أكثر اللوحات رعبا في تاريخ التصوير الفني
في سلسلة من المقالات هذا أولها,وكما ظاهر من عنوانها,نعرض سبعة لوحات تبث الخوف في قلوب الناظرين إليها,أكثر حتى من أفلام الرعب التي صارت مستهلكة قل ما تخرج بفيلم عظيم من حين لآخر.
[1] الصرخة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصرخة Shriek (العنوان الأصلي الذي أطلقه الرسام هو صرخة الطبيعة Der Schrei der Natur) لوحة رسمت عام 1893 واقترنت ذكرها برسامها لما يحضر إسم النرويجي العظيم مونش وهي ليست أشهر أعماله فحسب,بل ربما تكون أشهر لوحة مرعبة في تاريخ الفن التشكيلي على الإطلاق,وبالطبع واحدة من أكثرها إثارة للفزع. والذي يتمثل رعبها في كونها لا ترسم شيء مخيف,بل تجسد تعبير الخوف ذاته. وما أفضل من تجسيده من النافذة الأهم على عواطف الإنسان -والحيوان- ودواخله أي الوجه. وقد تعمد الرسام أن يشوه الوجه (وأن لا يحدد حتى جنس الشخصية) حتى لا ترتبط علامات الذعر لدى المتلقي بوجه محدد. بل يطلق العنان لمخيلته كي يسقط إمارات الذعر تلك على أي شخص في حياته,أو على نفسه.
تلك الإمارات هي ولولة اليدين وجحوظ العينين ورعشة الجسد,وعلى رأسهم توجت أهم علامة دالة على الخوف. الصرخة,والتي تسمت اللوحة بإسمها. حيث الفم مقشوع ثلاثي الفتحات في وئام تقشعر له الأبدان بين النوافذ الثلاثة في الوجه.
هذا غير الخلفية التي تبث مشاعر رعبية متنوعة من الرهبة والقلق والتوتر والتوجس والترقب والقشعريرة,حتى تكاد تلك اللوحة أن تستنفذ كل مفردات الخوف دون أن تترك شيئا للأعمال التالية. الخوف بنوعيه من المعلوم والمجهول,ولا تشرح الخلفية موضوع القصة التي ترويها اللوحة. فهي تصور شخص مذعور في بيئة سريالية وعن قريب منه يقف رجلان غامضان. يرى البعض أن اللوحة تصور ضحية يتربص بها قاتلان في الظلام. فهو يخشى المعلوم متمثلا في خطر القتل. ويخشى من المجهول متمثلا مما قد يفعلاه به. والخوفان يجسدان عجزه عن فعل أي شيء. بينما قد يكون التفسير أن اللوحة تعرض القلق من إنهيار كل شيء,حيث هناك خطر / رعب يطل علينا من البحر والسماء (رسمت بتموجات زيتية زرقاء وحمراء) ومن الناس في الشارع. وعامة حظت اللوحة بعدد لا بأس به من التفسيرات. واللوحة تنتمي إلى سلسلة من الأعمال الفنية تحت عنوان (إفريز الحياة) تتناول موضوعات مشابهة للقلق,مثل الموت والإكتئاب وغيره.
قناع الرعب المنطبع على الوجه المتألم للضحية صار واحد من أكثر الرموز الفنية شهرة حيث يعكس القلق الإنساني بحسب إحدى التأويلات,وأن إدوارد مونش (والذي يعد واحد من رواد التعبيرية) قد رسمها بعد مروره بحالة نفسية خاصة.
تم إقتباس لوحة الوجه المتألم في قناع الشبح الشهير الذي يرتديه القاتل من سلسلة أفلام الصرخة Scream 1996.
حدد الباحثون المكان في الخلفية أنه خليج أوسلو الواقع في مدينة أوسلو النرويجية.
[2] الجوع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ساتورن يلتهم إبنه Saturn Devouring his Son عنوان مخيف للوحة مخيفة رسمها أحد الأضلاع الثلاثة لمثلث العظمة الإسباني في الفن التشكيلي (بيكاسو ودالي وجويا) فرانسيسكو جويا.
تحكي قصة اللوحة عن كرونوس حين اشتد به الجوع,ولكنه لم يكن جائعا لغداء أو عشاء فطاب له أن يأكل لحم إبنه. بل هو الجوع للسلطة للدرجة التي تجعل الأب يقتل إبنه بأن يأكله حيا قبل أن يرثه أو يطمع في منصبه. أكل أولاده خوفا من الإطاحة به,كما فعل هو وإخوته مع أبوه أورانوس
هي قصة كرونوس (أو زحل / ساتورن) وزيوس إثنين من جبابرة الآلهة لدى اليونان,والتي يبدوا أن قصتهما هي الأصل للمثل القائل “اتغدا بيه قبل ما يتعشى بيك”.
وزيوس هو إبن كرونوس إبن أورانوس من جايا,وجايا زوجة أورانوس وأمه -أم أورانوس- في نفس الوقت -عائلة لا تعرف ربنا,آه .. صحيح هم كانوا الآلهة في ذلك الزمن!.
والأساطير الإغريقية منبع خصب لم ينفذ بعد للأدب والسينما والتصوير,فنسج الفن التشكيلي من أساطير اليونان لوحات مرعبة تكفي لأن نفرد لها هذه القائمة كلها. تجسد شخصيات مثل
-ميدوسا
-ميديا
-تانتالوس
والفعل المصور في اللوحة قبيح لأقصى درجة,ومستويات الحدة فيه متصاعدة
1-القتل
2-أن يؤكل الإنسان
3-أن يأكل الأب إبنه
الحقيقة وراء الحدث إنه لم يأكل إبنا واحدا,بل كل أبناءه,وزيوس الوحيد الذي لم يؤكل,بل خدعته زوجته وأطعمته صخرة في لفافة كأنها إبنه (البعيد أعمى لا يشعر بشيء!).
ضف على ذلك أنهم أبناءه وإخوته من أمه,بعد أن قام معها بزنا المحارم مما يزيد الفعل (فعل تكوين الأسرة قبل محاولة تدميرها) قذارة وانحطاطا.
وتنتمي اللوحة -مثل لوحة الصرخة- إلى سلسلة من اللوحات تسمى اللوحات السوداء ترتبط ببعضها في نفس المواضيع الكئيبة والسوداوية نشرها جويا على جدران بيته الشهير (منزل الرجل الأصم Quinta del Sordo).
[3] الساعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وننتقل من التفكك النفسي,والتفكك الأسرى,وصولا لتفكك العالم. إنهيار كل شيء (على الصعيد النفسي أو العالمي) وهي التيمة الرئيسية في لوحات سلفادور دالي,وربما الموضوع الرئيسي للمدرسة السريالية في كل الفنون من التشكيلي إلى السينمائي. لهذا نجد الأشياء ذائبة والذوبان استعارة عن التفكك الذي يرمز لتفكك النفس أو المجتمع. وتفكك المجتمع الأكبر هو إندثار الأمم,والصورة الكبرى -الأكبر من ذلك- للتفكك المجتمعي (حيث اندثار كل الأمم) هي نهاية العالم.
ولأن هناك معتقد سائد لدى المتدينين والملحدين سواء,بوجود ساعة (وحدة زمنية لقياس الوقت) ما في مستقبل مجهول ينتهي بها العالم. كانت الساعة (آلة تقيس الوقت) رمزا حاضرا بقوة في أعمال سلفادور دالي التشكيلية.
وأي رعب أكثر من رعب نهاية العالم وقد ذقناه في السنة السوداء 2020,وخضنا أهوال ذلك العام مع جائحة الكورونا,ونجى من نجى ومات من مات,ولكن تبقى التأثيرات مستمرة إلى ما بعد عشرين عشرين,وربما لأزيد من عشرين عاما في المستقبل. بدءا من الذكريات في عقول من عايشوا تلك الفترة,وصولا إلى المتغيرات على مختلف الأصعدة الأدبية والفنية والثقافية والإجتماعية والسياسية والدينية والبيئية.
إن الخوف من يوم القيامة قائم في صدور جميع الناس,لأنه يمثل الخوف من الموت الأعظم. فإن كنا نتجاوز الموت بأن نترك أثرا بعد موتنا,فإن نهاية العالم إن حلت لن تترك أي أثر. ولا أموات ولا أحياء. نار لا تبقي ولا تذر. والنار من الشواهد القوية على حضور هذا الخوف في المجتمع البشري كله,منذرا بمحرقة نووية في أرجح الاحتمالات الأبوكاليبسية لشكل نهاية العالم. حتى أنه تم صنع ساعة تتحرك عقاربها بحسب علامات النهاية. أي كلما علا تهديد نووي في العالم اقتربت الساعة (كأنهم يحاولون صنع نوع من الأجهزة التنبؤية تنذرهم قبيل قيام الساعة القرآنية) من منتصف الليل. تسمى تلك الآلة بـ ساعة القيامة.
وساعة القيامة Doomsday Clock هي (نقلا عن ويكيبيديا):
“ساعة رمزية تم إحداثها عام 1947 من قبل مجلس إدارة مجلة علماء الذرة التابعة لجامعة شيكاغو. تُنذر هذه الساعة بقرب نهاية العالم بسبب السباق الجاري بين الدول النووية،حيث إن وصول عقارب الساعة إلى وقت منتصف الليل يعني قيام حرب نووية تُفني البشرية، ويُشير عدد الدقائق التي قبل منتصف الليل إلى احتمال نشوب حرب نووية،أما توقيتها الآن -بحسب آخر تحديث للمقال على ويكيبيديا- فهو دقيقتين قبل منتصف الليل.
تغير توقيت الساعة 22 مرة منذ وضعها،استجابةً للأحداث الدولية،ووصلت ذروتها عندما بدأ كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بتجربة القنابل الهيدروجينية لمدة 9 أشهر متواصلة،ووقعت هذه الأزمة سنة 1953 وكانت بهذا أقرب مرة تصل فيها عقارب الساعة إلى أقل من دقيقتين من نصف الليل والتي إذا ما وصلت العقارب إلى نصف الليل يُفترض أن تقع حينها حرب عالمية نووية (حرب عالمية ثالثة).”
أكثر لوحات دالي تجسيدا لكل هذا الهول ربما برأيي هي المعنونة بـ إصرار الذاكرة The Persistence of Memory 1931 والتي تعد أشهر أعماله,وفيها أربع ساعات ذائبة,حتى أنه تسمى أحيانا بـ لوحة الساعات. والمعنى الوارد ليس إلا واحد من معاني عديدة لازال الباحثين يستخرجونها من لوحته. فهناك مغزى شهير بأن قصد اللوحة هي تحطيم الزمن, والقول بأن الزمن ليس بالصلابة التي نتوقعها وهو ما يتماشى مع نظريات فرويد عن اللاوعي وآينشتاين عن النسبية.
ثم هناك أيضا وجه الحرب The Face of War 1940 التي تحصل هي الأخرى على إعتراف كبير بفظاعتها,والخوف من الخراب الذي تسببه الحرب جلي على وجه الجمجمة الذي يتجاور مع أكثر الوجوه إرعابا في الفن التشكيلي مثل وجه الصرخة.
ولعلك تتسائل عزيزي القارئ عن تلك المخيلة العجيبة الغريبة القادرة على خلق هذا النوع من الملامح والتعبيرات لدى رسامين عظماء مثل دالي ومونش.
حدد الباحثون المكان في الخلفية أنه يتشابه مع الأرض التي كان يملكها سلفادور دالي أمام منزله بمسقط رأسه في قرية بورت ليجات.
لاحظ بعض الباحثون المتخصصون بالفن التشابه بين هذه الأرض والأرض التي كان يملكها (سلفادور دالي) أمام منزله بمسقط رأسه في قرية بورت ليجات.
[4] الدخان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ننتقل من اللوحات الثلاثة الأكثر إثارة للفزع,إلى صور أقل حدة,رغم أن البعض قد يعارض هذا الأمر خاصة في اللوحة الخامسة. وننتقل من التحلل النفسي في الصرخة,إلى تحلل النفس والجسد في (سيجارة مشتعلة بجمجمة هيكل عظمي) وهو عنوان اللوحة التي رسمها الرسام الأشهر في التاريخ فان كوخ,بالتوازي مع بيكاسو نفسه. والإثنين لا يجيدان الرسم -ضمن آخرين من المشاهير- حسبما يرى البعض في منظور مغاير للمتوقع,وجدير بالذكر أن أحمد خالد توفيق ووائل رداد من متبني هذا الرأي. وهو رأي نفنده في مقال آخر.
اللوحة كانت في الأصل ساخرة ثم تحولت إلى إعتبارها واحدة من أكثر اللوحات المرعبة في تاريخ الفن التشكيلي. ذلك الإنتقال من الفكاهة إلى الرعب هو الذي عبر عنه ألفريد هيتشكوك ببراعه في أعماله السينمائية. ولكن يتجلى هنا في عمل تشكيلي بغير قصد من الرسام. ذلك التغير في النظر إلى اللوحة ينتج من تصويرها للفكرة التي تتلخص في العبارة الشهيرة “التدخين يدمر الصحة ويسبب الوفاة”.
وهناك فيلم رائع مقتبس عن قصص لستيفن كينج جسد فكرة تدمير الدخان للنفس قبل الجسد, هو فيلم عين القط Cats Eye 1985.
[5] الحرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموت جوعا أو الموت ببطء,أو موت الجميع,أو الموت في الحرب. الأخيرة هو نوع الهول الذي تصوره لوحة مذبحة الأبرياء The Massacre of the Innocents للرسام بيتر بول روبنس Peter Paul Rubens.
الموت العظيم القريب منا في أي لحظة. فإن كانت نهاية العالم بعيدة فإن ظلال الحرب قريبة منذ نشأة أول صور المجتمع البشري حتى لحظتنا الراهنة.
ربما تكون أكثر عمل فني نجح في تصوير الحرب وأهوالها,مستغنيا عن أبرز عناصر الحروب. وهو الدماء,لتركز على عنصر آخر قدمه الرسام بشكل أكثر فعالية. وهو الإشتباك.
الإنسان لديه خمسة أطراف,الرأس,والذراعين,والساقين. ومرافقهما مثل الأسنان والأظافر والقبضتين والقدمين وغير ذلك من الأجزاء التي يملك قدرة كبيرة على تحويلها لأسلحة ذات فاعلية في الإمساك أو أو الدفع أو القذف أو الضرب أو التحطيم أو التمزيق أو التكبيل وغيرها من الوظائف الهامة والتي تكون لها لحظات حاسمة في تغليب طرف على طرف أثناء خوض معركة. ذعر المعركة هو ما قدمه الرسام في لوحته التي تتنافس مع لوحات ديلاكروا عن الحروب.
[6] ميديا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
آخر خياران يشكلان قائمة شرفية,لأفسح المجال للمزيد من الخيارات عبر تلك السلسلة من المقالات. ومع ذلك تظل تلك اللوحة مرعبة بحق,ومن عنوانها يتضح موضوعها والمعنى خلف قصتها. حيث تعتمد هذه اللوحة أكثر على الخلفية القصصية وراء رسمها دون أن تظهر مناظر أو أفعال بعينها. ولكنها تظهر إمرأة كانت تهم بفعل شيء ما. فعل قبيح هو ويعد واحد من أبشع الجرائم البشرية إن لم يكن أبشعها على الإطلاق.
الأميرة ميديا إبنة آيتيس ملك كولخيس وحفيدة هيليوس إله الشمس. تعد واحدة من أشهر وأقوى السحرة في الميثولوجيا اليونانية وأكثرهم دهاءا وشرّا. هذا غير كونها واحدة من أجمل نساء اليونان.
هي إمرأة لم تعشق في حياتها سوى نفسها وعشيقها,وقد قامت بالتحايل كثيرا لكي تنال زواجها من عشيقها جاسون -وقد نالته بالفعل- حتى أنها قطّعت أخيها ورمت أشلاءه في البحر لتفطر قلب أبيها عليه,وتشغله في لملمة أجزاء ولده في سبيل إنقاذ زوجها من غضبة أبيها. وقد روعت زوجها بأفعالها هذه حتى سئم منها فذهب إلى أخرى يتزوجها لأغراض عاطفية وسياسية.
لم تبدأ أفعالها الشريرة عند لقاءها بجاسون,ولم تنتهي بزواجها به. ولكن أكثر فعالها المحفوظة في التاريخ -أو التاريخ الميثولوجي- بشاعة -بالتوازي مع قتلها لأخيها- هو قتلها لولديها لكي تحرق قلب والدهم عليهما إنتقاما من جاسون الذي كان يخطط لتأمين مستقبلهما من خلال زواجه السياسي. فزوجته هي إبنة كريون ملك كورنث التي لجأ إليها جاسون هاربا من غضبة آيتيس. وقد أهدتها ميديا فستانا مسحورا أول ما ارتده اشتعلت فيه النيران لتحترق به حية.
جدير بالذكر أن أسطورة ميديا خلدها في مسرحية تراجيدية بنفس الإسم المسرحي العظيم يوربيديس وواحد من ثلاثي المسرح التراجيدي اليوناني (يوربيديس – سوفوكليس – إسخيلوس). قبل أن يؤكد الرسام أوجين ديلاكروا Eugene Delacroix على خلودها بحفظها في لوحته المشهورة والمعنونة بنفس الإسم؛ميديا.
هيرونيموس بوش 1450-1516
كارافاجيو 1571-1610
ميدوسا 1597
بيتر بول روبينز 1577-1640
مذبحة الأبرياء 1611
أرتيميسا جنتلسكي 1593-1653
يهوديت تذبح هولوفيرنوس 1610
https://themirrorcrackedar.blogspot.com/2008/12/blog-post.html
هنري فوسيلي 1741-1825
الكابوس 1781
وموضوعها الرئيس هو تمثل الكابوس في كائن الجاثوم
بيل ستونهام: الأيدي تقاومه 1972
غويا 1746-1828
Quinta del Sordo
كرونوس يلتهم ابنه 1820
هذه اللوحة للفنان الاسباني فرانشيسكو غويا بعنوان ’زحل يلتهم إبنه‘. أتم رسمها عام 1823. ويتبع اسلوبها المدرسة الرومانسية.
تحليل اللوحة: من الطبيعي أن تصيبك القشعريرة عند رؤية هذه الصورة. غويا أو ’جويا‘ استلهم هذه الأسطورة من الميثولوجيا الإغريقية. وهي تتحدث عن أول التيتان, قائد العمالقة أو (الجبابرة) واسمه بالإغريقية كرونوس. ويقابله في الميثولوجيا الرومانية ’ساتورن‘ وهو ولد عن طريق الآلهة اورانوس ’السماء‘ و غايا ’الأرض‘ حسب الأساطير الاغريقية.
وفقاً للشاعر الاغريقي هسيود وملحمته ’ثيوقونيا‘ التي تكلم فيها عن علم الأنساب للآلهة, وكتبها في القرن السابع أو الثامن قبل الميلاد. القصيدة تقول أن كرونوس غار من سلطة والده – اورانوس – حاكم الكون. وأستغل العداوة التي كانت بين والديه, بسبب أن اورانوس أخذ أصغر أطفال غايا, ذوي المئة ذراع والسايكلوب وقام بسجنهم في تارتاروس وهي هاوية يرمى فيها الأشخاص ليتم عقابهم أبدياً. والسبب هو أن اورانوس كره اشكالهم القبيحة, ولكنهم في نهاية الأمر كانوا ابناء غايا , ومهما كان, القرد في عين امه غزال. لذلك قررت الأم ولادة المزيد من العمالقة في السر ومن ثم طلبت منهم أن يأخذوا منجلاً وحرضتهم على أن يخصوا والدهم ومن ثم يحرروا اخوتهم من التارتاروس. كلهم جفلوا من الأمر الا أصغرهم وهو كرونوس (ولد ماما مايعرفش يقوللها لا) قبل بالأمر.
قامت غايا باعداد كمين لزوجها, وعندما حضر, هاجمه ابنه كرونوس على حين غرة وقام بقطع خصيتيه ورميهما في البحر. ومن هذا الفعل انفجر اورانوس غضباً واطلق تهديداً ووعيداً بالانتقام. ولأن اورانوس أصبح لا خصيتين الآن. استلم الحكم كرونوس, هو وأخته ريا ليحكما على الكون وعرفت بالعصور الذهبية. ولأن كرونوس كانت شخصيته تشبه والده قام بسجن ذوي المئة ذراع والسايكلوب مرة اخرى. (ياحرام المسوخ مافي حد يحبهم).
بعد فترة من حكمه, جاءته نبوءة من والديه بأن نهايته ستكون عن طريق ابناءه عقاباً له على ما فعل بوالده. (هو صاح امه هي اللي دفتله الطاجين, لكن توا تبرأت منه). ولهذا قام بابتلاع ابناءه التي ولدتهم له أخته ريا واحداً تلو الآخر, مثل هيستيا, ديميتر, هيرا, هيدس, بوسيدون. ولكن آخر هؤلاء وهو زيوس ولدته ريا في جزيرة كريت, ثم قامت باعطاءه حجراً مقمطاً (أو ملفوفاً بالملابس) فأبتلعه كرونوس معتقداً أنه تغلب على النبوءة. ولكن زيوس بعد أن كبر استطاع التغلب على والده واجباره على اخراج اخوته, بدءاً من الحجر حتى آخرهم.
هذه اللوحة تعتبر ضمن البنتوراس نيغراس وهو بالاسبانية يعني اللوحات السوداء وأطلق على 14 لوحة قام برسمها غويا على جدران بيته أثناء عزلته وبعد أن أصابه الصمم. جمال هذه اللوحات هو أنها لم تكن موجهة للعامة من الناس, ولذلك هو لم يفوّض أو يتلقى أي عمولة لرسمها. وانما هي نتاج رغباته الخاصة. وجميع هذه اللوحات لا نستطيع أن نقول عنها أنها ايجابية او متفائلة بسبب الطبيعة الكئيبة والالوان المظلمة التي فيها.
في اللوحة نستطيع رؤية كرونوس وهو يقوم بابتلاع أحد أبناءه, ورغم أن الفنان بيتر بول روبنز قام برسم لوحة مشابهة قبل 200 عام. الا أن لوحة غويا فيها من الوحشية والرعب أكثر من سابقتها. والبشاعة التي يقوم بها كرونوس في اللوحة هي الآثار الواقعية البربرية التي يجب أن نتخيلها عند التفكير بالاسطورة الاغريقية. بعيداً عن التحسين الجمالي وتزييف الحقائق.
احدى التحريفات التي قام بها غويا في هذه اللوحة أن الجسد الذي يقوم كرونوس بابتلاعه, ليس جسداً لطفل صغير. وانما لشاب بالغ, وهناك من النقاد من رأى ان الجسد يشبه جسد امرأة. وهذا الأمر يجعلنا أن نتساءل لماذا أراد غويا أن يرسم جسد امرأة شابة تقطع بين أنياب كرونوس العجوز؟ أحد الخبراء نايجل غليندينغ, أستاذ اللغة الأسبانية في جامعة الملكة ماري في لندن في السبعينيات. قال بأن اختيار غويا ينتج عن انعكاس لاحباطاته الشخصية مع الشيخوخة, ومرضه, وعلاقاته الفاشلة في الحب.
جدير بالذكر أن غويا أصابه الصمم وهو في ال46 من عمره. واما الحروب النابليونية والاضطرابات الداخلية في أسبانيا في عصره أثرت سلبياً عليه. وساهمت في عزلته. وهذه اللوحة مثلها مثل باقي اللوحات السوداء قام غويا برسمها مباشرة على جدران منزله. وبعد موته, تم نقلها الى قماش وعرضها في متحف ديل برادو في العاصمة الاسبانية مدريد. تفسير اللوحة لا يزال قائماً للنقاش, والأمر الأروع في كل هذا أن غويا لم يقم برسمها لأي أحد غير نفسه. [خرافة الفن].
ديلاكروا 1798-1863
مذبحة في خيوس 1824
ميديا 1862
ملخص الأسطورة وفقًا لما أورده الدكتور فيكتور د. ساليس في كتابه الميثولوجيا الحية:
كان ياسون ابنًا لأيسون ملك أيولكس في ثيسالي والذي خلعَه عن عرشِه أخوه بيلياس. وقد استطاع ملك أيولكس المسكين إخفاء ابنه عن عيون بيلياس ونواياه السيئة، فبعث به إلى غابة في ثيسالي، لكي يتعلَّمَ على يد حكيم هو القنطور خيرون. وعندما بلغ سن الرشد، أظهر المعلِّم له حقيقة هويَّتِه، حاثًّا إياه على المطالبة بحقِّه في العرش الذي يخصُّه.
وهنا بدأت الأحداث الدرامية الغنية بمعانيها تظهر في هذه الأسطورة. فما هي؟! أخيرًا “وصل ياسون إلى المدينة عندما كانت الألعاب فيها قد بدأت بمناسبة الاحتفالات لإكرام الآلهة الحامية للمدينة، فشارك في عدة مباريات وفاز فيها كلها” لدرجة أنه نال إعجاب الملك بهذا “الرياضي الخارق إلى هذا الحد” وحصل ما حصل عندما طلب المثول في حضرته، فتحقق لتوه من نبوءة عرَّاف دلفي الذي تنبأ له بأن عليه أن يخشى شخصًا انطبقت عليه مواصفات ياسون عندما سأل الملك العراف فيما إذا كان ثمة خطر يتهدَّد المملكة. لذلك وبعد حديث بين الطرفين “دبَّر عمُّه خديعةً للتخلُّص منه. فقال له: إذا أردت استرجاع مملكتك، فما عليك إلا البحث عن الجزَّة الذهبية، وإذا عدتَ حيًا في مسعاك هذا، فسيكون العرش من نصيبك. وكانت الجزة الذهبية لخروف رائع” – لن نخوض في تفاصيل قصة هذا الخروف ههنا.
إذن انطلق ياسون مع ثلة من أبطال الأساطير اليونانية على سفينة تم تجهيزها وفقًا لتوجيهات الإلهة أثينا لمواجهة العقبات التي سيلاقونها في طريقهم في الوصول إلى الجزة الذهبية. وبعد عدة مغامرات وصل ياسون إلى الجزة حيث كانت هناك جزة لخروف تم تقديمه كأضحية في سبيل الحصول على يد ابنة الملك في تلك المنطقة، وهكذا بقيت الجزة التي احتفظ بها الملك في حرج مقدس تحت حراسة ثورين رهيبين ذي حوافر برونزية وينفثان اللهب. وهكذا توجَّه ياسون إلى الملك ملتمسًا منه جزَّة الخروف، فاغتاظ الملك أيما اغتياظ من طلب ياسون الوقح لإدراك الملِك بأن الجزَّة كانت عطية من الآلِهة لسعادة المملكة، لذلك وضع أمامه كل العراقيل وحتى المستحيل نفسه لكي يتغلب عليه، فإذا استطاع التغلب على كل هذه العراقيل والمستحيل فحينئذ فليهنأ بالجزَّة، فستكون من الآن فصاعدًا ملكًا له، وكما ذكرنا أن هذه الجزة كانت عربونًا للأضحية التي قدمها صاحب الخروف في سبيل الحصول على يد ابنة الملك أيتس الذي اغتاظ أيما اغتياظ من طلب ياسون، والحقيقة أن الملك أيتس كان له ابنة أخرى، ما أن رأت ياسون حتى وقعت في حبه، ولكن من هي هذه الفتاة؟! إنها ميديا الرهيبة، وتدخلت أفروديت في الحدث الدرامي وأشعلت في قلبه حب ميديا، وهذه الأخيرة جعلته يُقسِم بأن يتزوج منها، وأن يأخذها معه إذا ما ساعدته في الحصول على الجزة. وبمساعدة ميديا الرهيبة استطاع ياسون فعلاً التغلب حتى على المستحيل الذي فرضه الملك ضمن الشروط التي وضعها أمامه لكي يتغلب عليها حتى يحصل على الجزة، فإذا به يتفاجأ أن ياسون قد استطاع قهر المستحيل والوصول للجزَّة، لكن المشكلة أن الملك ارتاع، ورفض الملك تسليمه صوفة الخروف الذهبية، إذاك تدخلت ميديا الرهيبة للمرة الرابعة ربما إن لم يكن العدد أكبر من ذلك، واستطاعت تذييل الصعوبة، وسلَّمت ياسون جزة الخروف، وهربت مع ياسون إلى سفينة آرغوس التي تم بناؤها وفقًا لتعليمات الإلهة أثينا، ولكن ما فعلته ميديا لكي تستطيع أن تخلص بروحها مع ياسون من مطاردة جنود الملك لهو أمر يعجز القلم عن وصف مدى فظاعته.
إذن عقدا قرانهما ووصلا إلى المملكة حيث كان عمه الذي اغتصب العرش من أخيه، واشترط حصوله على العرش أن يأتي بالجزة، والأمر كان خديعة لأنه كان يعلم مسبقًا أن الحصول عليها مستحيل فإذا به يجد ياسون أمامه وبيده الجزة الذهبية. إذًا كما الملك أيتس صاحب الجزة قد رفض تسليمه الجزة بعد تغلبه على المستحيل، نجد الملك بيلياس عمُّ ياسون يرفض بدوره تسليمه عرش المملكة، وهنا أيضًا تتدخل ميديا بطريقة فظيعة ولا توصف من حيث القسوة التي تتضمنها للتخلص من هذا الملك الطاعن في السن، وتنجح بمهمتها لكي تمنح لياسون العرش. ولكن ما لم يكن بعلم كل من ياسون وميديا ردة فعل مرؤوسي الملك بيلياس الذي كان مغتصبًا للعرش لكنه كان محبوبًا من قبلهم، وثارت ثائرتهم مما جعلهما يهربان إلى كورتثوس، حيث عاش ياسون عشر سنوات أنجب خلالها أبناء من ميديا. لكن المأساة عندما تبدأ فأين تنتهي؟! لقد وقع ياسون في حب غلوسه ابنة ملك كورنثوس، وهكذا بدأ ياسون يعيش في قصر ملك كورنثوس ليتهيأ للزواج من ابنته غلوسه، وهنا ولأول مرة تخفق ميديا بعد كل هذه الانتصارات الرهيبة والمذهلة في استرجاع ياسون إليها!! فما الذي حصل؟!
السؤال الذي يطرح نفسه أولاً: من هي هذه المرأة “ميديا” التي تتمتع بكل هذه القدرات الخارقة وهذه القوى الجبارة حتى تستطيع إنقاذ حبيبها وزوجها ياسون، وتجعله يحصل على ما يريد بطرق قاسية وفظيعة نتشكك من كونها تنتسب لامرأة الأمر الذي نوّه إليه الدكتور ساليس أن المرأة ليست كما تصورها لنا سينما هوليود تلك المرأة الناعمة والمثيرة جنسيًا، لا فانتقامها مروع إذا ما جرحها أحدهم في حبها، فإنها تتحول إلى لبوة مفترسة… إنها قوة البغضاء والانتقام، لكنني لن أقف عند هذا الحد من تفسير الدكتور، لأبدأ أولاً في معرفة من تكون ميديا؟!
بادئ ذي بدء كانت ميديا كاهنة للإلهة هيكيت… ولعلكم تتساءلون من تكون أيضًا هذه الإلهة؟ تجيب موسوعة الأديان فتقول:
كانت سلطة هيكيت في المناطق الجحيمية هائلة، وكانت تُسمَّى براتيانيا الموتى أو الملكة التي لا تُقهَر. وهيمنت على عمليات التطهير والتكفير. وكانت إلهة وسائل السحر. وأرسلت شياطين إلى الأرض لكي يعذبوا البشر. كانت هي نفسها تظهر ليلاً بصحبة حاشية من كلاب الجحيم. والأماكن التي كانت تسلكها في الغالب هي تقاطع الطرق، ونحن نعلم وفق قراءاتنا أن تقاطع الطرق بالنسبة للسحرة هو مركز لتجمع وتكاثف الطاقة لأن التقاطع يحوي اجتماع طريقين واحد عليك أن تتخلى عنه وآخر عليك اختياره، لذلك كثيرون يمارسون الطقوس السحرية في تقاطعات طرق خصوصًا في الغابات أو سواها… نعود إلى هيكيت فعدا ظهورها عند تقاطع الطرق كانت تظهر بالقرب من القبور أو مسارح الجريمة. وهكذا كان يمكن مشاهدة صورها عند تقاطع الطرق على هيئة أعمدة أو تماثيل للإلهة بثلاثة أوجه – وكانت تدعى هيقاتي الثلاثية – إلخ.
إذن عرفنا الآن شيئًا من حقيقة “ميديا” ومصدر قوتها الفظيعة الخالية من الرحمة أو أدنى حس في الشفقة إذا ما أرادت الحصول على شيء أو أن تنتقم من شيء!!
السؤال الذي يطرح نفسه، بم انتقمت من ياسون عند تنفيذه لعقد القران رغم محاولاتها اليائسة في استعادته إلى حضنها، لكن وكما يقول الدكتور ساليس على ما يبدو أن الحب يجعل مفعول السحر فاشلاً لا تأثير له!!
انتقام ميديا
نال اليأس من ميديا إذن، وهنا استسلمت للأمر الواقع، ولكن ليس هكذا بدون حساب، وأمام من؟! أمام ميديا الرهيبة!! إذن تصنع أروع ثوب زفاف لعروس في العالَم، مليء بخيوط من الذهب المسحور، وتتوجه إلى القصر بينما ياسون في بيته، وتقدم التهاني للعروس، معربة لها عن حسن نواياها، وأنها تريد في النهاية ياسون سعيدًا، وبما أن هذه سعادته فعليها التضحية، وترجو منها قبول هذه الهدية المتواضعة من ميديا المتواضعة والمسكينة التي استسلمت لقَدَرِها. ولكن كلَّ ذلك لعبة من ألاعيب أمكر امرأة في العالم. ما أن ترى غولسه ابنة ملك كورنثوس الثوب حتى يخلب ذهنها بجمالِه وفتنته، فترتديه، وهي في غاية الفرح والسعادة والنشوة التي ما أن تبلغ مبلغها من سرورها هذا حتى تشتعل خيوط الذهب التي تلف الثوب من كل جهة وتأتي النار على غلوسه. يُجنَّ جنون والدها ملك كورنثوس الذي يهرع لنجدة ابنته وسط النار لكي ينزع عنها هذا الثوب الملعون فتلتهمه هو الآخَر النار ويموت هو وابنته ميتة مروِّعة!
إذن، نفذت ميديا الانتقام الأول، والآن تتوجه في دربها المشتعل بنار الانتقام إلى ياسون الذي لا يعلم مما حصل أي شيء، وتعترف له بحبها أن تراه سعيدًا لذلك شاءت أن تقدم له هدية زواجه من غلوسه، قبل أن تغادر كورنثوس إلى المنفى راجية بدموع زائفة أن يقبل هدية زواجه، وكان صندوقًا مغلقًا بالمسامير لكنه يثير فضول أي إنسان إلى درجة هائلة في فتحه، يشكرها على امتنانها له وعلى تسامحها وهديتها، وما أن تغادر ميديا، حتى يفتح الصندوق بسرعة جنونية! يا للمصيبة! ماذا يوجد في داخل الصندوق؟!! رؤوس أبنائه الذين أتوا من زواجه بميديا خلال إقامته العشر سنوات في كورنثوس. يجن جنونه، يفتح الباب ليلحق بميديا وليقتلها. لكن من هو حتى يقتل كائنًا مثل ميديا. وتقول الأسطورة إن هذه الأخيرة تلقَّت من جدها الإله هيليوس (الشمس) عربة مجنحة ما أن وصل ياسون إليها حتى ارتفعت وطارت في السماء، والأدهى من ذلك أن الأسطورة تقول إنه رجع ليأسه إلى سفينته آرغوس واستلقى على سطح السفينة. وفي الليلة نفسها، وقعت الصارية الأساسية فوقه ساحقة إياه!
البعد السحري للأسطورة
الحقيقة أن الأسطورة تتناول مفهومًا في غاية الحساسية والتعقيد ويتعلق بما يسميه البرازيليون بالسحر الأسود، ولعل البعض يذهب بعيدًا في هذا الموضوع بخصوص النهاية الكارثية لحضارة الأطلنطيس. لست بصدد الشطح بالخيال، ولكن يمكن تناول الموضوع من جهة الأنثوي كما شاء الدكتور فيكتور د. ساليس. فمن منطلق قصة آدم وحواء، حين أكلت حواء التفاحة تملَّكَتْها قدرة سحرية في حقيقتها سوداء ولكن على نحوٍ لاواعٍ قامَت بتقديمها إلى آدم الذي تناول تلك التفاحة المشؤومة، أي وقع هو الأخير تحت تأثير هذا السحر، وهنا بدأت مصائب البشر بسبب هذا السحر الأسود. وهذا أمر في غاية التعقيد فالمشاعر والأفكار كلها طاقات والسحر يعتمد بشكل مباشر على الطاقة، ومن هنا فعندما تكون المشاعر والأفكار والنوايا سلبية فهي تمارس فعلاً سلبيًا يتجلى على نحو سحري من خلال مشاكل في حياتنا اليومية أو فخاخ عجيبة غريبة، وإحباطات، إلخ. كلنا يعرف ما للحسد على سبيل المثال من قوة تدميرية، وهكذا… والقضية، عندما يتحدث البعض عن قديسين أو روحانيين فهي ليست قضية مثالية، وإنما ببساطة هي قضية وعي ويقظة لئلا نقع تحت سطوة هذا السحر، ولعل أهم طاقة فاعلة هي الطاقة الجنسية، وهي تستخدم لغايات سوداء أيضًا، تثبت بعض الدراسات أنها أفضت بمن قام بممارسات كهذه، ولعل أشهرهم تاريخيًا ذلك الشخص الذي مارس القدرة الإخفائية في القرن التاسع عشر وهي طريقة هندية في الاختفاء لها ممارسات وعقيدة خاصة اسمه “أليستر–كراولي”، وكما يقول أومرام ميخائيل إيفانوف في كتابه التنين المجنح فقد أراد “أليستر–كراولي” أن يجري تجربة مشابهة لتلك الموجودة في “التيبت” فانغمس في تعقيدات السحر الأسود، وانتهى به الأمر إلى إصابة بعض النسوة البريطانيات بالجنون، حيث كنَّ موضوع تجارب بالنسبة له. امتلك هذا الرجل الوسيلة، ولكن، بأي ثمن حصل عليها. في المقابل فالبرازيل عرفت السحر الأبيض من خلال الـ Umbanda، والطاقة عينها حين تمارس على نحو سلبي تصبح الـ Quimbanda – ولعل ميديا عندما تطير في السماء هي صورة واضحة لما يسميه البرازيليون بشخصية الـ Bruxa أي الساحرة الشمطاء التي تمتطي مكنسة طائرة. إنها نفس الصورة يقدمها لنا اليونانيون لهذه الشخصية الشريرة. والقضية خاطئة منذ البداية، ذلك أن اقتران ياسون بميديا كان على أساس سحر أسود، وجنى بالنهاية تلك النهاية الفاجعة والمأساوية. والأمر أبعد من ذلك، فهو يتناول عالمنا كله الآن بشكل أو بآخر، ذلك أن عالمنا يتحالف مع هذه الطاقة بغية غايات أحد لا يعرفها، ولكن النهاية ها هي الأسطورة تخبرنا بها بشكلٍ واضح. وفي الحقيقة، يمكن تأليف كتاب كامل حول موضوع هذه الأسطورة. عذرًا، هناك أفكار كثيرة ليس بوسعي أن أعبر عنها الآن، لكن، أخيرًا وليس آخرًا هناك مثال جميل يطرحه الروحاني “ماكس هاندل” أحد أهم أعضاء جمعية الروزا كروز الإيزوتيرية، إزاء هذه القضية العسيرة، فالعمل مع الطاقة السوداء لهو أشبه بالأشجار والنباتات الخضراء التي تمتص غاز الكربون السام وتعمل على تحويله إلى أوكسجين تعمل على إطلاقه إلى السماء، وهذا ما يقوله الروحاني “ماكس هاندل”، لكنه يشدد على ضرورة تحلينا بالحكمة واليقظة والوعي لكي نعرف كيف نحول هذه الطاقات السلبية إلى طاقات إيجابية في حياتنا اليومية، راجيًا للجميع كل طاقات الحب، فالدكتور ساليس يذكر أن طاقة الحب أقوى من أية طاقة أخرى، على أن تكون في جو من الحكمة واليقظة والوعي.
البعد السيكولوجي للأسطورة
ما ذكرتُه آنفًا له صلة بشكل أو بآخر بموضوعنا ياسون وميديا، فإذا درسنا هذه الأسطورة من الجانب السيكولوجي فإن ميديا على حد تعبير كارل يونغ هي الأنيما السلبية لياسون، والأنيما كما هو معروف هي الأنثى الداخلية فينا، ولها جانب سلبي، ويقول أحد دارِسي يونغ
إن الظهور الأكثر براعة للأنيما السلبية نراه في بعض الحكايات الخرافية بهيئة أميرة تطلب إلى خطَّابها أن يحلوا لها سلسلة من الأحاجي والألغاز أو ربما، يختبئون منها. فإذا أخفقوا في تقديم الحلول، أو تمكنت من اكتشافهم بعد اختبائهم، يكون مصيرهم الموت، وهي تنتصر دومًا. إن الأنيما التي تتخذ هذا الستار تورِّط الرجال برهانات مدمِّرَة. وبوسعنا أن نلحظ آثار خداع هذه الأنيما في جميع الحوارات العصابية ذات الصبغة الفكرية الزائفة التي تمنع الإنسان من التماس المباشَر مع الحياة وتعقيداتها الحقيقية. إنه يتأمل في الحياة إلى درجة يتعذَّر عليه أن يحياها إذ يفقد عفويته كلها وأحاسيسه التلقائية. [بقلم: نبيل سلامة].
ويليام فريدريك ييميز 1835-1918
William Frederick Yeames
فان جوخ 1853-1890
سيجارة مشتعلة جمجمة هيكل عظمي 1885
إدوارد مونك 1863-1944
الصرخة 1895
تعتبر لوحة «الصرخة» باكورة أعمال الفنان التشكيلي النرويجي الكبير، إدفارد مونش، وأشهر لوحاته على الإطلاق، ويُجمع الكثيرون على أنها ثاني أشهر لوحة فنية بعد «الموناليزا»، كما يصفها النقاد ب«أيقونة الفن الحديث»، وبأنها رمز فني يُعبر عن قلق الإنسان المعاصر، حيث يجسد مونش في لوحته هذه صرخةً لشخص واقف على جسر حديدي قديم، وتبدو على وجهه علامات الخوف والفزع، وعَمدَ الفنان النرويجي إلى تلوين السماء باللون الأحمر الصارخ، في حين استخدم اللون الأسود لرسم البحر الذي يبدو هائجاً ومضطرباً، وقد أبصرت هذه اللوحة النور عام 1893.
شعبية عارمة
رغم بساطتها الظاهرية، إلا أن لوحة «الصرخة» اكتسبت شعبية عارمة، ويُرجع العديد من النقاد سبب تلك الشهرة إلى الشحنة الزائدة من الخوف والرعب فيها، حيث إنها تُمثّل حالةً ذهنية أكثر من كونها منظراً عاماً، لاسيما وأنها اشتهرت في فترة شهد فيها العالم حربين عالميتين، وما خلّفتهما من قتل ودمار وتشريد، ويظهر في الجزء الأمامي من اللوحة شخص شاحب الوجه يرفع يديه بمحاذاة رأسه، فيما تبدو عيناه محدقتين بهلع وفمه يصرخ، ويظهر خلفه شخصان يعتمران قبعتين سوداوين، وقد حدد الباحثون المكان الذي ظهرت بعض معالمه في اللوحة، وهو خليج «أوسلفورد» الواقع في أوسلو جنوب شرقي النرويج.
يتحدث إدفارد مونش في مذكراته الأدبية عن الظروف النفسية التي دفعته لرسم هذه اللوحة قائلاً: «كنت أمشي في الطريق بصحبة صديقين، وكانت الشمس تميل نحو الغروب عندما غمرني شعور مباغت بالحزن والكآبة، وفجأة تحولت السماء إلى لون أحمر بلون الدم. توقفت وأسندت ظهري إلى القضبان الحديدية من فرط إحساسي بالإنهاك والتعب. واصل الصديقان مشيهما ووقفت هناك أرتجف من شدة الخوف الذي لا أدري سببه أو مصدره، وفجأة سمعت صوت صرخة عظيمة تَرددَ صداها طويلاً عبر الطبيعة المجاورة».
تفسيرات
بعد ميلاد لوحة «الصرخة»، تباينت التفسيرات حول الحالة النفسية التي واجهها مونش في ذلك اليوم، إلا أن معظمها ركّزت على منظر السماء والغيوم المصبوغة باللون الأحمر الصارخ، الأمر الذي يُرجح أن يكون المشهد الذي عاشه مونش آنذاك قد ترك تأثيراً انفعالياً بالغاً في نفسه، ورغم أن للفنان النرويجي أعمالاً أخرى أقلَّ تشاؤماً وسوداوية، إلا أن لوحة «الصرخة» منذ أن أبصرت النور تحولت إلى مادة دسمة للمصممين وموضوع لقصائد الشعراء.
عمد الفنان النرويجي الكبير إلى رسم أربع نسخ من اللوحة ذاتها، اثنتين بالألوان، وأخريين بالباستيل، وقد تمت إضافة إحدى النسختين الملونتين إلى مجموعة المتحف الوطني للنرويج في أوسلو، والنسخة الملونة الثانية مع إحدى نُسخَتَي الباستيل إلى مجموعة متحف مونش، أما النسخة الثانية المرسومة بالباستيل، فقد بيعت بحوالي 120 مليون دولار لرجل أعمال أمريكي، وذلك خلال مزاد «سوثبي» للفن الانطباعي والحديث في نيويورك عام 2012، وقد كانت لوحة «الصرخة» هدفاً للسرقة مراراً، حيث سُرقت من المعرض الوطني، قبل أن يتمّ استرجاعها لاحقاً، وفي عام 2004 سُرقت النسختان المحفوظتان في متحف مونش، ولكن تمّ استردادهما عام 2006، وقد تسببت السرقات بإلحاق أضرار جسيمة باللوحة، في حين تمّ إرجاعها للعرض عام 2008 بعد ترميمها.
تجسيد القلق
يُجمع مؤرخو الفن على أن لوحة «الصرخة» لا تمثل منظراً طبيعياً أو حادثةً بعينها، بل إنها حالة ذهنية مُشبَعة بالمشاعر البشرية، وأنها «تجسيد حديث لقلق الإنسان»، نظراً لشحنة الدراما المكثفة فيها، والخوف الوجودي الذي تجسّده، ويقول يورون كريستوفرسن، الناطق باسم متحف مونش: «إن لوحة الصرخة عمل فني لا يقدر بثمن، وهي تمثّل رجلاً يعكس وجهُهُ مشاعر الرعب واقفاً على جسر وهو يمسك رأسه بيديه ويطلق صرخةً. على خلفية من الأشكال المتماوجة وتدرجات اللون الأحمر الصارخة».
في كتابه «عصر الصورة» الصادر في عام 2005، يتحدث الدكتور شاكر عبد الحميد، عن لوحة «الصرخة» قائلاً: «لقد وُجهت لتصوير ذلك الألم الخاص بالحياة الحديثة، وقد أصبحت أيقونة دالة على العصاب والخوف الإنساني. في اللوحة الأصلية تخلق السماء الحمراء شعوراً كلياً بالقلق والخوف، وتكون الشخصية المحورية فيها أشبه بالتجسيد الشبحي للقلق، ومثلها مثل الكثير من اللوحات الشهيرة الأخرى، فقد تم نسخ الصرخة وإعادة إنتاجها في بطاقات بريد وملصقات إعلانية وبطاقات أعياد الميلاد وسلاسل مفاتيح، واستخدمت أيضاً كإطار دلالة في فيلم سينمائي سمي الصرخة وظهر عام 1996، وتجسدت اللوحة في أقنعة بعض الشخصيات في الفيلم، حيث كان القاتل يرتدي قناعاً مستلهماً منها». [بقلم: أوميد عبد الكريم إبراهيم].
دالي: إصرار الذاكرة 1931
انمساخ نرجس 1937
وجه الحرب 1940
بيكاسو: الجورنيكا 1937
إيفان أولبرايت 1897-1983
لوحة دوريان جراي 1943
جيزلاف بيكشينسكي 1929-2005
Zdzisław Beksiński
هانز رودولف جايجر 1940-2014
نيكرونوم 4 1976