تصدير
بعد هذه المقدمات الضافية أَخلص إلى نقطتين أود أن أوجه إليهما عناية الناس فلا يغفل عنهما أحد؛ الأولى: إنه من حسن الطالع فيما أرى، والذي يزيل النقمة والامتعاض، أنني لا أَمَسُّ الوقار الواجب للقدماء ولا أنتقص منه، فيما أبسط تصوراتي وفيما يسعني في الوقت نفسه أن أحصد ثمار تواضعي؛ ذلك أنني إذا قلت إن لديَّ شيئًا أفضل مما يقدمه القدماء بينما أنا أتخذ نفس الطريق الذي اتخذوه، فمعنى ذلك أن هناك مجالًا للمقارنة والمنافسة بيننا، لا مفر بأي تفنُّنٍ لفظي من الإقرار به، من حيث النبوغ والذكاء، ورغم أن هذا ليس أمرًا جديدًا أو غير جائز (إذ لو كان ثمة أي شيء أساءوا فهمه أو أخطئوا وضعه، فما الذي يمنعني، إذ أستخدم الحرية المتاحة للجميع، من أن أنتقدهم وأبين خطأهم؟) إلا أن المنافسة، على عدالتها وجوازها، ستكون غير متكافئة نظرًا لقدراتي المحدودة، ولكن ما دام هدفي هو فتح طريق جديد للفهم لم يطرقوه ولم يعرفوه، فإن الأمر يختلف: فلا تَحَزُّب في الأمر ولا منافسة، وما أنا إلا دليلٌ يشير إلى الطريق، وهو مركزٌ ضئيل النفوذ ويعتمد على نوع من الحظ أكثر مما يعتمد على القدرة أو النبوغ، هذه النقطة تتعلق بالأشخاص، أما النقطة الأخرى التي أود أن أُذكر الناس بها فتتعلق بالموضوع نفسه.
يبقى لديَّ طلبٌ ينبغي أن أتقدم به، لقد حرصت من جانبي كل الحرص على أن تأتي اقتراحاتي التي سوف أعرضها لا صائبة فحسب بل واضحة سهلة الولوج إلى عقول الناس (تلك التي تم استهواؤها وتعويقها على نحوٍ عجيب)، غير أني لا أشق على الناس (وبخاصةً في مثل هذا التجديد الكبير للمعرفة والعلوم) إذ أسألهم فضلًا من جانبهم في المقابل: أن من يرغب في إبداء رأي أو إصدار حكم بخصوص أفكاري في هذا العمل، سواء من خلال ملاحظاته الخاصة، أو من خلال حشدٍ من الثقات، أو خلال صور البرهان (التي اكتسبت اليوم سلطة القوانين القضائية)، فلا يحسبن أن بوسعه أن يفعل ذلك بلا تدقيق، أو وهو بصدد شيء آخر، إنما عليه أن ينظر في الأمر مليًّا، عليه هو نفسه أن يجرب الطريق الذي أَصفه وأُعَبِّده، عليه أن يتمرس بدقة الطبيعة التي تُبَيِّنها الخبرة، عليه أخيرًا أن يصحح، بتؤدةٍ ومهل، العادات الفاسدة والمتجذرة للعقل، وعندئذ فقط فليستخدم (إذا شاء) حُكمه الخاص، وقد شرع في أن يكون سيد نفسه.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.