مراجعة كتاب *فكرة الفينومينولوجيا*
للفيلسوف الألماني *إدموند هوسيرل*
هذا أول كتاب أقرأه لهوسيرل – الفيلسوف الألماني الذي عرف بتأسيس *فلسفة الظاهريات* ( وهي لفظة مشتقة من الظاهرة) بالانجليزية Phenomenon و لذلك تُرجمت للعربية بالفينومونولجيا.
*مستقبل اللغة بين التعريب و الترجمة*
طبعاً في البداية سأعيد ذكر اعتراضي على الترجمة لكلمة فينومونولوجيا ، مشيراً للفرق بين الترجمة و التعريب و هو فرق جداً جوهري حيث إن كثرة استخدام التعريب يؤدي لإغراق قاموس اللغة الأصلي بكلمات غريبة عن النظام الأبجدي و النظام الصوتي لذات اللغة.
بالمثل كلمات (بيولوجيا ، فيزيولوجيا، سيكولوجيا.. الخ) استخدم فيها التعريب و لكن الأغنى لغوياً و معرفياً أن تستخدم الترجمة فنقول ( أحياء، فيزياء، علم النفس ).
الترجمة العربية بحاجة لتطوير مدرستها بحيث تعيد بناءها على قاعدة تنبع من أصل اللغة كما هي حال مدرسة اللغة الفرنسية في الترجمة على سبيل المثال، طبعاً مع كامل إدراكي للصعوبات الناتجة بسبب السبق العلمي و المعرفي و غياب دور المؤسسة الحاضنة.
*عن الكتاب*
الكتاب يستخدم لغة فلسفية مجردة و صعبة بعض الشيء لتوضيح الفكرة دون الأمثلة ، حيث يبدو أن هوسيرل يصر هنا على تقديم عصارة فكرة فلسفة الظاهراتية بأقل عدد ممكن من الكلمات.
تقوم فلسفة الظاهراتية على كونها إحدى فروع نظرية المعرفة ( الابسيتمولوجيا) من حيث ماهية المعرفة التي نكتسبها و هل هي فعلاً معرفة حقيقية أم ظاهرة ليس إلا.
سيكتشف المتأمل في المناهج الفلسفية أن جوهر الفكرة ليس جديد على المدارس الفلسفية التي عرفها تاريخ الفلسفة و لكن الصياغة اللغوية هي بشكل مختلف لتقديم نظرية جديدة بعض الشيء ، فعلى سبيل المثال نرجع لعبارة شوبنهاور *العالم تمثلي * لفهم ماهية الخبرة المعرفية/ الابسيتمولوجية التي نمتلكها من حيث كونها معرفة محدودة بما تستوعبه حواسنا. صحيح أن شوبنهاور لم يقصد أن يخصص كتابه للابستمولوجيا و لكن طبيعة الفلسفة هي أن تدور حول الحرم المقدس للمعرفة التي نمتلكها فتعريها و تكشف لنا عنها، و مع ذلك هي مغامرة خطيرة فرغم المناهج الفلسفية التي حاولت تعرية جوهر المعرفة سنجد أنفسنا غريبين أمام ما نعتبره معرفة مفروغ منها في كل جانب من جوانب الحياة.
في المقابل يقول هوسيرل أن المعرفة هي ظاهرة و إذا اتبعنا النسق الفلسفي التقليدي الذي يقسم القضية الفلسفية إلى ذات و موضوع ، فإن المعرفة بالموضوع هي خارج الذات من ناحية ارتباطها بالموضوع ( و هذه هي الظاهرة الان التي لا نستطيع أن نسبر كنه حقيقتها) : بمعنى أن الموضوع ( أي موضوع نود التأمل فيه / على سبيل المثال الفضاء و الكواكب ) هو قائم خارج ذاتنا و ما يربطنا به هو ذلك التصور الذي سنسميه معرفة و اختلف الفلاسفة في هذا الرابط و هنا هوسيرل يقدم نظريته حول أن معرفتنا بالموضوع هي الظاهرة .
و لكن في نفس الوقت المعرفة هي جزء أصيل من الذات – و هنا نشير لفلسفة كانط و بحثه في القبلية a prioriوما أثبته من معارف قبلية تعرفها الذات قبل تعرضها للموضوع الخارجي.
بإمكاني أن أقول أن جوهر الكتاب هو تأمل في المعرفة بما هي معرفة و علاقتها بالحواس و الحدس و مدى قابليتها للثقة و التحقق إذ ستبقى في نهاية المطاف مجرد ظاهرة “أي تظهر لنا” بخصوص المواضيع التي نتأملها.
سأحيل القراء لكتابيّ المفكر الفرنسي *إدغار موران* “المنهج” حيث يتحدث بالتفصيل عن المعرفة و حدودها و العقبات الماثلة أمامها و أهم إشكالاتها كبديل لهذا الكتاب ، حيث لا أنصح بقرائته لغير المهتم.
عبدالله عواجي
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.