نحن الآن نشعر بالمرور السريع للوقت أكثر من أي زمن مضى، دائما علينا تحديد أولوياتنا في كل ما نفعل، فالحياة قصيرة جدا، والخيارات كثيرة جدا، وعلينا أن نقرر ما الذي نريد فعله حقا. وعندما نتذكر عشرات الكتب التي نريد أن نقرأها، يخطر لنا أننا حتى لو عشنا حياة أخرى على حياتنا، فإنها لن تكفي لقراءة كل هذه الكتب. لكن بالرغم من وجود ملايين الكتب القديمة وما يناظرها كما من ملايين الكتب الجديدة (الجيدة أو قد تكون جيدة)، فإن الكتب العظيمة التي فتحت آفاقا جديدة للوعي والفهم البشري (صنعت أفكارا) هي حقا قليلة بل نادرة. هناك الكثير من القوائم التي ستجد بها الكتب الأكثر تأثيرا في التاريخ والتي من أشهرها قائمة لو موند، وقائمة التليغراف، وقائمة مجلة التايم، تحتوي هذه القوائم على أنواع مختلفة من الكتب: أدبية وفكرية وعلمية، نعرض منها هنا قائمتنا (الكتب المؤسسة للأفكار Books that establish Ideas) بأهم الأعمال الكلاسيكية التي أجمع عليها المؤرخين والنقاد، وحتى لو لم يفعلوا، لعل تكون حججنا في اختيارها مقنعة بشكل كافي، وأبرز حجة عملنا بها هي وقوع اختيارنا على كتاب واحد فقط في سنة صدوره أو تأليفه. [المقدمة منقولة بتصرف عن الجزيرة].
5001 ق. م / مصر القديمة، سليم حسن
في سلسلة من المراجعات حول (الكتب المؤسسة للأفكار)، نستهل فيها بأولى الأفكار التي مرت على الإنسان منذ فجر البشرية، في المراجعة السابقة، كانت فكرتنا الأساسية حول (نشأة الحضارة)، واخترنا كتاب قصة الحضارة، وبشكل تدريجي، ننتقل من التعميم إلى التخصيص، وفكرتنا هنا، عن (نشأة أولى الحضارات التي عرفتها البشرية)، في الواقع، وعلى نحو أكثر دقة، هذه مجموعة فرعية من الأفكار يمكن أن تحمل أسماء مثل: مصر، بابل، الهند، الصين، واليونان، ما يعني أننا خصصنا لكل فكرة ومراجعة تعبر عن كل دولة.
بل وربما أكثر من ذلك، لأننا لا نحصر دولة كبيرة مثل مصر -التي نتناولها بالحديث هنا- في فترة زمنية بعينها، وعلى مدار المراجعات المتتالية، سوف نقابل مصر القديمة (سليم حسن)، ومصر في عهد نابليون (وصف مصر)، ومصر الحديثة (شخصية مصر)، وربما تقابلنا فترات ليس هنا متسع للخوض فيها.
مصنف مثل (مصر القديمة)، يعتبر هو الموسوعة الوحيدة المتكاملة في التاريخ المصري القديم التي وضعها عالم واحد بمفرده، هو عالم المصريات القدير سليم حسن (أستاذ علم المصريات في جامعة القاهرة، وهو مؤسس القسم)، ولد 1886، وتوفى 1961، ويعد حلقة وصل بين جهود أحمد كمال باشا قبله، ومصنفات زاهي حواس بعده. ويتكون مصنفه من 18 مجلدا تتناول مساحة واسعة جدا من التاريخ مبسطة على نحو أكثر من 5000 عام قبل الميلاد، منذ عصور ما قبل الأسرات، وصولا إلى موت كليوباترا وسقوط الدولة البطلمية.
5000 ق. م / قصة الحضارة، ويل ديورانت
ابتداءا، نُعرّف بالسلسلة أولا، وهي سلسلة من المراجعات السريعة -قصيرة كانت أو طويلة- تمتد إلى ما شاء الله، وصولا إلى 3000 قطعة نصية، ونعم لم أقم بإضافة صفر زيادة، بل هي كما العدد المذكور بالفعل، ولأن تاريخ ما قبل التاريخ متاهات وظلال، كذلك تاريخ ما قبل الميلاد، عينّا ميلاد المسيح لحظة فارقة يمكن تقصي الأخبار عنده أفضل وأكثر وضوحا مما لو تقصينا قبله، ذلك لا يمنع أننا سوف نتناول في أول مئويات قائمتنا هذه، ما فاتنا من أخبار السلف منذ آدم عليه السلام أو قبله بقليل (لو وسعنا ذلك).
وأول كتاب عن آدم، ليس عن آدم تحديدا، بل عن ما يرمز له سيدنا آدم: (نشأة الحضارة)، هو كتاب بعنوان بسيط وواضح: (قصة الحصارة)، للفيلسوف الأمريكي الكبير ويل ديورانت، الذي يمكن اعتباره، وبدون أدنى مبالغة، ضمن أبرز وأهم خمس كتب في موضوعها، بل ومن أكثرها موسوعية. الكتب الأخرى المتقدمة أيضا في نفس الموضوع، هو (موجز تاريخ الزمان) للقاص الإنجليزي العظيم هربرت جورج ويلز، وهي نسخة أكثر اختصارا ونقيضا عن الموسوعة. وبنفس الإيجاز قدم لنا كل من يوفال نوح هراري -المؤرخ الإسرائيلي البارز- والمؤرخ البريطاني أرنولد توينبي، وجارد دايموند الأنثروبولوجي والجغرافي الكبير، نسخهما الخاصة المختصرة (العاقل: تاريخ موجز للبشرية) لنوح، و(تاريخ البشرية) لتوينبي، و(أسلحة وجراثيم وفولاذ).
توينبي نفسه -الذي كان معاصرا لديورانت- صنف نسخته الطويلة من التاريخ في مؤلفه الضخم (دراسة في التاريخ / 12 مجلد) وبالمقابل قدم ديورانت بعض المختصرات كما فعل في (قصة الفلسفة). ولكن موسوعة قصة الحضارة، حظت باعتراف عالمي بأنها أكبر موسوعة تاريخية شاملة نتاج جهد فردي (11 مجلد في نسختها الإنجليزية)، حيث كان مؤلف ديورانت أوسع نطاقا. كما أنه يرسخ لفكرة واحدة أصيلة نحاول التقاطها لاحقا في كل كتاب، وهي هنا: (نشأة الحضارة)، أو كيف انتقل الإنسان من بناء خيمة إلى بناء البرج، ومن ركوب بغلة إلى ركوب الطائرة، حيث يبدأ تاريخ قصة الحضارة، من العصر الحجري، وينتهي عند سقوط نابليون سنة 1815 (كان هناك مناطيد هوائية في عصر نابليون). والأهم من ذلك، كيف انتقل من الصيد بالحجر، ثم السكين، وصولا إلى القتل بالطلقات النارية!.
الكتاب تم ترجمته بواسطة مجموعة من المترجمين الكبار على رأسهم أستاذ الفلسفة المصري زكي نجيب محمود، وتم نشره لأول مرة بواسطة دار أجيال في 42 جزء موزعة على 22 مجلد، ثم أعيد طباعته لاحقا بنفس التوزيع بواسطة مكتبة الأسرة عام 2001 واحد (الطريف أنها كانت طبعة مخفضة تتناقض مع سعر الكتاب الآن، ولكن ذلك قد يكون مبررا نظرا لندرته). هناك دار قامت لبنانية قامت بطباعة الـ 42 جزء في 42 مجلد أصغر حجما، هي دار نوبليس.
2000 ق. م / جلجاميش
1500 ق. م / العهد القديم، موسى
التوراة، الزبور، التلمود، التناخ، العهد القديم، إلخ .. الفكرة الملحة عندي هنا، أن اليهودية قدمت حجر الأساس لما تراكم بعدها وضعا أو وحيا من الديانات الإبراهيمة اللاحقة، خاصة العقائد الكبرى في الإسلام والمسيحية، أو التفريعات الإشكالية مثل الصابئة والغنوصية. على كل حال، الفكرة الأساس هنا، هي فكرة واحدة: ضرورة الإيمان بوجود إله واحد، أو ما يُعرف بـ (التوحيد)، حتى أكثر المعتقدات جدلية مثل الإيمان بالثالوث المسيحي (الأب، الابن، روح القدس)، ترى أن هذا الثالوث ما هو إلا تجليات مختلفة لإله واحد، الرب هو الرب، وعيسى ابنه، وعيسى نفسه هو الرب. في الواقع، هناك بعض الشطحات الصوفية في الإسلام القريبة من نظريات (الفيض) و(الحلول) وبعض مذاهب الشيعة تعطي تصورات مشابهة. حتى أن محمد يتم اقتران اسمه مع اسم الله في الشهادتين، وتم تقريبه من الله في رحلة الإسراء والمعراج. وهناك تصورات إسلامية مغضوب عليها تُجسد الله في صور معلومة. العجيب أن لفظة (الله)، هي المتداولة عند العرب مسلمين أو نصارى. الله واحد لا ثاني له، فكرة قوية جدا، بل وتلعب أساسا في بعض المعتقدات الوثنية، التي تميل لتأليه شخصية ما بوصفه إلها واحدا بدلا من الذهاب وراء عدة آلهة. وتاريخيا لا تزال دعوة إخناتون محل جدل ودراسة إلى اليوم.
850 ق. م / الإلياذة والأوديسة، هوميروس
في سلسلة من المراجعات السريعة نقدم لكتب صنعت أفكارا كما يظهر من عنوان السلسلة ووسمها: (الكتب المؤسسة للأفكار)، نركز على فكرة واحدة فقط مع كل كتاب، غير متكررة، وإن كانت قد تتقاطع مع أفكار أخرى.
الحرب خدعة، هي الفكرة التي نقلها لنا هوميروس عن حرب حقيقية
1م / الإنجيل، وميلاد المسيح
بنفس الطريقة، نجد أن الإنجيل منسوب إلى عيسى بن مريم، وأنا كعادتي أميل دائما إلى نقد كل المعتقدات الدينية والمقدسة، لكن لا يمكنني أن أزعم أن محمد كان يجيد القراءة، لأن ذلك تقريبا ثابت تاريخيا، أيضا لا يمكنني أن أزعم أن سيدنا عيسى مولود من أب وأم، لأن ولادته الإعجازية من أمنا مريم تكاد تكون هي الأخرى ثابتة تاريخيا. ما قد يفتح المجال لتساؤلات حول إمكان تكرار هذه الظاهرة البيولوجية قبل أو بعد حدث ميلاد المسيح، لكن هذا ليس محور النقاش هنا.
المسيح، يسوع، أو سيدنا عيسى، هو أرق الأنبياء المعروفين في الطوائف الإبراهيمية، سيدنا محمد كان الأكثر عدلا، لكن لا يمكن الزعم أنه كان برقة عيسى بن مريم، والسبب واضح ببساطة، ذلك النبي الفقير الذي كان يفترش الأرض متوسدا ذراع، ويغطي رأسه بذراع، ويركب حماره، وكان مستعدا لأن يتم صلبه (سواء تم ذلك أو لا، في المسيحية والإسلام، معروف أن المسيح رُفع -بشكل أو بآخر- إلى السماء).
لنفترض أنه كان رقيقا إلى درجة الضعف، ولم يؤسس في عهده أي أمة أو قوة، لكن تاريخه الشخصي كان خالي من الدماء، وهي أكثر إدانة تقدم إلى الإسلام، الذي لا أنكر أنه دين سلام، لكن بنفس القدر، كانت المسيحية دينا للمحبة (وهي نفسها تعرضت لنفس القدر من التشويه والتأويل العنيف لتبرير الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش).
واحدة من المشاكل التي ضربت حجاب النزاع بين بني إسرائيل والسيد المسيح هي دعوته السلمية الكاملة، فقد كانوا يتوقعون مسيح يقودهم في الحروب وينظمهم ليسودوا العالم.
لكن القارىء المتعمن في الإنجيل يعرف أن السيد المسيح كان بعيد عن الضعف، فهو لم يحابِ مثلاً أي شخص في موضع سلطة من أجل أن يعفو عنه، بل على العكس كانت ردوده دائماً متحدية وصلبة، ولم يرضخ لأي نوع من المساومة، أما عدم استعمال القوة اليدوية فتلك هي خاصية رسالته من البداية.
معروف عن اليهودية ميلها للعنف الشديد في تحقيق عدالتها الخاصة. ولكن أنا لم أقصد ضعيف بالمعنى القبيح من الكلمة، فالرقة، بشكل أو بآخر، ضعيفة أمام أي صفات أخرى قد تؤهل الإنسان إلى ارتكاب عنف، وهذا قد يُحسب ضدي أنني أصف المسيح ضعيف، وأصف محمد عنيف، لكن ليس هذا القصد، أنا أميل إلى تحليل طباعهم الشخصية في سياق رسالتهم وأثرهم الشخصي قبل النص نفسه. بالطبع كان كلا النبيين قويا بطريقته الخاصة (التضحية أو الجهاد). لأن كلا الطريقين بطولي جدا.
8 / التحولات، أوفيد
قبل ألفي سنة كان أوفيد يكتب عن التحولات الرهيبة والمتنوعة في عالم عالق بين الحماقات البشرية والنزوات الإلهية، يجد أبطاله أنفسهم يتحولون إلى طيور ووحوش وأشجار وجبال ، وحتى مجموعات من النجوم. في بعض الحالات يتم التحول كمكافأة ، في حالات أخرى كعقاب إلهي. و يلوح في الأفق كل مرة شبح الموت، التحول الأخير، نقطة النهاية التي يتم فيها التغير بشكل لا رجعة فيه. قراءة هذه القصص هي تذكير قوي بأن الحياة بطبيعتها هي رحلة تحولية ومتغيرة، حيث يتفاعل المرء ومحيطه بطرق غير متوقعة.
هذه القطعة النصية، من كتابة الصديق المشاغب رافاييل لاسيندر، أجمل من وقعت عيناي على كتاباته، رافي الذي لم أكنه أنا، هي أبلغ ما يُقال عن الكتاب نقلا عن تعريفه لمدونته الأثيرة إلى قلبه:
610 / القرآن، والقراءة
يُنسب القرآن جمعه وتأليفه إلى محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وهو نبي مهم جدا -الأهم تقريبا- في الإسلام، وأعتقد أن بعض الفئات من غير المسلمين يعترفون به نبيا بالنظر إلى تأثيره الواسع والممتد تاريخيا عبر 1400 سنة. واسمحوا لي بحكم أني مسلم، سوف استخدم صيغة سيدنا محمد (ص) مع حرف الـ ص بين قوسين لطلب الصلاة على النبي. القرآن عند المسلمين ليس من تأليف الرسول، فما هو إلا رسول ومبلغ للرسالة، القرآن يُفترض به أنه منزل من عند الله. لقد اتهم البعض نصر حامد أبو زيد (المفكر المصري الحداثي) بأنه ملحد مع أنه لم ينكر هذه الحقيقة، الإلحاد اتهام جاهز جدا لنصر حامد أبو زيد كما كان لمصطفى محمود من قبله، رغم أن أكثر فكرة أسس لها القرآن، متمثلة في كلمة واحدة: (اقرأ)، مع العلم أن الرسول لم يكن يجيد القراءة ولا الكتابة. القرآن، هو الكتاب الذي له الفضل الرئيس في تحويل ثقافة كاملة من المشافهة إلى الكتابة، مع بداية عصر التدوين بعد حوالي 200 عام من نزول القرآن. هذا الأثر وقع على أمة كاملة هم العرب، وامتد ليشمل غير العرب من المسلمين الذين التحموا تماما داخل هذا المذهب الأيديولوجي والأنطولوجي في آن (عقائدي ، وجودي).
1616 / تراجيديات شكسبير
يمكن أن نتفرض أن السمة الرئيسية التي حبك عليها شكسبير أشهر مسرحياته المأساوية، هي الخيانة؛ خيانة الأقارب كونهم كانوا العائق بين روميو وجولييت، أثر الخيانة الأوقع من القتل (حتى أنت يا بروتس، إذن ليمت قيصر)، كأنه كان لن يموت بسبب الطعنات، مات بحسرته. تخيل أن أعز الناس هو السبب في وقوع الأذى على أعز الناس، هذا ما حدث في مأساة هاملت المسكين الواقع بين المطرقة والسندان (حبه لأمه، وقتلها لأبيه)، ومن أوائل الأعمال المؤسسة لعقدة إلكترا. الخيانة الزائفة والمعكوسة بسبب الوشاية والغيرة، عطيل هو من خان، وقتل ديدمونة (مأساة الكثير من العرب). وخيانة (شرّ من أحسنت إليه) في مسرحية الملك لير، وهي خيانة موجهة من أعز الناس إليك، فلذات كبدك!. وأخيرا، الخيانة من أجل المبدأ، وأعظم شخصية في تاريخ المسرح الحديث (وربما القديم) هي شخصية القائد العسكري ماكبث.
1842 / قناع الموت الأحمر، بو
في نفس العام، صدرت رواية الأنفس الميتة
1859 / أصل الأنواع، داروين
يرى البعض -حسبما ينقل لنا أحمد خالد توفيق- أن ثلاث يهود كبار خربوا الدنيا؛ ماركس الذي اكتشف أن المحرك الرئيس للمجتمع البشري هو المال، فرويد الذي اكتشف أن المحرك الرئيس للنفس البشرية هو الجنس، وداروين الذي اكتشف أن المحرك الرئيس لكل المخلوقات هو البحث عن الطعام.
نعم، نفس ما يتبناه كتاب بروتوكلات حكماء صهيون، من ناحية تشاركهم في المعتقد اليهودي..
لا أعلم من ناحية “خربوا الدنيا”، أرى أن ما بُني على أفكارهم من ميول سادية وسيادية (داروين)، والتلاعب بالسيكولوجيات (فرويد) واستخدام الجنس وسيلة لتحصيل ما لا يمكن تحصيله، وأخيرًا تحويل أفكار ماركس لهدم مفهوم القومية، برغم أن العلوم الثلاثة لهم، لتركت أثرًا مهمًا جدًا في العصر الحديث، ولكن الأجندات التي بُنيت عليها هي اللي “خربت الدنيا”
لا أعلم من ناحية “خربوا الدنيا”، أرى أن ما بُني على أفكارهم من ميول سادية وسيادية (داروين)، والتلاعب بالسيكولوجيات (فرويد) واستخدام الجنس وسيلة لتحصيل ما لا يمكن تحصيله، وأخيرًا تحويل أفكار ماركس لهدم مفهوم القومية، برغم أن العلوم الثلاثة لهم، لتركت أثرًا مهمًا جدًا في العصر الحديث، ولكن الأجندات التي بُنيت عليها هي اللي “خربت الدنيا”
قصدت أن أنقل المقولة بشكل ساخر، وتعليقك هذا، من أفضل الآراء الفكرية التي قابلتني على الإطلاق، وقد أصابت بيت القصيد. بالفعل، ورغم أن علوم الثلاثة الملهمة، كانت تأويلا في أصلها لظواهر اجتماعية بارزة، إلا أن تأويل التأويل الذي أفسد القرآن، وربما الإنجيل أيضا على حد علمي، فما بالك بعلوم ثلاثة رجال كبار، وليس تنزيلا إلهيا ولا هو إدعاء بذلك. إن التأويل، هو في حد ذاته، مثله مثل الشعور بالإنتماء، مرجع أساسي في صناعة الأيديولوجيات التي تفرق الناس عن بعضها، وتشتتهم هنا وهناك، بالرغم من إني لا زالت احترم الإنسان على تنوعه، إلا أنه لديه قدرة على خلق نفس القدر من التنوع في العنف، والقمع، والقبح.
إلا أن تأويل التأويل الذي أفسد القرآن، وربما الإنجيل أيضا على حد علمي
ممكن أصقفلك هنا، ونفتح ده نقاش لوحده حقيقي :)))) التأويلات خربت الدنيا..ويعجبني رأي ابن رشد تحديدًا في قصة التأويل..
، بالرغم من إني لا زالت احترم الإنسان على تنوعه، إلا أنه لديه قدرة على خلق نفس القدر من التنوع في العنف، والقمع، والقبح.
بالضبط، أفكارهم كانت بالنسبة لمن يرغبون بممارسات فاسدة، الكريزة المرغوبة، وفجأة تحولت الداروينية من شرح تطوّر الكائنات عمومًا، وتفاصيل دقيقة جدًا، لعنصرية ونازية وهدم الأديان، وحتى فناء الإنسان نفسه، يعني الاإتجاه المعاكس تمامًا لأي تطوّر.
الفكرة أنها تختصر التاريخ الإنساني في ثلاث دوافع أساسية قد نتفق أو نختلف مع الطرح لكن من الواضح أن هذه المحركات موجودة في حياتنا اليومية بشكل لا يمكن إنكاره المال يحرك الاقتصاد والسياسة الغريزة تحدد سلوكيات كثيرة حتى لو لم نعترف بذلك والطعام أو البقاء هو ما يجعلنا نسعى ونبتكر لكن المشكلة حين نحصر الإنسان في هذه الزوايا فقط وننسى القيم والمبادئ والإبداع التي يمكن أن تدفعه بنفس القوة وربما أكثر
أصلا، يكاد يكون الإبداع، في حد ذاته، ليس إلا سلوكا شهوانيا بشكل أو بآخر، مثله مثل الرغبة في الجنس أو الطعام، لأن الإبداع في أصله، محاولة للبقاء إلى ما بعد الممات، في الواقع، يُخلد المرء حسب السائد بإحدى طريقين لا ثالث لهما؛ إما اللي خلف ما ماتش، وإما الناس تموت والأفكار تبقى.
اظنك تقصد هنا الرغبة في ترك أثر، في أن يُذكر اسمك، في أن تستمر أفكارك بعد فناء جسدك، هي رغبة قوية جدًا ربما تشبه في إلحاحها غريزة البقاء الطبيعية. لكن برأيي هذا ليس الدافع الوحيد.. ألا يمكن أن يكون الإبداع أيضًا تعبيرًا عن “الفيض”؟ فيض الجمال، أو فيض الألم، أو فيض الحب. أحيانًا، المبدع لا يبدع ليبقَى بالضرورة، بل لأنه لا يستطيع إلا أن يبدع. كأن هناك شيئًا ما في داخله أكبر منه يطلب الخروج إلى النور، بغض النظر عما إذا كان سيخلده أم لا…
فكرة الفيض، وعلى نحو يشبه تخاريف الحلاج، في كون فكرة الأنا، وفكرة الله، هما أقوى فكرتان في البشرية. الفيض ليس إلا محاولة أخرى للحصول على الخلود من خلال افتراض أننا شيء أكبر من مجرد أجساد بالية وبضع شرارات كهربية.
أرى أن هذا التصنيف الطريف يختزل أفكارًا عظيمة في جمل قصيرة، لكنه في نفس الوقت يبسطها لدرجة قد تظلم عمقها الحقيقي. داروين، مثل ماركس وفرويد، لم يكن مجرد “مكتشف دافع”، بل قدّم إطارًا لفهم تطور الحياة بأكملها، وهو ما جعل تأثيره يمتد من العلوم إلى الفلسفة وحتى الدين. الفكرة مثيرة، لكن الواقع دائمًا أعقد من أي تلخيص لامع
بسبب الاهتمام بداروين تجاهل العالم نظرية الوراثة لمندل 30 عام
وبسبب فرويد تجاهل العالم مدرسة الفريد أدلر في علم النفس
1888 / الإثبات الهندسي للنظرية الكهروديناميكية، هاينريش هيرتز
The Principles of Mechanics Presented in a New Form, Heinrich Hertz
في عام 1888 تم تقديم الورقة البحثية التي حوت “الإثبات الهندسي للنظرية الكهروديناميكية: (بالألمانية: Über die elektromagnetischen Wellen)” للفيزيائي الألماني هاينريش هيرتز، هذا العمل كان تتويجاً لسلسلة من الأبحاث التي أثبت فيها هيرتز وجود الموجات الكهرومغناطيسية التي تنبأ بها جيمس كليرك ماكسويل من قبل (ومن قبلها اختبرها مايكل فارادي قبل أن يصيغها ماكسويل في صياغات رياضية محكمة)، مما فتح الباب أمام تقنيات الاتصالات اللاسلكية مثل الراديو والتلفزيون والإنترنت.
1889 / هنري برجسون: الأعمال الفلسفية الكاملة
في عام 1889 صدر أول نص فلسفي هام لـ هنري برجسون، وهو بعنوان: (الزمن والإرادة الحرّة)، حسب الترجمة العربية الشائعة -مع تصرف- للعنوان في الأصل الفرنسي: “Essai sur les données immédiates de la conscience”، وهي ترجمة موفقة للغاية، لأنها لمست القصد من وراء الطرح الفلسفي في هذا النص الذي شكل باكورة أعمال برجسون، وبلور فيها نظرية كانت أعمالها الأخرى امتدادا لمعطياتها وتفصيلا فيها.
فهو أول من اقترح ضرورة التفرقة بين الزمن الزائف على حد تعبيره، أي الزمن الفيزيائي / المكاني المعروف منذ اختراع الساعة أو قبلها، وبين الزمن (الحقيقي)، حسبما يرى هو، يقصد الزمن الذي يعيش الوعي داخله، باعتباره الزمن الحقيقي، هنا هو يفرق بين الحقيقة، وبين الواقع، وكأن الواقع هو فقط فرض تم فرضه علينا، بينما الحقيقية هي الفرضية الحقيقية. العمل معقد جدا ويغوص في المسألة، لأنه يصعب الوقوف على المعيار الفارق أو الذي نقيس به الفروق أو درجات الإلتباس بين هذا وذاك.
لكنه صك مفاهيم أساسية تساعد في هذا المضمار، مثل مفهوم المدة أو الفترة الزمنية “Duration or Durée”، حيث شكلت ورقته البحثية تلك أطروحة الدكتوراة التي تمرد بها على الفلسفة الكانطية الثابتة، والمنفصلة عن الوقائع أو عن الحقائق، حيث كان يرى كانط أن الإرادة مفصولة (نسبيا أو تقريبيا) عن الوعي البشري في عالم آخر (مستندا إلى التصور النيوتني الكلاسيكي)، بينما ظل برجسون متمسكا بالإطار النيتشوي للإرادة (مع تصرف من برجسون وتوجه أكثر نحو تدفق وحيوية الفعل البشري، بدلا من فرض القوة)، كونها في صميم الفعل والسلوك البشري (ما شكل نواة لأعمال ويليام جيمس لاحقا)، وباعتبار الزمن، والوعي، جزء أصيل من التجربة الداخلية الحيّة للذوات الإنسانية، وهي ما تصنع فرادتها وتطورها.
يظل هذا النص الفلسفي المحكم، هو درّة عامه، أولا باعتباره نموذج مبكر ومعبر عن عموم أعمال برجسون الفلسفية، وثانيا لقيمته العلمية التي نعبر بالاستدلال على قيمتها، من خلال معرفة أنها كانت واحدة من المصادر التي لربما اقتبس عنها آينشتاين في بناء النظرية النسبية الخاصة 1915 ثم النسبية العامة 1915؛ النظرية التي غيرّت وجه الفيزياء إلى الأبد. بالرغم من الخلاف المشهور ومناظرة 1922 بين برجسون (الذي رفض النسبية واعتبرها تحول الزمن الداخلي للإنسان، وبالتالي السلوك الإنساني عموما، إلى رياضيات فيزيائية / ميكانيكية جامدة، وتقتل حيوية الفعل البشري)، على الجانب الآخر، ورغم أن نقد برجسون ساهم بشكل غير مباشر في تأخر منح نوبل لآينشتاين (منحت له عام 1921 عن التأثير الكهروضوئي بدلا من النسبية)، إلا أن الأخير دافع عن نظريته، ولم ينكر صراحة تأثره بأعمال برجسون.
1899 / تفسير الأحلام، فرويد
من بين كل المؤلفات في العلوم الإنسانية والاجتماعية، يعد هذا أبلغهم أثرا، لمؤلفه سيجموند فرويد، والذي لا يختلف كثيرا عن النابلسي أو ابن سيرين اللذان وضعا مصنفات بنفس العنوان (تفسير الأحلام) وحذا حذوهم آخرين من علماء العرب كتجلي لانشغال الإنسان بذاته. الكتاب، ومعظم مؤلفاته عموما يحمّله العلماء مغالطات عدة، لكنه يعد فاتحه لأهم اكتشاف نفساني في العصر الحديث، يضاهي اكتشاف الجاذبية، وهو اكتشاف اللاوعي. اللاوعي الذي يمكن الكشف عنه في ثلاث مستويات أو أنماط: في الأحلام، التي لا تشكل سوى طبقة خفيفة من أفكارنا، لسنا حتى في ربع الشفافية التي نطمح إليها في أحلامنا. المستوى أو النوع الثاني هو ذلات اللسان أثناء الكلام. المستوى الثالث، والأكثر وضوحا وتعبيرا عن جانبك القبيح والأناني، هو الذي يظهر في أفعالك عفوا أو قصدا، لأن أفعالك، وبكل بساطة، تكشف عن مكنونات وعيك ولا وعيك على حد سواء.
اللاوعي ببساطة، هو كل رغباتنا وأفكارنا، التي قد نسهو عنها، أو عن إدراكها بشكل مباشر، رغم أننا نقوم بها.
1915 / التحول، كافكا
جارتنا لديها مشكلة صعبة يا جماعة الخير، من يريد أن يساعد يرسل لي على الخاص وسوف ارسل له رقمها: وهي أن زوجها، لا أقول مات، أو غاب، أو أصابه المرض، أو حتى مس من الجنون، لا .. لم يحث ذلك، أبو محمد دخلت عليه أم محمد، وميزت ملامحه جيدا، لكن جسده مختلف، القدمين التي غسلتهما أمس في الطشت بالماء الدافئ، كانوا أكثر من قدم، عدة مجسات تميز صرصار ضخم أو برص. هي لا تتذكر، المشكلة أن حالته هذه، تفوق الوصف (حرفيا). وفي المحكمة، وفي المصالح الحكومية، تحتاج إلى توصيف لحالته هذه، لا هو حي يرجى، ولا ميت يبكى، بل أسوأ من ذلك
نظر لها الموظف شذرا، وجه أسئلته
-مات؟
-لا
-مرض
-لا
-طب اتشل
-لا
-ذهب ولم يعد
-أمال إيه
-زي ما قلت لك، زي ما أنتم شوفتوه
-ما يخصنيش، ما فيش معاش هيتصرف ليكم
-ومين يصرف بس يا ربي عليا وعلى العيال
1925 / كفاحي، هتلر
كتاب كفاحي لأدولف هتلر، الرايخ الثالث لألمانيا وفقا لتصور يقدم دولة ألمانيا كإمبراطورية كان إمبراطورها هو الرايخ الثاني بسمارك، وتظل تمتدد للخلف حتى شارلمان العظيم نفسه، حاكم الفرنجة والجرمان والرايخ الأول في العصور الوسطى. هتلر لا يقدم في كتابه هذا مجرد سيرة ذاتية لأهم حاكم سياسي وقائد عسكري عند الغرب في القرن العشري، لا يضاهيه إلا السادات عندنا نحن العرب، بل يحاول الكتاب، أو يحاول قراءه، تصدير الكتاب كأنه يقدم إجابات عن أهم سؤال يأتي إلى ذهنك حين يُذكر هتلر، أو يتم ذكر ألمانيا: لماذا كره هتلر اليهود؟.
الكتاب مرّ بعدة تعديلات، ورغم قراءاتي له عدة مرّات في صغري، مما لا أتذكر منه الكثير اليوم، أشك في إني وجدت أي شيء أكيد حول كراهية هتلر بالشكل المتحقق تاريخيا في الحرب العالمية الثانية. الكتاب على الأرجح مزيد بإضافات من مؤرخين يهود، ولكنه رغم ذلك، لا يظهر بادي الشرّ كما يظهر لنا هتلر نفسه.
والكتاب وجوده في حد ذاته، يعد وثيقة إدانة لليهود، بقدر ما هو بمثابة إعتذار لهم. الكتاب مُنع بالطبع، ولا يزال يُمنع، بشكل أشد وطأة مما يحصل في مجتمعاتنا الغربية، أو في الصين الشمولية، ويقولون أن الغرب متحضر، يكفي أن مجرد عرض لصورة الكتاب على صفحة مكتبة القاهرة أدى إلى حذف المنشور لأنه محتوى ينشر أخبار كاذبة أو يروج للعنف!.
على كل حال، الفكرة، التي يؤسس لها الكتاب، هو حول كون الشعب اليهودي، هو شعب جدلي لأكثر درجة، لا أقول مزجع، لا أقول عنيف، لا أقول شعب مشبع بالاضطهاد أو الظلم الواقع منه أو عليه، فنحن هنا، قد نعلق في مفترق الطرق حول وجوب احترام كل الثقافات (أؤمن بذلك بشدة، وهم عند المسلمين من آل الكتاب). الفكرة، حول كونهم شعب جدلي جدا، مجهول نسبهم ابتداء، ومرفوض غايتهم انتهاء، أو في أحسن الأحوال مشكوك في نزاهتها.
والشعب اليهودي، هم إنعكاس حقيقي للشعب المسلم، أجرؤ وأقول، بكل تطرفه وفجوره، سيان كل العقيدتان فيما يتعلق بالعنف، ولو قلنا مثلا في الأوسط الحروب الصليبية، لحق لنا الزعم بأن الديانات مصدر كل المقتلات، لولا أن هناك مجازر حصلت بسبب أفكار غير دينية، ولا حتى وثنية، بل كانت سياسية صرفة.
الفكرة حول الأيديولوجيا، قوة الأيديولوجيا وفظاعتها، ولكن ربما هذه فكرة لكتاب آخر.
1928 / نداء كتولو، لافكرافت
1944 / 1984، جوروج أورويل
العمل الذي كشف عن حقيقة اجتماعية لا شك فيها:
«جميع الحيوانات متساوية؛ لكن بعضها متساوٍ أكثر من البعض الآخر»
وعلى قولة أشرف فقيه: (لسنا إلا حيوانات). أي البشرية كلها إلا من رحم ربي!.
1967 / شخصية مصر، جمال حمدان
في سياق سلسلتنا عن “الكتب المؤسسة للأفكار”، نصل إلى نقطة أخرى محورية، حيث يلتقي التاريخ بالجغرافيا في تحليل عبقري يفكك “شخصية” الأرض نفسها. هنا، يأتي كتاب “شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان” للجغرافي المصري جمال حمدان (1928-1993)، الذي يُعدّ واحداً من أبرز علماء الجغرافيا في القرن العشرين، وكتابه هذا يُشكل قمة إبداعه. صدرت النسخة الأولى عام 1967م في نحو 300 صفحة، ثم توسع ليصبح أربعة مجلدات ضخمة تغطي جغرافيا مصر بكل أبعادها الطبيعية والإنسانية والتاريخية، مما جعله مرجعًا أساسيًا لطلبة الجغرافيا في مصر وخارجها. والفكرة الرئيسية هنا هي (عبقرية المكان)، كما طرحها الكاتب والمفكر جمال حمدان في عنوان موسوعته.
لكنه لا يكتفي بهذه الفكرة، بل ويؤرخ لمصر الحديثة، لكنه لا يفعل ذلك كتاريخ تقليدي خطيّ، بل كتحليل جغرافي-ثقافي يربط بين (عبقرية المكان) والتطورات التاريخية الحديثة، مما يجعله أقرب إلى تفسير الظواهر الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن الجغرافيا عبر العصور.
هذا المصنف المذهل يغطي الفترة الزمنية الشاملة لتاريخ مصر من الماضي الجيولوجي الأركي السحيق (أقدم عصور البناء الجيولوجي، بما في ذلك تكون نواة مصر الجيولوجية وتطورها عبر عمليات طغيان البحر وانحساره، والتي تعود إلى ملايين السنين مضت) إلى العصور الحديثة المعاصرة (حتى الثمانينيات من القرن العشرين، مع التركيز على القرن التاسع عشر، ثم القرن العشرين وأهم أحداثه: ثورة يوليو 1952، الحرب العالمية الثانية، والعدوان الثلاثي عام 1967، وتطورات ما بعد ثورة البترول في العالم العربي، بالإضافة إلى إشارات إلى آفاق المستقبل).
1981 / مخطوطة سيرافيني
يعد من اكثر الكتب غرابة وغموضا على مر التاريخ وهو من تأليف الفنان والمصمم والمهندس المعماري الإيطالي لويجي سيرافيني المولود في روما سنة 1949 وقد بدأ فى تأليفه وتصميمه وهو في السابعة والعشرين فقط من عمره عام 1976 واستغرق تأليفه 3 سنوات، وتم نشره عام 1981.
هو كتاب فني ساحر يخبئ بين صفحاته عالماً خيالياً مثير للإعجاب فهو لا يشبه أياً من كتب الفنون الأخرى وبمجرد رؤيته والتجول بين صفحاته تعتقد انه كتاب يعود لعصور وعهود قديمة جدا.
وكان يعد من أغلى الكتب في العالم عند نشره حيث بلغ سعر النسخة الورقية الواحدة منه 2000 دولار ولكن بعد زيادة الطلب عليه وارتفاع شعبيته تم صياغته من جديد وإعادة نشره بسعر أقل مقارنة مع سعره الأول له وهو 125 دولار فقط، ليصبح بذلك في متناول القراء ومحبي الفنون وعشاق الغرائب.
هو كتاب خيالي مشفر كتب بلغة وأبجدية غريبة مشفرة، لم تكن موجودة من قبل وليست موجودة في يومنا هذا في أي مكان على كوكب الأرض، أبجدية مخترعة من عقل الكاتب، لا يمكن قراءتها ولا حتى فهم معانيها، الأمر الذي أضفى على الكتاب أهميةً وزاد من درجة غرابته.
الكتاب مكوّن من 360 صفحة مقسمة على أحد عشر فصلاً، كل فصل من فصولها يصوّر جانباً من جوانب الحياة في عالم سيرافيني الخرافي الخيالي الذي ابتكره.
فالفصل الأول فيه مخصص لعالم النباتات والذي يحوي على أنواع غريبة ليس لها نظير في دنيانا، والفصل الثاني مخصص لعالم الحيوانات والذي أيضاً يضم مجموعات عجيبة من الحيوانات التي ليس لها وجود في كوكب الأرض، والفصل الثالث يصوّر مخلوقات ثنائية القدمين كالبشر تعيش بينهم ومعهم ، والفصل الرابع يبحث في مجال الفيزياء، أما الخامس فيدور حول آلالات واختراعات ذو أشكال هندسية معقدة تؤدي وظائف غير معروفة، والفصل السادس مخصص في علم الأحياء وتشريح الجسم البشري بشكل غريب، في حين أن السابع يبحث في تاريخ ذلك العالم الخرافي ، والثامن منه يدور حول الكتابة وأدواتها وأساليبها، والتاسع حول المأكولات في ذلك العالم وأزيائها، أما العاشر فيشرح الألعاب وطرق الترفيه هناك، لينتهي بفصل يضم مشاريع معمارية وأفكار هندسية.
صفحات الكتاب مزينة برسومات غريبة وصور مرسومة من وحي عقل المؤلف لا توحي بشي رأيناه مسبقاً، رسومات بعضها تثير في الإنسان مشاعر الرهبة والخوف، وإلى جانبها نصوص تشرح ما هيتها وما ترمز إليه، ولكنها مكتوبة بلغة قام بابتكارها مما يجعل من غير الممكن فهمها.
وهذا ما دفع بعض الناس إلى تكريس وقتهم لفهمه، فالفنانون حاولوا دراسة الرسومات التي فيه، والفلاسفة فكروا كثيراً في معنى النصوص التي تحويه، وخبراء فك التشفير جربوا مرات عديدة حل اللغز الذي بني عليه، ولكن دون جدوى وكل هذا كان رغم إن المصمم نفسه كان قد صرح مرات عديدة إنه لا معنى من كتابه، ولا لغز يحتاج إلى حله يختبئ ورائه. وإنما هو مجرد “لعبة”.
وأوضح المصمم في لقاء له مع مجلة وايريد الإيطالية بأنه أراد بنشره لهذه الرسومات والأشكال بهذا الشكل الخروج من الدائرة المغلقة الضيقة للفن والشكل التقليدي للمعارض الفنية. ويقول: (إنك في الكتاب ترى ما تريد أن تراه، ربما تعتقد إنه يحدثك ولكن هذا مجرد خيال).
وحول ما كان يهدف إليه من خلال الأبجدية المبتكرة التي استخدمها في الكتاب يقول: (ما أردته من خلال الأبجدية التي استخدمتها هو إيصال ذلك الإحساس الذي يشعر به الأطفال وبيديهم كتاب لا يفهمونه للقارئ، لقد استخدمته لوصف عالم خيالي، والرسومات أيضاً نشأت من الصدام بين هذه الكلمات الوهمية والعالم الحقيقي).
الكتاب قد لا يحمل بين صفحاته أية معاني، قد لا يكون ذا مغزى وهدف، ولكن رغم ذلك يعتبر إبداعاً عقلياً ليس له مثيل، إبداعاً فنياً رائعاً يأخذ الناظر إليه والباحث فيه في رحلة خيالية رائعة، رحلة إلى عالم مبتكر بكل ما فيه من تفاصيل صغيرة، رحلة ممتعة مع رسومات غريبة تثير الدهشة أحياناً والرهبة والخوف أحياناً أخرى.
ن اعتبارك لـ “مخطوطة سيرافيني” (Codex Seraphinianus) كأعظم عمل أدبي وفني في عام 1981 هو رأي يحتفي بالابتكار والغموض والجنون الفني.
لماذا تُعد “مخطوطة سيرافيني” عملاً عظيماً؟
مخطوطة سيرافيني هي عمل فني بحد ذاته، صُنفت على أنها “موسوعة مصورة لعالم خيالي” (Illustrated Encyclopedia of an Imaginary World)، وهي من تأليف الفنان والمهندس المعماري الإيطالي لويجي سيرافيني (Luigi Serafini). صدرت الطبعة الأصلية والمحدودة عام 1981، وتكمن عظمتها في النقاط التالية:
اللغة المستحيلة: الكتاب مكتوب بالكامل بلغة غير معروفة اخترعها سيرافيني، بخط يدوي يبدو منطقياً ومنظماً ولكنه مستحيل القراءة أو الترجمة. وقد صرح سيرافيني بأن نيته كانت محاكاة الإحساس الذي يشعر به الأطفال عندما يتصفحون كتاباً للكبار لا يمكنهم فهمه، لكنهم يرون أن الكتابة منطقية بالنسبة للبالغين.
موسوعة السريالية: المحتوى عبارة عن رسوم توضيحية مُلونة وغريبة للغاية، تعرض نباتات وحيوانات وفسيولوجيا وآلات وعمارة وممارسات اجتماعية من عالم لا وجود له.
تحدي المعرفة: يعتبر الكتاب تحدياً مفتوحاً للمفاهيم التقليدية للمعرفة والموسوعات واللغة. إنه عمل يتجاوز الحدود بين الأدب والفن والعلوم الزائفة.
هذا النوع من الأعمال الفنية التي تبني عوالم متكاملة وغريبة الأطوار، يشترك في الروح مع أدب الخيال العلمي، ويُمكن النظر إليه كعمل علمي-خيالي بصري بامتياز، يماثل في روحه الإبداعية أهمية أعمال عمالقة الخيال مثل أميليو سالغاري الذي سبق وذكرت اهتمامك به.
1983 / الجماعات المتخيلة، بنديكت أندرسون
بنديكت أندرسون هو كاتب الكتاب، والكتاب الوحيد الذي اشتهر به، يتناول فيه الفكرة التي شكلت مرجعا خصبا لمعظم الأيديولجيات عبر تاريخ البشرية؛ فنحن إما منتمين إلى عقيدة، وإما إلى قومية، وعلى نحو أوسع وأكثر رحابة في كتابه، خاصة وأن الثابت أن شعوب العالم كلها تكاد تكون مختلطة ببعض اختلاطا يصعب فصله إلا إلى ثلاث تكتلات رئيسية: إما شرق وعيون ضيقة، أو العيون الزرقاء في الغرب، أو العيون الكحيلة عندنا نحن العرب والمسلمين والشرق الأوسط. مع ذلك، وتحت هذه الفوارق الرئيسية، والجغرافية، عشرات، مئات، قل آلاف القوميات المتخيلة قسمت الناس شعوبا وأقواما.
باختصار: الأمة أو القومية هي مجتمع مصطنع يتشكل في ذهن أفراده من خلال اللغة والثقافة ووسائل الإعلام، وليس بالضرورة بناءً على روابط طبيعية أو عرقية خالصة.
1995 / العمى، جوزيه ساراماغوا
يُصاب رجل بالعمى ولكنه عمى من نوع أخر حيث يرى الشخص الأشياء باللون الأبيض وسرعان ما ينتقل هذا العمى للمجتمع بأكمله بإستثناء إمرأة واحدة لم تصب لسبب غير معروف فتعيش معاناة تقول لنفسها: ما أصعب أن يكون المرء مبصرا في مجتمع أعمى” وذلك لأنها قادرة على رؤية كل ما يحدث من طغيان وسرقة ونهب وأعمال مخلة يقوم بها الأخرون للحصول على لقمة العيش وترى الإستبداد والديكتاتورية الذي يفرضها البعض ليعانوا منها الكثير.
رواية رائعة تعرض الواقع الذي تعيشه مجتمعاتنا ولكن بطريقة رمزية حيث ترمز إلى العمى الفكري وهو الجهل.
2000 / فن الكتابة، ستيفن كينج
أو كيف تكتشف صوتك الخاص
يتحدث كينغ في كتابه هذا، عن جوانب تقنية مثل الحوار واللغة والسرد والحبك وغير ذلك من الأدوات التي لا غنى عنها من أجل إبداع كتابة أدبية محترمة، لكنه يتحدث أيضا، ويضع نفسه موضع التطبيق، عن اكتشافك لذاتك، بشكل لم يستفيض فيه، ولكن القصد وصل بالنسبة لي، بل وأرى أصلا أنها الأساس الحقيقي الذي يمكن من عليه أن تصبح كاتبا حقيقيا.
خذ هذه النصيحة من ستيفن كينغ، أو من كاتب مثلي، رايفين فرجاني، ونصها هو:
أن موقعك الأدبي يقع غالبا بين غرورك وتقديرك لذاتك، وبين تواضعك وتقديرك للأعمال الأخرى التي قد تتفوق عليك في مستوى كتابتها، لليوم أرفع القبعة، حتى زهقت من ارتدائها، للكثير من الأصوات الأدبية، الغير مكتشفة إلا على نحو مخجل وموارب بعد، لا هم مشاهير، ولا هم تركوهم في حالهم يكتشفون سبلهم في شيء آخر. بل وأقول، قد يكون بعضهم أقل خبرة مني، أقل موهبة، وفي المجمل قد يكون أدنى مستوى، لكنه يكتب ما أعجز عن كتابته حتى وإن كانت كتابتي أكثر أصالة أو ثراءا أو جمالا، لكنه اكتشف جماله وإبداعه الخاص.
ستيفن كينغ نفسه، يتخيل قائمة، فيها العظماء من الأدباء، من وزن شكسبير، دوستويفسكي، وجيمس جويس، وآخرين. وفي المرتبة الثانية، يفترض أن فيها أدباء بارعين حقا، ولكنهم ليس مثل هؤلاء، أعتقد أنه وضع نفسه في هذه المنزلة حسبما أتذكر. ثم وضع الصف الثالث والرابع وأدناهم منه، مع مؤهلات قد ترقى بهم. كان تصنيفا محايدا لأبعد مدى.
2002 / كافكا على الشاطئ، هاروكي موراكامي
في الآونة الأخيرة بدأ يتكشف لنا تيار جديد من الكتاب كلهم تسموا باسم كافكا، نجد واحد على الأقل من كل ثقافة كبيرة؛ روبرت بولانيو (كافكا تشيلي وأمريكا اللاتينية)، خوسيه ساراماغو (كافكا البرتغال)، أميليو سالغاري (كافكا إيطاليا)، صادق هدايت (كافكا إيران)، أندريه بلاتونوف (كافكا روسيا)، أحمد سعداوي (كافكا العراق)، هارلان إليسون (كافكا أمريكا، وكافكا الخيال العلمي).
الكافكاوية
لم يخربوا الدنيا، ولكنهم ساعدوا في تخريب الدنيا، لأن ما روجوا لهم هم بفكرهم ما هو إلا حقائق تجسدت في نفوس الناس المريضة (الذين صاروا يشكلون أغلبية العالم).
بالمناسبة أظن أن أحمد خالد توفيق لا يبتعد كثيرا عن اليهود الثلاثة الذين سماهم، قرأت في الماضي بعض رواياته وكرهته جدا بسببها. ومن منبري هذا أحذر الشباب من أن يقرؤوا له.
حينها كنت صغيرا، وقرأت بعض رواياته التي أثارت في مشاعرا وأفكارا بذيئة وسيئة جدا استغرقت بعدها وقتا طويلا لأتخلص منها، ولا زالت تجول في رأسي أحيانا، وتعرفت بسببه على أشياء ندمت على التعرف عليها ووددت أنني لم أعرفها.
فصدق فيه قول القائل: “الفتنة نائمة … من أيقضها”
طيب، لم أقرأ كتابات أحمد خالد توفيق عمومًا، ولن بصراحة موضوع كتابات إيحائية أو غير ذلك، هذا تقريبًا قرأته في كتابات لأدباء معاصرين وأدباء رحلوا أيضًا، فما مشكلتك بالتحديد معه؟
الكاتب الذي يصف ( العالم السيئ كما قال هارون). هل هو بذلك “يروج” لهذا العالم ويثير الفضول نحوه؟ أم أنه يقوم بـ “تعرية” هذا العالم وتحذيرنا منه عبر إظهار قبحه؟
برأيي لا توجد إجابة سهلة. الأمر يعتمد على كيفية التناول. هناك فرق بين الوصف الذي يهدف إلى الإثارة والتمجيد، والوصف الذي يهدف إلى التشريح والنقد. الكاتب سليم النية لا يكتفي بوصف الانحراف، بل يكشف عن الفراغ الروحي والألم الذي يقف خلفه، ويضع الحلول الوقائية، مشكلة هارون مع أحمد خالد توفيق (كما فهمتها) هي أنه شعر بأن الوصف تجاوز التشريح إلى ما قد يثير “الفضول”، وهذا خط رفيع جدًا يختلف تقديره من قارئ لآخر.
أحسنت يا صديقي رفيق في لمس هذا الوتر الحساس لتصعد لنا بنغمة ربما هي الأميل للاستماع إليها من قبل الطرفين، أنا سعيد جدا أن هارون مرحب جدا بالنقاش ولم يحتد عليّ، وآمل إني كنت لطيفا معه في الرد أيضا.
لا تقلق الأخ هارون صدره واسع وظنه طيب أكيد لن يحتد، وأسلوبك ايضا مؤدب ماشاء الله صديقي رايفين
طيب، لو تركتا الأدباء من أصول عربية، وتوجهنا إلى أدباء الأصول الغربية، وقرأنا كتاباتهم الجنسية، في مجالات الشعر والأدب عمومًا، هل نصفهم أيضًا بعدم سلامة النية؟؟ والفراغ الروحي والألم؟؟ والهدف من سؤالي، أن هؤلاء لديهم حرية جنسية غير متاحة في المجتمعات العربية بحكم الثقافة الشرقية، فهل الثقافة في رأيك هي التي تحدد سلامة نية الكاتب؟؟ وبالمناسبة، أنا معك أن كتاب عرب وأجانب، يتعمدون الكتابات التجارية الجنسية، وفئتهم المستهدفة من 13-17 تقريبًا، ويحققون مبيعات لا حصر لها.
أدباء الغرب (غالبا) كتبهم موجهة لبيئتهم حتى لو (لاحقا) نجحت كتبهم وصارت عالمية، اقصد ان الكاتب بالضرورة سيراعي حدود محيطه فقط، وطالما محيطه قد لا يمنع هذه التلميحات الجريئة، فلا تستغربي حتى أن تريها في كتاب ليس باجتماعي حتى أو روائي، وكاتبه دكتور شهير له قيمته وسمعته هناك، تماما مثل الافلام، الانمي، المسلسلات.. التي قد تعجبك قصتها العظيمة لكنها لا تخلوا من لقطات غبية لكنها مراعية لبيئة وثقافة بلده المنتج، فلا يحق لها نقده أخلاقيا (حتى لو قرأنا له كتبا مفيدة، نأخذ المفيد ونطرح الباقي) لكن قد ننتقده كعمل أدبي.
أما توفيق لا، فالكاتب العربي ملزم بمراعاة بيئته ايضا، لأنه سواء اصبح عالميا لاحقا او لا.. فإن جمهورة الرئيسي عربي ولابد إن أدخل في أعماله هذه الاوصفات لهدف تحذيري أو كشفي لما هو موجود في الواقع، أن يستخدم أسلوبا بعيدا عن الإيحاء الفضولي، ولا يتجاوز حد التشريح.. وطبعا للقارئ أيضا دور، فهذا الخط بين التشريح وإثارة الفضول قد يختلف بحسب طبيعة نفس القارئ (هناك نفوس مريضة أكثر مما يجب ونفوس أكثر سلامة وقارئ يتخيل وقارئ يحلل وينقد…) بطبيعة الحال الكاتب يراعي فكر القارئ الطبيعي في بيئته.
طيب، سؤال آخر: كاتب في عمر الاربعينات أو الخمسينات، هل الإيحاءات فارقة بالنسبة إليه؟؟ غالبًا أو قطعًا لا، هو في مرحلة عمرية مختلفة تمامًا، ولذلك كان رأيي، هو تحديد عمر الفئة المستهدفة أصلًا، يعني كانت له كتابات غموض مناسبة للمراهقين، فلما لا نقول أن لكل مرحلة عمرية الكتابات التي تناسبها؟
هذا صحيح، وهذا ليس من ناحية نوع المحتوى فقط بل حتى مستواه، هناك العلمي المعقد او اللغوي المركز جدا وهناك البسيط والمتوسط..
ولكن تحديد هذا الفرق بالنسبة لنوع المحتوى اكثر صعوبة من مستوى المحتوى. يعني قارئ بسيط حتى لو أخذ كتابا متقدما فسرعان ما يتركه لأنه لن يفهمه، لكن قارئ مراهق.. اذا وقع في كتاب (يفترض ان يكون مخصصا لفئة اكبر) فهو لن يطرحه جانبا طالما اللغة والأسلوب مفهومين بالنسبة له، ولذلك هذا صعب جدا تطبيقه في الواقع.. وهذا يحمّّل الكاتب مسؤولية إضافية في مراعاة كامل الفئات العمرية، إذا أراد لكتبه أن تنجح بسمعة جيدة ومحبوبة طبعا..
أخي رفيق أنت تفترض قيودا وهذا وحقك، ولكنك تحاول فرضها على الأدب بشكل غير دقيق بالمرة، أدباء الغرب أكثر ناس تجاوزا لأي تقاليد أو قيود، وحتى لما يلتزمون بحدود معينة، يفعلون ذلك قهرا لا أدبا. والأدب الغربي، على خلاف العربي، أو الشرقي، سافر لا يعرف له كبير، انظر مثلا إلى الأدب الإنجليزي الذي يفترض أنه أكثر تحفظا من اللغات الأوروبية / الغربية الأخرى، سوف تجد كل دروب المتعة والقيمة والفكر في كتاباتهم. أنت هنا يا رفيق، تعطينا وجهة نظر خالية من أي أمثلة، ومثلك الوحيد في أعمال الأنمي، التي لا أراها مراعية كثيرا بأي حال من الأحوال، وكل صورهم تطفح بالثدى وتصورات عشق للأطفال والشواذ بشكل يفوق الوصف، وحتى آلهتهم يتم تجسيدها، وقادتهم يتم السخرية منهم، لديهم بعض القيود، لكنها قيود هشة تتكسر من وقت لآخر.
أنا لا افرض القيود، بل أقول العكس تماما ان الكاتب الغربي ليس له قيود تمنعه مثل ماهو موجود عندنا، وكذلك الانمي فبيئة إنتاجه تسمح بكل ما ذكرته، (وإن كان لديهم بعض التحفظات فهي مجرد-عيب صغير- وفقط يعني ليست نابعة من مبادئ دينية تفرض قيودا مجتمعية)
القيود على الكاتب العربي بالمقابل أكثر
السؤال إذن، هل الكاتب العربي ملزم بإحترام مثل هذه القيود / السدود / الحدود على قولة عمنا أنيس منصور؟.
بطبيعة الحال ملزم طبعاً، إذا أراد ان تنجح كتبه بسمعة طيبة وليس مجرد شهرة حتى لو بسمعة سيئة من جهة. ومن جهة أخرى.. ما يكتبه يكون حجة له أو عليه يوم القيامة فهو عمل مستمر حتى بعد مماته، لذلك لابد حينما يستعمل هذه الأوصاف أن يحسن الأسلوب، مثل الطبيب الذي قد يكشف لك المرض لكنه يشخصه لك ويعطيك اسبابه والحلول الوقائية منه وعلاجاته ان اصابك وهكذا..
توضيح أكثر حتى أفهمك إيريني وأتمكن من متابعة النقاش معكم
أتحدث عن فكرة الكتابات الجنسية كأمر معتاد عند أدباء الغرب عمومًا، بل هي جزء طبيعي من أدبهم، لا مشكلة فيه، فهل نتعامل مع هؤلاء الأدباء بنفس المبدأ (سوء النية)؟
في الغالب لا، لأن ذلك جزء من ثقافتهم، ونحن نقبل بأي شيء يأتي من الغرب، مثل الأفلام الأمريكية، فيها عريّ كثير، وأعرف أناس متحفظين لا يمانعون مشاهدتها، وكذلك في الأعمال الهندية، أما لو حدث وتم تقديمها وعلى نحو أقل كثافة في أفلام مصرية، يا نهار أسود، الدنيا تقوم ولا تقعد، ذلك لأننا نفترض أننا أكثر طهارة منهم، لا يجوز أن يمثلنا أحد بتقديم صور مشينة مثل هذه.
افتراض الطهارة ده مضحك في رأيي، لأن التوجه عمومًا هو “اعمل اللي تعمله في الخفاء بس متظهروش للعلن”، أنا طبعًا مع عدم وجود مشاهد في الأفلام العربية، ولكن ليس بهدف الطهارة إطلاقًا، ولكن وجود المشاهد الحميمة، يعني زيادة طبقية وتحرش وكبت، واحنا مش ناقصين.
أضحكتيني ضحك كالبكاء على قولة عمنا المتنبي، بصراحة، أرى أن المصدر الرئيس للتحرش في مصر هو الشارع، والحمد لله فيه مبادرات فعّالة جدا لتجريم أي فعل غير سوي أمام الكاميرات (منذ قليل لاعبت صاحبي في الشارع بسيف خشبي لم انتبه أنه يشبه سيف معدني وحقيقي جدا، ربما يستر 🙂
والأهم من ذلك، الرؤية السليمة للوضع، يعني عند تدخلي مثلا، قد يتم توريطي -وهذا حدث من قبل عدة مرات- في مشاجرة أصير فيها أنا المعتدي، أو ما هو أسوأ، بينما لو شهد الناس بإجرام المجرم خلصت، زمان كان المتحرش، والحرامي، نعمل عليه حفلة، اليوم المتحرش والحرامي قادر على إيذائك بكل فجاجة ولا أحد يتدخل. لكن على ذكر ذلك، استمتعت ذات يوم بمشادة بين فتاة جميلة غير محجبة، ومجموعة من المتحرشين بعد توجهها لضابط شرطة أمسك بشابين منهم، قالت جملة لا زالت عالقة في ذهني وهي تتشفى بذعرهم بعد أن كانت هي الخائفة:
-أشباه رجال
صحيح التحرش اصبح له قوانين رادعة مما سبق، ولكن حتى لو الشارع هو الأساس، أليس “أشباه الرجال” (عشان ضحكتني) يشاهدون روائع الأستاذ محمد رمضان؟؟ ويحاولون التمثّل بما يفعله؟؟ طبعًا لا أُجرّم الأعمال الفنية وغيرها، بصراحة لا أهتم بالموضوع، ولكن وجود مشاهد في أعمال يشاهدها متعاطي جميع أنواع المخدرات على القهاوي، فعلى الأقل سيوقظ فيهم الدافع .
كنت متابع عن كثب بحكم نشأتي في منطقة عشوائية بها كل أنواع الجرائم والعصابات: (تجار مخدرات، دعارة، سلاح، بلطجية، وتجار أعضاء، وحتى إخوان) وكنت على مقربة من عناصر شديدة الخطورة بحكم أنهم جيران لي !!!!. من متابعتي، أستطيع القول أن الشارع أثره أبلغ من الأفلام، وحتى بين العصابات الإيطالية كان هناك من يقلد آل باتشينو ومارلون براندو، لكن حتى لو هذه الأفلام ليست موجودة، سوف يبحث عن من يقلده. بالطبع الأعمال الفنية تساهم في تكثيف وزيادة مثل هذه السلوكيات المعادية، لكني أقولها، لقد رأيت تطور الشباب الهمجي قبل ظهور هذه الأفلام، هذه الأفلام هي فقط تعكس الواقع، ولكن الإفراط فيها يساهم مرة أخرى في تغذية هذا الواقع بواقع أكثر مرارة.
يعني باختصار، الولادة في الشارع، وانعكاس العمل الفني يحدث في الشارع، ولو الشارع محكوم، ننشغل بعدها بقضايا محكمة الأسرة، وهكذا دوليك، أرى أن العمل على القانون، قد يحدث أثرا أكثر من الإنشغال بالفنون.
طيب، أتمنى بصراحة منك في مساهمة مستقلة أخرى ثرية ايضًا، أن تتحدث عن موضوع تأثير الشارع في تغذية وتعزيزي السلوكيات المعادية، أو حتى مستويات الجريمة التي ذكرتها، من ناحية التلاعب بعقول الشباب، وطريقة التأثير فيهم.
وشكرًا رايفين على موضوعاتك فعلًا.
بالمناسبة، تذكرت أن لي خناقة مع أفراد الأمن في إحدى شركات الاتصالات تم تصويرها بالكامل قبل القانون الجديد، حبذا أن لا يتم تطبيقه بأثر رجعي !!!
لكن حمدا لله، لم أعاكس امرأة قط في حياتي، فما بالك بالتحرش.
يا نهار أسود، كل هذا في أحمد خالد توفيق، بصراحة الرجل ليس نبيا، وقد انتقدته بنفسي أكثر مما مدحته، لكن يكاد يظل آخر الكتاب الكبار في مصر تقريبا، وهو مفكر له قدره من التقدير والاحترام، أنا عن نفسي قرأت كل أعماله حرفيا الأدبية والنقدية، ومتشوق لمعرفة مشكلتك معه بالضبط (ومن حقك أن تنتقده ولا أصادرك حقك في ذلك).
طيب، ما يكون إلا خاطرك (وبالمناسبة، أرى أن حصول مثل هؤلاء على كل ذلك التقدير والاحترام ووصفه بأنه أحد الكتاب الكبار هو مشكلة وعلامة على فساد المجتمع وانحلال أخلاقه ورضاه بالدون، وليس هذا بعيدا عن أزمنة مجد فيها أشخاص أمثال امرؤ القيس وغيره من شعراء الفسق والمجون، وإلا لا أراه يستحق الذكر والتمجيد):
أحمد خالد توفيق في روايته (التي قرأتها أنا على الأقل) يتوسع جدا في وصف الأمور المخلة بالحياء، بل ويذكر معلومات حقيقية جدا تحدث في ذلك العالم السيئ، وهو ما يدعو الشاب والمراهق إلى فضول عظيم لمشاهدة تلك الأشياء، فيدفعه بطريقة أو بأخرى للتفكر فيها ثم للبحث عن مشاهدتها عيانا! وربما حتى عن تطبيقها..
قد يأتي آت ويقول لي أن هذا مجرد خيال والقارئ يعلم أن هذه أشياء خاطئة.. ولكن هذه من أنواع الترويج السلبي بطرق غير مباشرة لهذه الأشياء، حتى المتخصصون في مشاكل إدمان المواد الضارة يحذرون من الترويج السلبي عن حسن نية!
مثلا يأتي شخص ليحذر شابا من مشاهدة المقاطع الضارة، فيصف له تلك المقاطع ويخبره أن منهم من ينحرف بالطريقة الفلانية ويفعل الشيء الفلاني، فيثير فضوله فيذهب ذلك المدمن إلى البحث عن تلك المشاهد التي ذكره لها لمشاهدتها!
ثم إن من يذكر تلك الأمور لا يكون إلا متشبعا بها وإلا لن يتمكن من ذكرها من الأساس.
أما عن الكتابات الإيحائية من الكتاب القدامى فهي موجودة جدا، بعض الكتب التي تعتبر أعمدة في أبواب اللغة والنحو تنطوي على مثل ذلك، ولا أريد ذكر اسم حتى لا أسوق له سلبيا أيضا هههههه
أحمد خالد توفيق في روايته (التي قرأتها أنا على الأقل) يتوسع جدا في وصف الأمور المخلة بالحياء، بل ويذكر معلومات حقيقية جدا تحدث في ذلك العالم السيئ، وهو ما يدعو الشاب والمراهق إلى فضول عظيم لمشاهدة تلك الأشياء، فيدفعه بطريقة أو بأخرى للتفكر فيها ثم للبحث عن مشاهدتها عيانا! وربما حتى عن تطبيقها..
قد يأتي آت ويقول لي أن هذا مجرد خيال والقارئ يعلم أن هذه أشياء خاطئة.. ولكن هذه من أنواع الترويج السلبي بطرق غير مباشرة لهذه الأشياء، حتى المتخصصون في مشاكل إدمان المواد الضارة يحذرون من الترويج السلبي عن حسن نية!
مثلا يأتي شخص ليحذر شابا من مشاهدة المقاطع الضارة، فيصف له تلك المقاطع ويخبره أن منهم من ينحرف بالطريقة الفلانية ويفعل الشيء الفلاني، فيثير فضوله فيذهب ذلك المدمن إلى البحث عن تلك المشاهد التي ذكره لها لمشاهدتها!
ثم إن من يذكر تلك الأمور لا يكون إلا متشبعا بها وإلا لن يتمكن من ذكرها من الأساس.
أما عن الكتابات الإيحائية من الكتاب القدامى فهي موجودة جدا، بعض الكتب التي تعتبر أعمدة في أبواب اللغة والنحو تنطوي على مثل ذلك، ولا أريد ذكر اسم حتى لا أسوق له سلبيا أيضا هههههه
يا هارون حرفيًا ما ذكرته، تجده مثلًا مثلًا في كتابات علاء الأسواني (محسوب علينا أديب وروائي)، بل حتى رواياته تافهة إلى أقصى درجة ممكنة، وأصلًأ له رواية سبب شهرتها، هو ما كتبه فيها من مشهديات صريحة، لذا، فكرة كره كاتب لأنه تحدث بوضوح عن جوانب جنسية لا أراه يعطيه حقه الأدبي، بمعنى قد تقول لا أفضل قراءة رواياته في عمر المراهقة، ويمكن قراءتها عند النضوج، ولكن موضوع الإيحاءات، لن ينضج أي شخص قبل أن يعرف معظم (وأكثر) مما كتبه أحمد خالد توفيق، والمعرفة ستأتيه من حيث لا يدري فعلًا.
تقصدين عمارة يعقوبيان أم شيكاجو، ليست رواية واحدة !
شيكاجو قريتها ملهاش معنى حقيقي يا رايفين، رواية تعبانة أوي..
بس قصدت نادي السيارات، سمعت عنها بصراحة، بعد شيكاجو لم أرغب بقراءة أي عمل آخر له.
نعم، علاء الأسواني هو الآخر أكرهه بشدة، وقرأت له شيكاجو في عمر المراهقة وندمت جدا على قراءتها أيضا.
أتفق، المعنى الوحيد الذي تحصلت عليه ربما، أمريكا قبيحة، مصر جميلة، وفي هذا أتفق مع الكاتب المغترب.
بكده يصير لدينا ثلاث روايات ذات سمت جنسي في كتابات الأسواني.
وأزيدك يا هارون من الشعر بيتا، عندك الإمام السيوطي، مؤلف النصف الأول من تفسير الجلالين، وهو أيضا كاتب لمؤلفات جنسية وعلى رأسها كتاب فن النكاح أو (نواضر الأيك في معرفة النيك)، ولا أعرف إن كان حسوب يسمح لنا بالشطط في هذا النقاش أكثر أم لا.
الحمد لله أن الكثير من علماء أهل السنة والجماعة حذروا من كتاب تفسير الجلالين بالفعل، هل يا ترى ابن كثير وابن تيمية وابن قيم وأمثالهم تجد لديهم مثل هذه الدناءات؟
ابن كثير ممكن تلاقي عنده أي حاجة، لأنه جامع للتراث -حلوه وقبيحه- أكثر منه مفسرا. ابن تيمية وتمليذه محسوبين على المتشددين، لذا أعتقد لن تجد ذلك لديهم 🙂
نعم، ابن كثير مؤرخ، وهو يجمع التاريخ من حيث هو تاريخ، ولا يصف ولا ينحدر في المستوى.
أما إذا كان ابن تيمية وابن القيم محسوبين على المتشددين، فأسأل الله أن يحشرني في زمرة المتشددين (على وصفك الذي لا أقره).
هل تعلم إني أشاهد بين الوقت والآخر أفلاما إباحية، وحتى إني أستطيع أن ألمس قضايا بعينها في هذا النوع من المحتوى، مع ذلك يظل هذا المحتوى ترفيهي، وشبقي في المقام الأول. كتب أحمد خالد توفيق للمتعة، وعلى نحو محترم جدا بالمناسبة، ولم يدعي أنه واعظ حتى في كتاباته ذات السمت الوعظي. يذكرني الأمر بمن ينظر إلى سيدة منتقبة فيخبرني أنها فتاة لم تبلغ العشرين من عمرها بعد، سمراء اللون، ومتزوجة، وهي جميلة جدا. لقد عرف تفاصيل كثيرة جدا، فقط لأن العقل قادر على تحقيق ذلك، الأسوأ أن نعيبها على مشيتها، أو لأن ثوبها لم يكن فضفاضا بشكل كافي، أو لأنها لم ترتدي نظارة سوداء تداري جمال عينيها!.
أنصحك بحذف هذا التعليق، لا يجوز لك أن تجاهر بمعصيتك، لقول النبي ﷺ: “كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يفعل العبد معصية في الليل، ثم يصبح وقد ستره الله، فيفضح نفسه ويقول: فعلت كذا وفعلت كذا.”
كتب هذا للمتعة، المتعة السيئة التي لا يليق بالمسلم أن يستمتع بها، وليست على نحو محترم، أنا أستحي حتى من ذكرها لصديق من أشد أصدقائي قربا فما بالك أن نذكرها هنا؟ دعنا بعيدين عن الموضوع أرجوك. أنا لم أقل أنه يدعي أنه واعظ ولا قلت أنه يجب عليه أن يكون واعظا، كان بإمكانه أن يكون ذا شرف ويبتعد عن تلك الرداءة والدناءة ويوجد من الكتاب المحترمين الكثير.
أما عن ذكرك بمن ينظر إلى سيدة منتقبة… فهذا ربما لأنه يقرأ كثيرا لأحمد خالد توفيق وأمثاله، أما من علت نفسه وترفع عن دناءة النفس وانحطاطها فحاشا أن تكون هذه من صفاته.
على كل حالـ، اعتذر، وإن كنت أتمسك برأيي.