—- تعريفات —-
الصدفة؟
كسل يتخلل سحب المعنى
الحظ؟
علامات الوقف، فيما الجملة تقود الحملة
الاسف/ الانتظار
هتاف صامت يرفعه الخاسر في وجه الفائز
الصور الفوتوغرافية؟
“لو” تتحول قانونا ينتظم العالم في الثوب الأجمل
و”التنهيدة” تغدو جواز عبور صوب السرد الامثل
قليلةٌ هي الأسماء التي يستدعيها الحديث عن أدب الخيال العلمي في الجزائر؛ فالرواية هنا، إمّا منشغلةٌ بالحفر في الماضي، بعيده وقريبه، أو منهمكة في رصد الحاضر وأزماته المتشابكة.
من بين تلك الأسماء القليلة، يبرز الكاتب فيصل الأحمر (1973)، الذي يأخذ الخيال العلمي حيزاً لافتاً ضمن أعماله، تأليفاً وتنظيراً وترجمة.
“إنه مغامرة في الكتابة أكثر من كونه نمطاً محدّداً ومحصوراً في التعبير عن هواجس الغد، المتربّصة بإنسان اليوم نتيجة التطوّر العلمي وما يرافقه من تبدّل لأحوال الحياة”. هكذا يقدّم الأحمر رؤيته حول الخيال العلمي، مضيفاً في حديثه مع “العربي الجديد”: “الخيال العلمي يمنح إمكانيات كثيرة للكاتب من المنطلق الأصلي والرئيسي للخيال. أليس الخيال في تعريفه القاعدي تفكيكاً للواقع إلى قطع صغيرة ثم إعادة تركيبه؟”.
أولى تجارب الكاتب الجزائري في هذا المجال كانت قصّة قصيرة كتبها سنة 1990، اتّخذ فيها من مدينته الميلية في محافظة جيجل (شرقي الجزائر) مكاناً لأحداثها. يستذكرها مبتسماً: “بعض أصدقائي ضحك من كون الميلية تحتوي خيالاً علمياً، وبعضهم سألني: هل تعتقد أن رجال الفضاء، إذا حدث وأتوا إلى الجزائر، سيتكلّمون العربية؟”.
بعدها بأربع سنوات، كتب روايته الأولى في الخيال العلمي، ثم نشرها مسلسلَةً في صحيفة جزائرية سنتي 1996 و1997، بعنوان “إسلاميا”، وفيها تَصوَّر العالم منقسماً إلى ثلاثة كواكب: أميركا وتشاينا وإسلاميا.
يقول: “بعد عشرين عاماً، نعيش وضعاً شبيهاً بما تخيّلتُه. حينها، كانت كلّ التحوّلات الإقليمية تشير إلى ظهور قطب أوروبي جديد، لكن شعوري بالممانعة الآتية من الشرق كان قويّاً، فقد بدا لي أن دور الشرق، سواء الصين أو البلدان الإسلامية، سيكون أكثر أهمية من دور أوروبا. اليوم، يبدو أن الواقع يصادق رؤيتي”.
يضيف: “مثل السياسة، الأدب هو فن الممكن، والخيال العلمي يمنحنا ميزة الإطلالة على ممكنات الفكر واللغة والجمال”.
روايته التالية “أمين العلواني” (“دار المعرفة”، 2007)، جمعت بين المذكّرات والبيوغرافيا والشعر والتسجيل المرئي والمنتخبات الأدبية والقصّة والدراسة النقدية، لتشكّل ترجمةً لحياة سيعيشها في المستقبل كاتب كبير يُدعى أمين العلواني.
يصف الأحمر روايته بأنها تأمّلية – فلسفية؛ “حيث تنظر في جوهر الأدب والفن والقدَر، وفي الصلات المعقّدة بين النص الأدبي والتاريخ، والإنسان والكلمات، وتتأمّل وظيفة الأدب التي يبدو أنها اهتزّت بقوّة في القرن العشرين”، وبأنها عمل تجريبي؛ إذ “تمارس لعباً بالكتابة وتخلخل كثيراً ممّا درجنا على عدّه قواعد لكتابة الرواية لا تتبدّل ولا تتحوّل”.
يقول صاحب “رجل الأعمال” إن “أمين العلواني” تعكس الإمكانيات الكبيرة للتعبير الأدبي التي تُتيحها كتابات الخيال العلمي. إنها، بشكل ما، دفع للأمور إلى حدودها القصوى: “حاولتُ، من خلالها، إثبات قدرة هذا النوع المنفتح بالضرورة على التجريب. الخيال العلمي في عرف كثير من الناس هو أدب المستقبل، وهو كذلك بالمعنى الحقيقي والمعنى المجازي”.
يضيف: “منحني العمل إمكانية التلاعب بقواعد التخيّل البسيطة أو القاعدية، فقد تخيّلتُ في مقطع منها أن الشخصية الأدبية المسمّاة (أمين العلواني) ستجد كتابي حولها وتقرؤه، ثم رحتُ أتصوّر ردود فعلها إزاء كاتب يرسم حياتها بأدقّ التفاصيل، ثم قبلت أنه ربما سيثيره ذلك الكاتب المغمور والفاشل المسمّى فيصل الأحمر، والذي رسم حياته، فيبحث عن أسراره ويكتب حول تجربته. هكذا، أنشأت لعبة مرايا كبيرة يحاور من خلالها كلّ كاتب من الاثنين صورة الآخر في زمن آخر، مع تعليقات السارد”.
في 1997، كتب الأحمر روايته الثانية في هذا المجال؛ “يوم تأتي السماء” (قيد الطبع عن “دار الألمعية”). يقول عنها إنها “رحلة في الفضاء الخارجي بحثاً عن الذات، ضمن رؤية صوفية”، موضّحاً: “عملت ثقافتي الصوفية على رسم خطوط الرواية؛ إذ إنّ المتصوّفة يؤمنون بالرحلة الداخلية، وبأن العروج في معارج القدس الأعلى يؤدّي إلى الغوص في مدارج النفس الأدنى.. إلينا”.
في هذا العمل، يحضر أيضاً هاجس بيئي يحذّر من الدمار الذي تحدثه التكنولوجيا: “لم أذهب بحثاً عن كل هذا إلى التيارات السياسية الخضراء والمنظّمات العالمية التي تدافع عن البيئة، بل اكتفيت بالعودة مراراً إلى منطقتين ريفيتين: دوّار أولاد علاّل في جيجل، التي تعود إليها أصولي، والميلية، حيث قضيت معظم حياتي”.
مجموعته القصصية “وقائع من العالم الآخر” (“منشورات إبداع”، 2002) تضمّ قصصاً تميل إلى التجريب، وتتناول موضوعات شائعة في مجال الخيال العلمي؛ كالسفر عبر الزمن والأبعاد العجائبية وآثار البحث العلمي والتصوّرات الكارثية للعالم في ظل التطوّر التكنولوجي، مع حضور قوي للهواجس الفلسفية مثل دور الإرادة، إرادة الحرية، وضرورة التسامي، والعبقرية وإطارها الاجتماعي، والقوّة المطلَقة في يد الإنسان المحدود بغرائزه، والجنون، والأزمات الوجودية وصلتها بضرورات المجتمع، وصراعات الهيمنة: “إنها هواجس تسكنني ككاتب لا يستطيع الامتناع عن التفكير”.
إلى جانب التأليف، ترجم الأحمر رواية “عالم جديد فاضل” (“دار بنّابي” 2009) للكاتب والفيلسوف البريطاني ألدوس هكسلي، والتي يقول عنها: “هي رواية تنتمي إلى ما يُسمّى باليوتوبيات المضادّة؛ أي تلك اليوتوبيات التي ترسم صوراً قاتمة عن المستقبل، وتنبّه إلى ما يحدق بالبشر من أخطار إن سلكوا بعض المسارات”.
بعد ذلك كلّه، ماذا تعني كتابة الخيال العلمي؟ يجيب الأحمر قائلاً “تعني أن تُواجه الواقع وألّا تهرب منه، وأن تكون حذراً، لأن الواقع في الخيال العلمي متحرّك دائماً، حقيقي، وينبض حياةً، أن تتحلّى بالشجاعة، لأن ما يتخيّله الواحد منّا حول شكل المستقبل، غالباً ما يأتي المستقبل ليُظهر سخافته. العزاء الوحيد للكاتب الذي يُصبح مضحكةً هو أنه غالباً ما يكون ميتاً”.
ليس أدب الخيال العلمي مقروءاً جزائرياً وعربياً. واقعٌ يعلّق عليه الأحمر بقوله: “لكي تكتب في هذا الحقل، يجب أن تكون من المجانين الذين يتخلّصون نهائياً من الجاذبية، ومن سلطة أنساق المجتمع العاقل، وأنظمة المنطق، وواجبات الاتجاه السياسي، وأن تجيد السير إلى الخلف مثل إبراهيم رمضان، بطل قصّة (المجنون) في مجموعتي القصصية”.
يضيف: “المؤكّد أن المشتغل في هذا النوع لا ينتظر اعترافاً من أحد، لأن غالبية القرّاء والنقّاد تهضم روايات الخيال العلمي بشكل عسير منذ قرابة القرنين، وقلّما نالت اعترافاً مباشراً. العزاء الوحيد هنا أيضاً هو اللذّة التي يجدها كاتبه، وهو يكشف عن واقع مخيّلته”.