فصل من داخل الكتاب: العين في القفر

لوحة الفنان: Ben Redekop
هناك سبعُ صحاري تَقَعُ وراء بودراهان، وهي المدينةُ التي تتوقَّفُ عندها كُلُّ القوافل. لم يذهب أحدٌ أبعدَ من ذلك. في الصحراءِ الأولى تُوجَّدُ آثارُ المسافرين العظماء الخارجين من بودراهان، وبعضها يكون عائد. في الصحراء الثانيةِ لا تُوجدُ سوى الآثارِ المبتعدةِ ولا توجد آثارٌ عائدة.
الصحراء الثالثةُ لم تطأها قدمُ إنسان.
الرابعةُ هي صحراءُ من رمال، والخامسةُ صحراءُ من غبار، والسادسةُ صحراءُ من صخور، والسابعةُ صحراءُ من صحاري.
في وسطِ آخرِ الصحاري الواقعةِ وراء بودراهان، في منتصفُ صحراءِ الصحاري، ينتصب التمثال المنحوت من التل الحي القديم المسمى رانورادا، العين في القفر.
حول قاعدةِ رانورادا نُقِشَ بحروفٍ باطنيةٍ غامضةٍ أعظمَ من كُلِّ الأنهارِ الكلماتِ التالية: إلى الإلهِ الذي يعرف.
لا يوجدُ أيُّ آثارِ أقدامٍ فيما وراء الصحراءِ الثانية، ولا يوجد أيُّ مياهٍ في الصحاري السبعةِ التي تَقَعُ وراء بودراهان، وبالتالي فلا يُمكِنُ لأيِّ إنسانٍ أن يَذهَبَ إلى هناك لينحتَ هذا التمثالَ من التلالِ الحية، ومِنْ ثَمَّ فإن أيدي الآلهةِ هي التي نَحتَتْ رانورادا. الناسُ في بودراهان ـ حيث تتوقَّفُ القوافل، وحيثُ يستريحُ حداةُ الإبل ـ يحكون كيف نَحتَ الآلهةُ رانورادا ذاتَ يومٍ من التلِّ الحي، يطرقون بالمطارقِ طيلةَ الليلِ فيما وراء الصحاري. كما أنهم يقولون إن رانورادا منحوتٌ على هيئةِ الإلهِ هوودرازاي، الذي عثرَ على سرِّ مانا ـ يود ـ سوشاي، وعرف السببَ وراء خلقِ الآلهة.
يقولون إن هوودرازاي وقفَ وحيدًا في بيجانا ولم يتحدث إلى أحدٍ لأنه يَعرفُ ما خفي عن الآلهة.
ومن ثم صَنَعَ الآلهةُ تمثالًا له في أرضٍ منعزلةٍ كواحدٍ يُفكِّرُ في صمت، وهو العين في القفر.
يقولون إن هوودرازاي سمع همهماتِ مانا ـ يود ـ سوشاي وهو يُتمتِمُ إلى نفسه، واستخلصَ المعنى، وعرف؛ وهذا الذي كان إلهَ الطربِ والفرحِ الوفير، صارَ منذ هذه اللحظةِ الإلهَ الذي لا يفرح، حتى في الصورةِ المنحوتةِ على هيئته، التي تُراقبُ الصحراء، فيما وراء آثارِ البشر.
ولكن حداةَ الجمالِ الذين يجلسون ويستمعون إلى حكايات العجائز في سوق بودراهان، في المساء، بينما تستريح الجمال، يقولون:
“بما أن هوودرازاي حكيمٌ للغايةِ ورغم ذلك فهو حزينٌ للغاية، إذن دعونا نَشرَبُ النبيذَ وننفي الحكمةَ إلى القفار التي تَقَعُ وراء بودراهان.”
وهكذا تُوجَدُ ولائمُ وضحكٌ طيلةَ الليلِ في المدينةِ التي تتوقفُ عندها القوافل.
وهذا ما يرويه حداةُ الجمالِ عندما يعودون من بودراهان؛ ولكن من الذي يَثِقُ في حكاياتٍ سمعها حداةُ الجمالِ من رجالٍ عجائزَ في مثل تلك المدينةِ البعيدة؟
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.