مؤلفون

محمد فاروق المليجي

-مراجعة رواية سيكتوريوم

هذه الرواية تقوم نهضة مصر بتسويقها على أنها ملحمة فانتازية وأنه تماثل ما صنعه تولكن وصنعته رولنج في عوالهما فلا شك أن أي قارئ فانتازيا سينتبه إلي هذه الرواية ويحاول قراءتها وهذا ما فعلته

في البداية تصدمك الأسماء “سكر و بيدو والشاعر و الحديدي” حتي لتظن أنك قمت بفتح قناة سبيس توون لا ملحمة فانتازية ولكن اذا ما تغاضينا عن الأسماء الطفولية وأكملنا الرواية نجد أن البطل يقرأ رواية هاري بوتر ثم بعد ذلك نجد أن أحد المشاهد الرئيسية التي تقوم عليها الرواية وهو مشهد اختفاء سكر يتم باستخدام البطل لتعويذة لاموس من عالم هاري بوتروهي اشارة لاسلوب الكاتب لا في التأثر بالكتاب الأخرين ولكن بالاقتباس منهم بشكل فج وهو ما تكرر في عناصر أخرى للرواية سنصل إليها

النقطة الثانية هي كم الصدف العجيبة التي تحدث في الرواية فمثلا في مشهد اختفاء سكر باستجواب احد الشاهدين يقول انه كان نائم ثم استيقظ لينظر في السماء ليرى قطع ضوئي في السماء كأنه قطع سكين ولا يحدث صوتا ثم عاد إلي نومه!! فبأي منطق سينظر شخص إلي السماء في هذه اللحظة بالذات بدون أن يسمع صوتا ليرأي هذه المشهد “المهم” في الرواية

ثم ننتقل إلي المشهد الأكثر استفزازا حيث يقوم أحد أصدقاء البطل بتحليل المشهد بشكل يفوق ما يمكن أنه يفعله شيرلوك هولمز ذاته فيخمن أن السيارة تعطلت في هذا المكان ويخمن أن المكان كان شديد الظلمة ويخمن أن سكر كان يحمل معه عصا الطاقة ويخمن أنه قام بعمل أحدى تعويذات هاري بوتر بل يخمن أنها تعويذة لاموس ثم يخمن بعد كل ذلك أن هذا هو سبب اختفاء سكر!!! ما هذا يا مفتش كرومبو؟

العجيب أن الصدف تتكرر باستمرار وهو ما يعرفه أي كاتب أن هذه نقطة ضعف في الكتابة وقد يتقبل القارئ مقدار معين من الصدف ولكن هذا الكم الكبير يثير غيظ القارئ بلا شك، فبالصدفة يذهبون إلي جامع وبالصدفة يكون في الجامع الشيخ الذي يعرف كل شيئ ويدلهم على الطريق إلي “الأرض الوسطى” وبالصدفة وبالصدفة وبالصدفة إلي نهاية الرواية حتى انه على لسان أحد أبطال الرواية يتعجب من كم الصدف التي حدثت معهم ولا أعرف هل يسخر الكاتب من روايته أم يسخر من نفسه

النقطة الثالثة وهو عيب خطير في الكاتب أنه لا يعرف كيف يضع نفسه في حذاء الشخصية، فالكاتب عندما يخلق شخصية يتركها تتصرف على طبيعتها ويقوم ببناءها وتطويرها بشكل منطقي، ولكننا نجد مثلا شخصية الحديدي شخصية كارتونية إلي حد كبير، فالكاتب يضعه في البداية كشخص عملي يؤمن فقط بالعلم والأرقام ولا يؤمن بالخرافات والخزعبلات أو ما لا يمكن قياسه بالحواس الملموسة، وهي شخصية برغم كونها نمطية إلا أنها مقبولة، ولكننا نجد قرب نهاية الرواية بعد أن ذهب الحديدي إلي عوالم أخرى وقابل مخلوقات غريبة وغيرها يقول لصديقه هل مازلت تؤمن بخزعبلات الصوفية، وهو شيء غير منطقي وغير مقبول من الشخصية فلا شخص يظل بعد كل ما رآه متمسكا فنفس أراءه لا شك أنها ستتغير بشكل ما وهو جزء من تطور الشخصية أما الشخصيات عند الكاتب فهي شخصيات أحادية تنفذ فقط ما يمليها عليها الكاتب، فالحديدي هذا مجرد رجل قش صنعه الكاتب ليمثل بالنسبة له كل من يعادي فكره الصوفي ويظل طول الرواية يضعه في صورة مضحكة ويسخر منه الا انه لم يضع في اعتباره القارئ الذي سيشعر بالغيظ وهو يرى الشخصيات تتصرف بسذاجة ولا منطقية

النقطة الأخيرة هي الكاتب وتولكن
لا شك أن تولكن باسلوبه وعالمه ألهم كتاب كثيرين ليصنعوا عوالم مشابهة وكان أولهم تيري بروك في كتاب “سوورد اوف شانّارا” وبعده روبرت جوردن في سلسلة” ويل اوف تايم” وغيرهم الكثيرين الذين حاكوا اسلوب تولكن ولكننا نجد أنهم صنعوا عوالمهم الخاصة وان كانوا استلهموا من تولكن، أما الكاتب انه يضع في روايته أحدالأجناس التي تكلم عنها تولكن ثم يقول أن تولكن أخذها من الأساطير النرويجية التي هي بروايته تصبح حقيقة وليست مجرد أساطير وكأنه يزعم أنه أخذ من نفس النبع الذي أخذ منه تولكن ولا أحد من كبار الكتاب الغربيين استطاع أن يزعم ذلك فما بالك بكاتب مصري مبتدئ يكتب روايته الفانتازية الاولي
فالشخص الألماني وهو يشرح للبطل يقول له فيما معناه هل تعرف هذا الجنس الخيالي الذي اخترعه تولكن؟ إنه موجود هنا معنا في هذا العالم

في النهاية
هل الرواية سيئة بالكامل؟
لا ليست سيئة بالكامل ولذللك أعطيتها نجمتين فالرواية بالنسبة لكاتب مبتدئ تعد جيدة وبها العديد من العناصر المتميزة مثل مزج الفكر الصوفي بالعوالم الفانتازية وبعض المشاهد مثل رحلة الأبطال في قلب العاصفة الرملية وعدد من المشاهد أرى أن الكاتب أبدع فيها

من أين أتى الخلل؟
يأتي الخل من الدعايا المبالغ فيها التي ترفع توقعات القارئ إلي مستويات عالية لا يجد ربعها في النهاية والزعم الأخر أنها أول رواية فانتازيا عربية بالرغم من وجود العديد من الروايات الفانتزية العربية في السوق والتي سبقت سيكتوريوم بعدة سنوات فالتطبيل المبالغ فيه للرواية هو الذي يعطي للقارئ إحساس سلبي عند قراءتها

ما أتمناه من الكاتب في الأجزاء التالية بما أن نهاية القصة تشير لأنه هناك جزء آخر أو أجزاء
أن يعيد قراءة كل مقطع من الرواية أكثر من مرة
أن يضع نفسه في موضع شخصيات الرواية ويفكر مليا هل الشخصية التي خلقها بهذه الطباع وهذا التفكير ستتصرف بهذا الشكل أم لا؟
أن يقلل إعتماده على الصدف ويبدأ في صنع حبكة حقيقية ولا يعتمد على ما يسميه النقاد “بلوت كوبون” من صدف وغيره

وبالنهاية أنا كقارئ فانتازيا عربي يسعدني وجود محاولات كثيرة من كتاب أن يشقوا طريقهم في هذا النوع الأدبي الثري ولكن لا يعني رغبتنا في وجود أدب فانتازي أن نقبل بكل ما يلقي في وجوهنا لأنه يحمل كلمة فانتازيا.

 

بقلم: أحمد صلاح المهدي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *