القصة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الحبكة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيرة ذاتية عن كاتب خيال علمي في إطار من الخيال العلمي.
وتنقل بين الماضي والمستقبل يعرض فيه الراوي مشكلات الكتابة في الماضي وتطوراتها في المستقبل. هذا العرض (قضايا الكتابة) هو الذي ركز عليه الكاتب حتى أغفل الحبكة التي خرجت غير محكمة ولا واضحة المعالم,والتي تنتهي حيث لا يجب أن تنتهي,وحيث لا يدرك القارئ أنها انتهت.
[2] الإيقاع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الخلخلة في الحبكة أثرت سلبا على الإيقاع,مما كان يستوجب تغيير جذري في بناء العمل ككل لملائمته وتحويله إلى قصة قصيرة تتجاور مع أهم قصص الخيال العلمي في تاريخ الأدب. حبكة ضعيفة ونهاية مبتورة وأحداث بلا ذروة,ولكن هذا لم يفسد المتعة بالنسبة إلى عشاق الخيال العلمي,وهي متعة تستمد وقودها من الغرابة وليس الإثارة. وقد نجح فيصل الأحمر في تقديم غرابة المجتمع المستقبلي بألمعية وأسبقية يحسد عليها,خاصة وأنها الرواية الأولى من نوعها في العالم العربي فهي رواية سايبرانية تستجلب هذا التصنيف المتفرع عن الخيال العلمي إلى الأدب العربي. وقد زادة على متعة القراءة أن المستقبل الذي يصوره العمل من النوع القريب لم يخرج عن القرن الحادي والعشرين الذي يعيشه قارئ اليوم.
هذا غير شعور الغرابة المحدث بسبب غرابة النص ذاته,وتفرد تكوينه.
مع ذلك,وبسبب اختفاء الحبكة,ونزوع الرواية إلى كونها مقالة,عانى العمل من بعض التطويل والتعثر والتشتت في فصوله,والتي لم تطفئ رغبة القارئ -وبخاصة قارئ الخيال العلمي- في متابعة النص للوصول إلى نهايته. فعلى الرغم من طريقة العرض أن احتوت على عدة مشاكل,إلا أنها حافظت على سمة الخطاف كي يظل القارئ (غصبا عنه) متابعا للنص عاجز عن تركه,حتى يسلب النص من بين يديه كأن الرواية بترت بترا,وهذه سلبية غير صغيرة بالإضافة إلى ضعف الحبكة,إلا أن طبيعة العمل ربما تستلزم ذلك ويكون ملائما لها أو مقبولا على الأقل.
[3] الخطاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا أهم محور في رواية أمين العلواني,وربما لا يهم إن كانت رواية بقلم أمين العلواني أم مقالة بقلم فيصل الأحمر المعروف عنه إنشغاله بالخيال العلمي تأليفا وتنظيرا وترجمة.
الرؤية المستقبلية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من خلال روايته يلقي الأحمر نظرة على المجتمع في المستقبل عبر تسليط الضوء على العملية الإبداعية (خاصة الأدبية) بعيون الشخصية الرئيسية أمين العلواني بصفته أديبا كبيرا,ويتناول الإبداع من طرفيه؛المبدع متمثلا في الكاتب الواقع بين مشاكل الكتابة في الماضي وتطورات الكتابة في المستقبل,والمتلقي متمثلا في الناشر الواقع بين مشاكل النشر في الماضي وتطورات النشر في المستقبل. مع نظرة على القراء وإستقبالهم للعمل بالطبع.
التغيير الرئيسي الذي يصنع ذلك الفارق الهائل بين الماضي والمستقبل هو القفزة التقدمية / التطورية في الشبكة / الإنترنت,لدرجة أن ذلك المجتمع المستقبلي يبدوا هامشيا على أطراف الشبكة التي استحوذت عليه.
وسط كل هذا,يقص الكاتب حكاية كاتب خيال علمي هو الكاتب نفسه؛فيصل الأحمر من خلال كاتب آخر هو أمين العلواني الذي يقص حكايته كاتب ثالث يمارس دور النص هو مالك الأديب. سيرة ذاتية عن كاتب مهمش -فيصل الأحمر- لم ينل التقدير الذي يستحقه, تعرض حياته الأدبية منذ ظهوره الخافت على الساحة,حتى موته,وإكتشاف أعماله بعد موته والإستقبال النقدي لها إعترافا بها أو ردا عليها وبخاصة تحفته أمين العلواني التي تتنبأ بدقة بالكثير من مجريات المستقبل والتغييرات التي طرأت على المجتمع الجديد. كأن الأحمر يعزي نفسه بالقول أنه أديب سابق لزمانه,وأن هذا الزمن لا يستحقه,وأن إسمه سيعترف به بين الخالدين حتى ولو بعد موته.
ولكن ربما لا داع لإنتظار موته,حتى نشهد له,فالعديد من تنبؤاته -وهذا ليس إلا ملمح واحد من ملامح عبقريته- تحققت بالفعل,وهي كلها محورها الشبكة / الإنترنت -التي استخدمها إطارا يحتوي مشاكل الكتابة- الذي ارتفع بمستواه التقني وإنعكاس ذلك على المجتمع لدرجة الإستحواذ على الواقع من خلال خلق واقع جديد متمثلا في الفضاء السايبراني.
الفضاء السيبراني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثلاثة تعريفات لثلاثة كتاب معاصرين من أدب الخيال العلمي
https://www.noonpost.com/content/11451].
يعرّف فيصل الأحمر الأدب السيبراني بأنه “أدب يهدف إلى تصميم إمكانيات للمستقبل فيها هدم لجل مكونات الواقع بناء على تدخل عناصر تكنولوجية معينة من باب القدرة الكبيرة لبعض المخترعات او الكشوفات الحاضرة على هندسة الحياة بشكل مختلف جذريا أو على تغيير وعينا الموروث بمعطيات الحياة.” [حوار أجريته مع الكاتب.].
ويعرّف أحمد المهدي الأدب السيبراني بأنه “قصة من الخيال العلمي تقع أحداثها غالبا في المستقبل وتركز على تبديل الواقع أو تغييره بواسطة التقنيات الحاسوبية المتقدمة مثل الواقع الإفتراضي والذكاء الاصطناعي”. [حوار أجريته مع الكاتب.].
وتعريفاتهم لا تختلف كثيرا عن تعريف ليزا توتلي في كتابها (فن كتابة أدب الفانتازيا والخيال العلمي) أو عن تعريفي الآتي.
الرواية / القصة السيبرانية CyberPunk هي نوع يندرج تحت أدب الخيال العلمي يعني بتصوير مستقبل قاتم غارق في واقع جديد مخلق بواسطة التقنيات المتطورة.
هذا الواقع إما يكون مجتمعا موازيا يقابل مجتمعنا الاعتيادي مع مساحة لحرية الاختيار,أو يكون مجتمعا بديلا أي يصير هو المجتمع الوحيد المتاح للعيش فيه باندثار المجتمع السابق.
في رواية فيصل الأحمر يقدم مجتمعا موازيا يقابله المجتمع التقليدي الذي يكاد يندثر على هامش المجتمع الآخر؛مجتمع الإنترنت. الذي كان حريا به أن يمثل هو العالم السفلي كما جرت العادة في الأدب السيبراني وليس العكس. حتى أننا لا نعرف متى ظهر مجتمع الإنترنت في الرواية.
الشبكة / الإنترنت هي نظام اتصالات عالمي يسمح بتبادل المعلومات بين وحدات أصغر متوزعة حول العالم يربطها نظام محدد.
مجتمع الإنترنت هو مجتمع افتراضي يتواجد أعضاؤه و يتفاعلون فيما بينهم من خلال شبكة الإنترنت.
إن الفضاء الافتراضي / الرقمي الذي يخلقه الإنترنت,هو مجتمع غير ملموس وغير موجود إلا من خلال مجموعة من الومضات الإلكترونية -الإتصال الفيزيائي الوحيد تقريبا بين أعضاء هذا المجتمع- والمفاهيم العقلية متمثلة بشكل أساسي في مصطلح (الرسالة). إنه عالم واقع في نقطة الإتصال بين دماغ الإنسان وأنظمة الحاسوب.
وهناك مؤشرات عديدة سبقت ظهوره ودلت على ظهوره,منها تكون مجتمعات حول الاتصالات والراديو وأشكال أخرى من الواقع الافتراضي. والحقيقة أن أي وسيط (مجتمع) من المعلومات (الإنترنت / الهاتف / الراديو) يحمل في طياته نفس التعريف “اقتناء وتخزين المعلومات وتجهيزها / معالجتها في مختلف صورها وأوعية حفظها؛مطبوعة,مصورة, مسموعة,ممغنطة,معالجة بالليزر,وبثها ونقلها باستخدام توليفة من المعلومات الإلكترونية ووسائل الاتصال عن بعد”. [أخلاقيات مجتمع المعلومات في عصر الإنترنت / صباح محمد عبد الكريم كلو / مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية – المجلد 13,ع 1, 2007.].
فيصل الأحمر ليس مؤسس هذا النوع من أدب الخيال العلمي,فقد ظهر الأدب السيبراني في رواية هل تحلم الروبوتات بخرفان آلية؟ Do Androids Dream of Electric Sheep? لـ فيليب ديك Philip Dick,ثم ظهرت لفظة (سايبربنك) أولا في قصة سيبربنك 1983 قصة قصيرة لـ بروس بيثكي Bruce Bethke الذي صك من خلالها المصطلح لأول مرة,ثم رواية نيورومانسر Neuromancer في العام التالي 1984 وقد اشتهرت بكونها الرواية التي تنبأت بظهور الإنترنت. ثم تلاهم العديد من الأعمال السابقة على رواية أمين العلواني الصادرة عام 2000. [حسبت تصريح الكاتب في حوار أجريناه معه.]. والتي تعد إلى جانب السيد من حقل السبانخ 1987 لـ صبري موسى, من أوائل الروايات العربية التي خاضت في الفضاء السيبراني وأدخلت هذا اللون الأدبي إلى العالم العربي في فترة مبكرة لم تتأخر كثيرا عن نشأته لدى الغرب.
لا يتنبأ فيصل الأحمر بظهور الإنترنت -فهو لن يعيد اختراع العجلة أو اكتشاف النار- ظهور مجتمع الإنترنت هي أولى تنبؤات الأحمر التي تستمر.
فيذهب إلى تفصيل المجتمع الافتراضي إلى العديد من الإجتماعات الافتراضية التي تجري حاليا عبر الإنترنت,مثل غرف الدردشة,منتديات الفيديو والراديو,الألعاب الجماعية التي تتيح للمئات من اللاعبين المشاركة في نفس مساحة اللعب,اللقاءات التي تتم بالصوت والصورة,والإجتماعات على تطبيقات مثل جوجل ميت Google Meet,بل وحتى دخول المعارض والمتاحف بشكل افتراضي,هذا غير دخول الأفلام أيضا بشكل افتراضي بواسطة تقنيات مثل التصوير والتحريك الحاسوبي (CGI).
ومع كل ذلك -وغير ذلك مما لم أذكر- الفكرة العظيمة لم يتم استثمارها بشكل كافي -أو ربما لم تشبعني- بالرغم من ثراءها الكبير وتعدد إمكانياتها.
تنبؤات عديدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من خلال إسلوب أدبي معروف هو (تصدير المقولات) أي إلقاء النبوءات في كل مكان فإما أن تصيب وإما أن تخيب كنوع من العرافة بدلا من التجلي. مثلا يشير إلى عام 2017 الذي لم يكن قد أتى بعد في زمن صدور الرواية بأنه “العام الذي سمي فيما بعد بعام الفيدراليات لكثرة التكتلات الفيدرالية التي ظهرت أو تجسدت عامذاك” [أمين العلواني / فيصل الأحمر / دار العين – ص 5.].
وقد تشير هذه العبارة (التكتلات الفيدرالية) إلى الاتحاديات والتحزبات والنقابات التي باتت منتشرة في كل مكان وفي كل مجال على مختلف الأصعدة السياسية والثقافية والدينية والفنية.
السرديات الجديدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لطالما كانت للتطورات التقنية تأثيرات على المسارات الفنية للفنون السبعة,إلا أن الأدب كان بمنأى عن ذلك عدا محطتين بارزتين في تاريخ الأدب والتقنية. الأولى هي الطباعة,حيث يرى الناقد السينمائي جيمس موناكو “أن الرواية لم تكن لتوجد لولا ابتكار طباعة النشر. إلا أن التطور الأخير والسريع والمتزايد في تكنولوجيا الطباعة كان له أثر ضئيل يكاد لا يكون ملحوظا على جماليات الرواية عبر ثلاثمائة عام من تاريخها”. [حصاد القرن, الجزء الثاني,ص323.].
هذه الطفرة في تطور الاتصال (الإنترنت والأدب يعدا قناتى اتصال) يؤكد عليها الباحث ميلفن ديفلير حيث يرى “أن الإنسان ما قبل التاريخ احتاج إلى نحو ثلاثة ملايين سنة لكي ينتقل من الاتصال غير اللفظي إلى الاتصال اللفظي باستخدام اللغة،وانتظر العالم نحو 40 ألف سنة لاختراع الكتابة،وأربعة آلاف سنة أخرى للتوصل إلى الطباعة،وفي مقابل ذلك فقد احتاج الإنسان الحديث إلى أربعمائة سنة فقط لينتقل من الطباعة إلى التلغراف،ونحو مائة سنة أخرى لينتقل من التلغراف إلى التلفزيون،وتسارعت بعد ذلك التطورات التكنولوجية في عالم الاتصال.” [كتاب “الإعلام الإلكتروني”، الدكتور عبدالكريم الدبيسي، الأستاذ المشارك في جامعة التبرا – كلية الإعلام، ص6.].
المحطة الثانية المؤثرة على الأدب بعد الطباعة هي الإنترنت الذي جعل للأدب وسيط جديدا يتيح له العديد من الأدوات والتقنيات التي لا يمكن أن تكون متاحة له على الورق. وقد حاول الأحمر الاستفادة من بعضها كما سنوضح في بيان إسلوبه السردي.
وقد بنى فيصل الأحمر روايته على فكرتين ذكيتين؛مفهوم السايبر بنك / الأدب الرقمي,والفكرة الأخرى هي تطورات الكتابة. وما بين الأولى والثانية يمكننا أن نفصل في العديد من الإيجابيات المتمثلة بشكل رئيسي في تخيل التقنيات الكتابية والأشكال السردية الجديدة في المستقبل المتخيل.
وقد أشار الأحمر إلى ذلك,بل وحاول أن يصنع ذلك في إبتكاره لمفهوم النص المتكاتب “أي إمكانية كتابة النص المتكاتب أي النص الذي يمنح القارئ فراغات يملؤها كما يشاء ليقرأ عملا لا هو عمل صاحبه الأصلي بأتم معنى الكلمة ولا هو عمل القارئ الذي أتمه بالمعنى الصحيح”. [أمين العلواني / فيصل الأحمر / دار العين – ص 82.].
يطرح إبراهيم الفاضل ملاحظة حول خصائص الإنترنت,وهي ما أسماه (القراءة الإبداعية) التي تتيح للقارئ أن يكون مشاركا في العملية الإبداعية,حيث يصير “شريكا كاملا للمرسل في تكوين رسالته” وليس مجرد متلقي عاكس أو مردد لما يقرأه. و”الإنترنت هو ذلك الوسيط التعبيري الجديد الذي يسمح للقارئ أن يتكلم مع النص ليستنطق باطنه الصريح” [الإنترنت بوصفها نصا / خالد الرويعي,المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2006. تقديم إبراهيم الفاضل,ص11.].
وهذا ليس إلا نموذج واحد من نماذج عديدة تناولتها الرواية وتعرضت لها,مما سنتناوله في مقالات لاحقة. وهذا غير عدد من التقنيات المستقبلية التي أشار إليها
-الإلقاء في العين
-الملاءمة بين الأقطاب الثلاثة
-البيضات المتحولة المتلونة
-الفراغات التفاعلية من أجل تكميلات المتفاعلين
-الوسائط المتعددة
-التركيبات الحركية (مع الصور وأشخاص معروفين إن أمكن الأمر)
-تدوير الصور
-الانعكاسات الانزياحية
-الأصوات المستحضرة للموتى وما شابه ذلك (إن أمكن الأمر دائما)
المعمار الروائي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منذ نشأة الأدب وحتى الآن هناك جدل كبير بين المدارس النقدية حول الشكل الأعلى للنص الأدبي,والأشكال الثلاثة الكبرى هي الملحمة (أرسطو) والرواية (هيجل) والمتاهة (إيكو). الصورة الأخيرة هي التي يقدمها فيصل الأحمر في روايته تلك. والتي يمكن أن ترضي الكثير من منظري البنيوية والتفكيكية والتأويلية.
فهي تطرح الكثير من القضايا والتساؤلات الأدبية
1-العلاقة بين الخيال والواقع (إشكالية المحاكاة والتعبير)
وقد “قرر أمبرتو إيكو الأولى تقتات من الثانية,فالسرد التخيلي الإبداعي عند دولوز يتشك من جملة الأحاسيس الانفعالية والإدراكية التي يثيرها المرجع في نفس المبدع”. [موسوعة السرد العربي / عبد الله إبراهيم – ج 1,ص 55-58.]. وقد بات الخيال العلمي الممثل الرسمي لهذه العلاقة متنافسا مع الواقعية.
2-الوظيفة اللغوية والتمثيلية للنص / الكلام
“وحين يحذف وجود اللغة,لا يبقى سوى عملها في التمثيل: طبيعتها وفضائلها كخطاب. وهذا ليس سوى التمثيل نفسه ممثلا بشارات لفظية. ولدى الفحص الأول من الممكن تحديد الكلمات باعتباطيتها أو بطابعها الجماعي. وفي جذرها الأول,صنعت اللغة,كما يقول هوبز,من نسق علامات اختارها الأفراد أولا لأنفسهم: وبهذه الدفعات يستطيعون تذكر التمثيلات,وربطها,وفصلها والعمل عليها. وهذه العلامات هي التي فرضها اتفاق أو عنف على الجماعة؛ولكن على كل حال لا ينتمي معنى الكلمات إلا إلى تمثيل كل منها وحتى إن كان مقبولا من الجميع,فليس له من وجود إلا في فكر الأفراد بعد أخذهم واحدا فواحدا: (إن الكلمات هي شارات أفكار الذي يتكلم,يقول لوك,ولا يستطيع أحد أن يطبقها مباشرة كشارات على شيء آخر سوى على الأفكار التي يملكها هو نفسه في ذهنه)”. [الكلمات والأشياء / ميشيل فوكو / ص 88-89.]، ولهذا وكما عنون محمد علاوة حاجي مقاله (الكتابة خارج أنساق المجتمع العاقل) حاول الأحمر خلق نص جديد بتراكيب مختلفة للكلمات لتقريب الصورة عن النصوص الشبكية في المستقبل.
3-مستويات النص
يصف الباحث إبراهيم الفاضل الرابط أو الصلة (لينك Link) بأنها “علامة تنقيط جديدة أدخلها الإنترنت على الكتابة,و لا أرى النص الراهن على الإنترنت يستعملها في نسيج السرد الأدبي,مع أنها الوسيلة التي تجعل لكل نص باطنا صريحا يفوق بمرات أي باطن مخمن أو محدوس يتحدث عنه نقاد ما بعد الحداثة”. [الإنترنت بوصفها نصا / خالد الرويعي,المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2006. تقديم إبراهيم الفاضل,ص11.].
وتعد رواية أمين العلواني نموذجا فريدا لاستخدام علامة الرابط دون الإتكاء على وسيط الإنترنت بشكل أساسي,بل والإستغناء عنه. مما يفتح بابا لاحقا لأضعاف الفائدة من الإنترنت حين نستعمله بشكل مناسب.
مشكلات الكتابة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-تحكم الناشر
-تحكم الطباعة
-تحكم التوزيع
-تحكم الناقد
-تحكم المحافل الأدبية
-تحكم الآلة الإعلامية
-تحكم المال
أساليب الكتابة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا غير حديثة عن مجموعة كبيرة من الأشكال السردية المختلفة التي قسمها إلى فنون كتابية وتقنيات أدائية.
“كنت قد تحولت إلى جهاز لأداء الأفكار الغريبة … فقط…! إن ما أقوله عجيبا، إلا أن الأفكار الطريفة التي تبدو لنا نادرة ويبدو لنا أصحابها أحداثا نادرة على وجه الكرة الأرضية، ليست على هذه الدرجة من الغرابة… إطلاقا… يكفي فقط أن تفرغ ذهنك إلا من
عملك… وتسأل نفسك، ما هي الطريقة التي سأقدم بها نبأ موت جدتي على الموقع؟… كيف سأقدم النبأ بحيث لا يكون المتفاعلون قد رأوه من قبل… ستنظر إلى أي فن آخر… أي فنان آخر وستجد شكلا ما لا ينتسب إلى الأدب… بعد قليل من التفرغ لتلك الفكرة وحدها ستصبح محتارا في اختيار طريقة واحدة فقط.” [أمين العلواني / فيصل الأحمر / دار العين – ص 58.].
-التحريات الأمنية: يقصد بها التفسير الإجمالي / التوظيف المعرفي.
-توقعات المستقبل: أدب الخيال العلمي.
-الحديث عن المحيط والطبيعة العذراء: المدرسة الطبيعانية أو الرومانسية في الأدب.
-قصص الجنس وتفاصيل الجماع: استخدام الجنس كحيلة رخيصة من أجل انتشار العمل الأدبي,وهو إسلوب وسلوك صار متبع بكثرة في عصرنا هذا,خاصة في العالم العربي.
-الكتابة عن المشاهير: سواء من الشخصيات الحقيقية أو الخيالية,وهو إسلوب مستخدم بكثرة هو الآخر على الصعيد الأدبي والسينمائي. انظر مثلا أفلام مارفل ذات القصص الجاهزة والمعدة مسبقا من الشرائط المصورة.
-الأكاذيب والشائعات: حيلة أخرى رخيصة تستخدم بكثرة في عصرنا هذا,وبخاصة أيضا في العالم العربي.
-الحديث عن الحظ والتنجيم: يتبع ما سبق.
-المغامرات (لقاء الإنسان والقوى المعادية): كتابة / قراءة الأدب من أجل الحصول على الإثارة والتشويق. أدب الفانتازيا.
-عودة الأرواح الشريرة: أدب الرعب.
-الحديث عن الصالونات والتجمعات المهمة: الواقعية ربما,أو إشارة إلى الماسونية المحكى عنها في العديد من الأدبيات.
-رجال مراكز الأمن وخياناتهم: الجاسوسية.
-الحاسوب الذي يشبه الإنسان والإنسان المتحول إلى حاسوب: الأدب السيبراني.
-السلوك المزدوج للشخص الواحد: الأدب النفسي.
-وقائع الأقليات والأحداث الإقليمية: الأدب الواقعي والسياسي.
-الهلوسة والأحلام والمخدرات (مع الحذر اللازم لكي لا يخالف القانون): الأدب السياسة الذي لا يريد الكاتب ربما أن يشير إليه,وربما هو الأدب السيبراني ممتزجا بالأدب النفسي.
-حكايات العوالم الموازية: نوع آخر من أدب الخيال العلمي.
-السرد التاريخي: الرواية التاريخية.
-خفة الإسلوب: السهولة في التنقل بين الكلمات.
-الكلمات الواضحة: الابتعاد عن المصطلحات التقنية واللغات الهامشية والرموز المحلية.
-الجمل القصيرة: خير الكلام ما قل ودل.
-الآلية: ربما يشير إلى محاولة تخليق نصوص أدبية بواسطة الآلات دون تدخل من الإنسان, يعني ليس مجرد طابعة أو لوحة مفاتيح أو لوحة حاسوبية تستخدم للكتابة,بل برمجية ذكاء اصطناعي معد للإبداع الذاتي.
-الاعتباطية (المخدرات مع التحفظ): سلوك يتبعه بعض الكتاب أثناء كتابة نصوصهم حيث يتناولون مواد مخدرة أو محفزة بدئا بالقهوة مرورا بالحشيش وصولا إلى الهيروين.
السيرة الذاتية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيصل الأحمر لا يروي في الرواية سيرته الذاتية فحسب,بل سيرة أي كاتب,خاصة الكاتب العربي,من منظور مختلف يستشرف المستقبل.
“قرر أمين العلواني أن يبدأ حياته الأدبية في الخامسة والعشرين” [أمين العلواني / فيصل الأحمر / دار العين – ص 35.].
وهو ما يفعل عدد كبير من كتاب اليوم في عالمنا العربي بدون موهبة أو معرفة.
[4] الشخصيات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أمين العلواني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلنا أن الرواية سيرة ذاتية وليست غيرية في إطار من الخيال العلمي,ترصد حياة كاتبها فيصل الأحمر الذي يعكس شخصيته بواسطة قلمه في شخصية أمين العلواني. ثم يزاوج بينها وبين النصف الآخر من شخصيته متمثلا في أخرى تحمل إسمه في الرواية هي أمين العلواني.
وعن هذا تقول وسيلة بوسيس:- “تقدم لنا رواية أمين العلواني حكايات منفصلة زمانيا ومكانيا تمارس بجلاء نوعا من اللعب على سرد أحداث ووقائع تقدم مرة بخيال علمي مستقبلي استشرافي حين يتعلق الأمر بأمين العلواني / السيرة. ومرة بخيال واقعي حين يتعلق الأمر بفيصل الأحمر / السيرة. وتندرج السيرتان في عمل تخييلي لفيصل الأحمر الواقعي الذي يكتب رواية خيالية علمية والذي يحاول تضليلنا بإيهامنا أن كاتب السيرتين هو مالك الأديب.” [خرائط العوالم الممكنة في الاقتراب من الخيال العلمي العربي,ص 152.].
هذا الواقع الذي تحدثت الناقدة عنه يشير إليه الكاتب بشكل لافت في عنوان الرواية (أمين العلواني) الذي يحيلنا إلى عدد من الأعمال الواقعية ذات العناوين المشابهة.
ويؤكد عدد من الباحثين أن “النص الموازي paratext بات يحوز على اهتمام مثير في المقاربات النقدية المعاصرة،بل أضحى يمتلك نظريته الخاصة به في خضم النظرية الأدبية, ذلك النص الموازي هو الذي يمنح -أو أقله يدعم- النص الأساسي هويته واختلافه”. [سيمياء التسمية / خالد حسين / مجلة قلمون,ع 11.].
ومن مكونات النص الموازي
-العنوان
-المؤلف
وما بين عنوان الكتاب وإسم الكاتب (أمين العلواني / فيصل الأحمر) يصنع الأحمر هويته وسيرته.
ويضم الإسمين وسيط واحد هو
-الغلاف
الذي وإن كان قبيحا,إلا أنه أتى ملائما جدا,أقرب لعمل واقعي منه إلى عمل خيال علمي.
من التجليات الأخرى لهذه الواقعية ما يراه القارئ في محاولات العلواني الأولى في الكتابة الإبداعية عبر تدوين يومياته.
سمة أخرى هي عدم المغالاة في سوداوية المستقبل والنزوع نحو تدمير الحضارة أو تفكيكها (فيلم ماتريكس كنموذج شهير) وهو ما يميل إليه أغلب كتاب الخيال العلمي في تصوير مستقبل لا يطاق ويكاد لا يمكن العيش فيه.
ولكن تبقى أهم سمة للواقعية (في رواية من الخيال العلمي) هي عرضها لجزء من حياة شخصية حقيقية,أي فيصل الأحمر كاتب الرواية.
أمين العلواني إنسان متدين,ومتقلب,يتم وصف حالاته الصوفية أو الأدبية أو المزاجية بفقرات صغيرة للغاية موجزة ولا تأتي متكررة وتكون وافية وأحيانا غير مستوفية. مثلا
“وظل العلواني متقلبا في قراراته يقرر مع كل شهر ومع كل سنة أنه سيصبح شخصا آخر يرضى عنه … ولكنه يمل بسرعة من نفسه لكي يقرر التحول إلى شخص جديد… وهكذا دواليك” [أمين العلواني / فيصل الأحمر / دار العين – ص 34.].
[2] فيصل الأحمر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيصل الأحمر هو روائي وباحث جزائري مغمور,ارتبطت مؤلفاته وأبحاثه بالخيال العلمي, ونشرت في عدد من المجلات والمواقع الجزائرية والعربية والعالمية.
[3] مالك الأديب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب آخر يكتب عن كاتب يكتب عن كاتب,يفترض أنه كاتب سيرة أمين العلواني,والأخير بدوره يعثر على سيرته داخل سيرة فيصل الأحمر. مزهوا بنفسه أو راثيا لحاله تتشظى ذاته -فيصل الأحمر- إلى ثلاثة شخصياته,وكأن إبداعه فائض يكفي ثلاثة أدباء.
هذا التشظي يمتد إلى الزمن ليجعل للحاضر -الرابط الإنساني بين الماضي والمستقبل- ثلاثة أوجه لثلاثة لشخصيات.
“أمين العلواني رواية تعدد وجوه الحاضر بشكل مدهش،فحاضر مؤلفها هو بداية القرن العشرين،وحاضر موضوعها( شخصية العلواني)يشغل القرن كله حاضرا فحاضرا بالتتالي وعلى التوالي ،وحاضر مؤلف الكتاب الأفتراضي واسمه” مالك الأديب “هو الذي يكتب سيرة العلواني مسترجعا إياها من نقطة في المستقبل مع نهاية القرن الحادي والعشرين” [إشكاليات الزمن في رواية أمين العلواني / منشورات خالدي الطيب على صفحته الشخصية.].
الإسلوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] السرد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من خلال متابعتنا لحياة الروائي أمين العلواني تتحدث الرواية عن التطورات التي طرأت على الرواية في المستقبل بعد إنتقالها إلى وسيط جديد هو الإنترنت,ولهذا استحدث الكاتب أشكالا سردية جديدة لتقديم رؤية شاملة (شكلا ومضمونا) عن تقنيات الكتابة الجديدة.
أشكالا سردية من الحاضر تتمرد على القوالب السردية من الماضي في محاولة لتصوير الأشكال السردية في المستقبل,ومع ذلك فقد استعان ببعض التقنيات السردية المستخدمة أو المعروفة قبل روايته ولكن غير شائعة وتكاد تكون غير حاضرة على الساحة الأدبية.
[1] النص الموازي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو ما تطرقنا إليه تفصيلا بالأعلى
-العنوان
-المؤلف
-الغلاف
-الفصول
وهي عشرة فصول,يمكن حتى لا يتلخبط القارئ أن نقسمها إلى ستة فصول هي
1-
2-
3-عباس
4-تجليات الهباء
5-مرة أولى الشقوق (3)
6-مرة ثانية (3)
7-مرة أخرى لغتي (3)
8-تسجيلات أخرى (4)
9-مصادر ومناهل أخرى (5)
10-مفاهيم لا بد منها (6)
بعض العناوين لا معنى لها أصلا,في تحدي للأنساق الكتابية المعتادة,وقد أشار الكاتب في روايته إلى لذة أمين العلواني بالمعاني التي يستخرجها النقاد (المخضرمين) من نصوصه وهو لا يقصدها ولا يدري شيئا عما يتحدثون عنه. ولهذا استخدم تقنية فريدة هي (الهفوات المقصودة) التي برع مخرج عظيم هو تارانتينو في توظيفها لصناعة أفلامه.
[2] السردية المرآوية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرآة وسيط فيزيائي يجمع بين الواقع وصورته,وهكذا جمع الكاتب في روايته بين السيرة الذاتية والغيرية.
[3] المستويات النصية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما ذكرنا يستفيد العمل من بنية الإنترنت في تصميم بنيانه,أبرزها غير ما ذكرنا بالأعلى
التتابع
“إذا أمعنا النظر جيّدا في هذا العمل يبدو وكأنه سلسلة غير منتهية ترفض الانقطاع وترغب في المزيد من الحكايات تجعل القارئ يتوسط الغابة السردية حين تأخذه هنا وهناك يعيش الأحداث ويتعايش مع لغة السرد.” [إشكاليات الزمن في رواية أمين العلواني / منشورات خالدي الطيب على صفحته الشخصية والمنشورة في مقال على جريدة صوت الأحرار.].
وقد عبر فيصل الأحمر عن التتابع المستمر اللانهائي من خلال بعض التقنيات الغير شائعة أو الغير مستخدمة من قبل أصلا,مثل توظيف علامة المتابعة (=) في القطع والوصل بين حوار أمين العلواني وفيصل الأحمر.
التجول على الشبكة
“كان دماغه يهرب إلى سبعين موقعا مما كان يزوره في ساعات الدرس: الفتيات العارية، المراكب، الجزر الجميلة، مجانين الجملة،
الأدباء الموظفون، شعر بلا حدود، الملعونات، التزحلق البصري،
الشواطئ الحقيقية الوهمية، درا كولا والآخرونيات، ،Hip Hop
بالي، المغلفون والمغفلون،! الرياضي، اغمض عينيك ترني…
إلخ” [أمين العلواني / فيصل الأحمر / دار العين – ص 22.].
6ساعات: الدراسة والمراجعة.
ساعة: المواقع الأدبية.
ساعة: متع متفرقة (تبادل الحديث أو التجول عبر الصور.)
ساعة: العوالم الافتراضية على الشبكة.
ساعة: علوم القرآن وإسلاميات أخرى.
ساعتان: الرياضة والنادي والملهى المدرسي.
ساعتان: البيت، أشغال البيت، الحياة العائلية.
8ساعات: نوم [أمين العلواني / فيصل الأحمر / دار العين – ص 30.].
[4] الوسائط المتعددة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-الصور المتحركة
-المؤشرات الصوتية
[4] النقد الذاتي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النص متروك لحاله يخطب نفسه,وقد زرع فيه الكاتب العديد من الملاحظات في نقد ذاتي لنفسه.
[5] الصفحة البيضاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-الفراغات التفاعلية من أجل تكميلات المتفاعلين.
تحدث عنها أحمد خالد توفيق واللباد وبثينة العيسى وفيصل الأحمر وكتاب آخرين عظام.
[6] التقيء الأدبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموعة كبيرة من الملاحظات بلا صاحب ولا رابط,مجرد تصدير للمقولات,أي شيء له معنى أو بلا معنى يأتي على باله يذكره الكاتب.
[7] اللامكان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في حين ينشغل الفلاسفة والأدباء بتعريف المكان,اختفى المكان من هذه الرواية من أجل مزيد من التعمق داخل تصور الفضاء السيبراني .. مكان لا يحويه مكان.
[2] الوصف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك بعض التعبيرات الوصفية في غير محلها,مثل استنكار أمين العلواني المتدين بطبعه للقتل,إلا إذا كان خطئا. هذا مقبول. ولكن الغير مقبول هو أي قتل (عند اللزوم) [أمين العلواني / فيصل الأحمر / دار العين – ص 29.] لأن النفس البريئة حرام قتلها عمدا في كل الأحوال ومهما كانت الظروف.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.