8 ألغام في ثنايا الكلام
المغالطة هي استخدام الأفكار والمعلومات المضللة في التبرير، وإثارة العواطف من أجل حسم نقاش أو كسب نزاع من الطرف الآخر رغم قوة حجته، بالخداع والمناورة وبطرق تبدو منطقية. وهكذا يصبح “الموهوب في الخطابة وحيل الإقناع ودغدغة المشاعر كفيلا بأن يهزم أي عالم يحتكم إلى العقل”، كما يقول أفلاطون.
وقد ظل هذا النوع من المغالطات شائعا جدا ويتخفى في ثنايا المعاملات اليومية، لدرجة أن الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور تمنى يوما أن “أخصص لكل مغالطة منطقية أكتشفها اسما أميزها به، لكي لا أقع فيها مرة أخرى”، واليوم نراها منتشرة عبر وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي كالألغام الأرضية التي تقتضي بأن نتعرف عليها ونبطل مفعولها قبل أن تؤثر سلبا على حياتنا.
ولعل كتاب “المغالطات المنطقية” للطبيب النفسي المصري الدكتور عادل مصطفى -الصادر عن مؤسسة هنداوي سي آي سي بالمملكة المتحدة- من أفضل المصادر لتحقيق هذا الهدف.
التعميم المتسرع
هو الحكم على “الكل” من خلال حالة “الجزء”. يقول عالم النفس الأميركي جوردور أولبورت “ما نكاد نتلقى (حبة) من الوقائع حتى نشيّد منها (قبة) من التعميمات”. فما دامت تفاحات على وجه الصندوق جيدة، إذن فجميع التفاح في الصندوق كذلك. أو كمن مرت بتجربة زواج فاشلة فقررت ألا تتزوج إلى الأبد، لأن الرجال كلهم أشرار.
الإحراج الزائف
تحدث هذه المغالطة عند إلغاء البدائل أو الحلول الممكنة من أجل الإبقاء على خيارين لا ثالث لهما، أحدهما لا يصلح حلا والثاني هو رأي المغالط ذاته، على قاعدة “إما معنا أو ضدنا” أو “إما أن تدخل معنا الحرب من أجل الحفاظ على نهجنا في الحياة، وإما أن تكون خائنا”.
مهاجمة رجل من القش
تلك المغالطة التي يعمد فيها المرء إلى مهاجمة فكرة أخرى هامشية بدلا من الفكرة الحقيقية موضوع النقاش، كأنه ينازل دمية وهمية من القش باعتبارها أسهل عليه من منازلة خصمه الحقيقي.
وتأتي هذه التسمية من العصور الوسطى، حيث كانت تستخدم دمية محشوة بالقش على هيئة رجل لكي تمثل “الخصم” في المبارزة بالسيف. مثل قول أحدهم “كيف تحظى نظرية النسبية لآينشتاين بكل هذا القبول وهي تعتبر أن كل شيء مباح، وأن الأخلاق شأن نسبي يختلف من بيئة إلى أخرى؟” (يخلط بين نسبية آينشتاين الفيزيائية والنسبية الأخلاقية التي تتحدث عن القيم، ولا صلة لها بمجال الفيزياء من قريب أو بعيد، ليهرب من الفكرة الأساسية).
الرنجة الحمراء
هي حيلة كان يستخدمها المسجونون الفارون لتضليل كلاب الحراسة التي تتعقبهم، وذلك بسحب سمكة رنجة حمراء عبر مسار المطاردة لجذب الكلاب لرائحتها النفاذة بدلا من رائحة السجناء. وأصبحت تستخدم في وصف كل محاولة لصرف الانتباه عن موضوع النقاش الأصلي بأحاديث خارج السياق.
الشخصنة
أن يعمد المغالط إلى الطعن في “شخص” الخصم ويهاجمه هو بدلا من مناقشة فكرته، فيلجأ لسبّه مثلا، قائلا “أنتم تعرفون جميعا أن فلان كذاب غشاش وغير موثوق بذمته المالية، فكيف توافقون على مشروعه المطروح؟”، أو يستغل ظروف خصمه الشخصية مدعيا أنها هي التي ألجأته إلى تبني هذا الرأي، وأن له مصلحة في ذلك.
الاحتكام إلى العامة
تتضمن هذه المغالطة الاحتكام إلى الناس بدلا من الاحتكام إلى العقل، ومحاولة انتزاع التصديق على فكرة معينة بإثارة مشاعر الحشود وعواطفهم، بدلا من تقديم حجة منطقية صائبة.
وتعد تلك أداة من أدوات الدعاية والإعلان وكثير من الساسة ورجال الأحزاب والفعاليات الانتخابية، فما دام “الجميع يعتقد ذلك” و”الكل يفعل ذلك” و”استطلاعات الرأي تشير إلى ذلك” فلا بد أن يكون ذلك صحيحا.
الاحتكام إلى الجهل
وهذه مغالطة خطيرة مفادها أن شيئا ما يظل حقا ما لم يبرهن أحد على أنه باطل، والعكس صحيح، أي أن شيئا ما يظل باطلا طالما لم يُثبت أحد بالدليل أنه حق. فمثلا “طالما أنه ليس هنالك دليل على أن الأشباح غير موجودة، إذن فالأشباح موجودة”.
أو كما كان يفعل السيناتور جوزيف مكارثي في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، عندما كان يرعب مثقفي وفناني أميركا بإلصاق تهمة الشيوعية بهم دون دليل، محتكما إلى الجهل بالقول “إنه لا يملك أدلة تدحض اتهاماته”، ومن ثم تعتبر في محلها.
الاحتكام إلى القوة
باللجوء إلى التهديد والوعيد من أجل إثبات فكرة لا صلة لها بأجواء الخشية والرعب التي تصاحبها، ظنا من المغالط أن القوة تصنع الحق. كقول رئيس الاتحاد السوفياتي السابق نيكيتا خرتشوف “حين يقول ستالين (ارقص) فإن الرجل الحكيم لا بد أن يرقص”، أو كتهديد أحد المديرين لموظف بالقول “ينبغي أن توافق على السياسة الجديدة للشركة، إذا كنت تريد أن تحتفظ بوظيفتك”.
بقلم: محمد صلاح
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.