قبل عقدين أو أكثر، كنّا نسمع كبار السنّ يدعون الله، متمنّين أن “يموتو موت الله”. ولم نفهم لماذا يدعو شخصُ مفعم بالحياة ويتمنى أن يموت.. موت الله أو موت الشيطان.. أو موت “إبنادم”، على حدّ قولهم.
.
اليوم صرنا نفهم أكثر.. شاعرية هذا الموت.
متى يكون الموت الذي ينتظر أبناء هذا البلد.. هو موت الله فحسب. متى نموت “فحسب” بالشيخوخة والهرم.. متى ينتهي نهر الدم هذا.. متى يتوقّف الشباب الصغار عن الموت.
.
مهمة الشباب الصغار أن يدفنوا آباءهم وأمّهاتهم وأعمامهم.. لا أن يكون العكس..
كم هي عقوبة قاسية أن يرى الماضي المجسّد في الأب الهرم.. كيف يموت المستقبل أمامه.. فيحمل جثّة إبنه الهامدة الى المقبرة.
.
متى نموت موت الله .. يا الله ؟!
الوقائع اليومية للمعيشة العراقية ينتج عنها أحداث مأساوية تخلف العديد من الضحايا البشرية لا يتبقى من جثثهم سوى بقايا دامية في قطع متناثرة يقوم رجل بجمعها ويخيطها في جسد واحد صانعا شيء آخر.
هذا الشيء (الشسمه) يعود للإنتقام للضحايا -التي كونت أطرافهم وأعضائهم جسده- من قاتليهم.
يتروى الكاتب في فرش فرشته تحت أقدام القارئ ثم يسحبها من أسفل قدمه موقعا إياه على رأسه متخبطا في دوار من المشاعر المختلطة ما بين الرعب والدهشة والغرابة والإثارة. ويلاحظ أن أفضل كتاب الرعب حاليا في العالم العربي, هم أكثر صبرا على أنفسهم، أي من حيث ضبط الإيقاع أثناء حكي القصة. في ثلاثة عشر فصلا، وخاتمة من الإشارات تعد بمثابة الفصل العشرين إذا قمنا بضم التقرير النهائي الذي أخذ دور التمهيد للقصة في بداية الرواية. عناوين الفصول هي المجنونة، والكذّاب، روح تائهة، الصحفي، الجثة، الحوادث الغريبة، أوزو وبلوديميري، أسرار، تسجيلات، الشسمه، تحقيق، في زقاق 7 (وفيه مشهد غرفة الكراكيب المثير)، الخرابة اليهودية، متابعة وتعقيب، روح تائهة، دانيال، الانفجار، المؤلف، المجرم. ولغة الكاتب سلسلة، لا تشعر فيها باختلاط عاميتها بفصحاها (برك، أضوية)، والنهاية جاءت منطقية، وواقعية، في اعترافات محمود السوادي بطبيعة علاقته مع السعيدي الذي جمع أشلاء مسخ فرانكنشتاين الجديد (الشسمه). هذا الأخير الذي “ظلت صورته تتضخم، رغم أنها ليست صورة واحدة. ففي منطقة مثل حي الصدر كانوا يتحدثون عن كونه وهابيا، أما في حي الأعظمية فإن الروايات تؤكد أنه متطرف شيعي. الحكومة العراقية تصفه بأنه عميل لقوى خارجية، أما الأمريكان فقد صرح الناطق باسم الخارجية الأمريكية ذات مرة بأنه رجل واسع الحيلة يستهدف تقويض المشروع الأمريكي في العراق” [ص 335]. وهذا يا عزيزي هو نمو الإشاعات الجميل, بل واكتساحها المخيلة والذاكرة معا. والقصة كلها ساحرة, تدور أحداثها في حي البتاوين العراقي والعريق، والذي يشبه تماما حي الغورية في مصر، وهو المسمى بحي اليهود، مثلما حارة اليهود بالقرب من الغورية أيضا. هناك خارطة معنوية على جسد الضحية، فكل قطعة من جسده الشيء الذي لا نعرف اسمه، تحمل انتقاما تجاه الكثير من أطراف الصراع، المشتملة خلفيات حدوثها على قضايا الإرهاب، والعنف، والحرب.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.