في زمن الهواتف والبريد الإلكتروني وحتى البريد؛ تبدو رؤية مراسلات مكتوبة ممارسة غير شائعة في عالم اليوم، وتكتسب هذه المراسلات المكتوبة أهمية مضاعفة حينما تكون بين طبيب الأعصاب النمساوي الشهير سيغموند فرويد (1856-1939) وعالم النفس السويسري ومؤسس علم النفس التحليلي كارل يونغ (1875-1961).
وصدر عن منشورات “تكوين” حديثا كتاب “رسائل يونغ وفرويد” من ترجمة زهرة حسن، وكانت المراسلات بين فرويد ويونغ جُمعت في كتاب نشرته لأول مرة مطبعة جامعة برينستون عام 1974. وهو يجمع 360 رسالة كتبها الرجلان لبعضهما من 1906 حتى افتراقهما بحلول عام 1914 إلى غير رجعة.
وإلى جانب توفير ثروة من المواد حول كل من التطورات النظرية والمؤسسية للتحليل النفسي في وقت مبكر؛ ترسم المراسلات العلاقة الشخصية “الكثيفة” بين فرويد ويونغ خلال الفترة المعنية؛ حيث عبر يونغ عن “احترامه غير المشروط” لفرويد، في حين أبدى الأخير استبشاره الكبير بمسقبل يونغ.
ورغم ما تم اعتباره مزيجًا من النرجسية والشعور بالعظمة من جانب الرجلين، وبالإضافة إلى الاختلافات النظرية المستمرة بينهما حول نظرية الغريزة الجنسية على وجه الخصوص؛ أدت وجهات النظر المتباينة في النهاية إلى تفكك العلاقة، وتحولت المراسلات لما تشبه المأساة.

صداقة وعداوة
بدأت الصداقة بين فرويد ويونغ بداية متوهجة عام 1906، وخلال ثماني سنوات كتب فرويد 164 رسالة، في حين أرسل يونغ 196، واتخذت عائلتا فرويد ويونغ قرارا يقضي بتحرير هذه المراسلات، ونشرها معا في سبعينيات القرن الماضي.
كان فرويد مشهورا في مجال الطب النفسي في بداية علاقتهما، وبلغ خمسين عاما تقريبا، وكان يونغ في 31 من عمره، ومع ذلك أهّلته خبرته في مستشفى الطب النفسي في زيوريخ لصداقة فرويد.
وعرف فرويد بحساسيته البالغة تجاه التقدم في العمر، وربما لهذا أبدى سعادته وترحيبه بهذا المساعد الشاب المميز، الذي رأى أنه سيكون وريثه، وكان أول تلميذ غير يهودي له باستثناء إيرنست جونز، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز نشر عام 1974.
ومن خلال الجزء الأكبر من المراسلات، يظهر أن يونغ لم يكن مرتاحا تماما لهذه الصداقة غير المتكافئة في العمر، وفي إحدى الرسائل يعبر عن ذلك قائلا إنه يعيش “من الفتات الذي يسقط من مائدة الرجل الغني”. وفي النهاية يتحول الاحترام والتبجيل إلى ازدراء متبادل بين الرجلين.
اختلافات علمية
وفي خطاب يونغ الأول، ظهر اختلاف يونغ مع فرويد حول موقع الجنس في الفكر التحليلي النفسي، وانتقد أفكار فرويد حول النشاط الجنسي الطفولي المبكر، وظهرت الاختلافات الفكرية والمهنية عميقة بين الرجلين، وعززها النزاع الشخصي الذي اشتمل على الإهانات المتبادلة والاتهام بالتعالي والتكبر.
واختلف يونغ وفرويد كذلك حول “اللاوعي”؛ إذ نظّر يونغ للاوعي الجمعي الذي يشمل التجارب المنسية والأفكار المقموعة والتجارب الجمعية المشتركة مع البشر ككل، التي يعيها الفرد كنتيجة للتطور، حسب يونغ.
وفي المقابل، أصر فرويد على أن الرغبات الجنسية الخفية هي محرك اللاوعي الأساسي والطاقة التحفيزية الأولية للإنسان مهما حاول إخفاءها وتجاهلها.
وفي العصر الحديث، تبدو عيوب منهج فرويد أكثر وضوحا؛ فرغم إسهامه المهم في إدماج الممارسة السريرية في التحليل النفسي لعلاج الأمراض النفسية عن طريق الحوار مع المريض؛ إذ جرى تعديلها وتطويرها ونقدها بشكل مستمر منذ انتشارها وحتى الآن.
ورغم اعتراف يونغ بدور فرويد وتقديره لما قدمه، واتفاقه معه بخصوص الهيستريا والوسواس، فإنه رفض طريقته في العلاج النفسي، وتحدى مبادئه، معتبرا أن حالات ذهنية -مثل الفصام في الشخصية والعته- لا يمكن تفسيرها عبر المنهج الفرويدي الذي يركز على الطبيعة الجنسية.
وهكذا قضت الخلافات المهنية والعلمية على الصداقة الشخصية التي نشأت بين رجلين كان فارق العمر بينهما عشرين عاما، وأصبحت الرسائل التي تنشر الآن بالعربية بعد أكثر من قرن على كتابتها أرشيفا علميا رغم الجوانب الشخصية الكثيفة فيه.
الجزيرة / بقلم: عمران عبد الله.
Raven Fergany –
كنز حقيقي. أكثر من ٥٠٠ صفحة من رسائل تعكس علاقة غنية جدا في المسار العلمي للتحليل النفسي بين فرويد ويونج بما يتضمنه ذلك من فهم لمسار حركة التحليل النفسي وطبيعة شخصية فرويد ويونج.
أثارت هذه الرسائل ضجة كبيرة، سواءً كان ذلك مرتبطاً بالحياة الشخصية للرجلين أو بالتاريخ الفكري لعصرنا الذي تكشفه لنا هذه المراسلات، التي يعتبرها الكثير وثيقة مهمة لا تقدر بثمن.
بدأت العلاقة بين سيغموند فرويد وكارل يونغ متوهجة في عام 1906، ووصلت الى نهايتها المروعة في عام 1913. المسار الكارثي للعلاقة وُصف في الرسائل المتبادلة بين الرجلين.
في عام 1970، اتخذت عائلتا فرويد ويونغ قراراً مستنيراً يقضي بتحرير هذه المراسلات كوحدة واحدة. ويتم نشرها الاَن في وقت واحد باللغتين الألمانية والإنجليزية. وكما هو متوقع أثارت هذه الرسائل ضجة كبيرة، سواءً كان ذلك مرتبطاً بالحياة الشخصية للرجلين أو بالتاريخ الفكري لعصرنا الذي تكشفه لنا هذه المراسلات، التي يعتبرها الكثير وثيقة مهمة لا تقدر بثمن.
بدأت العلاقة بين سيغموند فرويد و وكارل يونغ متوهجة في 1906 ووصلت الى نهايتها المروعة في 1913. المسار الكارثي للعلاقة وُصِف في الرسائل المتبادلة بين الرجلين.
من بين هذه الرسائل فُقِد عدد قليل، لكن هناك 360 رسالة موجودة، منها 164 رسالة من فرويد، و 196 رسالة من يونغ.
يمكن لأي قارئ أن يخمن مبكراً أن هذين الشخصيتين العظيمتين في طريقهما إلى التصادم من البداية، وهذا ما يعطي الكتاب سحره المرعب.
مجلة نيويوركر الأمريكية . .
إن رسائل فرويد ويونغ غامرة، منطقية، ومهووسة بالتفاصيل، هي سجل لصداقة ولعلاقة أب بابنه الروحي، علاقة بين اثنين من المواهب الفريدة التي لم يكن من الممكن التوفيق بينها في نهاية المطاف. يبدو الأمر كما لو أن فولتير وروسو، أو لينين وتروتسكي قد كتبا لبعضهما البعض كل يوم.” صحيفة صنداي تايمز البريطانية.
Raven Fergany –
..