الفلسفة

سبعة فلاسفة شكلوا الفلسفة الإنجليزية الحديثة

 

[1]

بيكون

-أفضل إثبات على الإطلاق هو التجربة

في أوروبا سُمي القرن السادس عشر، وبالأخص القرن السابع عشر عصر النهضة لما تحصل عليه هذا الزمن من نهضة عقلية على الصعيد العلمي تمثلت في الإيطالي جاليلو جاليلي والإنجليزي إسحاق نيوتن، وتوازى معها نهضة على الصعيد الفلسفي تمثلت في الفرنسي رينيه ديكارت والإنجليزي فرانسيس بيكون (1561-1626). اعتمادا على فلسفة تميل لاستخدام نفس الأدوات العلمية في سبيل البحث والتحقيق المعرفي. وعلى هذا خرج ما يعرف بـ الفلسفة التجريبية. الشق الأول الأساسي فيما عُرف بالفلسفة الوضعية. الشق الثاني هي الفلسفة الرياضية. وقد استوفى بيكون شروط الشقين ليؤسس مع مواطنه الفيلسوف الإنجليزي جون لوك الفلسفة التجريبية، ولكنه اعتمد بشكل أساسي على المذهب النظري منها، وهو حسب الوضعيون المنهج الأكثر عملية استنادا إلى مبادئ وعلاقات ثابتة أو شبه مؤكدة ممثلة في المنطق الرياضي.

 

والمنطق الرياضي هو أبرع ما وصل إليه فرانسيس بيكون في فلسفته متمردا على منطق مؤسس المنطق نفسه؛ أرسطو. وهو أول من تمرد، وقد كان كتابه الرئيس (الأورجانون الجديد) إعلانا بموت المنطق القديم. ولكن بالطبع لم يمت المنطق الأرسطي إلى يومنا هذا، ولكن شكل كتاب بيكون هذا منعطفا هاما في مسار تطور المنطق، أدى إلى تدمير أو نسيان أو تجاهل الأجزاء الجامدة والمعطوبة في منطق أرسطو (والتي شوهها اللاحقون عليه، وأرسطو تقريبا لا ذنب له). والأورجانون كلمة إغريقية استخدمها أرسطو نفسه في وصف مجموع كتبه المنطقية الخمسة (المقولات، والعبارة، والقياس، والبرهان، والجدل). بعض الأجزاء المعطوبة تتصل بأخطاء التفكير أو الأوهام التي توقع التفكير في الخطأ، والتي لخصها بيكون في واحدة من أبرز المواضيع التي ناقشها في كتابه، وهو موضوع طرحه فيما أسماه بـ (أوهام العقل الأربعة) وهي:

 

1-أوهام القبيلة
مصدرها هو النوع البشري، المحدد بصفات معينة تفرض عليه نواقص عامة يتصف بها أغلب البشر، هذه النواقص تشمل؛ العقل (المغرق في ذاتيته)، والعاطفة (التي تحدد ميولا معينة تجاه أمور ما)، والحواس (وقد أثبت لنا بالعلم التجريبي أو العياني أن حواسنا قد تعطينا صورا ومحسوسات ومعطيات مشوهة عن الواقع، أو الصورة الأصلية). وقد ركز بيكون كثيرا في هذا القسم على أخطاء العقل الذاتي أو العاطفي، وهذه الدراسة هي ما مهد لما يعرف اليوم بـ (المغالطات المنطقية).

 

2-أوهام الكهف
مصدرها المحيط (بعكس الأولى مصدرها الذات)، ويشمل ذلك؛ النشأة، والتربية، والثقافة، والموروثات الدينية والمجتمعية (المعتقدات والعادات والتقاليد). وقد استمد بيكون هذا المفهوم من مثال الكهف الشهير لأفلاطون، الذي يعد أمثل تعبير عن هذا النوع من أخطاء التفكير. وهذا المفهوم هو ما يعرف اليوم بالتعبير الدارج: (ثقافة القطيع).

 

3-أوهام السوق
تنويع على النوع الأول؛ (أوهام الذات)، ومصدرها اللغة، وتعتمد على الصلة الوثيقة بين اللغة والعقل وتبادل التأثير بينهما. توازيها العلاقة العميقة بين الكلمات والأفكار (مبنية عليها وامتداد لها). ولهذا سماها أوهام السوق تشبيها لها بتبادل البضائع الجاري بين التجار، وهو ما نفعله نحن حين نتكلم.

في اللغة والكلمات تتولد أخطاء كثيرة تنتج بشكل أساسي عن المجاز، مثل وجود كلمات تعبر عن أشياء لا وجود لها. ومثل الكلمات الخيالية (العنقاء، الأشباح) أو الغامضة (الجوهر، المحرك الأول، حظ، صدفة)، أو استعمال كلمات في غير موضعها (التورية، الاستعارة، الكناية) ضمن تطبيقات الدلالة مثل وجود كلمات تعبر عن أشياء غير المقصودة بها حيث توصل بالمتلقي إلى معاني أخرى غير المراد تبيانها. أو كلمات تعبر عن أشياء لا يمكن إدراكها (اللانهائية، المطلق، الغيب). وعن الإعتقاد (الإتباع الأعمى وهو في ذلك يشبه النوع الثاني من الأوهام)، مثل منظومة الأمثال الشعبية والنصوص الدينية.

وفي تلك الدراسة دعوة بيكون للناس بأن يسموا الأشياء بأسمائها. ويمكن أن نضرب مثلا عن ذلك في قصة هرمزان الشهيرة مع عمر بن الخطاب.

هذا الجزء من المنطق هو ما يُعرف حديثا في علم اللسانيات بـ (الدراسات التداولية).

 

4-أوهام المسرح
ومصدرها السلطة المعنوية للرموز الإعلامية (شخصيات شهيرة) والثقافية (معتقدات قديمة).

وتتمثل هذه الأوهام في الحالة التي نقوم فيها بالاعتقاد بشيء ما، فقط لأن قائله فلان أو علان، أو في الحالة التي يتحول فيه رأي أو اعتقاد إلى بديهية لا يمكن التشكيك فيها، وحجة ثابتة للاستدلال بها. وهي تتشابه أيضا مع النوع الثاني في ثقافة القطيع، وتعد تنويعا عليه.

وقد سماها أوهام المسرح، لأن تلك الرموز والشخصيات تلعب دور البطولة على المسرح، بينما الجمهور لا يزيد دوره عن التلقي بدون أي مسائلة أو مشاركة في الحوار (رغم أن لديها القدرة على ذلك)، من المؤسف أن بيكون لم يلحق بعصر السينما والإعلام الرقمي بصوره المرئية العديدة لنعرف رأيه في الموضوع.

 

الأوهام الأربعة ليست إلا جزء من المنجز الفكري لفرانسيس بيكون حيث حمل على عاتقه دور الريادة في النهضة التجريبية الاستدلالية في عصره عبر ترسيخ منهج الإستقراء، وإسهاماته العميقة في المنطق الرياضي. له إسهام بارز في مسار آخر لنظرية المعرفة، وهو الفصل المعرفي بين الدين والعلم، كنتيجة منطقية للطرح الفريد حول أوهام العقل.

 

[2]

توماس هوبز

فيلسوف رياضي -كعادة أغلب البارزين بين الفلاسفة الإنجليز- يعد أكبر فلاسفة القرن السابع عشر في إنجلترا، من خلال دراساته المسهبة في كل من الفلسفة والتاريخ والأخلاق والقانون ساهم بشكل كبير في بلورة كثير من الأطروحات التي تميز بها هذا القرن على المستوى السياسي والحقوقي، مكملا على ما جاء به بيكون الذي عاصر القرن السادس عشر ممهدا لعصر النهضة الحقيقي.

 

وعلى رأس هذه الأطروحات إدخاله لمفاهيم جديدة ذات فعالية كبيرة على الصعيدين النظري والتطبيقي، مثل

 

1-العقد الإجتماعي

وقد أضاف جون لوك إلى النظرية ما مهد للصورة التي طوّرها لاحقا الفيلسوف الفرنسي والعالم الاجتماعي جان جاك روسو في كتابه الشهير الذي حمل نفس الاسم (العقد الاجتماعي).

 

2-الحق الطبيعي

 

[3]

جون لوك

أحد الثلاثة الذين اعتبرهم الرئيس الأميركي الثالث توماس جيفرسون “أعظم ثلاثة رجال عاشوا على الإطلاق دون استثناء، فقد وضعوا الأساس لتلك البنى الفوقية التي نشأت عليها العلوم الفيزيائية والأخلاقية”، [الجزيرة].

 

من خلال منجزاتهما الفكرية، افتتح الفيلسوفان الإنجليزيان فرانسيس بيكون وجون لوك -الذي عاصر أيضا توماس هوبز- عصر التنوير، ووضعوا معا، والفرنسي ديكارت، حجر الأساس لثورة فلسفية عرفت بإسم الفلسفة التجريبية. المعتمدا تماما على التجربة الحسية أولا، والمعالجة المنطقية ثانيا -أو العكس وهو ما سوف يشكل خلاف لاحقا ومشكل في الفلسفة الأمريكية- من خلال الأدوات الرياضية في قياس التجربة والخروج باستنتاجات منها (ما عده مؤسسا للمنطق الاستقرائي).

 

وشكل عمله الرئيس (مقالة حول الفهم الإنساني) نواة لفلسفتة تلك. وهو عمل فلسفي هام يعادل في قيمته ودراسته ما قام به بيكون في كتابه (الأورجانون الجديد). لب موضوعه حول فكرة (الصفحة البيضاء) Tabula rasa أو Blank Slate، والصفحة البيضاء هو تصور قدمه جون لوك حول الذاكرة / المخيلة باعتبارها فارغة، وعاء خاوي، معرض للملئ من أي شيء، صفحة بيضاء، تكتبها تجاربنا في الحياة واستقبالنا الذهني أو العاطفي لهذه التجارب.

 

يتوافق نفس المبدأ مع مفهوم الشك عن ديكارت حين ابتكر حل للبدء من نقطة ما في صفحة بيضاء عبر الكوجيطو الشهير: أنا أفكر إذن أنا موجود. وفي ألمعية سباقة، أشار أرسطو، وعدد من فلاسفة القرون الوسطى (ابن سينا، ابن طفيل، إخوان الصفا، توما الأكويني) إلى مفاهيم مشابهة ومتوافقة في نفس المبدأ.

 

وأثناء كتابة جون لوك رسالته حول طبيعة الفهم البشري، تعرض لإشكالية معروفة باسم مسألة مولينو، طرحها عليه الفيلسوف الأيرلندي وليام مولينو فأفرد لها موضعا في كتابه، والمسألة كما ننقلها لكن عن مدونة الباحثون السوريون:-

 

هذه المسألة تعد تجربة فكرية رائدة في الفلسفة تتحدث عن استرجاع مفاجئ للبصر، وضعت برسالة وجهها عام 1688 العالم والسياسي الإرلندي وليام مولينو إلى الفيلسوف جون لوك والذي نشرها لاحقاً في مقاله عن الفهم الإنساني. والدافع الرئيسي للبحث في هذه المشكلة لدى مولينو هو إصابة زوجته بالعمى في السنة الأولى من زواجهم.

 

تتحدث هذه المشكلة عن رجل ولد أعمى، وقد درب على تميز الاختلافات بين الكرة والمكعب عن طريق اللمس، فهل سيتمكن من تمييز هذين الجسمين بالبصر دون لمسها إذا ما أتيحت له فجأة القدرة على الرؤية؟

 

ويرى مولينو في رسالته الموجهة إلى لوك أن هذا الشخص الأعمى الذي استعاد بصره فجأة لن يتمكن من تمييز المكعب والكرة بصريا، لأنه قد اكتسب خبرة لكيفية تأثير هذين الشكلين على حاسة اللمس، إلا أنه لم ينل تجربة تأثيرهما على بصره. وهذا ما أيده #جون_لوك في مقاله.

 

وفي عام 1709، خلص جورج بيركلي في كتابه “نظرية جديدة للرؤية” أيضاً أنه لا توجد علاقة ضرورية بين العالم اللمسي والعالم البصري، وأن اتصالاً كهذاً لا يمكن أن يتأسس بينهما إلا عن طريق التجربة والخبرة.

 

لقد استهوت مسألة مولينو العديد من الفلاسفة، والمهتمين بالمواضيع الفلسفية، كبيركلي وليبنز وفولتير، وفي البداية فقد اعتبر العديد من الفلاسفة أنه من المستحيل لشخص ولد أعمى أن يكون قادراً على تهيؤ الرؤية، ومعظمهم رأوا اختلاف الحس البصري واللمسي لشيء ما. ولنكون أكثر دقة، فإن هذا ما مال إليه الفلاسفة التجريبيون. إلا أن الفلاسفة العقلانيين كسينغ ولي وليبنز كان جوابهم بقدرته على التمييز بالبصر.

 

ومن الجدير بالذكر، أن مشكلة مشابهة ذكرت في الرواية الفلسفية “حي بن يقظان” لابن طفيل، وهي الرواية التي كان لها تأثيرها الكبير على كل من مولينو ولوك. إلا أن المشكلة المطروحة في الرواية تعاملت مع الألوان لا مع الأشكال كما في طرح مولينو.

 

وقد أخذت النقاشات حول مسألة مولينو منحى آخر بعد أن نشر جراح إنكليزي يدعى وليام تشيزلدن عن حالة شخص تمكن من الرؤية بعد عملية جراحية بإزالة “المياه الزرقاء” عام 1728، مما قاد الفلاسفة للانتقال بالمسألة من كونها مسألة فكرية تقليدية، لأن تكون قابلة على الحل تجريبيا. ووفقا للجراح، فإن الصبي عندما استعاد بصره لم يكن قادراً على تمييز شيء من آخر مهما كانت الفروق بينهما. وعلى الرغم من أن بعض الفلاسفة اعتبر ملاحظات الجراح لا لبس فيها واعتمدها كإجابة عن المسألة ومنهم فولتير على سبيل المثال. إلا أن آخرين خالفوا هذا الموقف، معتبرين أن عينا الصبي قد لا تكونا قادرتين على الرؤية بشكل جيد كونهما لم تستعملا لفترة طويلة، كما مال آخرون إلى التلميح بأن النتيجة قد تتعلق بذكاء المريض.

 

عام 2003، بدأ باوان سينها وهو استاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في بوسطن، برنامجاً في الهند كجزء من التجربة التي يعالج فيها 5 مرضى انتقلوا فجأة من العمى الخلقي إلى الرؤية الكامل. مما وفر فرصة فريدة من نوعها للإجابة على مشكلة مولينو تجريبياً. وبناء على هذه التجربة، خلص في 10 نيسان 2011 إلى أن الجواب باختصار هو “لا”. فعلى الرغم من استعادة البصر، تمكن المرضى السابقون بعد التدريب على التمييز بين الأشياء بصريا، إلا أنهم لم يتمكنوا من تشكيل العلاقة بين الجسم المرئي والجسم الملموس سابقاً.

 

وقد سبق هذه التجربة مجموعة من التجارب البسيطة، والتاريخ المحيط بمسألة مولينو يجعل من المسألة أصعب من أن يتولى مولينو الإجابة عنها بنفسه كما فعل. إن مسألة وملينو واحدة من أكثر تجارب الفكر إثماراً في تاريخ الفلسفة، والتي ما زال يدور حولها الفضول كما كانت أول مرة عندما وضعها مولينو.

 

كتابين آخرين بالغي الأهمية لجون لوك؛ رسالته في التسامح، والحكومة المدنية، مؤسسا من خلالهما للفلسفة الليبرالية (التحررية) الحديثة، من خلال الدعوة إلى الحرية الكاملة للإنسان والحفاظ على حقوقه، وقد عدها ثلاث حقوق أساسية لا غنى عن أي واحد من الثلاثة؛ حق الحياة، حق الحرية، حق التملك

 

على وقع سيلٍ من الأحداث الكبرى التي تعصف في أوروبا ولد الفيلسوف الإنجليزي جون لوك (29 أغسطس «آب» 1632 – 28 أكتوبر «تشرين الأول» 1704)، وهي السنة التي ولد فيها الفيلسوف باروخ أسبينوزا. شهدت رنغتون ركضاته الأولى في إقليم سومرست، ليتعلم في مدرسة وستمنستر، ثم في كلية كنيسة المسيح في جامعة أكسفورد. اكتسب أهمية مضاعفة بعد تأييده لثورة 1688، إذ كتب مقالاتٍ تدور حول «الحكومة» وتتضمن نقداً لفيلمر، ولتوماس هوبز، الذي بنى رؤيته حول الثورة والحق الطبيعي بشكلٍ مخالفٍ لما ذهب إليه جون لوك، الأمر الذي دعاه إلى تشييد رؤيته حول السياسة الليبرالية، ومفهوم المواطن، ودور الملكية في الفرد. في هذه المساحة سأتناول طرفاً من رؤية لوك، مع الإشارة إلى مواضع النقد لها من قبل مجايليه من الفلاسفة والمفكرين آنذاك.
جامع رؤية لوك وجوهرها الدالّ عليها مفهوم «الحق الطبيعي» للفرد بحريته وبـ«الشخصية» المتفرّدة، وهي شخصية يجب أن تكون «أخلاقية»، و«الشخصية» للفرد سابقة للمجتمع المدني وشرط لمشروعية السلطة أو النظام القائم. يكتب: «إن الفرد ليس كائناً اجتماعياً من الأساس، لكنه يدخل في المجتمع بغية الظفر بحقوقه الطبيعية». ومن ثم يعتبر الملكية الفردية حقاً، ذلك أنها مرتبطة بـ«الحفاظ على الذات»، الأمر الذي يستدعي ملكية الذات والجسد لما بين يديه من أشياء. وهو يربط بالأساس بين الملكية والحرية باعتبار الأولى شرطاً للثانية، ومن دون هذا التلاقي المتراتب بين الاثنتين لم يكن للوك أن يؤسس نظريته السياسية بتلك الجذور العميقة. بقيت مفاهيم مثل: «الحق الطبيعي، الشخصية، الملكية، الفرد، السلطة، المشروعية»، متكررةً في ثنايا طروحاته ومقالاته وانتقاداته.
رأى لوك أن الملكية بالأساس ذات طابعٍ فردي، ويربط بين هدف إقامة السلطة والملكية. فـ«إذا كان هدف إقامة السلطة السياسية حماية ملك الفرد، فإن الحقوق السياسية والمدنية تحددها الملكية بالضرورة». هنا يضع لوك العلائق بين الفرد والسلطة، بين المؤسسة (الحكومة) والفرد (الأرض، الملكية اللامحدودة». لوك إذ يقرّ بالمساواة بين الأفراد في الحقوق الطبيعية فإنه يبرر عدم المساواة في مجالات الاقتصاد والسياسة المرتبطة بالحقوق، وبحسبه فإن: «الحقوق الطبيعية ومن بينها الحق في العمل والملكية والمراكمة اللامحدودة تقود بالضرورة إلى التفاوت في الحقوق المدنية والسياسية».
ينقض لوك «السلطة المطلقة» التي نظّر لها الفيلسوف توماس هوبز، ونعثر في كتابات لوك على هجوم شرسٍ لها، ذلك أنها قرين الطغيان، بل هي «عبارة عن ممارسة السلطة التي لا تستند إلى أي حقٍّ أبدا، والتي تستحيل أن تكون حقاً لشخصٍ ما، والطغيان استخدام السلطة من شخص لمصلحته الخاصة، لا من أجل منح الخير لعموم المحكومين، وتتجسد السلطة المطلقة حينما يجعل الحاكم إرادته قاعدةً للسلوك عوضاً عن القانون، وعندما تتجه أفعاله نحو أرضاء تطلعاته، أو شفاء غليله عوضاً عن المحافظة على مكتسبات شعبه».
ثم يصوغ لوك الفردانية بصيغٍ ضابطةٍ لها، فلا يكون الإنسان مكتملاً في إنسانيته إلا إذا كان حراً ومستقلاً عن إرادة الآخر، ومن ثم يسعى الإنسان الحر إلى تحقيق مصلحته الخاصة، والفرد ليس مديناً بشخصه وبملكياته الذاتية للمجتمع، وليس من حقّه أيضا أن يتنازل عن شخصه مفرقاً بين التنازل عن الشخص والتنازل عن العمل، ويقرر أن المجتمع هو مجموع علاقات السوق، كما أن حرية الفرد وإنسانيته تحد بالالتزامات والقواعد الضرورية التي تضمن للجميع الحرية والاستقلالية. هذه صياغة لوك للفردانية حسب تأويل مايكفرسون.
جلّ فلسفة لوك السياسية جاءت نقضاً لمبادئ هوبز، فمنطلق هوبز أن «الحالة الطبيعية» مرعبة، ذلك أنها مجال لتحويل الواقع إلى غابةٍ يأكل فيها الإنسان أخاه، وهي ميدان للفوضى والخراب والقتل والدمار، بينما يعتبرها جون لوك في كتاباته حول «الحكومة المدنية» اعتبر تلك الحالة مجالاً للسلام والمساواة، ومجالاً للملكية الذاتية الفردية. لوك يناقض هوبز الذي اعتبر «السلطة المطلقة» بيد فردٍ أو مجموعة أفراد تتوفر لديهم حقوق مطلقة وتلتزم بها الرعية، ويلتزم بها جميع المواطنين، بينما لوك رأى أن الدولة حين تقصّر في حماية «الثروة، والحرية» وجب تغييرها والثورة عليها.
بالنسبة للوك فإن الشعب هو صاحب السيادة ولكنه لا يحكم، بل يقوم بـ«التفويض» لأشخاص يأتمنهم ويعهد إليهم بمهمة تحقيق السلم والأمن، من خلال النظام الديمقراطي. غير أن نقّاد جون لوك انتقدوه على نظرية الحق الطبيعي المرتبطة بالفرد، ذلك أنها تصل في نهاية المطاف إلى نزع المشروعية عن جميع الحكومات القائمة.
كان جون لوك ناقداً لقبضة فلسفة هوبز على التداول السياسي النظري، ليجعل من طرحه المصبوغ بالنزعة الثورية منفذاً للإنسان من قبضة الطغيان، غير أن رؤيته هذه ستمر على انتقاداتٍ كبرى. لقد مرّ العقد الاجتماعي من خلال ثلاثة أيقوناتٍ فلسفية مهمة: «هوبز، لوك، روسو»، ليصل الآن إلى تعديلاتٍ وانتقاداتٍ كثيرة، والعودة إلى لوك يجب أن تكون نقدية محكومةً بظرفها الزمني، وبتاريخية تلك الرؤية، ولئن حاول البعض عصرنتها أو تبيئتها في المجال العربي غير أننا بحاجةٍ إلى نظرية «هوبز» السياسية أكثر من منافذ لوك، ذلك أننا أحوج ما نكون إلى الضبط في ظلّ هذا الصراع المحتدم في مناطق النزاع.

الشرق الأوسط

 

الحريات الأربع: حرية الرأي والتعبير، حرية العبادة، التحرر من الحاجة، التحرر من الخوف

 

 

[4]

جيرمي بنثام

على ويكيبيديا نقلا عن كتابات جيرمي بنثام حول اختراعه المعماري العجيب المسمى: (بانوبتيكون Panopticon)‏ وتعني «مراقبة (opticon) الكل (Pan)

 

هو نوع من السجون قام بتصميمه الفيلسوف الإنكليزي والمنظر الاجتماعي جيريمي بنثام في عام 1785. مفهوم التصميم هو السماح بمراقب واحد مراقبة جميع السجناء دون أن يكون المسجونين قادرين على معرفة ما إذا كانوا مراقبين أم لا. وصف بنثام بانوبتيكون على أنه «طريقة جديدة للحصول على قوة العقل على العقل». في وقت لاحق فكرة ال بانوبتيكون – كرمز للقوة غير المرئية، – ألهمت مفكرين وفلاسفة مثل ميشيل فوكو، نعوم تشومسكي، زيغمونت بومان وأعمال الكاتب البريطاني جورج أورويل.

 

ونقلا عن مركز مدارات للأبحاث والنشر

(البانوبتيكون – Panopticon)
وهو نوع من أبنية السجون ابتكره المفكر الإنجليزي “المستنير” جيرمي بنتام عبارة عن: “زنازين ذات شبابيك واسعة على شكل حلقة دائرية يتوسطها برج مراقبة.” تكون هذه الزنازين متاحة لمراقبة الحارس القابع في البرج ولكن لا يمكن للسجين معرفة فيما اذا كان الحارس يراقبهم في ذات اللحظة. ان هذه النظرة المحدقة الخارجية، من البرج، للسجين الغارق في الضوء تجعله يبدو كموضوع خاضع للرقابة أي أنه يتم تشيئة الإنسان واختزاله الى غرض مراقب.
يقوم السجناء باستبطان هذه النظرة المحدقة الخارجية، من طرف الحارس في البرج، الى نظرة محدقة داخلية, ويتحولون من مجرد مراقَبين الى مراقِبين لأنفسهم .وهكذا حتى لو نزل الحارس عن البرج وزالت العين المحدقة الخارجية فان هذه العين المحدقة الداخلية ستظل تراقبهم . وسترافقهم حتى لو خرجوا من سجن البانوبتيكون .
يقول فوكو: أن الدولة الحديثة، العاقلة المستنيرة، قد شكلت مجتمعها على هيئة “بانوبتيكون” ضخم.

 

مؤسسة مؤمنون بلا حدود

ولد رجل القانون والمفكر الليبرالي والفيلسوف الإنكليزي جيريمي بنتام في لندن في 15 فيفري سنة 1748. عرف منذ صغره بذكاء خارق؛ إذ تمكّن من تعلّم اليونانيّة واللاتينيّة، ولم يتخطّ بعد عامه الرابع، ولقّب بـ”الفيلسوف” مذ كان في الخامسة من عمره، وكان لاطلاعه في السابعة من عمره على مغامرات تليماك لفرانسوا فنلون أثر بالغ في تكوين شخصيّته.

أحرز سنة 1766 شهادة الماجستير من جامعة أكسفورد، ليكون أصغر متخرّج عرفته الجامعات الإنجليزيّة إذَّاك. وكان من المفترض أن ينصرف إلى مهنة المحاماة، إلاّ أنّه اهتمّ بالكيمياء أكثر، وشرع في إرساء مذهب فلسفي عُرف باسم “النفعيّة”، وهو ما تجلّى في كتاباته انطلاقا من “شذرة حول الحكم” (1776) الذي أكّد فيه أنّ الحكم لا تبرّره إلاّ منفعته (طرابيشي، 2006، ص 190)، وكان لمواقفه فيه تأثير كبير في الإصلاحات التي شهدها التشريع الإنجليزي إذّاك. هذا فضلا عن كونه سعى إلى إدخال تعديلات وإصلاحات على قوانين العقوبات والقانون الدستوري، وعمل على إقامة التشريع على أسس علميّة. وتجلّى ذلك في كتبه اللاحقة، وفي مقالاته التي نشرها خاصة في مجلّة وستمنستر (West Minister Review) التي كان له دور فعّال في إنشائها (1823-1824)، ودعا من خلالها إلى الإصلاح الدستوري وإصلاح حالة السجون في إنجلترا.

وكان لترجمة كتاباته إلى الفرنسيّة صدى كبير في فرنسا، وخاصة كتابه “مقدمة في مبادئ الأخلاق والتشريع” (1789)؛ أي إثر صدوره بالإنجليزية بثلاث سنوات، إذ منحته الجمعية الوطنية الفرنسية سنة 1792 لقب “مواطن فرنسي” تكريماً له.

وفي هذا الكتاب، عرض بنتام نظريّته الأخلاقيّة في المنفعة، وقوامها مبدأ السعادة القصوى، أو القدر الأكبر من السعادة، وهو مطلب فردي وجماعي في آن؛ فالكلّ يبحث عن أكبر قدر من السعادة. وانطلاقا من تحليله للعلاقة بين ثنائيّة اللذّة والألم من جهة والعقل والمنطق من جهة أخرى، وبين المنفعة الفرديّة والمنفعة الجماعيّة، انتهى بنتام إلى تأكيد شمول المنفعة الجماعيّة للمنافع الفرديّة، وإثبات قيام السعادة الإنسانيّة القصوى على المراعاة العامّة للقانون وقواعده المعتبرة لمبدإ المنفعة. فمثل هذا القانون كفيل بتحقيق الانسجام والتناغم بين صالح الفرد والصالح العام. والمشرّع “لا يحتاج إلاّ إلى معرفة الأحوال الخاصّة بالزمان والمكان التي أنتجت تقاليد وعادات خاصّة. وعندئذ يستطيع أن يسيطر على السلوك عن طريق تخصيص آلام وعقوبات لإحداث أفضل النتائج المرغوب فيها” (سباين، 2010، ج4، ص 176).

من مؤلّفات بنتام أيضا: “حرّروا مستعمراتكم” (1793)، ” مؤلّفات التشريع المدني والجزائي”، “علم الأخلاق”.

 

 

 

[5]

هربرت سبنسر

البقاء للأصلح، والتي جرى تعديلها لاحقا إلى (البقاء للأقوى)، هي مقولة شهيرة جدا منسوبة خطأ إلى داروين لما يُقدمه من نظريات متطرفة حول إمكانات تعايش وتطور الكائنات الحية، ولكن قائلها هو سبنسر نفسه، في كتابه المشهور (الرجل ضد الدولة) الذي قدم فيه رؤية متطرفة من السياسة الليبرالية (التحررية).

 

 

فرانسيس هربرت برادلي

6-ألفريد نورث وايتهيد

7-جورج أورويل

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *