الأدب

الكتب المؤسسة للأفكار

 

5001 ق. م / مصر القديمة، سليم حسن

مصر القديمة

في سلسلة من المراجعات حول (الكتب المؤسسة للأفكار)، نستهل فيها بأولى الأفكار التي مرت على الإنسان منذ فجر البشرية، في المراجعة السابقة، كانت فكرتنا الأساسية حول (نشأة الحضارة)، واخترنا كتاب قصة الحضارة، وبشكل تدريجي، ننتقل من التعميم إلى التخصيص، وفكرتنا هنا، عن (نشأة أولى الحضارات التي عرفتها البشرية)، في الواقع، وعلى نحو أكثر دقة، هذه مجموعة فرعية من الأفكار يمكن أن تحمل أسماء مثل: مصر، بابل، الهند، الصين، واليونان، ما يعني أننا خصصنا لكل فكرة ومراجعة تعبر عن كل دولة.

 

بل وربما أكثر من ذلك، لأننا لا نحصر دولة كبيرة مثل مصر -التي نتناولها بالحديث هنا- في فترة زمنية بعينها، وعلى مدار المراجعات المتتالية، سوف نقابل مصر القديمة (سليم حسن)، ومصر في عهد نابليون (وصف مصر)، ومصر الحديثة (شخصية مصر)، وربما تقابلنا فترات ليس هنا متسع للخوض فيها.

 

مصنف مثل (مصر القديمة)، يعتبر هو الموسوعة الوحيدة المتكاملة في التاريخ المصري القديم التي وضعها عالم واحد بمفرده، هو عالم المصريات القدير سليم حسن (أستاذ علم المصريات في جامعة القاهرة، وهو مؤسس القسم)، ولد 1886، وتوفى 1961، ويعد حلقة وصل بين جهود أحمد كمال باشا قبله، ومصنفات زاهي حواس بعده. ويتكون مصنفه من 18 مجلدا تتناول مساحة واسعة جدا من التاريخ مبسطة على نحو أكثر من 5000 عام قبل الميلاد، منذ عصور ما قبل الأسرات، وصولا إلى موت كليوباترا وسقوط الدولة البطلمية.

 

5000 ق. م / قصة الحضارة، ويل ديورانت

قصة الحضارة

ابتداءا، نُعرّف بالسلسلة أولا، وهي سلسلة من المراجعات السريعة -قصيرة كانت أو طويلة- تمتد إلى ما شاء الله، وصولا إلى 3000 قطعة نصية، ونعم لم أقم بإضافة صفر زيادة، بل هي كما العدد المذكور بالفعل، ولأن تاريخ ما قبل التاريخ متاهات وظلال، كذلك تاريخ ما قبل الميلاد، عينّا ميلاد المسيح لحظة فارقة يمكن تقصي الأخبار عنده أفضل وأكثر وضوحا مما لو تقصينا قبله، ذلك لا يمنع أننا سوف نتناول في أول مئويات قائمتنا هذه، ما فاتنا من أخبار السلف منذ آدم عليه السلام أو قبله بقليل (لو وسعنا ذلك).

 

وأول كتاب عن آدم، ليس عن آدم تحديدا، بل عن ما يرمز له سيدنا آدم: (نشأة الحضارة)، هو كتاب بعنوان بسيط وواضح: (قصة الحصارة)، للفيلسوف الأمريكي الكبير ويل ديورانت، الذي يمكن اعتباره، وبدون أدنى مبالغة، ضمن أبرز وأهم خمس كتب في موضوعها، بل ومن أكثرها موسوعية. الكتب الأخرى المتقدمة أيضا في نفس الموضوع، هو (موجز تاريخ الزمان) للقاص الإنجليزي العظيم هربرت جورج ويلز، وهي نسخة أكثر اختصارا ونقيضا عن الموسوعة. وبنفس الإيجاز قدم لنا كل من يوفال نوح هراري -المؤرخ الإسرائيلي البارز- والمؤرخ البريطاني أرنولد توينبي، وجارد دايموند الأنثروبولوجي والجغرافي الكبير، نسخهما الخاصة المختصرة (العاقل: تاريخ موجز للبشرية) لنوح، و(تاريخ البشرية) لتوينبي، و(أسلحة وجراثيم وفولاذ).

 

توينبي نفسه -الذي كان معاصرا لديورانت- صنف نسخته الطويلة من التاريخ في مؤلفه الضخم (دراسة في التاريخ / 12 مجلد) وبالمقابل قدم ديورانت بعض المختصرات كما فعل في (قصة الفلسفة). ولكن موسوعة قصة الحضارة، حظت باعتراف عالمي بأنها أكبر موسوعة تاريخية شاملة نتاج جهد فردي (11 مجلد في نسختها الإنجليزية)، حيث كان مؤلف ديورانت أوسع نطاقا. كما أنه يرسخ لفكرة واحدة أصيلة نحاول التقاطها لاحقا في كل كتاب، وهي هنا: (نشأة الحضارة)، أو كيف انتقل الإنسان من بناء خيمة إلى بناء البرج، ومن ركوب بغلة إلى ركوب الطائرة، حيث يبدأ تاريخ قصة الحضارة، من العصر الحجري، وينتهي عند سقوط نابليون سنة 1815 (كان هناك مناطيد هوائية في عصر نابليون). والأهم من ذلك، كيف انتقل من الصيد بالحجر، ثم السكين، وصولا إلى القتل بالطلقات النارية!.

 

الكتاب تم ترجمته بواسطة مجموعة من المترجمين الكبار على رأسهم أستاذ الفلسفة المصري زكي نجيب محمود، وتم نشره لأول مرة بواسطة دار أجيال في 42 جزء موزعة على 22 مجلد، ثم أعيد طباعته لاحقا بنفس التوزيع بواسطة مكتبة الأسرة عام 2001 واحد (الطريف أنها كانت طبعة مخفضة تتناقض مع سعر الكتاب الآن، ولكن ذلك قد يكون مبررا نظرا لندرته). هناك دار قامت لبنانية قامت بطباعة الـ 42 جزء في 42 مجلد أصغر حجما، هي دار نوبليس.

 

610 / القرآن، والقراءة

القرآن الكريم

 

 

1888 / الإثبات الهندسية للنظرية الكهروديناميكية، هاينريش هيرتز

The Principles of Mechanics Presented in a New Form, Heinrich Hertz

في عام 1888 تم تقديم الورقة البحثية التي حوت “الإثبات الهندسي للنظرية الكهروديناميكية: (بالألمانية: Über die elektromagnetischen Wellen)” للفيزيائي الألماني هاينريش هيرتز، هذا العمل كان تتويجاً لسلسلة من الأبحاث التي أثبت فيها هيرتز وجود الموجات الكهرومغناطيسية التي تنبأ بها جيمس كليرك ماكسويل من قبل (ومن قبلها اختبرها مايكل فارادي قبل أن يصيغها ماكسويل في صياغات رياضية محكمة)، مما فتح الباب أمام تقنيات الاتصالات اللاسلكية مثل الراديو والتلفزيون والإنترنت.

 

1889 / هنري برجسون: الأعمال الفلسفية الكاملة

هنري برجسون، الأعمال الفلسفية الكاملة

في عام 1889 صدر أول نص فلسفي هام لـ هنري برجسون، وهو بعنوان: (الزمن والإرادة الحرّة)، حسب الترجمة العربية الشائعة -مع تصرف- للعنوان في الأصل الفرنسي: “Essai sur les données immédiates de la conscience”، وهي ترجمة موفقة للغاية، لأنها لمست القصد من وراء الطرح الفلسفي في هذا النص الذي شكل باكورة أعمال برجسون، وبلور فيها نظرية كانت أعمالها الأخرى امتدادا لمعطياتها وتفصيلا فيها.

 

فهو أول من اقترح ضرورة التفرقة بين الزمن الزائف على حد تعبيره، أي الزمن الفيزيائي / المكاني المعروف منذ اختراع الساعة أو قبلها، وبين الزمن (الحقيقي)، حسبما يرى هو، يقصد الزمن الذي يعيش الوعي داخله، باعتباره الزمن الحقيقي، هنا هو يفرق بين الحقيقة، وبين الواقع، وكأن الواقع هو فقط فرض تم فرضه علينا، بينما الحقيقية هي الفرضية الحقيقية. العمل معقد جدا ويغوص في المسألة، لأنه يصعب الوقوف على المعيار الفارق أو الذي نقيس به الفروق أو درجات الإلتباس بين هذا وذاك.

 

لكنه صك مفاهيم أساسية تساعد في هذا المضمار، مثل مفهوم المدة أو الفترة الزمنية “Duration or Durée”، حيث شكلت ورقته البحثية تلك أطروحة الدكتوراة التي تمرد بها على الفلسفة الكانطية الثابتة، والمنفصلة عن الوقائع أو عن الحقائق، حيث كان يرى كانط أن الإرادة مفصولة (نسبيا أو تقريبيا) عن الوعي البشري في عالم آخر (مستندا إلى التصور النيوتني الكلاسيكي)، بينما ظل برجسون متمسكا بالإطار النيتشوي للإرادة (مع تصرف من برجسون وتوجه أكثر نحو تدفق وحيوية الفعل البشري، بدلا من فرض القوة)، كونها في صميم الفعل والسلوك البشري (ما شكل نواة لأعمال ويليام جيمس لاحقا)، وباعتبار الزمن، والوعي، جزء أصيل من التجربة الداخلية الحيّة للذوات الإنسانية، وهي ما تصنع فرادتها وتطورها.

 

يظل هذا النص الفلسفي المحكم، هو درّة عامه، أولا باعتباره نموذج مبكر ومعبر عن عموم أعمال برجسون الفلسفية، وثانيا لقيمته العلمية التي نعبر بالاستدلال على قيمتها، من خلال معرفة أنها كانت واحدة من المصادر التي لربما اقتبس عنها آينشتاين في بناء النظرية النسبية الخاصة 1915 ثم النسبية العامة 1915؛ النظرية التي غيرّت وجه الفيزياء إلى الأبد. بالرغم من الخلاف المشهور ومناظرة 1922 بين برجسون (الذي رفض النسبية واعتبرها تحول الزمن الداخلي للإنسان، وبالتالي السلوك الإنساني عموما، إلى رياضيات فيزيائية / ميكانيكية جامدة، وتقتل حيوية الفعل البشري)، على الجانب الآخر، ورغم أن نقد برجسون ساهم بشكل غير مباشر في تأخر منح نوبل لآينشتاين (منحت له عام 1921 عن التأثير الكهروضوئي بدلا من النسبية)، إلا أن الأخير دافع عن نظريته، ولم ينكر صراحة تأثره بأعمال برجسون.

 

1967 / شخصية مصر، جمال حمدان

شخصية مصر – مكتبة الأسرة

في سياق سلسلتنا عن “الكتب المؤسسة للأفكار”، نصل إلى نقطة أخرى محورية، حيث يلتقي التاريخ بالجغرافيا في تحليل عبقري يفكك “شخصية” الأرض نفسها. هنا، يأتي كتاب “شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان” للجغرافي المصري جمال حمدان (1928-1993)، الذي يُعدّ واحداً من أبرز علماء الجغرافيا في القرن العشرين، وكتابه هذا يُشكل قمة إبداعه. صدرت النسخة الأولى عام 1967م في نحو 300 صفحة، ثم توسع ليصبح أربعة مجلدات ضخمة تغطي جغرافيا مصر بكل أبعادها الطبيعية والإنسانية والتاريخية، مما جعله مرجعًا أساسيًا لطلبة الجغرافيا في مصر وخارجها. والفكرة الرئيسية هنا هي (عبقرية المكان)، كما طرحها الكاتب والمفكر جمال حمدان في عنوان موسوعته.

لكنه لا يكتفي بهذه الفكرة، بل ويؤرخ لمصر الحديثة، لكنه لا يفعل ذلك كتاريخ تقليدي خطيّ، بل كتحليل جغرافي-ثقافي يربط بين (عبقرية المكان) والتطورات التاريخية الحديثة، مما يجعله أقرب إلى تفسير الظواهر الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن الجغرافيا عبر العصور.

هذا المصنف المذهل يغطي الفترة الزمنية الشاملة لتاريخ مصر من الماضي الجيولوجي الأركي السحيق (أقدم عصور البناء الجيولوجي، بما في ذلك تكون نواة مصر الجيولوجية وتطورها عبر عمليات طغيان البحر وانحساره، والتي تعود إلى ملايين السنين مضت) إلى العصور الحديثة المعاصرة (حتى الثمانينيات من القرن العشرين، مع التركيز على القرن التاسع عشر، ثم القرن العشرين وأهم أحداثه: ثورة يوليو 1952، الحرب العالمية الثانية، والعدوان الثلاثي عام 1967، وتطورات ما بعد ثورة البترول في العالم العربي، بالإضافة إلى إشارات إلى آفاق المستقبل).

 

 

 

 

اترك تعليقاً