الاستشراق هي مدرسة فلسفية تتخذ من ثقافات الشرق (بالنسبة للغرب) مادة للدراسة.
وما يلحق تلك الكتلة الثقافية من ظروف سياسية,إجتماعية,تاريخية,إقتصادية,جغرافية,لغوية, أدبية,فنية,إنثروبولوجية,دينية,فلسفية,وإلى هذا النحو. وبرأيي يعد الاستشراق ظاهرة فريدة من نوعها تتمثل فيها علاقة غريبة بين الشرق والغرب لا مثيل لها في التاريخ قط. وتولدت عنها علاقة أغرب بين الشرق ونفسه. فأول ما نلحظه في الدراسات الاستشراقية هو موضوعها,أي الشرق. هذا وإن كان من جانب يعد إعترافا أكاديميا بأهمية الشرق مجتمعا وحضارة وثقافة. فإنه مع ذلك يختزل كل هذه الحضارة في كونها (موضوعا). ويمكن اختزال الاستشراق بإعتباره هو (نظرة الغرب إلى الشرق) ولهذا تميز فدوى مالطي دوجلاس بين نوعين من الاستشراق,العلمي والأدبي. وهناك موقفان متناقضان من الشرق فقد نشأت الفلسفة الإستشراقية (الاستشراق Orientalism) كحركة فكرية وفلسفية أسسها البيروقراط في بريطانيا بغرض فهم ثقافات،فلسفات وأديان الشرق إبان الإستعمار البريطاني للهند في أواسط القرن الثامن عشر،ثم توسعت حركة الإستشراق في الدول الإستعمارية كبريطانيا،فرنسا،وألمانيا،وتحولت من حركة إستعمارية إلى حركة ثقافية,ودُرِست من قبل الأكاديميين في أروقة الجامعات والمعاهد العلمية بصورة أكثر منهجية،وشملت الشرق الأقصى والأدنى والأوسط بما فيها الدول العربية،ثم تحولت مرة أخرى من حركة ثقافية إلى حركة سياسية لترسيخ الإستعمار الأمريكي للعرب والبلاد تحت سيطرة الإنجليز. (كأن شيء ما يتكرر!). لذا اختلف الموقف حول الإستشراق بين رأيين؛الأول يرى أن الإستشراق ما هو إلا أداة إستعمارية مثله مثل الإعلام والإقتصاد وغيره. خاصة وأن المستشرق في أصل تخصصه مؤرخ. ولا يتمتع كل المؤرخين بالموضوعية والنزاهة أثناء تناول تراث الغير. الرأي الثاني يرى أنها حركة تأريخية لا تستهدف الأديان والأعراق،ويستنكر إعتبار العرب -خاصة رجال الدين- الإستشراق حركة إستعمارية وتزييف للتاريخ الإسلامي،بحجة عدم تناول أغلب المستشرقين للتاريخ الإسلامي بصورة إنتقائية تستبعد الجانب السيء من التاريخ الإسلامي وتبرز الجيد. يؤيد المفكر الأمريكي / الفلسطيني الكبير إدوارد سعيد الرأي الأول في كتابه الرئيس (الاستشراق) والذي غير نظرة العالم إلى الحركة الإستشراقية,وكشف الكثير من خباياها. برأيي أن الإستشراق يمزج بين الأمرين,هذه نقطة. النقطة الثانية هو أن الإستشراق ضارب في القدم منذ القراءة الأولى للأعمال الإسلامية التي نقلت الفلسفة اليونانية إلى أوروبا. وقدم حسن حنفي مشروعا للاستغراب لقراءة وتحليل الثقافة الغربية مقابل استشراقهم لنا. هذه استمرارية لمحاولة فهم الآخر. و”رغم كون «فهم الآخر» هو هدف المشتغلين بالاستشراق والاستغراب، هذا الهدف الموضوعى، المطلوب بين أطياف المجتمع الواحد قبل أن يمارس بين مختلف المجتمعات والثقافات، فإننا نلحظ فى هذه الحالة «ظل كبلنج» ومقولته الفجة «إن الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا أبداً». لم تكن المشكلة فى أى وقت من الأوقات تتصل باللقاء الحتمى مع الحراك البشرى وتوافق وتعارض المصالح، لكنها كانت فى شكل اللقاءات، وما يثار فى تحليلاتها من اتهامات متبادلة. صحيح أن العديد من دراسات الجانبين قد صارت أكثر عمقاً ونضجاً، وإن كان من الصعب علينا مثلاً نسيان المرحلة الاستعمارية واستعلاء «الرجل الأبيض»، والعدوان على موارد ومقدرات الجنوب، إلى آخر هذه الأمور المحفوظة”. [متى نتجاوز المابعدية؟ / أحمد شوقي / الوطن نيوز
https://www.elwatannews.com/news/details/1437764] الإستشراق يقابله الإستغراب.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.