نيكروفيليا: حين يجتمع الجنس مع الموت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحتل شيرين هنائي مكانة مهمة في أدب الرعب بالعالم العربي,خاصة حين تحمل روايتها الأولى -والتي يفترض أن أسلوب الكاتب حينها لم ينضج بعد- قدرا من العمق الفلسفي الذي سيطبع على جميع أعمالها لاحقا. ناهيك عن السوداوية التي صدمت قراء العرب المثقفين منهم والعوام,والتي لا زالت تواجه نقدا مدعيا إلى الآن.
[1] القصة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتاة تعشق الموتى تقع في حب شاب من الأحياء,لتغرق في حيرتها بين العشق الجنسي للأموات والعشق الغرامي للأحياء!.
حبكة مظلمة وصادمة بداية من عنوانها وصولا إلى نهايتها مبنية على المفارقة المذكورة بالأعلى في إطار من الرعب القوطي,وهي من نوع السرديات التي تركز على الشخصية أكثر من الحدث.
رواية نيكروفيليا مقتبسة من من رواية كاري للكاتب الأمريكي الكبير ستيفن كينج Stephen King,الملك الغير متوج على أدب الرعب في العالم حاليا. مع لمحات من فيلم ماي May 2002 وأفلام تيم برتون Tim Burton.
ولم تخفي الكاتبة ذلك,ففي حوار أجري معها أعترفت بتأثرها بستيفن كينج خاصة وأدب الرعب الأمريكي عامة(1).
الرواية هي الأولى للكاتبة شيرين هنائي وقد بدأت أولى أعمالها مع الرعب القوطي / النفسي إتباعا لذات المدرسة الفلسفية في أدب الرعب التي ينتمي إليها إدجار آلان بو Edgar Allan Poe نفسه.
تم إقتباس العمل مسرحيا عام 2013 من قبل المخرجة آيات مجدي في مسرحية تحمل ذات الإسم. وغنائيا عام 2011 من قبل فريق المغنى خانة في أغنية الشمس مكسوفة.
[2] الخطاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النيكروفيليا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبرز عوامل الصدمة الكامنة في الرواية هو في تناولها لموضوع فريد من نوعه؛النيكروفيليا (مضاجعة الموتى). وهو مرض جنسي يقع الخلل فيه في هدف المريض الذي تذهب ميوله الجنسية إلى إشتهاء الموتى. وهو موضوع غير مطروق سابقا من أي كاتب آخر في العالم العربي قبل شيرين هنائي,بل ويندر تواجد مثل بشاعة تلك الإنحرافات الجنسية كموضوعات لأدب الرعب المتمكن. فلا يخطرني إلا نيكروفيليا شيرين هنائي وسادية الماركيز دي ساد.
إضافة إلى جرأة شيرين في طرح هذا الموضوع الشائك التي تجاوزت به القيود الثقافية والدينية -مع أختيار موفق لعنوان العمل الذي يعبر بوضوح عن محتواه- فهي أظهرت حرفية لا بأس بها في تناوله بعملها. وتتجلى براعة الكاتبة في مظهرين؛الأول في تناولها لمرض جنسي وتوظيفه لإثارة عاطفة المتلقي دون أن تثير شهوته,ولكن ربما أثارت تقززه. والمظهر الثاني في العرض المخيف لمراحل ظهور المرض وإكتشاف الضحية له وتطوره وصولا للإدمان ثم تخطيا لمرحلة الإدمان إلى ما هو أبعد,رغم أنه كان ركيكا إلا أن تركيز الكاتبة على معاناة منسية كان موفقا.
ركزت الكاتبة على آثار المرض في بطلة الرواية,ولم تعني بمشاعر المصابة به,ولا بالمرض نفسه؛بدايته أو نهايته. بدايته أي مسبباب المرض وكيفية الإصابة به حيث لم يتم توضيح هذه الجزئية,عدا بالإتكاء على مرض فقدان الشهية العصابي (الأنوراكسيا Anorexia). ونهايته بمعنى أي محاولات لعلاجه والذي لم يحدث مطلقا في الرواية. كما أن عمر الفتاة تقريبا لا يسمح بكل هذه التطورات -إلا ربما لو تعمقت الكاتبة أكثر في تصوير الحالة- التي جرت بسرعة للتحول الفظيع في نهاية الرواية المتمثل في ثنائية (العشق / القتل) التي وقعت فيها منسية وكيفية الإنتهاء بها إلى مقتل جاسر بدون التطرق إلى القدرات الجسمانية أو الحالة النفسية التي تمت بها عملية القتل. لكنها مقبولة من الناحية الجسمانية ومتناقضة من الناحية النفسية. والتناقض المعنى نفسيا هنا ليس في أن منسية إنتحرت بعد قتلها جاسر وهو الأمر المستغرب للبعض كون جاسر قد صار مادة مثالية لتمارس عليه منسية إنحرافاتها الجنسية. فالموت بصورتيه (القتل والإنتحار) حدث من الصراع بين العشق والشهوة,الحاجة إلى الحنان إرتبطتت بالحاجة إلى الجنس في نفس منسية. اللامنطقية تأتي في تكون هذه الحالة وعدم توضيحها بشكل كافي,وتهميش جميع الشخصيات والمحيط وحتى الزمن (وهو أمر ليس سيء كليا) للتركيز على منسية والوصول بها إلى المرحلة المرغوبة من الكاتبة,دون وضع مبررات كافية لوصول منسية لهذا القرار. وبعض القراء يسمي هذا رغبة أنثوية للرومانسية من الكاتبة,إلا أن الرومانسية جزء من القوطية,إنها الرومانسية السوداء. إضافة إلى أن الفعل الثاني (الإنتحار) هو ما أضاف عنصر الصدمة حتى للذين توقعوا مقتل جاسر من البداية.
المجتمع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أسرفت الكاتبة في عرض الكثير من السلوكيات الغير منطقية من منسية والشخصيات المحيطة بها لسببين,الأول هو صنع حبكة ما لتكون قالبا لفكرتها,والثاني لعرض الرسالة الكامنة وراء فكرتها,وهي أن تلف الأنظمة المجتمعية قد يؤدي إلى تشوهات نفسية بأطفالنا,وهو ما جعل الكاتبة تثبت على سن الـ 12 عاما -بالكاد تخطت للـ 15- لمنسية حتى تظل طفلة بالنسبة للمتلقي كنوع من الإستفزاز العاطفي.
التجريبية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إتخذت الكاتبة من التجريبية -وأحيانا الفلسفية- غطاءا لستر جميع عيوب الرواية السردية واللغوية. إلا أن المدرسة التجريبية كانت لتكون في صف العمل في حالتين. الأولى أن تكون الكاتبة ذات تجربة أو خبرة في مختلف المدراس الأدبية والأنساق السردية قبل أن تخوض غمار التجريبية,لا أن يكون عملها الأول فتتخذ من التجريبية جدار ليصد عن الرواية أي إنتقادات في محلها. الحالة الثانية لا يهم ترتيب الرواية كأول عمل لها,بشرط أن تفتح التجريبية آفاقا جديدة للإبداع,وهو ما لم يحدث في رواية نيكروفيليا. وبالتالي فإن التجريبية بلا أي قيمة هنا.
الجنس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عنصر آخر هو الجنس. نعم,الرواية مليئة به,وإن كان بصورة غير إباحية,فقط مقززة للبعض,ومخيفة لآخرين. الشبق والعهر والبيدوفيليا Pedophilia والنيكروفيليا Necrophilia والمثلية,وكلها تم عرضها جيدا في نماذج أتت غير عميقة كفاية,إلا أن ذلك يمكن التغاطي عنه عدا ربما في حالة فتنة.
ردا على إعتراض البعض بأن مرض النيكروفيليا غير ممكن فسيولوجيا أصابة النساء به,قالت الكاتبة بأنها رجعت إلى مختص نفسي أكد لها إمكانية حدوث الأمر لولا أنه نادر جدا فحسب,وليس مستحيل. إعتماد البعض هو أن ممارسة الجنس تجري لدى الذكور المصابين بشهوة الموتى من خلال عملية الإدخال,وهي عملية شبه مستحيلة للنساء مع الموتى. وهذا خطأ حيث يمكن حدوث النشوة لدى النساء من خلال عملية أخرى هي الإحتكاك,هذا غير الإجراءات الجنسية الأخرى من تقبيل وخلافه.
[3] الإيقاع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العمل ينتمي إلى المدرسة القوطية التي تعد من أهم المدارس في تاريخ الرعب,وهي مدرسة يندر تواجدها في العالم العربي لتكون بداية قوية للكاتبة. والرعب القوطي هو رعب خوارقي يمزج بين السوداوية والرومانسية. والعناصر الخوارقية في الرعب القوطي لا تشترط دوما أن تكون عناصر خارقة للطبيعة,بل قد تكون عناصر فوق العادة مثل الموت والموتى في رواية نيكروفيليا. إضافة إلى الأجواء السوداوية التي يخلقها هذا النوع من الأعمال الرعبية, أستطاعت الكاتبة أن تلعب ببراعة بأعصاب القاريء وتغرقه في توتر وقلق مع إيقاع متسارع في صورة تصاعدية -خاصة مع عرض مراحل تطور المرض- وصولا إلى النهاية المشؤومة.
من المفردات التي تصف واقع الرواية ذو الثقل الجاثم على الصدور هي السوداوية والألم والحزن والخوف والموت والنفور والبشاعة. ولكن لا يوجد في وصف الأجواء المرعبة للرواية أجمل من قول أحمد خالد توفيق فيها:-
ما راق لي هو قدرة الكاتبه علي خلق كل هذا السواد والجو الرجيم وهي شجاعة لاقبل لي بها وأخاف فعلاً أن أكتب ربع ماكتبت،وهناك شاعر عراقي لا أذكر إسمه كان يتغزل في حبيبته فراح يتخيل تعفن جثتها والأجزاء الجميله التي سوف يأكلها الذئب منها…
رواية نيكروفيليا جاءت من نفس العالم تقريباً.
يجب إفراد قطعة قصيرة خاصة فقط بالحديث عن الصدمة التي تعددت مظاهرها في الرواية؛مرض النيكروفيليا,شخصية منسية,الشخصيات الأخرى التي أتعستها,الوحدة الموحشة,الإنحرافات النفسية,ومفردات عالم الفتاة البائسة المتمثلة في الظلام والصمت والخوف والعزلة. التوظيف المتمكن من الكاتبة لعناصر القلق والصدمة في الرواية يجعل المتلقي يصل لمرحلة من أبشع صور الرعب وأكثرها قساوة. قلة من الكتّاب اللذين يستطيعوا فعل ذلك على الصعيد العربي والعالمي. ومع ذلك هذه المرحلة لم تصل لآخرين بسبب ضعف السرد.
نيكروفيليا هي رواية تنتمي إلى أدب الرعب القوطي إلا أنها تقع كذلك ضمن تصنيف الرعب النفسي,وهو ما يدل على براعة الكاتبة,حيث قامت الكاتبة بتوظيف أدوات من المدرسة الفرويدية في علم النفس لتحليل نفسية الشخصية بطريقة كشفت عن بعض مكنوناتها المثيرة للقشعريرة. ومن ذلك توظيف الإختبارات الإسقاطية Projective test مثل تداعي الكلمات وأختبار رورشاخ Rorschach. وأنظر إلى الأمثلة التالية.
يسأل وتجيب منسية دون تفكير كما طلب منها
يعطيها نصف جملة وتكملها هي
-حين أذهب إلى الفراش..
-أشعر بالوحدة.
-أنا ولدت في يوم..
-أسود.
-عندما أخرج أول شيء أراه..
-أعين الناس.
-حين أغمض عيني أرى..
-ظلام.
-أكبر شيء في العالم..
-صدر خليلة.
-الأشياء غير المهمة..
-منسية.
-أنا أحب..
-جـ…
وفي مثال آخر
يردد كلمة واحدة وعلى منسية الإجابة بكلمة واحدة
-الحياة
-قبر
-الأمل
-الخوف
-الجنس
تنظر له وتقطب,وتفرغ معدتها.
إضافة إلى تواجد قطع نصية لتداعي الأفكار تتخلل نص الرواية.
[4] الشخصيات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بخصوص الشخصيات يوجد ملاحظتان؛الأولى هي أن الكاتبة لم تتعمق في الشخصيات بشكل كافي يبرر أفعالهم. عدا بالكاد جاسر الشخصية الوحيدة العقلانية ذات الأفعال المنطقية.
والثانية أن الكاتبة أبدعت في إختيار أسماء الشخصيات ليحمل كل إسم دلالة تعبر عن صاحبه؛منسية وفتنة وجاسر وسيد وخليلة. وأحاطت صاحب الإسم بهالة نفسية مريضة تختلف عن الشخصيات الأخرى,النيكروفيليا لمنسية والبيدوفيليا لفتنة والشبق لسيد والإستغلال (لو حسبناه مرضا) لجاسر والعهر لخليلة. ويكاد يتلائم الإسم والمرض مع طباع كل شخصية,فكانت الأسماء والأمراض توصيفا بليغا لدواخل الشخصيات. كما أن دلالات الأسماء كانت ذات مدلولات مزدوجة,فتارة تصف الشخصية بمعنى الإسم,وتارة ينطبق عليه عكس المعنى,مثل منسية التي لا تنسى.
وأسلوب ربط أسماء الشخصيات بمدلولات مستخدم سابقا من قبل العظيم نجيب محفوظ.
1-منسية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إسم على مسمى,برعت الكاتبة في إختيار إسم البطلة كما برعت في إختيار إسم الرواية, ليكون إسم منسية وإسم الرواية تعبيرا دقيقا عن حالتها النفسية.
منسية هي فتاة صغيرة منسية خطف الموت أمها فنستها وخطفت الشهوات أباها فنساها هو الآخر,وخطف المرض منسية فنساها المجتمع. فتاة صغيرة تبلغ من العمر 12 عاما فقط تلقي الكاتبة الضوء على تعاستها وتتعس القراء معها.
منسية هي فتاة جميلة غير قبيحة,ولكن يكمن قبحها الظاهر للعيون في النفوس,أي في نفور الناس من مظهرها المقيت والمخيف؛نحفت -بسبب مرض فقدان الشهية- حتى صارت جلد على عظم ولا يتجلى أي مظهر من مظاهر الجمال فيها إلا خضرة عينيها.
يعيب الشخصية أن الكاتبة تتعامل معها على أنها مراهقة في 16 وليست طفلة في 12 من عمرها حتى وإن كانت على أعتاب المراهقة,ويطفح هذا العيب في تطورات المرض المبالغ فيها بالنسبة لهذا العمر,وفي عرض الكاتبة لأفكار الفتاة الغير متعلمة حيث يصعب أن تفكر بكل رجاحة العقل هذه,حتى بعد أن بلغت الـ 15 عاما.
2-جاسر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المفترض أنه الشخصية الرئيسية في دور شرير الرواية إلا أن دوره أتى هامشيا بلا حضور قوي وليس إلا متمما لمأساة بطلة الرواية.
3-سيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطريف أن فعلة الخير الوحيدة التي صنعها سيد من أجل إبنته هي التي أودت بهلاكها.
4-فتنة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجاذب بين المنفر والمنفر,القبيح يجذب القبيح,شخصية مبهمة أخرى أتت من عالم الإلتواءات الجنسية للرواية.
5-خليلة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زوجة أبو منسية التي لا يذكر عنها سوى قسوتها التي نغصت حياة منسية كأنها زوجة أبو السندريلا -المفارقة أن الأب حي هنا- ولكن بلا جنيات تنقذ تلك المنسية,وصدرها الذي أعمى عيون أبيها عن رعاية إبنته.
[5] الإسلوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السرد: أعتمدت الكاتبة على المشهدية السينمائية في تصوير الحدث والإنتقال بين الأحداث.
وأتخذت الكاتبة هذا الإجراء لتسهيل مشاكل السرد عليها مما أتى بالعمل ضعيفا في النسق السردي. إلا أنها أجادت توظيف التصوير لخدمة الأجواء السوداوية في العمل. كما أن بساطة السرد كانت ميزة أخرى في حالة نيكروفيليا,لقد أقتربت الرواية من العوام,وبعض من لا يقرأون أصلا. يحمل على الرواية أنها كانت لتكون أفضل لو تعمقت الكاتبة في معالجة أكبر بالنسبة لراوية,أو أوجزت القصة في قصة قصيرة. لتجنب الخلل الحادث خاصة مع التسارع المربك في الأحداث.
اللغة: الخطأ الأكثر وضوحا هو أسلوب التنقيط بثلاث نقاط بين العبارات,والذي ألقى بنظام الإملاء العربي في أقرب سلة مهملات,وبوضوح يظهر أن الرواية لم تلقى تدقيق لغوي لا من الكاتبة ولا من المحرر.
التشخيص: عانت الكاتبة بوضوح في بناء الشخصيات -ربما عدا منسية- وفي عرضها بالسرد أو الحوارات,وأكثر مشكلة هي التعبير عن أفكار الطفلة الصغيرة بأسلوب الكاتبة الناضجة,خاصة في أبيات شعرية ضعيفة يصعب نسبتها إلى منسية.
الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-حوار أجرته مع دوت مصر.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.