ولد جوزيف كونراد عام 1857 فيما يعرف بـ أوكرانيا البولندية,وهي -كما يدل الإسم- منطقة تقع بين روسيا وبولندا. وكانت أسرته تنتمي لطبقة تدعى زلاختا من متكلمي البولندية,وهي طبقة نبيلة لكنها لم تعرف بالثراء. كان أبوه سياسيا متوسط القيمة وأديبا مغمورا لم تترك كلماته أي أثر لدى القراء,لكنها تركت أعظم الأثر على ابنه جوزيف,الذي قدر له أن يكون أديبا عظيم الشأن.
كانت علاقة الصبي بالمجتمع البولندي سطحية وإن هوى الموسيقا بشكل خاص,وارتبطت في ذهنه بصورة أمه الجالسة إلى البيانو,والتي كتب عليه أن يفقدها بعد أعوام. فبسبب السياسة تم نفي الأسرة من بولندا,وتوفيت الأم بالدرن بينما جوزيف في سن السابعة,وتبعها أبوه فصار جوزيف الصغير يتيما في الحادية عشرة من عمره. وكان على عمه المحب أن يعني به.
عام 1874 يتجه الصبي إلى فرنسا حيث يتعلم هناك الفرنسية وأصول الملاحة في البحر, ويتعرف على مجموعة من الأدباء البوهيميين اللذين صاروا أصدقاءه,وجعلوه يعرف معنى فن الدراما. وسرعان ما صار خليطا / مزيجا فريدا من بحار وفنان,ولسوف يبقى هكذا طيلة حياته.
عام 1878 يرتحل الفتى إلى إنجلترا راغبا في أن يعمل ضابطا على السفن البريطانية,وقد تحققت رغبته فصارت حياته لمدة عشرين عاما دورة من الملاحة البحرية ثم الراحة على اليابسة. وكان موسوسا بالحاجة إلى المال على نقيض أبيه الذي كان يمقت المال بشدة.
ومن الغريب أنه قرر أن يكتب -أول ما كتب- بالإنجليزية لغته الثالثة بعد البولندية والفرنسية,وبرغم أنه بولندي الأصل,وبرغم أنه كان يتكلم الإنجليزية بصعوبة بالغة,مما كان يرهقه بشدة في الكتابة.
وهو ما يدل على أنه اختار بريطانيا لتكون وطنه الثاني والأخير. وبعد رحلة إلى الكونغو عام 1890 ولما رأى كيف يعامل البلجيكيون العنصريون القساة سكان البلاد,عاد ليكتب قلب الظلام. وكان يدين الاستعمار بعنف في كل كتاباته في تلك الفترة,وهو ما يفترض أن يراه القارئ بوضوح في هذه الرواية. ولكن إسلوب الرجل معقد وغامض لدرجة أن هناك نقادا غربيين اعتبروا القصة تمجيدا للاستعمار الغربي لا هجوما عليه!.
بعد وفاة عمه الثري نال إرثا كبيرا مكنه من أن يتفرغ للكتابة تماما طيلة حياته. وكانت الكتابة معاناة وصراع خاص بالنسبة له بسبب عدم تمكنه المطلق من أسرار اللغة الإنجليزية,وقد جعله هذا أكثر انهماكا من أن يعني بحياته الأسرية والإجتماعية. ويصف الانتهاء من روايته نوسترومو بأن (الأصدقاء هنئوني كأنما شفيت من مرض خبيث).
كوّن صداقات مع كتاب مهمين مثل ستيفن كريج وهنري جيمس. ثم حملته الأعوام إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث مات عام 1924 بنوبة قلبية.
كتب كونراد 13 رواية و28 قصة قصيرة. وغالبا ما يكون الراوي في قصصه بحارا متقاعدا إسمه مارلو.
في قصته لورد جيم 1900 يصف لنا معاناة بحار يحاول جاهدا تصحيح خطأ ينم عن الجبن ارتكبه في شبابه أثناء غرق مركب تقل بعض الحجاج المسلمين في البحار الشرقية. والقصة مأخوذة عن حادثة حقيقية للسفينة جدة التي أحدثت صخبا في ذلك العصر ,وقد قدمتها السينما العالمية عام 1965 في فيلم جميل بالإسم نفسه وقام ببطولته بيتر أوتول وأخرجه ريتشارد بروكس. القصة برغم قوتها لا تخلو من ذات التعالي العنصري الذي كان رمز المرحلة؛ الرجل الأبيض الذي جاء ليهدي الحكمة والنبل للوطنيين الطيبين العاجزين عن حماية أنفسهم. إن لورد جيم طرزان آخر لكنه يقدم بشكل ثقافي عالي المحتوى الأدبي.
في قصته العميل السري 1907 يحكي عن فوضوي يعيش في لندن.
وقصته النصر 1915 تدور في البحار الجنوبية.
في قصته تحت عين غربية 1915 يحكي عن تسلط روسيا في القرن التاسع عشر.
أما أفضل قصصه تقريبا فهي قلب الظلام 1902,أعظم وأشهر وأصعب قصصه,والتي لا تخلو من بعض الملل أيضا,هي عمل بالغ الأهمية وتمثل جزءا حميما من ثقافة قارئ الإنجليزية.
وتظهر رحلة مخيفة عبر نهر إفريقي لمقابلة رجل غربي رهيب يعيش في الأحراش ويدعى كورتز,وهذا الرجل أحاط نفسه بالغموض لدرجة أن بعض مواطنيه أوشكوا على تأليهه.
الرحلة النهرية هي في الآن ذاته رحلة لمعرفة مدى فساد الإنسان وقسوته. إن قلب الظلام هو في الحقيقة نفوسنا.
هناك معالجة ناجحة قدمها نيكولاس روج للتلفزيون عام 1994,كما أن رائعة فرانسيس فورد كوبولا سفر الرؤية الآن Apocalypse Now تعتمد على فكرة الرواية بشكل كبير, حتى إن النقاد يقولون إنك لا تستطيع فهم الفيلم حق الفهم ما لم تقرأ هذه الرواية أولا,وإن كان الفيلم قد تحرر بلا حدود من النص الأصلي,وجعل الأحداث تدور في فيتنام بدلا من الكونغو,والقوات الأمريكية تلعب دور شركة العاج,وقد قام مارلون براندو بدور كورتز.
جوزيف كونراد أديب مهم لابد أن يُقرأ,وإن كان مرهقا إلى حد ما.
أشهر أعماله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-المنبوذ 1896
-عبد النار سبسوس 1898
-لورد جيم 1900
-قلب الظلام 1902
-العميل السري 1907
-بعض الذكريات (سيرة ذاتية) 1912
-الشباب 1915
-النصر 1915
-الأسهم الذهبية 1919
-الروفر 1923
بقلم: أحمد خالد توفيق
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.