* على خطى رواياته الثلاث “يوتوبيا” و”مثل إيكاروس” و”في ممر الفئران”، يطل العرّاب علينا بروايته الأخيرة “شآبيب” والتي تتشابه مع أخواتها الثلاث في عدة عواملَ مشتركةٍ: من حيث الأحداث التي تجري في المستقبل سواءً القريب أو البعيد، ومن حيث النهاية السوداوية المتشائمة، ومن حيث الاكتئاب الذي يصيب القارئ أثناء قراءته ويزداد بعد الانتهاء منها .. وهو بذلك يسير على نفس درب الكاتب الإنجليزي چورچ أورويل في روايتيه الأشهرين: (مزرعة الحيوان) و (١٩٨٤) .. وتسمى هذه المدرسة في علم الأدب بالـ “ديستوبيا”، أو ما يُعرف بأدب المدينة الفاسدة، وهو عكس الـ “يوتوبيا” أدب المدينة الفاضلة.
* وللمرة الثانية على التوالي، يعيد العرّاب تجربة تحويل قصةٍ من أعداد الجيب لسلاسله الشهيرة إلى روايةٍ أدبيةٍ .. فبعد تجربته الأولى “في ممر الفئران” المأخوذة من “أسطورة أرض الظلام” (العدد الثامن والستين من سلسلة ما وراء الطبيعة)، ها هو يعيد الكرّة مع “وعد جوناثان” (العدد الثالث والستين من سلسلة فانتازيا) ليحوّلها إلى “شآبيب” .. ولو كان امتد به العمر، فأعتقد أنه كان سيعيد نفس التجربة.
* فكرة تجميع العرب المضطهدين في بلاد العالم في بلدٍ واحدٍ (بابوا غينيا الجديدة) غير منطقيةٍ ولم تقنعني أسبابها، وهي استنساخ لوعد الإنجليزي بلفور عام ١٩١٧ ليهود العالم بتجميعهم من الشتات في أرض الميعاد في فلسطين، ومزج الفكرة باحتلال الأوروبيين لأرض أمريكا بعد اكتشافها عن طريق كريستوفر كولومبوس عام ١٤٩٢ واتباعهم لسياسة الاستيطان وإبادة الهنود الحمر (السكان الأصليين لأمريكا)، وهو نفس النهج الذي يتبعه الصهاينة مع الفلسطينيين بخطىً ثابتةٍ منذ ١٩٤٨ وحتى اليوم.
* أعجبني تناول العرّاب لفكرة تزييف التاريخ .. فكما قام اليهود بقيادة (بن جوريون) بتزييف التاريخ وتطويعه من أجل إيجاد مبررٍ شرعيٍّ يحقق مطامعهم ومصالحهم في خلق وطنٍ لهم في فلسطين، فقد قام (مكرم ميخائيل) بالمثل عندما اصطنع تاريخًا مزيفًا في كتابه (تاريخ لا يحكونه في المدارس) وتدليسه عندما دفن بعض قطعٍ مكسورةٍ من أواني خزفيةٍ صينية الصنع من أجل إقناع عرب المهجر وإقناع العالم بأنه كان للعرب تواجدٌ حضارةٌ في أرض بابوا غينيا الجديدة.
* أفرد العرّاب جزءًا كبيرًا من الرواية – يقترب من الثلثين – للتمهيد لفكرته الأساسية (دولة شآبيب)، وهذا في اعتقادي أضعفَ الرواية، فالإسهاب في التمهيد والإيجاز عندما جاء الوقت لإظهار الفكرة والتركيز عليها كان في حاجةٍ إلى إعادة نظرٍ.
* اعتمد العرّاب في تقسيم فصول الرواية على أساس المكان، فنجد أن أحداث كل فصلٍ تدور في مكانٍ واحدٍ (أوسلو – الولايات المتحدة – مونروڤيا – مصر – سيدني – شآبيب)، كما اعتمد في الاستهلال لبعض الفصول الرئيسية والفرعية بمقولةٍ أو حكمةٍ لكاتبٍ حقيقيٍّ أو لكاتبٍ افتراضيٍّ من شخصيات الرواية، بحيث تخدم هذه المقولة الاستهلالية أحداث الفصل.
* تعجبت من إقحام العرّاب لطريقة السرد المسرحي في الفصل المسمى (الروّاد – مسرحية من فصل واحد) الذي تدور أحداثه على ظهر أول سفينة تحمل طليعة العرب المهاجرين إلى شآبيب.. وأرى أن السرد المسرحي المفاجئ وسط الرواية لا مبرر له.
* يعرف كل محبي العرّاب مدى اهتمامه وعشقه للسينما، وهو ما ظهر بوضوح في استخدامه لبعض الأساليب السينمائية مثل “الفلاش باك” و”الفلاش فورورد”، فقد ابتدأ روايته مستخدمًا أسلوب “الفلاش فورورد” في مشهدٍ تدور أحداثه في نهاية الرواية (مشهد سليم وهو جالسٌ على ساحل شآبيب)، وهو ما تسبب في بعض الارتباك أثناء البدء في قراءة الرواية .. كما استخدم أسلوب “الفلاش باك” في الفصل الخاص بالمصري المسجون (محمد عدنان).
* أعجبني تدرج مراحل سجن الإنسان في الفصل المسمى (مصر)، فقد بدأ العرّاب الفصل بالمستوى الأعلى (في سجن الكون) ثم (في سجن الوطن) ثم (في سجن المنصورة) إلى أن انتصف الفصل بالمستوى الأدنى (في سجن الذات)، وبعدها بدأ انعكاس المراحل من (في سجن المنصورة) ثم (في سجن الوطن) ثم مختتمًا بنفس المستوى الذي بدأ به الفصل (في سجن الكون) .. تمامًا كالمراحل والأطوار الشهرية للقمر (محاق – هلال – بدر – هلال – محاق).
وأرى أن هذا الفصل من الفصول المتميزة في هذه الرواية، وأبدع فيه العرّاب في وصف حالة المسجون السياسي ومشاعره داخل السجن وبعد خروجه منه، كما أبدع في وصف الحالة السياسية في مصر.
وبعد الانتهاء من قراءة هذا الفصل تردد في ذهني سؤالٌ: هل هناك مقصدٌ ما من ربط العرّاب بين اسم الفصل (مصر) وبين مراحل (السجن) التي مرت ببطل الفصل (محمد عدنان)؟! .. لا أستطيع أن أجزم بالإجابة.
* يمتاز العرّاب في كل كتاباته بأسلوبه السهل السلس المباشر، كما يمتاز بإلقائه الضوء على أمورٍ ومواقفَ حياتيةٍ وسط السطور، كأنها ومضاتٌ برقٍ خاطفةٌ تظهر في لوحة السماء .. وهو ما نجده هنا أيضًا في (شآبيب) .. فقد تطرّق العرّاب إلى مواقفَ حياتيةٍ عديدةٍ وأبدع في وصفها، مثل: ألم الذكريات (ص ١٢ و ١٣ و ١٨٤ و ٢٥٧) – متلازمة التلميذ المراهق الذي يهيم حبًّا بمعلمته (ص ٢٠) – وصف مسكن العربي في بلدٍ أجنبيٍّ (ص ٣٢) – فلسفة تميز الأقليات (ص ٣٦) – فلسفة الشر الكامن في الإنسان (ص ٣٨ و ٥٤ و ٥٧ و ٦٣ و ٢٤٧ و ٢٨٩) – مشاعر المهاجر (ص ٦٦ و ١١١ و ١١٢ و ١٨٦ و ١٨٧) – لحظة موت الأب (ص ٧٠ و ٧١) – العلاقة بين الجبن والخوف وبين الشجاعة والبطولة (ص ٨٨) – مشاعر الزوج الذي لا يحب زوجته ولا يشتهيها (ص ٩٩ و ١٠٠) – مشاعر الزوجة التي تعلم أن زوجها لا يشتهيها (ص ١٠١) – مشاعر الإحباط التي أصابت المصريين بعد ضياع الثورة (ص ١٠١) – مشاعر السجين داخل السجن (ص ١٠٧) – مشاعر السجين بعد خروجه من السجن (ص ١١٤) – تربية المهاجر لأبنائه في بلدٍ أجنبيٍّ (ص ١٢٥ و ١٢٦) – فلسفة الحرب (ص ١٢٨) – الطلاق (١٧٨).
* تناول العرّاب في الفصل الأخير (في شآبيب) – بإيجازٍ بين السطور – بعض مشكلات العرب الأزلية، مثل: عدم اعتمادهم دائمًا على مبدأ شراء التكنولوچيا بمالهم بدلاً من صنعها – التأثير العاطفي للأغنية الوطنية وخلقها لجوٍ وطنيٍّ صناعيٍّ في نفوس العرب ودفعهم إلى التضحية – وجود جينات كامنة لدى العرب لمبايعة القائد والزعيم وتهليلهم له – إصرار العرب بعد كل ثورةٍ على العودة إلى عقيدة الأب الإله الذي يعرف كل شيءٍ ويسهر من أجل الجميع ويرى الغد كما لا يراه أحدٌ – الخلافات العِرقية وداء الاقتتال العربي/العربي، فما أن يثبت العرب أقدامهم على أرضٍ إلا ويبدأون الخلاف فيما بينهم، ومن ثغرات الخلاف يتسرب خصومهم ليقهروهم.
* تقييمي للرواية بالدرجات: ٧ من ١٠.
بقلم: إسلام البكري.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.