أدب الأطفال, الأدب المصور

عربي

عربي مجموعة قصصية عربية موجهة للأطفال، فهذا -أي هذا الجنس الأدبي- هو أفضل ما يجب خطه بأقلامنا وبلغتنا. ولكن لأن أدب الأطفال، أدب سامي عن الآداب الأخرى، وصعب، فقد استكبرت الكتابة فيه عليّ أي كنت أنا ضئيلا بالنسبة إليها. ولكني تفكرت، وقلت أنه، ومثل أشياء أخرى عديدة، لا ضير من المحاولة. ولكني استسهلت فجمعت مجموعة من أشهر العناصر القصصية في الأدب الخيالي عموما، ونحن نعلم أن مخيلة الأطفال واسعة جدا لا حدود لها، ولكني قررت أن أحاول جمع أكبر قدر من العناصر والشخصيات والأماكن كيفما أتفق، متبعا نهج معجمي / قاموسي وفق ترتيب أبجدي، مدخلا قصصي هنا وهناك.

 

الإنسان

أحب أن أستكشف الأماكن في الحي الذي نشأت به, أفعل ذلك منذ أكملت خمسة سنوات, والآن قد بلغت السادسة وفتحت لي المدرسة المزيد من الآفاق التي لم يكن اتوقعها. حتى بعد أن كبرت عن ذلك بعدة سنوات, وحتى بعد أن استكشفت كل الأماكن في الحي حول منزلنا, لازلت وحيد. الطريق إلى المدرسة شارع واحد فقط, تقع بدايته عند نهاية شارعنا, ويقع بيتنا عند أول هذا الشارع. أسلك الشارع يوميا مسترجعا كل معالمه وملامح نفس الناس يوميا, وقد حفظتها يوما بعد يوم. وألحظ أقل تغييرات تحدث, مثل أن هناك مقهى إنترنت فتح جوار بيتنا, بينما أغلق مقهى آخر للإنترنت آخر الشارع. أم مسعد لم تفتح اليوم. وهي من الناس اللاتي تبيع أي شيء. عرفت لاحقا أنها ماتت. رحمها الله. إبن أم لبيب مات أيضا. مات في الشهر الفائت. لم أرى لبيب قط. ولن أرى شقيقه أيضا. واغلق محل المكواة الذي كان يعمل به وكان قد فتح محل آخر عند آخر الشارع أمام محل المكواة الخاص بأحمد الديب. العديد من محلات البقالة فتحت مكانها. أحدهم أزال الزير القديم من مكانه وعلى مبعدة خطوات منه وجدت قلة محطمة بين ثمانية قلل أشرب منها. أشرب أيضا من ثلاجات المياه المبردة التي تكاثرت على يسار الشارع الطويل. إحدى الثلاجات متوارية عن الأنظار مظللة تحت الأشجار تساعدني على نسيان حر النهار في رمضان. وعلى نسيان صيامي أيضا. هناك فتاة محجبة ظهرت في الحي. واحدة من الفتيات الكثيرات اللاتي تظهر وتفتن الكبار وأنظارهم مفضوحة لي. يلتهمنها بعيونهم ويجدن جمالا لا أجده. هي لا تجيد ربط حجابها وتكشف أجزاء من شعرها وعنقها وصدرها. وكنت أحسب أن المرأة كلما كانت قويمة تجيد ارتداء الحجاب كلما كانت أجمل وأفضل للرجل. حفرة جديدة ظهرت. حفرة من أجل الكهرباء أو الماء أو الغاز أو المجارير أو الحفر لأجل الحفر, أو ربما لدفن ميت. أبو وليد بتاع / بياع الكفتة لازال محله. الناس هنا فقيرة جدا, لكنها لا تشبع من أكل الكفتة ولا تكف عن شراءه. لا أعرف كيف؟. وحاولت أن أطبق الحساب الذي تعلمته في المدرسة, وقبله في الحضانة,وقبله في الكتّاب, وقبله من أبي, فلم أتوصل إلى نتيجة رغم أنني طفل عبقري, وبشهادة الجميع. هناك معركة تحدث منذ أيام في مكان جديد بالشارع. بالقرب من الانعطافة لشارع المدرسة, عند حارة مظلمة في اليمين وفي اليسار. هناك نقطة جديدة لانطلاق مشاجرة كل يوم. حفظت كل المشاجرات التي تحدث في شارعنا, وشارعنا يبدأ بمنزلنا, وينتهي إلى مدرستنا. وفي الطريق إلى المدرسة أقابل كلابا, والطريق مليء بالمخاطر فهي ليست الخطر الوحيد. الصبيان المتنمرين, والكبار الغرباء, والشقيق الأكبر لفتى ضربته, ومعلم ضل عن المدرسة فيضربني لأني تأخرت, لماذا يضربني في سنتي الأولى؟. والفتاة الشريرة الأكبر سنا من كل الأطفال, والتي دوما تضايقنا و(ترزل) علينا. بائع التماثيل. الناس التي تحفر. الناس في الظلمات على جانبي الشارع. الناس التي لا تشبع من المشاجرة كل يوم. الركاب؛ الدراجات والعربات ومركبات الـ توك توك. عقلي يهيئ لي فترة لم تكن تلك المركبات الأخيرة موجودة بها. وأسوأ الركاب هم العربجية. أي سائقي عربات الجرّ. المشهورة بـ عربات الكارو. إنهم يدهسون أي شيء. حجر أو طفل أو حتى مسمار وكأن إطاراتهم لا تثقب أو تنفجر. لا أعرف أيهم الأكثر إرعابا بين كل هؤلاء, لكن بائع التماثيل يحتل مكانة كبيرة في قلبي. أسمع دقاته ترن بقوة في عقلي كأنه يصفعني على وجهي, كلما مررت من أمامه. أغلب المخاطر تكون إما في الناس, وإما في الحفر, حفرة بها بركة ضحلة وعميقة,أو بالوعة مفتوحة,أ و حفرة فيها أسلاك كهربائية ضخمة, موصولة وعارية في أجزاء منها تضخ كهرباء قاتلة. وهناك طبعا الكلاب. وهناك حفرة ينام فيها كل في المكان الخالي الذي كلما احتله بناء قاموا بهدمه لا أعرف لماذا؟ الكلاب مخلوقات مخيفة وخطيرة وخطرها يراه الأعمى. حتى أن هناك بعض الكبار يخافون منها, وتقطع عليهم الطرق للذهاب إلى مشاغلهم أو بيوتهم. هؤلاء لهم عذرهم, وأما من لا يخافونها فهم لديهم أسبابهم أيضا. ولكن لا أعرف لم يتغابى أو يتغافل الكبار عن تلك الأسباب والفروق بيننا وبينهم. الكبير لا يخاف من الكلب لأن رأس الكلب يقع عند ركبته. أما أنا صغير السن ضئيل الحجم أواجه الكلب وجها لوجه. رأسي تماما عند أسنانه. وإذا كان كلبا كبير تخطاني ارتفاعا. يمكنه أن يفترسني بسهولة. أشعر بالأمان إذا رفعني أحد ليمر بي وأنا أنظر للكلب تحتي. أما أن يمسك أحدهم بيدي ليعبر بي من أمام كلب. فلا. أعبر لوحدي أفضل من اليد التي تقيد يدي. صحيح أن الكلاب تخاف منا ولا تؤذينا بسبب خوفهم من الكبار. إلا أن الكلب يمكنه افتراسي أو انتزاعي من يد الكبير في لحظة إذا أصابه سعار فجأة. رأيت ذلك ذات مرة. وجه الفتى مصطفى ظل مشوها بعدها. الكلاب المسعوة خطرة. والسعار يصيب الكبار حتى. وقد سمعت مرة عن تلك السيدة التي أصابها السعار فأكلت ولدها كما تفعل اللبوة مع أشبالها أو الذئبة مع جرائها. أو القطة وقد رأيت قطة تفعل ذلك. الأخطر من كلب مسعور أن أصادف سلعوة. هنا لن يحميني أي أحد من الكبار, وسوف تكون سيقانهم أسرع لأنها أطول أثناء الهروب. لا أنسى بالطبع ذكر العفاريت, الذين يخاف منهم الناس والكلاب وأي أحد يخاف طبعا من العفاريت, عدا شخصا واحد أعرفه. لكن لحسن الحظ فالعفاريت عادة تنام بالنهار, وأنا أذهب إلى المدرسة صباحا أو ظهرا إذا تحولت للفترة المسائية. وأثناء عودتي من المدرسة, بعد أن تخطيت مرحلة أن أمي تأتي وتأخذني, ولذلك قصة سأرويها قبل أن أقول ماذا أفعل عندما أعود من المدرسة. وهي أن أمي تأخرت عني ذات يوم, انتظرت كثيرا, ثم لما خلت المقاعد حولي من كل التلاميذ والأطفال وحتى الأصحاب الذين عرضوا علي اصطحابي معهم لأن بيوتهم قريبة, بعد أن خلت المقاعد إلا مني. قمت ومشيت, وظللت أتتبع الطريق محصيا البيوت بيتا خلف بيت بما تشابه عليا. اكتشفت لاحقا أن الشارع واحد فقط, يذهب بي إلى المنزل. وأنني أخطأت ودخلت شارع جانبي, أو ربما الشارع في قبالة المدرسة. ولكن لحسن الحظ كلها شوارع محفوظة لي حتى الآن. أخذت أتراجع بذاكرتي وأنا أذكر البيوت والشوارع, حتى الآن مسيرتي صحيحة, وطريقي أخضر كما تقول لي أمي. انعطفت ودخلت شارع مختصر يؤدي إلى منتصف شارعنا, ولمحت أمي مارة من جانبي. وقد رأتني بدورها فاحتضنتني مكافأة على مجهوداتي. أما ما أفعله طوال اليوم, فهو أنني أتخيل العفاريت وألهو معها أثناء عودتي للمنزل. تهت أكثر من مرة, وتعرفت طريقي إلى المنزل. حتى أنني سمعت أن العفاريت هي من ترشدني. أنا أمشي أحيانا متخيلا أن الناس أصدقائي. جميع الناس. حتى الغرباء منهم. حتى هذه المرأة على الكرسي المتحرك, وشخص ما يدفعها. حتى هذا الشحاذ. حتى الكلاب المسعورة. وحتى تلك القطة التي أكلت أولادها وكادت تأكل يدي ذات مرة. وتنام على عتب الباب. حتى عتب الباب والحجارة. هكذا تعودنا أن نضرب الأرض إذا أبكتنا. ولكني أحاول أن أصاحبهم. أحاول أن أصاحب العفاريت, ولكنهم لا يتحدثون معي كثيرا. أحاول أن أتخيل جدي الميت صديقي لي. أو أبي الميت. أو أخي الأكبر الميت أيضا. أتخيل أخي الأصغر صديقا لي. رأيته وهو يخرج من أسفل أمي. ولكنه لا يتكلم بعد. لا أصدقاء لي في المدرسة. تخيلت لما أكبر سوف يكون لي صديق واحد على الأقل. ربما هو أخي. كبرت ولم يكبر أخي بعد كفاية, هو الآن في السابعة. لا زال صغيرا جدا. ذات مرة وأنا في الثالثة عشر, تساءلت مرة أخرى, عن أنه ربما يكون لي أصدقاء حين أكبر. دخلت الجيش, وخرجت. ولم يصر لي أصدقاء. أخي ما زال صغير. وفي العمل لا أصدقاء لي. في الحي لا أصدقاء ولا جيران لي. أمي كانت صديقة جيدة, أدركت ذلك لما ماتت. ما زلت أبحث عن صديق. درست نمط تفكيري ووجدت أنه لا يختلف كثيرا عما كنت عليه لما كنت طفلا. لا زلت أبحث عن صديق. ربما هذه ليس ضرورة حقيقية. وربما سوف أعثر على صديق, في يوم ما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *