الفلسفة

سبعة مفكرين ساهموا في الفكر العراقي الحديث

 

[1]

علي الوردي

1913-1995

مثلما قسمنا الفكر المصري إلى مراحله الثلاثة؛ فرعوني وإسلامي وعربي حديث, لا يخفى على أحد أن الفكر البابلي كان مناظرا ومكافئا للمصري, وربما سابقا عليه من الناحية الزمنية. بالطبع نفس الانقطاع (على الأقل من الناحية اللغوية) قائم بين بابل القديمة والحديثة الممتدة على حقبتين, أغفلنا الإسلامية المبكرة في الألف الهجري الأول وركزنا جهدنا على التأريخ لأفكار المحدثين من فلاسفة العراق. وأول هؤلاء المحدثين هو عالم الاجتماع الكبير علي الوردي, وتمثلت حداثته في التأسيس للمنطق الاجتماعي. فلا ينفصل المنطق الصوري عن المنطق المادي بأي حال من الأحوال, وفي اجتماعهما التوصيف الدقيق لما يُعرف عند الفلاسفة والعلماء والفنانين بـ التجربة, الظاهرة, المادة, الجوهر, البنية, العلامة. والمنطق هو الأساس الذي تبنى عليه, أو من خلاله المعرفة السليمة, ولأن الإنسان مفطور على طلب المعرفة تظهر لنا مدى أهميتها, وترغمنا هذه الفطرة على طلب ثلاثة معارف ضرورية؛ أن نعرف ما ينفعنا (الموقف المعرفي أو المنطقي), وأن نعرف ما ينفع غيرنا (الموقف الأخلاقي), وأن نعرف ما الذي يمكن أن نستمتع به (الموقف الجمالي والفني). هذه هي المباحث القيمية الثلاثة الرئيسية المكونة لعلم القيم. ويبحث هذا العلم في المحركات العلوية (بالاستناد إلى مرجع ديني أو وجودي) المتحكمة تماما بالسلوك الفردي أو الاجتماعي للإنسان, والمحددة لقيمة هذا السلوك أو الأفكار المرجعية له. علي الوردي هو عالم اجتماع عراقي تكمن مساهمته الحقيقية في كشفه لأول مرة عن علم المنطق الاجتماعي, أحد فروع علم المنطق المجهولة أو الغير مطروقة بعد, ليس في عالمنا العربي فحسب, بل في العالم كله. مستندا إلى مجموعة كبيرة من المرجعيات العلمية العربية من التراث مع تبنيه للنظريات الاجتماعية الغربية الحديثة آنذاك. لنجد أن كتبه لا تزال حديثة حتى في وقت كتابة هذا المقال, في وقتنا الحالي, حيث يرجع إليها بعض القراء اليوم في ظل هوسهم بكتب التنمية البشرية, وكتب الوردي, على النقيض من الأكاذيب الغربية, تستند نصوص الوردي إلى بحوث وأسانيد علمية كما أنها مستلهمة من ومطبقة على واقع المعيشة العربية, لدرجة أن الوردي يعمل نقده في نفسه لا ينفي وقوع أي من الافتراضات والنتائج التي توصل إليها عليه هو شخصيا. وتتلخص النتائج التي وصل إليها الوردي من قراءته العميقة للواقع العربي في أننا نعيش واقعا أسود ومهبب والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه!.

 

[2]

محمد باقر الصدر

1935-1980

 

 

ينطلق محمد باقر الصدر في مشروع الفلسفي من قاعدة معرفية يلزم أن تُؤسس عليها أي منظومة فكرية أو علمية (أو حتى فنية) قبيل الانطلاق إلى أي مباحث منهجية أخرى تأتي في الترتيب والأولوية بعد مبحث المعرفة. أو هذا ما تحتمه علينا طبيعتنا البشرية.

 

كيف يمكننا التحقق حين نعرف,من أننا,بالفعل,نعرف؟.

 

ويبدوا أن هيوم وديكارت قد توصلا إلى حل لهذه المعضلة,من خلال تجاوز السؤال عن إجابة السؤال,إلى التنبه لحقيقة أننا قادرين على أن نتساءل؟.

 

وقد فند الصدر مزاعم هؤلاء وغيرهم,وإن كنت اختلف معه تماما في نقده للكوجيطو الديكارتي الذي أراه جاء من باب الجدل الكلامي الذي يحاول أن يهدم الفلسفة الغربية حتى يبني فلسفة إسلامية أصيلة ومضادة. وهذا النهج جاء في أكثر من باب في نص كتابه الضخم؛فلسفتنا,أو كتابه الثاني المهم اقتصادنا.

 

نهض مشروعه الفلسفي / المعرفي الكبير على ثلاثة كتب مهمة,هي

 

1-فلسفتنا

 

2-اقتصادنا

 

3-مجتمعنا

 

 

 

 

هناك علمين حملا اسم محمد الصدر؛محمد باقر الصدر,ومحمد صادق الصدر.

 

 

 

[3]

جعفر آل ياسين

1929-2008

شارك جعفر آل ياسين في الحوار الفلسفي العالمي مع كبار فلاسفة الغرب,ناقدا إياهم على قدر من الندية,هو تقريبا لم يترك لهم شيئا جميلا أتوا به في مجمل مساهماتهم الفكرية إلا وأحاله قبيحا (عدا الاعتراف ببعض جهود المستشرقين) في نوع من المركزية الإسلامية. وقد سانده محمد باقر الصدر للوقوف على قاعدة فكرية متينة من خلال نقد تلك المركزية الإسلامية ضمن نقدياته الثرية,وتنقية الفكر الإسلامي عن شوائبه (يمكننا القول أن آل ياسين فعل ذلك أيضا في كتابه (المدخل إلى الفكر الفلسفي عند العرب) وإن كان الصدر أكثر ميلا منه إلى الحيادية. والاثنين شاغلهما هو الرئيس في مشروعهما هذا هو بيان أصالة الفكر العربي.

 

وفي مقالة لي بعنوان

 

-تاريخ الفكر العربي؛ماذا يمكن أن يُقال

 

أو ليس في الإمكان,أكثر مما كان

 

وفي تناولي لتاريخ الفكر العربي,ومثلما قسمتّ دراستي للفلسفة إلى الفلسفة (الأفكار الفلسفية),والفلسفات (المذاهب الفلسفية),والفلاسفة (الأعلام),والتفلسف (تاريخ الفلسفة,أو تاريخ الاشتغال الفلسفي). يصعب علينا حاليا الفصل الحقيقي بين أي دراسة لتاريخ الفكر العربي بشكل منفصل عن تاريخ أعلامه,وهم المؤسسين لأفكاره (وقد دُرج تقسيم الفلاسفة بحسب أفكارهم إلى صاحب مشروع أو صاحب مذهب).

 

لذا وجدت نفسي أدرس تاريخ الفكر العربي من المنبع نفسه,حيث الأفكار صادرة عن أعلام الفكر العربي,ولما توجهت بالدراسة إلى دراسة الفكر العربي (في ذاته أو بمجموعه) وجدتني أقسمه إلى

 

1-إتجاهات الفكر العربي (دونته في مقالة)

2-تاريخ الفكر العربي

3-قضايا الفكر العربي

4-بين الفكر العربي والغربي

 

وهي تقسيمات يمكن أن تقابلنا في الفكر الشرقي أو الغربي -وقد آثرت بالفعل أن أدرس تاريخ الفكر الفلسفي في سياق دراستي لتاريخ أعلامه- الحديث أو القديم,لأن الحديث زمنيا مقترن بالغرب,والقديم مقترن بالشرق,والشرق الأوسط (فجر الحضارة),آثرت أن أركز على الفلسفة العربية,بوصفها فلسفة وسيطة بين الشرق والغرب,وتحاول أن تجمع القديم والجديد (والقديم والجديد هو عنوان عدد من المشاريع التي دشنها فلاسفتنا المحدثين).

 

وآثرت أخيرا بعد بعض تفكير,أن أصهر أي جهد مبذول لي هنا في أذيال الجهود المبذولة من كبار فلاسفتنا كالصدر وآل ياسين.

 

في مقالة مطولة بقلم أنطوان بطرس,بعنوان (أوروبا المظلمة تستنير بمصابيح الحضارة العربية),وعنوان فرعي؛(علماء الفلك العرب والمسلمون هم الآباء الشرعيين للثورة العلمية الحديثة). يسرد الكاتب المنجزات العلمية للعرب والسابقة والمؤسسة لجهود الغرب الحديثة في علوم الفلك والأرض والبصريات,مثل أن الرازي الصوفي سبّاق على بطليموس في إنشاء أول نظام فلكي مرفق معه خرائط دقيقة أو أكثر دقة من النظام البطليموسي,ومثل أن الكندي رصد مذنب هالي قبل صاحبه الذي سمي المذنب بإسمه (إدموند هالي),ومثل أن العرب اكتشفوا غيوم ماجلان قبل الملاح البرتغالي فرديناند ماجلان. ومثل جهود ابن الهيثم في علم البصريات,المؤرخة والموثقة والمعترف بها من قبل الجميع في الشرق والغرب. ومثل الكثير من الجهود في الأرصدة وابتكار نظم القياس الفلكية والجغرافية,والذي صاحبه ابتكار عدد من المخترعات التقنية (المؤسسة لعلوم الحاسوب,وهو ما لم يشير إليه الكاتب) مثل الأزياج والمزاول والإسطرلابات. وأشار في آخر المقال إلى عدد من المنجزات الطبية واللغوية القيمة. والمقال لا يزيد عن كونه ينقل من مصادر معتبرة وضعها الثقاة من مفكرينا أمثال اللبناني جميل صليبا,أو المصري عبد الرحمن بدوي,والسوري اللبناني الفلسطيني نبيه أمين فارس,والمصري عبد الحميد صبرة,الذي يؤكد أنه طوال ثمانية قرون كانت العربية هي (البيئة التي ترعرع العلم في إطارها ونضج) على حد قوله.

 

-دور العرب في تكوين الفكر الأوروبي / عبد الرحمن بدوي

-مستقبل الثقافة في مصر / طه حسين

 

أولى جعفر ياسين عناية كبيرة بأسماء معينة في تاريخ الفلسفة الإسلامية,هم صدر الدين الشيرازي(مجدد الفلسفة الإسلامية),وابن سينا(وفلسفته الطبيعية / المنطق السينوي / فيلسوف عالم),والكندي والفارابي (فيلسوفان رائدان / مؤلفات الفارابي / تحقيق كتاب تحصيل السعادة للفارابي,ثم كتاب التنبيه على سبيل السعادة,ورسالتان فلسفيتان / الفارابي في حدوده ورسومه).

 

كما أنه تحدث عن مجموعة كبيرة منهم في كتابه (فلاسفة مسلمون) حيث تعرض لكل علم والمرحلة المهمة التي اشتغل فيها نشاطه من تاريخ الفلسفة,وقارن جعفر بين جهدهم وجهد القدامى (اليونانيين) والمحدثين (الأوربيين) من فلاسفة الغرب. بل هم نفسه بأن يكتب سرد تاريخي تحليلي لـ (فلاسفة يونانيون) وهو عنوان كتاب آخر له.

 

هذه النقطة تحديدا هي أكثر ما تزعجني في الاشتغال الفلسفي أو المعرفي الحديث في أيامنا هذه. أي أستاذ في الفلسفة,لا بد وأن يمرّ بدوره ويضع لمسته عن تاريخ الفلسفة اليونانية وأهم فلاسفتها حتى صرت أضرب كفا بكف. ألا يوجد موضوع آخر لتناوله والكتابة فيه؟ إن فيلسوفنا المصري الكبير عبد الرحمن بدوي لم يترك مرحلة من عصور الفلسفة شرقها وغربها إلا وقد طرقه بقلمه تحقيقا أو تقديما أو تنقيبا أو ترجمة. بما في ذلك بالطبع تاريخ الفلسفة اليونانية,الذي تعرض إليه أيضا جملة من فلاسفتنا تشمل كل من حسام الألوسي, جميل صليبا,حسن حنفي,طه حسين,محمد باقر الصدر,علي الوردي,شكيب أرسلان,

 

[4]

حسام الآلوسي

1936-2013

ربما لا يرقى الألوسي (وهو الاسم الذي تسمى به آخرين مهمين) إلى وضعه هنا لعدم قدرتنا على تمييز منجز فلسفي أصيل له. وحسام محيي الدين عبد الحميد الألوسي الكيلاني (وُلد  في 1934 وقيل 1936-2013) هو فيلسوف عراقي (أو بالأحرى باحث ودارس في الفلسفة) من مدينة تكريت العتيقة وينتمي إلى عائلة دينية مسلمة تنسب إلى الأسرة الكيلانية. يوصف بأنه عميد فلاسفة العراق,وفي هذا برأيي إهدار لحق كل المذكورين قبله. ولكن ربما وُصف به لتخصصه الجامعي,حيث حصل على شهادة ليسانس الفلسفة جامعة بغداد عام 1956,ثم أكمل دراسته العليا من خلال بعثة على نفقة الدولة إلى بريطانيا للحصول على شهادة الدكتوراه عن أطروحته مشكلة الخلق في الفكر الإسلامي من جامعة كامبريدج عام 1965. بالإضافة إلى منصبه أستاذا للفلسفة في المتوسطات أو الثانويات العراقية,كما عمل أستاذا في قسم الفلسفة جامعة بغداد منذ 1968 وترأس القسم في أوقات متفرقة,وأستاذا للفلسفة عدد من الجامعات في ليبيا (جامعة بنغازي) واليمن (جامعة صنعاء) والكويت,كما أنه شغل منصب عضو الهيئة الإدارية لجمعية العراق الفلسفية,والمسؤول عن الجانب العلمي والإنتاج العلمي في الجمعية, ونائب رئيس الجمعية الفلسفية الأردنية,وعضو مشارك في الجمعية الفلسفية المصرية, ورئيس قسم الدراسات الفلسفية في بيت الحكمة ببغداد منذ عام 2006. أشرف كذلك على العديد من طلبة الدراسات العليا،في شهادات الماجستير والدكتوراه،وخلال مسيرته التدريسية،عمل مستشارا لمجلة دراسات معاصرة في كندا،كما عمل مستشارا لمجلة أوراق فلسفية التي تصدرها جماعة (أوراق فلسفية) في جامعة القاهرة. وعمل مستشارا لعدد آخر من المجلات العلمية. وعمل في الفلسفة في عدة مؤسسات علمية مثل (المجمع العلمي العراقي)،و(هيئة الرواد).

 

وكان ينظم الشعر منقادا بنزعة تصوفية تدفع لعرض تأملاته بلغة شعرية,ولا عجب حين نعرف أنه منتمي إلى العائلة الألوسية,التي ترجع بأصولها إلى الأسرة الكيلانية المعروفة بالتصوف.

 

مما يقوله في قصيدة معروفة له حملت عنوان (رؤياك)

رؤياك رؤيا النور من بعد العمى

أو مثل غيث فوق يمس قد هما

تـمضي الشهور ولا أراك كـأنـما

أنا في الحضيض وأنت في أعلى السما

إنـي لـفي شوق إليك وإنما

حكم المروءة أن أعف وأحرما

ظمئي إليك يزيد في قلبي الظمـا

ويزيدني ظمأ رضاي بذي الظما

 

قال عنه الناقد العراقي فاضل ثامر رئيس اتحاد الأدباء والكتاب في العراق:

 

-عرفنا الدكتور الالوسي مفكرا وفيلسوفا على درجة كبيرة من الوعي والثقافة كما تعرفنا على الوجه الآخر له،وهو ان يكون شاعرا يمتلك موهبة شعرية كبيرة،كما ان الآلوسي وبرغم كل ما قدمه لم يفهم كما يفترض ان يفهم فيه،فهو ينحدر من عائلة دينية لكنه تمرد بسبب موجات الشك واليقين التي تعتليه،فانتقل إلى الفكر الليبرالي وصار يحمل مفهوما عقلانيا وعلمانيا. الشاعر حسام الآلوسي في ديوانه (زمن البوح) -وهو الديوان الوحيد الذي اصدره في حياته ديوان رائع وجميل وكبير وعدد صفحاته (730 ) صفحة -قدم فيه العديد من القصائد العمودية حيث كان يكتب الشعر العمودي التقليدي فبعض قصائده اقترب من بعض الشعراء الرومانسيين،وكانت قصائده تتسم بالصراحة المعهودة حين تناول في شعره الجانب الشخصي سواء على مستوى العائلة أو على مستوى الأصدقاء ربما نسميها بالقصائد الإخوانية كما تناول الأوضاع في بلاده بقصائد وطنية مثل قصيدته المهداة إلى الزعيم العراقي الراحل عبد الكريم قاسم أو قصيدته التي حملت عنوان (الشهداء الثلاثة). ويؤكد العارفون في منظمة اليونسكو والعالمين العربي والإسلامي فضله ونتاجاته الفلسفية الكبيرة، كما هو معروف في الذاكرة العلمية العراقية كواحد من الفلاسفة العراقيين الكـبار وقد نهل من علمه وفلسفته الباحثون العراقيون والعرب.

 

تتسم قصائده بمسحة الحزن والألم وشعوره بالغربة في هذا العالم,وتأكيدا عن اغترابه يصف هو ديوانه

 

-هذا الديوان يحمل غربة عن الزمن وعن الآخرين وعن تراثي،وأنا ليس كما يراني الناس منتظماً،فأنا أعرف أنني ربما ضللت الطريق،وحين تجدوني وحدي،فأنا كذلك في الديوان وفي سلوكي،حيث أنكم ستجدون في القصائد انساناً يتكلم بعقله في بيت شعر ما،وفي بيت آخر يتحدث بقلبه.

 

ومعظم المعلومات الواردة أعلاه عن حسام الألوسي مأخوذة من موسوعة شعراء العربية, المجلد التاسع,الجزء الثاني,وعن موقع فلاسفة العرب.

 

حسام الآلوسي فيلسوف عُرف بكتاباته في الفلسفة الإسلامية،

 

 

[5]

مدني صالح

1936-2013

 

 

[6]

عبد الله إبراهيم

1957 ….

-عبد الجبار الرفاعي 1954 ….

 

 

علم السرديات هو علم لم يؤسس بعد خارج الحقول الفلسفية باعتباره مدرسة كبرى مثل المدرسة النقدية أو الحداثية. رغم ما جاء فيه من إسهامات فلسفية عميقة (وعلى رأسها دور بول ريكور المهمش في بيان أهميته). ورغم ارتباط السرد بكل المجالات والتوجهات الفلسفية وتدرجها في الأهمية والاشتغال ما بين (على سبيل المثال) السياسة والفن,السياسة والدين,السياسة والمجتمع. وقد تعمدت في ذكر مفردة السياسة لما تشغله من دور جلي أولا,ومؤثر ثانيا,والسياسات قد تتشكل وفقا للسرديات.

 

إن واحد من أهم المفاهيم في المدرسة النقدية هو (السرديات الكبرى) جرى ربطه بحسب (الترجمة للعربية) بـ السرد باعتباره مرادفا لـ القص. ودور الترجمة هنا ريادي راجع للوظائف الذي ألحقها مجموعة من الباحثين المترجمين بالفلسفة,كونها قراءة تعيد فهم النص وصياغته إلى لغة المتلقي. وعلى رأس هؤلاء الأردني إلياس فركوح المهمش قدره هو الآخر. ولهذا نلحظ ترجمة السرديات الكبرى بإعتبارها خطابات منتجة للمعنى.

 

ولما نتعرف على السرد,ثم السرديات الكبرى فالصغرى,تتكشف لنا مجموعة من العلاقات الثنائية (أو ما بعد الثنائية) مثل الإنتاج والتلقي,الفاعلية والتفاعل. تلك تحديدا هي التي تقع على طرفي السرد والسرديات تقابلا بدلا من تجاورا. مما يعطي أي دراسة للسرديات جدوى أكثر مما ينظر أتباع ثقافة البوب آرت Pop Art. مع احترامي لهذه المدرسة الفنية بالطبع, والتي صارت تجلياتها مترامية الأطراف على جميع الأصعدة الفكرية في عصرنا هذا. إلا أن ما نحن بصدده -وفقا لدعاة هذه الثقافة الذين قد اتفق معهم في نقاط ليس هنا محلها- ليس تعقيدا أكثر مما يستحق. وإن حجة (أصعب المعضلات إيضاح الواضحات) تأتي في مصافنا هذه المرة. فببساطة يمكن النظر إلى السرد بعد إعادة تعريفها من (إلقاء القصص / رواية الحدث) إلى (الحديث عن الحدث) فالقصة تستلزم حدثا يكون شرطا أساسيا في اعتبارها قصة. ولما نتأمل قليلا في هذه الصياغة الجديدة,تظهر لنا أهمية الدراسات السردية وارتباطها بالتيارات الحداثية,من باب (تحديث الحديث) كما يفترض الخطاب الحداثي. ولهذا كانت السرديات الكبرى (حديثا ذو معنى) والسرديات الصغرى (حديث عن ما حدث,أو تعبيرا عنه لارتباطها عادة بالفنون). انطلاقا من هذه المقاربة يمكننا التعرف على ستة فلاسفة كبار من العراق,ساهموا بدرجات متفاوتة في الحقل السردي. ثلاثة من القدامى هم الجاحظ والكندي والحلاج. وثلاثة من المحدثين هم عبد الله إبراهيم وسعيد الغانمي ومدني صالح.

 

 

 

“أدى الانعطاف التاريخي,الذي مثله ظهور الإسلام,إلى إقصاء الجانب الأساس من المرويات السردية الجاهلية؛لأنها استثمرت,وقامت بتمثيل العقائد القديمة,وعبّرت عن البطانة الدينية للمجتمع الجاهلي. أما الأجزاء المتبقية منها التي وصلت إلينا,فتمثل الجانب الذي أذعن لضغوط الدين الجديد,وتكيف معه بأن انطوى على مواقف لها صلة بالتنبؤ,فاندرج في خدمة الرسالة الدينية. وهذه العملية المزدوجة من الاستبعاد,والاستحواذ عطّلت أمر البحث الموضوعي في أصول المرويات الجاهلية,وطبيعتها,بوصفها مرويات كاملة الصياغة,فذاك من المحال,ليس فيما يخص العصر الجاهلي,بل في الثقافات الشفوية كافة,ولعل أكثر المداخل عملية,وفائدة في فحص طبيعة المرويات السردية الجاهلية,أن يتجه البحث إلى السمات الأسلوبية,والتركيبية,والدلالية,للنثر القرآني,والنبوي باعتبارهما صورة مما كان شائعا من تعبير نثري آنذاك.”

 

 

[7]

سعيد الغانمي

1958 ….

يشترك سعيد الغانمي مع عبد الله إبراهيم في مشروع واحد,وهو التحليل البنيوي للسرد العربي,وهو تحليل عميق عبر مشروع عمر طويل يستعين فيه الباحث بمختلف الأدوات التحليلية للفلسفة البنيوية,مثل الدلالة والعلامة والبنية والتأويل والتشكيل و

 

 

 

والتأسيس لنظرية عربية حديثة في السردية الروائية أو غير الروائية بالرجوع إلى الموروث الهائل من علم الكلام في الإسلام,وما بين علم الكلام والسرد تتمظهر أسس علمية لنظريات معرفية استنادا إلى هذا التراث الإسلامي والعربي,ما يعطينا أرضية ثابتة يمكن الانطلاق منها إلى بحوث قيمة ومفيدة في العلوم الاجتماعية والإنسانية,انطلاقا من فكرة مفادها أن العلم -بوصفه منتجا بشريا- لم يكن قط محايدا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *