المأثور عن الرسول قوله: اطلبوا العلم ولو في الصين، وهو حديث ضعيف، ولكن لسنا معنيين بصحة الحديث من عدمه، وإن كان التقدير البلاغي يميل لصحة نسبة الحديث إليه، لما فيه من خصوصية تعبيرية حيث نجح الرسول الكريم، في إعلاء مكانة العلم، من خلال إسقاط المجاز على دولة الصين. أولا للإشارة إلى ضرورة طلب العلم مهما كان المراد بعيدا عن طالبه، لأن الصين واقعة حرفيا في طرف العالم، وحتى جزر اليابان، الأبعد منها، لا تزيد عن كونها امتداد للصين، كما هو ملاحظ من تشابه اللغة والعرقية والثقافة بين الدولتين، مثلها مثل كوريا شمالها وجنوبها. وثانيا للإشارة إلى ضرورة طلب العلم مهما استغلق الطلب على طالبه، والمعروف أن دولة الصين، كانت ولا زالت حضارة منغلقة على ذاتها، محافظة على نفس الخصوصية اللغوية والعرقية والثقافية، دون اختلاط كبير بأي حضارات خارجية.
لذا فالعلاقة بين الشرق أدناه وأقصاه، إلى حد ما، لا زالت علاقة غرابة، لم تتشبع بعد بأي نوع من التعايش، أو التحارب، ولا التلاقي الثقافي أو التصادم، إلا فيما قل ذلك مع دولة الصين البعيدة تحديدا (واليابان وكوريا).
على عكس العلاقة بين الغرب والشرق الأوسط، تحسب أنها علاقة تناحر منذ الأزل، والأول يسعى دائما أن يتخذ من الأخير مطية لتحقيق أغراضه الاستعمارية، التي فشلت تماما في شرق العالم أمام روسيا والصين، بينما نجحت بداية في دحر الجهود الاستعمارية / الجهادية من المسلمين لفتح الغرب وتأسيس دولة الأندلس في إسبانيا، وصول إلى راهنية هذه اللحظة، وما نشهده من توسع غير مسبوق للغرب تحت لواء الإمبراطورية الأمريكية.
هذه الرواية، هي وثيقة أدبية توثق سقوط دولة الأندلس، عبر رؤية أدبية تاريخية عربية للروائية المصرية الكبيرة رضوى عاشور، يقابلها رؤية غربية نعقد المقارنة معها، بقلم الروائي الأمريكي الكبير واشنطن إيرفينغ تحت عنوان (أخبار سقوط غرناطة). ومن قرأ رضوى عاشور سوف يقدر هذا الكتاب حق قدره، بقلم واحد من أبرز أعلام أمريكا وأحد مؤسسي حداثتها؛ واشنطن إيرفنغ الذي يبدوا أن لديه نصيب كبيرا من اسمه، وقد أسبغت عليه أمريكا منصبا كبيرا في سفارة / قنصلة إسبانيا، ومن هناك وعلى مقربة من مسرح الأحداث عاين بنفسه وتحرى عن تاريخ غرناطة وأخبار سقوطها.
وإنها لفرصة حقيقية للقارئ العربي، أن يطلع على أحداث سقوط غرناطة، من وجهة النظر العربية / الإسلامية، ثم من وجهة نظر الطرف الآخر من وقع منه الاعتداء (والكتابان متوفران حاليا في مكتبة القاهرة).
جدير بالذكر، أن هناك كاتب مغمور أو مغرور، قرر أن يحشر نفسه بين كاتبين جبارين في تناول نفس الموضوع التاريخي الذي يشق عليّ تصور أنه قادر أن يضيف شيئا فاتهم، أو يستحسن أسلوبه بما يباريه بهم أو يتفوق عليهم فيه. مع ذلك، الحكم يظل مؤجل إلى حين، وهو حكم لن يخرج عن قيد النظر إليه بأنه رأي شخصي، يعني ليس ما أقول وحيا ولا تسلطا.
فكري فيصل، و .. قصة غرناطة.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.