يعد اللباد أهم فنان كوميكس عربي في تاريخ الأدب المصور بالتوازي مع حجازي كونه قدم مجموعة من أبرز الإسهامات التي غيرت مسار الأدب المصور بشكل خاص والفنون البصرية الغير سينمائية بشكل عام. بل أزعم أنه يتساوى في القيمة مع قامات الفن التشكيلي الفرنسي (سيزان) والإسباني (بيكاسو) والإيطالي (دافنتشي).
تعددت منجزاته الفنية في مجالات مختلفة
أولا من خلال ألبومه الأشهر (زغلول) وأعمال أخرى على صفحات مجلة سمير قدم الكوميكس العربي بإعتباره نوعا مستقلا عن الكاريكاتير,أو عن مدرسة (صورة / كلمة) البدائية التي كانت -ولا زالت- تعرض صورا ونصوصا (تعليقات) تحتها أو بجوارها تحكي حكاية بالتنسيق مع الصور. خاصة وأنه يستفيد من إتساع تخصصاته في الحقول الفنية المختلفة. حيث “يعد الكاريكاتير والفن التشكيلي من أهم الروافد التي تغذي فن الكوميكس”. (1)
مع إحتفاظه بتلك المدرسة وتطويره إياها,وأدواتها تتجلى في عمله الأشهر (نظر).
أي إن إسهامه هنا يأتي متناظرا على محورين؛كونه من مؤسسي الكوميكس العربي. والناحية الثانية (تطوير المدرسة القديمة) التي تنقلنا إلى الفقرة التالية
ثانيا تطوير القصة المصورة المستندة إلى (كلمة / صورة) بالشكل الذي وضحناه,وتحويلها إلى (المقالة المصورة) التي كانت العمل الأول من نوعه في وقتها,وحتى الآن لا يوجد في عالمنا العربي أي عمل مشابه له إلا مجموعة من المقتطفات لمعلومات سريعة في مجلات الأطفال إتباعا لتقليد لازال قائما فيها منذ الخمسينات ولربما هو من أسسسه. الأقرب حاليا إلى هذا العمل المغرق في الإبداع هو بعض المقالات المصورة على الإنترنت وإن كانت لا تصل كلها إلى مستوى إختيارات الفنان أو أثره الفني.
تتميز المقالة المصورة للباد بثلاثة سمات أساسية
1-رصدها لـ (العناصر البصرية في العاصمة المصرية) -وهو عنوان مقال آخر لي- وهو مشروع ضخم عمل عليه اللباد -ضمن مشروعه البصري الأضخم,وربما هو المشروع البصري المصري الأكبر- من نواحي أخرى متصلة بالمقالة المصورة,مما يجعلنا نخصص بند متفرد له,ونشير إليها في الفقرة الثالثة.
2-جمع الأشياء,والذي يشكل قسما خاصا ضمن (المظاهر البصرية القاهرية) -عنوان آخر لنفس المقال,متحير؟- ولكن قد يختص كل شخص فيه بنفسه وأشياؤه,سواء كان متخصص في ذلك أم مجرد هاوي -هذه المسألة تحديدا نتناولها في مقال آخر.
3-نقده للظواهر الفنية الأخرى,متمثلة في أحداث أو أشخاص أو مؤسسات أو أعمال,عبر ملاحظات بعيدة المدى تسلط الضوء على أصغر الأشياء التي لا ترى بمجرد (النظر),هذه النقطة هي أكثر ما يجعله يرتقي من مجرد ناقد فني إلى مفكر له رؤيته الرصينة.
ثالثا الذاكرة البصرية,أي رصد المظاهر البصرية في العاصمة المصرية,وربما في مصر بشكل عام,ثم في المجتمع العربي بشكل أكثر إتساعا.
وعن ذلك يقول:-
“ﺗﺠﺎﺭﺑﻲ ﺗﺜﺒﺖ ﻟﻲ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﻭﺟﺪﺍﻧﻨﺎ ﺑﺤﺴﻢ ﻭﻳﻮﺟﻬﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺼﺎﺋﺮﻧﺎ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻫﻲ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻔﻨﻴﺔ (ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ) ﻭﺣﺪﻫﺎ،ﺑﻞ ﻣﺠﻤﻞ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺒﺼﺮﻳﺔ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﺗﻤﺸﻲ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﻮﺍﻕ”. (2)
هو أكثر مشاريع اللباد تفردا ويعكس إهتمامات اللباد شخصيا,وهو مشروع تبنته لاحقا مؤسسة كايروبوليتان الفنية والمعنية برصد وعرض المظاهر البصرية في العاصمة المصرية,المؤثرة في ثقافتنا,والتي تجعل من القاهرة مدينة عالمية.
أقام هذا المشروع بشكل أساسي في كتابيه الأهم؛نظر والكشكول,اللذان شكلا “معرضاً من التوثيق البصري والتصميم الابتكاري للأيقونات البسيطة المرتبطة بتاريخنا التراثي الشعبي”. (3)
من تلك المظاهر
-القصص المصورة وكتب الأطفال
-طوابع البريد
-إشارات المرور وعلامات الطريق
-التي شيرت وطباعة الملابس
-الخط
-عبوات زهرة الغسيل
-أغلفة الكتب
-أفيشات الأفلام
-لافتات المحلات واللافتات الإعلانية
-الخط (عناوين الصحف)
-الأختام الحكومية
-نقش الحناء
-تصميمات العلم حسب كل بلد
-الشعارات البصرية للعلامات التجارية والمؤسسات الغير ربحية
-العمارة الإسلامية وغير الإسلامية
-ماركات السجائر
-تصميمات الشخصيات الإعلامية (ميشلان)
-رموز المرشحين السياسيين
-علب الكبريت وعبوات السلع (علبة السلمون والسمكة المرسومة عليها)
-الرسوم الشعبية على جدران الفلاحين
-تطريز الملابس والأقمشة وتصاميم الـ تي-شرت
-المنمنمة والترقين
-جداريات الشوارع
-رسوم الأطفال وكتب الأطفال
-النقش على الزجاج
-خيال الظل وصور الأبطال الشعبيين (كراكوز / عيواظ)
-الكاريكاتوريات
ويمكنني أن استمر في عرض مختلف البصريات التي يتناولها اللباد حتى يتعب أحدنا؛الكاتب أو القارئ,وقد صدق أحمد خالد توفيق لما اعتبر كتاب نظر بمجلداته الأربعة مرجعا بصريا بالغ الأهمية,وهو ما عبر عنه أحد الرسامين بمقولة لم أدرك مبلغ صدقها إلا بعد قراءتي لهذا الكتاب “لقد خرجنا جميعا -جميع الرسامين والمصممين المصريين- من بين صفحات نظر”. نفس الأمر قاله أحمد خالد توفيق بصيغة اخرى “الفنان محيي الدين اللباد قال إن بيكار ترك له تركة ثقافية وفنية ظل يسددها طيلة حياته. هناك جيل كامل من الشباب يسدد تركة اللباد الفنية”. (4)
وهو ما لمسته في تصميمات جيل اليوم في الملصقات والأغلفة ونواحي بصرية أخرى, واستطيع عقد مقارنة لتوضيح بعض التشابهات بين المنتجات الفنية للمصمم الأكبر وتلاميذه.
ويقول اللباد في عشقه لبعض تلك البصريات
“أتذكر أيضًا اهتمامي بطريقة كتابة عناوين الأخبار في الصحف،وما كانت تحمله من رسائل بصرية قوية باللون الأسود،حيث كانت تكتب بخطوط يدوية سخية وبسيطة على ورق الجرائد الخشن” (5)
لم يكن اللباد أول من حاول رصد المظاهر البصرية المحيطة به,ولا آخرهم,من الفنانين الآخرين الذين فعلوا مثله نذكر
-إميلي جاسر
-آندي وارهول
-محمد الشناوي
رابعا تطويره لـ غلاف الكتاب العربي,حيث عمل اللباد مصمما ومخرجا للعديد من الصحف والمجلات,ومصمما لأغلفة الكتب حتى حمل لقبين؛صانع الكتب الذي اشتهر واعتز به,وفيلسوف المطابع الأغرب على الأذن من سابقه, لكن مع ذلك له جماله. يقول أحمد خالد توفيق أن “اللباد وحلمي التوني أول فنانين جعلا تصميم الكتاب علما حقيقيا. من أول شكل الكتاب إلى نوعية الورق والخط المستخدم في تصميم الغلاف”.
كان يصمم كتبه,وكتب غيره,وفقا لمذهبين؛السياق,أي النظرة الكلية التي تجمع عدة أغلفة لكتب منفصلة ومتصلة في سلسلة واحدة. والمذهب الثاني هو جمعه بين الجدة والأصالة, والذي يلزمه تحليل ربما لجميع أعماله البصرية,وليس أغلفة الكتب فحسب,لتبيان معالمها.
خامسا دوره كواحد من أهم رسامين الكاريكاتير العربي في التاريخ,عمل في العديد من الصحف والمجلات,محافظا هناك على نفس المنهج الذي اتبعه في كل المجالات البصرية التي عمل بها,الجمع بين الأصالة والمعاصرة,الجرأة السياسية,الرسوم البسيطة,الأفكار العميقة.
سادسا كتب الأطفال,فأثناء صك مصطلح الكتب المتجاوزة للأعمار والذي شكل نهر من الذهب لدور النشر في الغرب مع ظهور كتب مثل الأضواء الشمالية لـ فيليب بولمان و هاري بوتر لـ جوان كاثلين رولينج و كورالاين لـ نيل جايمان,كان لمحيي الدين اللباد السبق في إدخال هذا النوع من الكتب إلى العالم العربي,مع تحفته (كشكول الرسام) التي نال عنها جائزة التفاحة الذهبية ببينالي براتسلافا الدولي Biennial of Illustration Bratislava لأفضل كتب الأطفال. هذا كتاب يخاطب الصغار والكبار معا,معتمدا على المزج بين تطلعات الأطفال تجاه المستقبل,وحنين الكبار تجاه الماضي,حيث يحكي عن أشياء أراد فعلها لما يكبر عندما كان صغيرا,وأشياء احتفظ بها في كبره منذ كان صغيرا.
سابعا لا تتوقف إسهامات اللباد على الكاريكاتير,الكوميكس,كتب الأطفال,النقد الفني,تصميم الكتب,فحسب. بل هو مصمم جرافيك ومخرج فني,عمل على تصميم عدة ملصقات فنية ولافتات دعائية.
كما أن مسيرته النقدية لم تنحصر في التنظير فحسب,بل دخل مسرح الأحداث بصفته عضو في العديد من لجان التحكيم على المعارض الفنية العالمية الخاصة بالصورة.
وساهم مع بهجت عثمان في تأسيس دار الفتى العربي المعروفة بكونها أول دار عربية لكتب الأطفال,والتي لعبت دورا محوريا وحداثيا في ازدهار الكوميكس داخل مصر نشرا وتثقيفا. ودور اللباد مع دور النشر لم يتوقف عند الفتى العربي,وأبرز سبعة دور عمل بها هي
1-الفتى العربي
2-الصقر العربي للإبداع
3-ابن رشد
4-شرقيات
5-ميريت
6-الشروق
7-المستقبل العربي
يقول أحمد خالد توفيق في إسلوب اللباد: “عرف من كانوا أطفال جيلي إسم اللباد مقترنا بالإبداعات التي نسيها الزمن في مجلة (سمير)،طريقته المميزة شديدة البساطة في الرسم، والتي تحمل طابعا محليا قويا لكنه كذلك يذكرك بالرسامين الغربيين. شخصياته اللينة الشبيهة بأعواد المكرونة المسلوقة وحلوله البصرية البارعة التي تبسط أعقد الأشياء”.(6)
تمكن اللباد من أدواته,وتجلي جمال إبداعه راجع لتميز رسوماته بسبعة خصائص أساسية, وهي سمات يجب أن يتمتع بها أي رسام أو مصمم محترف.
1-البساطة
لا يوجد أي فوضى أو تشابكات معقدة,أو حتى عناصر كثيرة في رسوماته. في صنعة المعنى برع اللباد في استخدام أقل القليل ليعطي الكثير. معتمدا فقط على زهاء الألوان وبساطة الخطوط مقصيا الكلمات طالما لا حاجة لها.
2-الجرأة
كان اللباد آخر أبناء العصر الذهبي للكاريكاتير العربي السياسي والإجتماعي,حيث الجرأة والصراحة الغير منمقة أو مهذبة في صدام واضح مع سلطة الدولة. كذلك جرأته الغير عادية في تبسيط هذه المواضيع السياسية (مثل قضية فلسطين) وتقديمها في كتب الأطفال.
ربما الذي ورث عنه جرأته من أبناء هذا العصر,هو تلميذه (بإعترافه هو) أحمد نادي.
3-الطرافة
مع إختياره للموضوعات السياسية والإجتماعية والفنية,وبساطة تقديمها,تبقى طريقة ثانية في تنفيذ رسوماته غير البساطة,وهي الطرافة. وإن كانت تشير الأولى بشكل ما إلى إستخدام عناصر قليلة,فإن الثانية تعني بإختيار العناصر الفنية في تقابل يخرج شعورا بالغرابة ممزوجا بالبهجة,هذه هي الطرافة. وذلك يأتي مثلا من خلال جمع أشياء لا يمكن أن تجتمع,ولكن في اللوحة لا تكون غير منطقية في إجتماعها. أو تكون الطرافة في نتيجة مغايرة عن المتوقع من أشياء إعتيادية. هذه صنعة كل رسامين الكاريكاتير. ومثال على ذلك ما يضربه الفنان سامى محمد بديوى,بأن لوحة تصور رجلا يسبح,أمر عادي,أما لو كان يسبح وفي فمه سيجارة فأمر غير عادي.
4-الجدة
كان ملما بكل تطورات الفن البصري والتقنيات الحديثة المدخلة عليه,ويعد واحد من أوائل الفنانين السباقين إلى فهم الحواسيب وتوظيفها في فنونه.
5-الأصالة
تميز بإستخدامه الخلفية البيضاء في التصميم,واستلهام عناصره ورموزه من الذاكرة البصرية العاشقة للتراث العربي الأصيل,دون إنكار لريادة الغرب أو تنصل منه.
6-التنوع
التنوع والتشابك الفني الغير محدود في أعماله مقتحما جميع الفنون البصرية الغير السينمائية -مرة أخرى نذكر بأنه كان ناقدا فنيا (ناقدا وباحثا ومؤرخا) ورساما تشكيليا وكاريكاتوريا وكوميكس ومصمم جرافيك ومخرج فني للكتب والصحف والملصقات الثقافية وكاتب للأطفال- واضعا لمسته أو حتى بصمته في كل مجال,مستفيدا بمعاصرته لأهم التغيرات التي طرأت على تلك المجالات,ومنها
1-الكوميكس
2-الكاريكاتير
3-الجرافيك
4-التصميم والإخراج الفني
5-كتب الأطفال
وكلها مرتبطة ببعضها في عقله وعمله,مما ينقلنا لآخر خاصية
7-الشمولية
رؤيته ومسيرته تتلخص في عنوان كتابه الأهم (نظر) لقد كان له نظرة في كل شيء!.
أعماله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-روز اليوسف
-صباح الخير
-ماجد
-سندباد
-كروان
-سمير
-زغلول
محيي الدين اللباد فنان تشكيلي وناقد فني متخصص في الجرافيك والكاريكاتير والكوميكس وكتب الأطفال,ولد في القاهرة عام 1940,وتوفى سنة 2010 عن سبعين عاما من العطاء تاركا خلفه خليفته وتركته إبنه المصمم أحمد اللباد.
المصادر
https://alarab.co.uk/الحكواتيون-الجدد-فن-الكوميكس-من-سندباد-إلى-فناني-الاحتجاج
https://www.jstor.org/stable/30197987?seq=1#page_scan_tab_contents
3-
https://al-akhbar.com/Literature_Arts/38787
4-
https://aktowfik.blogspot.com/2014/06/1.html
5-
https://www.khtt.net/ar/page/4412/-
6-
https://aktowfik.blogspot.com/2010/09/blog-post_14.html#more
المزيد من المصادر
1-طفولة الذاكرة البصرية,نسخة مؤرشفة على موقع Jstor
https://www.jstor.org/stable/30197987?seq=1#page_scan_tab_contents
2-فن الكوميكس من سندباد إلى فناني الإحتجاج / مقال منشور في جريدة العرب / ميموزا العراوي.
https://alarab.co.uk/الحكواتيون-الجدد-فن-الكوميكس-من-سندباد-إلى-فناني-الاحتجاج
3-الكوميكس المصري .. تاريخ بنكهة ثورية / محب جميل / مقال على جريدة الأخبار.
https://al-akhbar.com/Literature_Arts/38787
4-حوار مع محيي الدين اللباد
https://www.khtt.net/ar/page/4412/-
5-أحمد خالد توفيق
-الفن التاسع -1
https://aktowfik.blogspot.com/2014/06/1.html
-وداعا أيها الشيخشاب
https://aktowfik.blogspot.com/2010/09/blog-post_14.html#more
والعديد من المقالات الأخرى لـ أحمد خالد توفيق,أغلبها مؤرشف على مدونة أحمد خالد توفيق.
https://aktowfik.blogspot.com/
وقد قرأت جميع مقالات أحمد خالد توفيق المنشورة ورقيا أو رقميا.
6-كتاب محيي الدين اللباد (صانع الكتب) / عدة مؤلفين / وزارة الثقافة – المركز القومي لثقافة الطفل.