1-الحبكة
مجموعة من الخاطئين تدفعهم قوى خارقة للاجتماع معا، وتحاصرهم في بقعة مظلمة (جدا) تكاد تمثل الجحيم على الأرض.
حبكة فريدة من نوعها، والأصل راجع إلى أحمد خالد توفيق في اقتباس واضح من رواية (في جانب النجوم) مع تغيير العنوان الشاعري إلى عنوان آخر كان ليكون أفضل، لو قلنا شقوق الخوف، أو حتى شقوق الرعب، خيرا من استخدام مفردتى هلع أو فزع، لأنهما يعادلان الرعب الشديد، لنترك القارئ هو من يحكم في ذلك.
2-الإيقاع
وقد تركنا مسألة الخوف إلى قلب القارئ، نستعين ببعض آراء قارئ واحد فقط، هو أنا، ومن منظور شخصي، أرى بعض المناطق الغريبة على نحو ساحر في هذه الرواية، الأولى للكاتب، وذلك واضح في بعثرة أجزاء حبكة منظمة منقولة عن العرّاب، وفق رؤية جديدة من قبل كاتب شاب، لم يستطع الذهاب بنصه الأدبي نحو غاية محددة. هذا يجد عندي قبولا كبيرا مع ذلك، نحن نتحدث عن الشقوق هنا، وعلى نحو غير مقصود من الكاتب، أتعمد وأقصد أنا، أن أشير إلى الفجوات في الحبكة على أنها شقوق مظلمة تعبر عن الأجواء الفوضوية في رواية، تجمع بين أشخاص، من أماكن وأزمان بعيدة، في بقعة مظلمة، حرفيا، حيث تقع بين الظلمات في (اللامكان) وداخل مصر على ما يبدوا، نذهب إلى هذا المكان بسيارتنا أو راجلين. العمل فيه بعض أفكار قوية، بل وربما أصيلة. فالشقوق، والثقوب، من المفردات التي لا تأخذ حقها في أدب الرعب، عربي كان أو غربي، نجد بعضه فقط في أعمال نادرة جدا، لا أذكر المنصوص منها إنجليزيا أو بأي لغة أوروبية، ولكن يوجد من الثقوب ما نجده في أعمال الكاتب والرسام الياباني جونجي إيتو Junji Ito، أو بعض نصوصي، أو قصة (ذلك اليوم) للكاتب الكبير نبيل فاروق. بالإضافة إلى بعض التجارب السينمائية مثل فيلم الحفرة الياباني Onibaba 1964، وفيلم المنصة الإسباني El Hoyo 2019. ويعود الكاتب إلى استثمار الثقوب في مشهد (السمين) من قصة المسيخ (ص 60). ولكنه يتوقف عند هذا الحد، كان عليه التركيز، حتى ولو دون إطالة، على الشقوق المكونة لذلك الوادي حابسا الشخصيات في البيت، ومتعة النظر إلى الشقوق (التي تبدوا في ذهني أثناء القراءة على أنها شقوق المنزل نفسه، لا أذكر).
3-الرمزية
وتستمر هذه المناحي الغريبة في رواية قريبة من روايات التسالي الرائجة اليوم، ولكنها مشبعة بما يمتع قارئ يهدف إلى ما يجاوز التسلية، قارئ يريد أن يخيف نفسه، بخياله هو، لا خيال الكاتب. من ذلك، النظر إلى الرموز البصرية في خواتم فصول الرواية. ومن ذلك الفأر، وميكي، وإشارة لأجواء الدارك ويب والديب ويب. والفأر يرمز إلى طبيعة البشر (الحقيقية) الجهنمية التي تنقلنا إلى الرمزية الأخرى، الواضحة بشكل فج، حول المسيخ الدجال (ذو العين المفقوءة) فلا ننسى أنه منا، من بني جنسنا، وقد غلب الشياطين في شرّه. هناك رمزيات لا داع لها، مثل الشقة رقم 6.
يستعمل الكاتب أسماء للشخصيات، موفقة في حين، وغير موفقة في حين آخر، مثل شهاب، رحيم، ولكن كانت نادية موفقة على نحو كبير، ومثلها دلال.
4-السرد
يستعمل الراوي منظور الراوي في سرد الأحداث، ووصف الشخصيات أو الأماكن، وهو لم يجيد ذلك تماما، وجعلنا في معزل عن التعرف أكثر على الشخصيات، زاد على ذلك وغطى استعماله لغة تقريرية واضحة، ترجع إلى أسلوب مسلي للبعض، في عرض الرعب، بمنتهى البساطة، يحدث فهو يحدث، لا زيادة على ذلك. مع ذلك، الرواية، وكونها أميل إلى المتوالية القصصية (قصص متصلة منفصلة)، التي تعد امتداد لأحد المنجزات الأدبية للعرّاب نفسه (أحمد خالد توفيق) كانت قادرة على استمالة قلبي. أضيف إلى أنني لست من النوع الذي يأخذ في الحسبان، أن هذه تجربة الكاتب الأولى، بالنسبة لي، إن أي كاتب هو ناضج أدبيا بما يكفي أو يلزمه أن يكون كذلك كي يخرج روايته الأولى. والرابط بين القصص واضح، لم يبتكره تركي ولكنه أعاد استثماره أدبيا.
اعتقد أن الكاتب ترك الشخصيات تحكي وانزوى هو جانبا، بعض التعليقات كانت في محلها، مثل (الشيطان بجلالة قدره).
5-الوصف
صوت مثير كان في قصة عدي، وصف به الكاتب ما جاء في مخيلة بطل القصة، دون أن نرى فعلا ما الذي جاء فيها، وهو ما يظهر عن دراية الكاتب بطبيعة المخيلة البشرية عامة، وخصوصيتها، وخاصة المخيلة الجنسية منها. هناك قصص كان من المثير أن يحكيها مثل النوم العظيم (ص 54). وهكذا كان الأمر على طول الخط، استهلالات بلاغية محكمة، ولكنها مبتورة، مثلا (وفي يوم شتاء، نهاره ظلام) انظر إلى المفارقة البلاغية، أو نهاره ليل، لكن المشكلة أنه لا يستمر على هذا الأسلوب، ولا أقصد أن يظل متمسكا بالمجاز طوال القصة، ليس بالضرورة ذلك، ولكن أقصد أن لا يسقط من الوصف الجيد، الأقرب إلى السهل الممتنع، إلى هوة السهل المستسهل. من ذلك أيضا (الوضعيات) المستقبحة التي أشار إليها، مثل الحيض والنفاس. ومثل وصف مشاعر قد تكون عند قتل ضحية خاوية المشاعر مثل دلال (لم أرى في عينيها الخوف أو الرجاء أو حتى السخرية، ص 123).
في الأخير، كانت الغرفة متموجة بطقوس أكثر بهرجة وعنفا من شكة دبوس خفيفة تقطر الدم في رواية أحمد خالد توفيق. ذلك أضاف على مستوى المشهد داخل الرواية، خاصة، وأن الكاتب، وعلى قلة استعماله لبعض المفردات أو تكرارها (مثل ظلال، ضباب، كبير، أو مشعر)، إلا أنه لم يستعين بأي مشاهد مكررة عن السينما في الوصف.
6-الحوار
صمت طويل، هذا هو حال معظم شخصيات العمل كأن الكاتب غير قادر على استنطاقها، ولما تتكلم، لا تكثر الكلام، إلا وتأخذ قرار على عكس ما يظهر من منطوقها. عدا ربما في حوارات عدي، وفي قولة المسيخ
-أنا أباكم الذي [كان] في السماوات
فنأتي إلى الحوار بين شخوص الرواية، المحبوسة في تلك الغرفة الجنهمية، يقول أحدهم
-سنتعذب جميعا إن بقينا هنا، فلنبحث عن وسيلة للخروج، لكن دون أن يحكي أحدنا أي شيء
وهو تفكير سليم، ولكن يرد عليه آخر في نفس الصفحة
-أظن أنه لا مناص من الحكي، ستكون نهاية مطاف كل منا
حاول أحدهم، في فصل متأخر، أن يسكت أو يفر، ثم عدل سريعا عن رأيه، دون أي مبرر حقيقي يجعله يستمر في الحكي.
لم يكن من المنطقي أن يحكي أحد عن أي شيء، هذا الاستسلام والاستكانة إلى مصائر دموية أو مجهولة في أحسن الأحوال، دون أي محاولة حقيقية للهروب (عدا المرة الأولى حيث عقبة التيه وحاجز الشقوق).
شهوة الحكي ظلت مستمرة على طول الرواية، وفي رواية أحمد خالد، كان الأمر مفسرا وبشكل لا يحتمل الجدل، الشياطين خيرتهم وأعطتهم فرصة للنجاة لمن كان أكثر شرّا. هذا ما يجعلها تصلح أكثر كمجموعة قصصية، وليس حتى متوالية قصصية، نظرا لهشاشة الرابط بين القصص. في الواقع الرابط قوي، ولكن الدافع إلى الحكي مفقود!.
7-الشخصيات وبعض أجزاء من الحبكة
لا أستطيع تذكر عدد الشخصيات التي حُبست في تلك الغرفة أو ذلك البيت وحوله وادي من الشقوق المظلمة، على ما يبدوا بدون قاع. ولكن أستطيع استرجاع شخصيات العمل الرئيسية عبر فصول الرواية الموزعة على ثماني قصص؛ الفأر المنتحر، وقصة عدي ونقطة قوية جدا لأحمد تركي بالنظر إلى أسبقية القصة على مسلسل السفاح من كتابة إنجي أبو السعود، وهي قارئة نهمة لهذا النوع من الروايات، الغير كثير أصلا في العالم العربي. لم يتناوله إلا أحمد خالد توفيق شذرا، وفي بيئة غربية بامتياز، أو بعض التجارب الرائدة مثل رواية الجزار التي سبقت قصة تركي بعشر سنوات حيث صدرت في 2009. اظهر الكاتب قولة (اسمي عدي) التعريفية، بشكل لمست فيه جزء من نفس الشخصية (السفاح يتميز دائما بأنانية شبه مطلقة، وحب الذات وتفخيمها). وعند المقارنة بين صبحي العتال، وعدي الغلبان، عدي يكسب، وقد كان. الكاتب أجاد وصف حال العتال، وكونه شخص عادي يعمل بالأجرة ويقبل الإهانة (رغم أنه قاتل مستتر، ومعروف وذو صيت بالبطش، ولكن بطش المال أكبر).
الفصل التالي، فيه شخصية اسمها منصور، حق عليها العقاب، فربما هو أحد تمظهرات المسيخ الدجال المعروف بظهوراته عبر التاريخ، مثل السامري والجساسة، اختار الكاتب أن يشير إلى الحلاج وابن الصياد، لم يضيف الكاتب شيئا إلى هذا الربط التاريخي، عدا إعجابه الواضح بثاني علامة مخيفة على حد قوله.
الفصل الثالث، ارتبطت فيه أكثر بشخصية بسنت، رغم الفوضى التي تدب فيه، إلا أنه لا زال متماسك ومتسق مع القصة الأولى، والثاني وفق تسلسل يظهر غاية سردية.
الفصل الرابع، لم آبه إطلاقا لشخصية ياسر التي كانت شبحية مثل الأشباح التي يصفها (الأشباح لم تعد مخيفة اليوم).
الفصل الخامس، نادت المنادية، الذي يتصادف تشابهه مع عنوان (افتح .. أنا نادية) لتامر عطوة الذي صدر في نفس العام، وبطلة القصة اسمها نادية، قالتها (اسمي نادية) دلالة على نرجسية لم نراها إلا مع عدي. غارت نادية من دلال وقتلتها، واختلفت مع هدى وقتلتها.
تأتي قصة علاء في الفصل السادس كنوع من التكرار الممل لما سبق، سقط معه أي ترقب كان لدي في بداية الرواية.
الفصل السابع، مع دانييل كوفاتش، الذي لن أتذكر اسمه إلا برجوعي إلى الرواية، حسبت الفصل تكرارا للظواهر الخارقة في القصص السابقة، وجدت أنه ختمة جيدة جدا، وتجسيد حي لظلال الحرب في صورة ظلال مخيفة، واقتباس جيد من إحدى قصص حسن الجندي حول (الغرف النحاسية) والعلاقة بين الأحياء والأشياء!. هنا كان الكاتب مقاربا لعوالم لافكرافت في أضعف فصص هذا الأخير، وأضعف قصة لهوراد فيليب لافكرافت، هي مستوى لا يحلم به الكثير من الكتبة الأغرار اليوم. أمسك الكاتب هنا بتيمة (غير البشر) الذي لم يحدد هويتهم على غرار ما يفعل لافكرافت، أو عكس ما فعله في آن، فهم ليسوا جن ولا شياطين ولا مجانين أو مس من الجنون أو المرض، ليست كائنات دقيقة، ولا من ساكني الفضاء، غالبا ليسوا أشباح.
عند هذه القصة، يختم الكاتب روايته، ولا يأتي الفصل الثامن (حكاية الشاب والفتاة)، إلا بمثابة مذيلة لها مثل ذيل القط الأسود، ونظرة سطحية على العوالم الأخرى، المستمدة من لافكرافت، والأقرب إلى أعجوبة مارفل. كانت تصلح كقصة كوميكس هزلية أو سطحية، رغم علمنا أن الكاتب متيم بـ لافكرافت.
8-المكان أو عالم الرواية
نعم .. أقصد به عالم الرواية، أكثر من ارتباطنا بمكان محدد ماديا وشكليا، بل نحتاج إلى العالم، بكل متغيراته، وظروفه الأقرب إلى الشكل الغير متشكل أو السائب (الهيولي). وعالمنا هنا تم تقديمه على صعيدين، الأول وبنفس المنطلق الذي جمع بقاع (زمنية / مكانية) من مختلف العالم والتاريخ في (جانب النجوم) استمر تركي في تقديم شخصيات من أماكن وأزمان مختلفة حيث يعني بعرض المكان العادي أو الأقرب إلى العادية، إلى دنيانا، قبل اجتماعهم، على صعيد آخر، في هذا البرزخ الذي لم يحدد الكاتب فيه أحوال الشخصيات إن كانوا نيام أو أموات أو غير ذلك (في رواية أحمد خالد كانت الشخصيات نائمة، وفقط من يستيقظ سوف ينجو!). وعلى عكس هذا العالم الذي لم يسترسل الكاتب في تفصيله وبيان تفاصيله، في عالمنا كانت بعض التفاصيل، على صغرها، وهامشيتها، ومرورنا سريعا عليها، كانت ممتعة، والأهم، مقنعة، خاصة في قصة عدي حين تحدث الكاتب عن غرفة مخصصة للخطف، فاختار غرفة في مرتفع فوق سطح عمارة مهجورة (لم تُسكن بعد)، وفي منطقة بعيدة.
يفشل الكاتب في إظهار مشهد المسيخ على أنه من دنيانا، أو حتى من أي دنيا أخروية (تشعر أنه مجرد قصة لا يمكنك أن تندمج معها، وقد تكرر الأمر في عدد من المرات)، رغم براعة المشهد، واستحضاره عناصر لم تُستثمر بعد بشكل كافي في الرعب، مثل الأب، الطعام، الوضعيات، الثقوب. نفس الأمر يحدث مع محارب الرب.
9-نصوص
عقد الخلائق في الإله عقائدا
وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه
الحلاج
في الأخير، نص الرواية الأول لكاتب شاب، كان فيه الكثير من الحسنات، أكثر من السيئات وإلا لم يكن ليكون هنا، ولكن كعادة كاتب هذه المراجعة، لا أستطيع إلا الاستمتاع بالمحاسن، والشكوى من العيوب، تجدني أعيب على بضاعة غير معيوبة.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.