قد يكون العنوان قاسيًا بعض الشيء، ومثيرًا للتساؤل والفضول حول طبيعة هذا الأب الذي اقترن الكره معه في جملة واحدة!، ولكنني وجدت خلف صفحات هذا الكتاب الكثير الذي جعلني أستسيغ عنوانه لاحقًا.
لا أجد للكتاب وصفا أدق من “قريب”. ربما أكثر من اللازم، لدرجة مربكة. للوهلة الأولى شعرت إنه لاينبغي أن يكون كتابا يباع على الأرفف دون روشتة. لغويا هو بديع؛ قوي ومتماسك وبليغ في عبارته ومبدع في صوره لكنه مع ذلك بسيط وقريب وسلس حتى إني أحيانا كنت أغفل عن حقيقة أن ذلك ليس أنا وتلك ليست صوري أو عباراتي. ومواضيعه مرتبة ترتيبا يشبه الرحلة.
لعل ما يجعله قريبا هو أنك لا تشعر بالكاتب يخاطبك من الكرسي المقابل، ينظر إليك ويراك من حيث هو، بل تشعر به يقف حيث أنت، ربما إلى جوارك ويرى ما تراه من موضعك وكأنما هو هنا، أو كان هنا. وليس في مكاشفته نوعا من التعرية الفظة، بل يأخذ بيدك بتروي ليسير بك إلى الغرف المظلمة فيريك ما بداخلها بوضوح هادئ ويعبر بك الأزقة المخيفة التي ربما تخشى خوضها وحدك. لا تشعر به يسير أمامك بل معك. حتى يخرجك ويخرج معك من ظلمة فرضت عليك أو فرضتها أنت على نفسك ويريك أن الشفاء ممكن، وأن ها هو السبيل إليه فاسلكه، على مهل، بوتيرتك أنت.
كالدواء كان الكتاب، فكلما كان المرض أكثر عمقا وأطول زمناً كان الدواء في فمك أكثر مرارة و كنت أنت غير قادر على إبتلاعه ..شيئا فشيئا تعتاد الأمر وتستسيغ طعم الدواء في فمك تعتاد مكاشفة نفسك و مواجهتها بحقيقتها أريد أن أعرفني هذا ما تصيح به ،أنت الذي ستطلب الدواء بعد ذلك ستعيد قراءة الفصول أكثر من مرة بعد كل قراءة و تطبيق لهذه الفصول ستشعر أنك أفضل، أخف وزناً “أنا عرفتني أخيراً “ستصرخ بها، نعم سيكون الطريق في بدايته صعب و لكن سيكون أهون من الجراحات النازفة في صدرك و الشروخ المتصدعة في نفسك و نهاية الجراحات ستكون أفضل بداية للنفسية السوية.
هو من أثقل وأثرى وأجمل وأصعب ما تقاطع طريقي معه. ربما ينهكك لكنه إنهاك صحي، ضروري، ربما كالذي يشعر به من أنهى سباق ركض أو دراجات استنفد قواه ليملأه، يهدم فيك أشياء ليبنيها أقوى.
كتاب مُفيد جدًا وجميل من دكتور نفسي مختص هذا الكتاب سيفيد ليس فقط المتضررين من إساءات النشأة إنما لكل مربي وشريك يبحث عن التربية في بيئة سليمة وصحية، استخدم الكاتب أسلوب واضح وسهل يستطيع الجميع قراءته، سبق لي وقرأت للكاتب
Raven Fergany –
اقتباسات
1 – صار الحزن هو اللغة التي أفهمها من المشاعر، وحتى هذه اللحظة لا أظن أني أتقن التعامل مع الفرح، أو أنني أتمكن من استقبال مشاعر كالامتنان أو البهجة أو المرح
2 – فلا يتعلق الخزي بكوني اقترفت شيئًا سيئًا بل بكوني أنا شخصيًّا شيئًا سيئًا!
3 – لأب هو مصباح البيت ربما لا يكون قد لب لك كل رغباتك.. لكن تأكد أنه فعل كل مافي وسعه ليجعلك سعيداً
4 – لقد جُبلنا على صدِّ التعامل مع جروحنا وإبعاد كل من يحاول أن يلمس مناطق الألم منا
5 – بعض البوح (الحكيم) قد يريح، ويحرر، ويفك القيد ـ قد ينصحنا أحدهم بالمواراة باسم الستر، وقد نجد الدواعي حولنا كلها تصرخ صائحة أن نكتم ونبتلع وجيعتنا ولكن ليس ذلك بصوت الحق، فلسنا مذنبون
6 – يظن الآباء أنهم بصفعاتهم يؤهلوننا لعالمٍ قاسٍ لن يربت على ظهورنا، لا يدرون أن ربتاتهم الغائبة هي ما كانت ستؤهلنا لقسوته، وأن صفعاتهم لم تصنع فينا سوى أن منحت الخوف وطنًا داخل نفوسنا!
7 – لما أبويا يبقى بيعاقبني عقوبة مفرطة على أسباب تافهة، مش غريب إني أمشي في الدنيا حاسس إن فيه مصيبة حتحصل حتى لو مفيش أسباب واضحة لحصولها
8 – (أو ليس الحب تضحية وعطاء!) وتلك هي العقيدة المغلوطة التي توارثناها فأورثتنا البؤس والمعاناة!
9 – لا تبحث عن أشخاص، فالأشخاص يأتون كهدايا في طريق بحثك عن نفسك” شمس التبريزي
10 – لذا فإن جزءًا أصيلًا من التعافي من الإساءة يكمن في الحصول على علاقة شافية، أو ببساطة بيئة حاضنة بديلة لتلك البيئة التي هجرتنا [قد يوفرها طبيب مختص، أو مُعالج موثوق، أو صديق أمين، أو…]
لاستكمال النمو المتجمد، مع محاولة تفعيل أدوات أكثر فعالية لمواكبة الضغوط، والتعامل مع قلق (الوجود هنا والآن) في هذا العالم النسبي الذي يظلله العبث واللامعقولية.
11 -التعافي للشجعان؛ والشجاعة ليست في عدم الخوف، وإنما في اتخاذ القرار وفِعل الفعل رغم الخوف.. أن تَقدم على الأمر ورجلاك ترتعشان وقلبك يرتعد ولكنك تفعلها.
12 – الحياة لا تعطي دروساً مجانية لأحد، فحين أقول إنّ الحياة علّمتني تأكّد أني دفعت الثمن. “نجيب محفوظ”
13 – نعم إننا نحتاج المشاركة والاندماج في الفعل ومخالطة الناس، ونحتاج أن ننجرف بتيار الحياة السلوكي. ولكننا أيضًا نحتاج بنفس القدر للحظات السكون، والخلوة، وإيقاف الفعل والتماس مع الوجود العاري، والسماح للحظة الحاضرة بكل ما فيها أن تخترقنا.
14 – لا تُضيِّع عمرك لتثبت لهم أنك ناجح، أخبرهم أنك فاشل وسيصدقونك فورًا، ثم عش حياتك على طريقتك وبأسلوبك، هذا هو النجاح الحقيقي. جاك نيكلسون
15 – علمتنا بيئة الإساءة أنه لا يحق لنا أن نثور أو نرفض أو نغضب.لقد تم تقليم أظافر مشاعرنا كلها، وتعلمنا الكبت والمواراة ، وكان الغضب أحد الأحاسيس التي طولبنا بقمعها، فقمنا بنفيه لجزيرة معزولة داخلنا بعيدًا عن الوعي، وقطعنا سبيل التواصل مع العالم الخارجي
أو هكذا حاولنا أن نضع الغضب تحت الإقامة الجبرية.
16 – وحدك تعرف كيف هو الأمر أن يكون المرء أنت! بكل ما فيك وحولك.وحدك تتذوق وجودك هنا، والكل فقط يشاهد أو يشهد أو يقترب أو يتقمص، ولكنه ببساطه لن يكون أنت.
17 – والذات التي تتعافى، إنما تتعافى هناك في الحياة؛ في العمل والدراسة والحب والصداقة والدين والأبوة والبنوة والأخوة والقرابة والتزامل والتزاحم والتدافع والترافق!
18 – نعالج شعورنا بالخزي عبر موازنته بالكبر الاستعلائي! لذا كان “الغرور” محاولة عابثة لموازنة “النقص”، والحُكم على الناس تعويضٌ خفي لشعورٍ بالتقصير!
19 – توقعاتنا تلك هي ما أغرقتنا أصلًا، لم يكن الأمر دومًا متعلقًا بخُذلان الآخرين قَدر ما كان متعلِّقًا بعدم واقعية تطلُّعاتنا ومثالية توقعاتنا منهم.
20 – ندّعي أننا مهمشون ومتروكون ومنبوذون ولا يؤبه لنا، ولكن بقعة ما عميقة للغاية من نفوسنا تخشى بشدة أن نصير مرئيين أو أن نجلس بالمكان المستحق لإمكاناتنا