تأثيره: «طب تصدق والنعمة دي على عيني وعافيتي مش فاكر دلوقتي، أصل أنا وعيت ع الدنيا لقيت كل اللي حواليا بيقولوا لها يا ام ميمي، ده حتى قرايبي اللي في الضاهر باينهم مايعرفوش اسمها أصلاً.. كل مايشتموني يقولوا لي يا ابن الوسخة وساعات حرام عشان الكدب خيبة.. بيقولوا لي يا ابن اللبوة.. إنت عارف إن أنا أصلاً ما عرفتش غير لما جيت أخش المدرسة إن أنا اسمي أصلاً مش ميمي». ولأن صمته طال بعد ما قاله، ولأنني لم يدخل دماغي حكاية أنه لا يعرف اسم أمه، وأدركت أنها ربما كانت تحمل اسماً يستعر المرء منه، لذلك قررت أن أشبع فضولي بالحصول على إجابة للسؤال الجديد الذي بات مطروحاً: «أمال انت إسمك إيه أصلا يا ميمي»، ومع أنني افترضت أن لعبي لدور نديم الراح ليلتها سيمنحني إجابة فورية للسؤال، فإنه كبسني عندما قال بجفاء طارئ يشي بسرٍ ما: «أحه يعني وهيفرق معاك اسمي بإيه.. إذا كان مافرقش معايا أنا أساساً».

ربما لأنني لم أكن شغوفاً بمعرفة اسم ميمي الحقيقي، لأنه بالفعل لن يفرق معي ولا معه، فقد كان اسمه الحقيقي أول لغز يتم حله دون أن أسعى إلى ذلك، فقد باحت لي به أمه ذات «ضُهرية» جمعة ونحن نحتسي الشاي بعد أن أخذنا على بعض وأصبح بيننا كلام وحواديت. كانت رغبة الحكي تتملكها يومها بشدة لم أمانعها بسبب شعوري بالملل الذي تبدد على الفور وانقلب إلى ضحك عاصف، حين قالت لي إن اسم ميمي الحقيقي هو عزت، وهو اسم لم أكن لأتوقعه بأي حال من الأحوال، ليس فقط لأنني لم أعرف وقتها أي عزت في الكون، سوى عزت العلايلي الممثل، بل لأن ميمي نفسه لم يكن يبدو قط كعزت، وهو ما كان في الأصل سبباً لحمله اسم عزت.

تقول أمه في تفسير ذلك إنها عندما أنجبت ميمي كان «حلو حلاوة بنت وسخة.. أحلى حتى من أخته فاتن الكَرتة اللي طلعت شبه العرص أبوها.. والخيبة إننا سميناها فاتن.. قال يعني اسمها هيغطي على خِلقتها العِكرة.. هنعمل إيه بقى.. الدنيا حظوظ.. انت عارف إن الوله ميمي كان أحلى من كل بنات باب الشعرية والضاهر.. كان طالع لي الخالق الناطق وأنا عيلة.. انت ما شفتنيش أصلك من بتاع أربعين سنة.. كنت ولا هند رستم في عزها.. بس لاجل الحق بزازي كانت صغيرة مش زيها.. بس مش لدرجة بزاز لَموني.. يعني أكبر شويتين.. وياما وِلعت خناقات بين رجالة باب الشعرية ورجالة الضاهر من تحت راسي.. تلاقيك دلوقتي عمال تقول الولية دي بتشتغلني.. عاذراك.. أصل العيا ابن وسخة وبيهد.. بكره أمك تعيا وتعرف.. ولا بلاش عشان أمك بنت حلال.. حسب كلامك يعني أنا ما عاشرتهاش.. المهم يا سيدي لما ولِدت الواد ميمي.. كنت فرحانة أوي بيه.. قلت إيه.. هاسميه ميمي.. على اسم واد يهودي كنت دايماً ألعب معاه واحنا صغيرين.. كنت كلام في سرك بالعب معاه عريس وعروسة.. قبل ما يسيب هو وأهله الحتة والبلد كلها.. الله أعلم فين أراضيه دلوقتي.. المهم لما قلت هاكتبه في الشهادة كمال بس هنقوله يا ميمي.. قامت أمي الله يحرقها.. ما كنتش أطيقها على فكرة.. عشان كانت ست مفترية وجِلدة ولسانها زِفِر.. قالت لي وماله ياختي سميه كمال ودلعيه ميمي.. عشان عيال الحتة تبعبصه وتنط عليه وتكسر عينه.. وابقي شُخي على قبري لو ده ما حصلش.. وبصراحة لقيت عندها حق.. فقلت أسميه عزت.. أهو اسم أنشف شوية.. بس فضلت برضه طول عمري أقوله يا ميمي، والاسم لزق فيه».

وبرغم أن علاقة ميمي بأمه، كانت تمر وقت سماعي للحكاية بمنحنى هبوط حرج، فإن قلب الأم دفعها لأن تقطع استرسالها في الحكي، لتقسم بالأيمان المغلظة أن ما حذرت منه الجدة لم يحدث قط، لأن الحارة شهدت ميلاد أطفال أحلى منه بكثير، فحملوا عن عزت الشهير بميمي ذلك العبء الذي حذرت منه الجدة، وأزالوا عن أمه عبء ذهابها إلى قبر أمها للتبول عليه.

بالمناسبة كان «العيا» الذي تلقي عليه أم ميمي بلائمة تحويلها من قمر ليموني البِزاز، إلى كتلة مِبعجَرة من الدهون والآلام، هو مرض الربو اللعين الذي كنت أظن قبل سكني مع أم ميمي أنه انقرض من مصر مع انقراض مرض السل وسائر الأمراض الصدرية التي كانت تصاب بها بطلات روايات مصطفى لطفي المنفلوطي. كانت المرة الأولى التي عرفت فيها بأن أم ميمي مصابة بذلك المرض، بعد أن تسلمت منها الغرفة، ومع أول كوباية شاي جمعتنا، أخذت تملي تعليماتها التي انحصرت في: «ما تجيبش شراميط في الشقة وأنا هنا.. عندك يوم الخميس اللي بانزل فيه الضاهر أزور أهلي.. لو عرفت تسرب واحدة.. سربها ماشي بس خُد بالك ميمي لو قفشكو هيقاسمك فيها.. تاني هام إوعى تاكل لحمة أو زفر من غير ما تعزم علي.. أنا سمعي تقيل شوية بس مناخيري بتلقط طبيخ الشارع اللي ورانا فهامرمطك لو طلعت بخيل.. ما فيش أوسخ من المعرصين إلا البُخلا.. تالت هام إوعى يوزك عقلك بالليل وأنا نايمة تقرب لي وتوسخ.. عشان تبقى فاهم أنا عيانة وعندي الربو.. يعني لو كحيت في وشك هتتعدي ويطلع عين أمك.. ده طبعاً غير إنك مش هتسلم من إيديا اللي مش هتسيبك إلا لما تقطع لك بتاعك».

ولأنني لم أكن راغباً في وضع أي حواجز نفسية بيني وبينها منذ البداية، لم أرد أن أُسَفه من اعتقادها بأنها يمكن أن تكون مطمعاً للراغبين، فلم أقل لها مثلاً: «أنا اللي هاسبقك وأقطع بتاعي بإيدي لو فكر يقرب لك»، بل رسمت على وجهي ملامح الخشية من تحذيرها، وقلت لها بصوت متهدج: «بصي يا ست الكل أنا واد غلبان وبتاع ربنا وماليش في المسخرة وقلة الأدب.. غير إن أصلاً ظروفي مش ولا بد.. ومش لاقي أصلاً اللي أجيب بيه زَفَر عشان أجيب نسوان.. فاطمني خالص بالنسبة لموضوع النسوان والبخل.. أما موضوع إني أقرب لك يعني لو الشيطان غَوَاني فدي حاجة ربنا يعين عليها بس انتي برضه لو سمحتي اقعدي حشمة بره أودتك عشان الشيطان شاطر»، ولم يكن غريباً أن تؤتي إجابتي أُكُلها فوراً، لأرى كيف تورد وجهها خجلاً، قبل أن تعدني بجدية أنها ستحرص على ذلك، لكي نتعاون أنا وهي في إخزاء الشيطان الذي كانت واثقة أنه سيكون رابعنا في حالة وجود ميمي ابنها في الشقة وثالثنا في حالة غيابه.

لكن، دعك الآن من تصور أم ميمي أنني ربما أكون راغباً في دعكها أو التحرش بها، والذي عرفت فيما بعد أنه لم يكن تصوراً مغموساً في البارانويا، بل كان له ما يبرره في تاريخها الحافل، ودعني أحدثك قليلاً عن ميمي الذي لم تكن أمه مبالغة حين وصفته بالوسامة، فقد كان أشقر الملامح سايح الشعر محمر الخدود بهي الطلعة، لكنه كان أوسخ من عرفت، على كثرة من عرفت من أوساخ.

المصدر: منشورات تكوين.

مراجعات (0)

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.

كن أول من يقيم “أم ميمي” إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الشحن والتوصيل
wd-ship-1
wd-ship-2

محتوى كتابى للشحن

تفاصيل الشحن

محتوى الشحن

  • تفاصيل إضافية عن الشحن
  • محتوى كتابى للشحن

    تفاصيل الشحن

    محتوى الشحن

    • تفاصيل إضافية عن الشحن
التصنيف: الأدب العربي
Share:

منتجات ذات صلة

عرض سريع
إضافة إلى السلة

أرض الله

الإبداع الفكري
100.00 جنيه
عرض سريع
إضافة إلى السلة

اسمه أحمد

المعرفة, المؤسسة العربية للدراسات والنشر
500.00 جنيه
غير متوفر
عرض سريع
قراءة المزيد

الحب في الجامعة

البستان
50.00 جنيه
غير متوفر
عرض سريع
قراءة المزيد

الكلاب لا تأكل الشيكولاتة

أطلس, زاوية المرج
50.00 جنيه
غير متوفر
عرض سريع
قراءة المزيد

بين الأطلال

مكتبة مصر
50.00 جنيه
عرض سريع
إضافة إلى السلة

تسعة عشر

عصير الكتب, زاوية العجمي, زاوية المرج
50.00 جنيه
عرض سريع
إضافة إلى السلة

ذائقة الموت

المعرفة, زاوية العجمي, زاوية المرج
50.00 جنيه
عرض سريع
إضافة إلى السلة

يسمعون حسيسها

المؤسسة العربية للدراسات والنشر
50.00 جنيه

مكتبة القاهرة

اخر المقالات
  • قائمة بورخيس للمكتبة الخاصة
    يونيو 12, 2025 لا يوجد تعليقات
  • أعظم الأدباء في تاريخ الأدب البيروفي
    يونيو 11, 2025 لا يوجد تعليقات
قصتنا
  • من نحن
  • تواصل معنا
  • الأسئلة الشائعة
  • سياسة الخصوصية
  • سياسة الإسترجاع
  • تبرع بأوراقك أو كتبك
روابط تهمك
  • فيس بوك
  • تويتر
  • يوتيوب
  • تيك توك
  • لينكد إن
  • روابط تهمك
الأقسام
  • طلب كتاب نادر 1
  • طلب كتاب نادر 2
  • وصل حديثا
  • DollarBook
  • ربائد: الأرشيف
جميع الحقوق محفوظة لـ مكتبة القاهرة © 2025
  • القائمة
  • الأقسام
  • طلب كتاب نادر 1
  • طلب كتاب نادر 2
  • وصل حديثا
  • DollarBook
  • ربائد: الأرشيف
  • الرئيسية
  • المكتبة
  • المدونة
  • من نحن
  • تواصل معنا
  • الدخول / حساب جديد
سلة المشتريات
إغلاق
تسجيل الدخول
إغلاق

استرجاع كلمة المرور؟

ليس لديك حساب ؟

إنشاء حساب جديد
غلاف رواية: (أم ميمي - بلال فضل)

أم ميمي

600.00 جنيه
اكتب اسم الكتاب اللى بتدور عليه هنا.
Shop
1 item Cart
الحساب