التصورات الخيالية الأشهر في المخيلة البشرية
الجسد
اللزج
الجسد، وذا بلوب
العضلي
-الشرّ
-المتحولين
-الانمساخ
-البديل
-البطل
البشاعة
بهذه القصة -أو الرواية القصيرة- استهل هذه التدوينة، وكانت ضمن مجموعاتي القصصية سابقا (اعتقد الرابعة) وقد سبقتها بمجموعة الحدث، والقبور، والنهايات. قبل أن أتبعها مباشرة بـ الوضعيات. نلحظ أن هناك علاقة أكيدة مع الوضعيات كون الوضعية هي تغيير / تحول في الموضع أو الحركة. هناك علاقة بالطبع مع النسخ، لأن النسخ قد تكون مطابقة، وقد تكون مشوهة. وحتى النسخة طبق الأصل، هي بشكل أو بآخر، تحول في العدد (من مفرد إلى زوج أو جمع) وفي الماهية.
أنا لست مثل أي كاتب آخر, وهذا عمل آخر يثبت لكم ذلك. إن السرد لا يكون دوما خلق لأحداث خيالية,فإن كل ما يمكن تخيله يمكن حدوثه بشكل أو بآخر. ومع ذلك لا يملك الجميع مخيلة مثل التي لدي,أو هكذا أحسب وليعفي القارئ لي غروري. وهذه مجموعة قصصية معنونة بإسم التحولات,تتناول كل قصة شيئا عن تحول مختلف. بها تحولات لن تخطر على بالكم. أتحداكم أن تتخيلوا نوعية كل التحولات التي سأقدمها لكم,فحتى لو نجح القارئ في تصور أغلبهم سيفلت منه تحول أو إثنين. وها هنا أقدم لكم ثلاثة عشر تحولا.
وقد عنونتها بإسم التحولات,وأعرض فيها ثلاثة عشر قصة وثلاثة عشر تحولا مختلفا,مرتبة أبجديا,هي
1-الأشكال
2-الأشياء
3-التحول
4-التحولات
5-التشوهات
6-الجمال المشوه
7-الروح الحائرة
8-الساحرة
9-السجن
10-القائلين
11-المرض
12-الموت
13-الوحوش
الأشكال
السمين
في آخر قياس لها بلغ وزنها ثلاثة آحاد متجاورة (111) كيلو جراما,ولكن لما تحاول تذكر آخر مرة وزنت فيه نفسها العام الماضي,يبدوا لها هذا الرقم جميلا ضئيلا يحدث داخلها شعور بالحنين إلى السنوات الماضية أيام كانت خفيفة. الآن صارت بدينة (كأنها لم تكن كذلك) بدينة جدا. بلغت بدانتها حد تخشى فيه أن تزن نفسها. وأي ميزان سيتحملها؟. لقد كانت جميلة ذات يوم تزيد عن كل نساء العالم بمفاتن لا حصر لها. من المؤخرة إلى النهدين,والشعر الطويل,وشامة الخد الأيمن,والغمازة يسار ثغرها. وكان لحمها يبث أطنانا من دفقات الإثارة والإغراء,بدلا من أن يزن أطنانا ويبث كل ما هو قبيح فقط. والآن صار جسدها ممتلئ بالزيادات من نوع مختلف,لحوم خارج الهيئة العامة الطبيعية لأي إنسان. لغد وكرش وحدب وأطواق حول العنق وشلاضيم عند الخد,وترهلات في مناطق عديدة ومتنوعة,بل وهي ربما تكون أول إمرأة (بل أول إنسان) يخرج له ذنب من تكتلات الدهن أسفل الظهر.
وذات يوم طرق بابها مندوب عن وكالة لرصد الأرقام القياسية,يريد تسجيل آخر وزن بلغته, رفضت نسرين الأمر تماما وهي تتسائل عن كيفية معرفتهم الأمر. وخمنت أنه ربما يكون زوجها جاسر الذي تخلى عنها,ولم يجسر على العيش معها كأنه سيغرق في أكوام لحمها إذا ما نام في أحضانها. ولكنها تسائلت عن السبب الذي قد يدفع جاسر لأذيتها,جاسر الرومانسي الذي بنى لها الدرج الخشبي المزين بالزهور الحقيقية والمنحوتة على درجاته وإطاره وجداره. جاسر الذي تزوجها راغبا في جمالها ورقتها غير طامع في أموالها.
ولكن هذا ليس أسوأ ما حدث لها,ليس انفصالها عن زوجها,وليس هو سخرية الناس منها وابتعادهم عنها,ولا أنها صارت لا تنام فوق أي أسرة,فلا يوجد خشب أو معدن قد يتحملها. ولا حتى لما أرسل جاسر رجل يقتلها. حاول الأحمق خنقها بذراعين لم تقدرا على تطويق عنقها,وأثناء مقاومتها اللاهثة من أجل الحياة سقطت فوقه محطمة عظامه,أضلاعه وجمجمته. فكرت أن الأحمق ربما لينجح في قتلها لو كان فكر في كتم أنفاسها. ففمها لازال صغيرا,والأنف غير بعيد عنه.
غفلت ذات يوم,وارتمت مرهقة على الفراش. وانسحق السرير على الأرض,وانسحق طفلها الذي للتو بلغ عامه الأول وكانت تحضر لعيد ميلاد متأخر له,الآن وبينما هي راقدة على ظهرها عاجزة عن النهوض وعن مسح دموعها,وعن حضن صغيرها,تفكر في جنازته.
إبنتها نانسي هي التي ساعدتها على القيام باستخدام إحدى الرافعات التي ملئأت الطابق الأول من قصرها الكبير. إبنتها التي بقيت معها ترعاها وترعى أخاها بعد أن رحل الإبن الأكبر العاق صالح الفاسد كما فسد أبيه. ولحق الشبل بالأسد. ولم يكن رحيل إبنها الأكبر أو قتلها لإبنها الأصغر هو أسوأ ما حدث لها. ولكن لما قررت أخيرا أن تصعد للطابق الثاني وهي تنوي في فورة غضب أن تكسر عنقها. كسرت عنق إبنتها,وتشوه الرأس والوجه الجميل الذي نال سمرة أبيها وملاحة أمها تحت ثقل السلم الخشبي وقد سقط تحت وطأة ثقلها. لا تعرف ما الذي جلبها إلى هنا؟. كانت قد امتنعت عن الطعام منذ وفاة صغيرها,حتى كادت أن تهلك من الجوع وقلة التغذية,إلا أنها تزداد بدانة يوما بعد يوم. عرفت أنها أخيرا ستهلك جوعا لما أدركت أن ساقها مكسورة للخلف تحت ظهرها. لن يسمع أحد صرخاتها من الألم والجوع والحسرة والذل. فالحدائق ممتدة حول قصرها إلى ما لا نهاية. وكانت قد طردت الخدم حتى لا تبتأس أكثر من نظراتهم تجاه جسدها. نانسي الوحيدة التي برّتها وكانت ترعاها,لتكون ثالث ضحية تموت تحت ثقلها كأن القدر يسخر منها,خاصة وأنها تزداد ثقلا وحجما مع أنه لا طعام يدخل فيها. غبية أنها لم تطلق نفسها من جاسر,والآن بعد رحيلها, ستذهب كل ثروتها إلى الورثة الوحيدين. زوجها وإبنها.
الرفيع
اشتهر الفتى رمزي بضآلة جسده الذي لا يكبر مهما كبر عمره,وقد تجاوز عقده الأول في هذه الدنيا بقليل ليخطوا إلى سنوات المراهقة. لا يزال يلعب مع أطفال حارته ألعاب الطفولة المحببة إليه,تطرب أذنيه لضحكات رفاقه الصبيانية,الذين يحاولون عبر ضحكاتهم التغلب على خوفهم ونفورهم من هيئة صديقهم. لم يجدوه ضئيلا فحسب,بل الأكثر ضآلة بين كل من وقعت عيونهم عليه. بين كل ما يسير على أقدامه الأربعة قبل السائرين على قدمين. حتى الثعبان يندهش إذا ما رأى رمزي. أول ما يلاحظ من ضآلته هو رفعه الغير آدمي بالمرة.
إذا ضاع شيئا يتهم هو في سرقته,وإذا ضاع هو لا يعثر عليه أحد. رمزي يمكنه الإختباء بين جذور الشجر وفروعه,وفي البالوعات الصغيرة جدا,وحتى التدلي في عين الحمام حاشرا نفسه داخل مسورة الصرف. جرّب ذات مرة أن يفعل نفس الأمر مع مواسير المياه عبر الدخول من فوهة الصنبور,ولكن ثقبه كان أضيق من أن يسع جسمه.
يمكنه العبور من أي باب,بين إطاره ولوحه إذا كان متسعا كفاية,تعجب ذات مرة كيف لا يمكنه دخول مسورة المياه حتى الآن. يمكنه الإختباء تحت أي سجاد أو فراش أو ملاءة أو خلف أي ستار أو وشاح دون أن يدري به أحد. بالطبع لا يهزم في لعبة الغميض. يمكنه الإختباء خلف أقدام منضدة أو كرسي. يمكنه دخول قاروة مياه كبيرة أو قارورة فخارية (زير) بل وحاول في النموذج الأصغر منها (قلة) ولا أجدعها حبار في أعماق البحار.
لديه الكثير من القدرات التي حاول أبناء الحي الغير شرفاء إستغلالها. في السرقة أو في التسول بشكله المخيف هذا وعيون السمكة المنفرة تحت جبهته. أو حتى تعليمه كيف يحمل السلاح لإستخدامه في مشاجراتهم. فهو قادر على المرور جوار النصال قبل أن يدرك الذي يواجهه ما حدث. أو أن يختبئ بالسلاح والمخدرات في مخابئه,وقد نجح لذلك لفترة ثم ابتعد عن تجار المخدرات لما عرف ماهيته.
بل أن بعض القوادين حاول إستخدامه للتنويع في العروض الإباحية المتاحة في دار العهر التي تحت رعايته. يمكنه إدخال الرأس في شرج رجل كما خرج منذ خمسة عشر عام من فرج إمرأة. يحاولون إستغلاله ويستغلون غياب أي أسرة له,ولكن باءت محاولاتهم بالفشل. فالفتى أكثر براءة وطيبة وعندا من أن ينصاع لأي أحد في أشياء يعلم هو أنها قذرة.
يمكن لرمزي فعل الكثير والكثير,وتتخلص مهاراته وقدراته في أنه يمكنه العبور من أي فجوة,بنفس السهولة التي عبر بها من بطن أمه إلى هذه الدنيا,وقد كان خروجه منها (هذه الدنيا) عبر فجوة أخرى ضيقة لا تتسع لأكبر من فرج إمرأة. سائرا في الشارع,مرهقا من كل هذا القبح حوله,غير منتبه لما تحت قدمه,سقط في شق بين غطاء البالوعة وفتحة المجارير.
الطويل
شخص واحد في المنطقة كان أطول من محمود أبو طويلة,في الحقيقة كان أكثر طولا من الجميع. بل يرتفع رأسه عن قامة أي شخص في هذا العالم.
بالطابق الثالث كانت السيدة أم حسن تنشر الغسيل ظهرا لتستفيد من أشعة الشمس الساخنة في هذا الصيف,وفوجئت بوجهه في وجهها لتعمي نظراته المذعورة عينيها بالتعاون مع الضوء الساطع لكرة النار الساخنة في قلب السماء.
تراجعت بلا صوت لتتعثر قدميها وتسقط من على الأريكة فيرتطم رأسها بالطاولة الخشبية في منتصف الصالة. خشب خفيف ربما لم يكن ليجرح الرأس لولا وجود كوب زجاجي على حافته. شق غليظ عميق أسفل خصلات شعرها,والدماء تبلل ثيابها لتنسكب على السجادة غالية الثمن.
إنقسم قلب محمود لشقين فرا على عينيه,وسالت دماء قلبه الممزق دموعا من مقلتيه خشية زوجها الغاضب الذي سيوجه له ثلاثة إتهامات على الأقل
-اختلاس النظر إلى بيوت الناس
-محاولة سرقة زوجته ولهذا فزعت وسقطت
-التحرش بالزوجة إذا حاول مساعدتها
لم يفعل سوى التهمة الأولى والتي كانت بدون قصد منه,فهو النائم بإمتداد الحارة الضيقة, تسد قدميه مدخلها,لا مكان له يأويه. أول ما يفعله عند الإستيقاظ هو أن يفرد جسده كليا مرتفعا برأسه متخلصا من آلام نوم مرهق. لا يحسب حسابا للكوارث التي قد تحدث من أدنى حركة يفعلها.
لما يقف يرتفع رأسه,لا ليس بالأمتار,بل إلى ثلاثة طوابق ويزيد,لهذا بلغ بدون قصد إلى موضع المرأة التي تنشر. طول بدون أي ضخامة,فهو نحيف جدا يكاد لا يكون قادر على أن يسند نفسه.
لما عرف صالح زوجها,فاض به الكيل,وجمع الضغائن التي يخزنها أهالي المنطقة للفتى الغلبان,فألتف حوله مجموعة من القوادين والشمامين والبلطجية. الشاب الصغير (بغض النظر عن ضخامته) يشكل خطر كبير على مصالحهم.
وذات ليلة عند إنتصافها,وبينما هو نائم جوار سور سكة القطار المهجور,أتاه قطار الموت متمثلا في خمسة رجال أشداء ملثمين يقودون نحو عشرين رجلا آخر لا يقلون عنهم خطورة. ثبتوا الفتى الصغير على طول جسده الكبير. مجموعة ثبتت القدمين وأخرى عند الذراعين,والثالثة يحاولون السيطرة على بطنه أو ظهره. أخذ يرفس بقوة,وكان عاطف (عامل حسابه) فنزل بفأسه على قدمه. علت صرخاته بدلا من رفساته,ولكن سرعان ما انتهت مكتومة بسكين أبو حسن. تذكر عندها أنه ذات يوم كان لديه إبنا آخر غير حسن. إسمه أحمد. لديه مشكلة في الحجم,فكان مثل برميل كبير في عامه الأول. وقد مات في عامه الثاني. وحزن عليه كثيرا. ولكن لطخت الشفقة والرحمة الدماء المسالة,وتفكير سلبي يحتم على محمود أن يموت كما مات ابنه أحمد. لماذا يعيش هذا ويموت الغالي!.
لم يهتم أحد بالذهاب لمكان الصراخ,وقد عرفوا صاحبه ومصيره,وفي الصباح عرف الناس أيضا قاتله. ولكن لم يتحدث أحد.
القصير
لطالما عانى سيد القصير من قصر طوله ولكن عزاءه كان يتجلى له دوما مثل صوت آت من الذاكرة يهمس في أذنه بكلمات أبيه “احذر كل من اقترب رأسه من الأرض”. بينما يتشتت هذه الذكرى الجميلة,ويفسد جمال عبارتها كلمات أمه السامة “يا أوطى من الموس على الأرض”. ولطالما كره أمه الطويلة وأحب أبيه القصير. رفاعي القصير الذي لم يملك أي رفعة في قامته ولكن كما يقال “الكبير كبير مقام وليس الكبير عمرا” كذا كان أباه عالي على كل أبناء حي السرايا الغير صالحين؛بلطجية وشمامين وقوادين. الرجل الذي كان يرتعد لذكر إسمه أي شخص؛القصير والطويل,الرفيع والسمين,الخفيف والثقيل. لقد إرتفع إسمه عاليا في السماء,وهبط إلى الأرض مع موته. هو المشهور -ضمن ما اشتهر به- بقفزته من الطابق الرابع في معركة أسقط بنزوله رجلا تحت قدمه وقد تفجر رأسه ليولوا الأدبار رفاقه بعد ان رأوا دماءه والرجل وضع رأسه تحت حذاءه ظل واقفا لم يتأثر من سقطته.
-ده كانت إفتتاحية الخناقة,تخيل لو كان طالهم بإيديه
ولم تكن يده طويلة,لا في السرقة -هو لم يكن سارقا قط برغم ما عرف عن إخوته- ولا في القتل. كان قاتلا,ولكن يزهق روح من يوقعه الحظ أمامه فقط. نفس الرجل قطاع الرقاب, ونفس الرجل الذي قفز بلا كسر أو خدش من إرتفاع لا يقل عن عشرة أمتار. نفس الرجل كسرت رقبته اثر سقوطه من على فراش المرض وقد كانت يد الموت طويلة.
كان ذات مرة عائدا من سهرة جميلة من العربدة وشرب الخمر وتدخين الحشيش مع رفاق السوء. وبعد إنتهاءهم ذهب الجميع كل يبحث عن مقهى أو ملهى أو غرزة أو حانة أو غورة ينام فيها,واحد فقط بقى مع صاحب البيت يبيت عنده. ولم يعرض عليه أحد توصيله. وكأنه بحاجة لحماية أحد. ولم تكن معه دراجته النارية,وكأنه خائف أن يسير على قدميه. لم يكن بإستطاعته قيادتها في ظل هذا الوضع المزري. كما أنه أعارها لزميل له في (الإجرام) يقضي بها (مصلحة) أو مشاجرة ما. يمشي وحيدا ليلا قرب الفجر,مار على إحدى دواليب المخدرات. رآه واحد من أعداءه. رآه بعين واحد فقط فقأ له سيد الأخرى أثناء مرور المشرط الذي لا يفارقه عليها. مستغلا الظروف التي تدعوه للأخذ بثأره. سيد مسطول وسكران (طينة) يمشي مترنحا غير قادر على أن الوقوف قائما حتى (لا يستطيع أن يسند نفسه). رأسه محنية للأرض يريد أن يرتمي عليها رافعا شخيره غارقا في نومه. والشارع خالي من شلته أو أي حليف محتمل له. لا كاميرات حكومية في هذه المنطقة. لا سلاح في حوزته بسبب تشديد الشرطة عليه. وهذا الدولاب هو منطقة عمله الرئيسية لبيع المخدرات بينما ينتمي سيد إلى دولاب آخر منافس تحت إدارة عائلة الدوابشة.
مشى بخطوات ثابته نحوه,وعلى الفور إنتبه إليه سيد,واعتدل متحفزا للقتال,إلتفوا حوله وقد تذكر أن لا مطواته ولا خنجره معه. لا يملك سوى ذلك الموسى. المشرط الذي قطع به عين محمود أبو طويلة. تأمل لثانية الخطوط التي صنعه على خد الفتى وعنقه مشوها نصف وجهه. ذلك الوجه الذي ارتفع عاليا نحو السماء المظلمة بينما استقر رأس سيد القصير تحت الأقدام ملتصقا بالأرض. وبينما يلفظ آخر أنفاسه لم يكن الموت هو أكثر ما أزعجه,بل قهره تلك الميتة المزرية التي ذكرته بما انتهى عليه أبوه.
الأشياء
[1]
ذات يوم قررت الأرض أن تخرج ما في بطنها,تجسدت بين السماء والأرض في صورة إمرأة جميلة متدثرة بثوب التراب وأثمال مومياء تطير في الهواء بين الأرض والسماء, ويراها كل من في العالم. لذا حسبها الجميع ملاك من نوع ما. عدا بعض القطاعات من البشر من ظنوها شيطانا ومن عبدوها ربا,ومن بحثوا عن تفسير غير روحاني بإعتبارها ظاهرة ما. لكن حتى أكثر الماديين عنادا تخلى عن صلابة رأسه وجلافته وهو يرى بعينه كلمات الملاك تنفذ مثل سهام عزرائيل إلى الأرض لتنبت ويلاتها وتخرج من تحتها.
أول ما خرج من الأرض هم الموتى. كل من مات وكل ما مات ولم تفنى جثته بعد,حتى لو تبقى فقط من الجثث بقايا فقط خرجت أيضا. وتفجرت البراكين والفيضانات وبحيرات النفط ومناجم الفحم. ثالث وآخر ما خرج كان الجن والشياطين ولكن لم يكونوا جنا ولا شياطينا.
هذا يوم استيقظت فيه كل الجمادات لتفتك بكل الأحياء. لم يكن صراعا ذو طرفين. لم تكن حربا. بل كانت إبادة من طرف واحد. إبادة شاملة ونهائية. فالإنسان وهو أذكى الأحياء,لا يملك شيئا ليقاتلها به. فمأكله جماد وملبسه جماد,وأدواته والأسلحة التي سيقاتل به جماد. والأسوار التي سيحتمي خلفها جماد. وحتى جسده جماد تسكنه روحه. وحتى النار التي تحرق جماد نطق في يومه. والجماد في الأرض تحته,والجماد في السماء فوقه,والجماد في الهواء الذي يتنفسه.
[2]
ربما بدأ الأمر لما الأبراج كلها حول العالم تقوم لها قيامة,وشكلت قلاع متحركة في هذه الحرب العظيمة,ولعل الهرم الأكبر غار منهم فقام معهم. انتبهت قبائل العرب البدوية أولا لهذا الأمر. ودب الذعر في رجالهم وجمالهم وخيامهم. كانت الخيام لا تزال بعد ميتة تعكس مشاعر القوم لرؤيتهم ذلك العملاق المهيب يتحرك أمامهم.
-يا عبد الحميد يا عبد الحميد,المساخيط قاموا يا واد يا عبد الحميد .. الجن طلعوا علينا,خد أبوك وارحل عن هنا
كان جمال يصيح أو يصرخ مناديا إبن أخيه,ولم ينتظر أن يرى هل يلحقوا به أم لا. خاصة ومعهم حريمهم وأولادهم وهو فرد لحاله لا يحمل معه سوى أقدامه. ركب جمله وأسرع به إلى اللامكان,إلى حيث يذهب في أي مكان!.
*******
ومن أطراف الجيزة إلى مكان آخر داخل حي السرايا على أطراف القاهرة,عشش الحمام على أسطح البيوت والطيور تطير محلقة مبتعدة عما سيجري. وما جرى هو تحول الخشب إلى كائنات حية. استيقظت العشش وتشابكت أخشابها مكونة أقدام تتسلق على المباني, وتصرخ
-يلعن أبوكم
وتختلط صرخات الأشياء بصرخات الأحياء في جميع الأحياء.
وفوق البيوت حيث الأسطح متراكم بها كل شيء مهمل أو منسي أو تالف أو زائد عن الحاجة. أشياء تحدث لتلك الأشياء فوق البيوت والمباني.
محمد فرغلي ينظر الآن من الطابق السادس مستكشفا كل الأسطح أمامه في المنطقة,قد بدا له هذا المشهد الليلي مألوفا,ثم تذكر أنه لطالما شاهده في أفلام نهاية العالم التي يعشق مشاهدتها.
*******
رأى الدب مناسبا حيث كانت هديته لزوجته في عيد ميلادها هو ذاك الدبدوب الذي وجده ملقى في علبته على رأس كومة قمامة على الطريق وهو آتي من العمل. فقراء الحال ولكن مستورين وربما يمكن ببعض الزحزحة أن يصنف إنتمائهم الطبقي إلى الوسطى. وهو يعمل بجد وكد حتى يثبت أقدامهم في هذا المستوى. فرحت زوجته بالهدية كثيرا ووضعتها في مكان بارز بالصالة,وكانت كل يوم تأتي من السوق لتجد الشقة بأكملها مرتبة مهما كانت غارقة في الفوضي التي تركتها عليها في الصباح. تعود بعد الظهيرة ليكون كل شيء نظيفا ومرتبا وجميلا. وذات مرة عادت مساءا من عند أمها منتشية بفكرة أن زوجها يتعب نفسه قبل الذهاب إلى عمله ويقدم إليها المزيد من الراحة خجلا من هديته المتواضعة,لكنها كانت مسرورة بالهدية كثيرا. ذلك المساء سمعت صوت زوجها يناديها في المطبخ. كان يذهب إلى العمل متأخرا ويعود متأخرا,لذا استغربت عودته المبكرة. دخلت المطبخ ونظرت إلى الدبدوب الكبير الواقف أمامها مبتسما ينظر بعينين تذكرها بعيني ولدهما الوحيد والراحل قبل أن ترحل لتلحقه. فقد أسكت الشيء صدمتها بأن ضربها في وجهها بما كان يسخن على المشعل. صحن يغلي الزيت داخله,أهترأ وجهها وتآكل لحمها وعمي بصرها وتهتك عظامها. شعرت أن الزيت بطريقة ما كان مسحورا. لم تفهم المنطق الذي يجعل الدب يقتلها وهو قد كان يمارس دور إبنها في تنظيف المنزل. ربما لأنها عثرت عليه يقظا حيا. هل كان يعد الطعام لها؟. لم يكن زوجها الذي يفعل! وماتت ولكن لم تنتهي معها تساؤلاتها. فبعد العثور على الجثة أسفر التحقيق عن أصل الدمية التي كانت محشوة بقطن مبلول في دماء المشرحة. ذلك اليوم سيتذكر الأهالي في كل القاهرة الحادثة التي نكبت كل محلات الدمى المحشوة بالقطن. وكانت تلقى في الشوارع وفي مكبات النفايات لا تجد من يشتريها أو يأخذها مجانا.
ولكن في حقيقة الأمر,وقبل استيقاظ الأشياء بنحو شهرين أو بضع شهور,كان (البتاع) يتحرك هنا وهناك في أرجاء مختلفة من القاهرة ثم خارج القاهرة إلى جميع أنحاء الجمهورية ناشرا سحره هنا وهناك. الزوج كان يحسب السبب فيما وقع به من فقدان زوجته وابنته عملا سفليا أو شيء من هذا القبيل. ولكن الحقيقة هي أن البتاع هو السبب الأصلي وراء كل ما حدث في الأشهر الفائتة,وهو من قام بالقيامة التي تهلك العالم الآن.
*******
وفي ميدان طلعت حرب,وكما حدث في عدة ميادين مجاورة,استيقظ ذلك التمثال الحجري على فارسه,ليخوض حربا أخرى,وفي الأسواق استيقظت تماثيل العرض عارية أو مرتدية ملابسها,وفي البيوت استيقظت الدمى بين أيد الأطفال.
[3]
الشيء / البتاع مجهول الهوية حتى لنفسه,ولكن لا نفس داخله,لذا يقول أنه ينظر لذاته بدلا من ذلك. وطالما يقول فهو يفكر,الإنسان حيوان ناطق. وهو -وقد سمح لعقله المسحدث أن يصفه بـ هو- ليس إنسانا ولا حيوانا. إنه حرفيا شيء. ولا يقصد الشيئة المعممة على كل الموجودات في الوجود. بل يقصد كل الأشياء الجامدة والميتة.
يتذكر شعوره جيدا,وهو نفس الشعور الذي شاركه إياه بعض الموتى / الجمادات حوله؛فلما أتاه الموت -إذا كان حيا في يوم من الأيام- وأدرك موته,عرف أنه لا جحيما ولا عدما,إنه فقط مثل حجر ميت. أو أسوأ. فهو يدرك موته ولا يدرك أو يشعر بأي شيء آخر. إلى متى يا ترى سيظل هكذا؟. أو متى سيصير عدما أو يتم محاسبته أو ينبعث من جديد. هل سيظل في الظلام إلى الأبد؟ هل هذا هو العدم؟ لو كان عدما فلماذا لازال يشعر بوجوده. كم مرّ عليه حتى الآن. أم لا وجود للوقت هنا!. أخذ يتساءل كثيرا حتى استيقظ من سباته,أو أيقظته أسئلته بعد أن أرهقته في رقدته. لم يكن ميتا ولا نائما. ماذا كان؟ ماذا هو الآن؟
تمخض جبلا ولكن لم يلد فأرا,فالذي تمخض هو جبل بالفعل. بدأ صراخه في واحدة من الليالي السوداء,واستيقظ الناس مفزوعين عليه. سمع أهالي الإسكندرية صرخات أنثوية تشق السماء عاليا وحسب الناس أن يوم الدين هو اليوم. وركضت الحشود المذعورة في إتجاهين. منهم من يأخذ حاله وماله وعياله ويهرب من الإسكندرية. ومنهم جماعات احتشدت أمام الجبل الأحمر. وثلث ثالث,وهم الغالبية,قبعت في البيوت. وقد تذكر الناس قرآنهم وإنجيلهم وصلواتهم. حتى من في قلبه إيمان ضعيف أو تعنت ملحد صار متشككا في فعاله وفي عقله وفي ما حاوله. الصراخ آتي من الجبل الأحمر في الصحراء المترامية. جبل الأشباح كما عرف. حتى أن قبائل البدو لا تقرب منه أبدا. وكبرى الشركات لا تبحث في مدافنه وكنوزه ولا تنقب بحثا عن حديد أو فحم أو غيره. وكفى الناس شرّ الجبل حتى إذا ما كان يرقد فوق أنهار من الذهب. استمرت الصرخات بطول الليل,ومع الفجر بدأ خط معترج يبرز في الصخر ثم يكبر مع تشقق الجبل ويتوسع الشق مثل رحم إمرأة. من ضمن الناظرين كان هناك شيخ طاعن في السن تذكر قصة صالح وناقته,ولكن لا ناقة ولا جمل خرجت من رحم الجبل. وعندما غطى صوته على صوت صرخات أمه,مات من مات في حينه,بينما أخذ الجميع يركض. حتى قوات الأمن والجيش التي هزت أقدامها رمال الصحراء ألقوا أسلحتهم الثقيلة وصاروا يركضون. الجميع يركض أو يموت. الجميع يصرخ أو يبكي. الجميع يحسد من هربوا,أو حتى من مكثوا في بيوتهم قرب البحر. لقد حسب الناظرين أن ماردا من الجن سيخرج,وأحدهم قال ملاك مرسل. شيخ آخر تذكر قصة موسى والجبل الذي خر صعقا وحسب أن الأمر سيتكرر. هناك نحّات نطقت أدوات الحفر في يده. لم يلد الجبل جنا ولا شبحا,ولا شيطان أو بركان. حسب البعض أن ما خرج هو الدابة أو المسيخ الدجال أو غول من اليأجوج أو المأجوج. وذهبت بعض الخيالات إلى أنه هو البرّاق ينتظر أن يمتطيه نبي آخر,المهدي ربما أو المسيح. أشار رجل وهو يصرخ أن هذا هو ملاك الموت ثم مات من فوره هو الآخر.لكن وليد الجبل لم يكن أيا من هذا. وخرج ذلك الشيء من الجبل ونزل إلى البحر. غاص في الأعماق وذهب معه رعبه. وطويت الأيام هذا الحدث في غياهب النسيان.
ابن الجبل هو,وابنه ابن مومياء,قام بإحياءه في بطنه أمه,جثة محنطة عثر عليها في المتحف الوطني في وارسو,اختارها لتكون له زوجة,وحسدها لأنها تعرف سنوات عمرها التي تدخل في باب الثلاثة آلاف عام. بينما هو ولد أمس,ولا يعرف لنفسه مولدا قبل ذلك. لا عمر محدد يقيده,لا في الماضي ولا في المستقبل.
ومن بولندا مرّ على باريس ليوقظ برج إيفل من نوبه,قضيب حديدي يرتفع للأعلى مسافة 300 متر. ثم استأنف رحلته.
التحولات
[1] الخلق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخلق هو أول حالة تحول يصير إليها الإنسان,تحول من العدم إلى الوجود,وتحول أثناء عملية الخلق من جماد / طين بلا روح إلى جسد حي.
ولأن الخلق هو الحالة الأولى,نجده في أقدم التراثيات الإنسانية,وهي الأساطير,منذ فجر الحضارات الأولى؛البابلية والفرعونية والإغريقية منذ نحو خمسة آلاف سنة قبل الميلاد.
كما أنه موجود في المعتقدات الدينية التي تعتبر الأساطير القديمة مبنية على حقائق مندثرة تم تشويهها,كما أنه لا ترى تنافيا بين قصة الخلق وبعض الحقائق التي توصل إليها العلم.
وتنقسم قصص الخلق إلى أصلين؛الأول أن الكون أو الإنسان خلقا من عدم,والثاني أنهما تشكلا من مواد أولية. وفي كلتى الحالتين ترجع تلك العملية إلى أساس ومسبب ثابت هو الخالق.
ترتبط قصة الخلق أيضا بمعجزة الولادة,حيث يتشكل الجنين في بطن أمه خلال زمن تال على زمن لم يكن له فيه وجود.
[2] النمو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولأن الإنسان صار موجودا,وكان أول وجوده بعد آدم,هو الولادة,واستمرت هذه العملية (الولادة) مع الإنسان,يعقبها العملية الحيوية الضرورية في أي كائن حي؛النمو.
ومع النمو تطرأ تغيرات جسدية,تحول الإنسان من إنسان إلى إنسان آخر,وتتنوع لـ
1-التحول بالحجم: قصير – طويل – سمين – نحيف – أحدب – غير متناسق – متسق
2-التحول في الوجه: الشيخوخة – الجراحة – الكبر – الهموم – نمو الشعر والأظافر
ومن النماذج الروائية التي تقدم جزء من الأولى نذكر أنحف لـ ستيفن كينج.
أما عن الثانية فنذكر فيلم الحالة الغريبة لبين بينجمان.
هناك نوع أدبي صار يلقى عناية كبيرة وله ثقله وأهميته,اسمه أدب النمو,والذي يعني بعرض أبطال صغار تجري الأحداث معهم ومع مرور سنوات عمرهم ونموهم وبلوغهم بالمعنى العمري والغائي.
يقابله نوع آخر يعني بالتوجه إلى كل الشرائح العمرية المختلفة.
[3] الموت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نهاية مسيرة الإنسان على الأرض هي الموت,والموت هو أكثر التحولات ثباتا وتفردا وحضورا في كل الكائنات الحية. ولأن الإنسان منذ وطأه الأرض,عاش فيها ومات. نجد الموت معروفا وحاضرا في أقدم التراثيات مرة أخرى منذ نحو خمسة آلاف سنة قبل الميلاد. في الحضارات البابلية والفرعونية والإغريقية,وكل حضارة تعاملت معه على نحو مختلف.
وقوع الموت يطرأ معه تغيرات بارزة في الجسد البشري,أولها هي خلو الإنسان من الحياة وتحول من جسد إلى جثة. ثم هناك مراحل أخرى مختلفة؛التعفن,التحلل,أو التجميد والتحنيط.
التحنيط نفسه تنبثق منه أنواع أخرى,مثل التحنيط كما في المومياوات,أو التحنيط بالشمع,أو بالتحجر.
كما أن طريقة الموت تطرح العديد من التحولات الأخرى,كما سنتبين في الفقرة التالية.
[4] التعذب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يطرح الباحث محمد عمران عبر تحليله للفن التشكيلي السوري المعاصر في كتاب (أبحاث لتعميق ثقافة المعرفة),رؤية مغايرة للجسد الميت,تنبثق منها عشرة تحولات / تشكلات أساسية لهذا الجسد الميت,وهي
1-الجسد الميت
2-الجسد الميت (القديم والمعاصر)
3-الجسد الوحش
4-الجسد المريض
5-الجسد الميت (ميتة عنيفة)
6-الجسد المشظى
7-الجسد الهجين
8-الجسد المحتضر
9-الجسد المعذب
10-الجسد المصاب
ويمكننا أن نستزيد على ذلك بذكر
1-الجسد المهمش
2-الجسد المقموع
3-الجسد المذعور
4-الجسد المشوه: الدامي / الممزق / المقطوع / المسلوخ / المحروق / المكسور / المثقوب
5-الجسد المخنوق: الغرق / الخنق / الشنق / الاختناق / الكتم
6-الجسد الجائع
7-الجسد المرهق
نلاحظ أنه في الكثير من النماذج المذكورة,وكما تشير الدراسات الحديثة,لا ينحصر دور الجسد في أداءات فيسولوجية أو حيوية أو شكلية,بل تعكس تمظهراته الحالات النفسية التي تتخذها وتتقلب عليها الشخصية وسط كم هائل من الاشتغالات اليومية الاعتيادية أو الظروف الحياتية الطارئة.
[5] القناع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يطرح القناع صورة التحول بالتنكر,عبر وسائل عديدة,نذكر منها
-ارتداء الأقنعة
ببساطة هي أن تضع أي نوع من الأقنعة على وجهك,ورصيد هائل من الأشكال والتنوعات في الخامات أيضا. من الأشكال قد تضع وجه حيوان (قط / أرنب / دب / كلب) أو وجه إنسان,قناع يمثل شخص تعرفه,أو لشخصية مشهورة. وقد تضع وجوها غير مفهومة سريالية أو تمثل بيوتا أو تلفازا. أو أقنعة لوحوش أو تشوهات معينة تضاف على الوجه.
ومن الخامات هناك أقنعة بلاستيكية وجلدية وورقية وخشبية وحتى حديدية أو جلود الموتى أو كتل من أشياء أخرى.
وهناك خيارات عديدة
1-تغيير الوجوه من خلال اللعب بملامح الوجه
2-ارتداء الأقنعة
3-الاختباء في الظلال
4-الماكياج
5-الشعر (باروكة)
6-الملابس والأزياء
7-التمثال
8-التمثيل
9-العمليات الجراحية
[6] الانعكاس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعد التناسخ أو النسخ واحد من أشكال التحول الكبرى,لكنه تحول في الطبيعة العددية لكونك فرد واحد,تصبح إثنين,تصبح أكثر من شخص واحد. الأكثرية هذه لا تحدث بسبب زحام في الغرفة سببه بعض معارفك. بل أنه في حيز ما,صار هناك أكثر من شخص من ذاتك. عادة إثنين. هذا التحول الظاهر أنه كان رفيق البشرية من أزل الزمن,حتى ورد ذكره في الأساطير الإغريقية من خلال أسطورة نرجس التي تجسد حب الذات عبر سردية تفسيرها الميثولوجي لظاهرة الإنعكاس. من خلال اكتشاف نرجس لإنعكاس وجهه على سطح الماء.
الصورة هي الشكل الأول لتناسخ الإنسان من واحد إلى إثنين,وقد تبرعم هذا الشكل ليشمل أنواع أخرى مثل التمثال (هو شكل آخر من أشكال حب الذات في الأسطورة الإغريقية) كما في أسطورة بيجماليون. لاحقا تطور الأمر ليشمل الفن التشكيلي مع صورة دوريان جراي لأوسكار وايلد.
[7] الانفصام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم أتت أعمال أدبية تجسد الإنفصام؛أي أن ينقسم الإنسان داخليا إلى نقيضين.
أهم ثلاثة أعمال أدبية تناولت هذا الموضوع هي
1-دكتور جيكل ومستر هايد
لـ روبرت لويس ستيفنسون,وفي الرواية قدم الكاتب الإنفصام في أوضح صورها,ومن أغربها كما عنون روايته (العنوان الأصلي: الحالة الغريبة للدكتور جيكل ومستر هايد).
2-صورة دوريان جراي
لـ أوسكار وايلد والتي تقدم إزدواجية غريبة لا تقل غرابتها عن تحفة ستيفنسون.
3-طارد الأرواح الشريرة
الممسوسة ريغان ماكنايل هي التجسيد الثالث للإنفصام,الشخصية الأخرى هنا هي شيطان. الرواية لـ ويليام بيتر بلاتي.
وحتى الآن,وبشكل أو بآخر,تندرج كل التحولات السابقة إلى نوعية (من إنسان إلى إنسان) وفي الفقرات التالية ننتقل إلى التحول (من إنسان إلى وحش).
[8] التحول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمتلئ الأساطير,وهي الصورة الأولى للأدب الإنساني,بكم هائل من التحولات التي يرصدها الباحثين ويصنفونها فيما سنتناوله في مقال آخر. وأول أديب جمع هذه التحولات في كتاب هو اليوناني أوفيد وكتابه المعنون؛التحولات.
هناك نوعان أساسيان للتحول,هو الانمساخ,حيث يتحول الإنسان إلى إنسان,يسمى هذا الإنسان الجديد مسخ. والتوحش,حيث يتحول الإنسان إلى حيوان,أو شيء آخر مبهم,ويسمى هذا الشيء وحش.
يمكن القول أن تحولات أوفيد تنتمي إلى ذلك النوع الثاني,وكذلك أهم عمل جسد فكرة التحول / التوحش,في كتاب معنون بـ التحول (وفي بعض الترجمات الأخرى الانمساخ أو المسخ). للكاتب الألماني / النمساوي / التشيكي / اليهودي كافكا. كأنه في عمله هذا,والمفرط في السوداوية,يحاول أن يجسد هويته التي تشظت / تحولت إلى عدة ثقافات تتبرأ منه,وتتركه عاريا,إنسانا مهمشا,مقموعا,وبلا هوية.
ويمكن أن نضيف التحولات / التشوهات الجسدية التي تطرأ على جسد الممسوس / الملبوس.
إن الانمساخات السحرية (من إنسان إلى وحش) سواء لدى أوفيد وكافكا,أو خارج أدبهما بالاتساع الهائل الذي لا يتسنى لي عرضه هنا حاليا,حتى لا تختلط أفكاري ويتشتت ذهني.
هذا غير مفهوم الوحش,وهو لوحده بحاجة إلى دراسة مستقلة,وكذا مفهوم القبيح.
[9] الهجين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النوع الأكثر حضورا من التحولات الأسطورية عبر التاريخ,هو التهجن. والذي يتوزع على ثلاثة أنواع أساسية
-النصف إنسان نصف حيوان
-الخليط بين حيوانات مختلفة
-الشيء المبهم الذي يندمج مع شيء آخر غامض
هذه ربما تكون هي الانمساخات السحرية الأكثر حضورا في تاريخ المخيلة البشرية,ومنها
1-المتحول Shapeshifting
وهو كائن أسطوري سمته الأساسية التحول إلى صور مختلفة من كائنات أخرى.
2-المساخيط
المسخوط هو إنسان انمسخ / انسخط إلى حيوان أو كائن مشوه غير بشري ومفهوم السخط هذا يراد به لعنة إلهية. بل يندرج ضمن المسخ الطبي الذي نتناوله في مقال آخر هناك أسطورة عربية تعد من أشهر الأساطير الحضرية عن الفتاة المسخوطة التي أهانت القرآن فانمسخت سحلية أو قردا أو كلبا.
3-الطفيليات
الطفيليات هي كائنات لا تستطيع أن تعتاش إلا على الآخرين. هل هذا يجعلها تستحق أن تدرج هنا أم لا؟ لا أعرف!.
4-الخنثاء
الخنثى أو الخنثاء حالة فريدة من الانمساخ تمزج بين الرجل والمرأة,أو تحول الرجل إلى امرأة,أو العكس؛المرأة إلى رجل.
5-الممثل
مثل الممثل الذي مثل أدوار الشرّ في السينما.
6-الموتى
الموتى الذين عادوا,أي تحول الإنسان إلى هجين بين الحي والميت,ومنه أنواع مثل الأشباح والزومبي ومصاصي الدماء,والإحياء الذي نتطرق إليه في آخر المقال.
7-المسخ
ومن المسوخ البشرية نذكر واحد من أشهرهم,وهو الرجل الفيل. حالة نادرة من الانمساخ بسبب علة مرضية مثبتة علميا ومؤرقة طبيا. ومن التحولات الطبية التي صارت أسطورية نذكر أبو رجل مسلوخة.
8-الشيء The Thing
الشيء أو الجسد,وأقصد هنا تحولات ديفيد كرونببرغ.
9-الكيميرا Chimera
هو مخلوق في الأساطير الإغريقية له رأس أسد وجسم شاة وذنب أفعى. ثم أصبحت كلمة كميرا تستخدم لوصف هذا المخلوق أو المخلوقات الآتية من عالم الوهم / السراب / الحلم, أو التي يجمع تكوينها أجزاء من حيوانات مختلفة,أي التي لا وجود لها في الواقع.
[10] التجلي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ننقل هذا النص من كتاب (أبحاث لتعميق ثقافة المعرفة):-
“نصوص أخرى في الثقافة الإسلامية مرتبطة بالتجربة الحسية التي يمر الشخص بها وأشهرهاَ نصوص المتصوفة وحالات الوجد الصوفي – التجلي – الذي «يحدث إما عن طريق التأمل أو بهبة مباشرة من الله، ففي الحالة الأولى يخترق النور الإلهي الجسد، ويدخل إلى الروح، فلا يستطيع الجسد أن يتحمله» وبعيداً عن صحة أو كذب هذه الحالات إلا أن هناك حالات أكثر تركيزاً على النواحي الجسدية التي نرى فيها الجسد يتغير شكله ويكتسب ماهية جديدة أشهرها حديث الحلاج عن غرفة في داره تسمى «بيت العظمة» حيث يقصدها ثم يتسع حجمه حتى يملأ المكان،والنص التالي يصفها:-
«جاء غلام حامد الذي كان موكلاً بالحلاج وأومئ إلى هارون أن يخرج إليه فنهض مسرعا
ونحن لا ندري ما السبب فغاب عنا قليلاً ثم عاد وهو متغير اللون جداً فأنكر أبي ما رأى منه
فسأله عن خبره فقال دعاني الغلام الموكل بالحلاج فخرجت إليه فأعلمني أنه دخل إليه ومعه
الطبق الذى رسمه أن يقدم إليه في كل يوم فوجده قد ملأ البيت بنفسه من سقفه إلى أرضه
وجوانبه حتى ليس فيه موضع فهاله ما رأى ورمى بالطبق من يده وعدا مسرعاً وأن الغلام ارتعد وانتفض وحم»
النص السابق يقدم صورة حسيّة يتحول فيها جسد الحلاج ليتسع ويشمل المكان ليصبح فضاء مقدساً في حد ذاته يصعب اختراقه،فجسد الحلاج هنا تعرض لتحول جعله يماثل هيئة
المكان الذي يحويه ويثير الرعب فيمن حوله، وكأن النص هنا أسس لحالة جسدية يتحول فيها الجسد إلى كيان جديد قادر على تكوين علاقة مع المحيط – المكان و الآخر.
[11] التشيء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنت سأذكر القبيح من التحول في هذه الفقرة,ثم تذكرت أنني كدت أن أنسى التشيء.
التشيء هو تحول البشر إلى أشياء,أو العكس تحول الأشياء إلى بشر,أو أقله إلى كائنات عاقلة. وأهم أديب جسد هذا التحول هو القاص السوري الأعظم زكريا تامر,في قصصه القصيرة,التي يستنطق فيها الفاكهة والحجارة والدمى والأموات.
[12] الدمية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التلاعب هو نوع من التشيء الذي عادة يتم بتدخل إنسان,وأبرز ثلاثة نماذج عنه هو بينوكيو والأشياء في أدب الفانتازيا للأطفال,خاصة في رسومات والت ديزني والمدرسة الكارتونية حيث كل شيء يتحدث. وثالث نموذج هو الروبوت في أدب الخيال العلمي.
[13] الإحياء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رغم أن الإحياء يمكن أن يصنف ضمن الأنواع الستة الأولى المميزة للانمساخ (من إنسان إلى إنسان) لأنه يرتبط عادة بإحياء جسد بشري ميت. إلا أن عملية الإحياء هذه لا تتضمن بالضرورة رجوع الإنسان نفسه,ليس إلى حالته الأولى على الأقل. فمهما كانت العملية ناجحة,وعاد الإنسان مرة أخرى, تبقى تجربة المرور بالموت,تجربة فريدة وقوية,لدرجة تجعل من العسير رجوع الإنسان إلى طبيعته مرة أخرى. بل وتطرأ عليه تغيرات عنيفة على الصعيد النفسي قبل الجسدي,مما يجعل الأمر محال أو شبه محال,حتى لو سلمنا بوقوع أمر مستحيل أصلا مثل العودة من الموت.
والشواهد على ذلك عديدة,منها
-المرء قد يستيقظ من النوم متغيرا
-حتمية الموت
-استحالة العودة من الموت
-صدمة موت شخص عزيز
-صدمة الاقتراب من الموت
وإذا كان الاقتراب من الموت يحدث صدمة,لازال حتى الآن يتناولها الأطباء الباحثين بحثا وتنقيبا وتحليلا,فما بالنا بالمرور بالموت. وأبرز شخصية أدبية جرى إحياءها من الموت بالطبع هي مسخ فرانكنشتاين.
التشوهات
[1]
أول طريقة للتحول تكون بالذبح,تمزيقا وتقطيعا وسلخا. هذه هي الأنواع الثلاثة الأكثر فعالية وتأثيرا وتنوعا في تلك الطريقة.
التمزيق مثل شخص إسمه حامد الأعور يقطن في حي السرايا,فقأت إحدى عينيه بسكين تطوى (مطواة),وشق فمه بسكين جزارة (كزلك). حتى سمي بـ ذو / صاحب العورتين. أعور العين والفم يسير بشقين أحدهما شق رأسي في عينه من عند الجبهة أعلى الحاجب حتى الأنف,والآخر شق قطعي يوسع إبتسامته إلى أقصى الخدين.
التقطيع مثلما فعل سيد حنفي الجزّار برجل مسكين تشاجر معه,سحب يديه على النطع ذو الأرجل الثلاثة,وقام محمد أكبر أبناء سيد حنفي بقطع اليدين. ضربة واحدة بالساطور أنهت المسألة. ترك الرجل دماءه تتطاير تعمي عينيه,وصرخات الناس حوله تصم أذنيه,صرخات وصيحات متوسلة للعفو عنه. ولكن لم يشفع له بكاء الناس ولا بكاء زوجته وهي تحتضن إبنه المذهول خائفة أن يختطف من يديه,نادمة على ذلك الشجار الذي افتعلته في السوق ليسحب قدميها وزوجها إلى منطقة الجزارين. زوجها الذي يزحف نحوها,لم تكن تعرف سيد حنفي ولو عرفته لترجته أن يرحم عائلتها الصغيرة. منطقة الجزائرين شديدة البأس لا تقربها حتى أفراد الشرطة. وعائلة سيد حنفي تبسط هيمنتها على السوق كله. تعرف أن الرجل لن يرحمها وإبنها لو تدخلت. كما أن الأيادي كثيرة تمسك حتى لا تولول أو تصرخ. قد يقطع لسانها إذا فعلت. مثلما قطع يدي زوجها المحروس محروسا,والذي لا حارس له اليوم. ومثلما يقطع ساقيه الآن تاركا إياه بدون أطراف. ثم سمح للزوجة أن تلملك زوجها أو ما تبقى منه في عربة (توك توك) لأقرب مستشفى تحمل أطرافه معها في كيس لربما يمكن تخييط شيئا إلى الجسد مرة أخرى.
في المسلخ كما يتضح من الإسم كان السلخ,رجل غريب تم سلخه بدءا بأطرافه,كشط الجلد عن ذراعيه وساقيه,لكنه مات قبل الوصول لعنقه.
[2]
ليست الدموية هي الشكل الوحيد للعنف,وربما ليست الأكثر قبحا,الأقبح هو الحرق,والأغرب هو الخنق. وفي بلاد الشام تربط اللهجة بين الخنق والذبح في ترادف واحد. فيقال كان ليذبحك إذا تعرضت لمحاولة الذبح أو حتى الخنق.
وفي فلسطين البنات جميلات,أكثر من اللازم الصراحة. وهو وإن كان مجرد جندي إسرائيلي آخر,إلا أنه متاح أمامه عدد لا يحصى من الخيارات.
هذه بعض الذبائح التي تسلى برسمها,في السجن,أو في الشارع,لا فرق.
الأول جلس مبتسما وإبتسامته مرسومة على عنقه بدلا من وجهه,فم أحمر كبير مفتوح على ثغريه.
الثاني نزع عنه ثوبه ولم يكن مرتديا شيئا,عاريا كما ولدته أمه,بلا أي شعر حتى على رأسه, فجعله يتعرى من جلده.
الثالث فقأ عينيه أولا ثم جعله ينام للأبد بالطبع على فراش من المسامير.
أما عن الخنق,الموت الرقيق,جعله للبنات الجميلات,فتاة واحدة تحديدا,جرى إعدامها في ميدان عام بدون ذنب ارتكبته,وإنما مجرد ذنب وهمي الحق بها فحسب.
في الخامسة والعشرين كانت,وعلى هذا العمر ماتت.
طلب منها أن تجلس ففعلت دون أن تجهد نفسها كثيرا,وكفاية عليها دموعها ودموع أمها التي لا تعلم أين هي الآن. قدمت إلى الجمع بإعتبارها إرهابية. أمروها بأن ترفع رأسها. فعلت. قدميها مثبتان أسفلها,ويديها مقيدة خلف ظهرها,وقيد آخر من وشاحها التي كانت تتحجب بها يضيق أكثر على عنقها. خناقها يضع قدمه على ظهرها,ويشد أكثر إلى صدره. حاولت في البداية أن تستسلم لمصيرها,لولا أن جسدها أبى أن يسلم روحها,لذا انضم جندي آخر في محاولة تثبيتها,ولما ارتفع صوت غرغرتها,حسبوا أن الأمر انتهى واقتربت آخر أنفاسها. وقد كان هو النفس الأخير بالفعل,لولا أنه طال في خروجه متذيلا بالروح إلى السماء.
[3]
عائلة الشوادفي قاسية,لكنها لن تكون أكثر قسوة من القاتل الذي حل على حي السرايا؛وجدوا الضحية الأولى رجلا مقطع الأوصال فقالوا أنها جريمة بشعة. والرجل التالي كان مثبت بمائة مسمار طويل يخترق جسده على باب أحد البيوت. فقالوا أنها جريمة بشعة مثل سابقتها. الرجل الثالث وجدوا جثته وقد احترق حيا. فقالوا أنها أبشع من سابقتها. الرابع وجدوا جثته محترقة من الداخل,فقد ملأ القاتل فيه بالوقود حتى بدأ يتقيأ من فمه وأنفه وعينه وطعنه بحديد محمي بالنار في بطنه فأنفجرت النيران من داخله. قالوا أن تلك هي الأبشع. وتوالت ثلاث جرائم أخرى أشد وطأة من الأربعة. ثم أتت السابعة لتفجع الجميع ببشاعة غير معهودة لدى البشر.
عائلة الدوابشة تعد من أكثر العائلات إرعابا في حي السرايا,مع عائلات أخرى قوية مثل الشوادفي,والعجل,وعائلة سيد حنفي,والمحرورقي.
العائلة الأخيرة تستخدم دوما الحرق في مشاجراتها ومعاركها,متفاخرة بإسمها,رغم أن لديها إمكانية لتسليح رجالها في أي لحظة,إلا أن أفضل الأسلحة بالنسبة لهم هي التي تشمل المواد الحمضية (مية النار) والمفرقعات (الشماريخ) وقنابل الجازولين (المولوتوف).
الحرق,طريقة للموت أو الأذى تثير الرهبة لدى أعدائهم,والحرق عند المحرورقي ليس إستراتيجية دفاع,بل هي فلسفة حياة. فوسيلة العقاب المفضلة لدى الآباء هي حرق الأبناء. ليس حرقا حتى الموت بالطبع,ولكن الحاج عابد المحرورقي تمكن ذات مرة من إيهام إبنه وإقناع إخوته أنه سيحرق ولده بالفعل ويشوي فلذة كبدة. أتى بالطشت وصب فوق رأسه وقودلا بدلا من الماء. واختلطتت المادة ذات الرائحة النفاذة بدموع الطفل الباكي ذو التسعة سنين. لا يعرف هي يمكن أن تعمي عينيه أم لا. لكنه مرّ من التجربة على خير جسديا,ولكن بقدر كبير من الشروخ والكسور نفسيا. آخرين لم يحتفظوا بعينهم,حيث تم سمل عين عيد وطمس نوره,أو نصف نور تحديدا بواسطة سيخ محمي بالنار كان يد أبوه هي الممسكة إياه. الأمهات لا تعترض كثيرا,وهي رقيقة لا تقوم إلا بإستخدام الشمع المذاب أو تطفئ السجائر في أماكن حساسة من جسم الفتى. أكثر من يستخدم تلك الطريقة هي أم نور,وزوجها قام بسلخ إبنه بأن سكب عليه وعاء الماء الساخن في موجة غضب. سياستهم إما أن تحرق خصمك يا ولد,أو أحرققك أنا.
[4]
أفلام مثل الشعوذة والتعويذة عند الغرب,تقدم أعتى وأقبح أنواع التكسير في الجسد المتلبس من قبل الجن أو الشياطين!. الكسر يطال كل قطعة في الهيكل العظمي للبني آدم.
والجوع يحول الشخص إلى شخص آخر في حياته,ويبقى منه جثة نحيفة مفزعة الملامح بعد مماته. والظمأ يجعل منها جثة جافة لا تقل قبحا في الملامح.
السم أيضا تجربة مخيفة,تشوه ملامح الوجه في مزج بين الإختناق والنزيف الداخلي,وبعض السموم تلون الجسم بألوان,وقد تجعله ينتفخ أو ينفجر بطن المسموم حسبما يحكي البعض عن فظائع السموم.
هناك طرائق أخرى عديدة للموت,ليس ذلك الموت الهين,مثل النائم,رغم أن حتى النائم يتشوه بموته حيث يصير ساكنا بلا حراك. مجرد جماد قبيح. ولكن ليس مثل هذا. التشوهات تحدث من أبشع الميتات,بالذبح أو الخنق أو الحرق أو غيره من ألوان الموت التي قد تذهل رسوله.
الجمال المشوه
[1]
ذهبت لتشتري بعض التسالي والمرطبات من لب وسوداني و مشروبات غازية وعلبة مخفوق كريم وأثناء عودتها مالت بطرف عينها إلى اليمين هناك حيث تجلس شابة صغيرة مولية ظهرها لها ومنشغلة بالحديث في هاتفها ومتلفحة بالأسود من رأسها حتى قدميها في عباءة وطرحة غير ملتفة بالكامل حول الرأس والعنق. في العشرين من عمرها,أو ربما لم تبلغها بعد,إلا أن النضج تفجر في كل جسدها. من الظهر والجانب تظهر معالم ثدييها تحت ثوبها واستقامة ظهرها المنحنية والمتكئة بكوعيها في حجرها. وتورد وجهها وإمتلاء عنقها.
كانت لتتجاهل أمرها لولا أن داست على قطعة من حبل (دوبارة),أقصوصة مناسبة جدا في ظروف جعلت الشارع خالي من أغلب الناس المرتمين تحت مراوح أسقف بيوتهم حتى قبل أن تبلغ الساعة التاسعة. ومن تبقى لا يصل نظره لهذه البقعة شبه المظلمة من الشارع عدا مصباح مضيئ فوق رأس الفتاة كأنه يغريها بالإقدام على ما ستفعله. كما أنها تعرف الفتاة بصفتها بنت الجيران,وتعرف إن إسمها جهاد,فلم يبقى سوى التنفيذ.
لم يستغرقها كل هذا التفكير سوى بضع ثواني قبل أن تتجاوز بقدميها موضع الفتاة,وعلى الفور غيرت إتجاهها بخطوات لا يسمع صوتها لتصل إلى رأسها تنظر الفتاة للأعلى كاشفة عن رقبتها. تبتسم لها حاسبة أن سحر تمازحهها بينما تقوم الأخرى بإلقاء الحبل الرفيع على عنقها وشدت للخلف. في لحظة انحنى رأس جهاد إلى الأمام مع الضغط للخلف على حلقها.
وكأنها تستحق إسمها,جاهدت جهاد من أجل التملص أو التنفس أو الصراخ وقد حافظت سحر على غلبتها,منحنية فوقها محنية رأسها وهي تختنق بدون صوت. لم يستمر الأمر كثيرا وسرعان ما تراخت يديها إلى جوار ركبتيها والهاتف ملقى عند قدميها.
[2]
قابلتها وهي جالسة على أريكة تتأمل الضوء المتكسر مثل ألف قطعة زجاج على سطح النيل ,وقد بدا الأمر كأنه مصادفة. بالطبع لم يكن كذلك.
-سحر!
صاحت فرحة بالمصادفة العجيبة
-منال
وقد تعمدت أن تكون المصافحة والتقبيل من الخلف,فاضطررت منال وهي لا تعرف السبب والبسمة لازالت على وجهها,كانت أثناء ذلك تفك طرحتها دون أن تلاحظ منال ذلك. لا يوجد أي سائرين خلفها,لا يوجد أي ناظر بالقرب أو مراقب. أدركت منال متأخرا أن الوشاح لم يعد على رأسها,وقد حسبته غير محكم الربط أولا قبل أن تربط به هي عنقها.
-انت بتعملي إيه؟
ولا زالت البسمة تتسع لها شفتيها التين انكمشا في تلوي مفزع وقد شدت سحر الحبل / الوشاح للخلف. ملفوف حول عنقها في حلقتين,يزيد الشد ضيقا على الرقبة,وكانت المشنقة محكمة الإغلاق,والمسكة متملكة تماما من مؤخرة عنقها.
لم تستوعب منال ما يحدث لها,وقفز لسانها إعتراضا عن حالها,جحظت عينيها وسرعان ما ذهبت الرؤية من أزرق الماء إلى زرقة السماء.
[3]
عرفت أن اليوم حفل زفاف نسرين,ولم ينتبه إليها أحد أثناء دخولها مركز التجميل الفقير في الحارة,ولكنه كان من الداخل متألقا بالأضواء زاهيا بالألوان منعشا بالحضور من بنات جميلات صغيرات محبات لبعضهن. بينما الجميع في داخل الداخل داخل إحدى الغرف الداخلية.
-سحر,إزيك
صاحت فرحة بالزيارة الجميلة
-جيت أباركلك يا عروسة
وتمت المباركة بلمس العنق بدلا من الرأس,ولا زالت نظراتها عالقة في عيني سحر. وخرج اللذين كانوا في الداخل ليجدوها ميتة.
[4]
اليوم اصطدمت بفتاة (شرشوحة). تشاجرت معها فاطمة,وسحر لا تدري لماذا تصيح عليها؟ ولا كيف انتبهت إليها!. والتف الناس حولهما.
-مش تفتحي يا ختي!
–
وسحر تنظر باستغراب
-بتبصيلي كده ليه
لا زالت تنظر إليها,وقد شعرت فاطمة أن نظراتها فحسب كفيلة بإسقاط هيبتها أمام الناس
-إيه ولية يا شرموطة,يا مرة من غير راجل,يا ناقصة رباية
واستمرت نداءات القذف والسب والناس يتكاثرون من يحاول التهدئة ومن يريد فقط المشاهدة.
أخذت سحر تقترب منها,فتراجعت فاطمة مذهولة من نظرات سحر إليها,محتمية ببيتها خلف ظهرها,والخالي من أي رجال حاليا,إلا أنها في انتظار حاشيتها من النساء في البيوت المجاورة ولم تمر إلا بضع دقائق بعد.
لم تكن تنوي قتلها,ولكن هي تريد مقاتلتها,كما أنه لأول مرة تلاحظ مدى جمالها,جميلة لدرجة حادة جدا تكاد تجرح عينيها بعينيه الطبيعيتين,ووجهها البض,وصدرها المرتفع وخصرها الممتلئ وقصرها الجذاب,وشعرها الغير طويل يتبعثر بتبختر هنا وهناك مع ثورتها. وشفتيها المرطبة بسنوات عمرها المستقرة عند العشرين والتي لن تتجاوزها.
مدت يديها تريد تطويق الضغط على طبقات الجلد والعظم واللحم تحت الوشاح الملفوف حول رقبتها,شعرت فاطمة بالقلق وهي تتراجع أكثر حتى وقفت على عتبة باب بيتها. ولكن استمرت سحر في دفعها للخلف.
-إيه يا مرة,لا .. ده أنا أجيبك تحت رجلي
ولكنها كانت مذعورة فعلا الآن,ولاحظت تشبث المرأة بعنقها وجحوظ عينها في تحديق مخيف هو الأول من نوعه في كل ما شاهدت فاطمة من قبل
-الحقوني يا ناس
واغلق الباب خلفها,ومعه اغلق الباب لأي رحمة أو حياة
ضغطت بالإبهامين مثل مثقاب يحفر في تربة الحياة حتى يفسدها,وطابت لها ما ترى في عيون فاطمة من خوف وخضوع وصدمة. لقد كانت فاطمة تحسب نفسه ذات قوة وعنفوان وشباب بالنسبة لكل النساء الأخريات صغيرات أو كبيرات.
كما لم تتوقع أن تحاول سحر قتلها,وهي تنجح في ذلك الآن. ولا تجدي كل السبل المقاومة معها من لكم وصفع وخمش وركل ودفع أو حتى محاولة سحب جسدها للخلف أو إفلات رقبتها من يديها. كانت صرخة الاستغاثة هي آخر ما خرج من صراخها الذي تحول إلى صرخات يائسة في محاولة استجداء سحر أو الناس خلف الباب المغلق بالخارج. عرفت أن كل شخص ذهب إلى حاله. هل يفترضون أنهن دخلا ليتصالحا مثلا؟!.
-حرام عليكي .. همووو ع
وتحولت آخر كلماتها إلى غرغرات بدلا من صرخات,وسحر تستمتع جدا بالمنظر,الآن هي في حالة هيستيريا بائسة وياسئة وفوضى أخيرة من المقاومة والانتفاضات
[5]
نادت
-صلاح
التفت شاب أسمر ينظر إليها ليعرف من يناديه خلف ظهره
-لا لا, مش انت
اكمل طريقه,ولم تنتبه صلاح بعد لها,مدت يديها إليها من الخلف,وشدت أصابعها على عينيها
-أنا مين؟
-سحر
نطقتها الفتاة صلاح برقة ودلال وشيء من الفرح الناتج عن صدفة لقاء شخص تعرفه, شخص ربما يوصف بالصديق. لكنها كانت في حالة عدم تصديق لما سحبتها للخلف. لم تعطها فرصة لرؤية وجه صديق قديم حتى. كانت قد توقفتا أمام حارة جانبية ضيقة منزوية عن العين. ولم يكن يوجد سوى رجل واحد يوليهم ظهره على مبعدة ثلاثين مترا. سحبتها في الحارة الجانبية مطوقة عنقها بذراعها,رافعة رأسها للأعلى لتعلق بين ذراعيها من رقبتها يزداد وزنها ثقلا تحتها. لم تكن ثقيلة مع ذلك في جسد يمزج بين النحافة والسمنة,ولكن تليقها مثل المشنقة,والذراعين تقبض على الحلق مثل الإزميل,وعينيها تتابع حركة الناس على بعد خطوات منها. لا ينتبه إليها أحد. فقط واحد. واحد فحسب,ينظر بطرف عينيه دون أن يحرك جانب وجهه. وسوف يراها. وسوف ينقذها. ربما كل هذا اليأس,وصدمتها مما يجري لها,هي لا تعرف سببا لموتها. ربما كل هذا ساهم في تعجيل اختناقها وسرعان ما همد جسدها وثبتت الرأس عن الحراك. ومازل وجهها تعلوه عبارات الصدمة واليأس والخوف ممتزجة بعلامات الخنق. اختنقت في صمت وماتت سريعا. استغربت سحر,وانزلت جثة الفتاة برفق على الأرض. نظرت لها,وكانت العينين تنظر إلى جهة ما .. لا تعرف لماذا شعرت بالشفقة تجاهها.
[6]
التفتت لها حنين في تألق مثل الشمس وضح النهار,عينيها تلمع في نشوة لا يمكن إنكارها أو أقله إثارة الشك في قلبها. جسد ضئيل تكاد لا تصدق أن صاحبته على أعتاب الثلاثين من عمرها. كل من ينظر لها يحسبها على أعتاب المدرسة الثانوية. ضآلة مع قصر قامة زادت من أنوثتها فقد جعلتها قطعة واحدة صغيرة بين اليدين خفيفة الحمل يسيرة في الاحتضان. وكانت تلبس قطعة واحدة من القماش الأحمر في عباءة تحتويها من العنق إلى القدم. (هل تغريني؟) هكذا خطر لها وهي في استغراب لم تشهد له مثيلا من قبل. الفتاة كأنها تغويها بالفعل تدفعها ميولها المثلية. ربما لا تكون كذلك. ولكن هذا ما شعر به سحر على كل حال. لذا اتخذت قرارها بإضافة نوع جديد من النساء إلى قائمتها. قبلتها في وجنتها ولم تكمل لتلثمها على شفتيها بل أعطتها قبلة الموت بيديها حول حلقها وشعرت بالسلسلة الذهبية المختبئة أسفل عنق الفستان الأحمر. كأنها كسرت عنق زجاجة كان موتها سريعا.
[7]
من المرات القليلة التي تترصد فيها لإحدى النساء,فتاة صغيرة هي,وهي لا تحب أن تفعل ذلك. مراقبتها لأي إمرأة قد تجعلها تتعاطف معها,وهذه المشاعر لا تحدث داخلها عند الاختلاط الفعلي والتواصل مع الآخرين. تتولد فقط من المراقبة,وتجد أن أنفاسها تتعاقب في لهاث حاد كأنها تحب,كأنها تريد صديقة من بعيد!.
وكانت صابرين بعيدة المنال إلى حد كبير,تصبر على حبسها دوما في غرفتها,منتظرة ذلك اليوم الذي سوف ينتشلها فيها زوجها من عذاب قبرها هذا. لكن ستعجل سحر من وصولها إلى قبر آخر.
[8]
سمعت أم حسن تتشاجر مع زوجها كالمعتاد,دخلت وسط حشد الناس المتفجرين تهدئها,طوقت عنقها بيديها وضغطت بإبهاميها حتى تخلصت تماما منها. حتى أم حسن لا زالت تحافظ على جمالها. وسحر لا تقتل سوى امرأة واحدة كل عام. مما يجعلها غير ملحوظة دوما. لأنها غير ملحوظة دائما. فلما خنقت المرأة أمام الجمع,ورحلت. نظر الناس وقالوا أن المرأة ماتت بسبب السكتة القلبية. امرأة واحدة لاحظت ذلك. لاحظت أن سحر لا تظهر أمام أعين الناس ولا ذاكرتهم. فتاة اسمها شروق. طلبت مقابلتها في قطعة أرض خالية. صارحتها بكل شكوكها.
-نعم أنت محقة
-إذن؟
-إذن سأقتلك,ولن يلحظ أحد
وأدركت غباءها وهي تتراجع. جمال ضائع تسحبه منها. تخطط أن تستمر ستين عاما أخرى من الجمال.
الروح الحائرة
[1]
ينظر إليها لعل عينه تمتلئ منها,عين لا تشبع من مرآها,لكن عليه أن يثبت هذه الصورة هنا .. على هذا المشهد!
شعرها الأشقير ينزل مثل قضبان ذهبية على وجهها الأبيض,الشعر والجلد يفضحان جمالها الصارخ اللذيذ مثل امتزاج اللبن والعسل. وشفتيها مثل التفاح. وعينيها الزرقاويتين ماء لا يمكن أن يرتوي ظمأه منه.
-لدي خبر مبهج لك
تابع سيماء وجهها المشوب بمسحة حزن يستكشف مدى إهتمامها
-أنا سأفعل ما طلبته مني
لم يرمش حتى لا يغفل عنها لحظة,يحاول التحقق من وقع كلماته عليها,ماذا ستكون ردة فعلها؟ ازداد وجهها حزنا,بدلا من أن يتألق لما قاله,انقبض صدره وهو يسمع كلمتها الرقيقة بصوتها الواهن الخافت
-حقا؟
[2]
شقة مظلمة يغلب عليها اللون البني في الطلاء والإضاءة والأثاث,وداخل الغرفة جلس هو, بجوار قدميها,وهي ممددة على الفراش. زوجته. لا يعرف,لا .. لا يعرف ماذا يفعل؟.
كان يسمعها تتحدث على الهاتف معه,والهاء هنا لا تعود عليه,بل تشير إلى الآخر. الرجل الآخر الذي تحبه. ولم تعد تحبه هو. والهو هذه المرة تدل عليه كأنها تقسمه نصفين. يده تزحف على أطراف أصابعه من تحت الغطاء القطني,ومن تحت الثوب الحريري,تلمس الجلد الدافئ والنابض بالحياة. يتحسس آخر شعرات من حياتها,وتأمل خصلات الشعر على وجهها,قبل أن يقبض روحه بيديه.
روح شريرة ربما هي ما تدفعه لفعل ذلك,وتجعل روحه حائرة,هناك احتمال أن تكون الأرواح الحائرة والظلال الغادرة هي سبب ما هو فيه,وهي التي تدفعه إلى الحافة دفعا.
لقد صدق أن كل البيانات والمعطيات التي جمعها عن زوجتها ليست إلا مزيج من الشائعات والوهم,لكنه صدق شكوكه أكثر. لا يمكن أن يستمر في تغذية شكوكه وإرواء ظمئه ليكون هو ولو لمرة واحدة مصيبا,دون أن تثمر شجرة الشك عن مقتل زوجته.
وضع يديه حول عنقها,ولم يتركها إلا وقد صارت جثة هامدة مبللة بالدموع واللعاب والبول.
الدموع تسيل من عينيها لتسير إلى وجنتيها وأكثرها تصنع خط ذاهب إلى أذنيها التين لم تعدا تسمعا أي أصوات. كذا عينيها لم تعد تبصر نورا. شعر كأن الأرواح الحائرة الضائعة التائهة ترقبه الآن في صمت. وانضمت روحه إليهم وكذا روح زوجته ولكن الفارق أنه سيعود للحياة مرة أخرى. وهي لا. لن تعود.
[3]
الآن حان موعد التخلص من الجثة. ببساطة لن يتخلص منها. نعم,كل ما سيفعله هو مسح البصمات أولا وإبلاغ الشرطة عن الواقعة ثانيا. سوف يروي لهم الأحداث متغافلا عن الجزء الذي خنق فيه زوجته. سوف يحثهم على التحقيق في جريمة قتلها ولكن ليس هو قاتلها. حتى لو اتهموه لا يهم. المهم -ظاهريا- هو العثور على القاتل. لكن أي قاتل عاقل الذي يقتل ضحيته ثم يبلغ عن الجريمة. هو. فهو لا يبلغ عن نفسه ولا يسلم ذاته إليهم. بل المسألة كلها ليست إلا مجموعة من الشهود المدفوع لهم لضمان حجة غياب,بالإضافة إلى مكانته الإجتماعية المرموقة. ناهيك عن كونه هو المتصل الذي أبلغ عن الجريمة,وظل حاضرا في موقع الحدث حتى وصول الشرطة وساعدهم أثناء التحقيق في مسرح الجريمة. ولم يغفل تصنع المعاناة والحزن واليأس والإحباط بعد فقدانها زوجته؛أعز ما يملك.
[4]
سهير عماد فتاة مولودة وفي فمها ملعقة من الذهب,أبوها هو زاهي محمد أبو النجا,أما عن اسم عماد فألحق بها نسبة لعمها عماد أبو النجا العارض والمغني والممثل والإعلامي الشهير. وهو ليس الوحيد المهم أو الشهير أو الكبير في عائلتهم الممتلئة عن آخرها برجال احتلوا مناصب مختلفة ومتفاوتة في القدر والمكانة داخل الدولة. وكل منهم حصل على نصيبه وفائض من الشهرة.
الأب عرف فلا يعرف.
والعم يلحق بأخيه.
العم الآخر -الأخ الثالث- سعد بيه كشكش,بيه تلحق بكل إسم,فتجد محمد باشا أبو النجا وأخويه الأستاذ (ربما لأنه ممثل قدم هذا اللقب على إسمه بدلا من البشوية والبكوية) عماد أبو النجا. وسعد بيه أبو النجا. وقد لقب كشكش
[5]
علاقة غريبة بين سيدة وخادمة,كانت هي الخادمة فيها,تقف على الطرف الآخر؛فقيرة حقيرة غير معروفة ولا ذات أي قدر من القوة أو السلطة أو النفوذ. ولكنها جميلة محبوبة رقيقة وتعيش حياة سعيدة مع مخدومتها التي تعتبرها سنية الرابط الأساسي بينها وبين عائلتها الثانية (عائلة أبو النجا).
أما عن عائلتها الحقيقية,فمكونة من زوجها,زوج يمزج بين رجل شرقي مثالي وعاشق غربي مثالي أو شبه كذلك. لكنه ليس من أشباه وأنصاف الرجال وهذا هو المهم.
الآن تجلس سنية على كرسي مريح ضمن طقم (الأنتريه) في صالون الضيوف داخل قصر أبو النجا. لقاء مع رجل مهم تعرف سلفا أنه ضيف لدى العائلة وليس فردا منهم بعد أن حفظتهم جميعا الأسماء والوجوه
[6]
فايزة سعد الدين أحمد,إمرأة ذات حسب ونسب ومنصب وجاه وصيت وثراء وجمال لذا غير مستبعد لقاءها مع عائلة أبو النجا وارتباطها مع أحد أفرداهم. وكانت دوما مزهوة بنفسها معتزة بأصلها مغترة بحالها ترى نفسها ليست أقل منهم,لكنها لا ترى خادمتها أدنى بكثير كما تنظر إليها (…) بعكس ما تخفي. وكانت هي أيضا تضمر خبثا وطموحا مقابل ما لديهم من شرا وطمعا
لا شيء
[7]
الساحرة
[1]
ساحرتان,بينهما صراع قديم ناتج عن كونهما أفضل ما انجبت المدينة من ساحرات,مجتمع من السحر والسحرة داخل المدينة المظلمة دوما حتى أطرافها,والساحرة الأم تشغل وظيفة الملكة. وللوصول إلى العرش عدة طرق,أحدها المسابقة التنافسية بين السحرة,والتي تعقد كل يوم,ولا يزيد المشاركين عن ثلاثة عشر,ولا يزيد الفائزين عن ساحرة واحدة. وكل الخاسرين ينتظرهم هلاك محقق. ولكن إدارة المسابقة تتيح للساحرة الإنسحاب قبل كل مباراة لتنجو بحياتها إذا أرادت.
وتتنتهي التصفيات في الأخير على ساحرتين,يحتم على إحداهما الهلاك ولا مجال للإنسحاب.
هذه السنة مسابقة مصيرية غير عادية,تشارك فيها المرأة السوداء نفسها,والتي اخترقت شهرتها الآفاق عبر المدينة,وصولا حتى إلى سحرة في بلاد بعيدة.
[2]
مصاص الدماء
كان اختيارها مثاليا في هذا الرجل؛وقد كانت تنوي تحويله إلى مصاص دماء بواسطة عقاقيرها فحسب,لولا أن دلتها أختها على شخص مصاب بالبروفيريا,وبصورة حرجة للغاية. أي أنه خارجيا وداخليا قد تحول بالفعل إلى وحش آدمي يكاد يجن عقله جراء شهوته للحم والدماء. ثم غطت وجهه بقناع حديدي يلتف حول رأسه بأقفال حديدية من نوع خاص. كان يمسك المفتاح الحديدي بعد أن وضعته داخل كف يده,اقتربت منه ثم قربت المفتاح من عينيه,وأسقطته عند قدمه. لكن لم تبد منه أي محاولة لنيل المفتاح,فإرادتها الحديدية كسرت قلبه الحديدي. لم تكسر الخوف ولكن كسرت الصمود ووضعت مكانه الخضوع. بالإضافة إلى مرضه البروفيريا عرفت أن أسرته الصغيرة تنحدر من سلالة عائلة دراكولتشي,ليس مباشرة من فلاد الوالاشي,ولكن قيل من نسل أحد أبناء العمومة.
أعدت له مجموعة واسعة من المخدرات المتنوعة,ومع خليطها السحري المعتاد في التحويل لتصنع منه مصاصا للدماء.
أنياب ومخالب
مقيدا على الكرسي الحديدي,تنتهي أطراف أصابعه بمخالب حديدية ذات نصال حادة,وفمه مغلق على فك مطبق على صفان من الأسنان الحديدية ذات أنياب مدببة أكثر من سنون المسامير وحادة أكثر من شفرات السكاكين. لقد صنعت له أسلحة حديدية أحد من حد الموسى. وعلى وجهه استقر قناع حديدي مثبت هناك بالمسامير,لا يسمح بأن تظهر أي من معالم الوجه عدا الفك المكشر عن أنيابه. ومقيد بأغلال جلدية -ليست جلد عادي- من عنقه ومعصميه وكاحليه إلى كرسي حديدي يتشنج وتتحرك مخالبه مع تشنجاته. لقد حقنته بمصل يجمع بين سعار الكلب وداء البروفيريا وفيروس أعدته هي في مختبرها مثلما حقنت به مصاص الدماء ولكن مع تعديل بسيط جعل له شهوة للحم بدلا من الدماء.
الشبح
الرجل الشبح في الثوب الأسود,كان هو أيضا رجل من اللون الأسود. عميق السواد لا يظهر في حلكة الظلمة. عينان حمراوان مضيئتان كجمرتان في جهنم. بسبب طلاء الفوسفور الأحمر الملطخ به عينيه وجفنيه وحاجبيه. وخططت به ملامح القناع المخيف فوق وجهه الوحشي. لا يتحرك إلا ومعه كلبه الضخم. أضخم من كلب باسكرفيل. حتى تحير العارفين فيه هل هو كلب أم ذئب؟. وكان يضخ نار من عينيه مثل صاحبه. ومن فمه.
ما يزيد الأمر سوءا,ويضاعف ثقل الصدمة على المتلقي,غير الكلب الهائل بالطبع,هو الوجه الآخر الذي يظهر الرأس بلا ظهر. حيث يحمل وجهين يتشاركان معا في نفس الإذنين. ويختلفان في الملامح الأمامية,ولكن ما يجعل أحد الوجهين خلفا للآخر. هو أن الآخر متسق مع أمام الجسد حيث الصدر والبطن والذراعين والساقين متوجهة للأمام. يبدوا أن الوجه الآخر ليس إلا قناع مخيف.
في الظلام تلمع عينيه,وأشياء أخرى تلمع فيه,رجل أبيض ذو أسنان فضية وأظافر ذهبية وشعر أسود طويل ينتهي بخنجر يظهر كأنه يطير في السماء.
كان ينتمي إلى عشيرة الرجال الزرق,الملطخين دوما في الطلاء والدماء. دماء حمراء هذه المرة.
آكل البشر
ظاهريا يمكن أن تبدوا مثل آكلي لحوم البشر من خلال مرضين؛متلازمة أديسون أو فيروس السعار. وأكلة لحوم البشر -الحقيقيين- يمكن العثور عليهم في أماكن عديدة,تتركز في المناطق النائية التي لم تكتشف بعد أو لم يطأها إنسان حتى الآن,أو بأقل تقدير لم تروضها الحضارة الإنسانية.
هذا غير كون اللحم البشري أشهى أطباق الطعام إلى بني البشر,كان البشر يباعون ويشترون عبيدا ليس بإعتبارهم خدما,بل طعاما لذيذا. ربما نجحت الحضارة الإنسانية في طمس الشراهة البشرية الغير محدودة,إلى درجة ظهور طائفة النباتيين اليوم. ولكن أثبت التاريخ أن الإنسان يرجع لسعاره القديم مع أول كارثة تحل عليه. وفي مصر تشهد الشدة المستنصرية على ذلك. وعلى الجانب الآخر من المحيط في أمريكا تشهد جماعة دونر على ذلك.
الزومبي
ظاهريا تغير منظره تماما بعد أن أصيب بالجذام,فأخذ يتحلل جسده وهو لا زال بعد حيا. وزاد على ذلك تلك الجروح التي مزقت لحمه وشوهته بمرور السنين وكثرة الحوادث والمعارك. وباطنيا كان لديه إعتقاد بأنه ميت فيما يسمى بـ متلازمة وهم كوتار والشهيرة بإسم متلازمة وهم كوتار (أن تعتقد نفسك ميتا) حيث الأحياء الأموات. باطنيا وظاهريا أصابه فيروس انتشر في عقله وبدنه فصار ظاهره مثل باطنه,ميت وليس ميت. هو يعتقد أنه ميت,وكانت لديه دوما خزينة من الأفكار الإنتحارية يريد تنفيذها. ولما أشعل النار في نفسه ظن أنه احترق حتى الموت. وهكذا يحسبه الناظرين إليه من المارين على الطريق ليلا.
هذا غير إنتماءه إلى إحدى العشائر الأفريقية التي كانت تمارس طقوس الفودو,هذا نموذج عجيب يصلح لأن يكون زومبي دون أي تعديل عليه.
الغول
بعد مائة عام في الشمس ووجهه تحت قناع حديدي.
تركته حبيسا في الكهف مدة مائة عام من الجوع والظمأ والبرد والصمت والظلام. مقيد بالسلاسل إلى جدار الجبل,ومكتوم صوته في القناع الحديدي الأسود بلا أي منافذ للتنفس أو تناول الطعام أو حتى الصراخ. يشتعل الغضب داخله,لا تسكته ثلوج القهر على جلده,وفي الأخير لما تحرره,يكون قلبه قد استوى وبلغ ذروته ليتأجج من الإنتقام. توهمه أنها أمه. ليس هي من يريد أن ينتقم منها. هو من أقوى مصنوعاتها. إن لم يكن بالفعل أقوى وحش صنعته حتى الآن بعد ذلك الكيان. يستطيع تحطيم أي صخرة,وكسر أي حديد,عدا أغلالها بالطبع. نحيف مطوق بالعضلات,لكن عضلاته وقامته تعطيه ضخامة هائلة رغم نحافته. كأنه ذئب جائع,وهو كذلك بالفعل. ربما عيبه الأكبر أنه أعمى,يليه كونه هائجا على الدوام.
لما أخرجته ألبسته جلد حيوان,وقد فعلت ذلك في متحول سابق لها,ولكن كان بشري أوهمته بأنه همجي,أو حيوان,ووضعت عليه جلد حيوان وتوجته بقرني ثور,وألصقت بأصابعه مخالب حديدية. أما هذا فغول جاهز,ولكن فعلت به المثل مع ذلك.
السفاح
الجميع يخافون من المجنون.
من مصحة آرخام للأمراض العصبية والعقلية والنفسية انتقت لها مريضا لتقتنيه,ذو صفات معينة. الصفات التي قد يتمتع بها أي مجنون يحترم نفسه.
عقليا يتميز بثلاث صفات
الأول أنه لا يعرف الخوف.
الثاني شهوته الحادة للقتل.
الثالث هو مجموعة من التصرفات العشوائية الغير مفهومة.
وخلف رقبته وضعت شريحة بالقتل,ليس لأنه بحاجة لذلك,فعدد الجثث التي تركها وراءه في الشوارع تعترف له وتشهد على نهمه للقتل. ولكن لجعله مسعورا,لإزالة أي أثر لرحمة أو عاطفة قد تكون في قلبه. لتحويله إلى بشري آلي دون أن يكون آلة.
قتل قتل قتل قتل قتل قتل قتل
شريحة تعمل بنظام الذكاء الاصطناعي,تزيده خبثا وشرّا.
مخيف,كونه قاتل ومجنون,ولكن لم يكن كافي. هذا بشري عادي وسط مجموعة من المتحولين. لذا ذهبت به إلى واحد من الذين صنعتهم سابقا,ذلك العجوز الخرف من مملكة نارنيا. الذي لا يأكل طعامه إلا ساما. أقوى السموم وأشدها فتكا لا تقدر عليه. ليعلمه كيف يصنع مناعة من السموم في بطنه,وكيف يصنع حاسوبا للغات في عقله.
ليس كل هذا فحسب,جسديا كان عبارة عن كتلة من العضلات والأوشام.
الوحش
في سوق الحيوانات تمشت ماري ملتفة بعباءتها السوداء الطويلة,وبين وحوش طازجة من الغابة اختارت سبعة من أقوى وأشرس الضواري.
بدأت بالملك,الأسد,قوة وزن كفه تصل إلى خمسمائة كيلو,وتكوين عضلي هائل يغزو جسده الضخم. ومخالب وأنياب حادة. نظرات قاسية وشكل مخيف ومهيب رغم وسامته.
مرت أيضا على العمالقة؛فيل ودب وغوريلا,سوف تستفيد كثيرا من أجسادهم العضلية الهائلة.
الضخامة والنصال وحدها لا تكفي,وهكذا ألقت نظرة على بئر الأفاعي تنتقي الأكثر فتكا منهم في سمه.
كان هؤلاء خمسة بين السبعة الأساسيين.
الوحش المثالي الذي يجمع بين كل الضواري؛الأسد,الذئب,التمساح,التنين,الثعبان,الفيل,الدب ,الخرتيت,الخنزير. وبعض أنواع الخيول الأصيلة,وحتى من الوحوش البحرية اختارت الحوت والأخطبوط والقرش. وبالطبع وحش البحر تاج عليهم من الوحوش الخرافية. أو هي خرافية لغير مجتمع السحرة.
ثم أتت بهذا الحيوان الضاري الذي بلا إسم,قد حولته سابقا ضمن المصنوعات الأولى,تحوله هنا ثانية بعصاها السحرية التي قلما تستعملها.
هي بارعة في صناعة الوحوش,لكن هذه المرة لن تصنعه وحشا خليطا من وحوش أخرى فحسب. بل ستجعله من بني آدم. نصف بشري ونصف وحشي.
أسود.
وجعلته سيدا على مجموعة من الأتباع,اختارتهم من مصنوعاتها الأكثر قدما في بداياتها كساحرة. أبناء الغاب؛الذئب,القردة,العنكبوت,الثعبان,العقرب,الدب,الحصان. ليسوا حيوانات من السلالة الحيوانية,بل بشر تربوا لما كانوا أطفالا عند هذه الحيوان. الذئب مثل ماوكلي, والقرد مثل طرزان.
المسخ
بعد إنتهاءها من التسوق مرت على سوق الموتى؛المقابر. على كل مقبرة تقبع ساحرة مولية ظهرها للقبر,ومفترشة أمامها ملاءة متراصة عليها بقايا وأشلاء الفقيد الراقد خلفها. أو تحتها فأحيانا تجلس الساحرة منهن فوق حفرة القبر مباشرة. لا يفصلها عن الميت سوى بضعة بوصات فقط. وأجزاء الميت موضوعة على الملاءة. عين زجاجية,ولسان مجفف,وتكون محظوظا إذا حصلت على المخ طازجا.
أخذت تتجول هنا وهناك دون أن تخفي إعجابها بالبضاعة الجديدة التي حضرتها غريماتها, هناك جثث مخيطة إلى بعضهم كما تخطط أن تفعل هي. الظاهر أن فكرة فرانكنشتاين لم تراودها وحدها. تبا لتلك الساحرة ماري,رغم أن إسمها هي الأخرى ماري. هكذا قالت لنفسها. ولكنها لن تتخلى عن مشروع المسخ المعملي الخاص بها.
الشيء
الشيء,هو كيان مخيف من السكان الأوائل للأرض,إنه لا ينتمي إلى البشر ولا الجن ولا تلك الكيانات التي سبقت الجن. بل هو واحد من المواد الخام التي تشكل منها كل شيء. هو تجسيد القدر,خيره وشرّه. استدعته من ثباته الطويل,وارقدت خيره,وأيقظت شره.
للأسف لن يدوم حضوره طويلا,فهذا الشيء غير قابل للسيطرة عليه,إلا ربما من قبل السحرة الكبار في المدينة. ولكن مجرد إستدعاءه .. فقط لمدة ثواني معدودة,كافي بأن يجعلها تنتصر على تلك الساحرة العجوز الشمطاء.
ولكن هل ستنجح؟ هي على كل حال عملت حسابا لفشلها مع مثل تلك القوى الجبارة,فإذا لم يظهر الشيء,أو يؤكد حضوره من خلال ظهور علامات على تواجده. سوف تستدعي تمثالها بدلا من ذلك. منحوتة من الشمع صورتها على هيئتها وصورتها. كل ما عليها أن تلمسها بعصاها أو حتى بإصبعها وتنطق بالكلمة (عيشي) لستيقظ المرأة الشمعية من ثباتها, وتبصر أول وجودها في هذه الدنيا,وتبصر صانعتها,وتبصرها هي كأنها خلقتها. وقد تعلمت الدرس جيدا من تجربتها السابقة مع التمثال الرخامي,الذي تحطم وتحطم وجهها معه كإنعكاس سحري دائم. ليترك ذلك العلامة مثل شرخ أنيق يشق وجهها من الجبهة إلى الذقن. علامة موصومة بها مدى الحياة,ولكنها استطاعت بسحرها أن تجعل الندبة أجمل وأن تزيدها جاذبية وأن تضيقها مثل خط رفيع ينظر للناظر من الشعر إلى العنق كوشم أو قصة شعر.
تجاربها مع الجثث والتماثيل دوما تكون مريرة,والآن هي تتذكر ما حدث مع العديد من مصنوعاتها,المومياء والمشوه من الحرق والتمثال الخشبي.
الوحش المائي
لم تنسى بالطبع أن تستدعي واحد من وحوش البحر,وحش مائي هائل ذو أطراف أخطبوطية تخرج من كل مكان. كان ملكا على أسماك البحيرة الفضية. وهي أسماك كانت عبارة عن بشر يسكنون في مدينة ما,ثم حلت عليهم لعنة من ذلك المخلوق,وصار مغضوب عليهم من قبله. وقد ساعدت في ما حل عليهم. قويت شوكة المخلوق بسببها,وصارت هناك علاقة تجمعهما. كأنه حيوانها الأليف. نزلت اللعنة على سكان البلدة مثل صاعقة من السماء.
التنين
التنين وحش أسطوري غير خاضع لأي سيطرة,مثله مثل القوى الوحشية الكبرى؛ الكيان,التنين,وبعض ملوك مصاصي الدماء.
التنين هو ملك الوحوش,ورغم ما يحتاجه صناعته من رصيد سحري غير قليل,وخدم من الجن أشداء,وبراعة وخبرة لا نظير لها,وجرأة ساحرة أصيلة. إلا أنها لم تستسلم يوما,وفي مصنوعاتها السابقة,قامت بتحويل رجل لتنين في محاولة لصنع واحد. ولكن لم تنجح,وكان ما نتج عن تجربتها أشبه بمخلوق الكيميرا.
لا داعي لأن يكون تنينا ناريا,التنين الزاحف هو ما ستحاول صنعه هذه المرة,ولسوف تستخدم كل الأدوات المتاحة في يديها بدئا بـ قدر الخيمياء وصولا إلى الأصفاد الملعونة حتى تنجح هذه التجربة.
الهجين
الهجين -وكذا اسمته- هذه المرة نصف إنسان نصف آلي,زودته بأجهزة بصرية مكان النصف الأيسر من عينه ومخه. وأطراف صناعية في ساقه وذراعه. وقلب آلي بالكامل حتى لا تترك مكانا لأي أحاسيس. ودرع من المعادن الصلبة بدلا من جلده.
مزج رائع بين السحر والفيزياء يحلم به أي خيميائي محنك,أفضل من الغرفة الذهبية التي صنعتها جايسي ذات مرة في مسابقة وفازت بها. لتلتهم غرفتها أو ما حبسوا داخلها الساحرة الأخرى الخاسرة.
[3]
فازت ساحرة ذات مرة بإستحضاره روح سونيا غريني زوجة الروحاني الأعظم لافكرافت وعاشقة الساحر الأكثر شرّا أليستر كراولي. هذا معناه حصيلة هائلة من الأسرار عن السحر القديم.
لم يتبقى غيرها,وتلك العجوز الطاعنة في السن,والتي لا تقل عمرا عنها,ولكنها تعرف كيف تحافظ دوما على جمالها.
ممشوقة القوامة مرتفعة العنق طويلة الشعر,سوداء العيون والشعر والثوب,وسمرة في الجلد.
تعرف بإسم المرأة السوداء بعد أن انتزعت اللقب من ساحرة أخرى واجهتها وكادت تتفوق عليها في هذه المباريات المصيرية عبر مجموعة من الحبال والحيل والخدع وقدراتها على التأثير العقلي.
حملت اللقب العظيم,وكانت واحدة من قلائل تسمت بإسم ماري,ولم تتوانى بعدها عن صنع أساطيرها.
الآن تتواجه ماري السوداء ضد ماري العجوز.
وقد حضرت اللعبة الأخيرة ماري السامة بنفسها,والتي حملت ألقابا عديدة؛الأفعى,العقربة, البومة. وأيضا حضرت ماري الدموية. وأخيرا الملكة آنابولين.
أمام الحكم,وبعد أن انتهت الساحرة من عرض وحوشها الثلاثة عشر,صدمت لما تقدمت العجوز وعرضت فتاة صغيرة جميلة. بهتت ماري. الفتاة التي تكون إسمها من نفسه حروف إسمها وإسم غريمتها وإسم معلمتهما.
ريما.
كان مشروع العجوز هو تسليم رايتها إلى ساحرة ترث علمها وسحرها,وحتى جمالها أيام صباها. إن صنع ساحرة أفضل بمراحل من صنع وحش. الساحرة قادرة على تحويل العديد من الوحوش ربما أكثر إتقانا من مصنوعاتها,هذا غير مجموعة واسعة من المهارات والقدرات والإجراءات الأخرى في جعبتها. الساحرة تظل تعمل على تعليم وتطويل نفسها.
نهاية ماري بسبب ريما.
السجن
1-الحكم
ظل يائيل بن باهر السوري إسبوعا في كرب عظيم لأن الأيام لا تمر عليه,لا يوجد فترة محددة سيقضيها في تلك الزنزانة. هناك مساجين عاشوا وماتوا هنا. هناك من يقضي أياما ومن يقضي أشهرا ومن يقضي سنوات ومن يقضي عقودا. حتى أنه سمع عن شخص قضى ما يقرب من قرن. ولد ومات هنا. وصدر الحكم عليه وهو في قبره. وأمه كانت من النساء القلائل اللاتي دخلت الزنزانة. زنزانة واحدة مربعة وضيقة تحوي إحدى وثلاثين سجينا. لما أتى يائيل الحكم لم يتمالك نفسه من الفرحة. حكم مخفف من بشار نفسه. يقضي بنقله إلى سجن آخر وقضاء واحد وأربعين عاما فقط. وبحسبة بسيطة عرف يائيل أنه سيخرج في تمام الستين. وفرح أكثر,فبالرغم من أن جده وأباه أصبحا ميتان بالنسبة له,ولكن سيمكنه رؤية أصغر أعمامه,وربما بعض من أشقاءه. وقيل على لسان أحد الحكماء أن العمر يبدأ بعد الستين.
2-القبر
في الحبس من مولده حتى موته.
زنزانة ضيقة من غرف الحبس الإنفرادي,حيث ماتت أمه بعد ولادته. وقد كانت نزيلة هناك,منذ فترة طويلة يقال أنها أتت صبية.
نزل إلى الحياة لا يعرف شيء عن خارجها,سوى ما تسمح الجدران بمروره إليه من أصوات وروائح. ظل أعمى رغم أنه مبصر. لم يرى بصيص من النور سوى مرة واحدة بالصدفة. وعاش صباه وشيخوخته ثم مات في زنزانته.
من الرحم إلى السجن إلى القبر.
من قبر إلى قبر إلى قبر.
3-الغرفة
وجد نفسه في غرفة مغلقة من جوانبها الأربعة,لا باب,ولا نافذة. ولا يعلم من أين تأتي الإضاءة وإلا فكيف يرى؟ بل كيف يتنفس؟. سيظل يصرخ ويبكي طويلا. سوف يجوع ويحرقه العطش. الوحدة قاتلة. سيشتاق لأهله. سوف يتسائل هل سيفتقدوه؟.
أخذ يتحسس بيديه وبعينيه في الجدران كلها بحثا عن أي باب او نافذة أو أي فجوة أو ثغرة,الأربعة جدران,والأرضية,السقف أعلى من أن يطاله. خمن أن الباب ربما يكون هناك بالأعلى. ربما ليس محكم الإغلاق. كأنه محبوس في بئر وباب الخروج أمامه. ليس المشكلة في عدم قدرته على فتحه. بل في عدم قدرته على الوصول إليه.
لا يوجد أي ضوء يأتي من الخارج,فمن أين يأتي الضوء الخافت الذي يزيد الغرفة وحشه ويضغط على قلبه إنقباضا؟. بل من أين يأتي الهواء؟ كيف يعبر خلال الجدران؟.
4-المجنون
كان يتحدث إلى الجدران في سجنه,عالقا بينها توشك على تحطيم أضلاعه. ينظر إلى النافذة ويتخيل روحه تعبرها. أو ينام لصيق الجدار,ويتخيل جسده يتخللها. كل الجدران المتراصة وراء بعضها,تطمس أي أمل للخروج خارجها.
يتمنى حتى أن يصل للباحة الداخلية للسجن,يستمتع بضوء الشمس,وبعض الهواء يمر عبر صدره وثيابه. يحلم أن يخرج للزنازين العادية,الجماعية,حيث يهنأ بصحبة بعض البشر,أحط البشر لكن يظلوا بشرا. بدلا من حبسه الإنفرادي المستمر بين أربعة جدران ضيقة.
إلى أن فقد عقله,أو قل حبس داخله,وحاول زملاءه سحبه من هذيانه فلم يفلحوا,ولما خرج أخيرا إلى النور بالخارج كان قد فقد بصره,فلا يرى سوى هلوسة مستمرة أمام عينيه,مغيمة على عقله. هلوسة بصرية من الظلام الدامس الذي أغرقه. فصار حبيس عقله وعينيه. لا يسمع ضجيج الناس,ولا يرى قاذورات الشارع.
5-السجن
ذات يوم ضجت جدران السجن الأعظم بصرخات فزع لها السجان والمسجون معا,الجدران تبكي على حال السجناء,وقد مات ثلثهم من روع هذه اللحظة,وجن الثلث خشية من هول ما ينتظرهم لدرجة أن الجدران تبكي على مصيرهم,وبقى الثلث الثالث منتظرين حتفهم.
6-القلعة
دخل محمد السجن,شعر مع صوت وقع أقدامه في الردهة بالطريق إلى الزنزانة,ومع صوت وقع نبضات قلبه الذي يكاد يزلزل صدره ويهز رأسه ويفجر أذنيه,ومع المشاهد الرمادية التي تحول إليها الحال. شعر مع كل ذلك,أن واقعه الجديد أشبه بسقوطه في بركة من المياه المتجمدة.
السجن عبارة عن قلعة شامخة,على تلة شاهقة,يحسبها الرائي جبلا,وقد كان آخر منظر جميل يراه في حياته. ترتفع السلالم والطرقات بالصاعد حتى قمة البناء النصف طبيعي والنصف صناعي مرورا بالأنظمة المعقدة للتكيف والتهوية والصرف. ومن القمة يبدأ النزول عميقا للأسفل,عبر حفرة وسط القمة,تنتصف البناء كله,من طوابقه العلوية متجاوزة مستوى الأرض نزولا إلى تحت. تحت الأرض.
7-الزنزانة
يتم حشد الجميع في نفس الزنزانة,غرفة طولها أربعة أمتار وعرضها ثلاثة أمتار,تحمل أكثر من ثلاثمائة سجينا.
8-الطفل
وداعا سجن الطفولة هو عنوان الكتاب الذي كتبه,وكان سوف يسميه الخوف من الطفولة, وكان يعده ليكون بحثا سوء المعاملة في مؤسسات رعاية الأطفال التابعة للدولة؛المدارس والملاجئ والإصلاحيات.
9-المؤسسة
وهناك سجون مستترة أيضا للكبار,مثل المعسكرات التجنيدية,والمشاغل والمصانع,وحتى البيوت في عائلات تحكمها سلطات أبوية.
10-المخزن
والأشياء حبيسة المخزن,سواء كانت منتجات غذائية أو طبية أو سلع أخرى مثل القماش ومواد البناء والأخشاب والكتب في المكتبات.
11-العاطل
حياته داخل السجن لا تختلف كثيرا عن حياته خارج السجن.
12-الشبح
الشبح حبيس حبسة أكبر من كل البشر,فهو لا يخرج أبدا,أي أنه ليس هناك وقت معين ينتهي فيه العذاب بموته,بل لقد تجاوز الموت إلى ما بعد الموت ولم يعد هناك أي موت ينتظره.
13-الموت
والميت حبيس قبره.
القائلين
ضحكت فقالوا ألا تحتشم
بكيت فقالوا ألا تبتسم
بسمت فقالوا يرائي بها
عبست فقالوا بدا ما كتم
صمت فقالوا كليل اللسان
نطقت فقالوا كثير الكلم
حلمت فقالوا صنيع الجبان
ولو كان مقتدراً لانتقم
بسلت فقالوا لطيشٍ به
وما كان مجترئاً لو حكم
يقولون شذ إذا قلت لا
وإمعة حين وافقتهم
فأيقنت أني مهما أرد
رضى الناس لابد من أن أذم
الإمام الشافعي
البائع
قالوا
كان دوما ومنذ صغره يسمع عن فلان قال كذا وعلان قال كذا,والناس تقول كذا. فذهب في رحلة يبحث عن القائلين ليتخلص منهم كلهم. ولم تخرج رحلته عن حدود حي السرايا. ولم يثمر من وراءه شيئا. يقول الناس أنه صار منهم,وبعضهم يقولون أنه انتقل (عزّل) إلى منطقة أخرى,وقيل أنه مات.
القائلين لهم أسماء أخرى غير الارتباط بالقول,فاقترن إسمهم أيضا بالصمت؛الصامتين. وسموا الأغراب والآخرين. وأحيانا يطلق عليهم فحسب (الناس).
عُرف بإسم البائع رغم أنه لم يبع شيئا قط,بالأحرى هو يوزع الأشياء فحسب. وقف هذا الرجل على ناصية الطريق أمام بيته يوزع الأشياء. مفاتيح,لعب قديمة,بعض من المال في جيبه,صورة لزوجته. يعطي كل من يمر عليه شيئا. خاتم من الماس,المعطف الذي يرتديه,قطع إصبعا وأعطاه لمختل مار.
يعطي كثيرا,الكثير من الأشياء,وولكن شيئا واحدا كل يوم. لا يتحرك من مكانه هناك. يعطي كيس دماء,سكين استخدم في قتل أحدهم,بعض خصلات شعر,قطعة أثرية, رغيف خبز. والكثير من الأشياء الأخرى.
يعطي كتابا لا يقل عن خمسمائة صفحة,مجموعة من الملابس القديمة التي أهلكت استعمالا وغسيلا وترقيعا,حذاء جديد,قبعة ومشط وموسى,زجاجة مياه لم يشرب منها أحد,حجر,كتاب للأطفال,زجاجة خمر فارغة,حقيبة سمنت بالمال,حبل شنق به شخص ما,تذكرة حافلة,تذكرة قطار,مجموعة من الأوراق المكرمشة تحوي أشعار كتبها مراهق لمعشوقته الفاتنة من المدرسة المجاورة,فرع شجرة,ورقة شجر,طابع بريد,صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود لإمرأة جميلة,علبة كبريت,غطاء كازوزة,علبة صودا فارغة,إعلان مسرحية,عملة ورقية وأخرى معدنية,مسمار,قطعة حديد,مظروف فيه بعض المال,حقيبة محشوة بالمال,ورقة يانصيب,تذكرة حافلة.
سمي أول ما ظهر بـ جامع الأشياء,لأنه كان الوحيد في الحي الذي يجمع الأشياء,لا يعرف أهالي الحي وأغلبهم منعدمي الثقافة أو شحيح منها,ما هي هواية جمع الأشياء. رغم أن البعض يمارسها دون قصد في جمع العملات وفي الإحتفاظ ببعض التذكارات في نفس الصندوق مع ألبوم الصور.
قيل أنه كان بائعا,وقيل أن البائع كان واحد آخر من القائلين غيره هو,ولما ذهب القديم اعطى اللقب للجديد,رغم أنه لم يبع شيئا يوما ما. أو هو يبعيها بدون ثمن,يعطيها بدون مقابل. وتتفاوت الأشياء التي يهبها في القيمة بين الزهيد والنفيس.
يعطي قصاصة ورق,وامرأة جميلة,وذات مرة أعطى تمثالا أسود لما يشبه القدم أو الحذاء لرجل (غلبان) اسمه إيهاب من المنطقة,ألقى الحجر على الأرض ليتكسر,وفر هاربا.
يعطي باكو زهرة غسيل,زجاجة كولا,طابع بريد,علبة كبريت فارغة,غطاء زجاجة صودا, غطاء علبة مثلجا,مجموعة من أوراق اللعب المختلفة (كوتشينة / تاروت / يوجي / بوكيمون),عود ثقاب,سيجارة,علبة كبريت,علبة سجائر,قداحة,دمية متسلقة لسبايدرمان,كيس من رقاقات الذرة وآخر من رقاقات البطاطس,علبة عصير فارغة.
تسائل أحمد وهو يركل حجر عن السرّ الحقيقي وراء تسميته جامع الأشياء,وكان غير مقتنع بكل ما قيل له,حري تسميته بـ واهب الأشياء وليس جامعها. لم يحصل حتى اليوم على شيء واحد منه.
عام كامل وكل يوم يقدم شيء مختلف. ولا يتحرك من مكانه. ثم وهب روحه لملاك الموت ومات. وتوقف عن إعطاء الأشياء. وعرف الناس أنه رحل أو مات. مات الرجل الذي يعطي الأشياء. وعلى حسب ما يقول الناس في حي السرايا,هذا هو أول من يموت القائلين. ولكن البعض يقول أنه فقط اختفى مثل اختفى الآخرين من القائلين.
التابع
سار أحمد يتمشى بين الشوارع وحيدا لا يصحبه إلا سيجارته,وقد أقسم صاحبه بعدم عودته بعد أن رأى الميت,فكر أنه سيهدأ لاحقا ويغير قسمه,وقد مر أحمد بالميت جالسا ميتا على مصطبة بيت من البيوت. لم يعره إهتماما,ولكنه انتبه أن أحدا يتبعه. تحسس مطواته في جيبه ومشى قليلا منتظرا أن يتأخر عنه أو يقترب منه,ولكن ودن أن يلتفت شعر بنفس المسافة التي تفصلهما عن بعض. وقع الأقدام ثابت لا يترك مجالا للظن بغير أن الشخص يتبعه. ألقى نظرة سريعا فهدأ باله. لم يكن سارقا أو مرشدا أو غريما. إنه التابع. استمر في سيره ينظر أمامه,ورغم أنه تعود على بعض السائرين / القائلين,مثل الميت والفتاة وحتى العجوز الذي تعلم كيف يتفادى يده. إلا أن التابع جعل الشعرات في مؤخرة رأسه تنتصب لتسري منه القشعريرة إلى بقية ظهره مثل تيار كهربائي خائفا مما يسير خلفه. التابع يتبع أي أحد,لا يهش ولا ينش,ولا يفيد ولا يضر,يتبع أي أحد,ولا يؤذي أحد. وإذا أغلق أحدهم الباب في وجهه,يمكنه إغلاقه ولا يرفض الباب,أو تأبى يده. التابع يسير في الشوارع,وفجأة قد يجد أحمد نفسه واقفا والتابع يقف خلفه,أو ماشيا والتابع يمشي خلفه. ثم يذهب لحاله متتبعا شخصا آخر.
الجاثوم
فتح حسن البصري عينيه وقد أيقظته حاجة ملحة للماء والهواء,قابلت عينيه عينين تنظران فيهما. رجل أربعيني العمر طالت لحيته مسافة إصبعين وصارت مدببة كأنها نامية من ذقن ماعز. والشعر طويل ينسدل على عينيه وخلف كتفه. ويدين قويتين تقبض على رقبته,تخنقه. تضيق على عنقه وساقيه تضيق على وسطه. لا يستطيع التحرك ولا يستطيع التنفس. تضيق أكثر. لمسة حانية من زوجته أنقذته. أيقظته. أخذ الهواء يعبه في صدره. تحرك متحررا من الحبسة التي كبلت جسده وعضلاته وعظامه. ولكن هذا لم يكن حلما. وقف الجاثوم على الباب ينظر إليه. تشبثت به زوجته تحتضنه وتلصق جسدها بظهره تحتمي به تريد منه أن ينقذها كما أنقذته. أعطاهما الرجل / الشيء ظهره,وفتح الباب,وأغلقه خلفه. رحل.
امتدت يديها إلى تلك اليدين,تعتصر معصميه وهو يعتصر رقبتها. ولما عاد نفسها إليها مرة أخرى,قبيل الموت بلحظات,وقد فقدت الوعي. لما أخذت شهيقا لا إراديا وانتفض جسدها مقلوبا من على فراشها. ولما رحل الرجل,أدرك أنه كان الجاثوم.
الجميلة
إسمها جميلة,أو حسنية,أو قمر,أو سمر,أو أي إسم يحاول أن يتقرب من وصف جمالها,والوصف الأكثر اكتمالا أبعد منالا من أن يصل إلى البهاء الفعلي لهذا الإعصار العاصف من الجمال والإثارة.
طويلة تصل قامتها إلى علو يقرب من الثمانين بعد المائة من السنتميترات أو يزيد قليلا. نحيفة لكن لا تخفي نحافتها الأجزاء الممتلئة لحما وجنسا في أماكن كأنها مختارة بعناية لتلقي بكل هذه الفتنة. وجه متورد يحمل ملامح عربية لا تخطأها العين,وملاحة مصرية تحسدها كل الأعين.
وفوق ذلك هي محجبة,حجاب لا يغطي أنوثتها بقدر ما يكشف عنها,رغم أنه فعليا لا يكشف شيء من جسدها. حجاب أحمر يتناسب بحلاوة وعذوبة مع كنزتها الحمراء وسروالها الأسود. وكان الرجال الذين يعبثون معها,يختفون نفرا وراء الآخر,حتى لم يعد هناك رجل في الحي يجرؤ على أن يقربها.
الجوزاء
يمكن للإنسان أن يجد نسخا من الإنسان في العديد من الأشياء حوله,في المرآة التي تتجمل أمامها زوجة تحاول أن تعيد إحياء السبب الأول الذي جعل زوجها يميل إليها. داخل صورة (سيلفي) تلتقطها مراهقة حسناء متباهية بحسنها متبارية فيه مع صديقتها وشريكتها في الصورة. في ظل على الأرض لرجل بائس منحني الظهر عائد من عمله في ظهيرة قائظة ذاهبا إلى بيته حيث زوجة أكثر بؤسا. في مخيلة فتاة ترسم فارس أحلامها الذي لن تقابله أبدا. وفي لوحة فنان يرسم أشياء لن تكون. أو في دمية (باربي) بيضاء لدى طفلة سمراء تحلم بأن تكبر لتصير مثل فتاتها,في الشكل واللون,وهو ما لن يحدث أبدا. أو حتى في مخلوق فضائي ينزل من السماء يشبه الإنسان,أو في قرين يخرج من الأرض يشبه الإنسان. أو لربما في إنسان آخر مار جوار شبيهه الأربعين أو التاسع والثلاثين دون أن يلاحظا بعضهما. كل منهما غارق في همومه. ولكن أكبر هم هو ما أصابها هي.
لا تدري هل هي محظوظة أم تعيسة؟!,فهي تحظى بإختبارها تجربة تعد واحدة من أغرب العلاقات البشرية في العالم. ليست أختها ولا إبنتها ولا هي أمها ولا حتى صديقتها أو عشيقتها أو قريبتها,أو حتى نسخة جينية منها,ومع ذلك فهي كظلها,إنعكاسها. حرفيا,حيث أن لا ظل لها تحت ضوء الشمس,ولا تظهر في المرايا أو الصور الفوتوغرافية أو أي أسطح عاكسة,حتى أنه لا يمكن رسم لوحة لها,أو نحت تمثال!. يمكنها أن تعرف شكلها فقط من خلال النظر إلى مثيلتها.
إسمها الأميرة آشتا وهي من الناجين القلائل من سلالة آشتا البائدة,من العائلة الملكية. هي نفسها,ومع ذلك,الفارق الوحيد بينهما,أنهما جسدين مستقلين بدلا من جسد واحد. عدا ذلك فكل شيء داخلي هو نفسه.
مثيلتها وليست قرينتها,تختلف الحالتين في أن المثيل أقرب وأكثر شبها إلى حد التطابق في كل شيء,حتى أن آشتا لا تدري هل هي هي أم هي؟ إنها ليست آشتا1 وآشتا2,بل إنهما آشتا فقط,ولا واحدة تكمل الأخرى,وإنما كل واحدة هي آشتا,فتتيه آشتا المسكينة عن ذاتها,أي منهما هي حقا؟!. إنها لا تعكس شخصيتها,بل هي تجسد شخصيتها بالكامل,هي ليست توأمها
وإنما هي نفسها!.
لا تدري هل تملك أفكارها,أم هي أفكار مثيلتها,أفكارها,رغباتها,مخاوفها,أحزانها,أفراحها. إذا تألمت لا تدري هل هي التي تتألم أم الأخرى,إذا ذهبت إلى مكان لا تدري هل هي متواجدة فيه أم الأخرى,لا تدري هي هي أم الأخرى,أو ربما هي أخريتها,أي الأخرى بالنسبة لآشتا مثيلتها.
الحمّال
تحت لافتة حملت عنوان المرج وقفت السيدة بدوية على رصيف القطار في محطة المترو بإنتظار رجل إبن حلال يحمل معها الأواني والصواني المحملة بالجبن والبيض والفطير والحلاوة والحبوب. مر بها العديد من الشباب والفتيان ولم يحمل أحد نفسه مشقة أن يحمل عنها حاجياتها. عدا شيخ لا يقل عن الستين ملتحي مما يظهر أنه حاز لقب الشيخ سنا ومقاما. سعدت المرأة بشهامته,وحسبت أنه رأته من قبل,ولأنها جميلة,وهو وسيم مهيب,والسن غير بعيد وقد تجاوزت الخمسين بعام بدأ لهيب الحب يشتعل بينهما. وانطفأ في ساعتها لما أتى الحمّال يحمل عنها أطباق البيع خاصتها. لا أحد يمكن أن يقول للحمال لا. فهو من القائلين, ويعد مع البائع أكثر القائلين فائدة للناس. لا ضرر يقع منهم. وهم يعطون دون أن يأخذوا. يسعادون دون أن يؤذوا أحد. ولكنه مثل بقيتهم يسببون الذعر في كل مكان,سواء وقع الضرر أو لم يقع. تركها الشيخ على الفور,ونالت كل ما طلبت دون أن تنال شيئا مما طمعت.
وقد أظهر قوة بدنية عالية كما هو معتاد دوما في حمل الأحمال ورفع الأثقال وجر البغال. لولا أن رص الصواني فوق بعضها سيؤدي لإتلاف الطعام لحمل كل الأطباق. مما يظهر أن له عقلا يفكر به بغير ما هو متوقع,وبغير ما يُرى من القائلين.
صعدت المرأة على السلالم ونزلت إلى السوق جوار موقف السيارات فأنزل عنها أحد السائقين صينية واحدة وقد تعجب أنها حملت واحدة,فهي تحمل عادة شيئين,مثل طشت فوق رأسها و(قفة) في يدها,مع عدة دورات لنقل الأشياء. ردت عليه لما سأل
-الحمال جاي بيهم
صمت وانطلق بسيارته قبل أن تنتهي حمولتها من البشر,وأتى الحمال بحاجياتها في ثلاث دورات والسائقين والباعة ينظرون إلى الحمال كأنه يحمل الموت نفسه,أما المشتريين والراكبين فغافلين لا يدرون شيئا. الحمّال نادرا ما يخرج من السرايا إلى الأحياء المجاورة مثل المرج أو الخصوص أو القلج أو المطرية.
لما انتهى من إنزال حمولتها,مر خلف ظهره الشاب محروس يحمل على كتفه شوالا ثقيلا من شيء ما,شعر أن البضاعة تسقط منه,وبالفعل لم يستطع الحفاظ على توازنه. ولكن الشوال لم يسقط على الأرض,بل على رأس الحمال. بالرغم من شعوره بالخوف إلا أنه كان ممتنا للحظ الذي أرسل له رجلا لا يتعب ليحمل عنه. سار الحمال وكأنه يعرف وكان يعرف أين يذهب بحمولته دون أن يقول له أحد. وهكذا يفعل دائما. مشى بخطوات متزنة لا مسرعة ولا متباطئة ولا يبدوا عليها التعب,ذاهبا إلى وجهته يتبعه محروس الذي أخذ يفكر في رد معلمه واستغرابه. وقد كان الرد المعلم هلال
-انت خت لك الحمال أجير,عشنا وشفنا
فرح أن الرد لم يزد عن كونه تعليقا ساخرا ولم يعاقبه معلمه,وذهب الحمال إلى شأنه,وترك المعلم صبيه في شأنه وقد نفذ مهمته,أو نفذها عنه من ذهب إلى شخص آخر يحمل عنه ثقله.
كان مراد ومروان يسيران معا,ومعهم أحمد,أحدهما يحمل شوالا من قمامة أو ثياب,ليس ثقيلا لما قابله الحمال ليأخذه عنه,تمنى مروان لو بإمكان ذلك الشيء أن يحمل عنه همه الذي يثقله أكثر من ثقله في العمل. وأغلب الأشياء التي يحملها تكون في العادة خفيفة لا تستأهل الحمل. أما أحمد فلم يهتم للأمر كثيرا وقد اعتاد عليه مرارا.
أبو أسامة يقف على رؤوس أقرباءه وأصدقائه الذين أتوا لتكبيره وتهنأته,يداعبهم ويشجعهم في عملية رفع الأثاث إلى الطابق السابع في عمارة أبو أسامة,حيث الشقة التي تحتل الطابق الواسع والتي سيزف إليها أسامة أصغر أبناءه السبعة مع زوجته. ولأنه السابع وتيمنا بالرقم المحظوظ الذي يحبه أبو أسامة,حتى إن إسم أسامة الحقيقي في الأوراق الرسمية هو ليث / سبع وليس أسامة قبل أن يعلم أن أسامة ينفع أيضا. قرر أن تكون الحمولة في سبع عربات تحمل المطبخ والغرف والأجهزة الإلكترونية والحواشي والأشياء الصغيرة. ولم يترك شيئا لم يحضره. حتى التذكارات ومنها تمثال ذهبي ذو سبع أيادي وسبع رؤوس أخذه من البائع نفسه. وكانت هذه هو الاختلاط الوحيد بالقائلين,الذين لم يصدق بوجودهم قط. والبائع بالنسبة له ليس إلا رجل مجنون.
اللقاء الثاني كان مع الحمال,الذي حسبه نصف الحاضرين واحد من أهالي العريس,بينما حسبه النصف المقابل واحد من أهالي العروسة. وكان هناك البعض لا يعرفون إلى أي العائلتين ينتمي. الأب وحده الذي يعرف جميع الحضور بدون إستثناء,هو من عرفه على أنه غريب. وشخص آخر,يعد من المنخرطين مع أهالي حي السرايا القدماء,ويعد واحد منهم أبا عن جدا. ليس مثل عائلة سعد (جد محمد أبو أسامة) القادمة من القلعة. هذا الشخص (محمود سعيد) وهو صديق محمد أبو أسامة,وأحمد أيضا صديقهم,أخبره أن ذلك هو الحمال.
-واحد من المخابيل
-نعم هو
-بس إيه اللي جايبه هنا يا أبو طارق
-انت قلت,مخابيل
لم يحبذ أن يصارحه,بطبيعة القائلين التي تجعل منهم أناس غير عاديين,مثل ذوي الكرامات وأصحاب الخطوة. واكتفى بنصحه أن يترك الشاب يعمل ما يجيد عمله,وقد حصل على دهشة وإشادة وإعجاب كل المحيطين به. عاند في البداية لولا تدخل أحمد الذي أتى للتو لتقديم المباركة وإن أتى متأخرا على حمل الأحمال. وهو شاب يثق فيه أبو أسامة وأبو طارق رغم أن أبو طارق يعلم بأمر تعاطيه للمخدرات مثل أغلب شباب السرايا,ولا يأمن اختلاط شباب عائلته بهؤلاء لولا أن أحمد صار إستثناء بالنسبه لشهامته وأمانته. وفي حيرة من أمره,ولأنه لن يخسر شيئا,نفذ ما طلبا.
أحمد شاب أسمر متوسط الطول أقرب إلى القصر,نحيف بشكل يشي بعصبيته,تقاطيع وجهه تشي بأنه كان ليكون وسيما ولكنه ليس كذلك. يشاهد عادة برفقة صديقيه شريف وسلطان الذي يرفض أبو أسامة إلقاء السلام عليه حتى,بينما لا يرى شريف لأنه ليس من المنطقة. تذكر أحمد صاحبه شريف,وود لو كان معه الآن ليريه عرضا آخر من الآخرين غير الميت الذي أرعبه. وتسائل وهو يتابع الحمال حتى أنهى تقريبا لوحده حمولة حفل التنجيد كله. أيهما أكثر إثارة للرعب بينهما؛ميت لا يفعل شيئا,أم الحمال الذي يفعل كل شيء. لما انتهى توجه إليه محمد أبو العريس مخرجا من جيب قميصه بضعة ورقات نقدية.
ولكن الحمال سار متوجها إلى عمل آخر كأنه يتجاهله. هو يتجاهل الجميع عدا الحاملين. الحاملين ليس لقبا يطلق على أناس أو كائنات مثل القائلين الذين استحوذوا على كل الألقاب. ولكن يوصف به البعض من قبل البعض,وخاصة صحفي أتى من جريدة مشبوهة لمتابعة هذه الظاهرة,يصف بها الناس الذين كانوا يحملون أشياء وقابلهم الحمال لحملها. الصحفي لم يقابل من القائلين سوى الحمال,حتى حسب الآخرين غير موجودين. لا أحد يدل شخص ما على الآخرين,لا أحد يستطيع. إما أن تبحث عنهم بنفسك,وهذه هي الطريقة الوحيدة لتكون دليل,وإما لا. لا يمكنك أن تعطي عنوانا,أو تشير بسبابتك إلى مكان,أو تسمي بيتا,أو تحدد وقتا. يمكنك فقط أن تصف القائلين,في المظهر أو العادات,حتى يتعرف عليهم الناس لدى رؤيتهم. ولكن أحيانا يمكنهم التعرف عليهم دون أي أن يصل لمسامعهم أي ذكر سابق عنهم.
حيث يمكن التعرف على شيء ما فيهم. ومع ذلك هناك بيوتا مسكونة من قبل بعض القائلين, يعرفها الكثيرين,ولكن لا يستطيع فلان أن يذهب بصحبة علان,ليوصله إلى بيت أحدهم. ربما يمرّ من البيت فحسب بالصدفة أو هو في طريقه. ولكن المرء غير قادر على توجيه نفسه إلى القائلين. ربما لهذا لا يأخذ الكثيرين شيئا من البائع.
الصحفي يأتي في عدة زيارات,ولم يشاهد سوى الحمال وظن أنه مجرد شخص قوي ومخبول ويحب مساعدة الآخرين. لذا عاد من حيث أتى بعد أن خرج بتقرير صحفي لم يستطع إنهاء كتابته.
يمر الحمال أمام البعض مسببا القشعريرة,ولكن هناك أشخاص يسرون لدى رؤيتهم له,وخاصة لدى رؤيته هو لهم. مجموعة من العمال (الحرفيين) منهكون في تشييد حديد التسليح. فإذ به يحمل عن العمال (الشيّالين) كل الحديد المطلوب في هذه الساعة. ثم تركهم ينشغلون بباقي عملهم الذي يستلزم تأجيل أي تحميل حتى ينتهون. لذا تركهم وذهب ذات مرة أخرى إلى عربة تكسرت لحمولتها ظهور العمال لدى التنزيل والتحميل. وكان فرحتهم به أكبر من أي شخص آخر. تركوه يقوم بالعمل كله لوحده نيابة عنهم. حتى لما أتت عربتين أخريتين,فرحوا لأن الوحش لازال حاضرا.
يحمل عن الجميع؛سلة طعام على الرأس,أو انبوب غاز على الكتف,لا يفرق بين أي حمل (على الرأس / الكتف / الظهر / اليد) أو يدفع أمام رجل,أو يجر خلفه. يحمل عن رجل أو طفل أو إمرأة أو حمار أو عربة. يمشي به,أو يصعد,أو ينزل. سواء كان الحمل ثقيل أو خفيف كبير أو صغير,ثابت أو متحرك,حي أو ميت. لا يتعب ولا يستريح. ولا يكسر أو يتلف أي شيء قد حمله أبدا. ودوما يصل الحمولة إلى وجهتها التي لا يخبره بها أحد.
من طرائف الأمور أنه ذات مرة حمل عن رجل كيس اسمنت كان يساعد رجل آخر في تحميله على كتفه. فأخذه من يده,ووضعه على كتف الآخر. ثم ذهب إلى أحد آخر ليحمل عنه. ذات مرة تكرر الأمر,فأخذ من يد فلان ووضع على كتف علان,ثم أخذ من علان يوصل له حمولته.
طلبت أم سامية من إبنتها سامية كوبا من الماء,ملئته الفتاة,ولا تعرف كيف دخل,تناول منها كوب الماء وأوصله إلى يد أمها. ربما تركوا الباب مفتوحا,ومنه خرج ثانيا. كانت سامية جميلة,وتمنت لو كان الحمال رجلا حقيقيا.
عريس يحمل عروسته في ليلة زفافهما,حملها عنه والجميع مرعوب لا يجرؤون على التدخل,والكل أمسك في العريس حتى لا يرتكب أي حماقات. ترك الحمال العروسة على فراشها,قالت في نفسها أنه لو كان الحمال رجلا,وليس شيئا,لتزوجته.
رجل يضرب زوجته,وكان يجرها من شعرها ليلقيها من النافذة في الدور الثالث,جرها الحمال ثم حملها وألقاها والقيت معها صرخاته. سرّ الزوج كثيرا لأنه الآن يمكن تبرئته من جريمة لم يرتكبها.
لاحقا,حمل الحمال الجثة إلى عربة الإسعاف المتوجهة إلى المشرحة.
في البيت المقابل,وفي وقت آخر,كان هناك طبيبا يعاني في توليد تلك المرأة,والزوج يقف مرعوبا أمام باب الغرفة بلا قوة ولا حيلة,أمام الطبيب,وأمام الرجل الذي دخل عنوة ومد يده بين يدي الطبيب,وسحب الجنين,ووضعه على المنضدة. لم يصب الجنين ولا الزوجة بأي أذى. شعرت الزوجة بنفور عظيم تجاه الحمال وتجاه زوجها. واستمر فيما بعد حتى تمام الطفل ستة سنوات.
مجموعة من البلطجية,يطرحون رجلا على الأرض وينهالوا عليه ضربا,ثم يحملونه إلى قطعة أرض خربة تمهيدا لقتله أو التمزيق في جسده بلا موت,أو مصير آخر غير هين. حمله الحمال وجرّه,مثلما كانوا يفعلون,متوجها بالرجل المسكين إلى وجهته المميتة. أخذ الشباب يضربون ويلوحون بنصالهم تحسبا من تدخل هذا الغريب,وتخوفا منه,وهلعوا لما لم تنفع معه أي مقاومة أو محاولة لإخضاعه أو قتله. ولكنهم جمعوا تركيزهم وشتات أنفسهم, بعد أن هرب من هرب,وقد كانوا كثرة,وانصب إهتمامهم على الرجل الذي كانوا يضربوه وقد ألقاه الحمال في الخرابة تحت أقدامهم بعد أن تبعوه.
أحد هؤلاء البلطجية,واسمه حسن إبراهيم,كان يسير بصحبة أحمد,وثالثهم كلبهم الحكومي الشرس. ربما ذاهبين لمعركة ما. أمسكت يد طوق الكلب. والكلب بلا لجام. وسحب الحمال الكلب جواره غير عابئ لعضاته.
أم تحمل طفلها,أخذه الحمال من على صدرها,وتبعته بصمت وذعر هي وزوجها العاجز عن فعل أي شيء حتى لا يؤذي الطفل. على الباب,وكانت أمها تنتظرها,سلم الحمال الرضيع لجدته ثم رحل.
صخرة كبيرة فوق الجبل,وكأنه يعاند أجهزة وعربات الرفع والجرّ الموكلة بإنزالها,قام بحملها وأنزلها إلى أسفل الجبل. هذا المشهد صار مقطع على شبكات التواصل الإجتماعي. لاحقا تم حذفه لأنه يسبب نوع من الذعر. ثم تم إعادته مرة أخرى. وتعامل المشاهدين والأعضاء على أنه لا مشهد طريف ربما غير حقيقي من نوعية صدق أو لا تصدق.
السيدة
الولية في البلكونة,أو السيدة في الشرفة. يشير إليها البعض بإسم أم محمد على الرغم من كونها لم تنجب محمد يوما ولن تفعل قط. هي لا تنجب أي أبناء ولا يمكن أن يحدث هذا. هي من القائلين. إمرأة في الخمسين من عمرها,ولا يمكن أن تكبر عن ذلك. تشي ملاحة ملامحها بأنها ربما كانت فاتنة في أيام شبابها. حسن وشباب مرّ عليه سنين وعقود,إن لم يكن قرون. وأصل غير مستوثق منه,فلا أحد يعلم إن كان القائلين مروا بمراحل عمرية مثل باقي البشر وتجمدوا عند محطة معينة في طفولتهم أو شبابهم أو كهولتهم أو شيخوختهم. أم أنهم ظهروا على هذه الصورة فحسب. الإحتمال الأول تؤيدة أكثر قصة معروفة عنهم. وهو أنهم كانوا أناسا عاديين,ربما لهذا يطلق عليهم (الناس),ثم تلوثوا بداء كل الناس. أي أن يكون المرء من النوع الذي (لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب) ولا يكف عن التدخل في شؤون الآخرين. بعلمهم أو في غيابهم. وأكثر طريقة آمنة لإزعاج الآخرين دون أن يطالك أذيتهم هي الكلمات. لذا كان القول سلاحا مشهرا يطلق كلماته النارية / السامة / المحطمة في كل إتجاه.
السيدة في الشرفة لا تؤذي أحدا,يعتبر بيتها بيت أشباح لا يسكنه إنس أو جن,ومسكون فقط بها. تظل قابعة مكانها على الشرفة متكئة بكوعيها على السور تتابع بنظراتها السائرين في الشارع خفيضة رؤوسهم على الأرض خشية منها,أو محلقة بعيونهم إليها في فضول لاذع.
وهو فضول لا يمكن إشباعه بالنسبة لمن لا يعرفون عنوان بيتها,وحتى بالنسبة لمن يعرفون موقع بيتها. ففي كل الأحوال لا يمكن أن تقودك قدميك بإرادتك إلى أحد القائلين مهما أسعفتك عزيمتك وذاكرتك. فقط يصدف بك أن تقابلهم أو تلتقي بهم أو تراهم. فقط صدفة ولا يمكن أن يحدث الأمر مع سبق تخطيط.
تظل السيدة / الولية واقفة دوما هناك في الشرفة في الليل وفي النهار. طمع أحد المارقين في النظر إلى ثدييها ثم تذكر ما يحدث لعشاق الجميلة الأصغر منها فابتعد بسرعة لاعنا العجوز الشمطاء.
تنعت أحيانا بلقب المراقب,وهو إسم حاز عليه سابقا أحد القائلين الذين اختفوا .. نعم فيقال أن للقائلين عمر افتراضي غير معلوم آخره,ولكنه ينتهي عند نهاية ما.
لما تشعر أم أحمد بالضجر,وتكف جاراتها عن الشجار معها,تفتح باب شرفتها لتحاول مضايقة أم محمد,لكن ذلك لا يحدث أبدا. وتذهب كلماتها ومع أي رياح عابرة,ولا يؤذي لسانها سوى المستمعين أثناء مرورهم بين الشرفين.
-ما تبصي ليا يا ولية,هو أنا مش بكلمك
ويستمر الحال هكذا لفترة طويلة,فلا يمكن أن تتضايق أم محمد من أحد,حتى أن أم أحمد خطر لها ذات مرة أن تقتحم عليها البيت ذو الباب المخلع والمفتوح لولا أن ارتجف بدنها لمثل هذه الحماقة. أي نوع من الجنون كانت مقبلة عليه.
الطفل
تساءل حسين ذات مرة عن حجم مقابر السرايا,كان يعتقد أنها الأكبر في القاهرة,أخبره أباه أن أكبر تجمع للقبور موجود في وسط البلد. مركز القاهرة,والتي بلغ من كبرها أن تسمت بـ مدينة الموتى. حسين لازال صغيرا ليغرم بالمقابر وهدوء الموتى. فهو يختلف عن كل الصبية والفتيات في حارته,وكل أبناء جيله,بميله إلى الصمت والعزلة. ربما لهذا لم يجد صديقا له أفضل من الفتى الذي لا يتكلم أبدا. طفل البيوت تصادق مع طفل المقابر حتى وإن لم يصادقه هذا الأخير. لكنه يلمح أو يوهم نفسه بأنه يرى الصدق في عينيه. نظرات فيها حزن ممزوج بلامبالاة وهدوء عجيب ومخيف. كان حسين دوما يراقبه من بعيد,بما أن بيته قريب من المقابر. ويذهب إليها كثيرا من أجل اللعب هناك. يبعده الجميع دوما عن الإقتراب من طفل القبور. أحيانا يمسك يده لما تكون الأنظار غائبة عنه,يشده معه يركض هو وهو بين الشواهد والأحواش تحت شمس دافئة يلعب ويتخيل أن الطفل الآخر يلعب معه. لو ليس كذلك فلماذا يركض إلى جواره. ولما يترك يده فيقف الطفل متسمرا مكانه دون أن يتبعه يحاول أن يقنع نفسه أنه فقط مل اللعب لهذا اليوم. حسين يعرفه منذ ثلاث سنوات. كان عمر حسين سبعة سنوات,والفتى يبدو في الثامنة,بلغ حسين الثامنة وتجاوزه إلى التاسعة. ولا يدري سببا لثبوت صورة الطفل على هيئة واحدة بملابسه الرثة وبشرته الغبراء,وتساؤله عن ثباتها على عمر واحد. ولكنه يرجع ذلك لكون طفل المقابر,ببساطة,مجرد طفل ولد أو نشأ في المقابر. بلا أي أهل أو أم ترعاه وتحرص على جعله يكبر. بدأت شكوكه تتضح مع تمامه العاشرة,ومع بلوغه الحادية عشر ثم الثانية والثالثة عشر تأكد من حقيقة أن الطفل لا يكبر. ومع ذلك ورغم أن صديقه الأخرس بات مملا في نظره,لم يمل حسين صديقه قط.
هذا هو التعامل الأكثر براءة مع طفل المقابر,الطفل يلاقي إستغلالا أكثر قسوة من قبل الآخرين. إما يفرون مذعورون من أمامه,أو يركض بعض الصغار ذو القلوب الشقية خلفه وهو لا يركض منهم يرجموه بالطوب والحجارة. وإما لما يكون جالسا بالقرب من باب قبر يضع أحدهم إناء حديدي جواره فيمتلئ بعملات نقدية من الغرباء الغير عارفين بالقائلين. وحتى بعض ممن يعرفون أو يسمعون عنهم يتصدقون.
الطفل من أكثر القائلين أمانا وأقلهم خطرا,إنه ليس مثل العجوز الخنّاق ولا مثل الشيء المتشكل الذي اختفى ولم يظهر مرة أخرى,أو ربما ظهر في مكان آخر.
العجوز
شيخ عجوز طاعن في السن,يقترب سنه من أعتاب الموت,ولكنه لا يموت ولن يموت مهما امتد به العمر وطال. وهو أخطر القائلين,لا يريد أحد أن يقابله يوما ما. فإذا جمعت الصدفة بينه وبين أحد,يفر من أمامه هاربا. وإذا وقع القدر على شخص ما ممسكاه إياه,فذلك معناه هلاكه لا محالة.
ذات مرة,انتهى الأستاذ عادل معلم الدراسات الإجتماعية من إلقاء حصته,وخرج من باب الفصل ليقابل ما ينكره دوما. فهو لم يكن يوما من المصدقين بوجود القائلين. رغم أنه قد تخطى العشرين عاما من الإقامة في حي السرايا,وخبر الظروف المريبة للمنطقة والطباع الغريبة لسكانه. عشرين عاما انتهت في ذلك اليوم لما أمسك به الرجل العجوز بيديه مثل المطرقة والسندان على جانبي رأسه.
الصبية تمشي في الصحراء,وتمشي في الحقول,وتمشي على الأسفلت,وتصعد السلالم, وتقتحم الأبواب. وتبكي وتصرخ والجميع يبكون لأجلها. فقد أمسكها ظل العجوز. ويا ليته كان ظلا. عجوز ضخم الجثة قوي الهيئة متين البنية معتم البشرة,ولكن ليس أسود. ولسوف يريها سواد لياليها. أمسك بها بيده من الساعد. يده اليسرى مغلقة على ساعدها ولا تفتح وقد مرت ثلاث شهور. كل شهر ترتفع فيه يده الأخرى مقتربة أكثر من عنقها. والكل يعلم أنه ذات يوم -ربما بعد شهرين- سيصل إلى هناك ويطوق بقبتضه رقبتها. مثلما يفعل هو الآن مع ساعدها. ولن تفلح أي محاولات لنزعه عنها.
استضافوا العجوز في البيت,إتقاءا لشره الذي لم ينفع معه إتقاء,إلتفت يديه حول رقبة سيدة المنزل. وهي عجوز مثله. وقدر البعض أنها ستعيش إسبوعا واحدا -لأن صحتها جيدة- قبل أن تلحق بالفتاة التي سمعوا عنها من قبل. ولن ينفع الاستجداء بالشرطة ولا حتى الجيش مع هذا الوحش الخارق. اختنقت المرأة حتى لفظت آخر أنفاسها بين يديه وهي تحدق إلى السماء من النافذة غير مصدقة.
في الشارع يمر المارون ينظرون إلى ما جعلهم يرتجفون,أمسك العجوز بزينة شباب الحارة,أمسكه من صدره تنوي يده انتزاع قلبه وقد غارت في القماش والجلد,ثم بدأت الأظافر تدمي اللحم,والدماء تنسكب على اليد,ودخلت اليد والشاب عاصم لا عاصم له اليوم من شر وقع عليه وأذى لا مفر منه ومصير لا ذنب له فيه. أخذ يصرخ مستنجدا بالخلق والناس تبكي والنساء تصرخ,وهو يتلوى ويولول. وزين الرجال صار أجبنهم وبكّاء أكثر من أصغرهم. لا زال حيا واليد مخترقة بين نهديه,ولما قبض العجوز على قطعة اللحم الأهم في كومة اللحم التي ستخلو من الحياة الآن,وستصير مجرد جثة خاوية من أي روح. لما كان القلب في كفه بين يده قابضا عليه بأصابعه,كان لا يزال عاصم حيا ينظر إلى وجه الرجل الجاثم فوقه بعينين حمراوين زائغتين,ثم نظر إلى السماء قبل أن تصعد روحه إليها. ونزع الشيخ قلبه كأنه ينزع قلب الحارة.
الجميع يتحدث عن الحادث الأخير,والجميع لا يتوقفون عن التحدث عن الجميع,خاصة الفئات الثلاثة النساء والأطفال والعجائز. ربما لهذا تحول العجوز إلى صفة العجوز القاتل. الرجل ضجر من كلام الناس,حتى اعتقاد الفئات الثلاثة الأكثر ثرثرة ربما غير صحيح. لأن الرجال أيضا لا يكفون عن الحديث واللغو على المقاهي وفي العمل وفي البيوت.
الفتاة
فتح أبو ياسر الباب خارجا إلى عمله ليجد الفتاة واقفة أمامه (يصطبح) بوجهها خلف الباب, أقبح وجه -رغم جمالها وحلاوة وجهها- يمكن أن يراه في حياته. تجاوزها وتجاوزته,دخلت هي وخرج هو يجلس على مصطبته وقد قرر التغيب اليوم أو التأخر على العمل. غياب أو تأخير هذا أمر تقرره الفتاة. كان يتمنى لو بإمكانه أن يغلق الباب في وجهها. ولكنه لا يقدر مهما أراد,ومهما كره هذه الفتاة ذو الشعر الأسود المنفر والذي يجعله يتقزز. لا أحد يقدر على إغلاق الباب في وجه الفتاة. ليس قدرة نفسية,وربما تكون,ولكن المؤكد أنه عجز جسدي علوي أو ما ورائي. يصيب أي أحد ما أن تقف الفتاة أمام بابه. ولم يسمع عن شخص استطاع أن يغلق الباب في وجهها بالحي كله.
فتحت أم مازن الباب,لتفاجئ بوجه الفتاة وصرخت من صدمته,ومع صرختها وفي نفس اللحظة تركت الباب بيده لتضرب على صدرها تعبيرا عن الخضة. وجدت نفسها تفسح الطريق لها,وحاولت أن تقنع عقلها بأنه لولا الخضة ما تركتها تدخل,ولأغلقت الباب لتحول دون تحقيق ذلك.
ولكن الأيام تثبت دوما للناس أنهم عاجزين عن إغلاق الباب,كأن الباب واليد بينهما إتفاق يرفض تماما أي محاولة للإغلاق.
الفتاة هي أكثر من تدخل المنازل,لا تفعل شيئا,غير مؤذية على الإطلاق جسديا. ولكن على الصعيد النفسي,فهي متوحشة تفتك بأي أحد عبر نظراتها الباردة في عينين غائبتين.
الميت
عرف الموت في عيون الكثير من الموتى,حتى صار يستطيع تمييزه حين يراه,ولكن الميت هذه المرة شخص مختلف. اقتربا منه أكثر والجثة مثل النائم على مؤخرته فوق عتبة الباب مستندا بظهره إلى باب البيت مائلا برأسه ترتاح ذقنه إلى صدره. جثة متسول ما أو هكذا حسبها شريف وتعجب من موقف أحمد صديقه.
-مسطول ده ولا مغمي عليه؟
-سيبك منه
-سيبك منه إزاي؟
-زي ما بقولك
وكانا قد اقتربا أكثر
-إستنى إستنى ده شكله ميت
-هو ميت بالفعل
-وأنت اللي قتلته؟
-طبعا لا
-أمال الموضوع عادي عندك كده ليه,أنت عبيط يا بني!
ومال على الجثة يتفحصها,شاب في الثلاثين نامي اللحية رث الثياب تعس الملامح,فتيقن من موته بعد نظرة إلى عينيه,تحدث وجلا
-ده ميت فعلا يا أحمد
-مش قلت لك
-إيه اللي قلت لك,إنت سكران يلا؟
-لا والله,بس ده ميت وإحنا عارفينه
-وعارفين مين اللي قتله؟
-لا هو مات كده لوحده
-إيه!,وانت إيه اللي عرفك
-كل اللي في الحتة عارفين
-نعم يا خويا,طب يعني لو خدناك على قد عقلك .. مش إكرام الميت دفنه
وقرّب رأسه منه ثانية
-ده ميت بجد والله زي ما بقولك!
-ما قلت لك عارف والله,سيبك منه وتعالى نخش
-أحا يا عم إنت هتتسطل قبل ما نشرب السيجارة
مر مار بهم فخاف أن يتورط في جريمة ما أو شجار كان قد حدث,وكان في صدره توق لإعمارها بدخان السيجارة المنشودة وكأس من الماء السام. ولكن الرجل لم يعرهما إهتماما, ولحقه رجل آخر أكبر سنا أدرك تساؤلات شريف
-انت شكلك مش من هنا,لا تخف,اعتبره من مساطيل اليومين دول
-هو ميت فعلا؟
-أيوا يبني,لكن متشغلش بالك
ولم يعرف هل هو السكير أم أنه العاقل وسط حارة من المجانين,ووجد قدمه تنسحب مع جذب مرفقه تجاه الداخل مسحوبا من قبل صديقه,وانقاد مع يده حتى بلغ الصالة وعلى الأريكة التي جعلت لتكون عرش السكر والخدر. وجد نفس الميت مستلقيا أو ملقيا على جانب وجهه ينظر لهما بعيني سمكة أو دجاجة.
-بسم الله الرحمن الرحيم,البيت ده فيه عفريت
وولى هاربا يبسمل تارة ويسب تارة,لم ينتبه في خروجه لإختفاء الجثة من على عتبة الباب. ولم ينتبه أيضا لظهور نفس الجثة للمرة الثالثة في مكان ما أمام عينه قبل خروجه تماما من الحارة ومن حي السرايا مع قسم في نفسه بعدم عودته ثانية.
هناك حالة أخرى مثل الميت,موجود في مستشفى السرايا,واسمه النائم,وذلك لأن كل وظائفه الحيوية نشطة,ولكنه نائم. وأيضا هو أقرب للموتى,فهو لا يموت. لا يحتاج إلى غذاء أو دواء أو محاليل أو أي شيء. حتى أن أحد الممرضين انهار تماما وكتم أنفاسه منذ مساء أمس إلى أن طلع الصباح. وضع إذنه على صدره,ولا زال القلب ينبض مدمرا أعصابه.
النخيل
نسرين,إسم كبير على فتاة صغيرة. لكنه ليس كبيرا على جمالها,وقد كبرت مفاتن جسدها بشكل يغري كل الناظرين في شارعها بخطف جسدها الذي خطف قلوبهم قبل أبصارهم.
الفتاة الحسناء ذات الثلاثة عشر -وأهل الحي لا يعرفون أنه أقل من ذلك حتى ولا يعرفون من الذي أطلق عليها إسمها- هي الأكثر حسنا في المنطقة. وبرغم أن جمالها تخطى عمرها,إلا أن ضآلة جسدها ودقة ملامحها وصغر سنها أضافت حلاوة على حلاوتها. وبالطبع سنواتها القليلة في الدنيا,والتي لم تتخطى العقد إلا بقليل,سنوات نضجت بمفاتنها في فرن ساخن دون أن يستوي عقلها. وعاب كبار الناس في الحي,سرا أو علانية,أمامه أو من خلفه,عابوا على أبوها الذي تركها تسير حافية القدمين تجذب ألسن الرجال تلسينا ولهاثا خلف ثوبها الأسود الذي لا تخلعه أبدا. فهي وإن لم تتلون بأي ثياب,تلونت في مخيلتهم بكل ما يخطف الأبصار ويسكب الأنهار. كأنها تقيدهم إلى رقبتها بوشاحها الساقط خلف ظهرها كاشفا عما كشف من الشعر والعنق وجيب في منتصف الصدر. مفاتن كبيرة لكن ليس أكثر من اللازم مثل ثديي زوجته السمينة وعنقها السميك. ود يوما لو يخنقها بدلا من هروبه منها إلى خمره وسيجاره. وترك الفتاة تسرح إلى صديقاتها وقريباتها وجيرانها نهارا وتعود ليلا غير محملة بأي شفقة على موت أمها. بل حقد النساء وشهوة الرجال.
كانت نسرين جميلة,طويلة,مغرية ولا توحي بعمرها. وبعد أن اغتصبوا الفتاة سبعة مرات بعدد سنوات عمرها,حاولوا قتلها. وكانوا سبعة رجال. وكانوا قنوعين اكتفى كل واحد منهم بمضاجعة لمرة واحدة. واستغربوا أنها لم تمت بعد تحت وطأة أجسادهم. حاول أولهم قتلها قتلا رحيما حسبما يرى. طوق يديه حول عنقها الصغير إلا أنه استمر مدة طويلة يخنق والفتاة تتعذب وهي تشهق حتى ضجر رفاقه. أمسك الآخر بحجر وضربها ضربة واحدة هشمت رأسها وفجرت الدماء من الفتحة المحدثة فيه. ولكن ظلت الدماء تسيل والفتاة تبكي. فأخرج الثالث مطواته وذبحها وسقطت تغرغر وطالت غرغرتها. وهنا دب الرعب فيهم. قرروا دفنها بين النخيل,وأهالوا التراب على جسدها وهي تصرخ. وظلت تصرخ في الحفرة تحت التراب يصل صوتها إليهم. لم يعرفوا ماذا يتبقى لديهم ليفعلوه.
قتل أحدهم نفسه. بعد أن قتل رفيقه. وسلم الثالث نفسه. والرابع جن جنونه. والخامس أيضا فقد عقله. والسادس لا يعرف أحد أين ذهب. والسابع قام بشراء وقود. وأخرج جسدها وأضرم النار فيه. ولكنها لم تمت. تأبى أن تموت. واحتضنته فأحترق معها.
الثامن كان يشاهدهم,ويستمني على نفسه مستمتعا,وهرب عند قتلها,ولما بلغه هلاكهم,هرب من البلد شاعرا بالأمان في الطائرة. نظر من النافذة فوجدها تنظر إليه.
التاسع كان أباها,ظل يشرب ويدخن ويتوهم برؤية إبنته الحبيبة التي لم تشاركه نفس الحب. لقد تجاهلها. وتركها تموت. وقد عادت إليه لربط الوصل بينها وبينه وبين أمها لعل مصيرهم أفضل في الحياة الأخرى.
النذير
نذير الشؤم,متفق عليه أنه واحد من أكثر ثلاثة رعبا بين القائلين الثلاثة عشر الأكثر ظهورا هذه الأيام. ربما هو الأكثر إثارة للقلق من العجوز ذو اليدين الخانقتين. الموت غير قابع في كفيه,ولكن ظهوره يعني انتظار الموت.
إذا ظهر النذير أمام أحد البيوت,يعني ذلك حتما موت أحد أفراد هذا البيت.
يظهر شبحه وحيدا أحيانا,ويظهر في أحيان أخرى بصحبة كلاب الحارة التي تلتف حوله, ويكون بينها دوما كلب أسود يظل ينبح في عواء مرير يمزق القلب ويدمع العين.
لمحته أم سميحة من الشرفة فدقت طبول الحرب في صدرها,حرب على شبح الموت وعلى كل القائلين وجميع الناس,حرب سلاحه الوحيد هو الصراخ,وثوبه هو السواد,وضربه هو اللطم.
مات كذلك أبو معاطي وأبو زكريا وأبو محمد وأبو سيد,وعدد غير قليل من الآباء مرّ من أمام بيوتهم ظل الموت الجاثم على صدورهم.
ليس النذير هو أسوأ القائلين,لكنه من أسوأهم,ولا يعرف هل هو مسبب الموت أم نذيرا للموت فقط. هناك آخرون مثل ذلك الذي يقف دائما خلف الباب المغلق. تذكره أحمد وتذكر معه تلك الفتاة المخيفة التي تظهر فجأة ولا يمكن إغلاق الأبواب في وجهها. هناك القاتل الذي اختفى من رحمة الله بعباده. فهو يقتل ولا يُقتل. مثله مثل الخناق لولا أن الأخير يكتفي بقتل من يقع في يديه حرفيا. فإذا استطعت الإفلات من قبضته تنجو. بينما القاتل يقتلك إذا رآك بعدها لن يجد المقتول فرصة للفرار. هناك السائرين سويا دوما. عدد متغير لا يثبت مرة ثلاثة وتارة أربعة وربما أكثر. يمشون مصطفين -وقد سمع أن هذه الحالة أصابت بعض الأشخاص غير القائلين من الناس العاديين- إلى جوار بعضهم حتى يسدون بعض الشوارع الكبيرة. لهذه الدرجة هم مزعجين ومخيفين ولكن مهملين. لا ينظر ولا يهتم بهم أحد إلا قليلا. الناس تسمع عنهم القيل والقال ولا يصدقون بوجودهم. المصدقين هم من يقابلون الخطر المباشر منهم,وليس حتى من يقابلوهم. فربما حسبوهم أناسا عاديين.
المرض
1-استيقظ ليلا تؤرقه حاجة ملحة للتبول,وتدفعني لدفع الباب ومحاولة فتحه بالقوة,لكنه لا يفتح وأنا لم أعثر على المفتاح,المفتاح الآخر معهم,ولن يفتح لي أحد الباب قبل إسبوع من صباح اليوم. شريطة أن يكون الأمس قد انتصف ليله ومرّ. نظرت للساعة فوجدتها معطلة, لسعتني الحبسة فأخذت أبحث عن المفتاح ثم تذكرت أن الظلام حالك والمصباح مغلق. طبيعي أن لا أبصر شيئا! أضئت النور ولا زلت لا أعثر على أي مفتاح أو شيء يصلح بديله له. كنت أتمنى وجود مطرقة ما لأحطم القفل به. حاولت خلع الباب بنفسي فكادت يدي أن تنخلع مع مقبضه. أحكمت قبضتي ووجهت لكمة إلى الخشب القديم فلم يتألم أحد سواي.
بعد دورتين -حول نفسي- بدأت قطرات من البول تفر هاربة منذرة بإنهيار السد,وعقب الدورة الثالثة في الغرفة,تبلل بنطاله واختلط البول بالمنى الذي سال قبيل نومه بعد عدة مشاهدات إباحية على هاتفه,ولم ينظف نفسه منذ أمس. وشعر بالعفونة تزحف على جلده عند فخذيه كأنها تلتهم قضيبه. لم يكن هذا هو العفن الوحيد في جسده. آثار البول والمنى أمامه وآثار التغوط والدماء من خلفه. هذا عن داخل السروال أما عن خارجه فتتناثر قطرات الزيت واللعاب والطعام والصلصة مع لطخات الصدأ والشحم والأتربة. صعودا إلى قميصه الممزق والغارق في مزيد من الشحم والسخم وخيوط العنكبوت وأشياء لا يدري من أين أتت.
كان لديه ما يشبه التآكل يزحف في جسده,تحت القماش وتحت الجلد,مثل النمل يقرص أسفل جذور الشعر,أو مثل حمض حارق يجري مع الدم. رأى بعينيه أن التآكل ليس في الداخل فحسب,بل وفي الخارج. خارج جسده. على جدران الغرفة كان الشيء يزحف من الأسفل للأعلى ويسيل من الأعلى للأسف.
عرف أن لعنته هي آكل العفن,تلك التي كان يقرأ عنها في الكتاب الآن. قرأ ذات مرة عن تلك الفتاة التي قتلتها سوائلها. وها هو الآن يموت متعفنا في محله. يزحف العفن عليه الآن من شعره ومن تحت جلده ومن فمه ومن تحت أظافره ومن عينيه ومن تحته.
بدأ الدود ينهش فيه,واللحم زاد تساقطه من جسده,إحدى عينيه سقطت أيضا,وبعض أطراف من أصابعه,وإصبعان كاملان,وجزء من الكتف.
وفي النهاية مات.
2-أصابها مرض أو لعنة,فصارت تسيل السوائل منها. من كل مكان في جسدها,وقد بدأ الأمر بفتحاتها التسع أولا. الفم وفجوتي الأنف والعينين والأذنين,وشرجها وفرجها. تنزف دما وصديدا ولعابا ودموعا وعرقا وسوائل استسقائية. ثم تزايد الأمر حدة في الدم والعرق والقيح. وصار جلدها يعوم فوق طبقة من السوائل تثقب من فتحات كثيرة لتدلي بما داخلها. ودماغها يتضخم وكذا بطنها ومؤخرتها لتسكب تلك السوائل اللعينة. تتبول على نفسها. وينزل مع البول برازا سائلا ومخاطا من أنفها. وقيئا ممتزج بالدماء من فمها. والدم ينزل مع الدمع من عينيها. إفرازات بجميع الأنواع تسيل من كل أنحاء جسدها. ومن فمها بالذات الذي صار مثل قمة شلال فباتت عاجزة عن فتحة في أي حالة كانت. لا تفتحه عند السعال أو العطس أو التثاؤب أو التكرع. لا تفتح إلا لم يفتح هو من تلقاء نفسه للتنفس مع التقيئ. وتمنت أن تموت. وماتت غارقة في سوائلها.
3-في الورقة المعلقة على الجدار آخر الممر دون سبعة أولاد في مدرستهم الإبتدائية أسوأ مخاوفهم.
1-الدم
2-المرض
3-الموت
4-القتل
5-الشنق
6-الحرق
7-الشيخوخة
وكانت إحدى البنات مصابة بمرض ما,خبيث وغير معروف,وعرف عنه فقط أنه ينتقل بالدماء. مجرد لمس الدماء. جرحت نفسها ولطخت وجوه ثلاث فتيات منهم. أما الصبية الثلاثة فلم يمسهم الدم بأذى أو وسخ. ولكن أحدهم قتل واحد بالسم وأحرق الآخر ومات من فوره بعدها. أما عن البنات فأمسكن بمن مستهن بدمائها واعتصرن رقبتها لتسلب أكبرهن الحياة منها. وبعد أن خنقوها علقوها بحزامها على باب المدرسة. إحدى الثلاثة مرضت مرضا شديدا وأصابها الداء. أما الثانية فأصابها الداء دون مرض. والثالثة عاشت لتروي الحكاية بعد أن خرجت من المصحة. وكونت عائلة,وظهرت في حكايات أحفادها كأنها سيدة العقلاء. اغلقت مدرسة السرايا الإبتدائية لفترة ثم عادت لتفتح من جديد.
4-المرض والقذارة والعفن والسوائل في الجسد,والعفن مرة أخرى,والأمراض المعدية وعلى رأسهم مرض الكورونا الذي تحول جائحة من أقوى الأوبئة وأكثرها فتكا في التاريخ.
مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) هو مرض معدٍ يسببه فيروس كورونا المستجد (سارس-كوف-2).
يعاني معظم الأشخاص الذين يصابون بمرض كوفيد-19 أعراضًا خفيفة أو متوسطة، ويتعافون من دون علاج خاص. لكن البعض منهم سيمرض بشكل حاد ويستلزم رعاية طبية.
يمكن أن ينتقل الفيروس من فم الشخص المصاب بالعدوى أو أنفه عن طريق جزيئات سائلة صغيرة عند السعال أو العطس أو التكلم أو الغناء أو التنفس. تتنوع هذه الجزيئات ما بين القُطيرات الكبيرة الحجم من الجهاز التنفسي والأهباء الجوية الأصغر حجمًا.
يمكن أن تصاب بالعدوى عن طريق التنفس إذا كنت قريبًا من شخص مصاب بمرض كوفيد-19 أو لامست سطحاً ملوثاً ثم لامست عينيك أو أنفك أو فمك. ينتقل الفيروس بسهولة أكبر في الأماكن الداخلية وتلك المزدحمة.
الموت
[1]
1-المريض: فجأة أصابه مرض,واشتد به مرضه,وقد حسبه مجرد إصابة برد,ثم مات.
2-الشيخ: كبر به العمر حتى حسب أنه لن يموت أبدا,وقد كان مسرورا لذلك,ثم مات.
3-القوي: كان قويا جدا صدم الجميع بموته,قبل أن يطرق الباب طرق الموت بابه,وسقط ميتا.
4-المنحوس: كان ليعيش كثيرا,وكان له أحلام وطموحات,لولا أن دهسته سيارة أثناء مروره الطريق.
5-المظلوم: أما هذه,فكانت تعيش حياة سعيدة هانئة وربما طويلة,شابة صغيرة جميلة,لولا أن قطعها زوجها لما خنقها أثناء نومها لإشتباهه بها خيانتها له. اتضح لاحقا أنها لم تفعل,وقد عرف ذلك,لكنه استمر في مواصلة حياته بعد ان قضى مدة عقوبته وقد كان صغيرا,ولا زالت الحياة أمامه.
6-المهمل: الأخرى ماتت بسبب غباء زوجها,الذي كان يحبها,ولم ينفعها حبه في شيء. تعمل على غسل الملابس,ونسى هو أن يلصق الجزء العاري من السلك بشريط عازل كما طلبت منه. وماتت مصعوقة بالكهرباء,ووقف هو عاجزا في صدمته عن القيام بأي شيء. كان يمكن أن ينزل سكينة الكهرباء خلف رأسه الخاوي.
7-النائم: النائم الأول ذات مرة نام واستيقظ ليجد نفسه في القبر,أو هذا ما تصوره.
النائم الثاني في ليلة شتاء باردة,سحب الغطاء عليه,ولكنه لم يستطع نزعه عنه ثانية.
النائم الثالث نام وهو يعرف أنه لن يستيقظ ثانية.
8-المقاتل: كان يدق مسامير في شباك صاحبه بالطابق السابع,أفضاله كثيره على صديق عمره,هو الذي اشترى له هذه الشقة,وجهزها تبليطا ومحارة وطلاءا. وها هو يعمل نجارا بعد أن اشتراها له وعمل بالسبعة حرف التي يتقنه فيها. محضرا إياه للزواج. نظرة محمد تغيرت فجأة له,ولكن لم ينتبه إليها في ظل إنشغاله. وكان جالسا على إطار النافذة. فإذ بصديقه يرفعه من قدمه ليريمه. انتبه وحاول المقاومة والتشبث ولكن لم يفلح. وتذكر أن المطرقة لازالت في يده. ضربة واحدة في منتصف رأس محمد اخلت بتوازنه ليسقط هو من السابع على رأسه ميتا. ومحمد أيضا تفجرت دماءه ومات هو الآخر. جثة فوق وجثة تحت.
9-المرحوم: لما طالت غيبته واقعا في غيبوبته,وافق الإبن على نصيحة طبيبه,وأوقف أجهزة الإنعاش حتى يموت أبوه ويرتاح ويرتاح هو في حياته بالميراث الذي حرم منه. رصاصة الرحمة ورصاصة الحظ.
10-الجثة: كانت وصيته أن يتم (تفسيحه) فسحة العمر بعد موته. بدأت الفسحة بانطلاق الطائرة به تحج البيت وسط الحجاج تسير جثة مسجاة على طاولة بعجل أو عربة,مستغلين نفوذ أخوهم الأكبر. مرورا بالعودة إلى مصر وجولة إلى كل ملاهي وحدائق القاهرة. وكل الأضرحة والمقابر. وختاما بأن سقوه خمرا وأتوا بإمرأة تحاول أن تدب الحياة مرة أخرى في ذكره.
وكان آخر فسحته / رحلته في الأخير هو قبر صغير ضم عليه.
11-الميت: تعددت الأسباب والموت واحد.
12-المشرد: كان نائما جوار الجدار,وسقط الجدار عليه وقتله,فصار نائما تحت الجدار.
13-الطفل: كلب ميت في وضح النهار,جواره كانت جثة طفل تماثله في الحجم.
[2]
1-الأصدقاء
لأن يكون لك عدة أصدقاء,مميزات وعيوب. فأما المميزات فهي أن هناك شخصا تشكوه همومك,تأخذ من ماله وطعامه وثيابه ووقته ودمه. قد يبذل حياته من أجلك. أما العيوب,أو عيب واحد,أن لا أحد قد يموت بدلا منك إذا مت بالفعل!.
2-الجنين
نزل الطفل ميتا,وانتقل من قبر إلى قبر.
3-الزوجة
مات الملك وماتت الملكة خوفا منه.
4-الأم
لفافة بيضاء تلتف حول طفل تلقيه أمه في قبره. احتضنته دائما,ومات في صدرها. كانت تحبه صدقا. وشعرت لما مات ولدها ذو الأعوام السبعة,أن الدنيا لا تساوي عندها جناح بعوضة. وهو آخر من كان لها وقد صارت مقطوعة من شجرة. تمسكت بالجثة,وبالكفن,وبالنعش,وبالقبر. تلطم وتبكي وتصرخ وتولول وتخمش وتنتحب وتمزق ثوبها الأسود. تريد أن تدفن معه,فلا سبب يدعوها للبقاء حية. ولما بدأ الناس يهيلوا عليها التراب بالفعل. ركضت غير مصدقة شبه عارية مبتعدة عن المقابر وعن الجنازة وعن الجميع. حتى أنها لم تحضر عزاء إبنها الغالي في الليل.
5-الجد
لما أتاه الموت عرض عليه أن يبقيه حيا بضع سنين,مقابل أن يقبض أرواح أبناءه وأحفاده ويقضي على سنواتهم المديدة. فوافق على الفور.
6-الجيران
في قديم الزمان,وسالف العصر والأوان,كانت هناك مدينة,يسكنها الكثير من البشر,ويلعب في حدائقها الأطفال,والزوجات تحب أزواجهن,ثم لم تعد المدينة موجودة,ولم يبقى منها أحد.
وحاليا كل يوم ميت جديد في منطقة الشرابية الثانية بالقرب من حي السرايا,حي السرايا أو مدينة السرايا والمعروفة بمنطقة الخرائب,المدينة التي قد تخرب يوما.
7-العم
كان العم وهو أحد كبار حي السرايا فرحا بإبن أخيه,وفي زفافه لا عجب أن تلقى التحية بضرب النار. وتطايرت الرصاصات بكثافة,شظية أطاحت بعين شقيقة العروس,وأخرى اخترقت عين العريس ليتحول الزفاف إلى مأتم.
8-الناس
عرف العالم كله قصة آيلان الكردي وعرف قصصا لأطفال غيره. ولكن في مكان ما,كان هناك طفل آخر في نفس سنوات عمره التي انزوت,والدود يسكن في بطنه وعينه وفمه. والآن بعد تعفن الجثة وزوالها,صار لا شيء,ولا أحد يعرف عنه شيء. كأنه لم يولد قط.
9-الكاتب
هناك عدد من قراء التحولات,تحدث لهم أحداثا مختلفة بشكل يومي. لو أن مائة قارئ قرأ هذا النص,فهناك إحتمال أن واحدا منهم على الأقل ليس سعيدا,وربما يكون ميتا الآن.
10-الأب
سأل الطفل يوسف أباه
-هل يوجد أحد لا يخاف؟
-لا يوجد أحد لا يخاف
-هل تخاف؟
-نعم أخاف
-من ماذا تخاف؟
-من الكثير من الأشياء
-ما هو أكثر شيء يخيفيك
احتضن الوالد ولده وقال
-أن تضيع مني
ابتسم الطفل في وداعة وقال
-لا تخف سأدلك على مكاني دوما
وقد كان صادقا,فأمسك ذات صباح بيد أبيه,وأشار إلى بقعة في الحديقة وطلب منه أن يحفر, وبعد إلحاح حفر الأب ليجد جثة إبنه يوسف مدفونة تحت التراب,والطفل يوسف يشير إليها مبتهجا.
11-الأخ
سطح الماء يعكس سواد السماء,وصقيع الليل يوحي ببرودة المياه,ويمر من شق الماء طريق ترابي مُهد كي يكون جسرا يصل بين الطريق الرئيسي وأرض العوايسة.
يمتد الطريق من فوق الترعة مارا ببيت محمد الميت علي اليمين للحارة التي تستمر نزولا لغاية بيت أبو عمرو. وعند الترعة رأى إمرأة تنظر له. لا يعرف هل هي جثة إمرأة ميتة أم جنية النداهة. لا يعرف حتى أنها أخته.
12-الإبنة
(بصرك اليوم حديد)
وفي الدقائق الأخيرة من فترة احتضاره القصير,أبصر كل ما لا عين رأت,وأصاغ لكل ما لا أذن سمعت,ووعى كل ما لا يخطر على قلب بشر. رأى النور الإلهي يشع مثل برج يضرب في الأراضي والسماوات. رأي الأشياء والجمادات تسبح كأنها حية وتسبح فهي مؤمنة. رأى الأفكار تتجسد في صور لم يكن ليتخيل أن ذلك ممكنا,وصارت للكراهية لباسا ترتديه وتتميز به,وكذا أبنائها وبناتها الحقد والحسد والغيرة والنفاق وباقي العائلة النجيبة. رأى الجن ينسلون بين البشر. ورأى الكيانات القديمة والشعوب التي سبقت الجن والإنس منذ زمن سحيق. ورأى الأقدار مكتوبة عند الرؤوس والناس غافلين,عرف كل مصير لكل حبيب يقف عند رأسه. فنظر إلى إبنه فعرف قدره من رزقه وموعد أجله. أراد أن يحذره فعجز عن الكلام. رأى الملائكة تسبح فوقه في معزوفة سوداوية تمهد لملاك الموت المهيب. رأى كيانات مما قيل فيها “ويخلق ما لا تعلمون”. رأى الموتى,وأشخاص من الماضي يتجاورون مع أشخاص من المستقبل. ورأى أشخاص في أطراف العالم,وأناس فوق السماء. رأى الحيوانات والوحوش وفهم دواخلها. رأى أمورا أخرى لا يسعه أن يعقلها. رأى النار وأوهم نفسه أنه رأى الجنة أو لعله رآها بالفعل. رأى خيالاته وأحلامه وأفكاره وخطاياه وشهواته ورغباته ومخاوفه تتجسد أمامه. ورأى الشيطان ينظر له متشفيا بما جعله يرتكب من معاصي. وكان هو أول أقبح سبعة رآهم في حياته وبعد مماته. والأكثر رعبا على الإطلاق. الشيطان ورفيقه المسيخ الدجال,وكيان ما لا يمكن تسميته وكان الأشد فزعا بينهم,ورأى نفسه. ورأى رجلا ينتظره في القبر. ورأى المرأة التي أخطأ معها وقد استحالت إلى قبح بقدر ما كان لديها من جمال,وقد كانت الأجمل بين كل البشر. ورأى الموت.
13-القريب
لما حاصرتهما النيران,كانت هناك فتحة واحدة مخرجا لهما,شابين في مقتبل العمر,أبناء عم لم يطفئ بحر الحب الذي يكانهما لبعض اللهيب الموشك على إلتهام قلوبهما. امتطى حسن ظهر إبن عمه عمر سريعا ليقفز إلى الفتحة قبله. ولما حاول أن يمد يد المساعدة بعض أن ضمن حياته,أغلقت النار وجه إبن عمه,وكتمت سعلات حسن من الدخان صرخات عمر من النيران.
[3]
الميتة الأولى من نصيب الوليد,تخيل نفسه ويليم ويلسون وهو يشق ساعديه من المعصم حتى المرفق. كان دوما معجب بأسماء مثل ديفيد ورايفين,إدغار وكافكا. قتل نفسه لأنه يكره إسمه. راقب غراب ينعى حظه الأسود بنواحه. غراب أتاه في الليل يحط على سور نافذته. ينظر له بعينين داميتين. لما رأى وليد الموت تذوق الخوف وتجرع سمه. أراد أن ينجو بحياته. ورغم أن الفصل شتاء والليل بارد,إلا أن دمه كان قد سال بغزارة بتدفق لاهث كأنه مارد أحمر محبوس لم يصدق نفسه والأبواب فتحت له. وفتح أمام وليد باب الموت. أراد أن يصرخ مناديا أمه. ولكن غرقت الكلمات وسط دماءه. تمنى أن يراه أحد قبل فوات الأوان. وبعد أن تبرد جثته كان هناك ذيل خاطر في النفس الذاهبة أن الأوان لم يفت بعد.
الميتة الثانية كانت الشنق,ولما قررت هدير أن تشنق نفسها لصدمتها ممن تحب. كانت تحسب أن الشنق ميتة سلسلة شاعرية غير عنيفة ولا مؤلمة. حتى أنها اختارت أداة القتل بعناية. خيط رفيع ومتين للغاية. جربته بأن علقت ثقلا عليه يوازيها في الوزن. ومرت ساعة دون أن ينقطع. كان رفيعا للغاية لهذا لن يتسنى لها أن تغرز أظافرها في محاولة لنزعه. كان خيارها الثاني هو سلك معدني رفيع مثل الخيط,ولكنها خافت أن تذبح نفسها. أرادت ميتة خفيفة سريعة فلن يستغرق طويلا دون أن تفقد الوعي. عند القوس الحديدي الذي كانت تعلق فيه المروحة. ربطت الخيط وربطت رقبتها معه. الكرسي تحت قدميها. ارتعشت ودمعت وأرادت الحياة بشدة. وفجأة قررت أن تقتل ترددها وضربت الكرسي بقوة بقدمها اليمنى. سقطة عنيفة كانت. بسرعة خرج لسانه عن آخره,وجحظت عينيها حتى بلغت مداها في أقصى الأعلى. سوائل عديدة سالت على الفور,بول ولعاب ودموع. حشرجة عالية لكن لازالت أكثر خفوتا من أن يسمعها أحد بالخارج. طالت بها المدة,وغار الخيط في اللحم, وتعذبت كثيرا,وتحيرت بين رغبتها الموت سريعا,ورغبة حارقة للحياة مغلفة بأمل يائس أن تعود أمها من السوق في هذه اللحظة. في هذه اللحظة تفتح الباب عليها. بالتأكيد سوف تتصرف. صرخة واحدة من أمها أو مقص صغير سيحل المشكلة. تبا لعشيقها الذي جعلها تتخلى عن حياتها,هكذا أخذت تفكر وهكذا ندمت. وبعد انتفاضة عظيمة أخيرة,سقطت يديها إلى جوارها. كانت عينيها لا تزال تنظر إلى المقص على المنضدة غير مصدقة. وبعد موتها بدقيقة عادت أمها إلى البيت.
تناولت منى السم,كيس كامل من سم الفئران,سم جيد وفيه نسبة زرنيخ عالية. وجلست في الصالة بين عائلتها,أخواتها وإخوتها,أبيها وأمها,أعمامها وخلانها. منتشية بفكرة أنهم جميع سيندمون لأنهم جعلوها تحزن. ثم تذكرت أنه لم يضايقها أحد أو “يدوس لها على طرف”. ولكن قالت في سرها أن لا يهم,فقط ستجعلهم يندمون. وأول ما صفعتها آلام المعدة وثقل رأسها,صعقت من الخوف. كانت تحسب أن الأمر لعبة,ورغم معرفتها أن احتمال الموت وارد,إلا أنها قررت أن المسألة -أي مسألة؟- تستحق المخاطرة لها. صرخت وهي تمسك بطنها,حاولت أن تتكلم كلمات مفهومة وهي تتقيأ من فمها وأنفها. ووسط دموعها تبين أهلها مصابها. لقد ابتلعت السم. لم يفهموا لماذا فعلت ذلك. وأخذوا يبكون ويولولون. وبسرعة نقلوها للمستشفى. كانت تمسك في عباءة أمها وجلباب أبيها. ترجوهم أن ينقذوها. تصرخ أنها نادية. تتألم. تموت. وماتت.
نرمين ألقت نفسها في نهر النيل,ومخاطرة أخرى تتحملها فتاة أخرى,تراهن على أن أخاها سينقذها,ثم تذكرت وسط شهقاتها أن أخيها لا يجيد السباحة مثلها. وأسدل ستار الليل عليها,ولما انتبه الناس انقذ أخيها وماتت هي.
محمد ألقى نفسه من فوق برج القاهرة,وفي لحظة تردد ارتعد قلبه لفكرة أن لا مجال للتراجع,وأخذ يحدق في الأرض التي تقترب منه بسرعة,وبسرعة تهشم رأسه وجسده.
ومضة تردد أصابته,ورأى العالم يميل به,كان ياسر قد ضغط زناد المسدس ومرت الرصاصة من رأسه.
تناول حسن كل الحبوب مرة واحدة,مقررا أن ينهي حياته,لسبب تافه لا يتذكره. ثم صرخ يستنجد بأحد,إلا أن صرخاته لم تخرج إلا في صورة شخير لا يسمعه أحد سواه,وظل النوم يتثاقل فوق جفنيه. وتمنى بشدة لو يستيقظ ثانية,والغرفة مغلقة عليه من الداخل. وتحققت أمنيته واستيقظ في غرفة أشدا إنغلاقا وأكثر ضيقا. لقد دفن حيا.
[4]
القبر الأول هو قسم الشرطة الذي جرى اقتحامه أثناء الإنفلات الأمني عقب الثورة,وقد كان لقسم الشرطة أول مأمورا شديدا لا يرحم في الأربعين من عمره ذو ملامح صلبة وتقاطيع خشنة. والقتل عنده سهل غير عابئ بأي قانون. وقد تعذب على يديه مظلومين كثر. هؤلاء المظلومين ذهبوا إلى قسم الشرطة ثان في حي السرايا. وكان له مأمور بشوش طيب في الخمسين من عمره له بطن بدينة محببة. لم يظلم أحدا قط. سحلوه عاريا وعلق بالمسامير من قدميه بعد أن بعد قطعت يديه ونحر عنقه.
والقبر الثاني في المستشفى حيث تعفن جسد أمي وتعذبت هي في غيبوبتها ثم ماتت أخيرا.
والقبر الثالث في السجن حيث تعفن جسد أخي وهو حي,أمي وأخي ماتا وهم أحياء. ثم تم إعدامه ليموت هو الآخر أخيرا.
والقبر الرابع في المشرحة حيث استيقظت ليلا جثة محمود لا تعرف ما الذي أتى بها إلى هنا,حاول التفاهم مع حارس المشرحة وأن يشرح له أنه أتى إلى هنا بالخطأ. وأنه ميت بالأساس ولكنه رافض موته. الحارس أيضا رفض فكرة موته وأصر على اقتياده إلى قسم الشرطة. وقد حسبه مجنونا يريد التمثيل بالجثث بعد أن اقتحمها عاريا. فكر محمود سريعا وقد كان ذكيا في حياته,فكسر النافذة الزجاجية وتناول شظية دافعا إياها في عنقه بقوة حتى خرجت من الناحية الأخرى. لم تسل أي دماء ولم يسقط ميتا فهو ميت من الأساس. ذهل عم محمد الحارس خمسيني العمر ذو الشارب الطيب وركض من فوره كأنه يستعيد سنوات شبابه في ركضته. جسد محمود بارد,وهو يشعر بالبرد,رغم أنه لم يشعر بأي ألم من النصل الزجاجي. فقد البرد. وكان أكثر ما يفكر فيه الآن هو طريقة يحصل بها على الدفئ. ربما يدفن نفسه تحت التراب.
والقبر الخامس كان قبر أختي التي هربت وماتت أو ستموت دون أن أعرف قبرها.
والقبر السادس كان قبري أنا,قبر تقليدي تحت التراب.
الوحوش
ظهر الوحش في حي السرايا,وقيل ظهر آخر في حي السلام القريب. هذه المرة الطريق يتوقف بسبب وحش! هكذا قال أو شيئا من هذا قال حسام في سرّه ممتعضا ولاعنا حظه النحس. كان يعبث بهاتفه متجولا بين شبكة الفيس بوك ولعبة صب واي Subway والنظر إلى الساعة أو آخر مكالمة أو رسالة.
مرة يتوقف الطريق بسبب هذا البيت السحري,وهذه المرة بسبب وحش ما. وتباطأت السيارات إلى أقصى درجة فأخذت تندفع بهدوء عجلة عجلة كأنها لا تبرح مكانها ولا تتحرك.
عند وصوله لمصدر كل هذا التعطيل والتأخير,أخذ يتأمل مع الناس المصدومين,عداه هو,في ذلك الوحش الذي أحاطت به قوات الشرطة المصرية. وهو الذي أصبح معتادا على رؤية مثل تلك الوحوش فهو من الحاضرين في حادثة السلعوة الشهيرة,لم يصدمه وجود كائن أكبر قليلا. أو ربما أكبر كثيرا. كبير جدا الصراحة. صدمه هذا الحجم,وهذه الأذرع والذيول والأطراف التي تحاوط كل تفريعات الكوبري كأنها تحتل شبكة الدائري كلها.
رأس كبيرة,جلد أسود ربما يكون حرشفي أو مدرع بدروع صغيرة,ويا مصبر الوحش على الجحش استرجع هذا المثل إلى ذهنه. هل يملك القدرة على التحول هنا! .. ومواجهة هذا الوحش؟.
هذه أول مرة يرى سكان الأحياء المجاورة -مثل القاطنين في المرج والمطرية والخصوص- وحشا,ولكن أهالي حي السرايا لم يكن جميعهم مذعورين أو مصدومين أو حتى مندهشين,بل وبعض المناطق المجاورة بالفعل استرجعت ذكرى أحداث ظهور السلعوة.
قرر أن يتحول عليه فعليا,فخرج من سيارته وانقض عليه فمزقه الوحش شرّ ممزق,فهو لم يعدوا أن يكون مجرد إنسان بلا أي إمكانيات.
تدخلت قوات التدخل السريع وفرقة الدعم والقوة الخاصة من الجيش المصري,وبعد إطلاق كثيف للنيران,وتساقط ثلاثة أرباع الجنود,وقتلى وأشلاء من أغلب الضحايا تعساء الحظ المتواجدين في هذه اللحظة حول دائرة الوحش,وإعادة سفلتة الطريق بالدماء,وموجة من الصخب والعنف والصراخ الوحشي والصيحات العسكرية,وتغطية إعلامية أفزعت المشاهدين,بعد كل هذا تم القضاء على الوحش.
ارسل رجل من فرقة الخناقين لإغتيالها,اغتيال وحش هذه المرة,فهو يعلم حقيقتها جيدا. أول مرة يرسل لقتل كائن غير بشري. مصاصة الدماء.
يختبئ خلف الباب الآن,يحافظ على سكون يتفوق على كل ما لدى البشر,ربما هو الأفضل في ذلك وإلا لما اختير لقتل تلك الوحوش والشياطين. مصاص الدماء والرجل الذئب,وربما دراكولا نفسه لو عايش زمانه. تذكر المرويات القديمة عن أمير مصاصي الدماء فارتجف جسده.
مازال في الظل,يغلفه الصمت والهدوء التام,هذه هي بالضبط وظيفة مصاصي الدماء,وكذلك القتلة المحترفين من العيار الثقيل مثله,بل من المستوى الأول. فمن يكسب في لعبة السكوت والظل هذه؟. طالت المدة رغم قصرها وهو لا يتنفس حتى. خطوتها الأولى ثم مر ثوبها الأسود به,لا يعرف ولم ينتبه معطف أم فستان كان.
انتبهت إليه ولكن سريعا طوق رقبتها بـ الوتر الفضي.
خنقها مثلما يفعل مع أي انثى أخرى من البشر,فهي مجرد امرأة. يمكن خنقها لولا أنها ستقطع خانقها إلى نتف صغيرة بأسنانها ومخالبها. ربما تصنع منه عصيرا تضيف إلى نبيذها في الليالي المقمرة. ولكنها تغدوا ضعيفة مثل أي حسناء لا تملك سوى جمالها,حين تلامس بشرتها الفضة.
ضاق السلك حول عنقها,وكانت ترتدي سلسلة ذهبية كأنها تغيظة,فأكثر التضييق كأنه يضيق عليها عقدها كذلك.
بعد الانتهاء من الجثة عليه انتظار شقيقها,شقيقها قادم. أخرج مسدسه وحشاه بالرصاصات الفضية ثم تذكر أن الأمر معكوس هنا. الذئب يموت بوتد خشبي في صدره بدلا من مصاص الدماء.
كان الأمر أصعب مما يتصور,لأن الكلب الكبير تشمم رائحة الموت أمام البيت,شعاع القمر في الأفق يلقي بظله أمامه والليل يلقي بظلامه على الموجودات من حوله.
لم يسمح بأي تأخير من جسده,انقض خارجا فانقض عليه الذئب,مزقه بعنف صانعا فجوت قوسية كبيرة في معصمه الأيسر وكتفه الأيمن وعضة صغيرة عند عنقه ونهش جزء من أحشاءه وربما قضم قضيبه أيضا. كانت عضات عشواية ربما بسبب الوتد الخشبي الذي استقر في صدر الذئب,بقوة دفع القاتل للأعلى.
استدعي الطبيب لزيارة بيت عائلة خريم مع التأكيد على مقدمة بأكبر سرعة ممكنة,وقد جاء على عجل ممتطيا حصانه كأنه على عجل سيارة فيراري في هذه المنطقة ذات الطراز القوطي القديم.
دخل ليتعرف على العائلة,فقط ليتعرف عليهم,بخطوات ثقيلة في معطفه الأبيض,ومزيج بين فارس وطبيب في هيئته وقسمات وجهه. على البوابة وجد كل أفراد العائلة بانتظاره حتى المريض بينهم. نعم. عرفه أول ما نظر له. وهو حتى الآن يحاول أن يعتاد العادات الغريبة لتلك العائلة.
في نفس اللحظة,كان هناك مخطط آخر,تقدم زعيم العصابة بخطوات ثابتة,بصحبته عشرين رجلا مقاتلا شرسا.
الزومبي يتساقط جلده وأسنانه وشعره وعيونه وأطرافه,ويعيد لملمتهم إلى جسده ولكن لا يلتصق الجزء بالكل,ويأبى تماما أن يفعل ذلك. رأسه يتدحرج أسفل الكرسي فيحاول أن يعيده مكانه.
رائحة نتنة تفوح منه,والدود يتجول في بعض الشقوق بأنحاء جسده. دخل عليه أول اللصوص وأطلق رصاصة واحدة أصابت رأسه وفجرت مخه. ليتهاوى جسده ميتا بالفعل هذه المرة.
المومياء ملتف في تابوته حوله أربطته القماشية,والميت يظل ميتا,وميت آخر بلا رأس, وفرانكنشتاين تم تكوينه من أجزاء متناثره,وميت تم تجميده ليظل حي,فهو ميت ومجمد وحي,وميت لا يموت ولكن يميت,ومصاص دماء خالد.
تسكن عائلة الموتى في بيت الموتى.
أمسك الكتاب بكلتى يديه وفتحه على مصراعيه حتى منتصف صفحاته,ورأى الشيطان في الكتاب لكنه استمر في القراءة حتى أحرقه وقضى عليه.
ويمكن تصنيف الأشباح من حيث العمق,إلى أشباح بسيطة,وهي ذلك النوع الذي هلك استعمالا في أفلام الرعب الأمريكية. أشياء تتحرك لوحدها,أصوات لا تعرف مصدرها,خيالات تظهر على حافة البصر وتختفي ما أن تنظر إليها. هذا منزلق خطير للجنون وتحطيم الأعصاب. وفي بعض الحالات يستلزم الأمر سنوات من الضغط الماورائي على الضحايا لدفعهم إلى حافة الإنهيار.
ثم هناك ذلك النوع الآخر,تلك الأشباح اللعينة ذات الشخصيات المركبة,الفريدة,و الغير نمطية.
من النماذج الشهيرة هناك سمارا,الشبح الساكن داخل شريط فيديو,والتي تخلص منها بإحراق الشريط.
توجه بعد ذلك إلى الساحرة,وهذه مجرد إمرأة عادية تملك قدرات خارقة,لكن بلا أي حصانة من نوع ما. معزولة في غابتها,وقد تسلل إليها ببراعة,يقف خلفها. بحبل غليظ التف حول عنقها قام بشنقها.
ميدوسا وضع أمامها مرآة.
الوحش البحري حاول أن يسلط عليه وحش آخر ولكن لم يفلح,فاستدرجه خارج المياه وقتله.
الغول أضعفه ببذور الكتان,وضربه بالسيف فقتله,ولم يستسلم لتوسلاته كي يقطع رأسه بالسيف. فهو يعلم أن السيف إذا لمسه مرة أخرى خلال وقت قصير من مقتله سيعود للحياة مرة أخرى,ولن يقدر على قتله حينها.
العفريت أرهقه كثيرا كي يتمكن من هزيمته,لقد تجاهل كل الحركات والمشاغبات التي يصنعها في منزله. أشياء تتحرك,تتطير,تتحطم. لا يهم. يعيد إحياء صور من الماضي فيجسد مشاهد له مع أطفاله,يجعله أقرب ما يكون إلى احتضانهم. لا يهم. يخيل إليه أن المنزل يحترق. لا يهم حتى لو يحترق فعلا فهو لن يقع فريسه لخداعه.
-لن تنطلي عليّ ألاعيب العفاريت والأشباح هذه
ظل ثابتا حتى انهار العفريت كما في كتب الدم,وحورية البحر عشقته فماتت من كمدها.
ثم أتاه الموت,فغلبه هذا الأخير.
الموت.
13-ألبوم صور
جميلة
تركيب