القائمة
Search
0 items 0.00 جنيه
الرئيسية الفلسفة الفلسفة الشرقية مقدمة قصيرة جدا: الهندوسية
مقدمة قصيرة جدا: البوذية 750.00 جنيه
العودة للمنتجات
مقدمة قصيرة جدا: السحر 999.00 جنيه
كلمات

مقدمة قصيرة جدا: الهندوسية

899.00 جنيه

يعتنقُ الهندوسيةَ نحو ثمانين في المائة من سكان الهند، ونحو ثلاثين مليون شخص خارجها. وفي هذا الكتاب من سلسلة «مقدِّمة قصيرة جدًّا»، تقدِّم كيم نوت لمحةً موجزةً وموثوقًا فيها عن الهندوسية، مع تحليلٍ للتحديات المعاصرة التي تواجهها مع انتشارها خارج الهند. يتناول الكتابُ جوانب الهندوسية كافة؛ نصوصها المقدسة، ومعتقداتها، وتعاليمها، وممارساتها في الماضي والحاضر. ويناقش قضاياها الأساسيةَ أيضًا، ومنها: أهميةُ الفيدا كنصوصٍ دينيةٍ، ودورُ البَرْهَميين — طائفة الكَهَنة — والمُعلِّمين الروحانيين ورواةِ القصصِ في نقل تُراثِ وتعاليمِ الهندوسية من جيلٍ إلى جيل. ويتناول الكتابُ أيضًا موضوعاتٍ مثل: مكانة المرأة والتحيُّز الطائفي في المجتمع الهندوسي.

إسم الكاتب

كيم نوت

دار النشر

كلمات

الكود المختصر :
				
					https://cairobook.com/?p=28421
				
			
تبديل الكتاب
هل تود هذا الكتاب مقابل كتاب أخر ؟

طلب تبديل الكتاب

الكتاب المطلوب :مقدمة قصيرة جدا: الهندوسية
بلّغ عن كتاب
هل تعتقد ان هناك مشكلة

قم بالإبلاغ عن هذا الكتاب

اسم الكتاب : مقدمة قصيرة جدا: الهندوسية
الملكية الفكرية محفوظة لمؤلف الكتاب المذكور فى حالة وجود مشكلة بالكتاب الرجاء الإبلاغ من خلال أحد الروابط التالية:
  • الوصف
  • مراجعات (0)
  • الشحن والتوصيل
الوصف

خُلاصة كتاب: الهندوسية (مُقدِّمة قصيرة جدًّا)

فهرس الموضوعات

الفَصْلُ الأوَّلُ: البَاحِثُ وَالمُتَعَبِّدُ.

(1) النَّظَرُ لِلْهِنْدُوسِيَّةِ مِنْ زَاوِيَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ.

(2) البَحْثُ عَنْ الأَصُولِ.

(3) فَهُم النُّصُوصُ الهِنْدُوسِيَّةُ المُقَدَّسَةُ.

(4) الجَدَلُ حَوْلَ المَمَارَسَاتِ الهِنْدُوسِيَّةِ.

الفَصْلُ الثَّانِيُ: الوَحْيُ وَنَقْلُ المَعْرِفَةُ.

(1) رُوَاةُ القِصَّةِ وَالقِيَادَةُ الشَّانْكَارِيُّون: نَقْلُ التَّعَالِيمِ الهِنْدُوسِيَّةِ إِلَى الأَجْيَالِ القَادِمَةِ.

(2) شرُوتِي وَسَمَرِيّتي: الوَحْيُ وَنَقْلُ المعرفة.

النُّصُوصُ الهِنْدُوسِيَّةُ المُقَدَّسَةُ الأَسَاسِيَّةُ.

(3) الْبَرَاهْمِيُّونَ وَنَقْلُ الْمَعْرِفَةِ الطُّقُوسِيَّة.

الفئات الاجتماعية الهندوسية.

فَارْنَا – أَشْرَامَا – دَارْمَا

(4) المُعَلِّمُ الرُّوحَانِيُّ وَنَقْلُ الْمَعْرِفَةِ الرُّوحَانِيَّة.

النظام الطائفي الهندي (جَاتِي)

الفصل الثالث: فَهْمُ الذَّات.

نظام فيدانتا الفلسفي ومُعتنقوه.

(1) شَانكارا

(2) رامانوجا

(3) مادهافا

(4) الكارما واليوغا والذات.

الفصل الرابع: الأبطال المُقدَّسون: التَّقلِيد المَلْحَمِيّ.

  1. نبذة مختصرة عن ملحمة “رامايانا”.
  2. الدارما وملحمة “رامايانا”.
  3. سيتا وديتي واﻹلهات.
  4. نبذة مختصرة عن “ديفي ماهاتما”.
  5. الأم، وراما، والأمة الهندوسية.

الفصل السادس: الوُجُود الإلهي.

  1. أوثان أم رموز؟.
  2. التعددية والتوحيد.
  3. الاستجابات للوجود الإلهي.

الأوقات المُقدَّسة والأعياد الهندوسية.

مادوراي، مدينة المعبد.

الجمعية الدولية للوعي بكريشنا

الفصل السادس: الهندوسية والاستعارة والحداثة.

  1. الاكتشاف الأوروبي للهندوسية.

المسيحية والهندوسية الحديثة.

(3) الهِنْدُوسِيَّةُ فِي مَوْقِفِ الهُجُوم.

(4) مِنَ الهِنْدِ إِلَى الْغَرْبِ وَالْعَوْدَةُ مَرَّةً أُخْرَى.

أَثَرُ الْبِيتَزَا

الفصل السابع: تحدِّيَّات تُواجهها الهندوسية: النِّساء والمنبوذون.

(1) الطائفة الاجتماعية والنوع: من يكون الهندوسي؟

(٢) الْحَرَكَةُ النِّسَائِيَّةُ.

(٣) البَنَاتُ وَالْمَهْرُ وَتَحْدِيدُ الْجِنْسِ.

(٤) اﻟﻨَّبْذُ الاِجْتِمَاعِيُّ وَنَشْأَةُ هُوِيَّةِ الدَّالِيت.

(٥) اﻟْدِّيْنُ وَالاِحْتِجَاجُ.

الفَصْلُ الثَّامِنُ: عَبُورُ الْمِيَاهِ السَّوْدَاء: الْهِنْدُوسِيَّةُ خَارِجَ الْهِنْدِ.

الفصل التاسع: الدارما والهندوسية وصور الهندوسية المُتعدِّدة.

(1) تَعْرِيفُ الهِنْدُوسِيَّة.

(2) البقرة والهندوسية.

مَلْحَقُ الأَنْظِمَةِ الفَلْسَفِيَّةِ السَّتَّة (دارْشَانَا)

الخَطُّ الزَّمَنِيُّ للهِنْدُوسِيَّة.

مَسْرَدُ الْمُصْطَلَحَات.

قِراءات إضَافِيَة.

مَراجِع.

مُقَدِّمَةٌ

تَنْتَشِرُ آلِهَةُ الهِنْدُوس، سَوَاءٌ الذُّكُورُ مِنْهَا وَالإِنَاثُ، فِي كُلِّ مَكَانٍ بِالهِنْدِ. إِنَّهَا مَنْسُوجَةٌ فِي نَسِيجِ الحَيَاةِ فِي القُرَى وَالمُدُنِ الهِنْدِيَّةِ. لَكِنَّ الهِنْدُوسِيَّةَ تَتَجَاوَزُ نِطَاقَ الثَّقَافَةِ لِتَصِلَ إِلَى نِطَاقَاتٍ أُخْرَى، مِثْلَ التَّرْكِيبِ الاِجْتِمَاعِيِّ وَالحَيَاةِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ لِلْهِنْدُوسِ، وَالقَضَايَا الأَخْلاقِيَّةِ، وَالقَضَايَا السِّيَاسِيَّةِ المُتَعَلِّقَةِ بِالمُسَاوَاةِ وَالنَّزْعَةِ القَوْمِيَّةِ.

بَحَثَ الفَلاسِفَةُ فِي طَبِيعَةِ الذَّاتِ وَعَلاَقَتِهَا بِالإِلَهِ وَالعَالَمِ، وَهَلْ تَبْقَى بَعْدَ المَمَاتِ أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ تُؤَثِّرُ أَفْعَالُنَا فِيهَا؟ وَلاَ تَزَالُ هَذِهِ القَضَايَا مَطْرُوحَةً اليَوْمَ.

وَسَنَتَطَرَّقُ أَيْضًا إِلَى كَيْفِيَّةِ فَهْمِ الهِنْدُوسِ لِمَا هُوَ إِلَهِيٌّ؛ هَلْ يَعْبُدُونَ عِدَّةَ آلِهَةٍ فِي آنٍ وَاحِدٍ، أَمْ إِنَّ كُلَّ هَذِهِ الآلِهَةِ هِيَ صُوَرٌ مُخْتَلِفَةٌ لِذَاتٍ إِلَهِيَّةٍ وَاحِدَةٍ؟ هَلْ مِنَ الوَارِدِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ قَدْرٌ مِنَ الحَقِيقَةِ فِي هَاتَيْنِ الفِكْرَتَيْنِ؟

عِندَمَا اَحْتَكَّ الأُورُوبِيُّونَ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ بِالأَفْكَارِ الهِنْدُوسِيَّةِ بِشَأْنِ مَا هُوَ إِلَهِيٌّ، وَبِالطُّقُوسِ وَالحَيَاةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ الهِنْدُوسِيَّةِ، أَصَابَهُمُ الذَّهُولُ وَوَقَعُوا فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، لَقَد رَأَوْا كُلَّ شَيْءٍ مِنْ خَلَالِ مَنْظُورِهِمُ الدِّينيِّ وَالثَّقَافِيِّ، وَقَارَنُوا ذَلِكَ بِخِبْرَاتِهِمْ، وَكَثِيرًا مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَى استِنْتَاجَاتٍ سَلْبِيَّةٍ.

بَعْضُ جَوَانِبِ الهِنْدُوسِيَّةِ قَد دُرِّسَتْ لِلْمُهْتَمِّينَ مِنْ غَيْرِ الهِنْدُوسِ؛ الأَمْرُ الَّذِي يُثِيرُ السُّؤَالَ إِن كَانَتِ الهِنْدُوسِيَّةُ دِينًا مَقْصُورًا عَلَى مَنْ وُلِدُوا فِي عَائِلَاتٍ هِنْدِيَّةٍ وَطَوَائِفَ هِنْدُوسِيَّةٍ، أَمْ إِنَّهَا الآَنَ أَصْبَحَتْ دِينًا تبشيريا.

أَهِيَ دِينٌ وَاحِدٌ أَمْ عِدَّةُ أَدْيَانٍ مُخْتَلِفَةٍ يُحَدِّدُ كُلٌّ مِنْهَا إِقْلِيمًا أَوْ طَائِفَةً أَوْ فَرِيقَةً؟

الفَصْلُ الأوَّلُ: البَاحِثُ وَالمُتَعَبِّدُ

إذا ذَهَبْتَ إِلَى مَكْتَبَةٍ عَامَّةٍ أَوْ مَتْجَرٍ لِبَيْعِ الكُتُبِ بِنِيَّةِ العَثُورِ عَلَى كِتَابٍ حَوْلَ الهِنْدُوسِيَّةِ، فَإِلَى أَيِّ قِسْمٍ سَتَتَّجِه؟ هَل إِلَى قِسْمِ “عِلْمِ الاِجْتِمَاعِ” مِنْ أَجْلِ الكُتُبِ الَّتِي تَتَنَاوَلُ النِّظَامَ الاِجْتِمَاعِيَّ لِلْهِنْدُوسِ؟ أَمْ إِلَى قِسْمِ “الفَنِّ وَالعِمَارَةِ” حَتَّى تَتَعَرَّفَ عَلَى المَعَابِدِ وَالنُّقُوشِ وَاللُّوحَاتِ المَدْهَشَةِ الَّتِي تَجَسِّدُ المِيثُولُوجِيَا الهِنْدُوسِيَّةَ؟ أَمْ إِلَى قِسْمِ “اللُّغَاتِ” حَيْثُ الكُتُبُ الَّتِي تَتَحَدَّثُ عَنْ اللُّغَةِ السَّنْسْكِرِيتِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ اللُّغَاتِ الهِنْدِيَّةِ؟ أَمْ إِلَى قِسْمِ “الأَنْثَرُوبُولُوجِيَا” حَيْثُ المَعْلُومَاتُ عَنْ الهِنْدِ الرِّيَفِيَّةِ وَمُجْتَمَعِهَا وَثَقَافَتِهَا؟ مَعَ أَنَّكَ سَوْفَ تَجِدُ فِي الأَغْلَبِ مَصَادِرَ قَيِّمَةً فِي هَذِهِ الأَقْسَامِ، فَإِنَّكَ قَد تَتَّجِهُ إِلَى قِسْمِ “الأَدْيَانِ”؛ لِأَنَّ الهِنْدُوسِيَّةَ فِي الدُّولِ الْغَرْبِيَّةِ تُعْتَبَرُ دِينًا مِثْلَ اليَهُودِيَّةِ وَالمَسِيحِيَّةِ وَالإِسْلَامِ وَالبُوذِيَّةِ.

هَل الهِنْدُوسِيَّةُ دِينٌ كَبَاقِي الأَدْيَانِ؟ وَمَا السِّمَاتُ الرَّئِيسِيَّةُ الَّتِي تُمَيِّزُهَا؟

الهِنْدُوسِيَّةُ، الَّتِي هِيَ دِينُ الهِنْدُوسِ.

هَل الهِنْدُوسِيَّةُ دِينٌ يُمْكِنُ أَنْ يَعْتَنِقَهُ أَيُّ شَخْصٍ؟ أَمْ إِنَّهَا مَقْصُورَةٌ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي عَائِلَاتٍ هِنْدِيَّةٍ؟

يُشِيرُ لَفْظُ “الهِنْدُوسِيَّة” إِلَى نِظَامٍ مَوْحَدٍ، يَقُولُ آخَرُونَ إِنَّ الهِنْدُوسِيَّةَ لَهَا صُورٌ مُتَعَدِّدَةٌ، فَهَل يُمْكِنُنَا الْبَتَّ فِي صِحَّةِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَتَقْدِيمُ تَعْرِيفٍ جَامِعٍ مَانِعٍ لِلْهِنْدُوسِيَّةِ؟

(1) النَّظَرُ لِلْهِنْدُوسِيَّةِ مِنْ زَاوِيَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ

كَيْفَ يَدْرُسُ النَّاسُ الهِنْدُوسِيَّةَ، وَسُؤَالِي هُوَ: “هَل مَنْ يَعْتَنِقُونَ الهِنْدُوسِيَّةَ يَرَوْنَهَا بِالطَّرِيقَةِ نَفْسِهَا الَّتِي يَرَاهَا بِهَا الْبَاحِثُونَ فِيهَا؟”

مِنَ المُفِيدِ أَنْ تَفْهَمَ أَوْجُهَ الاِخْتِلَافِ بَيْنَ مَا يَكْتُبُهُ الْبَاحِثُونَ وَالْمُتَعَبِّدُونَ. فَعَادَةً مَا يَخْتَلِفُ الْمَقْصِدُ مِنْ وَرَاءِ الْكِتَابَةِ لَدَى الْمَجْمُوعَتَيْنِ، وَيَخْتَلِفُ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ أَيْضًا.

فَلَيْسَ الْغَرَضُ مِنْهَا تَزْكِيَةَ مُمَارَسَاتٍ أَوْ أَفْكَارٍ هِنْدُوسِيَّةٍ، وَلا تَقْدِيمُ وَجْهَةِ نَظَرٍ هِنْدُوسِيَّةٍ مُحَدَّدَةٍ، بَل تَعْرِيفُ الْقُرَّاءِ الْمُهْتَمِّينَ — هِنْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ — بِبَعْضِ السِّمَاتِ الأَسَاسِيَّةِ لِلْهِنْدُوسِيَّةِ.

وَإِلَى أَيِّ مَدًى تُؤَثِّرُ قَنَاعَاتُ الشَّخْصِ الدِّينِيَّةُ عَلَى مَا يَكْتُبُهُ عَنْ دِينٍ مَا؟

قَرَّرْتُ أَنْ أَتَطَرَّقَ لِلْأَشْكَالِ وَالصُّورِ المَعَارَفِ لِلْهِنْدُوسِيَّةِ أَكْثَرَ مِنَ التَّطَرُّقِ إِلَى تَارِيخِ الهِنْدُوسِيَّةِ وَمَعْتَقَدَاتِهَا وَمُمَارَسَاتِهَا الأوَّلَى.

الأَثَرُ الَّذِي تَرَكَتْهُ بَرِيطَانِيَا عَلَى الهِنْدُوسِيَّةِ المُعَاصِرَة.

(2) البَحْثُ عَنْ الأَصُولِ

يَصِفُ الْكَثِيرُونَ الهِنْدُوسِيَّةَ بِأَنَّهَا “سَانَاتَانَا دَارْمَا”؛ أَي التَّقْلِيدُ أَوِ الدِّينُ الْخَالِدُ. وَهَذَا يُشِيرُ إِلَى الفِكْرَةِ الْقَائِلَةِ إِنَّ أَصُولَ الهِنْدُوسِيَّةِ تَتَجَاوَزُ بَدَايَةَ التَّارِيخِ الْبَشَرِيِّ، وَحَقَائِقَهَا قَد أُوحِيَتْ مِن قَبْلِ الآلِهَةِ (شروتي) ثُمَّ انْتَقَلَتْ عَبْرَ الْعُصُورِ إِلَى وَقْتِنَا الْحَالِيِ فِي أَقْدَمِ النُّصُوصِ الْمُقَدَّسَةِ فِي الْعَالَمِ وَهُوَ “فِيدَا”.

الهِنْدُوسِيَّةُ هِيَ الدِّينُ الْحَقُّ لِلْهِنْدِ؛ أَنَّ الحَقِيقَةَ الإِلَهِيَّةَ قَد نَزَلَتْ عَلَى الآرْيِين الَّذِينَ يُعْتَبَرُونَ وَهُمْ الْجِنْسُ النَّبِيلُ الْمُسْتَنِيرُ الَّذِي عَاشَ فِي الهِنْدِ مُنْذُ آلَافِ السِّنِينَ. تَحَدَّثَ الآرْيُونَ بِلُغَةٍ سَامِيَّةٍ هِيَ السَّنْسْكْرِيتِيَّةُ الَّتِي كُتِبَتْ بِهَا نُصُوصُ فِيدَا الْمُقَدَّسَةُ، وَأَقَامُوا حَضَارَةً هِنْدُوسِيَّةً عَظِيمَةً لَا تَزَالُ طُقُوسُهَا وَأَدَبُهَا وَقَانُونُهَا تُشَكِّلُ مَعًا ثَقَافَةَ الهِنْدُوسِ المُشْتَرَكَةَ الْيَوْمَ وَتُرَاثًا قَوْمِيًّا حَقِيقِيًّا لِلْهِنْدِ.

غَيْرَ أَنَّ الْعَدِيدَ مِنَ الْهِنْدُوس — بَلْ وَالْبُوذِيِّينَ وَالْجَايِنِيِّينَ وَالسِّيخِ أَنْفُسِهِمْ — لَا يَتَّفِقُونَ مَعَ هَذَا الرَّأْي؛ فَهُمْ يُعَارِضُونَ فِكْرَةَ أَنَّ أَصُولَ الْهِنْدُوسِيَّةِ كَانَتْ آرِيَّةً جَمْلَةً وَتَفْصِيلًا، بَلْ يُؤْمِنُونَ أَنَّ بَعْضَ الْآلِهَةِ الْكُبْرَى وَالتَّطَوُّرَاتِ الدِّينِيَّةِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي نَرْبُطُهَا الْيَوْمَ بِالْهِنْدُوسِيَّةِ مَصْدَرُهَا الشُّعُوبُ الأَصْلِيَّةُ الَّتِي عَاشَتْ فِي الْهِنْدِ قَبْلَ الْآرِيِّينَ.

وَقَد وَافَقَ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ أَيْضًا الْبَاحِثُونَ الْغَرْبِيُّونَ الَّذِينَ أَرْجَعُوا هِجْرَةَ الْآرِيِّينَ إِلَى نَحْوِ عَامِ ١٥٠٠ قَبْلَ الْمِيلاَدِ، وَ “رِيجِ فِيدَا” — أَقْدَمُ النُّصُوصِ الْمُقَدَّسَةِ الْمَعْرُوفَةِ لَدَى الْآرِيِّينَ — إِلَى نَحْوِ عَامِ ١٢٠٠ قَبْلَ الْمِيلاَدِ.

بَاخْتِصَارٍ، لَا يُوجَدُ مَنْظُورٌ تَعَبُّدِيٌّ وَاحِدٌ؛ وَبِالْمِثْلِ أَيْضًا، لِلْبَاحِثِينَ رُؤًى مُخْتَلِفَةٌ. لَا يُقَدِّمُ الدَّلِيلُ الْمَادِّيُ — سَوَاءً مِنَ الْبَقَايَا الأَثَرِيَّةِ أَمِ النُّصُوصِ الْمَبْكَرَةِ — صُورَةً وَاضِحَةً، وَيَظَلُّ الْعَدِيدُ مِنَ الْأَسْئِلَةِ بِلَا جَوَابٍ لِلْمُتَعَبِّدِينَ وَالْبَاحِثِينَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ.

فِي مَطْلَعِ الْقَرْنِ الْحَالِيِ عَلَى سَبِيلِ الْمَثَالِ، كَشَفَ عُلَمَاءُ آثَارَ بَرِيطَانِيُّونَ وَهِنُودٌ عَنْ بَقَايَا الْعَدِيدِ مِنَ الْمُدُنِ الْقَدِيمَةِ فِي مَا كَانَ يُعَرَفُ وَقْتَهَا بِشَمَالِ الْهِنْدِ (بَاكِسْتَانِ حَالِيًّا) الَّتِي يَرْجِعُ تَارِيخُهَا إِلَى مَا بَيْنَ عَامَيْ ٢٥٠٠ وَ١٨٠٠ قَبْلَ الْمِيلاَدِ؛ أَي قَبْلَ الْفَتْرَةِ الَّتِي اعْتُقِدَ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ الْآرِيِّينَ دَخَلُوا فِيهَا شَمَالَ غَرْبِ الْهِنْدِ.

لَا نَحْتَاجُ سُوَى النَّظَرِ إِلَى الْأَعْمَالِ الْبَحْثِيَّةِ الْأُولَى الَّتِي قَامَ بِهَا الْغَرْبِيُّونَ فِي الْهِنْدِ حَتَّى نَرَى كَيْفَ أَثَّرَتِ الاِهْتِمَامَاتُ الْأَيْدِيُولُوجِيَّةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي عَمَلِهِمْ.

مُعْظَمُ الْبَاحِثِينَ فِي الْقَرْنِ الثَّامِنِ عَشَرَ وَأَوَائِلُ الْقَرْنِ التَّاسِعِ عَشَرَ (الَّذِينَ نُشِرَ إِلَيْهِمْ عَادَةً بِاسْمِ “المُسْتَشرِقِينَ”) الَّذِينَ أَخَذُوا عَلَى عَاتِقِهِمْ تَرْجَمَةَ النُّصُوصِ السَّنْسْكِرِيتِيَّةِ وَإِحْيَاءَ المَاضِي الآرِي كَانُوا أَيْضًا مَسْؤُولِينَ سِيَاسِيًّا بَرِيطَانِيًّا، وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ، فَقَدِ احْتَاجُوا إِلَى الْوُصُولِ لِفَهْمٍ جَيِّدٍ لِلتَّقَالِيدِ وَالثَّقَافَةِ الهِنْدُوسِيَّةِ كَي يُسَاعِدُوا فِي تَأْسِيسِ الْحُكْمِ الاِسْتِعْمَارِيِّ الْبَرِيطَانِيِّ فِي الْهِنْدِ.

وَقَد رَاقَ الرَّأْيُ الرُّومَانِيُّ الَّذِي تَوَصَّلَ إِلَيْهِ الْبَعْضُ فِي أُورُوبَا وَالْهِنْدِ؛ لأَنَّهُ افْتَرَضَ وُجُودَ انْحِدَارٍ مُشْتَرَكٍ مِنْ أَصُولٍ (آرِيَّةٍ) نَبِيلَةٍ، وَلأَنَّ هَذَا الرَّأْيَ — الْقَائِلُ بِرُقِيِّ الْجِنْسِ الآرِيِّ وَعِظَمِ الْحَضَارَةِ الآرِيَّةِ — لَهُ جُذُورٌ فِي الدِّرَاسَاتِ الْغَرْبِيَّةِ الْمَبْكَرَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَصْبَحَ الرَّأْيُ الشَّائِعَ لَاحِقًا بَيْنَ الْقَوْمِيِّينَ الْهِنْدُوس.

وَمَا كَانَتْ فِي الأَسَاسِ رُؤًى بَحْثِيَّةً اسْتِعْمَارِيَّةً أَصْبَحَتِ الْآنَ مُعْتَنَقَةً لَدَى هَذِهِ الْمَجْمُوعَةِ وَغَيْرِهَا مَمَّنْ تَتَّفِقُ آراءُهُمْ السِّيَاسِيَّةُ وَالدِّينِيَّةُ مَعَهَا.

فَهُمْ الْمُتَعَبِّدُونَ لِلتَّارِيخِ الْمَبْكَرِ يَتْبَعُونَ قَوَاعِدَهُمْ الْخَاصَّةَ، بَدَلًا مِنْ اتِّبَاعِ الأَدِلَّةِ وَالْحُجَجِ الْخَاصَّةِ بِالْبَاحِثِينَ؛ إِذْ يَسْتَرْشِدُ الْمُتَعَبِّدُونَ فِي الْمَقَامِ الأوَّلِ بِالْوَحْيِ. وَعِنْدَمَا يُدَعِّمُ الدَّلِيلُ التَّارِيخِيُّ أَحَدَ آراءِ الْمُتَعَبِّدِينَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مَحَلَّ تَرْحِيبٍ.

إنَّ مَا حَدَثَ فِي تَارِيخِ الْهِنْدِ الْمَبْكَرِ لَيْسَ سُوَى وَاحِدٍ مِنْ عِدَّةِ مَسَائِلَ خِلَافِيَّةٍ تُؤَكِّدُ عَلَى تِلْكَ الاِخْتِلَافَاتِ فِي الآرَاءِ.

(3) فَهُم النُّصُوصُ الهِنْدُوسِيَّةُ المُقَدَّسَةُ

يَرَى الهِنْدُوسُ المُتَدَيِّنُونَ أَنَّ “فِيدَا” كِتَابٌ مُنَزَّلٌ؛ ومِن ثَمَّ فَلَيْسَ لِنَشْأَتِهِ وَقْتٌ مُحَدَّدٌ فِي التَّارِيخِ، بَل هُوَ أَبَدِيٌّ وإِلَهِيٌّ المَصْدَرُ. وَاتَّفَقَ الفَلاسِفَةُ الهِنْدُوس، مِن أَمْثَال شَانْكَارَا وَرَامَانُوجَا، الَّذِينَ سَنَتَنَاوَلُ أَفْكَارَهُمْ فِي الفَصْلِ الثَّالِثِ، مَعَ هَذَا الاِعْتِقَادِ وَاعْتَبَرُوهُ أَسَاسًا لِأَفْكَارِهِمْ حَوْلَ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ مَا هُوَ إِلَهِيٌّ وَمَا هُوَ إِنْسَانِيٌّ. لَكِنَّ البَاحِثِينَ الغَرْبِيِّينَ الدَّارِسِينَ لِلنُّصُوصِ كَانَت دَوَافِعُهُمْ مُخْتَلِفَةً تَمَامًا؛ فَمَنْ دَرَسُوا “بَهَاجَافَاد جِيتَا” — أَشْهَرُ النُّصُوصِ المُقَدَّسَةِ الهِنْدُوسِيَّةِ — كَانُوا مَدْفُوعِينَ بِمَبْدَأِ الحِرَافَةِ العِلْمِيَّةِ فِي سَعْيِهِمْ لِتَأْرِيخِ النَّصِّ، وَتَرْجَمَتِهِ بِدَقَّةٍ، وَالسَّمَاحِ لَهُ — مِن وَجْهَةِ نَظَرِهِمْ — بِالتَّعْبِيرِ عَنْ نَفْسِهِ بَدَلًا مِنْ أَنْ يُعَكِّسَ اهْتِمَامَاتِ المَفْرِزِينَ لَهُ. وَعَمَدَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ البَاحِثِينَ إِلَى الاِعْتِرَاضِ عَلَى دَقَّةِ التَّرْجَمَاتِ وَالتَّفَاسِيرِ التَّعَبُّدِيَّةِ.

(4) الجَدَلُ حَوْلَ المَمَارَسَاتِ الهِنْدُوسِيَّةِ

لَقَد تَنَاوَلَ هَؤُلَاءِ البَاحِثُونَ الهِنْدُوسِيَّةَ تَنَاوُلًا عَقْلَانِيًّا، وَوَصَفُوا المَمَارَسَاتِ الهِنْدُوسِيَّةَ فِي أَغْلَبِ الأَحْيَانِ بِأَنَّهَا خُرَافِيَّةٌ وَوَثَنِيَّةٌ، وَرَأَوْا أَنَّ الهِنْدُوسِيَّةَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ دِينًا أَفْضَلَ إِذَا تَمَّ التَّخلُّص مِنْ هَذِهِ المَمَارَسَاتِ وَالْتَّرْكِيزُ عَلَى العَنَاصِر الإِيمَانِيَّةِ وَالفَلْسَفِيَّةِ وَالرُّوحَانِيَّةِ فِيهَا. تَأَثَّرَ بَعْضُ الزُّعَمَاءِ الهِنْدُوس أَنْفُسُهُمْ فِي الْقَرْنِ التَّاسِعِ عَشَرَ بِهَذِهِ الآرَاءِ.

الفَصْلُ الثَّانِيُ: الوَحْيُ وَنَقْلُ المَعْرِفَةُ

(1) رُوَاةُ القِصَّةِ وَالقِيَادَةُ الشَّانْكَارِيُّون: نَقْلُ التَّعَالِيمِ الهِنْدُوسِيَّةِ إِلَى الأَجْيَالِ القَادِمَةِ

إنَّهُ شَخْصٌ يَعْتَمِدُ بِالْكَامِلِ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَحْفَظُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ كُلَّ مَقَاطِعِ “رَامَايَانَا” البَالِغِ عَدَدُهَا ٢٤ أَلْفَ مَقْطَعٍ، وَ “مَهَابَهَارَتَا” البَالِغِ عَدَدُهَا ١٠٠ أَلْفِ مَقْطَعٍ، وَ “بَهَاجَافَاتَا” البَالِغِ عَدَدُهَا ١٨ أَلْفَ مَقْطَعٍ. وَإِذَا فَتَحَ نُسَخَةً مِنَ النَّصِّ السَّنْسْكَرِيتِيِّ أَمَامَهُ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لِيُثْبِتَ لِجَمْهُورِهُ أَنَّ مَا يَرْوِيْهُ مُثْبَتٌ بِالْدَّلِيلِ.

البَانْدِيت (كَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ) — رَجُلُ الدِّينِ.

حَتَّى الأَسَاطِيرِ الخُرَافِيَّةِ، الَّتِي تَتَضَمَّنُهَا بُورَانَا، وَالَّتِي يُوجَدُ مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ عَشَرَةَ أَسْطُورَةٍ رَئِيسِيَّةٍ، مَا هِيَ إِلَّا صُورٌ لِلْتَّعْبِيرِ عَنْ الْحَقَائِقِ الأَخْلَاقِيَّةِ وَالرُّوحَانِيَّةِ المَذْكُورَةِ فِي فِيدَا.

وَيُجَسِّدُ عَمَلُهُ مَفْهُومَ التَّقْلِيدِ وَاسْتِمْرَارَهُ مِنْ جِيلٍ إِلَى آخَرٍ. وَشَأْنُهُ كَشَأْنِ بَعْضِ الْمُتَخَصِّصِينَ الهِنْدُوسِ الآخَرِينَ، يُبَلِّغُ مَا تَعَلَّمَهُ هُوَ نَفْسُهُ مِنْ قَبْلُ.

“سَامْبَرَادَانَا” هِيَ الْكَلِمَةُ السَّنْسْكَرِيتِيَّةُ الَّتِي تُعَبِّرُ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، وَتَعْنِي “الْعَطَاءَ” أَو “التَّعْلِيمَ”. وَثَمَّةَ مَصْطَلَحٌ آخَرُ مَرْتَبِطٌ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَهُوَ “سَامْبَرَادَايَا”؛ أَي التَّقْلِيدُ الشَّفَهِيُّ، وَيُسْتَخْدَمُ بَوْجْهٍ عَامٍّ لِلْإِشَارَةِ إِلَى كِيَانٍ مُتَمَرْكِزٍ حَوْلَ مُعَلِّمٍ رُوحَانِيٍّ (جُورُو) تُنْقَلُ عَبْرَهُ التَّقَالِيدُ اللَّاهُوتِيَّةُ وَالطَّقْسِيَّةُ إِلَى الأَجْيَالِ التَّالِيَةِ، وَتُصَانُ مِنْ جِيلٍ إِلَى آخَرٍ. وَيُوجَدُ الْعَدِيدُ مِنْ أَنْوَاعِ السَّامْبَرَادَايَا فِي الهِنْدُوسِيَّةِ المُعَاصِرَةِ، وَهِيَ الَّتِي تَرْتَبِطُ بِالْمُعَلِّمِينَ الرُّوحِيِّينَ الأَوَّائِلِ عَنْ طَرِيقِ النَّسَبِ أَوْ سِلْسَلَةٍ مِنَ التَّلاَمِيذِ. وَمِنَ الأَمْثِلَةِ عَلَى ذَلِكَ السَّامْبَرَادَايَا الَّذِي أَسَّسَهُ أَحَدُ الْمُعَلِّمِينَ الرُّوحِيِّينَ فِي الْقَرْنِ التَّاسِعِ، وَاسْمُهُ شَانْكَارَا، وَالَّذِي لَا يَزَالُ مُسْتَمِرًّا إِلَى الْآنَ فِي الْعَدِيدِ مِنَ الأَدِيَرَةِ الهِنْدُوسِيَّةِ فِي أَنْحَاءِ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ الهِنْدِ. وَتُعَدُّ هَذِهِ الأَدِيَرَةُ أَمَاكِنَ رَائِعَةً لِلْتَّعَلُّمِ؛ حَيْثُ يَتَعَلَّمُ فِيهَا الرَّهْبَانُ اللُّغَةَ السَّنْسْكَرِيتِيَّةَ وَالفَلْسَفَةَ.

وَيَرْأَسُ هَذِهِ الْمُؤَسَّسَاتِ قَامَاتٌ دِينِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ يُعْرَفُونَ بِاسْمِ الْقَادَةِ الشَّانْكَارِيِّينَ (شَانْكَارَا أَتْشَارِيَا) (كَلِمَةُ “أَتْشَارِيَا” تَعْنِي “زَعِيمًا” أَو “سَيِّدًا”).

الْقَادَةُ الشَّانْكَارِيُّونَ كَهَنَةٌ بَرَاهْمِيُّونَ، وَمُعَلِّمُونَ رُوحَانِيُّونَ أَيْضًا، فَلَا يَكُونُ هَكَذَا الْحَالُ دَائِمًا. فَقَد يَأْتِي الْمُعَلِّمُونَ الرُّوحَانِيُّونَ مِنْ أَيِّ طَائِفَةٍ، وَالْكَهَنَةُ الْبَرَاهْمِيُّونَ لَا يَكُونُونَ بَالضَّرُورَةِ مُرْشِدِينَ رُوحَانِيِّينَ، وَإِن كَانَ الْكَثِيرُونَ مِنْهُمْ كَذَلِكَ.

(2) شرُوتِي وَسَمَرِيّتي: الوَحْيُ وَنَقْلُ المعرفة

مَفْهُومُ “شرُوتِي” الْمُهِمُّ، وَيَعْنِي “المَوْحَى بِهِ”. وَيُشِيرُ إِلَى تَجَلِّي الإِلَهِ فِي الْعَالَمِ، وَلَا سِيَّمَا الْحَقَائِقُ الَّتِي أُوحِيَ بِهَا إِلَى الْحُكَمَاءِ (رِيشَ) الأوَّائِل، وَالَّتِي جُمِعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ نُصُوصٍ مُقَدَّسَةٍ.

وَثَمَّةَ آراءٌ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الهِنْدُوسِ بِشَأْنِ مَا يُعْتَبَرُ “شرُوتِي” مِنَ النُّصُوصِ المُقَدَّسَةِ وَمَا يَدْخُلُ فِي الْفِئَةِ الأُخْرَى الْمُهِمَةِ مِنَ النُّصُوصِ الدِّيْنِيَّةِ، أَلَا وَهِيَ فِئَةُ “سَمَرِيّتي”؛ أَي “المُتَذَكِّرَ” أَو “المُنْقَل”. وَتَقُومُ النُّصُوصُ السَّمَرِيَّةُ عَلَى الْحَقِيقَةِ المَوْحَى بِهَا، لَكِن تَقُومُ بَصِيَاغَتِهَا.

يَنْتَمِي “فِيدَا” وَ “أُوبَانِيشَاد” لِفِئَةِ نُصُوصِ الشرُوتِي، وَيُقَالُ إِنَّ مَصْدَرَهُمَا هُوَ الْوَحْيُ الإِلَهِيُّ. أَمَّا “المَلَاحِمُ”، وَ “الْبُورَانَا”، وَ “السُّوتَرَات”، فَيُقَالُ إِنَّ الْحُكَمَاءَ قَد دَرَسُوهَا وَذَكَرُوهَا.

وَتَحْتَوِي “فِيدَا” عَلَى رَوَايَاتٍ عَنْ الْخَلْقِ، وَمَعْلُومَاتٍ عَنْ طُقُوسِ تَقْدِيمِ الْقُرَابِين، وَصَلَوَاتٍ لِلْإِلَهَةِ. وَ “رِيج فِيدَا”، أَقْدَمُ نُصُوصِ “فِيدَا”، عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعَةٍ مِنَ التَّرانيمِ لِلْإِلَهَةِ.

تَلاَمِيذُهُمْ (سَمَرِيّتي).

وَكَانَ أَجْنِيٌّ، الْإِلَهُ الْمُرْتَبِطُ بِالنَّارِ وَالتَّضْحِيَةِ، أَحَدَ أَشْهَرِ الْآلِهَةِ.

كَانَ يُصْغِي لَهُ النَّاسُ بِاعْتِبَارِهِ إِلَهًا يُمْكِنُ الْوُصُولَ إِلَيْهِ وَبِإِمْكَانِهِ جَلْبُ النُّورِ. وَكَانَ يُدْعَى بِالرَّسُولِ؛ أَي الشَّخْصِ الَّذِي يَصِلُ بَيْنَ الْبَرِيَّةِ وَالْآلِهَةِ الأُخْرَى.

أَنتَ الْوَحِيدُ الَّذِي يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ لِلْآلِهَةِ.

الإِلَهُ الَّذِي يَأْتِي بِالْآلِهَةِ.

هُنَاكَ اتِّفَاقٌ بَيْنَ الْكَثِيرِ مِنَ الهِنْدُوسِ عَلَى مَكَانَةِ “فِيدَا” وَهَيْمَنَتِهِ عَلَى النُّصُوصِ الأُخْرَى، لَكِنَّ عَدَدًا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَقَط تَسَنَّى لَهُ قِرَاءَتُهُ، وَإِن كَانُوا يَسْتَمِعُونَ جَمِيعًا إِلَى أَجْزَاءِ مِنْهُ، وَهِي تُنْشَرُ بِاللُّغَةِ السَّنْسْكَرِيتِيَّةِ فِي أَثْنَاءِ الْمَنَاسِبَاتِ الْمُهِمَة.

النُّصُوصُ الهِنْدُوسِيَّةُ المُقَدَّسَةُ الأَسَاسِيَّةُ

(1) نُصُوصُ شرُوتِي

فِيدَا: يَتَأَلَّفُ مِنْ أَرْبَعَ مُجَمَّعَاتٍ، وَأَسْمَاءُ هَذِهِ الْمُجَمَّعَاتِ هِيَ: “رِيج فِيدَا”، وَ “سَامَا فِيدَا”، وَ “يَاجُور فِيدَا”، وَ “أَثَارْفَا فِيدَا”. تَحْتَوِي الْمُجَمَّعَاتُ الثَّلاثُ الأُوَلُ عَلَى تَرَانِيمَ وَمَانْتَرَا؛ بَيْنَمَا تَتَضَمَّنُ الْمُجَمَّعَةُ الرَّابِعَةُ تَعَاوِيذَ وَتَمَائِمَ. وَتُعَدُّ هَذِهِ النُّصُوصُ أَوَّلَ نُصُوصٍ مُقَدَّسَةٍ هِنْدُوسِيَّةٍ عُرِفَتْ عَلَى الإِطْلاَقِ.

يُوجَدُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أُخْرَى مِنْ نُصُوصِ شرُوتِي؛ وَهِيَ: “بَرَاهْمَانَا”، وَ “أَرَانْيَاكَا”، وَ “أُوبَانِيشَاد”، وَالأَخِيرَةُ هِيَ الأَكْثَرُ أَهَمِّيَّةً.

أُوبَانِيشَاد: تَعْنِي كَلِمَةُ “أُوبَانِيشَاد” “الْجَلُوسُ عَلَى مَقْرُبَةٍ”، وَتُوحِي ضِمْنًا بِأَنَّ هَذِه النُّصُوصَ كَانَتْ نُصُوصًا مُقَدَّسَةً عُلِّمَهَا أَحَدُ الْحُكَمَاء لأَحَدِ تَلَامِيذِهِ، وَتَشْمَلُ “أُوبَانِيشَاد” الرَّئِيسِيَّة: “بَرِهَادَارَانْيَاكَا”، وَ “تَشَانْدُوجِيَا”، وَ “كَاثَا”، وَ “مَايْتَرِي”، وَ “شَفِيتَاشَفَاتَارَا”.

وَيُرَجَّعُ الْبَاحِثُونَ تَارِيخَ النُّصُوصِ الْمُقَدَّسَةِ الشرُوتِيِّ عَادَةً إِلَى الْفَتْرَةِ مَا بَيْنَ عَامَي ١٥٠٠ وَ٣٠٠ قَبْلَ الْمِيلَادِ، وَكُلُّ هَذِه النُّصُوصِ مَكْتُوبَةٌ بِاللُّغَةِ السَّنْسْكَرِيتِيَّة.

(2) نُصُوصُ سَمَرِيّتي

المَلَاحِم: أَقْدَمُ النُّصُوصِ الْمُقَدَّسَةِ السَّمَرِيَّةِ هِيَ “مَهَابَهَارَتَا” — الَّتِي تَتَضَمَّنُ “بَهَاجَافَاد جِيتَا” وَ “رَامَايَانَا” الَّتِي يَرْجِعُ تَارِيخُهَا إِلَى الْفَتْرَةِ مَا بَيْنَ عَامَي ٥٠٠ قَبْلَ الْمِيلَادِ وَ١٠٠ بَعْدَ الْمِيلَادِ، وَهَذِه النُّصُوصُ عِبَارَةٌ عَنْ قَصَائِدَ طَوِيلَةٍ تَرْوِي أَحْدَاثًا جَرَتْ فِي حَيَاةِ مُحَارِبِينَ عُظَمَاءَ، وَيَظْهَرُ كَرِيشْنَا فِي “مَهَابَهَارَتَا”، بَيْنَمَا يَلْعَبُ رَامَا دَوْرًا رَئِيسِيًّا فِي “رَامَايَانَا”.

السُّوتَرَات: فِي الْفَتْرَةِ ذَاتِهَا، تَمَّ تَأْلِيفُ عَدَدٍ مِنَ النُّصُوصِ عَنْ مَوَاضِيعَ مُهِمَّةٍ، مِثْلَ الدَّارْمَا وَالْيُوجَا وَالْفِيدَانْتَا، وَاحْتَوَتْ هَذِهِ النُّصُوصُ عَلَى أَقْوَالٍ وَحِكَمٍ (تَعْنِي كَلِمَةُ “سُوتَرَا” “الْخَيْط”). وَمِنَ النُّصُوصِ الْمُهِمَةِ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى هَذِهِ الْفَتْرَةِ “مَانُوسْمَرِيتِي” الَّذِي تَنَاوَلَ الْأَخْلاقَ وَآدَابَ السُّلُوكِ الْهِنْدُوسِيَّةِ.

بُورَانَا: تَلاَ ذَٰلِكَ فِي الْفَتْرَةِ مِنَ ٣٠٠ إِلَى ٩٠٠ مِيلاَدِيًّا ظُهُورُ نُصُوصٍ تَتَنَاوَلُ الْأَسَاطِيرَ وَتُسَمَّى “بُورَانَا”، تَشِيرُ هَذِهِ النُّصُوصُ إِلَى أَحْدَاثٍ سَابِقَةٍ، وَتَرْوِي عَادَةً قِصَّصَ الْآلِهَةِ وَالإِلَهَاتِ، وَتَشْمَلُ نُصُوصُ الْبُورَانَا الأَسَاسِيَّةَ كَلَّاٍّ مِنْ “مَارْكَانْدِيَا بُورَانَا”، وَ “فَشْنُو بُورَانَا”، وَ “فَايُو بُورَانَا”، وَ “شِيفَا بُورَانَا”، وَ “بَهَاجَافَاد بُورَانَا”.

تَسْتَمِدُّ كُلُّ أَسَاطِيرِ الْهِنْدِ وَقِصَصِهَا أَهَمِّيَّتَهَا وَمَكَانَتَهَا مِنْ “فِيدَا”. وَيَتَّفِقُ الْكَثِيرُ مِنَ الْهِنْدُوسِ فِي هَذَا؛ إِذْ يَرَوْنَ نُصُوصَ “تَنْتَرَا” وَالنُّصُوصَ التَّعَبُّدِيَّةَ اللَّاحِقَةَ مُكَمِّلَةً لِـ “فِيدَا”؛ بَيْنَمَا يَرَى آخَرُونَ أَنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ تُمَثِّلُ تَحَدِّيًا لِلْدِّيَانَةِ الْمُعْتَمَدَةِ عَلَى فِيدَا.

وَفِي نَصٍّ مُهِمٍّ حَوْلَ الشَّريعة الْهِنْدُوسِيَّةِ يَرْجِعُ تَارِيخُهُ إِلَى الْقَرْنِ الثَّانِي قَبْلَ الْمِيلَادِ، اسْمُهُ “مَانُوسْمَرِيتِي”، يُشِيرُ مُؤَلِّفُهُ وَيُدْعَى مَانُو إِلَى أَنَّ “فِيدَا” يَجِبُ عَدَمُ التَّشْكِيكِ فِيهِ، وَأَنَّ مَنْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ يَحِيدُونَ عَنْ الطَّرِيقِ الْقَوِيِّ.

الْهِنْدُوسُ هُمْ مَنْ يَسْتَخْدِمُونَ “فِيدَا” كَمَرْجَعٍ أَسَاسِيٍّ فِي إِقَامَةِ تَقَالِيدِهِمْ وَالْحِفَاظِ عَلَيْهَا وَنَقْلِهَا لِلْأَجْيَالِ اللَّاحِقَةِ، وَبِهَذَا التَّعْرِيفِ، لَا يَكُونُ كُلٌّ مِّنَ الْبُوذِيِّينَ وَلَا الْجَايْنِيِّينَ وَلَا السِّيخِ، الَّذِينَ يُنْكِرُونَ مَكَانَةَ “فِيدَا” وَدَوْرَ الْبَرَاهْمِيِّينَ فِي نَقْلِهِ وَتَفْسِيرِهِ؛ هِنْدُوسًا.

(3) الْبَرَاهْمِيُّونَ وَنَقْلُ الْمَعْرِفَةِ الطُّقُوسِيَّة

تَرَانِيمُ “فِيدَا”، الَّتِي سَمِعَهَا وَأَنْشَدَهَا الْحُكَمَاءُ الأوَّائل، صَارَتْ مَسْئُولِيَّةَ الْعَائِلَاتِ الْبَرَاهْمِيَّةِ الَّتِي تَنَاقَلَتْهَا مِنْ جِيلٍ إِلَى جِيلٍ دُونَ تَغْيُّرٍ مَارَتْ الْقُرُونَ (إِلَى مُتَلَقٍّ مِنْ أَمْثَالِ رَاوِي نَارَايَانَ). وَفِي آيَةٍ شَهِيرَةٍ فِي “رِيج فِيدَا” (١٠: ٩٠)، عُرِّفَتْ طَبَقَةُ الْبَرَاهْمِيِّينَ بِأَنَّهَا فَمُ الْإِنْسَانِ الْكَوْنِيُّ (بُورُوشَا)؛ بَيْنَمَا صَارَتْ ذِرَاعَاهُ وَفَخِّذَاهُ وَقَدَمَاهُ الطَّبَقَاتُ الأُخْرَى فِي الْمُجْتَمَعِ (فَارْنَا).

بَرَاهْمَا: أَشَارَ هَذَا الْمُصْطَلَحُ فِي الأَصْلِ إِلَى قُوَّةٍ أَو حَقيقَةٍ خَلَاقَةٍ مُتَأَصِّلَةٍ فِي التَّرَانِيمِ الْفِيدِيَّةِ. المَبْدَأُ الْكَوْنِيُّ الْمُجَرَّدُ أَو الْحَقيقَةُ الْمُطْلَقَةُ.

بَرَاهْمَن: شَخْص مُتَخَصِّصٌ فِي إِدَارَةِ الطُّقُوسِ وَيَرْتَبِطُ بِمَفْهُومِ الْبَرَاهْمَن؛ فَهُوَ شَخْصٌ يَنْشِدُ التَّرَانِيمَ الْفِيدِيَّةَ وَيُقَدِّمُ الْقُرَابِينَ؛ وَهُوَ يَنْتَمِي لِطَائِفَةِ الْكَهَنَةِ. يُعَرَّفُ أَيْضًا بِالْبَرَاهْمَانَا وَالْبَرَاهْمَان.

بَرَاهْمَانَا: نُصُوصٌ تَتَعَلَّقُ بِمَفْهُومِ الْبَرَاهْمَنِ وَتُوَصِّفُ فِيهَا التَّضْحِيَةَ الْفِيدِيَّةَ.

بَرَاهْمَا: إِلَيْهِ هِنْدُوسِيٌّ مُرْتَبِطٌ بِالْخَلْقِ.

الفئات الاجتماعية الهندوسية

(1) الطَّبَقاتُ الاجتماعية (فَارْنَا)

أُرْفِعَت الطَّبَقاتُ الاجتماعية الآرِيَّةُ الأَرْبَعُ التَّقْلِيدِيَّةُ (فَارْنَا) فِي “رِيج فِيدَا” (١٠: ٩٠) مِنْ خِلَالِ أَجْزَاءِ جَسَدِ الإِنْسانِ الْكَوْنِيِّ (بُورُوشَا)، وَهِيَ كَالْتَّالِي:

الفَم: البَرَاهْمِيُّون (بَرَاهْمَانَا).

الذِّرَاعَان: المُحَارِبُون (كُشَاتْرِيَا).

الفَخِذَان: عَامَّة النَّاس (فَايْشْيَا).

الْقَدَمَان: الْخَدام (شُودْرَا).

وَأُضِيفَتْ عَلَى الْأَرْجَحِ طَبْقَةُ شُودْرَا لِلطَّبَقَاتِ الأُخْرَى لِاسْتِيْعَابِ السُّكَّانِ الْمَحَلِّيِّينَ غَيْرَ الآرِيِّينَ.

(2) مَرَاحِلُ الحَيَاة (أَشْرَامَا)

وُصِفَتْ أَرْبَعُ مَرَاحِلَ لِلْحَيَاةِ فِي النُّصُوصِ الْهِنْدُوسِيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ، وَهَذِهِ الْمَرَاحِلُ هِيَ:

الطَّالِب (بَرَاهْمَاتْشَارْيَا).

الزَّوْج (جَرِيَهَاسْتَا).

سَاكِنُ الْغَابَةِ (وَانَابْرَسْتَا).

الزَّاهِدُ (سَانْيَاسَا).

وَإِنَّمَا يُؤَدُّونَ أَيْضًا طُقُوسًا لِلْحِفَاظِ عَلَى الْعَالَمِ وَعَلَى الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْبَشَرِيَّة وَالْآلِهَةِ. وَيَرْتَبِطُونَ بِالدَّارْمَا، الَّتِي تُتَرْجَمُ أَحْيَانًا بِالدِّينِ، لَكِنَّ التَّرْجَمَةَ الأَدَقَّ لَهَا هِيَ الْحَقِيقَةُ أَوْ الْقَانُونُ أَوْ الْوَاجِبُ أَوْ الْالْتِزَامُ.

يُقَدِّمُ الْبَرَاهْمِيُّونَ قُرَابِينَ لِلْآلِهَةِ فِي النَّارِ الْمُقَدَّسَةِ وَيَلْتَمِسُونَ مِنْهُمْ الْحِفَاظَ عَلَى الْعَالَمِ الطَّبِيعِيِّ وَإِنْزَالَ الْعَطَاءِ عَلَى عَبَادِهِمْ.

فَارْنَا – أَشْرَامَا – دَارْمَا

الْوَاجِبَاتُ أَوِ الْالْتِزَامَاتُ الَّتِي تَقَعُ عَلَى عَاتِقِ الْفَرْدِ وَفْقًَا لِلطَّبَقَةِ الاجتماعية التي يَنْتَمِي إِلَيْهَا وَمَرْحَلَةِ الحَيَاةِ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا.

(4) المُعَلِّمُ الرُّوحَانِيُّ وَنَقْلُ الْمَعْرِفَةِ الرُّوحَانِيَّة

مَنْحُهُ النَّاسَ مَكَانَةً جَلِيلَةً، وَاعْتُبِرَ فَوْقَ الإِغْرَاءِ وَالضَّعْفِ، وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّشَفُّعِ لَدَى الإِلَهِ، وَأَنَّهُ يَتَمَتَّعُ بِهَبَاتٍ رُوحَانِيَّةٍ تَنْشَأُ عَنْ مُمَارَسَاتِهِ التَّنَسُّكِيَّةِ. وَاعْتَقَدُوا أَيْضًا أَنَّهُ حَكِيمٌ وَيَعْرِفُ مَا هُوَ أَفْضَلُ لِلنَّاسِ. هَذِهِ بَعْضُ السَّمَاتِ الَّتِي تَرْتَبِطُ غَالِبًا بِالْمُعَلِّمِ الرُّوحَانِيِّ (الْجُورُو)، ذَلِكَ الشَّخْصِ الَّذِي يُمْكِنُهُ تَنْوِيرُ الآخَرِينَ وَمُسَاعَدَتُهُمْ عَلَى تَجَاوُزِ خَطَرِ الْمَوْتِ وَالْمِيْلَادِ الْمُتَكَرِّرِ (سَامَسَارَا) لِلْتَّحَرُّرِ (مُوكْشَا).

النظام الطائفي الهندي (جَاتِي)

“جَاتِي” — كلمة تعني الميلاد — هو نظام تقسيم اجتماعي منظّم حسب الطَّهَر النسبي، مع اعتبار كهنة البَرَاهْمَن في قمة هذا النظام، بينما توجد الطوائف الدنيا و “المُنبوذون” (الذين يُعتبرون أنجاساً يُدَنَّسون الطوائف “الأعلى”). وعَلى الرغم من أن النظام الطائفي هذا ليس قائماً على الثروة، فإن من يحتلون قمة هذا النظام هم الأكثر ثراءً.

يكتسب الهندوس المكانة الطائفية عن طريق ميلادهم في طائفة معينة؛ ويتزوجون عادةً شخصًا من الطائفة نفسها التي ينتمون إليها.

يشير دليل نَارَايَان إلى أن سلطة المعلم الروحاني تكمن في الجاذبية الشخصية أكثر من كونها تقليداً طائفياً، أو تدريباً رسمياً، أو حتى فضيلة، فبعض المعلمين الروحانيين لا يحصلون على تعليم علماني أو فيدي. وبعضهم أُمّي، لكنهم جميعاً يمتلكون المعرفة التي اكتسبوها من خلال خبرتهم الروحية.

الفصل الثالث: فَهْمُ الذَّات

يَحْظَى عدد من المعلمين الروحانيين باتباعٍ عَلى مستوى العالم، وفي إصدار نَوْفَمْبَر 1996 من “بَابِلِيشرز دَيْسْك”، أجاب سيفايا سُوبَرَامُونِيَاسوامي على سؤال “مَن أَنَا؟” قائلاً:

[يُشير الحكماء (رِيشَ) إلى أن هُوِيَّتنا لا تكمن في أجسادنا أو عقولنا أو مشاعرنا، وإنما نحن أرواح سماوية في رحلة مُعَجِّزَة. لقد أَتَيْنَا من الإله، ونعِيش في الإله، ونتطور لنصبح واحدًا مع الإله! نحن، في الحقيقة، الحقيقة التي نسعى إليها.

نحن أرواح خالدة تعيش وتنمو في مدرسة الخبرة الدينية العظيمة التي نعيش فيها حياتاً عديدة.

وقد منحنا حكماء “فيدا” الشجاعة بالنطق بحقيقة بسيطة؛ وهي أن “الإله هو حياة حياتنا.” وذهب حكيم عظيم إلى ما هو أبعد من ذلك بقوله إن ثمّة شيئًا واحدًا فقط لا يمكن للإله فعله، ألا وهو الفصل بينه وبيننا؛ وذلك لأن الإله هو حياتنا.

إن إدراكَ هذه الطاقة الحيوية في كل ما يحيط يعني إدراكَ الوجود الحنون للإله داخلنا.]

تعرف الغربيون لأول مرة على الروحانية الهندوسية في أواخر القرن التاسع عشر على يد معلمٍ روحي يُدعى فيفيكاناندا، وتعلّموا منه أن الحقيقة المجردة المطلقة هي أيضًا الإله الشخصي الذي عبده الناس، وأن هذا الإله هو أيضًا الذات العليا الموجودة داخل كل إنسان، فيقول فيفيكاناندا: “إنه أنت، نفسك” (وهي عبارة مشابهة لعبارة “هذا ما أنت عليه”).

نظام فيدانتا الفلسفي ومُعتنقوه

فيدانتَا هو نظام فلسفي رَكَّز فيه الباحثون على دراسة النصوص الفيدية المتعلقة بالحقيقة المطلقة (البَرَاهْمَن). ومن أهم هذه النصوص “أوبانيشاد” و “بَهَاجَافَاد جِيتَا” و “بَرَاهْمَا سُوتْرَا”. واعْتَنَق الكثير من الباحثين هذا النظام الفلسفي، منهم ثلاثة أثروا بنحوٍ خاص في تاريخ الفكر والممارسة الهندوسية.

(1) شَانكارا (788–820 ميلادية)

مؤمن باللاثنائية أو أدفَيتا فيدانتا. لا يزال النظام الذي أسّسه شَانكارا قائمًا إلى الآن.

(2) رامانوجا (1017–1137 ميلادية)

مؤمن باللاثنائية المؤهلة أو فيشيشتادفَيتا فيدانتا.

(3) مادهافا (القرن الثالث عشر الميلادي)

مؤمن بالثنائية أو ديفَيتا فيدانتا.

صارت هذه الصورة العَرْضية لنظام فيدانتا الفلسفي غير الثنائي لشَانكارا واسعة الانتشار في الغرب؛ الأمر الذي جعل العديد من المُعَلِّقين يُفضلون أنها سمة أساسية للهندوسية ككل.

(1) شَانكارا

تعني كلمة “أدفَيتا” اللا ثنائية. فمن وجهة نظر شَانكارا، الحقيقة المطلقة والذات مُتماثلتان، وتمثلت مهمته في تفسير أسباب فشل الناس في إدراك ذلك.

أما شَانكارا، فَرَأى أن الأتمان ليست في الحقيقة سوى برَاهما. ولا توجد أي تعددية في الوعي أو الكينونة، فكلها واحدة. ويتحقق التحرر عن طريق التخلّص من الجهل، وتعلّم كيفية التمييز بين ما هو أبدي وما هو غير ذلك، ثم اكتساب المعرفة عن هُوِيَّة الذات من خلال البَرَاهمان.

(2) رامانوجا

بَدَأ رامانوجا فيشنو، وكان ضليعًا في “المَلاحِم”، و “البورانا”، والشِّعر الخاص بمنطقته. واستندت أفكاره إلى عمل شَانكارا، الذي كان قد قُبِلَ من قِبَل المجتمع البَرَاهْمِي واعتُبِر منهجًا محافظًا بحلول العصر الذي عاش فيه رامانوجا.

واتفق رامانوجا مع فكرة أن الحقيقة المطلقة غير ثنائية، لكنه اختلف بشدة مع شَانكارا بشأن طبيعة البَرَاهْمَان، والذوات الفردية، والعالم.

كان زعمه الأساسي هو أن ما لدينا من قناعة قوية بأننا مختلفون بعضنا عن بعض وعن الإله ليست خاطئة، مثلما يدَّعي شَانكارا. واستنتاجات حواسنا ومشاعرنا ليست وهَمِّيّة. وإنما تشير إلى حقيقة عميقة، وهي أن الحقيقة المطلقة مُؤهَّلة داخليًا (فيشيشتا).

(3) مادهافا

أيد مادهافا وجهة نظر رامانوجا إلى حد كبير، ذاهبًا إلى ما هو أبعد من ذلك باستنتاجه أن تعاليم النصوص المقدسة لا يمكن فهمها إلا بمنظور الثنائية؛ أي بالتأكيد على التمييز الكامل بين الإله والذات؛ فالبَرَاهْمَان والأتمان ليستا متطابقتين، والذوات مختلفة بعضها عن بعض، وعن العالم.

فكل شيء موجود داخل إطار إرادة الإله الأقدس، ولكن مع احتفاظه بخصوصيته. ويتطلب التحرر من العذاب والانبعاث فضلًا من الإله، واعتمادًا عليه، وتعبّدًا نشطًا عن طريق عبادته في صورة أيقونة (مورتِي).

على سبيل المثال: بمعنى العبارة التي تعرضنا لها في قصة شفيتاكيتو: “هذا ما أنت عليه.” رأى شنكارا أن هذه العبارة تشير إلى اللا ثنائية؛ بمعنى أنه لا يوجد اختلاف بين الحقيقة المطلقة والذات. ومن وجهة نظر رامانوجا، كان المعنى الضمني للعبارة هو عدم الاتحاد؛ أي أنها أشارت إلى أن البراهمان والأتمان يختلفان عن بعضها البعض على الرغم من ارتباطهما الواضح. أما مادهافا، فكان رأيه أن الاثنين منفصلان انفصالاً تاماً، وإن كان يرى أن الذات تظهر في صورة الرب ويسكنها شاهد داخلي إلهي.

ليست هذه الأفكار الفلسفية، في الواقع، موضوعًا للمناقشة اليومية لدى أغلبية الهندوس، لكنها تمثل أساس فكرة الهندوس عن الإله. ثمّة فكرة دينية واحدة يشير إليها كل الهندوس عادةً؛ ألا وهي “الكرما”.

(4) الكارما واليوغا والذات

“الكرما” و”اليوغا” هما كلمتان يعرفهما الجميع، ليس فقط في الهند ولكن أيضًا في الغرب. إن أي شخص يعرف قصة بوذا سيدرك أن المجتمع الهندي القديم في عصر بوذا كان يُعتبر مكانًا للبؤس والشقاء في نظر الباحث الروحاني. فالسعادة زائلة وسرعان ما يحل محلها التقدم في العمر، المرض، والموت.

شارك الكثير ممن نبذوا المجتمع في الترحال والعيش حياة الزهد، معتمدين على فكرة أن شخصية المرء أو ذاته تتقمص جسدًا جديدًا بعد الموت، وتدفع دورة الانبعاث (سامسارا) سلسلة من الأسباب والنتائج المرتبطة بالأفعال (كرما). وتنتقل كل الكائنات الحية بهذه الدورة. وعلى الرغم من أن الأفعال الصالحة قد تؤدي إلى نتائج سارة وولادة أفضل، فقد رأى الكثيرون أن العذاب والحتيمة المتأصلين في هذه العملية لا يمكن تحملهما. ومن ثم كان السعي للتحرر من الميلاد المتكرر المستمر؛ إذ حاول الزاهدون إيقاف هذه الدورة باستخدام جميع العدة، مثل عزل أنفسهم عن المجتمع، والصيام، ومعاقبة النفس جسديًا، وإحاطة أنفسهم بأشياء تذكرهم بالعذاب والموت، والاعتكاف للتأمل. ومن خلال هذه السبل، سيتوقف العمل ونتائجه وسيكون التحرر ممكنًا.

وقد تم تناول المشكلات المتعلقة بالعمل والميلاد المتكرر بعد عدة قرون في “بهاجافاد غيتا”. ففيه نجد أرجونا يسأل سائق عجلته الحربية، كريشنا، إن كان يجب عليه الدخول في معركة ضد أحد أقاربه. ويقدم كريشنا، الذي هو في الحقيقة الإله الأعظم متنكرًا، التوجيه لأرجونا كمعلم روحي مشيرًا إلى مسألة العمل الناجم عن الشعور بالواجب، وشارحًا رحلة الذات وسبل تحررها. ويوضح لأرجونا الحائر أن الذات أو الروح المتجسدة لا تموت في المعركة، وإنما تنتقل إلى جسد جديد: “لا يمكن طعنها، أو حرقها، أو بللها، أو تجفيفها. إنها غير متغيرة، وموجودة في كل مكان، وثابتة، وغير متحركة، وخالدة.”

رد كريشنا جاء عاليًا وواضحًا: “لا يتحرر الإنسان من نتائج العمل عن طريق الامتناع عن العمل نفسه، ولا يصل إلى الكمال بنبذ العمل.” ويواصل كريشنا حديثه موضحًا أن ما يجب نبذه هو نتائج العمل، وليس العمل نفسه؛ فيجب ألا يرغب الإنسان في مكافآت معينة، وألا يفتخر بنفسه بوصفه فاعلاً لأمور عظيمة. ويجب أن يكون المرء راضيًا عن نفسه، ويقدم العمل ونتائجه كقربان للإله. وهذا هو أدب الكارما يوغا.

لقد ركز كريشنا على جنانا يوجا (الطريق إلى المعرفة) وبهاكتي يوجا (طريق الإخلاص في العبادة) بوجه خاص.

في الفصل السادس من “بهاجافاد غيتا”. يناقش كريشنا ممارسة خبير اليوغا، ويصف كيف يجب أن يجلس ذلك الشخص، وكيف يجب أن يتحكم في حواسه وغرائزه، وكيف يجب أن يركز على عقله. ويُعَدُّ كل من التركيز على الذات، وكبت الأهواء، والمحافظة على الهدوء، أهم معالم هذا الطريق، الهادف إلى الهناء.

وليس اليوغا الملكية التي يكتسب خبراؤها قدرة الارتقاء والتخاطر، والقدرة على الاختفاء أو تحمل الألم. تُعرف “راجا يوجا”؛ أي اليوغا الملكية أو العليا، وهي يوغا تأملية تكمن أهم إنجازاتها في “سامادهى”; أي التركيز العميق الذي يؤدي إلى تحرير الذات.

وفي “بهاجافاد غيتا”، يطرح كريشنا فكرتين مبتكرتين؛ الأولى هي “كارما يوجا” التي تمنح الباحثين العاديين إمكانية إضفاء معنى روحي على أفعالهم اليومية؛ والثانية هي مفهوم أنه لا يوجد سبيل واحد للتحرر، وإنما عدة سبل؛ حيث يجد الباحثون أكثر السبل ملاءمة لحالاتهم المزاجية وأوضاعهم.

يعرفنا “ريج فيدا” والفصل الثاني من “بهاجافاد غيتا” على فكرة الطبقات الأربع في المجتمع البراهمي. نوقشت هذه الفكرة عن الواجب الاجتماعي بمزيد من التفصيل في “مانوسمرتي”، حيث تم تناول عواقب إهمال المرء لواجباته بقدر كبير من الجدية. فيُعاقَب المرء على الأفعال المناقضة للواجب أو للدھارما بطرده من جماعته الاجتماعية أو بميلاده نحو أدنى في الحياة التالية.

يتناول أرفيند شارما هذه المشكلة بأسلوبٍ مبهر في كتابه “الهندوسية في عريننا”. فيقول: “من وجهة النظر الهندوسية التقليدية، يتحدد ميلاد الشخص في طائفة معينة بالكرما الخاصة به في حياة سابقة.” فيولد الهندوسي على الأغلب داخل طائفة محددة بسبب أفعاله في حياة سابقة.

إن إعادة التركيز على الكرما بهذا الأسلوب، وفقًا لشارما، يقلل من أهمية الطائفة وصور الظلم فيها؛ فالمجتمع الذي يدرك فيه كل شخص أنه يتحمل مسؤولية مباشرة فيما يتعلق بتحسين مستقبل هذا العالم بدلاً من حياته السابقة؛ سيكون مجتمعًا يختفي فيه النظر إلى الطائفة باعتبارها مقياسًا للأعمال السابقة.

الفصل الرابع: الأبطال المُقدَّسون: التَّقلِيد المَلْحَمِيّ

ماذا كان يفعل ثمانون مليون هندي في الساعة التاسعة والنصف من صبيحة كل يوم أحد في عام 1987؟ لقد كانوا يجلسون في منازلهم أو مقاهيهم — أو أي مكان يوجد فيه تلفاز — لمشاهدة الدراما الملحمية بالأحداث الخاصة بالإله راما وزوجته سيتا وأخيه لاكشمانا في الملحمة التلفزيونية “رامايان”. وعندما انتهت حلقات المسلسل في البداية بعد 52 أسبوعًا، وصلت الأمور ببعض المتفرجين إلى الإلحاح عن العمل مطالبين بإنتاج المزيد من الحلقات لاستكمال القصة (وأُنتِجت بالفعل 26 حلقة أخرى). في مناسبة أخرى قبل نهاية المسلسل بفترة قصيرة، وعندما كان الشجاع رافانا على وشك أن يُقتل، قطع المعجبون بالمسلسل رحلات طويلة وصولًا إلى الأستوديو التلفزيوني الذي يصور فيه المسلسل للمشاهدة بالعنوة عنه.

وصار الممثلون يُعرَّفون بالآلهة والشياطين الذين مثلوا شخصياتهم، وصار الناس يلمسون أقدامهم ويطلبون البركة منهم.

هذه القصة الهندية الشهيرة عن راما، التي رويت وتُذكَّرت وأُعيدت روايتها على مدار ما يزيد عن ألفين وخمسمئة من السنين.

لعله أهم الانتقادات من جانب من أكدوا على الأهمية الدينية للمسلسل هو أنه قد تبنّى رواية معينة للقصة وما يرتبط بها من قيم وأفكار.

ربما توجد الآلاف من الروايات لملحمة “رامايانا” أو قصة راما. وأكثرها شهرة هي الرواية المنسوبة لفالميكي التي نقلها إليه الحكيم نارادا، لكن هناك العديد من الروايات الأخرى المكتوبة، بالإضافة إلى عدد لا يُحصى من الروايات الشفهية.

ويركز بعض الروايات على الشيطان رافانا، ولا تصوره كشخصية شريرة، وإنما كشخصية قوية وشجاعة، وربما تعرضت أيضًا للتضليل، بل وتُصور أيضًا كبديل لطيف أو ثائر ملتزم.

  1. نبذة مختصرة عن ملحمة “رامايانا”

بفضل التضحية، رُزق داشاراثا ملك أيوديا بعدة أبناء من زوجاته الثلاث، وكان راما، أكبر هؤلاء الأبناء وأكثرهم شعبية بين مواطني أيوديا، هو الذي سيخلف أباه على العرش. لكن زوجة أبيه كايكي، خوفًا منه على نفسها وعلى ابنها بهاراتا، حصلت على وعد من داشاراثا بنفي راما إلى الغابة وتنصيب بهاراتا حاكمًا.

فعاد بهاراتا إلى أيوديا، ووضع خفيًا راما على العرش، وحكم بصفتها وصية على العرش في غياب راما.

  1. الدارما وملحمة “رامايانا”

مع الروايات المختلفة لقصة راما، تعددت التفاسير لها أيضًا، لكن ثمة موضوع واحد مشترك في العديد من هذه التفاسير؛ ألا وهو الدارما. ومثلما أوضحنا من قبل، الدارما مفهوم مهم في الهندوسية يعبر عن النظام والقانون والواجب والحقائق. وكان من المتوقع من الناس الالتزام بالدارما الخاصة بهم (سفا-دارما) حسب الطبقة الاجتماعية (فارنا) والمرحلة الحياتية (أشراكا)، ومن هنا جاء مصطلح “فارنا-أشراكا-دارما”.

لقد كان “مانوسمرتي” النص الرئيسي الذي ذُكِرت فيه هذه الواجبات (وواجبات النساء كذلك).

إن النظام السليم يقوم على الصدق والطاعة. وداشاراثا، بصفته زوجًا وحاكمًا، يجب ألا يحنث بوعده؛ وراما، بصفته ابنًا، يجب أن يقبل قرارات والده في طاعة. في العالم الهندي، يعتبر النظام السليم للمجتمع أهم من رغبة الفرد.

قبل انتهاء القصة، يُشار إلى راما على أنه تجسيد (أفاتارا) للإله فيشنو العظيم. شأنه شأن كريشنا في ملحمة “ماهابهاراتا”، يأتي راما — بوصفه إلهًا في هيئة بشرية — إلى العالم للإطاحة بالقوى التي تضر بالدراسة، وليكون مثالًا للسلوك القويم.

  1. سيتا وديتي واﻹلهات

“مطاعة”، “وفية”، “طيبة”، “جميلة”، تلك هي الخصائص التي قد تطرا على الذهن على الفور عند وصف سيتا. هذه القوة في الشخصية لم تغفل عنها النساء الهنديات اللاتي وجدْنَ الكثير مما يمكن الإشارة إليه في شخصية سيتا. وعلى الرغم من النظرة الشائعة لها بوصفها نموذجًا للخضوع والطاعة والولاء، وهي السمات التي يود الكثير من الرجال رؤيتها في زوجاتهم، كثيرًا ما تستقي النساء دروسًا مفيدة أخرى من سلوك سيتا.

في بعض الروايات الأخرى لملحمة “رامايانا”، تأخذ سيتا صورة مختلفة بعض الشيء؛ ففي الرواية الهندية الشهيرة لتولسيداس، تُصور سيتا على أنها تتمتع بقوة بطولية وبالقدرة على رفع قوس الإله شيفا العظيم.

سيتا بطلة عظيمة أكثر من كونها إلهة. وعندما ترغب النساء الهنديات في الدعاء لإلهة أو الصيام للحصول على بركتها، لا يخترن سيتا، وإنما يطلبن العون من إلهات مثل بارفاتي، الإلهة البارعة التي يمكنها التشفع لدى شيفا العظيم، أو دورجا، المحاربة القوية، أو سانتوشي ما، جالبة السلام للمنزل، أو كالي، الأم المرعبة. إنهن نساء خارقات اشتُهرن بقوتهن وقدرتهن على تحقيق رغبات من يعبدهن. وتزخر الأساطير الهندوسية بالإلهات، لكن يُنظر إليهن أيضًا بوصفهن صورًا للإلهة ديفي العظيمة التي يفضلها الكثير من الهندوس بوصفها منقذتهم ومرشدتهم. وتُروى قصتها في “ديفي-ماهاتما” (وهو جزء من “ماركانديا بورانا”).

وترتبط ديفي بالإلهين الأرفع شأناً: فيشنو وشيفا، لكنَّها ذاتها تُعتَبَر الملكة أو الحاكمة.

  1. نبذة مختصرة عن “ديفي ماهاتما”

عندما يتأكد ماهيشا، ذلك الشيطان الذي على شكل جاموس، أنه لا يمكن للبشر قتله، يدمر العالم ويحذر الإله إندرا من أنه سيغزو السماء قريبًا. يتعاركان وينسحب إندرا، ويلجأ إلى الآلهة العظيمة، براهمة وشيفا وفيشنو، فيملأ الغضب صدورهم، وتنبثق من أجسادهم الإلهية امرأة جميلة؛ ألا وهي ديفي؛ فيُزوِّدونها بالأسلحة، وتمنحها آلهة أخرى أسدًا لتركبه ونبيذًا لتشربه، فتعلو ضحكتها المروعة ويصيح الآلهة “النصر!”

عند سماع ماهيشا ذلك، يرسل شياطينه لمعرفة ما يحدث، فينقلون إليه الأخبار عن جمال ديفي وخصالها الرائعة. فيرسل لها عرض زواج، فترفضه وتُذبح رسله. وعندما يتبعهم ماهيشا، تعلن عن مهمتها، والتي تتمثل في حماية الدارما. وفي المعركة التي تلي ذلك، يتخذ ماهيشا العديد من الأشكال، لكن ديفي تشرب النبيذ ومن على ظهر أسدها تقتله برمحها الثُّلاثيّ وقُرصها. ويأخذ الآلهة في الثناء على إنجاز ديفي الكبير.

تخالف ديفي الصورة البرهمية للمرأة بوصفها زوجة وفية؛ فهي لن تتزوج، ولا يمكن لأي ذكر التحكم فيها، سواء كان شيطانًا أو إلهًا. إنها محاربة وعدوانية، لا تُذعَن ولا تضعف. تبدو امرأة مثالية، جميلة يملؤها الحب، لكنها تشرب النبيذ وتتمتع بالاستقلالية.

  1. الأم، وراما، والأمة الهندوسية

لقد أثارت صورة الأم الحامية والملاك الحارس مشاعر الولاء والإخلاص في الهند. فيُعَد مفهوم “بهاراتا ماتا”، أي “الهند الأم”، مفهومًا مألوفًا للهندوس على اختلاف دياناتهم.

يهتم القوميون براما أيضًا، لا سيما من لديهم قناعة هندوسية، بوصفه الحاكم الإلهي للدولة الهندوسية التي طالما تاقوا إليها. وفي أيوديا بشمال الهند، دُمِّر مسجد في عام 1992 على أيدي بعض الهندوس الذين اعتقدوا أنه بُني على موقع معبد أقدم منه بكثير، ليخلد ذكرى ميلاد راما. والحقائق التاريخية في هذا الشأن مثار جدل كبير، لكن التصور الديني الشائع لا يقوم على الأدلة الواقعية، وإنما على القصص القوية وما تثيره من مشاعر.

السؤال الآن هو: لماذا يوجد هذا العدد الهائل من الآلهة والإلهات في الهندوسية؟ كيف يُفهم الوجود الإلهي؟ وكيف يُعبد؟

الفصل السادس: الوُجُود الإلهي

تفسير أسباب شُرب كلّ الصُّور المُجسَّدة للإله جانيشا — من تماثيل ونحو ذلك — في جميع أنحاء العالم لبِّن المُقدّم لها من أتباع الإله المخلصين. واشتعل من جديد الجدال القديم بين العلم والإيمان.

  1. أوثان أم رموز؟

كيف يمكن لتمثال أن يُعبد؟ ثمة تفسيرات علمية ونفسية بلا شك، لكن كيف يفهم الهندوسي هذا الأمر؟ فهم الفَرق بين التماثيل والرموز (مورتي).

تحظى هذه التماثيل بمكانة فنية عظيمة، لكنها لا تُعتبر جديرة بالعبادة سوى في حالات استثنائية فقط. أما الرمز الموجود “داخل” المعبد، فقد أُنشئ ونُصِب في عملية طقسية أُعدت له ليُسكنه أحد الآلهة. … وخصائص الإله الذي سيسكنه. وبمجرد أن يُصنع الرمز، يُكرِّس كهنة البرهمية الصورة للتقديس، ويضعون عدة آلهة في أماكن مختلفة من جسم الرمز، ويبثون فيه نَفَسًا حيًّا (برانَا). ومن تلك اللحظة، يتجسد الإله في الرمز ويجب الاعتناء به، وخدمته كضيف مُكرّم، ومنحه الحب.

في القرنين السابع والثامن، شهد التجار والرُحَّالة الأوروبيون أداء الهندوس للدارشانا لأول مرة، فكتبوا مُنتقدين الأمر في خطاباتهم ويومياتهم بوصفه “عبادة أوثان”.

وَقد ذُهِلَ هؤلاء أيضًا من تَعَدُّد “الأوثان” لدى الهندوس، واستنتجوا أن الهندوس قوم مُشرِكون؛ أي يؤمنون بالعديد من الآلهة والإلهات؛ الأمر الذي كان خطأً من وجهة نظرهم، رغم أنه مدهش في الوقت نفسه. فإن إلههم — رغم أنه ثلاث كيانات (الأب والابن والروح القدس) — هو إله واحد.

جانيشا (جاناباتي) هو إله برأس فيل يحبه الهندوس لإصغائه العطوف لطلبات تابعيه وقدرته على إزالة العقبات، وهو ابن شيفا وبارفاتي، خُلِقَتْه أمه ذات يوم ليحميها أثناء استحمامها، ونظرًا لأن شيفا لم يكن على علم بهوية ابنه، قطع رأسه لعدم سماحه له بالدخول إلى مقر بارفاتي؛ فغضبت بارفاتي غضبًا شديدًا، ووعدها شيفا بإعادة جانيتشا إلى الحياة برأس أول مخلوق يمر به، وكان ذلك المخلوق فيلاً.

فقد تعلم رامنوجا واعتنق نظام فيدانتا الفلسفي، الذين ظهروا في قرون لاحقة وكان حب فيشنو وكريشنا أهم ما في نظرهم، أن الإله يتجسد في خمس صور: في صورة متسامية عليا، فيما ينبثق منها (أفاتارا)، وفي قلب كل فرد أو ذاته، وفي صورة المتحكم الداخلي في الكون، وفي الوجود الإلهي داخل الرمز المُكرّس للتقديس (مورتي). إن الإله متسامي وعميق، لكنه باطني أيضًا ويمكن الوصول إليه في الوقت نفسه. ويمكن أن ينبثق الرب على نحو كريم في صورة مُجسَّدة (أفاتارا) ليساعد البرية في أوقات الحاجة، وذلك مثلما رأينا راما في ملحمة “رامايانا” وكريشنا في “بهاجافاد جيتا”.

[لن تصدقوني، على الأرجح، إذا ذكرتُ لكم المخلوقات الوضيعة والمشينة التي يُمنحون بها درجات التصرف الإلهي. وإني لأرى أنه ما من وثنية لدى القدماء أكثر فداحة أو بشاعة من وثنية الهندوس.] بيير مارتن، أوائل القرن الثامن عشر.

يعتبر الإله أقرب عندما يكون إلهًا مُكرّسًا للتقديس في المعبد.

  1. التعددية والتوحيد

الإله قد يظهر أو يعطي إشارة في أي وقت لتشجيع تابعيه أو مكافأتهم أو تحذيرهم، أو حتى معاقبتهم. والقصص المذكورة في “بورانا” والتقاليد المحلية والروايات السردية تؤكد هذه الفكرة وتكررها.

فيشنو وشيفا: مُنذ عُصُر نصوص “أوبانيشاد” المتأخرة، صار فيشنو وشيفا إلهين مشهورين، واعتُبرَا جديرين بالعبادة والخدمة من تابعيهما الذين أُشير إليهم باسم “الفايشنافا” و “الشيفا” على التوالي. وظهرت الممارسات العقائدية والتعليمات المذهبية، وفي قصص هذين الإلهين أو أساطيرهما المُسجَّلة في نصوص “بورانا”،

وَقد اعتقد أتباع كلٍّ من هذين الإلهين أن من يعبدونه هو الإله الأعظم المتسامي، لكنه باطني ويعيش داخل كل شخص في الوقت نفسه. فارتبط شيفا بأربعة إلهية حصل من خلالها على قواه. أما فيشنو، فقد أكد على تأثيره الإلهي باتخاذه شكل حيوان أو إنسان في فترات الظلام والانحدار الأخلاقي. وفي نهاية فترة ظهور نصوص “بورانا”، تم تسجيل عشر صور تجسيدية (أفاتارا) رئيسية للإله فيشنو، وهي:

ماتسيا: السمكة.

كورما: السلحفاة.

فاراها: الخنزير البري.

ناراسيمها: الأسد.

فامانا: القزم.

باراشوراما: راما الذي يحمل فأسًا.

راما.

كريشنا.

بوذا.

كالكِي: “الحصان الأبيض”، الذي سيأتي في نهاية عصر الظلام أو “كالي يوجا”.

لقد نُظِر أيضًا إلى راما وكريشنا على أنهما إلهان مستقلان وعظيمان في ذاتيهما؛ فيتم تصوير راما كمحارب يحمل قوسًا وسهامًا، وتُصاحبه زوجته سيتا وأخوه لاكشمانا وخادمه المخلص هانومان؛ القرد المحارب. أما كريشنا، فيتم تصويره عادةً كصبي راعٍ للبقر يلعب على الناي ويحيط به الأبقار، أو يلعب مع أصدقائه، أو يعاكس الفتيات القائمات على رعاية البقر (الجوبي). وفتياته المفضلة هي رادها، ويظهران معًا عادةً في اللوحات والرموز الموجودة في المعابد. ويتم تصوير كريشنا أحيانًا في صورة طفل يلعب أو سائق العجلة الحربية الذي يصاحب أرجونًا بطل “بهاجافاد جيتا”.

يتجنب الناس الأشباح خوفًا من سخطها، لكنهم يعبدون الإلهات المحليات ليحظوا بنعمتها أو بركاتها.

ويُوصَف عادةً الأشخاص الذين تعكس أفعالهم إدراكًا ذاتيًا بالمهيات؛ أي الذوات العظمى. وقد كان غاندي — الذي سنتحدث عنه أكثر في الفصل التالي — أحد أولئك الأشخاص. عن طريق التلبس؛ فعندما يتلبسون، لا يكونون هم المتحدثين أو الفاعلين، وإنما الإله (أو الإلهة) الموجود داخلهم.

أثناء عيد دورجا بوغا في بنغال ومناطق أخرى بشمال الهند، تسكن الإلهة دورجا بعض المتعبدين بانضباط. ومن خلال تجسدها داخل هؤلاء المتعبدين، قد ترقص بينهم، وتجيب على أسئلتهم، وتقدم لهم النصيحة. ويُعتبر وجود الإلهة في مثل هذا التجمع أمرًا ميمونًا ومباركًا للجميع.

لا شك أن ثمة عددًا هائلًا من الآلهة يعبدها الهندوس، لكننا إذا عدنا لحظات إلى “أوبانيشاد”، فسنجد أن الآلهة المتعددة والإله الواحد ليسا منفصلين.

سأل أحد الباحثين عن الحقيقة الحكيم يا جنافالكيا عن عدد الآلهة، فأجاب:

– ثلاثمائة وثلاثة، وثلاثة آلاف وثلاثة.

– نعم، بالطبع. لكن، حقًا، يا جنافالكيا، كم عدد الآلهة؟

– ثلاثون.

– نعم، بالطبع. لكن، حقًا، يا جنافالكيا، كم عدد الآلهة؟

– ستة.

– نعم، بالطبع. لكن، حقًا، يا جنافالكيا، كم عدد الآلهة؟

– ثلاثة.

– نعم، بالطبع. لكن، حقًا، يا جنافالكيا، كم عدد الآلهة؟

– اثنان.

– نعم، بالطبع. لكن، حقًا، يا جنافالكيا، كم عدد الآلهة؟

– واحد ونصف.

– نعم، بالطبع. لكن، حقًا، يا جنافالكيا، كم عدد الآلهة؟

– واحد.

في: “أوبانيشاد: بريهادارانيكا أوبانيشاد”

يُفضل عدد كبير من الهندوس أحد الآلهة أو الإلهات على وجه التحديد ليكون إلههم المختار (إشتا-ديفا). وتحدد تقاليد الأرثة ذلك عادة، لكن بعض الناس قد يطورون علاقة خاصة بينهم وبين إله معين، ربما لاستجابته لصلواتهم في أوقات الحاجة أو لرؤيته لهم في الحلم، لكنهم يعترفون أيضًا بالعديد من الآلهة الأخرى ويعبدونها.

فالإله — الذي قد يُعرَّف الهندوس بـ براهمان أو ديفي أو كريشنا أو غير ذلك — يظهر بأسماء وصور عديدة؛ ومن ثم، فإن التعددية تعبر عن التوحيد، لكن المفهومين يظلان مهمين؛ فالهندوسية دين متعددة الآلهة وتوحيدية في الوقت نفسه؛ إذ للإلهة المتعددة والإله الواحد مكان فيها وفي الخبرة العامة لمعظم الهندوس.

  1. الاستجابات للوجود الإلهي

كيف يستجيب الهندوس لما هو إلهي ومقدس؟ يستجيب الهندوس بتقديم العطايا والقرابين لهم واسترضاء الأرواح لدى معظم الهندوس محرب منزليًّا في المطبخ (الذي يُعتبر أقدس مكان في المنزل) أو أي غرفة أخرى. يضعون في هذا المحراب صورًا ورسومًا لآلهتهم المختارة والأشخاص الأتقياء، وقد يقدمون لهم الطعام والماء والبخور والضوء كل يوم.

وعلى الرغم من أن بعض الهندوس قد يقومون بزيارات منتظمة لمعبد قريب لأداء طقس دارشانا، فإن معظمهم لا يذهبون إلى المعابد إلا في الأعياد (التي قد يصومون فيها أيضًا، ويأكلون أطعمة معينة، ويزورون الأقارب، ويقدمون الهدايا).

الأوقات المُقدَّسة والأعياد الهندوسية

هناك العديد من الأعياد التي يُحتفل بها في الهند، وهي تختلف من منطقة لأخرى، بل إن بداية العام نفسها تختلف من مكان لآخر؛ فيعتبرها البعض في أكتوبر والبعض الآخر في أبريل. ويختلف التقويم المستخدم في حساب تواريخ الأعياد عن التقويم الميلادي الغربي؛ فهو تقويم قمري، لكل شهر من أشهره الاثني عشر نصفي مظلم ونصف مضيء، يتزامنان مع مراحل القمر.

فثمة وقت مناسب لكل مظهر، وتحديد ذلك الوقت هو مهمة المنجم. ولا يحتفل جميع الهندوس بكل هذه الأعياد؛ فبعضها يحمل معنى محليًا خاصًا، والبعض الآخر يخص عباد إله معين. ويقوم بعض الأعياد على أساس العائلة، والبعض الآخر يمثل مناسبات يشيع فيها الحجاج زيارة المعابد.

ديبافالي (أكتوبر/نوفمبر): هو عيد الأنوار. يستمر هذا العيد لعدة أيام، ويرتبط بشكل متنوع بالآلهة راما وكريشنا والإلهة لاكشمي. تُضاء فيه مصابيح صغيرة، وعادة ما تُقدم فيه الهدايا.

ماكار سانكرانتي، بونجال، لوهري (يناير): يعني اسم “ماكار سانكرانتي” الدخول إلى برج الجدي، ويشير هذا العيد في الأساس إلى نهاية الحصاد، ويحتفل به عادة باستخدام الألعاب النارية والحلوى، ويسمى “بونجال” في ولاية تاميل نادو؛ حيث يُسلق الأرز ويُقدم للشمس.

شيفاراتري (فبراير/مارس): هو العيد الرئيسي للهندوس الشايفا؛ حيث تُقدم العطايا للإله شيفا وتُنشد الترانيم الممجدة له.

راما نافامي (أبريل): هو احتفال بالذكرى السنوية لميلاد راما، وتُقرأ فيه ملحمة “رامايانا”.

كريشنا جانماشتمي (أغسطس/سبتمبر): هو عيد كريشنا الرئيسي الذي يحتفل بذكرى ميلاده، وتُقرأ فيه عادة “بهاجافاتا بورانا”.

بالإضافة إلى الأعياد السنوية، هناك بعض الطقوس التي تُقام شهريًا أو أسبوعيًا، لا سيما الصيام لآلهة معينة، مثل صيام إكاداشي الشهري الذي يتم فيه التوسل للإله كريشنا وتخصيص يوم الجمعة للصلاة للإله ديفي.

وسوف نختتم الحديث في هذه المسألة بتناول استجابتين منها باختصار؛ وهما: تمجيد الإله في المعبد، وخدمة الإله من خلال الحياة الدينية الجماعية.

مادوراي، مدينة المعبد

إن مدينة المعبد القديمة هذه، الموجودة في ولاية تاميل نادو، ليست مكانًا عظيمًا للعبادة فحسب، وإنما الهندسة المعمارية وفن النحت المستخدمان في معبدها يُعدان شهادة على الأسلوب الذي اتبعه الأجيال السابقة من الهندوس في خدمة آلهتهم الكبيرة وتمجيدها.

ميناكشي، الملكة والمحاربة المتحولّة إلى إلهة، بينما يقيم زوجها سونداريشفارا (أحد صور الإله شيفا، التي تسكن في لينجا) في المعبد الثاني. تُعتبر ميناكشي الإلهة الرئيسية لمدينة مادوراي، وليس زوجها. تُعبد أحيانًا وحدها.

وفي الأيام العادية بالمعبد، قد يزوره عدد يتراوح من 20 إلى 25 ألف زائر لحضور طقس “البوجا” العام، وأداء مناسك العبادة الخاصة بهم. وقد يحصلون أيضًا على خدمات أحد الكهنة لتقديم العطايا نيابةً عنهم وتلاوة أسماء الإله البالغ عددها 108 أسماء.

ويكتسب هؤلاء الكهنة الحق والطهر والسلطة لخدمة ميناكشي وسونداريشفارا بفضل ولادتهم في طائفة معينة وخضوعهم لطقوس تأهيل وتكريس محددة. ويلبي هؤلاء الكهنة حاجات الآلهة، ويعملون أيضًا كقنوات اتصال يقدم من خلالها عامة المتعبدين العطايا للإله ويحصلون منها على البركات.

الجمعية الدولية للوعي بكريشنا

قد يستجيب عامَّة المُتعبِّدين للوُجُود الإلهي أيضاً عن طريق قبول اللجوء إلى مُعلِّم روحاني، ويصبحون في بعض الأحيان الكيان المتمركز حول هذا المعلم (سامبرادايا). وسوف نلقي نظرة في هذا المثال الأخير على حركة دينية نشأت حول إيه سي بهاكتيفيدانتا سوامي، وهو زاهد (سانياسي) بنغالي ترك الهند وهو في سن التاسعة والستين لنشر الوعي بكريشنا وحبه في الغرب. وتطورت سريعا الحركة التي أسسها ذلك الرجل في عام ١٩٦٦، وهي الجمعية الدولية للوعي بكريشنا، قبل وفاته في عام ١٩٧٧، وصار لها أتباع الآن في الهند وغيرها من الدول النامية، وكذلك في الغرب.

يوصف كريشنا في العبارة الأولى بأنه “الشخصية العليا للألوهية”، في إشارة إلى أنه الشخصية الإلهية العليا التي يسعى المتعبدون إلى التواصل معها. وفي العبارة الأخرى، “العودة إلى الإله الأعظم”، (وهو اسم مجلة الجمعية أيضًا)، يتم التعبير عن رغبة المتعبد في العودة إلى أصله في علاقته الأبدية مع كريشنا.

ضرورة نشر اسم كريشنا في كل قرية ومدينة. ولأخذ هذه المناشدة على محمل الجد، يجب على أتباع الحركة عدم الاكتفاء بالاستجابة لكريشنا على نحو فردي بتحسين التزامهم الروحاني الشخصي، وإنما يلزمهم أيضًا تعريف الآخرين على كريشنا والطريقة للخدمة التعبدية (بهاكاتي يوجا).

الفصل السادس: الهندوسية والاستعارة والحداثة

“كبير”، وهو شاعر بهاكتي عاش في القرن الخامس عشر بشمال الهند في الوقت الذي كانت فيه تحت حكم مغول الهند وكان الإسلام دين الحكم. وقد اعتنق أتباعه، الذين كانوا من طائفة النساك، الإسلام، لكن ذلك الاعتناق كان مسألة شكلية أكثر من كونها مسألة إيمانية. وعُبر “كبير”، على الأقل، بالاشمئزاز من الممارسة الدينية الظاهرة لكل من المسلمين والهندوس. واعتقد بقوة أن الإله – الذي هو في النهاية بلا شك محدد – يتجلى في قلوب عباده. والممارسات الطقسية، والصور، والرموز، والمباني كلها أشياء غير ضرورية.

عبَّر آخرون مثل “كبير” و “نانك” (أول المُعلِّمين الرُّوحانيين السِّيخ) عن حُبّهم للإله الواحد الأعظم الذي لا يحمل اسمًا أو شكلًا.

  1. الاكتشاف الأوروبي للهندوسية

تاجر الأوروبيون مع الهند للحُصُول على التَّوابل والمنسوجات مُنذ زَمَنٍ بعيد يعود إلى العُصُور الكلاسيكية والوسطى، لكن أشهر التُّجَّار الأوروبيين مع الهند على الأرجح هو البرتغالي فاسكو دا جاما، الذي وصل إلى ساحل مالابار في أواخر القرن الخامس عشر بحثا عن «المسيحيين والتوابل».

تلا وصول البرتغاليين في القرنين السادس والسابع عشر وصول الهولنديين والبريطانيين والفرنسيين، الذين أسسوا جميعهم تجارة تجارية في الهند.

كانت الشركة البريطانية هي التي عززت من مكانة البريطانيين التجارية والإدارية، وانتهى بها الأمر إلى السيطرة على الهند سياسيًّا.

وبدءًا من سبعينيات القرن الثامن عشر، تحقق إنجاز علمي هائل على يد رجال يعملون في شركة الهند الشرقية، أبرزهم تشارلز ويلكنز في أول ترجمة إنجليزية لـ “بهاجافاد غيتا” (عام 1785)، وويليام جونز في عمله “الأبحاث الآسيوية” (بدءًا من عام 1789) الذي يتضمن ترجمته لـ “مانوسمرتي”. هؤلاء الباحثون — الذين عُرفوا فيما بعد باسم “المستشرقين” — اجتهدوا في جمع المعلومات لكتابة مخطوطات عن “السلوكيات والعادات والاحتفالات الهندوسية”.

سعى الأب دوبوا، الذي كان يسوعيًّا فرنسيًّا لا حاكمًا بريطانيًّا، إلى معالجة ذلك بتقديم وصف إثنوجرافي مفصل حصل عليه على مدار سنوات عديدة من المعرفة الوثيقة بالهندوس؛ فعاش كواحد منهم، وارتدى ملابسهم، وكسب ثقتهم.

تُرجمت مخطوطته إلى الإنجليزية (عام 1815)، وأصبحت مصدرًا للأوروبيين الحريصين على تكوين رأي بشأن الثقافة الدينية في الهند.

المسيحية والهندوسية الحديثة

(الأب دوبوا) غرضه لم يكن الإشارة وإنما إعلام الآخرين بواقع الأمر. وبصفته يسوعيًّا، كان توًا عائدًا للروح للمسيحية، وشعر بأن السبيل الوحيد لفعل ذلك هو اكتساب معرفة عميقة عن المجتمع الهندي وثقافته. فيقول: “لقد توصلت إلى أن الصورة الصادقة لخبث تعدد الآلهة والوثنية وتناقضها ستساعد كثيرًا — من خلال قبحها في حد ذاتها — على إبراز جوانب الجمال والكمال في المسيحية”.

كانت لديهم قناعة إنجيلية أكثر قوة — مثل ويليام ويلبرفورس، صاحب الحملات المناهضة للعبودية — اختلفوا مع تلك الفكرة وفضلوا أن يقوم الحكم البريطاني في الهند بدور أكثر فعالية في تجريم مثل هذه الممارسات والترتيب للمسيحية، لكن الكثيرين ممن كانوا في السلطة آنذاك تحفظوا على معاداة سكان البلاد وإثارة القلاقل المدنية.

يعد رام موهان روي (1772–1833) أحد كهنة البرهمية الهندوس المعروفين للتبشيريين في سيرامبور، والذين تأثروا بهم؛ فبفضل إتقانه للفرنسية والعربية واليونانية واللاتينية والإنجليزية إلى جانب البنغالية والسنسكريتية، كان أول هندي يعلق في مؤلفات مطبوعة بالإنجليزية على البريطانيين وديانتهم ووضعهم في السياق الهندي.

وبوصفه هندوسيًّا يحمل أفكارًا جديدة، حصل على مدح ونقد من المسيحيين؛ فمدح لقراءته العهد الجديد، وتقديره لتعاليم يسوع الأخلاقية، وتعاطفه مع الموحدين، لكنه انتقد لعدم موافقته على أن يسوع ابن الرب.

أَسَّسَ جَمْعِيَّةٌ تُعْرَفُ بِاسْمِ “بَرَاهَمُو سَامَاج” … وَقَدْ كَانَتْ صُورُ الآلِهَةِ وَالإِلَهاتِ وَعِبَادَتِهِنَّ مَحْظُورَةً فِي مَقَرِّ الجَمْعِيَّةِ.

(3) الهِنْدُوسِيَّةُ فِي مَوْقِفِ الهُجُوم

كَيْشَاب تَشَانَدرا سِين (١٨٣٨–١٨٨٤) الَّذِي وَاصَلَ العَمَلَ عَلَى قَضَايَا المَرْأَةِ مِنْ خِلَالِ المَطَالِبَةِ بِزَوَاجِ الأَرامِلِ.

فَأَكَّدَ دَايَانَانْدَا سَارَاسْوَاتِي (١٨٢٤–١٨٨٣) الَّذِي أَسَّسَ حَرْكَةَ آرْيَا سَامَاج عَامَ ١٨٧٥، عَلَى الأَسَاسِ الدِّيْنِيِّ الفِيدِيِّ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَأَهَمِّيَةِ تَعْلِيمِ النِّسَاءِ.

أَدَانَ البَرِيطَانِيُّونَ وَالفَرَنْسِيُّونَ السُّوتِي (أي حَرْقُ الأَرامِلِ) بِوَصْفِهِ عَمَلًا غَيْرَ إنْسَانِيٍّ.

لَكِنَّ السَّاتِي لَمْ يُفْهَمْ عَلَى هَذَا النَّحْوِ مِنَ الهِنْدُوس الَّذِينَ قَبِلُوا بِهِ؛ فَكَلِمَةُ “سَاتِي” تَعْنِي، فِي الوَاقِعِ، “امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ”؛ أي زَوْجَةٌ مُخَلَّصَةٌ اخْتَارَتْ التَّغَلُّبَ عَلَى المَوْتِ بِأَنْ تُصْبِحَ إِلَاهَةً أَوْ “سَاتِي-مَاتَا”.

فَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَمَّ بِالْفِعْلِ عَلَى نَحْوٍ مُنَظَّمٍ إِلَى حَدٍّ مَا فِي بَعْضِ الْمَنَاطِقِ فِي شَمَالِ الهِنْدِ فِي الْقَرْنِ الثَّامِنِ عَشَرَ؛ حَيْثُ اعتُبِرَ خِيَارًا مُنَاسِبًا لِلنِّسَاءِ مِنَ الطَّوَائِفِ الْعُلِيَا الَّتِي يَمُوتُ أَزْوَاجُهُنَّ قَبْلَهُنَّ.

أَمَّا البَرِيطَانِيُّونَ، الَّذِينَ خَشُوا مِنَ التَّدَخُّلِ فِي الشُّؤُونِ الدِّينِيَّةِ الهِنْدُوسِيَّةِ، فَكَانُوا حَذِرِينَ، لَكِنَّهُمْ فِي النِّهَايَةِ سَنُّوا قَانُونًا لِحَظْرِ حَرْقِ الأَرامِلِ عَامَ ١٨٢٩.

بَيْدَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ السَّهْلِ سَنُّ قَوَانِينَ ضِدَّ الْمُعْتَقَدَاتِ وَالْمُمَارَسَاتِ الشَّائِعَةِ،

وَفِي عَامِ ١٩٨٧ فِي قَرْيَةِ دِيُورَالَا فِي رَاجَسْتَان، لَقِيَتْ زَوْجَةً شَابَّةً تُدْعَى رُوب كَانَوَار مِعْرَضَةً فِي مَحْرَقَةٍ جَنَازَةَ زَوْجِهَا، وَصَارَ السَّاتِي مَثَارًا لِلْجَدَلِ مَرَّةً أُخْرَى. دَافَعَتْ أَتْبَاعُ رُوبَ وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ وَالْعَدِيدُ مِنَ الزُّعَمَاءِ الهِنْدُوسِ عَمَّا حَدَثَ، فَقَالُوا إِنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِمُحْضِ إِرَادَتِهَا، لَكِنَّ الْكثيرَ مِنَ النِّسَاءِ فِي الهِنْدِ تَسَاءَلُوا: “هَل مِنِ امْرَأَةٍ تَخْتَارُ الْمَوْتَ بِهَذَا الشَّكْلِ؟” هَل يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِيَارَ رُوبِ الْحُرِّ فِعْلًا؟ أَمْ إِنَّ ثَمَّةَ ضَغُوطًا مَارَسَتْ عَلَيْهَا لِتَدْخُلَ إِلَى الْمَحْرَقَةِ؟

وَزَعَمَ الهِنْدُوسُ الْمُنَاقِشُونَ لِمَسْأَلَةِ حَرْقِ الأَرامِلِ أَنَّ مَنْ انْتَقَدُوا الْحَادِثَ لَيْسُوا إِلَّا عَلْمَانِيِّينَ تَأَثَّرُوا بِالْفِكْرِ الْغَرْبِيِّ؛ وَأَنْكَرَ الرَّافِضُونَ لِلْسَّاتِي أَنَّهُمْ مُعَادُونَ لِلْهِنْدُوسِ، مُؤَكِّدِينَ عَلَى أَنَّهُمْ مُسْتَاؤون فَحَسْبُ مِنْ مُمَارَسَةٍ مُجَحِّفَةٍ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَلَيْسَ لَهَا فِي الْوَاقِعِ أَيُّ حُجَّةٍ قَوِيَةٍ مُؤَيِّدَةٍ لَهَا فِي النُّصُوصِ الهِنْدُوسِيَّةِ الْمُقَدَّسَة.

ثَمَّةَ حَضَارَةٌ عَظِيمَةٌ قَدِيمَةٌ انْدَثَرَتْ تَدْرِيجِيًّا عَلَى مَرِّ الْقُرُونِ بِفَعْلِ الْمُمَارَسَاتِ الدِّينِيَّةِ وَالتَّقَالِيدِ الْاجْتِمَاعِيَّةِ الشَّائِعَةِ، مِثْلَ “الْخُرَافَاتِ” وَ “عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ” وَ “تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ” وَ “النِّظَامِ الْاجْتِمَاعِيِّ الطَّائِفِيِّ”.

لَقَدْ طَغَى تَأْثِيرُ الثَّقَافَةِ الْغَرْبِيَّةِ وَالْقِيَمِ الْمَسِيحِيَّةِ عَلَى الْكَثِيرِ مِنَ الْمُبَادِرَاتِ الهِنْدُوسِيَّةِ الْحَدِيثَةِ فِي الْقَرْنِ التَّاسِعِ عَشَرَ بِنَحْوٍ أَوْ بَآخَرَ.

مِنَ الشَّخْصِيَّاتِ الَّتِي كَانَتْ أَقَلَّ تَأَثُّرًا بِالْوَضْعِ الْاسْتِعْمَارِيِّ فِي الهِنْدِ رَامَاكْرِيْشْنَا (١٨٣٦–١٨٨٦). وُلِدَ رَامَاكْرِيْشْنَا فِي أَسْرَةٍ بَرَهَمِيَّةٍ فَقِيرَةٍ، وَصَارَ كَاهِنًا لِلْإِلَاهَةِ كَالِي فِي مَعْبَدِ دَاكْشِينِسَوَار قُرْبَ كَلْكَتَّا. وَأَسَّسَ عَلاَقَةً قَوِيَةً مَعَ الأُمِّ العَظِيمَةِ كَالِي الَّتِي رَآهَا لَاحِقًا مُتَجَسِّدَةً فِي زَوْجَتِهِ الشَّابَّةِ، سَارَادَا.

واسْتَكْشَفَ الرُّوحَانِيَّة المَسِيحِيَّة والإسْلَامِيَّة. وَقَدْ أَلَّهَمَتْ أَفْكَارُهُ المَتَعَمِّقَةُ وَسُلُوكُهُ الصُّوفِيُّ كَثِيرًا مِنَ النَّاس، خَاصَّةً نَارِينْدَرَانَاث دَاتَا (١٨٦٣–١٩٠٢) المُتَشَكِّكُ الَّذِي حَصَلَ عَلَى تَعْلِيمٍ بَرِيطَانِيٍّ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ التَّابِعُ، الَّذِي اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ اسمَ فِيفِيكَانَانْدَا فِي مَا بَعْدُ، هُوَ الَّذِي أَعْطَى شَكْلًا أَيْدِيُولُوجِيًّا وَمُؤَسَّسِيًّا لِرُؤْيَةِ مُعَلِّمِهِ الرُّوحَانِيِّ. لَكِنَّ سَارَادَا دِيَفِي كَانَتْ هِيَ الْمَحَوْرُ الرُّوحَانِيُّ لِلْعَدِيدِ مِنْ أَتْبَاعِ زَوْجِهَا، بِوَصْفِهَا تَجَسُّدًا لِلْإِلَاهَةِ كَالِي.

إرث سارادا ديفي: تَأَسَّسَتْ مَنْظَمَةٌ دِينِيَّةٌ نِسَائِيَّةٌ — هِيَ رَامَاكْرِيْشْنَا سَارَادَا مَات آند مِيشْن — رَسْمِيًّا عَامَ ١٩٥٤ عَلَى اسْمِ سَارَادَا دِيَفِي. وَيُوجَدُ لِهَذِهِ الْمَنْظَمَةِ، الَّتِي لَهَا نَشَاطٌ أَيْضًا الآن فِي جَنُوبِ أَفْرِيقِيَا وَأَسْتُرَالِيَا، نَحْوُ عَشْرِينَ فَرْعًا فِي الهِنْدِ.

(4) مِنَ الهِنْدِ إِلَى الْغَرْبِ وَالْعَوْدَةُ مَرَّةً أُخْرَى

إنَّ أَهَمَّ إِسْهَامَاتِ فِيفِيكَانَاندا هُوَ تَعْرِيفُ الْغَرْبِ بِالتَّعَالِيمِ الهِنْدُوسِيَّةِ المُعَاصِرَةِ، مِنْ أَجْلِ الْغَرْبِ. فَيَرْجِعُ الْفَضْلُ الْأَكْبَرُ، فِي الْوَاقِعِ، فِي تَشْكِيلِ الْفَهْمِ الْغَرْبِيِّ لِلْهِنْدُوسِيَّةِ فِي فَتْرَةِ مَا قَبْلَ سَبْعِينَياتِ الْقَرْنِ التَّاسِعِ عَشَرَ إِلَى فِيفِيكَانَانَدا، وَيَعْكِسُ هَذَا الْفَهْمُ رُؤْيَةَ فِيفِيكَانَانَدا الْقَائِمَةَ عَلَى فِكْرَةِ الأَحَادِيَّةِ، الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا عَادَةً بِاسْمِ “فِيدَانْتَا”.

فَتَخَيَّلُوا أَنَّ الشَّرْقَ هُوَ كُلُّ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ الْغَرْبُ: رُوحَانِيٌّ، أَسْطُورِيٌّ، حَافِلٌ بِالطُّقُوسِ وَالرُّمُوزِ؛ غَيْرَ مَادِّيٍّ أَوْ عَقْلَانِيٍّ أَوْ عِلْمِيٍّ.

أَثَرُ الْبِيتَزَا

اِنْتَقَلَتِ الْبِيتَزَا — الَّتِي هِيَ فِي الأَصْلِ نَوْعٌ مِنَ الْخُبْزِ المُسَطَّحِ — مَعَ الْمُهَاجِرِينَ الإِيْطَالِيِّينَ إِلَى أَمْرِيكَا فِي الْقَرْنِ التَّاسِعِ عَشَرَ، وَتَطَوَّرَتْ هُنَاكَ إِلَى مَا نَعْرِفُهُ الْيَوْمَ: خُبْزٌ مُسَطَّحٌ مُغَطًّى بِالطَّمَاطِمِ وَالْجُبْنِ وَأَيِّ مَشْرُوبٍ آخَرَ قَدْ يَرْغَبُ فِيهِ مَنْ يَأْكُلُهَا. وَالْإِيْطَالِيُّونَ النَّاجِحُونَ، الَّذِينَ عَادُوا إِلَى إِيْطَالِيَا لِزِيَارَةِ عَائِلَتِهِمْ، أَخَذُوا مَعَهُمْ الْبِيتَزَا بِصُورَتِهَا الْجَدِيدَةِ الَّتِي اسْتَوْعَبَتْهَا إِيْطَالِيَا فِي مَا بَعْدُ قَبْلَ أَنْ تُصَدِّرَهَا إِلَى بَقِيَّةِ الْعَالَمِ بِوَصْفِهَا وَصْفَةً إِيْطَالِيَّةً أَصِيلَةً.

وَيُطْلِقُ الْبَاحِثُ أَجْهَانَانَدا بهَارَاتِي عَلَى تَصْدِيرِ مَشْرُوبٍ أَوْ فِكْرَةٍ أَوْ رَمْزٍ مَا، وَنَقَلَهُ الثَّقَافِيُّ ثُمَّ إِعَادَةُ اسْتِيْرَادِهِ مَرَّةً أُخْرَى
وَأَثَرُ ذَلِكَ؛ “أَثَرُ الْبِيتَزَا”.

لَعَلَّ أَوْضَحَ مِثَالٍ عَلَى ذَلِكَ يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ فِي مَوْهَانْدَاس كَرْمَشَانَد غَانْدِي (١٨٦٩– ١٩٤٨).

فَغَانْدِي هِنْدُوسِيّ جُوجَارَاتِي نَشَأَ عَلَى الثَّقَافَةِ الفَايَشْنَافِيَّةِ وَتَعَرَّفَ عَلَى الأَفْكَارِ الجَايْنِيَّةِ فِي مَنْطِقَةِ مِيلَادِهِ، وَانْتَقَلَ إِلَى لَنْدُنَ فِي ثَمَانِينَياتِ الْقَرْنِ التَّاسِعِ عَشَرَ لِدِرَاسَةِ الْقَانُونِ.

فِي لَنْدُنَ حَتَّى بَحَثَ عَنْ النَّاسِ الَّذِينَ قَدْ يَتَشَارَك مَعَهُمْ بَعْضَ تَقَالِيده الثَّقَافِيَّةِ؛ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْفِكْرِ الْحُرِّ الَّذِينَ كَانُوا يَتْبَعُونَ النِّظَامَ الْغِذَائِيَّ النَّبَاتِيَّ وَالثِّيُوصُوفِيَّةَ.

أَثَّرَتْ “بَهَاجَافَاد جِيتَا” على غاندي — الذي قرأها باللغة الإنجليزية — تأثيرًا عميقًا طوال حياته، وأَثَّرَتْ فكرَهُ حول الانفصال وكيفية التصرف (كارما يوغا) التي صارت مهمة في أعمال المقاومة السلمية التي قام بها ضد البريطانيين وفي حملته من أجل الحكم الذاتي للهند. لكن عودة غاندي إلى أصوله الروحية لم تخل من التفكير النقدي، وكان حجر الأساس لمبادئه فلسفة الساتياجراها؛ أي الإشارة إلى الحق؛ وهي الفلسفة التي قام عليها عمله السياسي.

الفصل السابع: تحدِّيَّات تُواجهها الهندوسية: النِّساء والمنبوذون

في منتصف سبعينيات القرن العشرين ومنذ عام 1980 حتى اغتيالها عام 1984، كانت رئيسة وزراء الهند امرأةً، وهي أنديرا غاندي؛ وفي عام 1997، أثناء كتابتي لهذا الكتاب، عُين أحد المهمشين (الداليت)، هو كيه آر نارايانان، رئيسًا للهند؛ فهل يشير اعتلاء هذين الشخصيتين لمنصبين أن النساء والمهمشين قد حققوا المساواة الآن مع الجماعات الأخرى في المجتمع الهندي؟

هل الشؤون الاجتماعية/السياسية منفصلة عن الشؤون الدينية؟ وهل من المناسب عند التفكير في الهندوسية تجاهل الشؤون الاجتماعية/السياسية؟ سيتضح من خلال هذه المناقشة أن مثل هذا التمييز مصطنع وغير عميق.

مسائل الطوائف الاجتماعية والنوع ليست مجرد مسائل اجتماعية تتطلب رد فعل علماني؛ وإنما هي مسائل قائمة على أفكار دينية، وتتم المحافظة عليها من خلال التقاليد الطقسية والمؤسسات البرهمية.

(1) الطائفة الاجتماعية والنوع: من يكون الهندوسي؟

الفارنا (الطبقة الاجتماعية) والجاتي (الطائفة الاجتماعية) وأهمية فكرة الدارما؛ أي النظام والواجب، ومعناها للجماعات الاجتماعية المختلفة. ومثلما أوضحت، كان “مانوسمرتي” أحد النصوص المهمة التي ناقشت هذه الموضوعات.

الشودرا (الخدم) الذين هم خارج نظام الفارنا، ويشار إليهم باسم “تشاندالا”. وكان يُحظر عليهم الاستماع إلى “فيدا”، وحُرِّموا أيضًا من التأهيل لحالة “المولود مرتين” (وارتداء الخيط المقدس).

وقد ازدرى مانو طائفة التشاندالا، واصفًا إياهم بأنهم “طَبَاخُ الكلاب” للدلالة على مكانتهم المتدنية ونجاستهم، وحُظِر عليهم التمتع بأي ملكيات، وأُرسِلوا للعيش خارج القرية وأداء أعمالهم الأكثر مهانةً (كالمطبخ، والعمل في الجلود، وإزالة الفضلات).

وكان لمس أحد هؤلاء الأشخاص يُدنِّس مَن ينتمون لطائفة أعلى، ويستلزم الأمر تطهُّرًا طقسيًا. وكان كهنة البرهمية — الأطهار بين الجميع — أكثر من يخافون من وجود طائفة التشاندالا، على الرغم من اعتمادهم عليهم في أداء المهام المسببة للدنس.

كَانَتِ المَرْأَةُ الحَائِضُ أَيْضًا دَنَسًا، وَاسْتَلْزَمَ لَمْسُ أَيِّ كَاهِنٍ بَرَهَمِيٍّ لَهَا الِاغْتِسَالُ. وَيَقُولُ مَانُو إنَّ نِسَاءَ الطَّوَائِفِ العُلْيَا يَجِبُ أَنْ يَخْضَعْنَ لِحَمَايَةِ آبَائِهِنَّ وَأَزْوَاجِهِنَّ وَبَعْدَ ذَلِكَ أَبْنَائِهِنَّ. وَيَجِبُ أَلَّا يَسْتَقِلْنَ أَبَدًا؛ وَذَلِكَ بِسَبَبِ ضَعْفِهِنَّ وَطَبِيعَتِهِنَّ المُتَقَلِّبَةِ وَالتَّبِعَاتِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ لِلسَّمَاحِ لَهُنَّ بِالتَّرَفُّهِ خَارِجَ إِطَارِ السُّلْطَةِ الذَّكُورِيَّةِ. لَكِنْ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ تَكْرِيمُ زَوْجَتِهِ، وَإِن كَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا التَّحَكُّمُ فِيهَا — بِالْقُوَّةِ إِن لَزِمَ الأَمْرُ — وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى تَرْكِيزِهَا عَلَى الْقِيَامِ بِالْوَاجِبَاتِ المَنْزِلِيَّةِ. وَكَانَ حَمْلُ الأَطْفَالِ — لَا سِيَّمَا الذُّكُورَ — فَضِيلَتَهَا. وَالزَّوْجَةُ الصَّالِحَةُ يَجِبُ أَنْ تَخْدُمَ زَوْجَهَا كَمَا لَوْ كَانَ إِلَهًا، حَتَّى وَإِن كَانَ طَالِحًا، وَيَجِبُ أَلَّا تَتْرُكَه، وَأَلَّا تَتَزَوَّجَ بَعْدَ وَفَاتِهِ.

وَفِي عَصْرِ مَانُو، كَانَ مَحْظُورًا عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ الاِسْتِمَاعُ إِلَى »فِيدَا«، وَكُنَّ مَحْرُومَاتٍ أَيْضًا مِنْ فُرْصَةِ الزُّهْدِ فِي الدِّينِ (سَانْيَاسَا).

لَمْ تُهْمَشِ النِّسَاءُ بِالْقَدْرِ نَفْسِهِ الَّذِي تَعَرَّضَتْ لَهُ طَائِفَةُ التَّشَانْدَالَا، لَكِنَّهُنَّ لَمْ يَتَمَكَّنَّ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَبَادِئِ الْمُقَدَّسَةِ وَالْمُنَاسِبَاتِ الدِّينِيَّةِ، أَوْ تَحْقِيقِ تَقَدُّمٍ رُوحَانِيٍّ وَإِقَامَةِ عَلاَقَةٍ مَعَ الْإِلَهِ.

(٢) الْحَرَكَةُ النِّسَائِيَّةُ

كَانَ وَضْعُ المَرْأَةِ وَمَشْكَلَةُ الطَّوَائِفِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ مِنَ المَسَائِلِ المُهِمَّةِ فِي أَجْنِدَةِ الْمُسْتَعْمِرِينَ وَالْمُصْلِحِينَ الْهِنْدُوسِ الْمُعَاصِرِينَ؛ لَأَنَّهُ كَانَ يُعْتَقَدُ أَنَّ هَاتَيْنِ المَسْأَلَتَيْنِ عَلَامَةٌ عَلَى الاِنْحِدَارِ الدِّينِيِّ وَالْاجْتِمَاعِيِّ فِي الْهِنْدِ.

وَكَانَتْ مِنْ أَكْثَرِ السَّيِّدَاتِ إِخْلَاصًا لِقَضِيَّةِ المَرْأَةِ فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ بانديتا راماباي (١٨٥٨–١٩٢٢)، الَّتِي قَامَتْ بِحَمَلَاتٍ شَعْبِيَّةٍ مِنْ أَجْلِ تَعْلِيمِ الأَرَامِلِ الصِّغَارِ، وَالْتِحَاقِ النِّسَاءِ بِكُلِّيَّاتِ الطِّبِّ، وَتَدْرِيبِ الْمُعَلِّمَاتِ.

وَتَقُولُ سَارُوجِينِي نَايْدو (١٨٧٩–١٩٢٦)، الَّتِي سَتُصْبِحُ بَعْدَ ذَلِكَ زَعِيمَةً لِلْحَرَكَةِ النِّسَائِيَّةِ وَرَئِيسَةً لِحِزْبِ الْمُؤْتَمَرِ الْوَطَنِيِّ الْهِنْدِيِّ، فِي هَذَا الشَّأْنِ: “عَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ، وَسَوْفَ تَنْهَضُ الأُمَّةُ بِنَفْسِهَا… فَالْيَدُ الَّتِي تَهُزُّ المَهَدَ هِيَ الْيَدُ الَّتِي تَحْكُمُ الْعَالَمَ.”

وَاسْتَخْدَمَ كُلٌّ مِّنْ آيَني بَيْزَنْت وَسَارُوجِينِي نَايْدو الْإِلْهَاتِ الْهِنْدُوسِيَّةِ وَالنِّسَاءَ المُذَكَّرَاتِ فِي الْأَسَاطِيرِ الْهِنْدُوسِيَّةِ لِتَقْدِيمِ نَمَاذِجَ يُحْتَذَى بِهَا مِنَ النِّسَاءِ وَالتَّذْكِيرِ بِدَوْرِهِنَّ فِي الصِّرَاعِ السِّيَاسِيِّ.

وَمَا إِنِ اسْتَقَلَتِ الْهِنْدُ حَتَّى أَصْبَحَ بِإِمْكَانِ النِّسَاءِ التَّرَكِيزُ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى تَحْقِيقِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ وَالْحُصُولِ عَلَى حُقُوقِهِنَّ، وَكَانَ يَأْمُلْنَ أَنْ تُؤَكِّدَ الْحُكُومَةُ الْجَدِيدَةُ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الدُّسْتُورِ، وَفِي قَانُونٍ هِنْدِيٍّ جَدِيدٍ.

لَكِنَّ الْحَمَلَاتِ مِنْ أَجْلِ الْحُصُولِ عَلَى الْحُقُوقِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ نِطَاقِ الْعَدَدِ الْمُحَدَّدِ لِلْأَصْوَاتِ النِّسَائِيَّةِ الْمُثَقَّفَةِ ذَاتِ الْوَعْيِ السِّيَاسِيِّ إِلَى نِطَاقِ النِّسَاءِ الْعَادِيَّاتِ إِلَّا فِي سَبْعِينِيَّاتِ وَثَمَانِينِيَّاتِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، وَذَلِكَ مَعَ تَزَايدِ الْمُبَادَرَاتِ فِي أَنْحَاءِ الْهِنْدِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَهْرِ وَإِسَاءَةِ اسْتِخْدَامِهِ، وَالْعُنْفِ الْمَنْزَلِيِّ، وَالِاغْتِصَابِ، وَحَرْقِ الأَرَامِلِ، وَمَنْحِ النِّسَاءِ حُقُوقَهُنَّ الْخَاصَةَ بِالْعَمَلِ، وَإِدْخَالِ تَحْسِينَاتٍ عَلَى قَوَانِينِ الْمِيرَاثِ، وَحَمَايَةِ الْبِيئَةِ، وَسَنِّ قَانُونٍ مَدَنِيٍّ عَامٍّ.

(٣) البَنَاتُ وَالْمَهْرُ وَتَحْدِيدُ الْجِنْسِ

حَتَّى قَبْلَ تَأْلِيفِ مَانُوسَمَرِيَّتِي، كَانَ الْمُجْتَمَعُ الْفِيْدِيُّ يَخْضَعُ لِلْهَيْمَنَةِ الذَّكُورِيَّةِ مَعَ تَرَؤُّسِ الرِّجَالِ لِلْأُسْرَةِ وَوِرَاثَتِهِمْ لِلْمَمْتَلَكَاتِ. وَكَانَ دَارَمَا النِّسَاءِ هُوَ إِنْجَابُ الذُّكُورِ: “لِتُنْعَمْ بِالْإِنَاثِ عَلَى أُنَاسٍ آَخَرِينَ؛ أَمَّا هُنَا فَأَنَعْمَ عَلَيْنَا بِالذُّكُورِ” (أَثَارْفَا فِيدَا).

يُؤَكِّدُ الْكثيرُ أَيْضًا مِنْ سِيرَةِ النِّسَاءِ الْهِنْدِيَّاتِ الذَّاتِيَّةِ عَلَى هَذَا الشُّعُورِ بِأَنَّ إِنْجَابَ الْفَتَيَاتِ لَيْسَ بِالْأَمْرِ المُحَبَّذِ دَائِمًا. وَكَانَ يُنظَرُ عَادَةً لِلْفَشَلِ فِي إِنْجَابِ الذَّكُورِ عَلَى أَنَّهُ عِقَابٌ لِسُوءِ سُلُوكٍ فِي حَيَاةٍ سَابِقَةٍ أَدَّى إِلَى عَوَاقِبَ تَعِيسَةٍ فِي الْحَيَاةِ الْحَالِيَّةِ. … أَمَّا الْبَنَاتُ، فَيَسْتَنْزِفْنَ مَوَارِدَ الأُسْرَة؛ إِذْ يُمْنَحُ آبَاؤُهُنَّ الْمَالَ وَالْبَضَائِعَ (الْمَهْرَ) لِلْعَرِيسِ وأَهْلِهِ عِندَ الزِّواجِ.

وَلَقَدْ تَمَّ حَظْرُ دَفْعِ الْمَهْرِ فِي قَانُونٍ صَدَرَ عَامَ ١٩٦١، وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ ادِّعَاءِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مُعَارَضَتِهِمْ لِذَلِكَ، مَا زَالَ دَفْعُ الْمَهْرِ مُسْتَمِرًّا. الأَمْرُ الْأَكْثَرُ إِثَارَةً لِلْقَلَقِ هُوَ إِسَاءَةُ مُعَامَلَةِ الزَّوْجَاتِ بِسَبَبِ الْمَهْرِ؛ فَيَطَالِبُ الأزْوَاجُ أَوْ أَهْلُهُم فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ بِالْمَزِيدِ مِنَ الأَمْوَالِ وَالْبَضَائِعِ بَعْدَ الزِّواجِ، وَيُفْرَضُ ذَلِكَ عَادَةً بِالْعُنْفِ. وَتَتَزَايدُ الْوَفَيَاتُ؛ فَتُقْتَلُ الزَّوْجَاتُ الشَّابَّاتُ — عَنْ طَرِيقِ الْحَرْقِ عَادَةً — كَي يَتَمَكَّنَ الزُّوجُ مِنَ الزِّواجِ مَجْدَدًا لِلْحُصُولِ عَلَى مَهْرٍ آخَرَ. وَتَنْتَحِرُ السَّيِّدَاتُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ بِسَبَبِ مَا يُتَعَرَّضْنَ لَهُ مِنَ اعتداءاتٍ مُتَوَاصِلَةٍ، فَيَتَحَدَّثُ الْعَنَاوِينُ عَنْ حَالاتٍ مثل: “فَتَاةٌ تَمُوتُ بِسَبَبِ تَعَرُّضِهَا لِلْحَرْقِ” (صَحِيفَةُ “ذَا هِينْدُو”، عَدَد ١٦ فِبْرَايِرَ ١٩٩٥)، و “رَبَّةُ مَنْزِلٍ تُنْهِي حَيَاتَهَا بَعْدَ الْاعتداءِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ الْمَهْرِ” (صَحِيفَةُ “ذَا دِيكَان هِيرَالْد”، عَدَد ٢٠ نَوْفَمْبَرَ ١٩٩٤).

وَتَمَّ تَعْدِيلُ قَانُونِ الْمَهْرِ فِي الْهِنْدِ عَامَ ١٩٨٣، وَدَخَلَ بَعْضُ الْمُنَتَهِكِينَ السِّجْنَ مُنْذُ ذَلِكَ الْحِينِ، لَكِنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَ حَادِثٍ فِي الْمَطْبَخِ وَجَرِيمَةِ قَتْلٍ بِسَبَبِ الْمَهْرِ كَانَ صَعْبًا عَلَى السُّلطَةِ وَالْمُحَاكَمَاتِ.

تَخَيَّلُوا، إِذًا، التَّوَتُّرَ الَّذِي يُصِيبُ الآبَاءَ الَّذِينَ رُزِقُوا بِالْبَنَاتِ فَقَط. فِي ظِلِّ هَذِهِ الْمَخَاوِفِ، لَا رَيْبَ أَنَّ اخْتِيَارَ جِنْسِ الْمَوْلُودِ يَبْدُو أَمْرًا مُغْرِيًا. وَيَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ مُمْكِنًا لِلْأَزْوَاجِ الْقَادِرِينَ عَلَى تَحَمُّلِ تَكَلِيفِ اخْتِبَارِ بَزْلِ السَّائِلِ الأَمِينِيُّ وَالْإِجْهَاضِ إِن لَزِمَ الأَمْرُ، فَتَنْجِدُ عِبَارَةَ “زِيَادَةِ عَمَلِيَّاتِ الْإِجْهَاضِ مَعَ تَزَايُدِ اخْتِبَارَاتِ تَحْدِيدِ جِنْسِ الْجِنِينِ” تَحْتَلُّ الْعُنْوَانَ الرَّئِيسِيَّ لِصَحِيفَةِ “ذَا تَايْمْز أُوف إِنْدِيَا” عَامَ ١٩٨٦، وَفِي بومباي فِي الْعَامِ نَفْسِهِ أَظْهَرَتِ الْأَبْحَاثُ أَنَّهُ قَدْ تَمَّ إِجْهَاضُ ٨ أَلَافِ جِنِينٍ بَعْدَ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْاخْتِبَارَاتِ، وَكَانَتْ جَمِيعُهَا إِنَاثًا مَا عَدَا حَالَةً وَاحِدَةً.

هَلْ قَرَّرَ بَعْضُهُنَّ، مِثْلَ أَندِيرَا رَامَابَاي، أَنَّ الْجَمَاعَاتِ الْهِنْدُوسِيَّةَ التَّقْلِيدِيَّةَ وَالْحَدِيثَةَ لَا أَمَلَ فِيهَا، وَنَظَرْنَ إِلَى بَدَائِلَ رُوحَانِيَّةٍ أُخْرَى، سَوَاءً فِي أَدْيَانٍ أُخْرَى أَوْ فِي مُبَادَرَاتٍ رُوحَانِيَّةٍ جَدِيدَةً؟

(٤) اﻟﻨَّبْذُ الاِجْتِمَاعِيُّ وَنَشْأَةُ هُوِيَّةِ الدَّالِيت

تَنْشَرُ الصُّحُفُ فِي الْهِنْدِ عَلَى نَحْوٍ مُتَكَرِّرٍ أَخْبَارًا عَنْ الْجَرَائِمِ الَّتِي تُرْتَكَبُ فِي حَقِّ الدَّالِيت (المُنْبَذِينَ) (تَزِيدُ عَنْ ١٠ آلاَفٍ خَبَرٍ سَنَوِيٍّ)، شَأْنَهَا فِي ذَلِكَ شَأْنُ أَخْبَارِ الاِعْتِدَاءاتِ الَّتِي تُمارَسُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ.

نَحْوَ خُمْسِ السُّكَّانِ الْهِنُودِ، وَيَعِيشُ أَغْلَبُهُمْ فِي قُرَى الْهِنْدِ بَوْصْفِهِمْ عُمَّالًا زِرَاعِيِّينَ لَا يَمْلِكُونَ الْأَرَاضِيَ، وَيَرْتَبِطُ الْكَثِيرُونَ مِنْهُمْ بِالْمُنْتَمِينَ لِلْطَّوَائِفِ الأَعْلَى. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ عَدَدِهِمْ، وَمَسَاوَاتِهِمْ مَعَ الْهِنُودِ الآخَرِينَ فِي الدَّسْتُورِ، وَقَانُونِ جَرَائِمِ النَّبْذِ الاِجْتِمَاعِيِّ لِعَامِ ١٩٥٥ الَّذِي سُنَّ لِحِمَايَتِهِمْ، يَقَعُ هَؤُلَاءِ النَّاسُ كَثِيرًا ضَحِيَّةَ الْعُنْفِ وَالاِغْتِصَابِ وَالْقَتْلِ الفَرْدِيِّ أَوِ الْجَمَاعِيِّ، وَلَا يَزَالُونَ يُحْرَمُونَ مِنْ حُقُوقِهِمْ (التَّعَلُّمُ، وَدُخُولُ الْمَعَابِدِ، وَحُرِّيَّةُ السُّكْنَى، وَاسْتِخْدَامُ الْآبَارِ).

أمبيدكار: ما السَّبيل للحُرِّيَّة؟ كَانَ كُلٌّ مِنَ الاِعْتِرَافِ الْقَانُونِيِّ وَالسِّيَاسِيِّ بِالْمُنْبَذِينَ وَمَجْمُوعَةٍ مِنَ الْكِتَابات المُسْتَنْيرَةِ حَوْلَ كُلِّ جَوَانِبِ حَالَةِ النَّبْذِ الاِجْتِمَاعِيِّ وَتَارِيخِهَا وَثَقَافَتِهَا وَسِيَاسَاتِهَا؛ الإِرْثُ الأَسَاسِيُّ لِلْدَّكْتُورِ بِي آر أَمْبِيدْكَار (١٨٩١–١٩٥٦).

كَانَ أَمْبِيدْكَار رَادِيْكَاليًّا يُرِيدُ رُؤْيَةَ التَّغْيِيْرِ فِي الْقَانُونِ. لَقَدْ كَانَ مُنْبَذًا بِدَوْرِهِ، أَنْصَبَّتِ اهْتِمَامَاتُهُ عَلَى مَا أَسْمَاهُ بِالتَّغْيِيْرِ الْمَادِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ لِلْمُنْبَذِينَ، فَدَفَعَهُ التَّغْيِيْرُ الْمَادِّيُّ إِلَى الْعَمَلِ مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِ الدِّيْمُقْرَاطِيَّةِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ، وَحُصُولِ الْعُمَّالِ غَيْرِ الْمَالِكِينَ لِلْأَرَاضِي عَلَى حُقُوقِهِمْ، وَتَجْرِيْمِ الاِنْتِهَاكَاتِ الَّتِي تُرْتَكَبُ ضِدَّ الْمُنْبَذِينَ.

حَلَّلَ أَمْبِيدْكَار فِي الْبِدَايَةِ مُسَاهَمَةَ التَّعَالِيْمِ الْهِنْدُوسِيَّةِ فِي شَقَاءِ الْمُنْبَذِينَ؛ فَلَمْ يَجِدْ مُسَاوَاةً فِي الْهِنْدُوسِيَّةِ، وَلَا مَجَالًا لِلتَّقَدُّمِ أَوِ الْحُكْمِ الذَّاتِي.

فَيَقُولُ: “سَأُوَضِّحُ الْأَمْرَ عَلَى نَحْوٍ دَقِيقٍ؛ إنَّ الدِّينَ مَوْجُودٌ مِنْ أَجْلِ الإِنْسَانِ، وَلَيْسَ الإِنْسَانُ مِنْ أَجْلِ الدِّينِ، وَلِلحُصُولِ عَلَى مُعَامَلَةٍ إِنْسَانِيَّةٍ، يَجِبُ أَنْ تَعْتَنِقُوا دِينًا آخَرَ … اعْتَنِقُوا دِينًا آخَرَ لِتَحْصُلُوا عَلَى الْمُسَاوَاةِ. اعْتَنِقُوا دِينًا جَدِيدًا لِتَحْصُلُوا عَلَى الْحُرِّيَّةِ … لِمَاذَا تَبْقَوْنَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ الَّذِي يَمْنَعُكُمْ مِنَ الدُّخُولِ إِلَى الْمَعَابِدِ … وَمِنْ شَرْبِ الْمَاءِ مِنْ بُئْرٍ عَامَّةٍ؟ لِمَاذَا تَبْقَوْنَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ الَّذِي يُهِينُكُمْ فِي كُلِّ خُطْوَةٍ تَخَطُّونَهَا؟!“

وَبَعْدَ أَنْ أَعْلَنَ أَمْبِيدْكَار عَامَ ١٩٣٥ عَنْ عَزْمِهِ عَلَى أَلَّا يَمُوتَ هِنْدُسِيًّا، نَبَذَ ذَلِكَ الرَّجُلَ — الَّذِي بَلَغَ عَدَدُ أَتْبَاعِهِ نِصْفَ مَلِيُونٍ — مَاضِيَهُ الدِّينِيَّ وَأَعْلَنَ عَنْ اعْتِنَاقِهِ الْبُوذِيَّةَ عَامَ ١٩٥٦.

رَكَّزَ هَؤُلَاءِ النَّاسُ عَلَى وَضْعِهِمْ الْعَامِّ بَوْصْفِهِمْ “دَالِيت”؛ أَيْ أَشْخَاصٍ “كُسِروا” وَ “تَشَرذموا” وَ “قُهِرُوا”. وَدَعَاهُمْ زُعَمَاؤُهُمْ إِلَى اعْتِنَاقِ الإِنْسَانِيَّةِ الْعَلْمَانِيَّةِ بَوْصْفِهَا عَقِيدَةً أَخْلَاقِيَّةً تَقُومُ عَلَى الْخَيْرِ الحَالِّيِّ لِلْإِنْسَانِيَّةِ، وَإِلَى رَفْضِ الْقَوَانِينِ وَالْوَاجِبَاتِ الْمُقَسَّمَةِ الْقَائِمَةِ عَلَى التَّسَلْسُلِ الهرميِّ وَالْمُرَتَبِطَةِ بِالْهِنْدُوسِيَّةِ الْمُحَافِظَةِ، وَالتَّرْكِيزِ الأَخْرَوِيِّ لِلْدِّينِ بوجهٍ عَامٍّ.

(٥) اﻟْدِّيْنُ وَالاِحْتِجَاجُ

وَكَانَت ثَمَّةَ آمالٌ عَرِيضَةٌ، بَعْدَ اسْتِقْلاَلِ الْهِنْدِ، فِي أَنْ تُحَدِّثَ حُكُومَةُ الْهِنْدِ الْعَلْمَانِيَّةُ تَغْيِيرًا فِي وَضْعِ كِلَتَي هَاتَيْنِ الْفِئَتَيْنِ عَنْ طَرِيقِ الْقَانُونِ، لَكِنَّ ذَلِكَ التَّغْيِيرَ كَانَ بَطِيئًا عَلَى نَحْوٍ مُحْبِطٍ. وَحَتَّى عِندَ سَـنِّ قَوَانِينِ جَدِيدَةٍ، اتَّضَحَ صُعُوبَةُ فَرْضِ تَنْفِيذِهَا فِي مُوَاجَهَةِ مَكَانَةِ التَّقَالِيدِ الدِّينيَّةِ وَالاِجْتِمَاعِيَّةِ وَقُوَّةِ الْمَصَالِحِ.

لَقَدْ كَانَ اعْتِنَاقُ هُوِيَّةٍ دِينِيَّةٍ جَدِيدَةٍ تُقَدِّمُ الْمُسَاوَاةَ وَالْحُرِّيَّةَ، وَالتَّنَصُّلُ مِنَ الْهُوِيَّةِ الْقَدِيمَةِ بِكُلِّ مَا تَحْمِلُهُ مِنْ صُوَرِ الظُّلْمِ الْمُتَأَصِّلِ فِيهَا؛ اسْتِرَاتِيْجِيَّةً مُهِمَّةً لِلْمُنْبَذِينَ.

لَا يَزَالُ مِنَ الْمُسْتَبْعَدِ قَبُولُ امْرَأَةٍ أَوْ أَحَدِ الْمُنْبَذِينَ لِأَدَاءِ دَوْرِ قَائِدٍ شَانْكَارِيٍّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيبِ.

ذَلِكَ يُثِيرُ سُؤَالًا صَعْبًا عَنْ الدَّارْمَا الْهِنْدُوسِيَّةِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي تَظْهَرُ بِهِ فِي النُّصُوصِ التَّقْلِيدِيَّةِ، مِثْلَ “مَانُوسْمَرِيْتِي”. هَل يُمْكِنُ تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمُسَاوَاةِ دُونَ إِحْدَاثِ تَغْيِيرٍ جَذْرِيٍّ فِي التَّعَالِيْمِ الْهِنْدُوسِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالطَّهَارَةِ وَالدَّنَسِ، وَبِطَبِيعَةِ النِّسَاءِ وَالْمُنْبَذِينَ وَوَاجِبَاتِهِمْ؟

الفَصْلُ الثَّامِنُ: عَبُورُ الْمِيَاهِ السَّوْدَاء: الْهِنْدُوسِيَّةُ خَارِجَ الْهِنْدِ

نَظَرَ الْبَاحِثُونَ، الَّذِينَ سَعَوْا إِلَى تَصْنِيفِ الأَدْيَانِ وَأَبْعَادِهَا الْمُتَعَدِّدَةِ وَتَنْمِيْطِهَا، إِلَى الْهِنْدُوسِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا دِينٌ “عِرْقِيٌّ”؛ أَي دِينٌ لِلنَّاسِ مُحَدَّدِينَ، وَيَرْتَبِطُ بِأَرَاضِيْهِمْ أَوْ مَكَانِهِمْ. وَوَفْقًا لِوَجْهَةِ النَّظَرِ هَذِهِ، يَكُونُ الشَّخْصُ هِنْدُوسِيًّا بِفَضْلِ مَوْلِدِهِ دَاخِلَ طَائِفَةٍ هِنْدُوسِيَّةٍ هِنْدِيَّةٍ.

وَيَخْضَعُ هَذَا الشَّخْصُ، وَفْقًا لِلْتَّقَالِيدِ، لِلدارْمَا الْخَاصَةِ بِمُجْتَمَعِهِ؛ أَي قَوَاعِدِهِ وَعَادَاتِهِ. وَقَدْ عُرِفَ نِطَاقُ الدَّارْمَا، أَي الْعَالَمُ الْهِنْدُوسِيُّ، بِاسْمِ “بَهَارَاتٍ”؛ أَي الأَرْضُ الَّتِي طَهَّرَهَا الْبَرَاهْمَةُ طَقْسِيًّا وَتُحِيطُ بِهَا “كَالا بَانِي”؛ أَي الْمِيَاهُ السَّوْدَاءُ.

اَلْغَالِبِيَّةُ الْعُظْمَى مِنْ هِنْدُوسِ الْعَالَمِ، فَيَعِيشُونَ فِي دَوْلَةِ الْهِنْدِ الْعَلْمَانِيَّةِ؛ حَيْثُ يُمَثِّلُونَ نَحْوَ ٧٨٪ مِنْ إِجْمَالِيِّ عَدَدِ السُّكَّانِ الْبَالِغِ ٩٠٠ مِلْيُونٍ نَسَمَةٍ، وَفِي نِيباَلَ، حَيْثُ الْهِنْدُوسِيَّةُ دِينُ الدَّوْلَةِ، ٩٠٪ مِنَ النِّيباليِّين هِنْدُوسٌ. يَبْدُو أَنَّ ذَلِكَ يُدَعِّمُ بِقُوَّةٍ فِكْرَةَ أَنَّ الْهِنْدُوسِيَّةَ دِينٌ عِرْقِيٌّ أَكْثَرُ مِنْ كَوْنِهِ دِينًا عَالَمِيًّا يَحْمِلُ رِسَالَةً لِكُلِّ الْبَشَرِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مِيلاَدِهِمْ وَمَكَانِهِمْ.

وَقَدْ أُثِيرَتْ مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ بِشَأْنِ طَبِيعَةِ الْهِنْدُوسِيَّةِ بَوْصْفِهَا دِينًا فِي ظِلِّ وُجُودِ الْمُجْتَمَعَاتِ الْهِنْدُوسِيَّةِ خَارِجَ الْهِنْدِ (صَارَ الْهِنْدُوسُ سُكَّانًا فِي ٦٨ دَوْلَةٍ بِحُلُولِ عَامِ ١٩٨٠).

وَوُجُودُ هَذَا الشَّتَاتِ الْهِنْدُوسِيِّ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْهِنْدُوسَ كَانَ لَدَيْهِمْ اسْتِعْدَادٌ لِمُخَالَفَةِ الأَمْرِ الْبَرَاهْمِيِّ الْمَذْكُورِ فِي “مَانُوسْمَرِيْتِي” بِعَدَمِ عَبُورِ الْمِيَاهِ السَّوْدَاءِ، أَوْ عَلَى الْأَقَلِ إِعَادَةِ تَأْوِيلِهِ.

كَانَ يُشِيرُ مَصْطَلَحُ “الشَّتَاتِ” فِي الأَصْلِ إِلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ عَاشُوا خَارِجَ يَهُودَا، وَيَرْتَبِطُ الشَّتَاتُ فِي الْيَهُودِيَّةِ بِفِكْرَةِ النَّفْيِ. وَيُسْتَخْدَمُ الْمَصْطَلَحُ الْآنَ بَوْصْفٍ عَامٍّ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَيِّ شُعُوبٍ أُخْرَى تَعِيشُ خَارِجَ مَوْطِنِهَا الأَصْلِيِّ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُ فَعَلَهُمْ ذَلِكَ.

يُشكِّلُ الهِنْدوس نحوَ ١٥ بالمئةٍ من سُكَّانِ العالَم، لكن لا توجد بياناتٌ دقيقةٌ لأعدادِ الهِنْدوسِ الذين يعيشون خارجَ الهند.

إنَّ منظمةَ بوشاسَانَوَاسي أَكْشَار بُوروشوتام سانسثا، التي تُعَدُّ إرساليةً سَوَامِيناريان الهندوسية فرعًا لها في بريطانية، هي أحدُ الحركاتِ الدينيةِ الناميةِ بينَ الهندوس الجوجاراتيين في أَنْحَاءِ العالَم؛ فمن خلال شبكةٍ مكوَّنةٍ من ٣٧٠ معبدًا ومئاتِ الآلافِ من التابعين، أقامتْ هذه الحركةُ مهرجاناتٍ ثقافيةً مهمةً في إفريقياَ وبريطانيةَ والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى الهند. وهي حركةٌ تعبُّديةٌ تُحيي تقليدَ رَامَانُوجا اللاهوتي، ويَعْبُدُ فيها التابعون إلهًا يُعرف باسم سَوَامِينارَيَان بوصفه إلهَهُم الأعظم.

لكن توجد حركاتٌ يكاد يكون كلُّ أتباعها من الغربيين؛ وهي: حركةُ معرفة الذات الأمريكية التي أسَّسَها يوجانندا برمهَنسَا؛ وحركةُ التأمُّلِ المتسامِي (التي أثارت اهتمامَ فرقةِ البيتِلز في أواخر السِّتينيات)؛ وحركةُ سِيدَهَا يُوجَا التي أسَّسَها سَوَامِي موكْتانَانَدا؛ وبرنامجُ السِّنَاسيين الجدد الذي أسَّسه بهاجوان راجنِيْش (المعروف أيضًا باسم أوشو)؛ والسَّاهَاجَا يُوجَا التي أسَّستْها ماتَجي نيرْمَالَا ديفي؛ وإنجار يُوجَا. تدرك كلُّ هذه الحركات، بالإضافة إلى جماعاتٍ عضويةٍ مختلطة، اهتمامَ الغربيين بجوانب الروحانية الهندوسية، لا سيما إنشاد المانترا، وتأمُّل الكونداليني، والهاثا يُوجَا، والإيمان بالتناسخ، واتباع نظام غذائي نباتي.

المَنْزِل هو المكان الذي يتلقى فيه الأطفال دروسهم الدينية؛ ففيه يروي لهم الكبار قصصًا عن الآلهة والإلهات، أو يقرؤونها في الكتب المصورة، أو يشاهدونها في مقاطع فيديو، ويتعرَّفون على الأعياد الهندوسية.

بالرغم من ذلك، فإن هؤلاء الأطفال لن يحصلوا أبدًا على الخبرة نفسها التي يحصل عليها الأطفال في الهند فيما يتعلق بمعرفة التقاليد الأخلاقية والاجتماعية والثقافية الهندوسية الموجودة في العالم من حولهم.

منظمة “فيشوا هندو باريشاد” تعمل بنشاطٍ في أنحاء العالَم لترويج الهوية الهندوسية (“هندوتفا”) وشعور بالفخر بين الهندوس.

تُعَدُّ “هيندويزم توداي” أحد الأمثلة على ذلك، وهي صحيفةٌ شهريةٌ تُنشر في طبعات إقليمية متعدِّدة (ولها أرشيف على الإنترنت) للهندوس في جميع أنحاء العالم. ويروج لها بأنها “صحيفة العائلة الهندوسية التي تؤكد على الدارما وتسجل التاريخ المعاصر لنحو ملياري شخص معتنق لدين عالمي في مرحلة النهضة.”

الكلمات التالية لامرأة هندوسية بريطانية تنتمي إلى الجيل الأول: [لقد بذلت أقصى ما في وسعها لنقل ثقافتي وديني إلى أبنائي؛ لأنهم لا يمكنهم في هذا البلد اكتساب هذه الخبرة أو الثقافة الدينية من العالم الخارجي. لم تُضطَرَّ أمي وجدتي إلى مواجهة ذلك؛ لأن الأطفال في الوطن (الهند) كانوا يحصلون على اللون الديني بأنفسهم. فهم يولدون وينشؤون في ظله، ويحيط بهم في كل مكان.]

الفصل التاسع: الدارما والهندوسية وصور الهندوسية المُتعدِّدة

المُشَاهِد الهِنْدِيّ عِند رُؤْيَتِهِ هَذِهِ الْبَقَرَة العَادِيَّة قَدْ يَتَجَاوَز مَظْهَرَهَا المَادِّي لِيَرَى فِيها رَمْزًا مُقَدَّسًا، أَمَّا مُقَدَّسَةٌ لِكُلِّ مَاء، تَكْمُن فِي رُوثِهَا إِلَٰهَةُ الرَّخَاء.

(1) تَعْرِيفُ الهِنْدُوسِيَّة

مَصْطَلَحُ “الدِّين” غَرْبِيٌّ الأَصْل؛ فَيَرْجِعُ إِلَى اللُّغَة اللَّاتِينِيَّة، وَكَانَ يُعْنَى فِي الأَسَاسِ العَلاَقَةَ بَيْنَ النَّاس وَآلَهَتِهِم. وَفِي دِرَاسَةِ الأَدْيَان، كَانَ المَثَالُ الأَسَاسِيُّ هُوَ الْمَسِيحِيَّة، وَبِتَوْسِيعِ دائِرَةِ الدِّرَاسَة، صَارَتِ “الأَدْيَانُ الأُخْرَى” هِيَ الأَنْظِمَةُ الَّتِي يُحْكَمُ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا مُشَابِهَةٌ لِلْمَسِيحِيَّة، وَعَلَى رَأْسِهَا الْيَهُودِيَّة وَالإِسْلَام.

الدَّائرَة شَمَلَتْ أَيْضًا الأَنْظِمَةَ الدِّينِيَّةَ الشَّرْقِيَّةَ مِثْلَ الْبُوذِيَّة وَالْهِنْدُوسِيَّة.

وَمِن خِلَالِ مُقَارَنَةِ الْهِنْدُوسِيَّة بِالْمَسِيحِيَّة، نَرَى أَنَّهَا تَتَضَمَّن بِلَا شَكٍّ إِلَهًا؛ حَقيقَةً مَطْلَقَةً وَاحِدَةً وَالْعَدِيدَ مِنَ الْآلِهَة وَالإِلْهَاتِ فِي وَاقِعِ الْأَمْر. لَكِن لَيْسَ لَهَا مُؤَسَّسَةٌ، وَتَشْتَمِلُ عَلَى عَدَدٍ هَائِلٍ مِنَ النُّصُوصِ الْمُقَدَّسَة، لَا كِتَابٌ وَاحِدٌ، وَيُوجَدُ بِهَا كَهَنَةٌ لَا رِجَالَ دِينٍ بِالْمَفْهُومِ الْمَسِيحِيِّ، وَلَيْسَ بِهَا مُؤَسَّسَةٌ مَرْكَزِيَّةٌ مِثْلَ الْكُنِيسَة. وَالطُّقُوس وَالأَسَاطِيرُ وَالأَخْلَاقُ مُهِمَّةٌ فِي الْهِنْدُوسِيَّة، بَيْنَمَا لَا يَتَمَتَّعُ الْإِيْمَانُ بِالْقَدْرِ نَفْسِهِ مِنَ الأَهَمِّيَّةِ، وَلَا تُوجَدُ عَقِيدَةٌ جَوْهَرِيَّةٌ وَإِنَّمَا بُضْعَةٌ تَعَالِيمٌ شَائِعَةٌ.

وَلَقَدْ أَشَارَ فَيْلَسُوفٌ هِنْدُسِيّ مُعَاصِر يُدْعَى سَارْفَابَالِي رَاذَاكَرِيشْنَان إِلَى أَنَّ الْهِنْدُوسِيَّةَ “أَسْلُوبُ حَيَاةٍ”؛ وَمِن ثَمَّ، فَهُوَ يُوَضِّحُ أَنَّ الْهِنْدُوسِيَّةَ لَمْ تَكُن شَيْئًا مُنفَصِلًا عَنْ الْمَجْتَمَعِ وَالسِّيَاسَةِ، وَعَنْ جَنْيِ الْمَالِ، وَمُمَارَسَةِ الْجِنْسِ، وَالْحُبِّ، وَالتَّعْلِيمِ.

الدَّارْمَا الهِنْدُوسِيَّة؛ أَيِ الْقَانُونُ وَالنِّظَامُ وَالْحَقِيقَةُ وَالْوَاجِبَاتُ الْخَاصَّةُ بِالشَّعْبِ الْهِنْدُسِيِّ. يَرْجِعُ مَصْطَلَحُ “هِنْدُوسِيٌّ” إِلَى أَصْلٍ أَقْدَمَ. وَقَدْ اسْتُخْدِمَهُ الْوَافِدُونَ إِلَى الْهِنْدِ، لَا سِيَّمَا الْفُرْسُ وَالْتُّرُكُ، لِلْدَّلَالَةِ عَلَى الْأَشْخَاصِ الَّذِينَ يَعِيشُونَ حَوْلَ نَهْرِ السُّندِ فِي الشِّمَالِ، ثُمَّ لِلْإِشَارَةِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى كُلِّ مَنْ يَعِيشُونَ فِيمَا يَتَجَاوَزُ نَهْرَ السُّندِ؛ أَي كُلُّ سُكَّانِ الْهِنْدِ.

وَلَاحِقًا، بَدَأَ الْهِنْدُوسُ الأَصْلِيُّونَ فِي اسْتِخْدَامِ هَذَا الْمَصْطَلَحِ أَيْضًا، وَإِن كَانَ ذَلِكَ فَقَط لِتَمْيِيزِ أَنْفُسِهِمْ عَنْ الْمَغُولِ الْمَسْلِمِينَ وَالأُورُوبِيِّينَ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَحْمِلْ مَعَ ذَلِكَ غَرَضًا دِينِيًّا، وَإِنَّمَا مَعْنًى عِرْقِيًّا أَو قَوْمِيًّا.

وَصَارَتْ كَلِمَةُ “هِنْدُوسِيٌّ”، وَمِن بَعْدِهَا “الهِنْدُوسِيَّةُ”، تَرْتَبِطُ بِالتَّقَالِيدِ الدِّينِيَّةِ لِلشَّعْبِ الْآري.

الْوَعْيُ بِالتَّعَقِّيدِ الدَّاخِلِيِّ لِلْهِنْدُوسِيَّةِ؛ فَهِيَ لَا تَتَضَمَّنُ أَقْسَامَ الْفَايْشْنَافِيَّةِ وَالشِّيُفِيَّةِ وَالشَّاكْتِيَّةِ الرَّئِيسِيَّةَ فَحَسْبُ، وَإِنَّمَا تَقَدِّمُ أَيْضًا مَجْمُوعَةً مُتَنَوِّعَةً مِنَ التَّوَجُّهَاتِ الْفَلْسَفِيَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْآلَافَ مِنَ الْآلِهَةِ وَمَا يَرْتَبِطُ بِهَا مِنْ أَسَاطِيرَ وَرُمُوزٍ، وَعَدَدًا لَا يُحْصَى مِنَ الْمُمَارَسَاتِ الطُّقُوسِيَّةِ. وَتَشْتَمِلُ أَيْضًا عَلَى الْبَرَهْمِيَّةِ الَّتِي يُشَارُ إِلَيْهَا عَادَةً بِالْحَرَكَةِ الْمُحَافِظَةِ أَوِ التَّقْلِيدِيَّةِ فِي الْهِنْدُوسِيَّةِ، وَعِندَمَا يُشِيرُ الْبَاحِثُونَ الْيَوْمَ إِلَى “الْهِنْدُوسِيَّةِ”، فَإِنَّهُمْ يَقْصِدُونَ كُلَّ هَذِهِ الْحَرَكَاتِ وَالتَّقَالِيدِ وَالْمُعْتَقَدَاتِ وَالْمُمَارَسَاتِ.

يبدو بلا شك أن ثمة صورًا متعددة للهندوسية، لا هندوسية واحدة، لكن ذلك يثير مزيدًا من الأسئلة؛ هل هذه الصور مرتبطة بعضها ببعض؟ وإن كانت كذلك، فما الرابط بينها؟ وقد حدّد العديد من المعلقين الهندوس وغير الهندوس روابط محتملة، لا سيما النظام الطائفي، وسلطة “فيدا”، ومفهوم الدارما، وهوية الآريين. صور الهندوسية المتعددة — شأنها شأن الأقراب داخل عائلة واحدة — يتناقض بعضها مع بعض؛ فبعضها أكثر تشابهًا مع صور أخرى، والبعض يختلف اختلافًا شديدًا عن صور أخرى. ولقد أكد الكثير من الكتاب الهندوس على هذه النقطة؛ فالهندوسية، بوصفها دارما أو “أسلوب حياة”، مرتبطة بما يشير إليه الغربيون بأنه اهتمامات “علمانية”؛ مسائل اقتصادية وسياسية واجتماعية.

(2) البقرة والهندوسية

ارتبطت البقرة بأفكار عدة؛ مثل عدم الإيذاء (أهيمسا)، والنقاء والطهارة، والطيبة، والأمومة في وهبتها ورعايتها، ليس فقط لعجلها وإنما للجميع.

في الفترة الفيدية، كانت تُقدَّم البقرة أحيانًا كقربان، لكن صار أكلها جريمة لاحقًا.

وفي “مهابهاراتا” و “مانوسمرتي”، ارتبطت البقرة بالإله رابي، إله الرخاء، واعتُبرت منتجاتها طاهرة وطيبة، وصارت تُمجَّد بوصفها أمًا وواهبًة عظيمة.

وأُشيرَ إلى الأبقار والنساء — على حدٍ سواء — على أنهما إلهات، وإن كانت للأبقار على ما يبدو مكانة أعلى بسبب طهارتها وقيمتها كمصدر للعطاء.

فأحد الأشياء التي ميّزت الهندوس أو الهندوس الأصليين عن الوافدين هو تمجيدهم للبقرة والتزامهم بالحفاظ عليها من الأذى. وكان مكروهًا بالنسبة لطوائف الهندوس التضحية بها أو أكلها، على عكس المسلمين والمسيحيين الذين يميلون لفعل ذلك. صارت حماية البقرة رمزًا للهوية الهندوسية. وأصبحت البقرة، شأنها شأن المرأة الهندوسية، تُعرف بأنها أم الأمة.

لا شك أن الأهمية التي مُنِحَت للبقرة هي خيرٌ غير الهندوس الذين لا يعرفون الكثرة الهندوسية.

البقرة بوصفها رمزًا للأمة، والهندوسية بوصفها دينًا، فكرتان متعارضتان في الهند.

فمن الأمور الواجب أخلاقياً من أجل مستقبل الهندوسية، من وجهة نظر الكثير من الهندوس، حاجة الهندوسية إلى تغيير ذاتها لكي تكون أكثر انفتاحًا للجماعات المهمشة.

تتطور الأفكار عن طبيعة الهندوسية أيضًا في إطار مناقشة القومية الهندوسية؛ فالهند رسميًا دولة علمانية يمثل فيها الهندوس (أعني بكلمة “الهندوس” من هم غير المسلمين أو بوذيين أو مسيحيين … إلخ) الأغلبية.

وأخيرًا، ماذا عن فكرة الهندوسية بوصفها دينًا عالميًا؟ على الرغم من أن معظم الهندوس لا يزالون يعيشون في الهند، فثمّة مجتمعات هندوسية في معظم قارات العالم؛ ما يجعل الهندوسية دينًا عالميًا.

مَلْحَقُ الأَنْظِمَةِ الفَلْسَفِيَّةِ السَّتَّة (دارْشَانَا)

إنَّ نِظامَ فِيدَانْتَا هو إحدى وَجْهَاتِ النَّظَر أو الأنظِمةِ الفَلْسَفِيَّةِ (دارْشَانَا) التَّقْلِيدِيَّةِ (أَسْتِيكا) الشَّائِعَةِ في الفِكْرِ الهِنْدُوسِيّ. ولكلِّ نِظامٍ من هذه الأنظِمَةِ نَصٌّ مُقَدَّسٌ (سُوتْرَا)، ومُعَلِّقُون يَشْرَحُونَهُ وَيَفْسِّرُونَهُ.

(1) سَامَخْيَا: يَرْكِّزُ هَذَا النِّظامُ الفَلْسَفِيُّ الثِّنَائِيُّ والإِلْحَادِيُّ على الطَّبِيعَةِ المُميزَةِ للبُورُوشَا (الذَّاتُ أو الرُّوحُ) والبْرَاكْرِيتِي (المَادَّةُ).

(2) يُوجَا: يَقُومُ هَذَا النِّظامُ على ثُنَائِيَّةِ نِظامِ سَامَخْيَا، لكن مع التَّركيز على الانْضِبَاطِ الرُّوحَانِيِّ اللّازم لِلذَّاتِ كَي تَحْقِقَ التَّحَرُّرَ.

(3) مَيْمَامْسَا: نِظامٌ لِتَأْوِيلِ “فِيدَا”، يَرْكِّزُ على الدَّارْمَا؛ أي السُّلُوكِ القَوِيِّ.

(4) فِيدَانْتَا: نِظامٌ تَأْوِيلِيٌّ أَيْضًا، ويُشيرُ إلى “الْغَايَةِ مِنْ “فِيدَا”، لا سِيَّمَا تَعَالِيم “أُوبَانِيْشَاد” حَوْلَ الحَقيقَةِ المَطْلَقَةِ (بْرَاهْمَان).

(5) نِيَايَا: نِظامٌ مَنْطِقِيٌّ يُؤَدِّي إلى التَّحَرُّرِ.

(6) فَايَشِيْشِيْكَا: نِظامٌ تَحْلِيلٍ ذَرِّيٍّ لِفِئَاتِ الدَّارْمَا وَالعَناصِرِ المَكُوَّنَةِ لَهَا.

الخَطُّ الزَّمَنِيُّ للهِنْدُوسِيَّة

قَبلَ مِيلاَدِ المَسِيحِ

١٥٠٠–٥٠٠: الفَتْرَة الفِيدِيَّة؛ تَأْلِيْفُ النُّصُوصِ الفِيدِيَّة (“سَامَهِيتَا”، و “بَرَاهْمَانَا”، و “أَرَانِيَاكَا”، و “أُوبَانِيْشَاد”).

٥٦٦–٤٨٦: فَتْرَةُ حَيَاةِ بُوذَا المَتَعَارَفِ عَلَيْهَا.

٥٠٠ ق.م–١٠٠م: تَأْلِيْفُ “مَهَابَهَارَاتَا” (وَفِي ذَلِكَ “بَهَاجَافَاد جِيتَا”)، و “رَامَايَانَا”، وَتَأْلِيْفُ نُصُوصِ “سُوتْرَا” (وَفِي ذَلِكَ “مَانُوسْمَرِيتي”، و “بَرَاهْمَا سُوتْرَا”).

٤٩٠–٤١٠: فَتْرَةُ حَيَاةِ بُوذَا وَفَقًا لِبَحْثٍ حَدِيثٍ.

٣٠٠–٩٠٠: تَأْلِيْفُ نُصُوصِ “بُورَانَا”.

٤٠٠– : انْتِشَارُ الفَايْشْنَافيَّة، بَدَايَاتُ التَّنَويِرِ.

مَسْرَدُ الْمُصْطَلَحَات

كُتِبَ الكثيرُ من النُّصُوصِ المَقْدَسَةِ الهندُوسِيَّةِ بِاللُّغَةِ السَّنْسْكْرِيْتِيَّةِ (وَإن كُتِبَ بَعْضُ النُّصُوصِ المَقْدَسَةِ اللَّاحِقَةِ بِاللُّغَةِ التَّامِيلِيَّةِ وَالهِنْدِيَّةِ وَلُغَاتٍ إقْلِيمِيَّةٍ أُخْرَى)، وَالكَلِمَاتُ المُسْتَخْدَمَةُ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَالمُدَرَّجَةِ أَدْنَاهُ أَغْلَبُهَا مَصْطَلَحَاتٌ سَنْسْكْرِيْتِيَّةٌ.

يُوجَدُ الْعَدِيدُ مِنَ اللُّغَاتِ الإقْلِيمِيَّةِ فِي الْهِنْدِ، وَيُكْتَبُ بَعْضُ الْمَصْطَلَحَاتِ الَّتِي اسْتُخْدِمَتْهَا عَلَى نَحْوٍ مُخْتَلِفٍ فِي كُلِّ لُغَةٍ مِنْ هَذِهِ اللُّغَاتِ؛ فَقَدْ تُسْتَخْدَمَ أَسْمَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ لِلْآلِهَةِ وَمَصْطَلَحَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ لِلْمُمَارَسَاتِ الطَّقْسِيَّةِ.

قِراءات إضَافِيَة

الفَصْل الأوَّل

Encyclopedia of Hinduism and Indic Religions

“Hinduism” by Alf Hiltebeitel in the Encyclopedia of Religion

(ed. Mircea Eliade, London and New York: Macmillan, 1987), vol. vi, 633–60

“Hinduism” by Simon Weightman in A New Handbook of Living Religions (ed. John Hinnells, Oxford: Blackwell, 1997).

Hinduism: A Religion to Live By (Oxford: Oxford University Press, 1979)

Religion in India (Oxford and Delhi: Oxford University Press, 1991)

The Hindu Vision (Delhi: Motilal Banarsidass, 1992)

Hinduism (Harmondsworth: Penguin, 1961)

An Introduction to Hinduism (Cambridge: Cambridge University Press, 1996)

A Survey of Hinduism (New York: State University of New York Press, 1989).

Interpreting Early India (Oxford and Delhi: Oxford University Press, 1992)

Deciphering the Indus Script (Cambridge: Cambridge University Press, 1994).

الفَصْل الثَّانِي

The Origins and Development of Classical Hinduism (Boston: Beacon, 1989)

The Hindu Religious Tradition (Encino, CA: Dickenson, 1971)

Hindu Spirituality: Vedas Through Vedanta (New York: Crossroad, 1989)

Reflections on Resemblance, Ritual, and Religion (New York and Oxford: Oxford University Press, 1989)

A Dictionary of Hinduism: Its Mythology, Folklore and Development, 1500 BC–AD 1500 (London: Routledge and Kegan Paul, 1977).

الفَصْل الثَّالِث

Introductions to Indian Philosophy

  1. Hiriyanna, Outlines of Indian Philosophy (London:George Allen and Unwin, 1958)

Doctrine and Argument in Indian Philosophy (London: Allen and Unwin, 1964)

A Sourcebook in Indian Philosophy (Princeton: Princeton University Press, 1967).

Textual Sources for the Study of Hinduism (Manchester: Manchester University Press, 1988)

Sources of Indian Tradition, vol. i, 2nd edt. (New York: Columbia University Press, 1988).

الفَصْل الرَّابِع

Rama, Tales of the Mother Goddess, Mahabharata (all India Book House)

Hindu Myths (Harmondsworth: Penguin, 1975)

An Anthology of Sacred Texts by and about Women (London: Pandora, 1993).

Devi: Goddesses of India (Berkeley: University of California Press, 1996)

Sita’s Story (Norwich: Chansitor Publications, 1997)

Many Ramayanas: The Diversity of a Narrative Tradition in South Asia (Berkeley: University of California Press, 1991)

الفَصْل الخَامِس

The Hindu Vision

An Introduction to Hinduism

A Survey of Hinduism

Darsan: Seeing the Divine Image in India (Chambersburg, PA: Anima, 1981)

The Hindu Temple: An Introduction to its Meaning and Forms (Chicago and London: Chicago University Press, 1988)

The Hindu Vision: Forms of the Formless (London: Thames and Hudson, 1993)

الفَصْل السَّادِس

Sources of Indian Tradition

Textual Sources for the Study of Hinduism

The British Discovery of Hinduism in the Eighteenth

Century (Cambridge: Cambridge University Press, 1970)

A Sourcebook of Modern Hinduism (London: Curzon Press, 1985)

A History of India (London and New York: Routledge, 1990)

Sati, the Blessing and the Curse: The Burning of Wives in India (New York and Oxford: Oxford University Press, 1994)

الفَصْل السَّابِع

Roles and Rituals for Hindu Women (London: Pinter Press, 1991)

الفَصْل الثَّامِن

Hinduism in Great Britain: The Perpetuation of Religion in an Alien Cultural Milieu (London: Tavistock, 1987)

Transplanting Religious Traditions: Asian Indians in America (New York: Praeger, 1988)

A Sacred Thread: Modern Transmission of Hindu Traditions in India and Abroad (Chambersburg, PA: Anima, 1992)

الفَصْل التَّاسِع

Hinduism Reconsidered edited by G. D. Sontheimer and H. Kulke (Delhi: Manohar, 1991)

مَراجِع

الفَصْل الأوَّل

Nirad Chaudhuri, Hinduism: A Religion to Live By (Oxford: Oxford University Press, 1979), 311–29.

الفَصْل الثَّانِي

  1. K. Narayan, Gods, Demons and Others (London:Mandarin, 1990)

Wendy Doniger O’Flaherty, Textual Sources for the Study of Hinduism (Manchester: Manchester University Press, 1988)

Wendy Doniger O’Flaherty (ed.), The Laws of Manu Embree, Sources of Indian Tradition

الفَصْل الثَّالِث

Upanishads (tr. Patrick Olivelle, Oxford: Oxford University Press, 1996)

The Bhagavad Gita 2.24 (tr. W. J. Johnson, Oxford: Oxford University Press, 1994)

الفَصْل الرَّابِع

Tales, Myths and Legends of India (London: Pavilion Books, 1985)

الفَصْل الخَامِس

The British Discovery of Hinduism in the Eighteenth Century (Cambridge: Cambridge University Press, 1970)

الفَصْل السَّادِس

Sources of Indian Tradition (New York: Columbia University Press, 1988)

Hindu Manners, Customs, and Ceremonies, 3rd edt. (Oxford: Clarendon Press, 1906)

الفَصْل التَّاسِع

Sarvepalli Radhakrishnan, The Hindu View of Life (London: Mandala, 1988)

الحمد لله رب العالمين

 

المصدر: هنا

مراجعات (0)

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.

كن أول من يقيم “مقدمة قصيرة جدا: الهندوسية” إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الشحن والتوصيل
wd-ship-1
wd-ship-2

محتوى كتابى للشحن

تفاصيل الشحن

محتوى الشحن

  • تفاصيل إضافية عن الشحن
  • محتوى كتابى للشحن

    تفاصيل الشحن

    محتوى الشحن

    • تفاصيل إضافية عن الشحن
التصنيف: الفلسفة الشرقية
Share:

منتجات ذات صلة

غير متوفر
عرض سريع
قراءة المزيد

الثقافة السريانية

المنظمة العربية للترجمة, مركز دراسات الوحدة العربية
50.00 جنيه
عرض سريع
إضافة إلى السلة

العرب؛ وجهة نظر يابانية

منشورات الجمل
600.00 جنيه
غير متوفر
عرض سريع
قراءة المزيد

الكتاب الأحمر

كتبجي
5,000.00 جنيه
-8%غير متوفر
عرض سريع
قراءة المزيد

حول الديموقراطية الاشتراكية السوفييتية

دار التقدم,موسكو
490.00 جنيه السعر الأصلي هو: 490.00 جنيه.450.00 جنيهالسعر الحالي هو: 450.00 جنيه.
عرض سريع
قراءة المزيد

لينين

كتبجي
عرض سريع
إضافة إلى السلة

مقدمة قصيرة جدا: البوذية

كلمات
750.00 جنيه
عرض سريع
إضافة إلى السلة

مقدمة قصيرة جدا: الفلسفة الهندية

كلمات
765.00 جنيه
عرض سريع
قراءة المزيد

هروبي إلى الحرية

دار الفكر

مكتبة القاهرة

اخر المقالات
  • قائمة بورخيس للمكتبة الخاصة
    يونيو 12, 2025 لا يوجد تعليقات
  • أعظم الأدباء في تاريخ الأدب البيروفي
    يونيو 11, 2025 لا يوجد تعليقات
قصتنا
  • من نحن
  • تواصل معنا
  • الأسئلة الشائعة
  • سياسة الخصوصية
  • سياسة الإسترجاع
  • تبرع بأوراقك أو كتبك
روابط تهمك
  • فيس بوك
  • تويتر
  • يوتيوب
  • تيك توك
  • لينكد إن
  • روابط تهمك
الأقسام
  • طلب كتاب نادر 1
  • طلب كتاب نادر 2
  • وصل حديثا
  • DollarBook
  • ربائد: الأرشيف
جميع الحقوق محفوظة لـ مكتبة القاهرة © 2025
  • القائمة
  • الأقسام
  • طلب كتاب نادر 1
  • طلب كتاب نادر 2
  • وصل حديثا
  • DollarBook
  • ربائد: الأرشيف
  • الرئيسية
  • المكتبة
  • المدونة
  • من نحن
  • تواصل معنا
  • الدخول / حساب جديد
سلة المشتريات
إغلاق
تسجيل الدخول
إغلاق

استرجاع كلمة المرور؟

ليس لديك حساب ؟

إنشاء حساب جديد

مقدمة قصيرة جدا: الهندوسية

899.00 جنيه
اكتب اسم الكتاب اللى بتدور عليه هنا.
Shop
0 items Cart
الحساب