5-الأبواب الخيالية
6-أبواب لا تفضي إلى شيء
Taroudant City
1-عتبة تاريخية
-لا شك في أن أسلافنا بذلوا كل جهدهم ليتقوا شرور عديدة من الطبيعة ومن البشرية؛ اتقاء شرّ البرد، أو أن يهاجمهم خلسة نهّابون مغامرون أو أعداء مصممون. أتخيل أن وسائل الحماية التي اخترعوها على هذا الكوكب للدفاع عن أنفسهم في الألفيات المنصرمة كانت لا تعد ولا تحصى. ولكن كيف تصرف الحرفيون الأشوليون، أولئك النياندرتاليون، أولئك الكرومانيون، أي باختصار جميع أولئك الرجال العاقلين الخارجين لتوهم من العصر الباليوليتيكي المتأخر، كيف تصرفوا لإغلاق أبوابهم، لو كانت لديهم أصلا أبواب؟. ربما يبدوا طرح مسألة وجود (مداخل) للمساكن التي تدعى بمساكن ما قبل التاريخ أمرا يدعو إلى السخرية، لكن إذا نظرنا إلى وجود (السكن)، فإن ذلك يرغمنا على التساؤل عن وسائل الحماية وطرقها. وبالفعل، بالنسبة إلينا كثدييات غير متخصصة، تمثل الحماية شاغل أول وتتضمن مهارة وسلوكا خاصين، وكذلك خلق واستخدام فضاء منزلي تفرض فيه الحياة فتحات أكثر مما تفرض إغلاقات ولو اقتصر ذلك على التمكن من (الدخول) و(الخروج) من المآوي [ص 24,25: مخارج ما قبل التاريخ].
بالطبع يظهر اختيارانا للفظة (عتبة) من باب (الشيء بالشيء يذكر)، وطالما حديثنا في هذا الكتاب عن (الباب)، فمن باب أولى تسمية الفصل الأول، وهو مقدمة المقال (أو الكتاب)، بعتبة الكتاب؛ عتبة تاريخية بحسب ما يقتضي السياق الذي تسير عليه موضوعات هذه السلسلة من تتبع للنشأة وصولا إلى مراحل التطور المتتابعة والتي لا يظهر لنا أنها ستتوقف عند نقطة ما.
أول صورة عرفها الإنسان الأول للباب كانت هي (الفتحة). ثقب كبير في الجدار يسمح بالدخول والخروج منه. وكانت فجوة طبيعية لأول مرة، فلم تكن من صنع الإنسان. وقد اختار الإنسان الأول فتحة المغارة سكنا له، بالإضافة إلى فتحات الأشجار. كان يحتاج فتحة واحدة فقط تفتح المنزل له. لأنه لو تواجدت أكثر من فتحة سيصعب عليه إغلاق المنزل عليه. لن يصبح مكانا آمنا سواء كان مؤقتا (نزلا) أو دائما (منزلا). وهو يريد أن يكون آمنا من الحيوانات المفترسة في الليل، أو في النهار، ومن الأشخاص الذين قد يرغبون في إيذائه، أو من البرد والأمراض والشرور الروحانية التي اخترعتها مخيلته. فتحة واحدة يمكن أن نخبئ فيها أطفالنا وطعامنا، ونسدها بصخرة كبيرة. أما لو كان بالبيت الكهفي / الشجري أكثر من فتحة فسوف يتعذر علينا سد كل هذه الثغرات. خاصة أنه كان يريد أن يبقي مخبأه سرا عن الوحوش قبل أن يبتكر الإنسان لاحقا صناعة (الأبواب السرية) حيث يخفي الإنسان أماكن بعينها عن أخيه الإنسان. وقبل أن يبتكر وسائل الحراسة المتطورة والملحقة بالأبواب والأبواب المصفحة التي لم تمنع الناقد والباحث الثقافي (باسكال ديبي) من إصدار الحكم بأنه (ليس هنالك أبسط من اقتحام باب) كما ورد في كتابه عن (الباب) صفحة 375. لأنه مع كل هذه الأبواب، تم خلق أنظمة مضادة وقادرة على اختراقها. وهو الكتاب المرجع لهذه المقالة باكورة سلسلة ممتدة بإذن الله.
الباب نفسه يعد مادة تاريخية مفعمة بالحيوية على الصعيدين الأدبي والمعماري، وهو معماريا ثري بالتفاصيل، فبعد أن تعلم الإنسان الأول كيف يستعمل الحجر، في العصر الحجري، ليس فقط في الطرق والكشط وإحداث الأصوات أو الطعن أو خلافه، بل لقد تعلم أن يسد الحفرة التي يعيش بها، والتي وُلد فيها، بصخرة، أو لوح حجري أو خشبي. هذا اللوح كان هو الصورة الأولية الحقيقية للباب الذي نعرفه اليوم، وقد حافظ الباب على صورته حتى اليوم، وذلك لأنه في تكوينه يرجع الباب إلى كونه لوح وفي أحسن الأحوال لا يزيد عن كونه مصراع أو مزلاج في الأصل، والمصراع هو ما يُعرف حاليا على أنه لوح من خشب أو معدن يشكل إحدى غلقي / جزئي (درفة) الباب أو النافذة. ولكن المصراع في الأصل هو أي لوح يمكن رفعه أو خفضه بحسب المراد منه، ويستعمل عادة كـ معرقل أو حاجز. أما المزلاج فهو قطعة معدنية أو خشبية تعمل كمنزلق يؤدي إلى وضعه عائق لمنع فتح باب أو صندوق. فهو من ملحقات الباب التي ظهرت لاحقا في العصور الميلادية المتقدمة قبيل الثورة الصناعية التي أضافت إلى الباب المزيد من الملحقات غير المزلاج.
وبهذه الطريقة، ومن خلال آلية الغلق والفتح، يمكننا التعرف على الباب بوصفه مدخل ومخرج لموضع أو مكان معين، قد يكون الموضع عبارة عن شكل جداري بحت يحجز مساحة مفتوحة خلفه، أو مساحة مفتوحة من الداخل (داخل مجموعة من الجدران المغلقة بالتعامد مع أرضية وسقف). ولكن وخلافا عن أي نوع آخر من المداخل والمخارج، يتيح الباب إمكانية (الغلق) التي تمنع عن الدخول أو الخروج. إنه يتحول من لوح إلى مصراع. وفي نفس الوقت، الباب له ضرورة قصوى للسماح بوجود اتصال بين المساحة الخالية المحصورة والعالم الخارجي أو الطرف الآخر، وكذا للسماح بوجود صلة مع المساحة الخالية الخارجية / الطرف الآخر حينما تكون الظروف الطبيعية مواتية وملائمة. وأيضا يتم عمل هذه الفتحات في القواطيع الداخلية (الطرف الأول) للسماح بالاتصال بين مختلف الأجزاء الموجودة في المساحة الخالية المحصورة (مثل أبواب الحجرات داخل المنزل)، ومن ثم يمكن التحكم في الوصل أو الفصل في الحوائط والأبواب والنوافذ والتي يمكن جعلها في الفتحات على أن يرتكز نوع التصميم الخاص بها على الغرض الذي تم استهدافه منها.
ومثلما حافظ الباب على صورته في التصميم منذ سنوات طويلة، مجرد لوح بسيط يتم سد فتحة به، لازال الباب، حتى اليوم، ورغم استخدام باقة متنوعة جدا من المواد في تصنيعه من الحديد والألمنيوم ومعادن مختلفة، وحتى الحجر والمواد الإسمنتية، أو المواد البلاستيكية أو الزجاجية، لازال الباب محافظا على مادته الأصلية وهي الخشب، ومحافظا على أناقته بها ورونقه الخاص، والأكثر شيوعا في تصنيع الأبواب باستخدام الخشب.
مع ذلك، لم يكن الباب دائما عبارة عن فتحة عليها حاجز أو حائل من الخشب، فقد يكون المانع كلب حراسة، أو حارس مكلف بالوقوف على الباب أو الممر، وقد يكون من أهل البيت، فقد كان البدو في الماضي يسمون رواق البيت بابا، لأنه بمنزلة الباب، أو ربما لأنه كان امتداد للجزء من الجدار الذي يقع فيه الباب. نفس النظرة في أوروبا بالعصور الوسطى إلى الممرات والأقبية السرية لأنها تعد باب يُفتح فقط لمن يعلم سرّه، وهي تقنية مأخوذة عن القلاع العربية نجد إشارة واضحة عنها في مروية (جزاء سنمار) الشهيرة.
نؤكد مرة أخرى؛ كان الباب في البداية عبارة عن مجرد (مدخل ومخرج) لموضع أو مكان معين، عادة يكون الباب موضعه في الجدار، أو هو فتحة تؤدي إلى تجويف في خزانة أو خلافه. مع الوقت، تطور الباب ولم يعد مقتصرا فقط على وظيفته الآلية، وأصبح محملا بالكثير من التفاصيل المعمارية أو الآلية أو البشرية أو حتى الحيوانية؛ مثل القفل، والمصراع، والمزلاج، والمفتاح، وقفل البطاقة، والمفصلات، والمقابض، والمشابك، والزيانة، والإطارات، ومطرقة الباب، وثقب الباب، وغير ذلك مما يُسمى (متاع الباب) أو (أثاث الباب) أو (ملحقات الباب)، أو في عمومها يطلق عليها وسائل تثبيت سواء للباب أو لغير الباب. وتكونت فيه مع مرور الوقت حمولة مجازية وثقافية هائلة، تعادل فيها ثنائيات الدخول والخروج، لتزيد إلى ثنائيات من (الإغلاق والفتح)، (الفصل والوصل)، (السلم والحرب)، بل وحتى (المذكر والمؤنث)؛ الأخيرة بالذات نشهدها بوضوح في الوصلات الكهربائية التي تصنع ممرات (أبواب) لعبور التيار الكهربي أو تيار البيانات أو خلافه.
ومقابل المحتوى المعنوي والمجازي الذي يتمثل في الباب، هناك قدر كبير من المحتوى البصري الجمالي حيث يتم تصنيف الباب على أنه مزيج بين عنصر معماري، وآلي في الوقت ذاته، بمعنى أنه بالإضافة إلى صفاته الجمالية الضرورية للمنزل الحديث، هو جهاز يعمل على حماية ما خلف الباب مع إمكانية للفتح، فليس هو باب مغلق للأبد (حتى أبواب السجون لا تكون مغلقة للأبد، ولا أبواب القبور أيضا). ففي الفتحات يرتكز نوع التصميم الخاص بها على الغرض الذي تم استهدافه منها، وعلى الرغم من أن غرض الأبواب والنوافذ هو أن تخدم بصورة مؤقتة نفس الشيء كالحوائط التي تم وضعها فيها (فالباب عبارة عن حائط منسدل أو متحرك) إلا أنه يمكن أن يتم استخدامها كذلك من قبل المهندس المعماري كي يوجد من حيث طبيعتها ولونها وأبعادها وعلاقتها مع شكل المبنى – بعضاً من المؤثرات المعمارية التي تسرّ أعين الناظرين وتحدد وتميز المبنى بسمة مميزة.
فقد يتكون الباب عادة، بالإضافة إلى مواد تكوينه الأساسية، من ملحقاته المشار إليها سلفا؛ مقبض الباب، ثقب الباب، نافذة، زيانة، قفل، مزلاج، مصرع، مطرقة الباب، مقبض، مفتاح، قفل البطاقة، العضادة أو الدعامة، المفصلات، الإطار، معرقل، دور لوك door lock. وكلها عناصر يمكنها أن تكون ملهمة في موضعها الصحيح.
وقد يتمثل الباب في حالة باب، أو في حالة بوابة (المعادل الأكبر من الباب)، فالباب أو البوابة مبنى يُقام ليسمح بالمرور عبر جدار أو سور. وله أنواع عديدة يجري توفيرها بأغراض شتى، فقد تُستخدم البوابة لتحقيق تعريفة أو للتفتيش مثلا. إلا أن أشهر الأبواب هي تلك التي تعد من العناصر البارزة في العمارة، فتُزيّن وتُزخرف. وتستقبل القادمين إلى المدينة أو المبنى.
2-على أبوابكم
La Porte de l’Enfer
[1] أبواب اليونان
-في تلال اليونان الكلسية، لم تكن المساكن المبنية على الصخور، بل حتى في الكهوف نادرة، وهي على الأرجح الأقرب إلى تلك المساكن الكهفية، والجهنمية إلى هذا الحد أو ذاك، التي كان الإنسان يقطنها قبل أن يصبح بناء حقا وفعلا، وكان ينسبها عن طيب خاطر لآلهته، عدا العادات الممارسة على جبل الأولمبوس. [ص43: الباب الميسينيٍ].
وضرب مثالا باب اللبوات في تيرينت Tirynthe.
من البديهي أن أول بوابة نبدأ بها هي تلك البيوت المبنية من قبلهم (أسلاف الغرب) أي تلك الواقعة في البلد التي كانت مهد الحضارة الغربية؛ اليونان القديمة، وأهل اليونان جعلوا لكل شيء إله في الطبيعة والصناعة والعلوم والفنون، ربما شغفهم هذا بكل ما يحيط بهم كان سرّ تفوقهم الحضاري المميز. أطلقوا اسم ثيرموبيلاي Thermopylae على ينابيع المياه الساخنة، والتي تعني البوابات الحارة، ولكنها إذا ما قورنت بالأبواب الحقيقية لليونان، وللرومان خلفا لهم، عرفنا أنها تسمت لوصف شيء رقيق وديع جدا بالنسبة للجبروت الذي تجسده أبواب اليونان.
هناك أربعة نماذج معمارية للأبواب شاعت في اليونان القديمة؛ أولها أنه كان لديهم المبنى العظيم المعروف باسم البروبيليا Propylaea، وهو نمط شائع جدا في العمارة اليونانية، كان ينصب كبوابة تذكارية وفيصل بين عالمي الدنيا والآخرة (على غرار التوري اليابانية).
“ففي اليونان القديمة، كل شيء يمكن أن يصبح مكان عبادة أو محرابا أو هييرون Hieron فضاءا مقدسا، إذ يكفي أن يُعترف لهذا الفضاء بطابع مقدس. ويمكن أيضا أن يعود ذلك لعظمة المشهد أو لوجود قبر أو شجرة جميلة أو نبع أو صخور لها أشكال خاصة، وما إلى ذلك.” [ص 48].
المثال البارز والأكثر حضورا هو بوابة معبد الأكروبوليس في أثينا، والذي يعاد استلهامه في ألمانيا في معلمين؛ بوابة براندنبورغ، والبروبيليا في ميونخ. كما أنه موثق بشكل بصري في الشعار الشهير لمنظمة اليونسكو العالمية والباريسية، بالإضافة إلى فيلم (مجالد Gladiator) بالطبع.
لا أعرف أو لا أتذكر إن كان هو ذاته ما يعرف بالبارثينون أم لا، ولكن باسكال ديبي، وهو في حالة إعجاب واضحة، ومأخوذا بفكرة أن الحضارة نشأت وكانت لأول مرة عند اليونان، أو متبنيا لهذه الفكرة، ويستمر حديثة تحت عنوان (ميل أكيد للأروقة) بين الصفحة 53 وحتى نهاية الفصل (أو هذا القسم من الفصل) صفحة 59. ويختتمه بالحديث عن جدار البارثينون:
“في البارثينون، وهو معبد منذور لأثينا بارثينوس (بُني بين العامين 447 و433 ق. م)، يمثل للمرة الأولى موضوع غير ميثولوجي. يتعلق الأمر بالإفريز المحيط بالجدار الخارجي، يبلغ طول هذا الجدار مئة وستين مترا ويبلغ ارتفاعه مترا واحدا، وهو يمثل موكب الباناتينيا، أحد الأعياد الكبيرة مع الديونيسيا. وهو إفريز يقترح بطريقة ما دليل الاستخدام الجماعي للأبواب والمعابر في أثينا في تلك الحقبة. أما فخامة الباناتينيا، فهي تظهر أن الموكب كان يتبع مسارا متشابها على الدوام. كان يمر بأهم النقاط في الحاضرة، منتشرا من بابي الديبيلون وعابرا السيراميك (المقبرة) والآغورا ثم يصل إلى الأكروبول عبر البروبيليه، ويسير بعد ذلك على طول البارثينون ليصل إلى الطرف الشرقي من المعبد أمام مذبح أثينا الكبير. يقدم الإفريز المنحوت الموجود أعلى الجدار الداخلي للبارثينون توضيحات عبر توصيف بعض المراحل المتوالية لذلك الموكب. فهو يُظهر أن الاحتفال كان يجمع المواطنين من الأعمار والفئات كافة، وبأن هدفه يتجاوز تقديم الشملة الجديدة المنسوجة إلى الوالي الملك ليزين بها تمثال الإلهة أثينا الخشبي، فقد كان هذا الهدف يتمثل قبل كل شيء في تسجيل الممارسة الشعائرية في الحاضرة، باستخدام أبواب ومعابر شعائرية للقيام بإعادة استحواذ رمزية على فضاء الحاضرة. كما أنه كان أيضا وسيلة لعرض صورة الوحدة والقوة التي كانت الحاضرة الأثينية الكلاسيكية تريد تقديمها عن نفسها في عيون الجميع، بما في ذلك الحواضر الحليفة، وعبرها مجمل العالم اليوناني. لا أستطيع التخلي عن متعة أن أقول مجددا هنا إن (الرواق) يشير بصورة خاصة إلى فلسفة الرواقيين الذين أطلقت عليهم هذه التسمية منذ العصور القديمة، لأن زينون كان يدّرس في ظل رواق في أثينا.
شهدت أثينا مجددا نوعا من الازدهار في القرن التاسع. حول الأكروبول، الذي أصبح يدعى كاستر، أي قلعة، بني في القرن الحادي عشر (الريزوكاسترو) الذي كان يشمل مساحة قدرها مئة ألف متر مربع. لكن حتى نهاية القرن، دمرته اجتياحات رهيبة قام بها الساراكينوس وغزاة آخرون وأخلي من سكانه. بين العامين 1182 و1204، حيث يبدو أن تدمير المدينة وصل ذروته مع هجمات سيد نوبلي، احتلها ليون سغورس ثم الفرنجة لمدة طويلة. نحو منتصف القرن الثالث عشر، غطي المدخل الرئيس للأكروبول، المسمى باب بوليه، بجدار بالغ السماكة واستخدام الباب الآخر الواقع تحت معبد أثينا نيكيه كمدخل. كما بني في الجناح اليميني للبروبيليه برج مراقبة مرتفع. لم يجلب مرور الفينيسيين السريع (1395-1403) كثيرا من الأمور. في المقابل، سمح الأتراك الذين استقروا كأصدقاء وحلفاء في العام 1456 للمدينة بأن تتطور خارج سور القرن الثالث.
وثانيها هي أبواب الحلبات اليونانية، التي برع الرومان في إحياء احتفالاتها كما لم يفعل أحد لا من قبل ولا من بعد، وقد ترسخت في ذاكرة الحضارة الغربية بشكل يصعب محوه أو حتى إضعاف أثره الواضح جدا في نموذج حلبات المصارعة الأمريكية الحديثة ذات البث المباشر على شاشات العرض المنزلي (المرآة أو التلفزة)، نموذج يحاكي تاريخ طويل من العنف من خلال محاولات وهمية لإقناع المتفرج بأنه يشاهد عنفا حقيقيا، والمشاهد يتماهى بسهولة مع محاولات الإقناع البائسة والمشتملة على مختلف العروض والحبكات، خاصة تلك العروض التي تحتوي قفصا مغلق بابه على المتصارعين حتى الموت (حسبما يفترض!).
المثال البارز هو حلبة المصارعة حتى الموت المشهورة باسم (الكولسيوم).
ثالث نموذج هو قوس النصر:
“وسنجد في روما (أقواس النصر) الحقيقية الأولى، ومن الرومان استقينا (موكب احتفال النصر)، تلك العادة الموروثة من الشرق ومن اليونان لكنها اتسمت بطابع روماني إلى حد كبير” [ص 69]. “وسوف أعود لاحقا إلى رواج (الدخولات المهيبة) بدءا من القرن الرابع عشر وأقواسها المؤقتة إلى هذا الحد أو ذاك. [ص 76].
ولا يقتصر الأمر على المذكور فحسب، بل بلغ بهم -أهل اليونان- تقديسهم للبوابات أن كان لديهم إله للبوابات اسمه يانوس.
“والأقواس في روما، وأيا كان شكلها، كانت تسميتها الشائعة يانوس، تيمنا باسم الإله ذي الوجه المزدوج، الإله الروماني الخاص بالمعابر والأبواب. [ص 71].
قوس النصر هو باب الحرب الذي يأتي بكل أهوال الحرب من خارج الأسوار، ويبددها تماما أسفل قوس النصر الذي يجسد الانتصارات العسكرية للبلد ويحتفي بها. أبرز مثال على قوس النصر هو قوس هادريان المشهور وسط أثينا والذي يبعد فقط حوالي 300 متر عن الأكروبوليس (انظر ص 64)، وقوس النصر في باريس بالطبع. ولكن لا يشترط أن يتخذ قوس النصر شكل قوس (فيما يشبه التاج على رأس الدولة) يمكن أن يتمثل في أي شكل آخر شريطة أن يكون مَعبرا ومعُبرا عن قوة الدولة وانتصاراتها العسكرية؛ مثلما نرى في بوابة الأسد Lion Gate على إحدى القلاع جنوب غرب اليونان الذي يعود إلى العصر البرونزي في القرن الثالث عشر قبل الميلاد؛ منحوت قرب البوابة أسدين على غرار أسدي قصر النيل. مثال آخر هو تمثال الجندي المجهول في قلب العاصمة القاهرة الذي يأتي على شكل هرم معمول على الطراز الحديث، مع كل ما يحمل الهرم من دلالات قومية وتراثية خاصة بالجمهورية المصرية العربية. وربما أيضا نعد بوابة القلعة في إسبانيا من أقواس النصر (وهي بالفعل قريبة الشبه بذلك). ومثل بوابة الهند وسط نيودلهي، وبوابة بلند دروازه، وربما بوابة الهند في مومباي. هناك أبواب نصر في العواصم العربية؛ باب النصر في القاهرة من عهد الدولة الفاطمية، باب النصر ضمن أبواب مدينة دمشق التاريخية، وباب آخر للنصر في حلب، وباب النصر ضمن أبواب سور دار الخلافة العباسية في بغداد. التسمية نفسها مفيدة في تعزيز الروح المعنوية في عصور الحروب القديمة. حيث لا تتوقف تمثلات السلطة الغربية في وجود البوابات العملاقة الرومانية، ولا في عدم وجود أي بوابات منيعة (لأنه لا يوجد ما يخيف، أو لا يمكن أن يوجد ما يقيدنا) في الأبواب الأمريكية، ولا في الأبواب السرية التي انتشرت بأوروبا القرون الوسطى. لقد عرف الغرب قوس النصر، وهو شكل بناء مؤلف من قوس أو أكثر منحني أو حتى مستقيم ليشكل ما يعرف ببوابة النصر، مرفوع على مجموعة أعمدة وقد يختلف التصميم والشكل لكنه ثابت من حيث المبدأ، مبني ليكون صرح يرمز لنصر في المعركة أو الحرب أو أحيانا ترفع من أجل حاكم أو ملك. وتعود أصول فكرة القوس إلى العصور الرومانية التي رسختها بقوة بعد أخذها عن بعض تقاليد أهل اليونان. وتوجد منها أمثلة كثيرة شائعة كمعالم سياحية من حول العالم؛ قوس تيتوس في روما، وقيل أنه أول قوس نصر في التاريخ، تم إنشائه عام 82 م. قوس النصر في باريس، وهو أشهر الأقواس المعروفة. قوس الرخام في لندن. قوس في بوخارست. آخر في اللاذقية السورية وآخر في تدمر (سوريا أيضا)، بغداد، نيودلهي (الهند)، قوس الأخوان فيليني وقوس ماركوس أوريليوس في ليبيا. قوس النصر في برشلونة. ثم هناك القوس المشهود جدا في مصر، وإن كان تصميمه على غير قوس، ولكنه لازال يحمل نفس المعنى، ونفس الباب، وهو هرم الجندى المجهول الواقع في حي مدينة نصر بالقاهرة المصرية. هذه الأسماء تتكرر في ذهني مرارا أثناء الكتابة، ولا أملك إلا تكرارها كتابيا. حتى أنني نسيت أن أذكر عملاق رودس الذي يبدوا لي، وهو عجيبة من عجائب الدنيا السبع القديمة، قوسا عملاقا للنصر لليونان (تم استعارته في العديد من أعمال القوة الأدبية، مثل مانجا ناروتو، وأغنية الجليد والنار)، وموقعه القريب من تركيا، ربما يشير ولو من بعيد إلى الانتصار الكاسح لليونان على طروادة.
النموذج الرابع، تجسيد آخر للانتصارات, في الواقع، كل الأبواب الأربعة كذلك، هذه المرة، هو انتصار حقيقي وليس مجازي، حيث يشكل باب الدولة الذي شيده اليونانيون على سور مدينة القسطنطينية في العصر البيزنطي تجسيد حي للصمود في وجه الأعداء من الخارج، ويبدوا الباب نوع من القولبة التاريخية لمصير أهل طروادة الذين اضطروا لفتح البوابة الرئيسية وكسر أجزاء من السور لعبور حصان طروادة؛ الخدعة الماكرة الممثلة في التمثال الضخم الذي قدمه الجيش اليوناني هدية وقربانا للآلهة من أجل إلتماس الغفران بعد أن يأسوا من اقتحام الأبواب أو هدم الأسوار بعد عشر سنوات من الحصار حول مدينة طروادة المنيعة. لم يستطيعوا تكرار بطولات العملاق هرقل الذي حطم أسوار طروادة وجعلها أقصر. لهذه غضبت عليهم الآلهة لأنهم وبحكم كونهم شعب قتالي، لم يحققوا النصر بوسيلة مشرفة، بل بالخديعة والخيانة، فثار عليهم إله البحار أبوسيدون، وعانى أوديسيوس -وهو مبتكر حيلة الحصان- في اليم نحو عشر سنوات أخرى إلى أن وصل أخيرا إلى بابه، ولم يستطيع ولوجه مع ذلك حيث استولى النبلاء على زوجته وقصره وأرضه ومُلكه. لكن وبعد عناء أستطاع أوديسيوس أخيرا أن يدخل باب داره بعد معركة دموية. على كل حال، حتى هذا الباب (باب الدولة) تم تدميره في القرن الثالث عشر.
أما عن قصة حصان طروادة (النموذج الخامس لباب النصر)، فيرويها باسكال ديبي، بمزيد من التفصيل.
-فهي حكاية حصان طراودة التي يعلم الجميع أنها مناورة حربية قديمة قدم العالم لكنها تعيدنا هذه المرة إلى البشر. تحكي الحكاية أنه بعد أن استحال الاستيلاء على طروادة بالهجوم أو بالمجاعة أو بإبادة المدافعين البواسل عنها، تظاهر الآخيون الموجودون في أرض مكشوفة برفع الحصار. لكنهم قبل أن ينسحبوا إلى جزيرة تينيدوس، تركوا على الشاطئ صنما هائلا على شكل حصان بناه إيبيوس ابن بانوبيوس، بمثابة شكر للآلهة. اختبأت نخبة المحاربين في باطن ذلك الحصان. أقنع خائن أو ساذج، كما يقترح بول فور، الطرواديين بإدخال هذا النصب الورعي ذي العجلات إلى القلعة وبتقديمه للآلهة احتفاء بالسلم المستعاد. سحبوه ودفعوه وجرّوه، وها هو الحصان داخل طروادة. لقد عبر العدو من دون أن يراه أحد الأبواب التي لا يمكن اختراقها والخاصة بتلك المدينة التي كان يقال إنها محصنة جيدا بمقدار تحصين أكروبولات اليونان مجمعة. استغل الرجال الذين اخترقوا السور الليل ودفعوا بابا داخل الخاصرة الجوفاء في الحصان الخشبي وانتشروا في المدينة النائمة. فتحوا الأبواب الموصدة الخاصة بالقلعة للجنود الآخرين العائدين من تينيدوس. ذبحوا ونهبوا: وسقطت طروادة. في هذا الحدث العظيم، لن أتوقف إلا عند طريقة الاختراق التي ليس فيها لسوء الحظ ما هو مبتكر، فاقتحام باب بالحيلة قديم قدم الإنسان والآلهة التي اخترعها لنفسه.
وبالانتقال من طروادة إلى أثينا “هاكم تأريخ سريع (وإن بدا طويلا إلى حد ما) لكنه أساسي لفهم إلى أي درجة يبدو تاريخ وجود الأبواب -التي هي دائما الأقسام الضعيفة في سور- ثانويا عندما تحمي مدينة نفسها وتوصد عليها أبوابها، وكيف أمكن أن يغفل المؤرخون عن مظهر الفتحات، الواقعي بمقدار ما هو رمزي، إذ تشبثوا لزمن طويل بفكرة أن الإنجاز يعود قبل كل شيء إلى إغلاق الحاضرة والدفاع عنها أكثر مما يعود إلى فتحها -مع إن هذا منجز عسكري محسوب أيضا للحضارة الإسلامية (رأيي أنا)- وبسبب خطر اقتحام القوط والهيروليين الذين كانوا يجتاحون آنذاك المدن اليونانية، اضطر الإمبراطور فاليريان (253-260 بعد الميلاد) للاهتمام بتحصين مدن عديدة كانت تهدمت أسوارها، مثل أثينا.
ويقال:
“إن أبواب أثينا الثلاثة عشر كانت تفتح على الجهات الأساسية كلها، لكن ثلاثة منها فقط لا تزال مرئية: الباب المقدس، والديبلون، وباب الخيالة.” [ص 62].
وكان الرومان ورثة اليونان في العالم القديم ولا خلاف على ذلك، ولكن إذا كان هناك شعب من شعوب العالم الحديث أكثر جدارة بوصهم ورثة لليونان، فهم بالطبع الألمان، يليهم الفرنجة (أهل فرنسا). ونلحظ التمجيد الثقافي لحضارة اليونان في آثار ألمانيا الباقية اليوم؛ لقد شيدوا ثلاثة بوابات على نفس قالب الـ البروبيليا أو بروبيلايا في برلين، ميونخ، وبروتسدام (براندنبورغ).
باب آخر كان قريبا من ألمانيا، هو البوابة الذهبية في أوكرانيا، في عاصمتها كييف، كانت البوابة الذهبية بوابة لطريق البوابة التاريخي في حصن المدينة، صممت من قبل ياروسلاف الحكيم على الطراز البيزنطي آنذاك في الفترة بين 1017 و1024 ميلاديا. اليوم صارت معبرا للسكك الحديدية، ربما قبل دمار أوكرانيا في الاجتياح الروسي. كانت أوكرانيا بوابة فاصلة بين الشرق والغرب داخل أوروبا. لم يكن الروس أول من عرفوا ذلك، فقد سبقهم هتلر حين قرر غزو روسيا من خلال حشد أكبر جيش في العالم آنذاك (الجيش الألماني).
وعودة إلى الماضي .. زمان .. عند جدران روما، التي استطاعت أن تحمي المدينة من أي حروب خارجية أو محاولة للغزو، وفي وقت سيطرت فيه الإمبراطورية الرومانية على العالم القديم، وربما هذا يفسر سرّ شعبية الأبواب في أمريكا، باعتبار أنها الدولة التي تمثل روما العصر الحديث.
“وفي روما، كان ينبغي لوقت طويل عدم تجاوز الحدود، أي أنه لم يكن ممكنا الدخول إليها ولا الخروج منها بالبساطة التي نتخيل بها الدخول إلى المدينة، نحن رجال القرن الحادي العشرين ونساءه والذين أصبحنا منخرطين في الحراك الدائم. كان وعي المرء بأنه يدخل ضمن المدينة مصونا إلى حد أننا سنضطر لانتظار وقت طويل قبل أن تصبح الأمور أكثر بساطة. [ص 80].
في هذا الزمن (القديم) شاعت بالتوازي مع عبارة (كل الطرق تؤدي إلى روما)، شاعت عبارة أخرى، هي عبارة (هانيبال على الأبواب). وحتى اليوم، لازال الخطر، وراء الباب، والذي لا يقف الباب منيعا أمامه، وربما لا يردعه بأي شكل من الأشكال، هو الهاجس الأكبر ضمن مخاوف الشعب الأمريكي. لهذا، يريد المواطن الأمريكي، أن يشعر بسلطته على المكان من خلال ترك الباب مفتوحا أيا كان في مستشفى، أو مدرسة، أو مختبر، أو مكتب، أو في المنزل. ربما المكان الوحيد الذي لا يترك فيه الباب مفتوحا هو السجون، مع ذلك، فإن السجون الأمريكية (والغربية)، وبسبب جهود المؤسسات الإنسانية، تحظى بأكبر قدر ممكن من مرات الفتح لإخراج النزلاء / السجناء من أجل نزهة أو وجبة أو ممارسة الرياضة في باحة السجن (ما تحاول الحكومة المصرية تطبيقها حاليا).
تتبع باسكال ديبي آراء المؤرخين، التي تذهب بأن مدينة روما، ربما في عهد الجمهورية وليس الإمبراطورية، كان لها، ليس السبعة أبواب المشهورة، بل سبعة وثلاثين بابا!. [ص 85:87].
إما ذلك .. إما أن يبسط الغرب سلطته من خلال القوة الجسدية أو العسكرية أو السياسية، وإما من خلال آليات الردع المبوبة من خلال عملية (تأمين الأبواب) الرائجة بشدة في أمريكا (بنفس رواج نمط الأبواب المفتوحة). وبحسب سلسلة أفلام (التطهير The Purge) ربما تزداد مهنة (تأمين الأبواب) رواجا في مستقبل قريب، كاد ترامب أن يعدنا بتحقيقه حين تولى منصب الرئاسة في واحدة من أكثر الأحداث السياسية صدمة على الشعب الأمريكي، وهي صدمة تكررت مرة أخرى، ومرة أخرى يتم التأكيد على هذه النظرة إلى الأبواب، حيث حاول ترامب فرض نفوذه من خلال محاولته التحكم بالحدود (الأبواب) عبر فرض المزيد من الرسوم الجمركية.
[2] وظائف متعددة للأبواب
الباب أداة عزل وفصل، تسمح بمرور من يخول له الدخول، عدا عن ذلك، تمنع الجميع من الدخول (أو تمنع عن الخروج). ربما لولا حاجتنا للهواء، لصنعنا أبواب قادرة على منع أي شيء آخر، وذلك متحقق بالفعل في بعض مستقبليات الخيال العلمي، حيث مكان نغلق فيه الأبواب على أنفسنا مع وفرة من الخزين في الأكل وحتى في توفر إمكانية لتخزين الهواء، بحيث لا يصير هناك حاجة لهواء من الخارج، الذي قد يكون عادة ملوثا بسبب حرب أو حدث نووي.
هناك عادة الأبواب التي لا تسمح بمرور البشر، أو الأبواب التي تسمح فقط بعبور البشر مثل البوابة السياجية. وهي عبارة عن بوابة مصنوعة من الأسلاك المعدنية، وتستخدم عادة في الأرضي الزراعية المسورة بالسياج، وتتميز البوابة بكونها قصيرة، أو بسهولة فتحها وإغلاقها في حالة إخراج الماشية من المزارع. تستخدم هذا الأنواع من البوابات حيث يمكن تركيبها وإزالتها بسهولة، كما أنها تتكيَّف مع مجموعة متنوعة من التضاريس، وهي رخيصة وبسيطة الصنع، كما أن وإذا لزم تكبير البوابة يمكن بسهولة أن تكون أوسع بكثير من البوابة التقليدية. وتستخدم بكثرة لدينا في مصر داخل عشوائيات القاهرة في المناطق التي تعرف باسم الزرايب.
ومثل ذلك مثل الباب الهولندي Dutch door، والذي يعرف أيضا بـ باب الإصطبل، أو نصف البا، فهو باب مقسم أفقيا (بالعرض) بحيث يظل النصف الأسفل مغلقا، بينما يبقى النصف العلوي مفتوحا. والغرض الأساسي منه هو إبقاء الحيوانات خارج البيوت الريفية (في الباحة الخلفية على سبيل المثال)، في حين يسمح للضوء والهواء بالدخول من النصف المفتوح العلوي. في وقت لاحق حدثت تعديلات على هذا النوع من الأبواب بحيث يمكن فتح أو إغلاق النصفين معا.
لاحقا تم استعمال التصميم في استخدامات أخرى، فنجد المصطلح ينطبق أيضا على تعديل الباب الخلفي على طرز مختارة من سيارات جي إم سي سفاري والشفروليه أسترو حيث النافذة الخلفية تفتح لأعلى وأسفلها بابين نصف. وهذا مشابه عموما لتصميم أبواب جناح النورس في السيارات التي تفتح أوابها لأعلى حيث تشبه جناح النورس اثناء الطيران. والذي استخدم لأول مرة من قبل شركة مرسيدس عام 1952.
كما أن هذا النوع من الأبواب يكتسب شعبية في المكاتب الحديثة، حيث يتيح للشخص بداخل المكتب رؤية من هو خارج الباب دون الكشف عما يقوم به على مكتبه، مثلما نجد في محلات / أكشاك فروع شركات الاتصالات داخل محطات القطار النفقي (مترو)، حيث يقبع الحاسوب خلف الباب القصير، لا يراه إلا الموظف، وأنت لا ترى إلا وجه الموظف، وليس صفحة الشاشة.
وأمثلة الأبواب التي تحدد من يدخل ويخرج كثيرة في العالم الغربي، حتى مع الحيوانات، هناك أبواب لا تسمح إلا بمرور الحيوانات، حتى أنها تحصل على اسمها من ذلك؛ باب الحيوانات المنزلية أو باب الحيوانات الأليفة Pet Door. هو من نوع من الأبواب عبارة عن بوابة صغيرة في الباب للسماح للحيوانات الأليفة بالدخول والخروج من المنزل من تلقاء نفسها دون الحاجة إلى شخص لفتح الباب. ويُقال إن إسحاق نيوتن هو الذي اخترع هذا الباب. ولكن باسكال ديبي له رأي آخر: (ففي العام 1278، تسبب اهتمام خاص جدا بحيوان يحب الانزلاق بين ساقينا وفي بيوتنا بثقب بعض الأبواب وإثراء مفرداتنا: (chatiere) والتي تعني (فتحة في الباب لدخول القطة وخروجها)). [ص 130].
وهناك نوع من الأبواب لا يسمح بمرور البشر ولا يسمح بمرور الحيوان، وبشكل أكثر استعادة للمقدرات الآلية في الباب، هناك أبواب معينة معنية بتقديم فوائد صناعية للباب في العادة دون أي حمولة معنوية أو جمالية عدا في قيمتها الصناعية والآلية، أبرز نموذج عن ذلك هو الهَوِيس أو الحوز أو المحبس أو الرَّيَّاح؛ منشأة ملاحية فائدتها نقل القطع الملاحية (المراكب والسفن وخلافه) من منسوب مياه لمنسوب مياه آخر في المجرى المائي سواء كان ترعة أو نهر أو قناة مائية. والاختلاف في المنسوب هذا خلال المجرى المائي قد يكون سببه وجود اختناق في المجرى المائي بسبب وجود منشآت في الممر المائي مثل الجسور والهدارات والقناطر، لذلك تكون الأهوسة بجوار هذه المنشآت لتجنب انقلاب المركب بسبب اختلاف مناسيب المياه. والهويس مكون من بوابتان أو قدَّاسان خلفية وأمامية (مدفقي ومسيبي) للمرور، وبه عدة بوابات جانبية لتفريغ وملء الحوض حتى يتسنى للقطعة البحرية المرور إلى أعلى أو إلى أسفل بعد أن تفتح البوابات الجانبية لتساوي مستوى المياه الخلفي بالحوض أو الأمامي بالحوض حسب اتجاه السفن.
يمكن النظر إلى القنطرة بوصفها بوابة تقدم نفس الغرض بشكل أكثر جمالية، هي تسمح بمرور المياه، وفي الوقت ذاته تقف فوقه كجسر عابر وبوابة تسمح بالمرور من فوق القنطرة حيث الجسر نفسه عتبة الباب. يمكن النظر إلى القناطر (بوابات المياه) في الحاضرة الإسلامية الكبرى؛ الأندلس، على أنها أقواس نصر شاهدة على عصر ذهبي قد ولى.
ولا ننسى من تلك التنويعات على الباب؛ الأبواب التقنية أو الآلية الصغيرة، مثل المصراع في عدسة التصوير (الكاميرا)، هذا النوع من الأبواب, الغير مخصص لإنسان أو حيوان (ربما فقط مفتوح لدخول الجان) كنت أفضل تضمينه مع تلك الأبواب التي لا تفضي إلى شيء في القسم المخصص لها.
الباب المُصرَّع أو الباب المطوي هو نوع من الأبواب يفتح عن طريق الطي للخلف من خلال ضم أكثر من لوح إلى بعض. وقد يُسمَّى كنسرتينة أو أكورديون استوحاءًا من الآلة الموسيقية التي تحمل الاسم نفسه، ونرى التشابه في الحركة مع أبواب الحمامات البلاستيكية أو الخشبية التي تكون جرّارة في العادة، وربما نجد شبها آخر بعض الأبواب الحديدية التي تفتح بشكل رأسي (وتكون من صفيح) أو أفقي (وتكون من شبكة حديدية). هذا النوع من الأبواب يشبه أيضا الباب المنزلق الذي يجري في مجرى أو قناة مخصصة له تعمل موضع عتب الباب. هناك أبواب تفتح بشكل آلي (أوتوماتيكي) وهناك أبواب مخصصة لعزل الحيوان دون الإنسان كما أسلفنا، وهناك بوابات للأطفال تمنعهم من الخروج عن أسرتهم وفراشهم أو تمنعهم من الدخول أو الخروج إلى أماكن معينة قد يلحقهم أذى من هذا الفعل، أي من هذا الولوج إلى الخارج / الداخل. ثم هناك باب السجن الذي يمنع من الخروج (في العادة تكون عدة أبواب متراصة خلف بعضها وفق ترتيب معين نعاينه في مقالتنا عن السجون). وهناك بوابة التفتيش الذي يمنع عن الدخول أو الخروج إلا بعد الحصول على الإذن أو بعد عمل إجراءات معينة لتحقيق ذلك.
وليس مع الحيوانات فقط، ولا مع البشر في السلم فقط، هناك اختراع اسمه الباب المنزلق أو الباب الساقط يستعمل في تحصين القلاع، فهو باب في الحصن من خشب أو حديد مذنب الأطراف من أسفله، ينزلق إلى أسفل في مجريين بكتفي المدخل، وذلك لتعويق العدو عند اقتحام الحصن، ويحتمل أن يكون العرب قد أخذوه عن الروم ثم نقله الإفرنج بدورهم إلى بلادهم، وهم أيضا كانوا يستعملون الأبواب / السدود الخفية تحت الماء والتي يمكن التحكم بها (آليا عبر السلاسل والروافع) وتنزلق بسهولة لإعاقة السفن المهاجمة. يقابل الباب المنزلق عكسيا الباب الذي يمكن شده أو طيه للخلف عبر جذبه من خلال بكرات وحبال. الأول يسقط على رأس المهاجم، والثاني يغلق عادة في وجه العدو، تاركا أمامه بركة من الماء أو أخدود كنوع من العوائق الإضافية، هذا الباب اسمه الجسر المتحرك فهو معبر من الخشب، مكانه عند مدخل الحصن ، يُرفع ويُخفض بالسلاسل والحبال.
وفي حالة نجاح العدو في الاقتحام، تم اختراع الباب الخلفي والتعامل معه كمنفذ سري مستعمل في دور العصور الوسطى و حصونها، لاحقا تضيف بعض المنازل أبواب خلفية في تصميمها لأغراض عديدة كالإطلال على الجهة الخلفية، وقد ينجح ذلك في جمع معلومات بالغة السرية أو الخطورة كما جاء في فيلم النافذة الخلفية Rear Window عام 1954 للمخرج الإنجليزي العظيم ألفريد هيتشكوك. النافذة نفسها هي نوع من أنواع الأبواب الغير مخصص لعبور لا البشر ولا الحيوان، بل هو فتحة لدخول الهواء الجيد وخروج الهواء الفاسد على قولة المصريين. ولدخول الضوء محملا بمشاهد من الخارج، ولدخول الصوت، أو عزل الصوت عن الخارج، أو لدخول منقذ البطلة، مثل بطل رابونزل الشهير، أو ببساطة، النافذة أيضا هو باب مفتوح لدخول لص.
وعلى ذكر التحصين، هناك أبواب القلاع، أبواب السجون، والأبواب المنزلقة في واجهات المحلات الكبرى (تلك الصفائحية والمعدنية التي ذكرناها)، والمصنوعة من صفائح الحديد.
ثم هناك الباب الخلفي، ثم الشكل الأكثر تطورا من الباب الخلفي هو الباب المسحور Trapdoor باب أفقي في الأرض أو في السقف أو في الجدران (اعتمادا على أي جانب من باب).
ثم هناك نوع من الأبواب، يعد هو الأكثر مراوغة حتى الآن، وهي الأبواب الدوارة Turnstile، وتنبعث قدرتها على المراوغة ليس من سريتها أ, خفاءها عن الأعين، بالعكس تكون ظاهرة جلية للعيان، وإنما من إصرارها الدائم على العدد المسموح به للمرور في المرة الواحدة أثناء كل استدارة، فالبوابة الدوارة هي نوع من الأبواب مصمم كي يسمح بمرور شخص واحد في الوقت الواحد، تستخدم لفرض طريق واحد لمرور الناس. وتصميم البوابة عبارة عن حواجز معدنية على شكل عصا عريضة وتوضع مرتفعة وتدور بالتناوب ما بين ثلاثة أو أربعة حواجز حول محور عامودي، يسمى الحاجز الواحد بـ مصراع الباب اللفاف.
يتتبع باسكال تاريخ آليات الأبواب وتوظيفها في التحصين في العصر الوسيط، من خلال فصل شيق تحت عنوان (جسور متحركة وأبواب خلفية) ننقله لكم بشكل شبه كامل في النبذة الآتية:
-ليس هنالك تصور للقصر القروسطي من دون جسر متحرك، كان يدعى في السابق (pont-levei)، وهو مصطلح وتقنية ظهرا في اللغة الفرنسية قرابة العام 1200 ويشيران إلى جسر يرتفع، مصحوبا بالنعت القديم (levis)، ينهض، ويبرز حركة، وهو بالتالي جسر متحرك. يبدو أن الجسر المتدحرج، الوريث المباشر للجسور الرومانية المتحركة القديمة، هو الذي سبق عملية رفع جسر. لكن وجب انتظار بداية القرن الرابع عشر كي توضع على مداخل القصور جسور متحركة خشبية، تُلقى فوق الخنادق أمام الأبواب مباشرة. لم تكن هذه الجسور المتحركة قائمة وحدها في بداية وجودها، بل كانت مرتبطة ارتباطا مباشرا بالأسوار عبر إنشاءات تتقدم البناء -من الباب والسور إلى الباب والجسر- مثل (التحصينات الأمامية)، التي كانت في معظم الأحيان إنشاء نصف دائري لم يكن له أي دور سوى حماية معبر أو باب أو (باب خلفي)، لكنه يسمح من جانب لأفراد الحامية بالاحتشاد وهم محتمون في منطقة ناتئة للقيام بغارات على العدو، ويضمن من جانب آخر انسحابا سريعا وإقامة مركز إسعافي أثناء الهجوم. لم يكن التحصين الأمامي في بعض الأحيان أكثر من سياج خشبي يهدف إلى تأخير المهاجم، ولاسيما إلى إتاحة الوقت للمدافعين لرفع الجسر المتحرك. في منتصف القرن الرابع عشر، باتت الجسور المتحركة تلعب في الوقت عينه دور جسر وباب للقصر. وقد أدى ذلك بطريقة ما إلى إضعاف الدفاع بما أنه لزم لتشغيل الجسور المتحركة الأولى ذات الخطافات وضع مجار مرتفعة وعميقة على الواجهة لتمرير السلاسل والعوارض أو الخطافات التي تستخدم في رفعها. سيحاول الناس بعد فترة قصيرة تصحيح هذا الضعف الدفاعي الجلي عبر تطوير جسور متحركة ذات سلاسل من دون خطافات، مثلما يمكن أن نرى حتى الآن في باب سنس في فيلنوف سور يون. لكن لم يكتسب هذا النظام القروسطي مزاياه كلها، ولاسيما في مواجهة الأضرار الناجمة عن المدفعية أثناء ضروب الحصار، إلا مع الجسر المتحرك المنقلب والذي يرفع من الأمام، أي بنظام قلاب يعمل بطريقة القبان. ففي حين تصعد (القلبة)، تهبط (القاعدة الكاذبة) ضمن تجويف فيصبح الوصول إليها صعبا. علاوة على أن هذا النظام يحمي الآلية، فهو يمتاز بفضل الخندق العميق بأنه ضرب من سور ثان، وبأنه يجعل عبور المهاجمين أكثر صعوبة. إن هذا النمط من الجسور المتحركة هو الذي سيبقى أكثر من غيره، مع تحسينات تقنية متباينة، مستخدما عمليا من دون تغيير حتى القرن الثامن عشر. وإذا ما وضعنا جانبا هذا الباب المحصن القابل للرفع، فقد كان مدخل القصر محميا بفضل (المصاريع) الموضوعة بصورة خاصة في الحجرة الصغيرة التي تعلو المدخل الرئيسي، حيث يتمركز حرس مكلفون بمراقبة الباب والدفاع عنه، والتي منها يمكن إلقاء مقذوفات بصورة عمودية على رؤوس المعتدين. كما كانت (الشرفة ذات المرامي) تعلو هي أيضا في معظم الحالات فتحة وتسمح بدفاع مباشر من نمط التقنية السابقة عينه. أما الأبواب، فكانت في كثير من الأحيان تقوى أو تبطن إن جاز القول، (بباب منزلق) هو عبارة عن حاجز مشبك كبير ذي سكة من الخشب أو الحديد أو الحجارة المجمعة، كما في قصر أنجيه. باب منزلق تحركه منظومة من البكرات التي تحرر في حال الطوارئ وتنزلق بسرعة بين الأخدودين، فيهبط الحاجز ويغلق مدخل القصر أو المدينة من دون الاضطرار لتحريك كامل منظومة رفع الجسر. يمكن أن يكوّن المرء فكرة عن فعاليته المدهشة من هذه الأقصوصة التي نجدها في كتاب لانسلوت البحيري: (عندما رأت أنهم أصبحوا في الخارج، قطعت حبل الباب المنزلق الذي كان كبيرا جدا فسقط. سقط على فارس وقتله هو وحصانه). وفي بيرسفوريست أيضا، يُحكى أن (البواب تلقى أمرا بأن يزيح الباب المنزلق ويرفع الجسر المتحرك إلى الأعلى ويغلقه بالأقفال التي جلبت مفاتيحها إليها). وفي مكان آخر أيضا، يوصى بهذا النظام الدفاعي عبر التأكيد بالقول: (إذا أردنا أن تكون الأبواب المنزلقة جيدة، لجعل الأبواب الخارجية مصقولة ومن أجل الإمساك بها واستبقائها إن تجرؤوا قبل أن يأتوا).
وتماما مثل الباب المنزلق، كان رفع الجسر المتحرك وإنزاله يقتضيان حشد عدة رجال ويتطلبان مناورة عظيمة الشأن. لكن الناس كانوا في زمن السلم يسعون بصورة خاصة إلى التمكن من دخول السور أو الخروج منه بسهولة من دون أن يحشد لهذا الأمر عدد كبير من الأشخاص، بل من دون أن يتطلب الأمر أي شخص. هكذا، كان المشاة، بشرط ألا يُحضروا (عربات)، يستخدمون (بابا خلفيا) أو أكثر (والكلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية، أي الباب الخلفي) يسبقه (أو يسبقها) جسر معلق صغير، لكن تحركه ذراع واحدة وسلسلة واحدة، ويؤكد بعض الناس أن امرأة واحدة كانت قادرة على جعله ينقلب. [ص 117،119].
[3] الأبواب السرية
وقد عرف الغرب انتشارا للأبواب السرية، ربما كما لم يظهر في أي ثقافة أخرى، وحديثا في أوروبا وأمريكا، تطورت الأبواب السرية، وتبعت الثورة التقنية (التصغيرية) فصغرت الأبواب السرية بدورها لتصبح صالحة لتخبئة الكثير من الأشياء والأدوات والمعدات وحتى الأجهزة الكهربائية التقليدية مثل التلفاز أو السخان أو الخلاط. فعرف البيت الأمريكي / الأوروبي تقنيات ومعماريات وحدات التخزين السفلية التي يتمكن المصمم بناء على طلب العميل من استغلال الزوايا والأركان الغير مستعملة لصنع فراغات داخلها مثل خزائن خفية لتخبئة بعض كماليات المنزل التي لا تظهر إلا بطلب من رب المنزل.
الشكل الآخر للخزائن المخفية كامن في الأدراج المستترة أسفل بعض الطاولات المخصصة لإخفاء هذا النوع من الكمائن الوعائية، في العادة قد يحتفظ رب المنزل بمسدس خفي داخل طاولة صغيرة.
لكن، وكما هو ملاحظ في النظام المعماري للبيوت الحديثة، فأغلب الأبواب والأدراج السرية، لا يُحتفظ بها سرا، بل يكون خبرها معلوما للجميع، ولكنها فقط تضيف نوع من الجمالية على المشهد. هذه الجمالية تنبعث في العادة من ثلاثة تغيرات
الأولى هو وجود تغير غير تقليدي في تصميم المنزل.
الثانية في المساحة التي يعاد استغلالها واستثمارها في أمور عملية دون الإضرار بجمالية المشهد المنظم في ترتيب عناصره، والخالي من أي زوائد فوضوية.
الثالثة تكمن في المتعة الناتجة عن محاولة العثور على الباب السريّ، المخفي عادة خلف باب آخر (مثل أبواب الخزائن والمكتبات) أو خلف درج، أو خلف جدار، أو مستترا في الجدار نفسه، حيث يصعب تمييز شاكلته بين صفوف الطوب أو الخشب أو البلاط أو أي من الجداريات التي يعمل مصمم العمارة الداخلية (الديكور) على تهيئة الباب داخلها حتى لا يظهر للعين من أول وهلة. أو يمكن إخفاء الباب في الأرضية مؤديا بالداخل إلى قبو ما. هذا غير الخزائن المخبأة خلف مرآة أو لوحة فنية.
كما وُجد بعض الأبواب الخلفية المخبأة والتي يمكن الهروب منها أو إدخال تعزيزات عبرها من دون علم المحاصِرين، وهو مخرج للطوارئ استحدث في القلاع واستخدم للخروج في مكان بعيد في الريف، أطلقت عليه لاحقا تسمية (الباب الفلمنكي). الأبواب السرية، لا تأتي فقط في صورة باب خلفي أو خفي كما تحدثنا سابقا، وإنما تطور الاختراع إلى فكرة إيجاد الممرات السرية والتي يشار إليها عادةً باسم الممرات الخفية أو الأنفاق السرية، وهي طرق خفية تستخدم للتنقل خفيةً، للهرب، أو لتحركات الناس والسلع. تكون هذه الممرات أحيانا داخل المباني وتؤدي إلى غرف سرية. ويسمح غيرها للمقيمين بالدخول والخروج من المبنى دون أن يروا. بنيت الممرات الخفية والغرف السرية في القلاع والمنازل المملوكة لرؤساء الدول، والأثرياء والمجرمين، والمؤيدين للقضاء على العنصرية المرتبطة بالسكة الحديدية تحت الأرض الأمريكية. ساعدت هذه الممرات الحكام المحاصرين للهرب من مهاجميهم، بمن فيهم البابا اسكندر السادس في 1494، البابا كليمنت السابع في 1527، وماري أنطوانيت في 1789 (تم ذبحها في النهاية). استخدمت الممرات والقنوات من قِبل المجرمين، الجيوش؛ خاصة في الفيت كونج الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام أثناء حرب فيتنام، ومثلهم فعلوا جنود معركة إيو جيما إحدى جزر الموت اليابانية تحت قيادة القائد العظيم كوريباياشي ضد الهجوم البري الأمريكي في المعركة التي تسمت على اسم الجزيرة. ومثلهم فعل ممثلي المقاومة الفلسطينية في غزة ضد أي محاولات للهجوم البري من العدوان الإسرائيلي (الذي يلجأ إلى القصف دائما كحل أكثر فعالية). كما في الحروب، استخدمت الممرات السرية في التنظيمات السياسية لتهريب البضائع والناس، أو إخفاء نشاطاتهم، مثلما حدث في عصر شيخ العرب همام وعصر المماليك.
ولا يسعنا الحديث باستفاضة عن الممرات السرية هنا، فخصصنا لها جزء كامل في مقالتنا عن الطريق، باعتبار أن الممر السري، هو في الأساس عبارة عن طريق، بغض النظر عن القدر الكبير من استفادته من موضع الباب في الخفاء.
3-على أبوابهم
The Other Side of the Door 2016
في العمارة اليابانية، اشتهر نوع من الأبواب وكثر استخدامه في معظم الأبنية الخشبية؛ أبواب خشبية منزلقة، تُفتح من خلال جذبها جانبيا عبر مجرى لضلفتي الباب يمينا ويسارا. هذه هي الأبواب المعروف في اليابان باسم الفوسوما؛ ألواح مستطيلة أفقية يمكن أن تنزلق من جانب إلى جانب لإعادة تحديد المساحات داخل الغرفة، أو قد تكون بمثابة أبواب في البيوت اليابانية التقليدية، وهذا هو الاستخدام الأكثر شيوعا.
وعادة ما تكون بعرض حوالي 90 سنتيمتر (3.0 قدم) وبطول 180 سنتيمتر (5.9 قدم)، بنفس حجم حصير التاتامي الياباني، ويبلغ سمكه سنتمتران أو ثلاثة سنتيمترات. ازداد ارتفاع الفوسوما في السنوات الأخيرة بسبب زيادة متوسط ارتفاع السكان اليابانيين، وارتفاع 190 سنتيمتر (6.2 قدم) هو ارتفاع شائع الآن. أما في المنشآت القديمة، فيكون صغيرا حيث يصل إلى 170سم (5 أقدام و7 بوصات).
يتم رسم الفوسوما، في كثير من الأحيان مع مشاهد من الطبيعة مثل الجبال والغابات أو الحيوانات. أما اليوم، فيتميز الكثير منها بورق الأرز العادي، أو رسومات مطبوعة صناعيا تمثل المراوح اليدوية أو أوراق الخريف أو أزهار الكرز أو الأشجار أو الرسومات الهندسية. كما يمكن أيضا شراء أنماط للأطفال تضم شخصيات مشهورة.
كل من الفوسوما والشوجي (مقسمات غرف بورق شفاف) تعمل على قضبان خشبية في الأعلى والأسفل. ويطلق على السكك العليا كامو إييه، ومعناها في اليابانية حرفيا (مكان البطة)، ويطلق على السفلى تسمىشيكي. تقليديا كانت هذه السكك مشمعة، ولكن في هذه الأيام عادة ما يكون لديهم شريط فينيل مشحم لتسهيل حركتهما (الفوسوما والشوجي).
جنبا إلى جنب مع الفوسوما، والشوجي وحصير التاتامي (حصير من القش على الأرض) يشكلون الغرفة اليابانية النموذجية أو الواشيتسو. وكان ولازال هناك ارتباط بين التقاليد والهندسة المعمارية اليابانية في نظام بالغ التعقيد. ولا تقتصر على ما ذكر فقط، بل وتشمل مفرداته (الخارجية، أي خارج المنزل) الـ توري (تعني في اليابانية مجثم الطيور، سمي بذلك لأن الطيور كانت تحط فوقه)، وهو هيكل -من الخشب في الأغلب- على شكل بوابة، يتم عن طريقه تحديد المداخل إلى المزارات الشنتوية، يفصل بين عالم الـ(كامي) المقدس والعالم الدنيوي المدنس. هو أشبه ببوابة تقود إلى الأماكن المقدسة في عقيدة الشنتو.
تتألف هذه الأروقة المفتوحة من عمودين منتصبين يحملان عارضتين أفقيتين، يتم في بعض الأحيان إضافة لوحة خشبية تحمل بعض الكتابات بين العارضتين. تستعمل عدة مواد في صنع الـتوري، إلا أن الخشب يبقى المادة المفضلة، ويتم طلاءها في الغالب باللونين الأحمر-البرتقالي والأسود. عادة ما يقوم بعض الأغنياء، عندما يحالفهم النجاح بتقديمها كهبة للمزار الذي يفضلونه. وأشهر مثال في اليابان هو ضريح إيتسوكوشيما.
وفي الصين هناك سور الصين العظيم (بالتأكيد له أبواب) وبوابة مدينة مينغ الصينية (يعتبره البعض سور الصين الثاني) ثم هناك بوبة تيان نامين Tiananmen المعروفة باسم بوابة السلام في ساحة بكين. وبوابة شيجيمن التي كانت أيضا في سور بكين. وفي كوريا هناك بوابة اسمها نامدايمُن أو سُنغنيمُن وتعني: (بوابة الاحتفالات الرفيعة). هي إحدى ثماني بوابات لسور قلعة مدينة سول العاصمة في كوريا الجنوبية.
4-على أبوابنا
فيلم الباب المفتوح – هنري بركات 1963
[1] أبواب عربية
في العراق القديمة كان هناك باب من العصر الآشوري اسمه بوابة أدد كان يقع فيما يعرف اليوم بمحافظة نينوي شمال أطلال مدينة مدمرة كانت يوما ساكنة بأحياء الآشوريين.
ومن أشهر البوابات أيضا بوابة عشتار التي كانت موجودة في مدينة بابل، وكانت هي البوابة الثامنة لمدينة بابل الداخلية، والتي بناها نبوخذ نصر -المنسوب إليه بناء حدائق بابل المعلقة- عام 575 قبل الميلاد. كانت البوابة تعتبر واحدة من عجائب الدنيا السبع القديمة حتى القرن السادس ميلاديا قبل استبدالها بمنارة الإسكندرية.
ثم توالت العصور البابلية وخلفتها العصور الإسلامية؛ فكان هناك أبواب سور حريم دار الخلافة العباسية في بغداد. وهي تختلف عن أبواب بغداد. هناك رواية اسمها (على أبواب بغداد) لكاتب اسمه قاسم.
وانتقالا إلى القدس تشمل بوابات القدس مجموعة من الأسماء الشاعرية؛ الباب الجديد، باب الأسباط، باب الحديد، باب الخليل، باب الرحمة، باب السلسلة، باب العامود، باب العتم، باب القطانين، باب المغاربة، باب الناظر، باب الساهرة، باب الغوانمة، باب النبي داود. هناك بالجوار ما يعرف بأبواب سوريا، وأبواب حلب القديمة، مثل باب الحديد، وكذلك أبواب حمص. هناك أيضا في القدس أبواب المسجد الأقصى؛ مثل باب حطة، وباب الرحمة وفيها مقبرة باب الرحمة. والباب المزدوج أو باب النبي في بلدة القدس القديمة في فلسطين، وهو عبارة عن بوابتين متجاورتين يقع في الجهة الجنوبية من سور المسجد الأقصى تحت منبر الإمام تماما، حيث يؤدي إلى ساحات المسجد عبر باب مزدوج يؤدي إلى ممر يناهز في طوله المائة متر وعرضه حوالي 13 متر. والباب يؤدي أيضا إلى ما يعرف بالمكتبة الخنتية. والباب مدينة تقع في الجهة الشمالية من الجمهورية العربية السورية على مبعدة نحو أربعين كيلو متر من مدينة حلب.
وهناك في بلاد المغرب هناك أبواب تونس، وأبواب المغرب (وخاصة بوابات فاس)، مثل بقية الدول العربية، لا أعرف الوضع بدقة في بلاد أخرى مثل بلاد المغرب، أو اليمن التي لديها باب، أو محلة باسم باب في مدينة ذي السفال. ولكن من بلاد المغرب نذكر أبواب مدينة تارودانت Taroudant City مدينة مغربية في دولة المغرب نفسها، وتارودانت كانت قاعدة بلاد السوس، التي يرجع تاريخها إلى العصر الجاهلي، فقد كانت قبل الإسلام مركزا حضريا وتجاريا، ثم اكتست مع توسع الإمبراطورية الإسلامية أهمية بالغة في عهد الدولة المرابطية ثم الموحدية، حيث اعتمدت كقاعدة عسكرية لمراقبة منطقة سوس المبتدئة لسلسلة جبال الأطلس الممتدة عبر المغرب وتونس والجزائر. هذه المراقبة تضمن استقرار الطرق التجارية الصحراوية، وتناوشتها الأحكام ما بين خراب وعمار عبر تعاقب سلسلة الممالك من الدولة المرينية والسعدية والعلوية إلى أن جاء السلطان المولاي الحسن الأول العلوي وكان له دور بارز في بسط سلطة الدولة على هذه المنطقة والحفاظ على استقرارها، وكانت مدينة تارودانت مثل عاصمة للدولة آنذاك. وخلال هذه العهود أحاط ملوك المغرب مدينة تارودانت العتيقة بسور يبلغ طوله سبعة كيلو ونصف. وقد بني على شاكلة الأسوار المغربية الأندلسية الوسيطية، وهو عبارة عن جدار من الطابية يدعمه 130 برجا مستطيلا و9 حصون، وتتخلل السور خمسة أو ستة أبواب هي باب الزركان وباب تارغونت وباب أولاد بونونة وباب الخميس وباب القصبة والجديد.
المغرب وتونس مليئة بالأبواب، هناك في المغرب أيضا باب باب طريق الحجر أو طريق باب الحجر، وباب الحجر كان الباب الأولى للقصبة الإسماعيلية قبل بناء باب منصور بعقود طويلة، باب منصور (أو باب منصور لعلج) الواقع حاليا في مدينة مكناس، والذي يعتبر خامس أكبر باب حجري في العالم. هناك باب العلوج في تونس، هناك أسوار وأبواب مدينة سلا. باب المريسي، باب بوحاجة، باب دار الصناعة، باب سبتة، باب شعفة، باب معلقة، ويمكننا الاطلاع على التفاصيل المتعلقة بعدد من هذه الأبواب على صفحة شبكية تعرض (أبواب المدن المغربية قديما وحديثا) http://abwab-almodon.blogspot.com/. هناك أبواب صفاقس. هناك مدينة جزائرية اسمها باب الواد أو باب الوادي. وفي إسبانيا هناك باب المردوم في مدينة طليطلة التاريخية، وباب آخر مشهور ومعروف باسم بويرتا ديل سول Puerta del Sol. وأخيرا السقيفة الكحلة في مدينة المهدية التونسية، والمشهور باسم باب زويلة (غير خاصتنا في مصر).
في الجزيرة العربية هناك أيضا باب الكعبة المشرفة. وهناك أبواب المساجد، مثل باب مكتبة جامع نابل الكبير (هذه في تونس)، وباب مسجد الحاكم بأمر الله (وهذه في القاهرة). وصنعاء وأبوابها السبعة والتي اندثرت جميعها عدى باب اليمن المسمى على اسمه الحي العريق في صنعاء، بالإضافة إلى حي الباب المذكور سلفا.
هناك بوابات مهمة في إيران، أهمها بوابة القرآن في أصفهان، وبوابة طهران القديمة، وبوابة درب كوشك في مقاطعة قزوين. وهناك أبواب مدينة غنجة Gəncə الأثرية الواقعة اليوم في أذربيجان، بالقرب منها في خوزستان هناك بوابة أغوغلان، وهي إحدى البوابات الأربعة الرئيسية لقلعة شوشا وتقع على الجانب الغربي من القلعة. البوابتين الأخرين للقلعة هما كنجه وإرافان.
وهناك الباب العالي في تركيا مقر السلطنة في عهد الدولة العثمانية أواخر أيامها.
[2] أبواب مصرية
يحتفي باسكال ديبي في كتابه بأبواب عشتار الزرقاء المعاد إحياءها في متحف ألماني، ومن ثم ينعطف بنا سريعا إلى متحف اللوفر وفيه أبواب مصرية قديمة:
“أحب أيضا أن أتجول في متحف اللوفر بالصالات المصرية، وأن أخيف نفسي وأنا في تجويف الأبواب المعتمة والمصاطب المتوعدة، لكنني لم أر فيها أبدا أبوابا خشبية. لقد قيل لي إن الأبواب لم تكن موجودة في مصر لوقت طويل، وذلك لسببين بسيطين؛ المناخ الحار وندرة الخشب” [ص 37: كتاب الأبواب].
وهي عادة لا زالت تجري في الريف المصري وفي الصعيد وعرب البادية في سيناء إلى اليوم؛ أي ترك الأبواب مفتوحة من أجل إطلالة جميلة على الخارج، أو رؤية المارة (ومضايفتهم، أي تقديم واجب الضيافة إليهم)، ومن أجل الحصول على نسمات من الهواء البارد في الأيام الحارة، خاصة في ليالي المساء الجميلة.
وعلى ذكر الليالي، وأشهر من غنت عن الليالي أم كلثوم، تنقل لنا كلمات أحمد شوقي:
أنا إن قدر الإله مماتي … لم ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
فمصر هي بوابة الشرق الأوسط، وهو موقع إقليمي وسياسي وثقافي مهم أكبر منافس لها فيه حاليا هي السعودية، بالإضافة إلى أهميتها التاريخية أيام كانت البوابات تؤدي إلى عالم الموتى في مصر القديمة (كما في حالة الصرح وهو بوابة ضخمة لمعبد مصري أو في حالة الهرم) والقاهرة هي بوابة مصر، ووسط البلد، هي بوابة القاهرة وعاصمة العاصمة، التي يجري نقلها حاليا إلى العاصمة الإدارية الجديدة، التي أرى أنها لن تنجح في استبدال الموقع التجاري والسياحي والثقافي بالغ الأهمية لمنطقة وسط البلد (التي ويا للدهشة يتم تطويرها حاليا)، ولكن في عملية النقل إلى أقصى الشمال والشمال الغربي للقاهرة دور مهم في توسيع نطاق القاهرة الكبرى التي استطاعت أن تبتلع معظم محافظة الجيزة بما في ذلك حلوان وأكتوبر والشيخ زايد، وشملت القاهرة الكبرى أيضا أجزاء من محافظة القليوبية، وجزء من الشرقية (منطقة العاشر من رمضان) وبهذا التوسع، من الممكن أن نشهد توسع غير مسبوق يجعل السويس، وربما حتى الإسماعيلية، أجزاء من مدينة القاهرة، ربما يتوفر قطار نفقي (مترو) يصل بين مناطق القاهرة الأكبر مما نراها اليوم. والمترو نفسه، أو القطار في عمومه، يعد هو البوابة الحقيقية للقاهرة، كما جاء في مقال ثقافي مهم ضمن مقالات مدونة (مدينة) الصحافية. نفس الأمر يتكرر مع بوابة المطار، ونجد أن القاهرة فيها مطار القاهرة، وفيها محطة مصر (للسكة الحديد). وكان ينقصها ميناء الإسكندرية الشهير والكبير، والذي يعد بوابة مصر البحرية وأهم وأكبر موانئها. استبدلت تلك المحطات الكبيرة للمواصلات الكبيرة، بعد ثورة صناعة المواصلات منذ اختراع المحرك البخاري والعربات، استبدلت ببوابات المدينة القديمة. فكانت بوابة المدينة هي البوابة التي تقع في سور المدينة، وكانت في الماضي هي المدخل الرئيسي إلى المدينة أو القلعة.
أبواب القاهرة كثيرة جدا وكلها تقريبا صُنعت في عصر الدولة الفاطمية ثم تذيلتها الدولة المملوكية بسبب خشية الحكام من الثورات والحروب؛ باب البحر، الخلق، الشعرية، العزب، الفتوح، اللوق، النصر، الوزير، زويلة (الباب الذي كان يدق فيه رأس المعارضة بالمسمار)، البرقية، المندب، وأخيرا باب تجارة بين السرايات جامعة القاهرة -الذي أحسبه بابا حديثا- فالقاهرة، مشهورة عند العرب والعجم، بنوعين من المعالم المعمارية البارزة؛ مساجد القاهرة التي تفتح أبوابا للاتصال مع الرب، وقد عرفت القاهرة باسم (مدينة الألف مأذنة)، والنوعية الثانية هي أبواب القاهرة نفسها التي تم بناء أغلبها في عصر القاهرة الفاطمية والمملوكية.
العتبة هي عنصر معماري مستطيل ترتكز على تيجان الأعمدة. وهي أدنى جزء من السطح المعمد التي تتكون من العتبة والإفريز والكورنيش. هذا جزء من تعريف العتبة على ويكيبيديا, ولكن ما أعرفه أنا عن العتبة، هو الاستعمال المعمارى لها في المنازل، بل وفي مختلف الأبنية، ولكن تحديدا في الأبواب. وعلى ويكيبيديا، تجدون قائمة كاملة عن أسوار وأبواب القاهرة القديمة، ولكني هنا أحاول اجترار بعضها من الذاكرة. العتبة تظل هي الباب الأكثر حضورا. العتبة هي بوابة القاهرة القديمة، واعتقد ستظل محافظة على مركزها حتى بعد الانتقال الحكومي والتجاري الضخم إلى العاصمة الإدارية.
أبرز باب يمكن ذكره، بعد المرور على روما، هو باب النصر، وهو الباب الكبير المبني في الجنوب عند باب الفتوح، شيده القائد العسكري جوهر الصقلي في عهد الدولة الفاطمية، لاحقا أطلق الوزير بدر الجمالي عليه اسم باب العز، لكن فضّل أهل القاهرة التسمية الأصلية. في السيرة البيبرسية يروى أن الظاهر بيبرس دخل القاهرة لأول مرة في حياته من باب النصر، كنبوءة مبكرة على انتصاراته اللاحقة.
[3] تحف وأنتيكات
في الثقافة العربية، هناك أنواع معينة من الأبواب، ارتبطت بنا أكثر من غيرنا، نختار منها خمسة نماذج كبرى؛ الخوخة والمشربية والشكمجية والبائكة والباب القديم.
الخوخة هو الباب الصغير في الباب الكبير. هذا النوع من الأبواب معروف منذ القدم و قد ذكره الرسول محمد صلى الله عليه و سلم في أحد أحاديثه: (لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر). نجد هذه الأبواب الصغيرة عادة عندما يكون الباب الرئيسي كبير جدا وذلك لتسهيل الدخول و الخروج. مازالت بعض المساجد و البيوت المبنية في المدن العتيقة تحافظ على هذه الأبواب كجزء من التراث و التقاليد. من بين المدن المعروفة بهذه الأبواب نجد مدينة سيدي بو سعيد و فاس. كما نشاهد هذا النوع من الأبواب في المدارس والمستشفيات وأقسام الشرطة، كنوع من التأمين، وفي المصانع، تفتح البوابة الكبيرة للعربات، والخوخة مفتوحة لدخول العمال والموظفين.
أما المشربية فهي نوع من النوافذ ساد في العمارة الإسلامية .. كانت المشربية هي نافذة المرأة على العديد من الأمور في الشارع أو في قاعة المنزل الكبير. خاصة في فترة ذكورية بامتياز لا تخرج المرأة من المنزل، النافذة هنا، ضمن امتيازات أخرى، هو بابها الوحيد للخروج.
ومن وجهة نظر أخرى، وبنفس الطابع النسائي، والذي يجعل من المرأة ملكة على بيتها (هي ست البيت) كانت الشكمجية صندوقا خاصا بحاجيات المرأة، جرى تصميمه على نفس الطراز الإسلامي ذو النقوش المميزة والأطراف المذهبة. ويمكن التطلع إلى ملحق أو مقالة مستقلة بعنوان (النافذة والصندوق) ندرجها لاحقا. ولا ننسى أن هناك في الأساطير اليونانية ما يعرف بـ صندوق بندورا، وبندورا هي حواء الميثولوجيا الإغريقية، فيبدوا أن العلاقة بين المرأة، والصندوق (بحكم أنه المعادل المادي للأسرار) هي نتاج طبيعي لهروب المرأة من ضعفها.
ثم تأتي البائكة (وجمعها البوائك أو البائكات)، (ولها مسميات أخرى: المرقاة والميزان والمقام) وأطلقت لفظة البائكة في الشام على المخزن الكبير الذي يتكون من قناطر تعلو أبوابه المتعددة. البائكة مجموعة الأعمدة المتتابعة على خط مستقيم والموصولة بأقواس من أعلاها لتحمل السقف. هذا اللفظ يستعمل بشكل أساسي في العمارة الدينية وعلى وجه التحديد في عمارة المساجد وهي تدل على صفوف القناطر التي تقع الأروقة بينهما وهي عادة تُحاط بصحن مكشوف وترتكز على أعمدة أسطوانية أو دعامات مربعة أو مستطيلة المقطع وتؤلف عادة مع سور المسجد رواقا واحدا.
أخيرا نأتي على ذكر الباب القديم؛ الباب القديم هو باب قديم، نستعمله مرة وأكثر من مرة، هو يتحمل طعان الزمن وعبث البشر، له تجارة قائمة ومشتقة من بين تجارة الأثاث الخشبي (الموبيليا) هي تجارة الأبواب / البيبان القديمة. وفي حال هلك تماما يمكن بيعه بالكيلو، على ثلاثة جنيه إلى أربعة جنيه، وربما يصل إلى خمسة جنيه كيلو الخشب عند البيع لتجار الخشب، وقد تزيد. هي تجارة فشلت فيها (أو نجحت) مثل العديد من التجارب السيئة لي مع تجارات متنوعة.
[4] وظيفة البوّاب
لاحظ باسكال ديبي في كتاب له بعنوان (إنثولوجيا غرفة النوم) أنه كان في مساكن بومبي أو فيزون لارومين عبيد ينامون إما مباشرة أسفل سرير سيدهم أو سيدتهم أو خارج الغرفة، حيث ينامون على سرير حقير يتعامد مع الباب. ترتبط فكرة الناطور – العبد، اللذين كان الفصل بينهما صعبا حتى وقت طويل، بالدور البائس الذي يلعبه البوّابون تحت تسميات عديدة، الذين قاموا حتى نهاية روما بدور الحارس الصارم الذي لا يحسدون عليه في المساكن الكبيرة. [ص 240].
بعد أن درس دوكور عينة من 460 بوّابا بعمر 54 سنة في الحي الغربي من باريس، لاحظ أن (المصرّح) يفكر في مساره: الأصل والمهنة وما إلى ذلك، لكن الرجال وحدهم يؤخذون بالحسبان، ويشير عدد ضئيل منهم إلى أنهم (بوّابون)، مفضلين منح أنفسهم مرتبة اجتماعية أسمى: (صاحب إيراد)، (مواطن)، وفي حال كانوا خدما فإنهم يذكرون صفة (رجل ثقة). والواقع أن هؤلاء الرجال كانوا في معظم الأحيان يقومون بنشاط مزدوج: بوّاب – خياط، صانع سراويل، بوّاب – إسكافي … وكانت مهنة بوّاب – بائع نبيذ (إلخ). وهكذا، لم يكن واردا عمليا وجود صفة (بوّابة) رسميا، في حين أن نساء هن بالفعل من كن يعملن في غالبية الأحيان على الأبواب الباريسية. [ص 242،243].
ونحن بالكاد نستطيع تعداد عدد لا يحصى من الاستعراضات المسرحية الهزلية المكتوبة والممثلة في كثير من الأحيان في النصف الأول من القرن التاسع عشر بخصوص هؤلاء الرجال والنساء الذين كانوا يراقبون الأبواب والناس والعمارات الباريسية. [ص 244].
هذه دراسة قيّمة جدا، وتظهر أوجه التشابه الثقافي بين البشر، في حالة إنسانية متفردة؛ (وظيفة البوّاب)، تشابه عجيب فعلا بين المجتمع الفرنسي والمجتمع المصري في ظل وظيفة البواب، والبيه البوّاب!.
5-أبواب لا تفضي إلى شيء
[1] بعض التعريفات
يقول مارسيل بروست:
لقد قرعوا الأبواب التي لا تفضي إلى شيء
وهي عبارة تصلح لوصف جميع الأبواب الغير مادية بأنواعها الثلاثة؛
الأبواب المجازية ذات الأبعاد الثقافية والرمزية ولكنها تظل محصورة على مجرد تشبيه مجازي يجوز فيه استعمال أثر مادي لوصف شيء غير مادي.
الأبواب النفسية، التي تُعطي تصورات قد تكون موجودة وقد لا تكون موجودة، وهو ما يطرحه السؤال الشهير؛ ماذا يوجد وراء الباب المغلق.
النوع الثالث هو الأبواب الخيالية بتدرجاتها الرمزية المختلفة.
أي أن الأبواب الخيالية، قد تكون أبوابا حقيقية تروي قصصا خيالية مثلما نجد في بعض الآثار المعمارية، وقد تكون أبواب خيالية بالكامل، لا وجود مادي لها في الواقع (رغم أن ذلك صعب مع الهوس الحداثي للمتابعين بالمشاهير، سواء كانوا من لحم أم لا).
بعبارة أخرى هناك ثلاث مستويات للأبواب الخيالية (ولأي علاقة بين شيء خيالي واتصاله بالواقع)؛ فهي تكون إما أبوابا خيالية لا وجود لها على أرض الواقع (خيالية مادة وموضوعا)، وإما أبوابا مجازية لها مشابهاتها في الواقع (نصف خيالية من الناحية الموضوعية، ولها وجود مادي غير حاضر وقت حضور المثل)، وإما أبوابا وهمية (خيالية أو نصف خيالية من الناحية الموضوعية، ولكن لها وجود مادي حاضر) مثل (باب خلفه باب).
يمكن صياغة الفروقات بتعبير آخر؛ هناك أبواب ذات تصورات مادية أو شكلية، لكن لا وجود مادي لها على أرض الواقع، وهناك على الجهة الأخرى أبواب مادية تحمل حمولة نفسية أو معنوية أو رمزية أو ثقافية أو خيالية، يفترض أنها تؤدي إلى مكان آخر لا وجود له على الأرض الواقع. وهذا ينقلنا إلى نمط ثالث وسيط، له شكلين
الأول هو الوساطة المجازية، حيث الباب يُقصد به تشبيه لا أصل له من الصحة، أو، في سياق آخر، لا وجود له على أرض الواقع، وإن كان التشبيه يحمل بعيدين، أحدهما معنوي بعيد مثل القول عبر الباب للعالم الآخر (بمعنى مات)، فهنا، القصد هو استخدام مفهوم الباب لمحاكاة كلمة العبور، وعلى نحو أكثر تعميما، كبديل لمفهوم الفعل إلا أنه فعل مقترن بالعبور (كما في نام، أو مات، أو جن جنونه). والأمثلة عديدة مثل (على باب الأبدية) كما جاء في فيلم At Eternity’s Gate 2019، أو باب الدنيا وهو فيلم مصري تجريبي صدر عام 2022.
الصيغة الأخرى، تستعمل لضرب المثل، في أمر واقع، حتى لو لم يقع، أو حتى لو لا يمكن وقوعه أو لا ينبغي وقوعه، مثلما نقول: خد الباب معاك، أو الباب يفوت جمل.
ونفس الفكرة حول باب الدنيا، نراها في صندوق الدنيا، ذلك النوع هو ما قصدته بالجسم المادي ذو البعد الخيالي، والذي يمكن عده أو اعتباره صيغة ثالثة للأبواب الوسيطة الرمزية التي تقع بين الواقع والخيال!.
في الأخير يتضح أنه يمكن تقسيم الأبواب الخيالية، إلى أربعة مستويات؛ أبواب خيالية من الخيال لا وجود لها، وأبواب مجازية تستعمل لوصف حالات اجتماعية ومادية ولا وجود لها هي الأخرى، وأبواب رمزية “ولا نقول الأسطورية، هي تلك التي نعرفها أكثر من غيرها، كما أنها أيضا تلك التي يبقى منها أكثر الآثار، النصية إن لم تكن المادية” [ص41]، ومثل تلك الأبواب التي قد تفتح علينا مداخل تدلف منها الأرواح الشريرة “لحظة الأخطار جميعا، هي لحظة وضع الباب والمدفأة، الفتحتين اللتين يمكن أن تتسلل منها الأرواح الشريرة، حيث لم يكن أحد ليجهل آنذاك أنه (حين ينتهي [تشييد] البيت، يدخل الموت إليه”، وأنه ينبغي بذل كل جهد ممكن للاحتماء منه” [ص46].
وأخيرا تبقى الأبواب الوهمية، تلك الموجودة مادية، ولكنها أبواب لا تفضي إلى شيء.
وفي اللغة العربية، يمكن ترتيب المصطلحات الثلاثة من حيث درجة التعميم على النحو التالي (من الأكثر تعميماً إلى الأقل):
الحمولة المعنوية: هذا المصطلح هو الأكثر شمولية. يشير إلى المعنى العام أو الدلالة التي يحملها اللفظ أو التركيب اللغوي. يمكن أن يشمل المعنى الحقيقي والمجازي والنفسي وكل ما يمكن أن يفهم أو يستنبط من الكلمة أو الجملة.
الحمولة المجازية: يشير هذا المصطلح إلى المعاني غير الحقيقية أو الاستعمالات البلاغية للألفاظ. يعتمد على نقل الكلمة من معناها الأصلي إلى معنى آخر لعلاقة مشابهة أو مجاورة أو غيرها، بهدف إحداث تأثير جمالي أو بلاغي.
الحمولة النفسية: هذا المصطلح هو الأقل تعميماً بين الثلاثة. يشير إلى ما تحمله الألفاظ أو التراكيب اللغوية من دلالات أو إيحاءات عاطفية ونفسية تؤثر في المتلقي. يتعلق الأمر بالمشاعر والأحاسيس التي تثيرها الكلمات.
باختصار:
الحمولة المعنوية أشمل، وتشمل كل أنواع الدلالات.
الحمولة المجازية أخص، وتركز على المعاني البلاغية غير الحقيقية.
الحمولة النفسية أخص من كليهما، وترتبط بالتأثير العاطفي والنفسي للألفاظ.
[2] المجاز
ونبدأ بأول هذه الأنواع؛ الأبواب المجازية.
والمجاز هو كل تعبير يراد به تجاوز المعنى من محل إلى محل آخر.
أو المجاز هو إيجاز استعمال معنى في غير موضعه.
ويقاس ببراعة المجاز كلما استطاع البليغ بلوغ المراد، من أقصر الطرق، فالمجاز يساعد على تقريب الصورة إلى الفهم والاستغناء عن تفاصيل لا قيمة لها. مع ذلك، قد يكون التطويل مما يفيد طالما يظل محافظا على الدلالة وطالما فيه متعة سردية. فبعض صور الجمال تستدعي بالضرورة الطول.
من ذلك المحرر الذي هو بوابتك لنشر الكتاب، بل وقد يكون هو القائم على تبوبيه، الكتاب أيضا مجاز للباب، غلافه باب إلى عالم آخر، والقصة داخل الرواية قد تكون قصة إطارية، أو قصة بوابية. هناك باب القصيدة، والسطر في الشعر يسمى بيت، ونصف بيت الشعر يسمى مصراع. والباب وهو قسم في الكتاب يجمع مسائل من جنس واحد، والباب من الكتاب مخصص لموضوع بعينه. والباب في الحدود والحساب ونحوهما الغاية. ومنه تبويب الكتاب ويقال بيبت له حسابه بابا، وهذا بابه كذا أي شرطه وتراجم الأبواب عناوينها ويقال ذاك من باباته وهي الوجوه التي يريدها وتصلح له. وقيل الباب من الكتاب ما تدخل فيه الفصول وكذا يشمل موضوعات من جنس واحد وفي هذا الباب في هذا الموضوع والغرض والباب القسم والنوع والصنف وتبويب الموازنة العامة في الاقتصاد طريقة تصنف بها النفقات العامة والإيرادات في جداول الموازنة؛ والإعلانات المبوبة إعلانات قصيرة في صحيفة أو مجلة، تكون تحت رؤوس موضوعات، وتتضمن الموضوع المعلن عنه وعنوان العمل. ويقال وربما أجريت ذكر أحدهم غير مبوب عليه أي من غير أن أجعل له بابا خاصا وفتح عليه بابا من السحر إذ سحره بنوع من أنواعه. فالباب هنا يمارس مهمته ببراعة في الفصل والعزل والتمييز بين الداخل والخارج، وأيضا في التصنيف والتقييد. دعك في الأخير من كون العينين والأذنين هي أبواب المعرفة، على حد تعبير ديبي، وكنا نقولها ونحن أطفال.
في العلاقة عن بين الباب والكتاب، خصص ديبي فصل بعنوان (على أبواب الكتاب) لا يزيد قليلا عما أوردنا، ولكن جدير بالذكر، المساهمة الثقافية الرائدة في سوريا، من الأخ الصديق ضياء البصير، وعنوانها يوضح مقصدها (وقد يكون الكتاب هدية). نضيف أنها تشبه مساهمة (الكتاب الأبيض) في مصر، التي تختلف تماما عن طرح القذافي، حيث يُنزع عن الكتاب غلافه أو يُخلع بابه لو أردنا أن نقول، حتى يتسنى للقارئ قراءة الكتاب والحكم عليه قبل وبعد وأثناء التجربة، دون الاستناد إلى أي أحكام مسبقة تفرضها عناصر ومعطيات مثل اسم الكاتب أو عنوان الكتاب.
[3] المزيد من الأبواب الخيالية
وأول الأبواب الخيالية، هو باب الموت، أي الموت بوصفه بوابة إلى عالم آخر واقع بين بابين؛ إما جهنم وإما الجنة -وإلا سيتحول إلى باب مجازي- فأما باب الجنة، فعتبته هي الدنيا، بحسب مع تقتضي بعض العقائد الصوفية الإسلامية كما في باب الله في العقيدة البابية التي نادى بها السيد علي محمد الشيرازي الملقب بـ (الباب). في الواقع، تعد الدنيا بابا للنار كما هي باب الجنة. مع ذلك، تظل العتبة الحقيقية للعالم الآخر، هو باب القبر. ومثل باب التابوت، والعلاقة بين الأبواب والصناديق يعرضها باسكال ديبي لنا بتاريخ مصر القديمة وكتاب الموتى، أو كتاب الأبواب، أو كتاب الساعات [ص42].
الموت هو باب الخروج من الحياة، ولو فرضنا أن الموت يفضي إلى شيء، فعادة، وحسب أغلب المعتقدات، لن يخرج ذلك عن ثلاث احتمالات؛ باب الجنة، باب الجحيم، باب الدنيا بصورة شبحية أو من خلال بوابة التناسخ.
باب الجنة أو الفردوس، له تمثيلات عديدة في الدنيا، مثل أبواب المساجد والكنائس والمعابد، وحتى ممثلا في بيوت بعض الناس المقدسين أو المشهود لهم بالكرامات، يقال في العربية: عتبتك خضرا، والإنجليزية، المسيحية يقدم باسكال ديبي صورة مشابهة لرمزية الباب أو العتب في الإسلام: “الأدبيات التي تخص المسيحية وحكايات الأبواب مهمة إلى درجة أنني لن أقوم هنا بأكثر من مواربة بطريقتي لبعض مصاريع الأبواب من أجل السماح لـ (العابرين المعتبرين) الذين هم نحن بالتأكيد بالاستفادة من آخر الأضواء التي لا تزال مقروءة لديانة تعبر، وكي أقول ثانية كم لعبنا باستعارة الباب واستفدنا منها بهدف محاولة قول الأشياء … وبصورة شديدة العيانية، فلتعلموا أن المرء في روما اليوم عندما يستعد لاستقبال كاردينال أو صاحب نيافة في بيته، لا ينسى أبدا أن يضع شمعة أمام بابه لتمييز وصول رجل النور هذا. [ص 97]. ثم يستمر في الحديث عن بوّاب نوراني، والأسطورة الذهبية، وباب مريم، وصولا إلى قصة القديس بطرس والمفتاحين [ص 101، 102]. وقصة عن اختفاء باب [ص 106].
والأبواب مقدسة جدا في المسيحية
“يكفي، كي نفهم كل شيء، أن نتأمل عدد سير يسوع الشخصية والحكايات الأسطورية إلى هذا الحد أو ذاك، والتي تحكي لنا كيف وُلد في بيت لحم خلف أبواب زريبة بين الثور والحمار الرمادي وأمورا أخرى كثيرة حول جولاته وتنقلاته التي لا تعد ولا تحصى قرب أبواب المدن”. [ص 103]. “لكن يسوع يحب الأبواب لحقيقتها ورمزيتها، إلى درجة أنه بوصفه سياسيا بارعا ومرتدا ماهرا لا يتورع عن التقدم إليها بأدب ليبدأ عندها نقاشا، وربما ليتشارك لقمة ويناقش ما يؤرقه .. هذا هو على الأقل ما يحكيه في كتاب رؤيا يوحنا، حيث يعلن من دون مواربة: (ها أنا ذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي)”. [ص 105].
“وأن الكتاب المقدس يمتلئ بحكايات الدخول والأبواب والمفاتيح، مثلما عرضتُ هنا لمحة صغيرة عنها، تماما مثلما هي الحال في الأديان التوحيدية الثلاثة والأديان ذات الآلهة المتعددة التي سبق عرضها. لكن لا تعتقدوا أن الباب هو دائما قوي ومفتوح على مصراعيه، فما إن يوجد دين حتى توجد منظومة مغلقة، ولا تكون أقوال في معظم الحالات إلا مفاعيل إعلان، إذ إن الأبواب إذا لم نتمكن من إبقاءها مواربة، سرعان ما تصبح أبوابا زائفة حقيقية يصعب العثور على مخرج فيها. [ص 106].
وعلى سيرة الأديان التوحيدية نلمس آثار ومعالم وطقوس التقديس في الإسلام كما في اليهودية، خاصة عند أبواب وأعتاب الأضرحة والهياكل.
وهناك أبواب مبتكرة للموت في بعض الأعمال الأدبية، مثل باب القمر في أغنية الجليد والنار (أيضا هل تذكرون حلقة الباب من مسلسل صراع العروش).
وبالطبع، هناك نموذج للباب اليوناني المعبر عن القوة في اليونان، غير إله الأبواب، عن ضرورة التشبث بالحياة حيث “تلقى هاديس الابن الثالث للجبار كرونوس، لحظة التقاسم بالقرعة (أعماق الأرض المغمورة بالظلمة) وأصبح ملك العالم السفلي، وأصبح عاهلا على الموتى، وحصل من أجل ذلك على لقب مريع هو لقب الإله (ذي الأبواب المحكمة الإغلاق). دور البوّاب ليس بالضبط الدور الذي يميزه، فبالإضافة إلى شارون المراكبي، يقوم الكلب سيربير ذو الأشداق الثلاثة بهذا الدور بصورة كافية، بل يميزه كونه السجان القاسي لمسكن مشرع الأبواب أمام قادمين كثر، لكنه لا يترك أحدا يخرج إلا بصعوبة شديدة. إن (عبور أبواب هاديس)، مهما كانت شاسعة ومفتوحة بصورة حتمية أمام الجميع، ليس له أي معنى غير الموت، أي الدخول وعدم الخروج مرة أخرى أبدا. يقول الإغريق إن هاديس (ملك أبواب الجحيم)، وعلى نحو لا نراه حتى في تارتاروس، يستقبل جمهرة متزايدة باستمرار ولن تتناقص، وهو متيقن من الاحتفاظ بضيوفه في مسكنه الرهيب. يؤدي هذا اليقين باسم الحتمية إلى منحه لقبا آخر أقل ترويعا لكنه أكثر تهكمية: (سيد كثير من الضيوف). لعب ابن آخر لكرونوس، انتهى به الأمر إلى أن يزيح أباه عن عرشه، أدوارا عدة على أبواب اليونانيين، وهي أبواب موجودة على السطح. إنه زيوس, أو بالأحرى عدة آلهة تُسمى زيوس كانت تحرس الأبواب والمعابر والعتبات. [ص 46,47: مجموعة الأبواب عند الآلهة اليونانية]. قبل أن ينتقل ديبي إلى تعريف طبيعة الإله الواحد زيوس (الذي يمكن أن نرى فيه أيضا إلها للموت والعقاب وللأبواب).
ونضيف:
-كانت الميثولوجيا اليونانية قد تحدثت عن (باب القرن)، ذاك الذي تخرج عبره الأحلام الصادقة، وعن (باب العاج)، إشارة إلى ذاك الذي تمر به الأحلام الكاذبة (والنوم هو بوابتنا للأحلام). لقد منحتنا أيضا ديدالوس الذي يهمنا على نحو مباشر، ذلك الرجل الذي -وفق كلمات جاك لاكاريير Jacques Lacarriere- (يجد مخرجا للمآزق كلها). ترك لنا ديدالوس أيضا المتاهة، أي المخرج المستحيل، التي لا تزال الحدائق المصممة على الطريقة الفرنسية تهتم بها، ليس لسجن المينوتور، بل لإضفاء شيء من الإثارة على نزهاتنا. [ص 52]. وفي نفس المخيلة / الثقافة / الميثولوجيا اليونانية، هناك صندوق بندورا، فهو الصندوق الذي فتح الباب لكي تدخل كل الشرور إلى العالم.
وهناك أبواب إلى العوالم الأخرى، والانتقال بين الأبعاد، مثلما تقدم لنا شخصية الطبيب الغريب Doctor Strange في مطبوعات الأدب المصور من مارفل، أو كما في خزانة الملابس التي تقود إلى عالم نارنيا. وفي الفيلم الرسومي الأمريكي؛ شركة المرعبين المحدودة. ومثل أبواب لافكرافت في قصصه القصيرة. ومثل كوابيس صغيرة Little Nightmares.
وأخيرا بوابة الكهف Cave gate عبارة عن حاجز من صنع الإنسان يوضع عادة عند مدخل الكهف أو داخل مدخل الكهف في محاولة لعرقلة أو تخفيف وصول الإنسان إلى داخل الكهف. يمكن أن يتنوع سبب بوابة الكهف، ولكن قد يشمل حماية أنواع الخفافيش الحساسة أو المهددة بالانقراض، أو حماية موارد الكهوف الهشة، أو تقييد الوصول إلى الكهوف الخطرة. هذا لا يعنيني، أنا مهتم أكثر بمفهوم (بوابة الكهف) كماء جاء في التراث اليوناني والتراث الإسلامي. ولكن لهذه مقالة أخرى، ربما نجد عنها جزء في مقالتنا عن (الطريق) ومعه تذكرة بأن الطريق، بشكل أو بآخر، هو باب.
[4] الباب في الأمثلة الشعبية
الطول قد يكون مناسب في البلاغة ولكن إذا قيدنا الأمر على القيم المنطقية وبعض القيم الأخلاقية، كانت الطرق الأقصر أفضل. ربما لهذا هناك علاقة متينة بين المجاز والمنطق. فالمنطق عبارة عن تنظيم للمقولات العقلية في صورة عقلانية قبل/بعد تطبيقها على هيئات مادية. كالعلاقة بين الخشب والباب مثل العلاقة بين الجدار والحجر، كلاهما مصنوع ومادته. هذه من الاستعمالات المجازية المنطقية، ولكن عموم الاستعمال يميل إلى المجازات الشاعرية مثل ذلك: (باب السماء المفضي إلى الفضاء)، ولكنه في الحقيقة لا يفضي إلى أي شيء، أو ربما بتجاوزه (أي باب الفضاء) يمكننا الولوج إلى اللانهائية وما بعدها (الجملة الطفولية الشهيرة من حكاية لعبة). وفي افتتاحية حلقة شهيرة قدمها أحمد الغندور في برنامجه الأكثر شهرة؛ الدحيح، والحلقة بعنوان (هانيبال) عن هانيبال القائد التونسي العظيم، افتتح الحلقة بعبارة اشتهر نطقها باللاتينية في عصر بلغت فيه سلطات روما إلى حد الذروة. والعبارة هي (هانيبال على الأبواب) الوارد ذكرها في مفتتح فصول الأبواب الغربية. الأبواب هنا تنطق مجازا للتعبير عن اقتراب هانبيال لما كان يشكله من تهديد خطر على بقاء الإمبراطورية الرومانية، هنا جرى استبدال الأبواب بالطرقات فصارت طرقات روما والمدن المجاورة أبوابا لها، وهو تعبير مجازي لا يبتعد كثيرا عن الشبه المادي والوظيفي بين الباب والطريق، فالطرق والجسور أبواب المدن.
وقد يأتي المجاز في صورة أخرى، منطقية أيضا، مرتبطة باقتران الباب، بنوع من الأعمال أو الأشغال أو الوظائف ذات صلة وثيقة بالباب (غير وظيفة المحرر)، مثل (باب النجار مخلع) كما المثل الدارج على الألسن المصرية للدلالة على أن صاحب الحرفة، لا يعني بالاستفادة من حرفته في شؤونه الخاصة، لأنه قد يبخل على نفسه بجهده الذي يوفره لعمله وتوفير قوت يومه. أو ربا لأنه ببساطة، صنايعي فاشل!.
هناك مثال آخر حول باب الذهب للدلالة على الثراء الفاحش.
-خد الباب معاك، أو خد الباب وراك
هو تعبير حميمي مصري وعربي يُقصد به استئمان الضيف على حاجيات المنزل، وعلى المنزل، لذا يطلب المضيف منه أن يغلق الباب خلفه (لا أن يخلعه ويحمله معه كما تروي النكتة القديمة) بدلا من عناء القيام وإغلاقه بنفسه.
على الناحية الأخرى هناك (الباب يفوت جمل) دلالة على ثقل هذا الضيف, وتقال عادة في حالتين؛ إما معناه طرد المضيف لضيفه، فحتى لو كنت جملا (أسدا أو فيلا أو أيا تكن) نحن لا نخشاك والباب يفوت جمل، وإما في حالة تهديد الضيف للمضيف بأنه سيرحل، وقد لا يكون ضيفا، قد يكون من آل البيت, ولكن رب البيت يقول له، الباب يفوت جمل، فالباب واسع، ومفتوح، ولا يوجد ما يعيق خروجك، ولا يوجد ما يمنعك من الخروج أو الرحيل (إياك أن تهددنا).
هناك نوع ثالث من الضيوف الغير مقبول دخولهم من الأساس (الباب اللي ييجي منه الريح، سده واستريح)، يعني أغلق الباب في وجهه وأرح نفسك. أو بشكل أقل تجهما (البيت بيتنا، أو البيت بيت أبونا والغرب يطردونا)، وهذا باب بيتنا.
على الناحية الأخرى، وبدلا من أن تمنع أنت دخول أحد، قد يكون هناك تحذير صارم من دخول مكان ما، (نحن على عتب الباب بعد) أو الجملة الأكثر تخويفا (دخول الحمام ليس مثل خروجه) واستعمل الحمام لسببين؛ أولا لأنه ليس مثل خروجه، فهناك تغيير حاصل بعد من قبل، وهو تغيير ملحوظ كما نرى. ومن ناحية أخرى يمكننا استحضار قدر هائل من القذارة في الحمام، هو حرفيا أقذر منطقة داخل المنزل، كما أنه من المناطق القذر القليلة التي لها باب، على العكس من البالوعة مثلا. هناك مثل آخر أكثر همجية يقول: سكتنا له دخل بحماره، والأكثر طرافة هو المثل التونسي دخل من الباب خرج من الخوخة. أي أنه دخل من الباب الكبير بكل عز و كرم و خرج من الباب الصغير بذل و مهانة، يقابله في مصر: (الداخل مفقود والخارج مولود).
لكن لا يستعمل الباب في وصف أذى واقع فقط، بل يمكن للمرء أن يفتح لأخيه (باب خير) بمعنى أنه مهد له طريقا أو طريقة للكسب المشروع أو لقضاء ما فيه مصلحة له. أو يفتح لنفسه بابا (طرق أبواب الشهرة) أو أبواب الثراء، النفوذ، الحكمة كمطلب يأتي أخيرا بعد الثلاثة الكبرى. ولاحظ العلاقة اللغوية بين طرق وطريق وطريقة مما نتعرض له في مقالنا عن الطريق، وكما قلنا من قبل، الطريق إلى المدينة باب لها.
في الواقع، الباب مجازا له استعمالات عديدة، أكثر مما يسعنا حصرها هنا، يرجع ذلك إلى عدد من العوامل؛ فيبدوا أن الناس كانوا يحبون من (يطرق الباب بشجاعة، من يجلب خبرا سارا)، لكنهم كانوا يرتابون ممن (يأتي إلى الباب في وقت باكر جدا، من يجلب خبرا سيئا)، وبطبيعة الحال، يجلب إغلاق الأبواب شعورا بالراحة والطمأنينة متاحا للجميع (عدا من يخاف الأمكان الضيقة أو المغلقة). [ص 120، 121]. الباب كتلة من الأفكار والتأثيرات والتبادلات الثقافية أخذت بالتبلور في العصر الوسيط، وهو العصر المفضل لدى باسكال ديبي، في فصل مشوق بعنوان (الأبواب تتجهز 123:131] وبافتتاحية أكثر تشويقا (تاريخ الباب هو تاريخ فتح وإغلاق وانتظار وخشية وصبر وعبور)، لكنه خصوصا تاريخ تقني طويل أيضا، ويستحق إبرازا اشتقاقيا بطبيعة الحال، وبخاصة إبرازا إثنولوجيا-تقنيا. ويبدوا لي أن موضع هذا الأمر يقع تماما في هذا العصر الوسيط المتأجج، حيث يلعب تنظيم (أماكننا) ومساكننا دورا في راحة الإنسان يماثل الدور الذي لعبته الروحانية الجديدة. وهكذا يتتبع باسكال تأثير الباب الثقافي واللغوي مارا بـ ظهور وظيفة حارس المفاتيح (التي تذكرنا بقصة قارون وخزائنه .. باب الخزانة كان يحتاج فصلا لحاله) وظهور وظيفة البوّاب. وظهور توابع الباب مثل القفل وخلافه، وحتى تجاوز هذا الفصل إلى الفصول التالية وتأريخ ظهور (فن الظهور) أو ما يعرف بـ الإتيكيت. [149].
[3]
يمكننا هنا أن نطرق سريعا كم باب من تلك الأبواب التي لم تعد موجودة, ولكن في الواقع, أنا لا أتذكر تحديدا أو عاجز عن الإتيان بباب لم يعد موجودا ويحمل هذا القدر من الأهمية. جميع الأبواب في الأبنية التي لم تعد موجودة, لم تعد موجودة بدورها, لذا يمكن أن نأخذ نظرة عليها في مقالة أخرى عن المباني والأبنية والبناءات والبناء والبنيان.
هناك أبواب غير موجودة مادية، ولكنها موجودة فقط في رسومات الرسام, أو خطوط المهندس, وعلى ذكر المهندس, وعلى الرغم من أن غرض الأبواب والنوافذ هو أن تخدم بصورة مؤقتة نفس الشيء كالحوائط التي تم وضعها فيها إلا أنه يمكن أن يتم استخدامها كذلك من قبل المهندس المعماري كي يوجد من حيث طبيعتها ولونها وأبعادها وعلاقتها مع كتلة هيكل المبنى – بعضاً من المؤثرات المعمارية التي تسر أعين الناظرين وتحدد وتميز المبنى بسمة مميزة.
وفي فصل بعنوان (الأبواب في مخططات)، يفصّله باسكال ديبي للحديث عن نشوء التخطيط الحاسوبي، تمثيل الباب معماريا وبيانيا، تطور اللغة الصورية، وتاريخ جغرافيا الأماكن، متحصلا أثناء كل ذلك على معلومات تليق بباحث متمكن من أدواته، مثل (الغواش) الذي يعد من الصور المبكرة لعملية إعداد مخطط.
هذه أبواب, تعد في الواقع غير موجودة إلا بصورة بصرية مخادعة, فهنا لا أقصد فقط الأبواب المجازية, هناك أبواب تكون مجازية على صورة بصرية, يفهم المجاز منها بأسلوب بلاغي فني وبصري يمتع العين, لكن لا يوجد أي تجاوز مادي للباب, والعبور هي السمة المميزة في الواقع لأي باب, فالباب وظيفته آلية أكثر منها جمالية.
إذن .. الباب بصريا, يمكن الاستفادة منه في حالتين؛ إحداهما تمثلت في الباب الزائف False door, أي ذلك الباب الذي يجري نحته أو نقشه أو تصميمه لأغراض فنية وجمالية بحتة. صورة منحوتة أو مرسومة أو مبنية لشكل باب، قد يكون النحت في مقبرة أو على جدار. وغالبا تكون الأبواب الزائفة ملونة ومزينة بإسهاب . وجدت الأبواب الزائفة في بعض الحضارات القديمة أبرزها الحضارة المصرية القديمة, قدماء حيث اعتقد قدماء المصريين في البعث بعد الموت. وكان من أساسيات ديانة قدماء المصريين أن روح المتوفى -وكانوا يسمونها كا- يمكنها أن تعبر من الباب الزائف من الآخرة إلى عالم الدنيا. فعند قدماء المصريين نجد عدة أشكال للباب الزائف مثلما في الأبواب الزائفة الوسطية التي وجدناها من عهد الدولة المصرية الحديثة، وأبواب زائفة مسهبة الزينة وبالطبع تحمل اسم صاحبها ومزودة بتعاويذ لحمايته وسلامته وتذكر أحيانا ما تقدم به من قرابين كما في مقبرة سنموت أو معبد الوادي. ويمكن أن نضرب مثال بارز حديث عن الباب الزائف في منحوتة بوابات الجحيم La Porte de l’Enfer الشهيرة, والتي تستلهم أبواب جحيم دانتي, وعبور الأبواب السبعة لقلعة مسورة سبع مرات بالجدران. كتاب دانتي نفسه كان بوابة الغرب إلى الجحيم إلى جوار الإنجيل. وكما أنها هناك أبواب زائفة منحوتة, هناك أيضا أبواب زائفة طبيعية بسيطة. وهناك أبواب زائفة حديثة وعصرية.
ثم هناك الباب المخادع, فهو عبارة عن باب, لكنه حرفيا لا يفضي إلى شيء, فخلفه جدار مصمد, أو ربما باب آخر لا يفتح. يشبه الأمر فكرة الباب المسحور لولا أن الأخير, هو باب غير موجود بالنسبة لهؤلاء الذين لا يعلمون بوجوده!.
[4]
الشبكة هي أكبر تجمع من المجازات المناسبة لتوصيفها, استعارات معنوية لآثار مادية, لوصف إمكانات نفسية واجتماعية وثقافية, لها سلطات سياسية وقانونية وإعلامية, بل وفعلية أكبر من أي مادة يمكننا الحصول عليها. الشبكة هي أكبر خصم للمال من بين جميع المواد التي تملك حمولة معنوية ومنطقية غير محدودة. يمكننا أن نصف الشبكة بأنها بوابة, أو قرية صغيرة, أو طريق, أو جدار, ولكن على ما يبدوا لي, تظل لفظة بوابة, بعد الشبكة هي الأكثر منطقية, أكثر حتى من لفظة مدينة صغيرة التي لا يزال جاري العمل عليها مع ميتا والمشاريع الماورائية المجنونة للعبقري مارك زوكربيرغ Mark Zuckerberg. لاحظ أن لفظة ميتا Meta تحيل دائما على الاستعمالات المثيرة لما يمكن أن يكمن وراء هذا الباب, أو حتى وراء الوراء. ميتا, منصة, (والمنصة لفظ آخر ضمن المفردات الشبكية) أكبر من أن تتمثل في بوابة رقمية أو صحافية. بالإضافة إلى كونها بوابة مؤسسية مؤثرة على جميع البشر في العالم كله, هي بوابة شبكية بامتياز, تتيح للمستخدم, وعلى نحو رائع وكبير, الاستفادة شبه الكاملة لما بلغناه حتى الآن من خصائص الواقع الافتراضي, وما وراء الواقع الافتراضي (الواقع المعزز). هناك مصطلحات عديدة تصف الوصلات التي تعد بشكل أو بآخر تنويعات على الأبواب، مثل ال VPN, الترانزوستر. ولما يتخيل باسكال ديبي بابا يربط بين الشرق والغرب، الشمال والجنوب, (العالم الريفي والعالم الحضري) [ص 82] يمكننا أن نخمن أن الشبكة يمكن أن تمثل هذا الباب. خاصة مع تطور تقنيات الأكواد والشفرات السرية، وإنترنت الأشياء: “وقبل أن تجعلنا الشبكة العنكبوتية نعبر أبواب العالم كلها من دون تحفظ أو محظورات، فإن ثقب القفل، سواء أكان من القرن الثالث عشر أم حديثا غاية الحداثة، هو بجوهره الشيء الرمزي لكافة الأمور الافتراضية التي تفعل فينا فعل (صوت الولادة الطبيعية للفكرة).
[5]
الباب بوصفه معبرا، وفي الواقع، لقد أكثر باسكال الحديث عن الباب من هذه الزاوية حتى كأنه يعد كتابا آخر حول (الباب بوصفه طريقا)، أي في موضوع الطريق أو المعبر. لدرجة أنه قد يغالي قليلا فهو يخلط أحيانا بين الباب بوصفه معبرا وبين الباب بوصفه حيزا؛ لم أتوقف حتى الآن عن إظهار أنه لئن كانت استراتيجية العتبات والمداخل مستلهمة منذ العصور القديمة، فهي أيضا شديدة الواقعية. [ص 131] وهو يتطرق إلى الفن وقدرته على خلق الحيز، فالمعماريون عنده (مثلهم مثل الفنانين الذين يصنعون فضاءات مليئة بالاستعارات) ورسموا (معابر) رغبوا في أن تكون معبرة إلى أقصى حد ممكن مبنى ما تقوم بمهمة تزيينية عبر وفرة المنحوتات وثرائها، التي تترجم من دون أدنى شك سياسية، سواء أرادها راعيها الديني أو لا. وهذا جاري حتى اليوم. ثم يتطرق بشكل خاص إلى العمارة القوطية من حيث غايتها هي البحث عن الشاقولية والارتفاع فيما يشبه نوع من التمهيد لظهور هذا الهوس الحديث بالأبراج وناطحات السحاب لدى الغرب [ص 133].
[6]
الباب بوصفه حاجزا
-ما الذي يجعل بابا مفتوحا يوقفنا؟ أصول اللياقة! في منتصف القرن الخامس عشر، تغير وضع الباب واتّخذ أهمية معتبرة في تنظيم حياتنا اليومية، إلى درجة أنه أصبح العنصر المركزي، بل المهيب من حيث أصول اللياقة التي تفرض نفسها شيئا فشيئا في بناء علاقتنا بالآخر. السؤال هو حقا: ما الذي يجعل بابا مفتوحا قادرا على إيقاف رجل؟ [ص 172].
وطوال فصلين، أحدهما بعنوان (أصول اللياقة عند الأبواب)، والآخر بعنوان (رسوم عبور وحواجز أخرى)، وربما نشير إلى فصل ثالث بعنوان (الجميع على الحدود)؛ طوال الفصول الثلاثة، أخذ الكاتب يستعرض تفاصيل مدهشة، حول تحوّل الباب من باب أو أداة مخصصة أصلا للعبور، إلى حاجز لا يمكن تجاوزه إلا بعد الحصول على إذن!. أثناء ذلك، أخذ يمر على مجموعة من التصورات الذهنية نحو الباب بوصفه نطاق “للفصل والتمييز” أو (المسافة بوصفها غاية بذاتها) [ص 176].
الأمتع مقارنة بعض هذه التفاصيل مع تعاملاتنا اليوم مع الأبواب، خاصة عند حديثه عن نشوء الإتيكيت، وبعض ظواهر التفاهة والتعالم والتثاقف، ودور الباب وعلاقته في حسن الضيافة (يعني لا يصلح تغلق الباب في وجه مضيفك)، وكيف أن الباب، من الممكن أن يربط بين الأماكن والأزمنة والأشياء والأشخاص. وأنا مهتم الآن بالملاحظات التي كل يقدمها سيباستيان ميرسييه ومارسيل موس في هذا الشأن. وصل إلى درجة الخلط بين الباب، والسور بوصفه باب، هناك فقرة لا أعرف لما يتحدث عن ستين حاجز [ص 215] من طيات التاريخ، ولكن قد يكون منطقي التحدث عن أزمة العبور والجمارك ورسوم العبور، أو حدث دخول الألمان [ص 228]، فالمداخل تصبح أدوات غربلة، على حد تعبير المؤلف [ص 224]. وهكذا في الفصل الذي يليه، تناول باسكال نشأة جواز السفر والتأشيرة وبعض من نظرية المؤامرة عند تبنيه مفهوم (التاريخ الساذج، ص 230). وأخيرا يختم بحلم فيكتور هوجو بإزالة جميع الأبواب.
وفي الأخير، هناك فصل بعنوان (ازدحام على الأبواب) تطرق فيه لتاريخ نشوء وظيفة البوّاب. وبما أن الكاتب فرنسي، وهذا واضح جدا في استرساله مستعرضا كل ما يخص الثقافة الفرنسية والأدب الفرنسي وتاريخ فرنسا، يخصص فصل بعنوان (سويسريو الأبواب) عن الأبواب والبواب في فرنسا وسويسرا.
[6]
ما وراء الباب المغلق؛ و(وراء الباب المغلق) هو عنوان شهير لإحدى روايات أحمد خالد توفيق. هناك أدباء عظام قدموا قصصا ممتعة عن الباب؛ ليلى والذئب بين الأخوين غريم وشارل بيرو، وربما نفس قصة الخراف السبعة. هنا قصة مارك توين، وأخرى لشكسبير. هناك قصة اللحية الزرقاء، وهناك أيضا مسلسل أبواب الخوف (الذي على ما يبدوا متأثرا بعوالم ما وراء الطبيعة للعرّاب أحمد خالد توفيق). تشمل استشهادات باسكال ديبي مختارات أخرى عن الباب، مثل سالامبو 1862 لـ غوستاف فلوبير.
ربما لاحقا، نرد قائمة بالكتب والروايات واللوحات والمنحوتات والمعماريات والأعمال الأدبية والفنية التي تحتوي في عناوينها أو مضامينها على باب.
وفي ختام مدونتنا عن الباب, ورغم أن السلسلة لا تلتزم بتسلسل معين, إلا أنه يفضل متابعتها بالترتيب بحيث يصبح الباب هو بوابتك إلى مجموعة ممتعة من المقالات أو هذا ما آمله وأرجوه على الأقل. ولما دخلنا الباب يلزمنا أن يكون الجدار هو التالي في ترتيب المقالات. من المحتمل أن أدخل بعدها إلى الدائرة لأنها بشكل أو بآخر, عبارة عن جدار أو سور مغلق على نفسه؛ لهذا يسمى السوار سوار. ثم هناك الطريق, بوصفه, بشكل أو بآخر, باب يفضي إلى جهة ما، والذي من الممكن أن يكون تاليا على الباب. تابعونا.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.