[1] القصة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يستعيد سياف وظيفته المهمة في سابقة لم تحدث -أي استعادة وظيفته- من قبل من أجل التحقيق في قضية تتعلق بلوحة أثرية كانت تستخدم في طقوس شيطانية.
ويستعيد سياف وظيفته بسبب المدعو جاد الغرغوف,وهو رجل بالغ الأهمية على الصعيد الوطني والدولي,وتمتد أذيل الغموض من حوله.
في إطار من الخيال العلمي تسرد الرواية قصة سياف المندوب المطرود من وظيفته التي تعد أهم وظيفة في عالم صار فيه الاستغناء عن مندوبك كالتجرد من كيانك,وصار لكل شخص مندوب له عن أي فعل أي كانت مكانته الإجتماعية,حتى أنك لتتخيل أن دخول حمام يجب أن يتم بواسطة مندوب مخصص لذلك. “الحياة صارت معقدة أكثر من ذي قبل,والفرد لا يستطيع العطس دون مندوب”.
قام الكاتب في روايته بصنع نموذج فريد لعالم الديستوبيا حيث العالم تسطير عليه الرأسمالية بواسطة شركة كبرى وسع نفوذها إلى درجة تحكمها برؤوس المال والسياسة والإتصالات, وبالتالي تحكمها بجميع الأفراد أيا كانت مكانتهم الإجتماعية. هي شركة “مندوبك” التي تتدخل في كل الشؤون السياسية والحكومية والإعلامية والإقتصادية والإدارية بواسطة مندوبيها اللذين يمثلون أذرعها الممتدة في كل مكان. “شركة “مندوبك” العالمية تعمل على توفير المندوب الملائم لحل مشاكلك المالية والأمنية والطبية,وإجراءات الزواج والطلاق وحتى الجنازة,وغيرها من مشاكل الحياة المستعصية..”
وبالرغم من فرادة العالم المنسوج خيوط خيالاته من قبل الكاتب,والذي يؤهل الرواية لأن تكون في صياغة أخرى من روائع أدب الديستوبيا,إلا أن الكاتب وبجرأة معتادة منه يقوم بالعناية بفضاء الأحداث مبدعا تفاصيل جذابة ومهمة تصلح لتناولها بشكل أكبر,لكنه يهملها آخذا منها فقط وظيفتها في تعميق الأحداث الذي يقدمها إلى القارئ.
في المقابل لم يعني الكاتب بحبكة الأحداث التي يقدمها في روايته,حيث أن النهاية المبني عليها القصة كلها لم يكن لها مبرراتها للقارئ. فالبطل تم تكليفه بجمع أدوات,والكاتب قام بالتذاكي بأن جعل لهذه الأدوات قيمة سحرية تؤدي إلى ما يصل لغرض محدد,هو الذي كشف لنا النهاية الصادمة. أي أن الكاتب لعب على مفاتيح غير مكشوفة كليا للقارئ لا بتلميح ولا بتصريح.
وقد غلفها بغموض تجاوز الأجواء ليعتم السرد الذي لم يكن واضحا. ليتحول من غموض يثير التوجس في النفس إلى غموض يضرب التشتت في الذهن. وحتى ولو وقع القاريء على ملابسات الحبكة كاشفا إياها وقد تجلت أمام عينيه سيجدها حبكة ضعيفة / ركيكة.
والبرغم من كل ذلك تظل النهاية صادمة غير متوقعة لها وقعها الشديد على القارئ.
إن رواية مندوب الشيطان هي تناول مختلف للتيمة الفاوستية المعروفة؛الصفقة مع الشيطان, وهي طرح مختلف لديستوبيا فريدة من نوعها وقريبة من الواقع بشكل يذكرني بديستوبيا أحمد خالد توفيق في رائعته يوتوبيا. في مزج جيد بين الرعب والخيال العلمي.
[2] الإيقاع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يبدوا الغموض في الرواية متصنعا مما يزيد الحبكة ضعفا,فالراوي يعرض خطوات اللعبة ويغفل عن ذكر قواعدها وبالتالي لا يتيح للقارئ أي فرصة للوقوف على نقاط تشير لنهاية القصة دون أن تكشفها,عدا بعض التلميحات التي تؤتي ثمارها,وأتت نهاية الرواية مخادعة يحاول الكاتب أن يجعلها صادمة -ربما نجح- رغم أنها كانت لتكون كذلك.
من ناحية أخرى يجب أن نتحدث عن النهاية بإعتبارها نهاية صادمة لم يتوقعها أحد,النهاية تنتمي إلى نوع من النهايات الصادمة تم عرضه في أكثر من عمل أدبي وسينمائي,لعل أبرز تلك النوعية من الأعمال [حرق تدميري للعملين المذكورين] هو جزيرة المصراع,حيث يظن البطل أن من حوله مجانين ويتضح أنه هو أيضا مجنون,وفي الحاسة السادسة يظن البطل أن من حوله موتى ويتضح أنه هو أيضا ميت,وفي مندوب الشيطان يظن البطل أن من حوله شياطين ويتضح أنه هو أيضا شيطان. وأبرز تلميحات الكاتب عن تلك النهاية متمثل في مقولة سلفادور دالي ببداية الرواية: “الفرق بيني وبين المجنون أني لست مجنونا”.
جرعة الرعب لم تكن كافية بالرغم من أن الأجواء مشحونة بميتات جهنمية وصفقات شيطانية. هذان الشطران هما ما قامت عليه الرواية خاصة في وصف الميتات بشعة التي حرص الكاتب على جعلها دامية بشكل خارق للطبيعة كما أتى تامر إبراهيم في روايته صانع الظلام. وبالإضافة إلى عناصر الرعب الدموي وضع الكاتب عناصر من الرعب العفاريتي متمثلة في التعاويذ المنطوقة بكلمات من اللغة العبرية أو المنطوقة باللغة العربية بشكل معكوس. والعبرية والعربية من لغات السحر السبعة.
ولا يمكن الحكم عليها كرواية فانتازيا لأنها خلت من العناصر التي تجعلها تنتمي إلى هذا النوع,وكذا تنخفض قيمتها إذا ما أعتبرناها رواية خيال علمي فحسب,فبرغم أن الكاتب قدم فكرة أصلية في هذا الحقل إلا أنه لم يعني بها كفاية.
[3] الخطاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحمل الرواية أكثر من محور في خطابها إلا أن الكاتب لم يتعمق في أي منها. الرواية بها رؤية فلسفية ذات أبعاد نفسية وإجتماعية,ففي الأولى ألقى الكاتب نظرة على أصول الخير والشرّ في النفس البشرية مقارنا إياها بروح أخرى جنية. وفي الثانية أرانا رؤية مستقبلية ذكية تدل على بعد نظر من الكاتب جعلته يرى لمحات مما سيصير عليه المستقبل القريب,وهي رؤية أتفق تماما معها وقد تحققت أغلب شروطها بالفعل في عصرنا هذا,وهذه الرؤية هي ما يرتقي بالرواية كونها من التجارب الشحيحة في تصور ديستوبيا الأدب العربي.
“لكن في هذا العالم المتخبط, حتى الشيطان شخصيا بحاجة إلى مندوب لإنهاء معاملاته وضبط أوراقه وكشوفاته, فمن الأقدر على تولي هذه المهمة المخيفة؟” وبالفعل يعين الشيطان مندوبا ليتضح للقارئ أن الصورة معكوسة تماما,والأحداث اتخذت مسارا انتهى إلى ما لم يتوقعه القارئ مطلقا. الشيطان من البشر والإنسان من الجن,هذه تعد واحدة -بالرغم من تحفظاتي حولها- من أقوى النهايات الصادمة في تاريخ الأدب العربي,وما زلت مصرا على ملاحظاتي / تحفظاتي بحدة وبشدة.
واحدة من الرسائل التي الموجهة إلى القراء,تستهدف شريحة الكتاب مثله,وهي السخرية اللاذعة الكامنة في عنوان الرواية,حيث قد يحسب القارئ أنه تنتمي إلى نوعية الرعب العفاريتي الذي ينتقده الكاتب بشدة,ليكتشف عند قراءتها أنها تناول مختلف لنوعية روايات الجن التي صار كل كاتب رعب عربي يكتب فيها الآن. المتعارف عليه أن مندوب الشيطان يكون متسيدا على الساحر,وأعتقد أن الكاتب ربما اطلع على كتاب مثل جذور الشرّ لإبراهيم محمد الجمل,ومنه أو من نص مثله نبتت فكرته العبقرية.
وقد وضع الكاتب بضعة إشارات تشير إلى نهايته في المواقع الآتية.
1-العنوان مندوب الشيطان كما هو موضح بالأعلى.
2-إسم بطل كما سنوضح في الشخصيات.
3-والفقرة التمهيدية المتمثلة في نص لقول سلفادور دالي:-
“الفرق بيني وبين المجنون أني لست مجنونا!”.
4-حين انتابته نوبة جنونية من الرقص أثناء مشاهدته التلفزيون في إشارة لطبيعته الشيطانية.
5-الرقم 12.(1)
6-الكوابيس.(2)
الأغراض الأربعة هي
1-القلم: يمثل قدرة الشيطان في العثور على الأشياء والأشخاص.
2-النظارات: يمثل قدرة الشيطان في إبصار أنظاره من الشياطين.
3-الخاتم الأسود: يمثل قدرة الشيطان في الإتيان بالخوارق.
4-فتاحة الخطابات: تمثل قدرة الشيطان في الإنقسام إلى إنسي وجني.
لم يتم تناول هذه الأغراض بشكل كافي وافي لحقها في الرواية,وكانت تحتاج إلى المزيد من العمق,ولكن كعادة الكاتب هو ينثر العديد من العناصر المبهرة في روايته دون التعمق في هذه الإبهارات.
هناك إشارة في أن العمل ينتمي إلى عوالم الصفقات مع الشيطان بالروايتين التي حملهما سياف معه؛مذكرات فيدوك ونادي دوماس. الأولى تتحدث عن “تحر فرنسي كانت مهمته حل القضايا الخارقة للطبيعة” والثانية تتحدث عن”أسطورة بيع الأديب الشهير “ألكسندر دوماس” روحه للشيطان, كي يظفر بموهبته التي كتب من خلالها عمله الأشهر “الفرسان الثلاثة”!(2)
أيضا هناك الحوت الأزرق لوائل رداد والفيل الأزرق لأحمد مراد والطفل الأزرق لشيرين هنائي والفتاة الزرقاء لأحمد خالد توفيق. إن اللون الأزرق قد يأتي التالي بعد الأسود في الترتيب لأكثر الألوان إثارة للقشعريرة.
[4] الشخصيات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-سيّاف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاب في الثلاثيات من عمره,ظاهره ثلاثة عقود وباطنه ثلاثة قرون. وهي شخصية تتورط في التحقيق بقضية غامضة بحكم عمله وليس لسعيه وراء المتاعب. وظيفته هي مندوب في شركة “مندوبك” العالمية,وقد تم طرده لتدخله في شأن يخرق به القاعدة الأولى في وظيفة المندوب,وهي أن تكون حيادي دائما. ثم ارجاعه بواسطة رجل أعمال اسمه جاد الجرجوف. ومثلما تفعل المصرية شيرين هنائي في اختيارها لأسماء أبطالها بأن تحملها معاني فعلية مطابقة للمباني اللفظية. وهنا نجد أن اسم سيّاف “يرمز اسم سياف إلى طبيعة وظيفته عبر استعارة مكنية, فالسياف أو الجلاد كان يأتمر بأمر السلطان في القدم,حيث يأمره بقطع رقبة أحدهم,وعندئذ ينفذ الأمر دونما تردد”.(1)
بالأعلى ذكرت ثلاثة عقود تعبيرا عن شخصية المعروفة للقارئ طيلة الرواية,وهو ما تبعناه توضيحا وصولا إلى معنى اسمه الذي ينقلنا إلى الجانب الآخر من شخصيته والذي تكشف في الشطر الأخير من الرواية. وهو عبرت به بـ ثلاثة قرون,والحقيقة أن عمره مجهول. الحقيقة أن سياف هو شيطان قوي تابع لـ جاد الجرجوف ويأتمر بأمره,يحمل عدة أسماء,منها ساردوان وميتاترون. الأخير ورد ذكره في التلمود كونه أقوى الملائكة. وذات مرة شعر بالندم على أفعاله وبعدها أخذ يبحث عن خلاصه,في محاولة للهروب من أيادي جاد.
لم يتم تسليط الضوء بشكل كافي على دواخل سياف في هذه الفترة والعوامل التي تسببت في تغيره,عدا مسألة الصدمة بشكل أتى سطحيا وشكل نقطة ضعف واضحة في حبكة القصة.
2-جاد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاد الجرجوف هو ساحر قوي يملك السيطرة التامة على سياف الشيطان,وهو رجل أعمال شهير وغامض فاحش الثراء ونافذ النفوذ. جاد وسياف هي مزاوجة ومفارقة ساخرة لمفهوم مندوب الشيطان ومفهوم شيطان الإنس وشيطان الجن. بدلا من أن يعمل الساحر لدى الشيطان صار الأخير يعمل لديه,الساحر ليس هو مندوب الشيطان,الساحر هو الشيطان والجني مندوبه,أو الإثنين قد نالا موقع “مندوب الشيطان” وعنوان الرواية دال عليهما معا.
جاد في ظاهره يبدوا في الثلاثين من العمر,وفي باطنه وبسبب قواه فهو معمر للغاية. صار الكثير من نجوم المجتمع في مجالات مختلفة فنية وتجارية يعقدون صفقات شيطانية مع جاد لتحقيق أغراض دنيوية لهم. وسياف ليس الشيطان الوحيد الذي يملكه جاد الجرجوف. واختيار اسم الجرجوف من الكاتب مقصود بالطبع للدلالة على شخصية جاد الشيطانية,فالجرجوف يعدى أحد مسميات الغول في الأساطير اليمنية.
3-صالح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ صالح هو من تاب وأسلم سياف على يده,وهو اسم على مسمى.
4-أنكرمانيو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الرواية ورد ذكر شياطين أخرى مثل كاموش وأكرمانيو,الأخير صديق مقرب لساردوان / سياف,وهو عفريت يظهر متنكرا على صورة قط.
5-إبليس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يأتي ذكر عابر له باسم “سيد الأهواء المنحرفة”.
[5] الإسلوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أشعر أحيانا أن وائل رداد يسرد الرواية كما يفعل مع المقالة,ولكن ذلك لا يأتي عيبا على كتاباته بل يزيدها إمتاعا وتشويقا,وبرغم نمطية الإسلوب إلا أنه منزه عن الشوائب المنتشره في الكثير من الكتابات العربية في نفس النوعية الرعبية,والمحيطة بنا من كل صوب وحدب في وقتنا الحالي. إسلوب أبعد عن الإستسهال السطحي وأقرب إلى السهل الممتنع إلا أنني لا أصفه بتلك الأخيرة أيضا بالطبع. كذلك يحاول دوما أن لا يتقيد بنمطية السرد الخطي. لغته سهلة بها بعض المفردات المحلية عن بلاد الخليج وبلاد الشام. أما عن وصفه للمشاهد الرعبية فأصفه بذات ما وصفت به كتابات تامر إبراهيم.
يستخدم الكاتب المشاهد الرعبية المروعة,والروع / الفزع Creepy -وهي المفردة الحاضرة الآن في ذهني- هو نوع من الخوف الذي يحدث نتيجة عامل خارجي يؤدي إلى شعور بالقشعريرة أو الصدمة دون الحاجة إلى فهم هذا العامل بالعقل الواعي. إنها مشاهد شيطانية تهز العقل الباطن للمتلقى.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.