[1] القصة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تدور القصة حول يوسف خليل الصحفي الشاب الذي ينتمي نمط حياته إلى الحظ السيء, يحدث له تحول في حياته عبر لقاء صحفي يؤدي بتغير حظه السيء إلى قدره التعس.
اللقاء هو حوار مع أستاذ تاريخ جامعي قتل إبنه بطريقة عنيفة للغاية بحجة أنه شيطان,ثم تبع ذلك بمحاولة إنتحار بعد أن أدلى بكلمات أدت بسقوط بطل الرواية في لعبة جهنمية مع هذا الشيطان الذي أعترف الأب عبر كلماته الأخيرة أن إبنه لم يمت بعد وعلى يوسف أن يقتله.
فكرة العمل مخيفة وذكية وغير مسبوقة وهي تناول الفترات المظلمة -التي يصنعها كيان ما- في التاريخ الإنساني والتي تمثلت في شخصيات أرواحها شيطانية بالرغم من أن دمائها بشرية.
في لعبة قواعدها مبنية على التبادل؛قطعة من الحقيقة مقابل قطعة من الجسد في مسابقة عبر التاريخ لتتغيير أحداثه في محاولة للقضاء على ذلك الشيء.
إلا أن الفكرة (الفترات المظلمة واللعبة الشيطانية) تحمل آفاق أوسع بكثير مما تناولها الكاتب في روايته,وتعد تنويع جيد على تيمة الطفل القذر المهلَكة في أعمال أخرى خاصة ثلاثية داميان السينمائية الموسومة بـ النذير The Omen. وقد حمّل الكاتب الفكرة الكثير من التشويق الجيد المبني على قرارات سيئة كتابيا وتجلى ذلك في مقدمة الرواية اللامنطقية, وخاتمتها الناقصة. الحبكة نصفها أو ثلثيها ضعيف,حيث أن البطل لا يقوم بالتأكد ولا مرة من قتله للشيء بحجة فظاعة قتل إنسان,ولا يوجد مبرر لإستمراره حتى النهاية. والنصف الآخر والمتمثل في اللعبة التاريخية عبر أزمنة يكثر فيها القتل والموت هي الأفضل.
هناك عدد من التساؤلات التي تكشف عن الثغرات في حبكة العمل,مثل أين بقية الفترات المظلمة؟. وأين يذهب هذا الشيء بين العصور؟ -هكذا تسائلت إحدى القارئات على شبكة القراءات الجيدة. وكيف أستدعاه أستاذ التاريخ؟. وما دخل الطبيبة بالأمر مع علم الأستاذ بماهية الطفل الشيطانية؟ وما فائدة المفتاح؟.
هناك أقتباس حدث في الرواية -بقصد من الكاتب أو بدون قصد- من فيلم جيبرز كريبرز Jeepers Creepers متمثل في نقطتين. الأولى في الليلة الثالثة والعشرون؛في سلسلة جيبرز كريبرز يستقيظ المخلوق كل 23 عاما لمدة 23 يوما ليتغذى على مجموعة منتقاة من البشر. والإقتباس الثاني في تغذي هذا المخلوق على الأجزاء الأفضل منهم,حيث يتغذى الشيء (أو يسلبه) على أجزاء من جسد يوسف.
هذا غير تأثر واضح من الكاتب بالرعب القوطي والشيطاني مجددا ومكررا.
وأمثلة عن بعض نماذج التكرار المأخوذة من نمطيات الرعب الشيطاني متمثلة في تيمة كيان ما يتغذى على البشر (يتغذى الشيء في الرواية على أعمار البشر وأجزاء من جسد البطل),وفي تيمة الطفل القذر (يتجسد الشيء في صورة طفل صغير). أما عن التجديد فهو متمثل كما ذكرنا بالأعلى في لعبة صفحات من التاريخ مقابل أجزاء من الجسد.
[2] الخطاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صفحات التاريخ في الرواية تناولت الشخصيات الغامضة أكثر مما تناولت الفترات المظلمة. الشخصيات الغامضة التي تم تناولها في العمل هي الشخصيات الأكثر شرا وغموضا في التاريخ وهي التي تسببت في فتراته المظلمة بحسب الرواية. وقد نجح العمل بتوظيفها في سياق روائي وليس مقالي كما يقع بعض الكتّاب العرب في هذا الخطأ القبيح بأعمالهم الرعبية مستخدمين تقنية (القص واللصق) بدون أي جهد منهم وبدون إحترام للقارئ.
نماذج من الشخصيات الأكثر قسوة وبشاعة في التاريخ
1-قابيل
2-فلاد الوالاشي
3-إليزابيث باثوري
4-راسبوتين
الكاتب لم يوضح هل هذه الشخصيات شريرة أم أن الكيان هو ما أسكن الشرّ بداخلهم,رغم أن الإحتمال الأول هو الأرجح لتوظيفه قصة قابيل -بعد التعديل عليها وتشويه ملامحها- ضمن فترات التاريخ المظلمة. ولأنه أشار إلى ذلك أيضا في قصة كونتيسة الدماء.
والكاتب يظهر تخوفا من تخطي التابوهات / المحرمات (القوالب المجتمعية) في الثقافة العربية,فتجده يؤكد في أكثر من مرة أن إستيقاظ الجثة من موتها ليس إلا عملية تحريك دمى بواسطة قوى شيطانية,وينفي مقدرة الشياطين على إحياء الموتى.
أيضا الفكرة أصيلة كانت تحتاج إلى مزيد من الإجتهاد والإبداع في تناولها,مثلا من منظور إجتماعي كان يمكن أن يلقي الضوء على هذه الفترات المظلمة ومعاناة الناس فيها. ومن منظور تاريخي كان يمكن أن يتطرق إلى المزيد من الشخصيات السوداوية. ومن منظور فلسفي كان يمكن أن يقوم بتشريح مفهوم الشرّ ميتافيزيقيا. وكل هذا كان سيزيد الرعب والخطاب عمقا وثقلا في الرواية.
[3] الإيقاع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعض شخصيات التاريخ الغامضة تم تناولها في رواية عربية أخرى لاحقا هي إنتخريستوس وإن لم تنجح في توظيف الفكرة في سياق رواية -بل أقرب إلى المقالة. عكس ما فعل كاتب هذا العمل الذي تناول صفحات من التاريخ في سرد روائي مزج بين الرعب والتشويق عبر اللعبة الجحيمية التي خاضها البطل. إلا أنه أطال العمل جاعلا إياه روايتين بدلا من رواية,وأكثر في الحشو والتطويل والتكرار. التطويل في الرواية يذهب إلى إتجاهين,فإما أن يزيد العمل عمقا أو ثقلا وإما أن يزيده سخفا أو مللا. والحالة الثانية هي الواردة هنا,حيث يصيب الملل القارئ في أجزاء عديدة بالرواية (الثنائية) وكان من الأفضل أن تكون الرواية من جزء واحد,وحذف كم كبير من الصفحات التي أتت بغير فائدة,خسارة لورق المطبعة ووقت القارئ. وقد تم تقسيم الرواية إلى روايتين كحيلة رخيصة بإتفاق من الكاتب والناشر لثلاثة أغراض.
1-إعطاء إنطباع كاذب للقارئ بدسامة الرواية.
2-زيادة الأرباح من إصدار روايتين بدلا من ثلاثة.
3-إعطاء إنطباع بالإثارة المنتظرة بإستخدام نهاية تشويقية Cliffhanger.
مثلما هو المعتاد من الإيقاع الروائي في أعمال تامر إبراهيم يستخدم أسلوب الركض التشويقي إلى حد العدو أو الهرولة مديرا عجلة الإثارة على أعلى سرعة. إلا أن العجلة كانت أسرع من اللازم أحيانا,حيث يتخطى الكاتب الكثير من التفاصيل المخيفة والمثيرة التي كانت لتزيد العمل متعة وجودة.
وكانت تتوقف في أحيان أخرى كثيرا -ربما تعطلت منه- بين كل قفزة وأخرى إلى حد أن يمل القارئ. والأسوأ هو الإستباق الذي يقوم به كاتبا ليحرق الأحداث على القارئ في محاولة لزيادة جرعة التشويق زادت الملل بدلا منه.
كما أن التشويق في الرواية يعلي من عنصر الإثارة ولكن لم يحافظ الكاتب كثيرا على عنصر الرعب -كما لم يحافظ على العديد من العناصر الأخرى.
هذه رواية تقطع الأنفاس أكثر مما تحبس الأنفاس,إلا أن هذا لا يعني خلوها من الرعب الذي يتجلى في المظاهر الآتية بالرواية.
1-معاناة البطل
أختار الكاتب بطله شخصية عادية ألقاها في معاناة وبؤس من بداية الرواية حتى نهايتها.
2-المشاهد الرعبية
يستخدم الكاتب المشاهد الرعبية المروعة,والروع / الفزع Creepy -وهي المفردة الحاضرة الآن في ذهني- هو نوع من الخوف الذي يحدث نتيجة عامل خارجي يؤدي إلى شعور بالقشعريرة أو الصدمة دون الحاجة إلى فهم هذا العامل بالعقل الواعي. إنها مشاهد شيطانية تهز العقل الباطن للمتلقى. وقد نجح الكاتب في إبتكار عدد من المشاهد الخوارقية العنيفة للغاية والتي تعلق بالذاكرة بعيدا عن أي نمطيات (كليشيه Cliche) رعبية.
هي مشاهد إمتيازية نذكر منها
1-إلتصاق الرأس بالجدار
2-الإنسحاق الذاتي
3-الإحتراق الذاتي
3-العوالم اللافكرافتية
مزيج من الرعب القوطي والشيطاني يتجلى في الشيء. الشيء هو مخلوق له أربعة صفات على الأقل يتسم بها أغلب الكيانات الغامضة والجبارة في الأجواء القوطية بأعمال وعوالم لافكرافت وأغلب الشياطين العظيمة ذات الصفات المتعارف عليها في أجواء وعوالم الرعب الشيطاني بالأعمال الأخرى. الأولى أنه كيان ما مجهولة هويته أو ماهيته. والثانية هي القدرة الشبه إلهية والمتحكمة / المتلاعبة بمصائر البشر. والثالثة هو الحضور المخيف والمظلم والبارد الذي يفرضه على أي مكان يدخل إليه. والرابعة هو كونه يتغذى على البشر.
إضافة إلى أن المزج بين التشويق والرعب في مجمله كان جيدا خاصة مع لعبة التاريخ,وقد قال العرّاب عن تلميذه في هذه الحالة:-
(يعبر تامر إبراهيم بسلاسة ذلك الحاجز الفاصل بين التشويق والرعب،ليبرهن على أنه لا يوجد حاجز أصلًا،وأن هرولة الوقت ذاتها قد تكون مرعبة أكثر من قبو يعج بالتوابيت. فى الوقت ذاته هو قادر تمامًا على ارتياد عوالم رعب لا أجرؤ على ارتيادها).
الرواية من تصنيف الرعب وتنتمي إلى الرعب القوطي مع لمسات من الرعب الشيطاني والفانتازيا المظلمة المعجونة في تخيلات علمية. والرعب القوطي يعد واحدا من أبشع ضروب الرعب وقل من يستطيع اللعب بأدواته. ورغم أن الكاتب نجح في خلق فضاء مخيف يتوزع على فترات مختلفة من تاريخ البشرية التي هي عمر الشيء (صانع الظلام) إلا أنه لم ينجح إسلوبيا في عكس رعب ومعاناة الشخصيات أمام هذا الهول,معتمدا فقط على الجانب الحكائي,وتشهد حكايته على براعته في نسجها. إلا أنه حتى من المنظور الحكائي توجد نقطة هامة أغفلها الكاتب. فإبعتبار أن الفضاء الذي يُنقل إليه يتخطى في واقعيته عالم الأحلام -وقد جعل الكاتب النوم بوابة البطل للإنتقال إلى الأزمنة الأخرى. فلماذا لا تتعدى الميتات التي يموتها البطل قتلا أكثر من إستيقاظه من النوم كأنه كان يحلم؟ الكاتب لم يركز بتاتا على موت البطل أكثر من مرة,مهمشا رهابة الموت في الواقع. وهو عيب يضر بالحبكة وبالإيقاع. ونكرر مرة أخرى أن الكاتب في مراعاته للتشويق أغفل العديد من عناصر الحبكة وأثر قليلا على الإيقاع.
[4] الشخصيات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-صانع الظلام
أو الشيء وهو كيان ما متسبب في جميع الفترات المظلمة والدموية في تاريخ البشرية, والمتمثلة في الشخصيات القاسية التي يتلبسها هذا الشيء. وقد تم إستحضاره من عالمه بواسطة السحر من قبل البشر في العصور الغابرة. وعمره من عمر البشرية أتى في بكارتها وباقي حتى فنائها.
صانع الظلام هو الشرير المحوري في الرواية,وهي شخصية عبثية لم يركز الكاتب على لهوها ولعبها الذي تقوم به في البشر. لا هو حافظ على غموضها,ولا بين بعض ملامح عبثها. فقط هي شخصية تقوم بما تقوم به,لا شيء آخر؟!. عدا مبرر وحيد لم يتم التركيز عليه وهو أن أعمار البشر المقتولة تضاف إلى عمره,وهو مبرر قوي يؤكد فكرة وجوده مع بداية البشرية وحتى نهايتها. إلا أنها فكرة مكررة كما ذكرنا بالأعلى.
يبقى أن الحوار المنطوق من هذا الكيان يطبع عليه بسمت بشري,هل الكيانات القديمة تتحدث هكذا مثلنا؟
2-يوسف خليل
شخصية سيئة الحظ بشكل كاريكاتوري يفرض الكاتب على القارئ بؤس الشخصية دون أي مقدمات سوى أنه وحيد المعشر وتعس الحظ. صانعا هالة سخيفة من السوداوية حوله من خلال نص تقريري بأنه يتيم الأب والأم لا صديق له ولا أخ,وماتت حبيبته أيضا,وضعيف الجسد ومصدع الرأس,دون أي بناء راسخ يدب الحياة في الشخصية. وحاول الكاتب أن يفرض على القارئ أنه شخصية مسكينة وحيدة تعسة الحظ لغرضان.
الأول هو الإرتباط العاطفي مع الشخصية حتى يفجع القارئ بنهايتها المأساوية بعد معاناتها طوال فصول القصة.
الثاني هو زيادة جرعة الرعب في الرواية التي تنتمي إلى الرعب القوطي.
وقد جعل حظه السئ أشبه بلعنة آتية من ذات العوالم القادم منها الشيء,ولو كان غارقا في تعاسة الحظ كما يقول الكاتب لما حقق إنتصاره الغريب في نهاية القصة,حتى ولو كان إنتصارا جزئيا مصحوب بمصير أسود,لأنه حقق إنتصاره بتحقيق مراده.
وما يزيد الطين بلة ويجعل الشخصية ميتة لا تزيد عن كونه كيان حاسوبي محرك بواسطة برنامج,وليس شخصية حية أبدع في خلقها كاتب. هو أن القرارات التي أتخذها الثنائي المكون من يوسف وسوسن غير مبررة,الكائن يطاردهم لأنه يطاردوه,إذن لماذا يطاردوه أصلا؟ ولماذا يستمر يوسف حتى النهاية؟. الفضول وحده ليس كافيا للخوض في هذا الهول,ولا يوجد أي مبررات كافية تؤدي بالشخصية إلى ما حاول الكاتب أن يوحي به إلى القارئ أنه (تضحية ملحمية)!.
3-سوسن
شخصية أخرى لا تقل كاريكاتورية عن يوسف,وأبرز تجليات السطحية هي في إلتفاف الغموض حولها أو حول يوسف من قبل هذا الشيء. فتجد يوسف يتسائل عن كيف عرف عن وفاة حبيبته,الأخ شيطان يا فتى. أو كيف عرف بمقدمها؟. نفس الإجابة. سوسن تمثل هنا بقية الشخصيات السطحية مثل الضابط عصام والأستاذ مجدي. السطحية المتمثلة بأوضح صورها في قرارات الشخصيات السخيفة والغبية بصورة بعيدة عن المنطقية. لا يوجد مبررات كافية لا في نفوس الشخصيات ولا من العوامل الخارجية تؤدي بهم إلى تلك القرارات (العبيطة). ومن أمثلة ذلك تساؤلات نطرحها مرة أخرى.
-لماذا ذهب الأستاذ مجدي بالطفل إلى الطبيبة رغم معرفته أنه ليس من بني البشر؟
-لماذا يضحي يوسف بنفسه راميا روحه إلى عذاب أبدي؟ لماذا أستمر من البداية أصلا؟
[5] الإسلوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فن الحكي (الحكاية وليس الإلقاء) هو الذي أسعف الكاتب مع إسلوب نمطي مليء بتكرارات متمثلة في كلمات مبتذلة مثل فجأة حدث أمر ما أو دب الخوف فيه من أمر ما أو لن تتخيل أمر ما,في محاولة لتهويل حدث ما تشويقيا أو رعبيا وفرضه على القارئ دون أي وصف جيد له.
والتكرار متمثل أيضا في عبارات جيدة أشبه بالملاحظات الساخرة التي يُغرق بها أحمد خالد توفيق أعماله على ألسنة أبطاله -خاصة رفعت إسماعيل.
من تلك العبارات ما هو من فطنة الكاتب ومنها ما هو من ذاكرته,وفي الحالتين أسعفه هذا في تحسين أسلوبه. ومن المحسنات أيضا وصفه للمشاهد المرعبة المروعة التي أبدع الكاتب في صنعها,رغم تحاملي لإستخدامه تشبيه المطارق المستخدم بالفعل في قصة أخرى لذات الكاتب.
إستخدام إسلوب الحكي الشعبي -الإلقاء- ومنظور الراوي في السرد وتقنية إختراق الجدار الرابع أي تحدث الراوي مع القارئ. وهو أسلوب لم يتم توظيفه جيدا من قبل الكاتب لإمتلاء النص بالكثير من الإستطرادات التي بلا فائدة.
يظهر لدى الكاتب تأثر بقطبي الرعب في العالم العربي والغربي,العرّاب والملك,أحمد خالد توفيق وستيفن كينج,وهناك بعد التمصير لأجواء غربية مبتعدا عن المظاهر العربية.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.