خاطفو الأجساد هي رواية مبتكرة عن رعب لمس الجسد,أو (خطف الجسد).
[1] الحبكة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأدهى أنهم لم يكونوا بشرا ولا حتى حيوانات.
هي أشياء تفتفرس كل من يدنو من الغابة أو يتوغل فيها مبعثرة أطرافه هنا وهناك,أشياء لا تنتمي إلى نوع الوحوش التقليدية مثل الأسود أو التماسيح أو الدببة. ربما هي أرواح الغابة كما يقولون!.
حبكة محكمة وفصول الرواية مثل أي قصة رعب من النوعية التي تقدم خطرا يؤثر على المجتمع وليس مقتصرا على الفرد (وليس حتى مجموعة صغيرة)؛ثلاثة فصول أساسية مثل سابقتها (الوباء).
1-ظهور الحالات
2-إدراك الخطر
3-المواجهة
يتضح في النهاية أن تلك الأرواح هي في الحقيقة نوع جديد من الوحوش تحور جينيا من التماسيح جراء مخلفات مصنع كيميائي لتصير لديها القدرة على الوقوف على قدميها مثل ضواري البرّ في جمع بين الدببة والذئاب. وها هنا يستفيد أحمد خالد من تيمة التحور الجيني بعد تطبيقها على الفيروسات في العدد الأول,ولكن مع مملكة الحيوانات هذه المرة. كما أنه يعيد تقديم نفس حبكة الكتاب الأول -دون أي تغيير- مما جعل الأحداث نوعا ما متوقعة.
كُل مره تنتهى الحبكة عند وجود خطر كيميائي,ثم نتتبع السبب إلى اكتشاف مبنى ألماني يرجع لأيام الاستعمار يضخ سموم غازية في النهر مما ادى الى تطور جيني لذا التماسيح وقدرتها على المشي على قدمين فقط. لهذا جاءت نهاية الرواية ضعيفة إلى حد ما,ولامنطقية ومنسوخة عن نمطيات السينما الأمريكية. وهي مشكلة أحمد خالد المعتادة في النهايات.
[2] الإيقاع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواية حصّلت الكثير من المتعة على أصعدة مختلفة؛الرعب,الغموض,التشويق.
والرعب ناتج عن الظروف التي تجمع بين عدد من الضحايا ما بين موتى أو مصابين يلحقون بالموتى,وجميعهم يفقدون أعضائهم وأطرافهم في بيانات طبية وتشريحية تؤكد على أنها تمزيقات لم تفعلها أي من ضواري الغابة. فالآثار على الأجساد البشرية تجمع بين افتراس لحيوان ذو أنياب ومخالب,وسمية خطيرة تنسب إلى أكثر الثعابين فتكا مثل الكوبرا والأصلة.
إنها تماسيح تحولت بفعل الطفرات البيولوجية المتتالية إلى نوع من الزواحف يمشي على قدميه الخلفيتين مثل الضواري. هذه فكرة مخيفة حقا,حتى لو شاهدها أحدهم في صورة فيلم سينمائي,فإن إعادة صياغتها بأسلوب العرّاب تجربة لا تعوض.
يقول أحد القراء على جود ريدز
-استمتعت بالغموض وظللت أخمن أي الحيوانات تنطبق عليها تلك الأوصاف. لكنني تفاجأت بالنهاية،وتمنيت لو أنه اختار حيواناً حقيقي. وهو ما يشير إلى عمليات التلقي المتعددة.
فالرعب كان مغلف بالغموض؛خطر غير معروف في أدغال إفريقيا هي أسوأ كابوس يمكن سرده،ربما لهذا اختار أحمد خالد دولة الكاميرون لأنها واقعة في وسط أفريقيا. مما يدفع عن حدث غريب أو غامض أو مخيف بالقارئ إلى قمة الإثارة. يبدأ الغموض أولا مع العنوان وظهور الحالات,ويتزايد في الفصل الثاني ومع إدراك الخطر دون معرفة هوية مسببه, ويستمر معهم حتى دخول الغابة.
كل هذا مع دفقات من التشويق تمزج بين
-التشويق الناتج عن أدب الرعب والغموض والمكون بشكل تقليدي -ولكن كان جيدا- من الترقب والمفاجأة.
-التشويق المبني على قصص الإثارة الطبية المدعومة بمعلومات دقيقة وموظفة جيدا.
-الخيال الواسع,والحقيقة أن سلسلة سافاري تليها فانتازيا هي أكثر أعمال توفيق في سعة الخيال.
ولا يمكن إنكار أن العنوان حظى بجاذبية خاصة في تكوينه,دل لدى البعض على شيء أكبر من مجرد تماسيح متحولة. وكان هناك بعض الحركة والقتال.
[3] الخطاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كعادة أحمد خالد توفيق تعد رواياته وجبة دسمة للقراء من ناحية تثقيفية فنجد تشكيلة (طبية وإنثروبولوجية وبيولوجية وسياسية وجغرافية) من المعلومات المنتقاة بعناية في ظل صعود الإنترنت. معلومات ثرية حول القارة السوداء,وهي ليست سوداء فقط بسبب لون سكانها,بل لسواد مصائبها التي تأخذ الأمراض القدر الأكبر منها.
“اكتشاف الكاميرون يعود إلى عصر الكشوف الكبرى،وقد اكتشفها البرتغالي فرناندو بو. وهو من سمى خلجانها ريو دوس كاميروس،أي نهر البراغيث،وهو اسم يدلنا على ما عاناه بسبب البراغيث في حملته! ومن لفظة براغيث البرتغالية نشأ اسم كاميرون.”
مع أن أفريقيا كانت معروفة للعرب قبل ذلك,ولكن التسمية طريفة وغريبة فعلا,وعنصرية جدا.
“إن إنتاج هذه الغازات محرم دوليًا.. لكنه كأي شيء محرم يُمارس في كل مكان.. وعلى أوسع نطاق.”
“وعمى الأنهار هو لعنة وسط وغرب إفريقيا،حيث تلدغك ذبابة صغيرة،فتصيبك بعدوى دودة صغيرة بدورها،اسمها أونكوسيركا .. وسرعان ما يلتهب جلدك وتبدأ في الحكاك ثم يصير مبرقشًا كجلد الفهد مليئًا بالعقد والانتفاخات. الجميل في الموضوع هو أن الدودة لا تترك عينيك وشأنهما إذ سرعان ما تجد طريقها إلى هناك،وتبدأ عملية تخريب نشطة للشبكية والقرنية.. ويكون العمى هو نهاية المطاف. وهناك قبائل بكاملها قد كف بصرها لمجرد قربها من الأنهار التي تترعرع فيها تلكم الذبابة الشريرة. ويوجد هذا الداء بصورة مخففة في اليمن ويحمل اسم السَّودة،كما أنه موجود في أمريكا الجنوبية ويسمونه إريثيما دي لاكوستا. كل هذا في الكتب.. لكنك صدقني لن تعرف أول حالة من عمى الأنهار حين تراها”
“حتى هومير يحني رأسه”
” يغيظنى هؤلاء الاشخاص الذين يمثلون فى كل لحظة من يومهم .. إنه لايهتم لكن (يمثل) الأهتمام .. لا يغضب لكن (يمثل) الغضب وحياته كلها مسرح مستمر يستحيل أن تعرف معه من هو”
إن إعادة إحياء أسطورة -أو تابو بمعنى أصح- البانتو القديمة “روح الغابة” في سبيل التعتيم على الجرائم التي تتم في الخفاء. لهو فعل شيطاني بحق!
هي معلومات قيمة مصاغة في صورة قصة قصيرة مسلية ممزوجة بالطب.
كما أنه يطرح وجهة نظر حول خطر الأسلحة الكيميائية والطفرات الجينية والغازات السامة وأضرار مخلفات المصانع والتلوث البيئي.
وكالعادة يطعم أي عمل روائية له بنكهة مبهجة من الإسلوب الساخر المعتاد لأحمد خالد توفيق,متبعا هنا مبدأ (شرّ البلية ما يضحك),مع إستخدام لغة جيدة روائيا,من خلال إسلوبه السلس والساخر يقدم في روايته وجبة ممتعة خفيفة ومفيدة,وخفة ظل إسماعيليلة / توفيقية.
إضافة إلى القصص المدخلة مثل
لفوا فراش المريض سريعاً…لفوا
إن الموت يحاول الوقوف عند رأس المريض
ولكن لم ينجح الكاتب كفاية في تصوير أجواء الغابات والمعامل,على الأقل في هذا العمل. مع ذلك تبقى هذه الرواية جزء من المعمل الكبير.
روح الغابات
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.